من سورة النبأ إلى سورة العلق
(1099)
وَقُلْ لاَبِثِينَ الْقَصْرُ (فَـ)ـاشٍ وقُلْ وَلاَ كِذَاباً بِتَخْفِيفِ الْكِسَائِيِّ أَقْبَلاَ
أي القصر فيه يريد - لابثين فيها أحقابا - فلابث ولبث من باب حاذر حذر وفاره وفره وقد مضيا في سورة الشعراء ومنه طامع وطمع وقال الزمخشري اللبث أقوى لأن اللابث من وجد منه اللبث ولا يقال لبث إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه وقال الفراء أجود الوجهين بالألف يعني لأجل نصب ما بعده لأن إعمال ما كان على وزن فاعل أكثر من إعمال فعل وأما - كذابا - بالتخفيف فمصدر كذب مثل كتب كتابا وبالتشديد مصدر كذب مثل كلم كلاما وفسر فسارا وموضع الخلاف قوله تعالى - لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا - يعني أهل الجنة جعلنا الله منهم لا يسمعون فيها كذبا ولا تكذيبا وقيده الناظم بقوله ولا احترازا من النهي قبله - وكذبوا بآياتنا كذابا - فهو مجمع على تشديده لأن فعله معه وقال الزمخشري فعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره وسمعني بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله
(1100)
وَفي رَفْعِ يَا رَبُّ السَّموَاتِ خَفْضُهُ (ذَ)لُولٌ وَفِى الرَّحْمنِ (نَا)مِيهِ (كَـ)ـمَّلاَ أي
أي خفض الباء من - رب السموات - للكوفيين وابن عامر وحفص النون من - الرحمن - لعاصم وابن عامر فخفضهما على البدل من ربك ويجوز في - الرحمن - أن يكون صفة أو عطف بيان ومن رفعهما كان على تقدير هو رب السموات الرحمن أو يكون - رب - مبتدأ - والرحمن - خبره أو - الرحمن - نعته أو عطف بيان له  - ولا يملكون - خبره ومن غاير بينهما وهو حمزة والكسائي خفضا باء - رب - على البدل ورفع - الرحمن - على الابتداء - ولا يملكون - خبره أو على تقدير هو الرحمن واستئناف لا يملكون وتقدير البيت وخفض الرفع في الرحمن ناقله كملا لأنه كمل الخفض في الحرفين معا يقال نميت الحديث إذا بلغته والله أعلم.
(1101)
وَنَاخِرَةً بِالْمَدِّ (صُحْبَتُـ)ـهُمْ وَفي تَزَكَّى تَصَدَّى الثَّانِ (حِرْمِيٌّ) اثْقَلاَ
نخزة وناخزة واحد أي بالية وفي قراءة القصر زيادة مبالغة وفي قراءة المد مؤاخاة رءوس الآي قبلها وبعدها وأما - فقل هل لك إلى أن تزكى - وفي سورة عبس - فأنت له تصدى - فثقل الحرميان الحرف الثاني من الكلمتين وهما الزاي والصاد فهذا معنى قوله الثاني أي ثاني حروفهما والأصل تتزكى وتتصدى بتاءين فمن ثقل أدغم ومن خفف حذف على ما سبق في - تظاهرون - وتقدير حرمي أثقل الحرف الثاني في تزكى وتصدى فقوله الثاني مفعول أثقلا والألف في أثقل يجوز أن تكون للإطلاق وأن تكون ضمير التثنية حملا على لفظ حرمي فإنه مفرد وعلى معناه الآن مدلوله اثنان وألقى حركة همزة أثقلا على تنوين حرمي وحذف الياء من الثان ولم يفتحها وهو مفعول به ضرورة وجاء لفظ الثاني منها ملبسا على المبتديء يظن أن تصدى موضعان الخلاف في الثاني فيهما وإنما ذكر الثاني هنا كقوله ءآلهة كوف يحقق ثانيا أي ثاني حروفه ولأجل أن مراده أثقلا الحرف الثاني في هاتين الكلمتين عدل إلى حرف في عن أن يقول وأن تزكي على لفظ التلاوة والله أعلم.
(1102)
فَتَنْفَعُهُ فِي رَفْعِهِ نَصْبُ عَاصِمٍ وَأَنَّا صَبَبْناَ فَتْحُهُ (ثَـ)ـبْتُهُ تَلاَ
الرفع عطف على يذكروا والنصب على أنه جواب الترجي من لعله يزكي كما تقدم من (فاطلع)، في سورة غافر (وأنا صببنا)، كسرة على الابتداء وفتحه على أنه بدل من طعامه أي فلينظر إلى أصل طعامه قال أبو علي هو بدل اشتمال لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه فهو على نحو (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)، (قتل أصحاب الأخدود) بالنار، (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره)، لأن الذاكرة كالمشتمل على المذكور وقال - إلى طعامه - والمعنى إلى كونه وحدوثه وهو موضع الاعتبار وأنا صببنا في البيت مبتدأ وثبته مبتدأ ثان وفتحه مفعول تلا ومعنى ثبته أي ناقله وقارئه الثبت يقال رجل ثبت بسكون الباء أي ثابت القلب ويقال هذا شيء ليس بثبت بفتح الباء أي ليس بحجة والله أعلم.
(1103)
وَخَفَّفَ (حَقٌّ) سُجِّرَتْ ثِقْلُ نُشِّرْتْ (شَـ)ـرِيعَةُ (حَقٍّ) سُعِّرَتْ (عَـ)ـنْ (أُ)ولِى (مَـ)ـلاَ
التخفيف في هذه الكلمات الثلاثة والتشديد سبق لها نظائر ولم يبين القراءة المرموزة في سعرت إحالة على ما نص عليه في الحرف قبلها وهو الثقل فهو مثل ما أحال - سكرت - في أول الحجر على ما قبله وهو ورب خفيف والملأ الأشراف والرؤساء يشير إلى أن هذه القراءة مأخوذة عن جماعة أصحاب شيوخ أكابر أخذوها عنهم
(1104)
وَظَا بِضَنِينٍ (حَـ)ـقُّ (رَ)اوٍ وَخَفَّ فِي فَعَدَّلَكَ للْكُوفِي وَ(حَقُّـ)ـكَ يَوْمُ لاَ
الأولى أن نكتب بضنين بالضاد لوجهين، أحدهما أنها هكذا كتبت في المصاحف الأئمة قال الشاطبي رحمه الله في قصيدة الرسم والضاد في بضنين تجمع البشر، والثاني أن يكون قد لفظ بالقراءة الأخرى فإن الضاد والظاء ليسا في اصطلاحه ضدين، فإن قلت فكيف تصح حينئذ إضافة الظاء إلى هذا اللفظ وليس فيه ظاء، قلت يصح ذلك من جهة أن هذا اللفظ يستحق هذا الحرف باعتبار القراءة الأخرى ولهذا يجوز لك أن تقرأ قوله في سورة النساء - ويا سوف تؤتينهم - عزير بالنون ومعنى بظنين بالظاء من الظنة وهي التهمة أي ما هو بمتهم على ما لديه من علم الغيب الذي يأتيه من قبل الله تعالى ومعناه بالضاد ببخيل أي لا يبخل بشيء منه بل يبلغه كما أمر به امتثالا لأمر الله تعالى وحرصا على نصح الأمة وعلى على هذه القراءة بمعنى الباء وذلك ثابت لغة وقد سبق في شرح قول وليس على قرانه متأكلا ويكون سبب العدول عن الباء إليها استقامة معناها على القراءتين أو كراهة لتكرار الباء لو قيل - بالغيب بضنين - وقال الفراء في تفسير بضنين يقول يأتيه غيب السماء وهو منقوش فيه فلا يبخل به عليكم ولا يضن به عنكم وقيل المعنى إنه جامع لوصفين جليلين وهما الاطلاع على علم الغيب وعدم البخل كما تقول هو على علمه شجاع أي جامع للوصفين واختار أبو عبيد القراءة بالظاء وقال إنهم لم يبخلوه فيحتاج إلى أنه ينفي عنه ذلك البخل إنما كان المشركون يكذبون به فأخبرهم الله تعالى أنه ليس بمتهم على الغيب وجواب هذا أن يقال وصفه الله تعالى بذلك لحرصه على التبليغ وقيامه لما أمر به ولا يتوقف نفي البخل عنه على رميهم إياه به، فإن قلت إذا كانت الكتابة بالضاد فكيف ساغ مخالفتها إلى الظاء، قلت باعتبار النقل الصحيح كما قرأ أبو عمرو - وقتت - بالواو مع أن أبا عبيد قد أجاب عن هذا فقال ليس هذا بخلاف الكتاب لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما في المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى قال فهذا قد يتشابه في خط المصحف ويتدانا قال الشيخ صدق أبو عبيد فإن الخط القديم على ما وصف وقال الزمخشري هو في مصحف عبد الله بالطاء وفي مصحف أبي بالضاد وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بهما وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ومعرفة مخرجيهما مما لا بد منه للقاريء فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين فإن فرقوا ففرقا غير صواب وبينهما بون بعيد ثم ذكر مخرجيهما على ما سيأتي بيانه في باب مخارج الحروف ثم قال ولو استوى الحرفان لما ثبت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان ولا اختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب قلت وقد صنفت مصنفات في الفرق بين الضاد والظاء مطلقا وحصرت كلمات الحرفين ونظم جماعة من شيوخ القراءة ما في القرآن العظيم من الظاءات فيعلم بذلك أن ما عدا ما نظموه يكون بالضاد وقد ذكرت في ذلك فصلا بديعا في مختصر تاريخ دمشق في ترجمة عبد الرزاق بن علي في حرف العين وقوله فعدلك بالتخفيف أي عدل بعضك ببعض فكنت معتدل الخلقة متناسبها فلا تفاوت فيها، قال عبد الله بن الزبعري قبل إسلامه (وعدلنا ميل بدر فاعتدل)، وبالتشديد معناه قومك وحسنك وجعلك معتدلا فهما متقاربان ومعنى البيت خف الكوفي في قراءة فعدلك بالتخفيف ثم قال وحقك - يوم لا - يعني رفع - يوم لا تملك - لأنه بدل من يوم الذي قبله أو على تقدير هو يوم لا تملك والنصب على تقدير تدانون أي تجازون يوم كذا لأن لفظ الدين بدل عليه أو بإضمار أعني أو على تقدير اذكر وقيل بدل من - يوم الدين - الذي بعد - يصلونها - وقيل ومبنى لإضافته إلى لا كما تقدم في مثل ما فيجوز على هذا أن تكون على ما تقدم من وجهي الرفع ووجوه النصب قال الشيخ وقوله وحقك يوم لا أضاف يوم إلى لا لأن اليوم مصاحب لها، قلت لا حاجة إلى هذا الاعتذار فإنه حكاية لفظ القرآن وقيدها بذلك احترازا من ثلاثة قبلها مضافة إلى الدين
(1105)
وَفِي فَاكهِينَ اقْصُرْ (عُـ)ـلاً وَخِتاَمُهُ بِفَتْحٍ وَقَدِّمْ مَدَّهُ (رَ)اشِداً وَلاَ
، فاكهين وفكهين واحد المد والقصر كما سبق في لابثين ولبثين وفارهين وفرهين أي انقلبوا معجبين متنعمين متلذذين فرحين، وأما - ختامه مسك - فقرأه الكسائي بفتح الخاء وقدم الألف على التاء فصار خاتمه كما قرأ عاصم وخاتم النبيين - قال الفراء الخاتمة والختام متقاربان في المعنى إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر قال أبو علي خاتمه آخره وختامه عاقبته والمراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة وأرجها مع طيب الطعم وعن سعيد بن جبير ختامه آخر طعمه وقوله ولا بفتح الواو أي ذا ولاء أي نصر لهذه القراءة لأن أبا عبيد كرهها وقال حجة الكسائي فيها حديث كان يرويه عن علي ولو ثبت عن علي لكان فيها حجة ولكنه عندنا لا يصح عنه قلت قد أسند الفراء في كتاب المعاني عن علي وعلقمة فقال حدثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي أنه قرأ خاتمه مسك قال وحدثنا أبو الأحوص عن أشهب بن أبي الشعثا المحاربي قال قرأ علقمة بن قيس خاتمة مسك وقال أما رأيت المرأة تقول للعطار اجعل لي خاتمه مسكا تريد آخره وتفسيره أن الشارب يجد آخر كأسه ريح المسك والله أعلم.
(1106)
يُصَلَّى ثَقِيلاً ضمَّ (عَمَّ رِ)ضاً (دَ)نَا وَبَا تَرْكَبَنَّ اضْمُمْ (حَـ)ـياً (عَمَّ نُـ)ـهَّلاَ
ضم فعل ما لم يسم فاعله في موضع الحال أيضا أي مضموم الياء وعم خبر يصلى أي عم رضاه أو ذا رضى وقراءة الباقين يصلى سعير مضارع صلى كما قال تعالى - سيصلى نارا - ثم قال اضمم باء - لتركبن طبقا - ذا حيا ولحيا بالقصر الغيث ونهلا جمع ناهل وهو الشارب أي مشبها حيا عام النفع وهو خطاب للإنسان فهو يفتح الباء على اللفظ وبضمها لأن المراد بالإنسان المخاطب الجنس ومعنى - طبقا عن طبق - أي حالا بعد حال من شدائد أحوال القيامة وأهوال مواقفها قيل هي خمسون موقفا كل حالة منها مطابقة للأخرى في الشدة والهول وقيل غير ذلك والله أعلم.، وفي نظم هذا البيت نظر في موضعين أحدهما يصلى فإنه لم ينص على فتح الصاد ولا سكونها والثاني قوله وبا - تركبن - ولم يقيد لفظ الباء بما تتميز به من التاء وكلمة تركبن فيها الحرفان وكل واحد منهما قابل للخلاف المذكور وكان يمكنه أن يقول، (يصلى بيصلى عم دم رم وتركبن بالضم قبل النون حز عم نهلا)
(1107)
وَمَحْفُوظٌ اخْفِضْ رَفْعَهُ (خُـ)ـصَّ وَهْوَ فِي الْمَجِيدِ (شَـ)ـفَا وَالْخِفُّ قَدَّرَ (رُ)تِّلاَ
الخفض نعت للوح وهو موافق لما يطلقه الناس من قولهم اللوح المحفوظ قرأه نافع بالرفع جعله صفة لقرآن في قوله - بل هو قرآن مجيد - أي هو قرآن مجيد محفوظ في لوح والضمير في قوله هو للخفض أي اخفض رفع - ذو العرش المجيد - فيكون نعتا للعرش ورفعه على أنه خبر بعد ثلاثة أخبار لقوله - وهو الغفور - والتخفيف والتشديد في - قدر فهدى - سبق مثله في - والمرسلات - قوله والخف على تقدير وذو الخف وقدر عطف بيان له أو يكون قدر مفعول والخف نحو الضرب زيدا أعلم
(1108)
وَبَلْ يُؤْثِرُونَ (حُـ)ـزْ وَتَصْلى يُضَمُّ (حُـ)ـزْ (صَـ)ـفَا يُسْمَعُ التَّذْكِيرُ (حَقٌّ) وَذُو جِلاَ
الغيب والخطاب في تؤثرون ظاهران وكذلك - تصلى نارا - بضم التاء وفتحها وتأنيث - لاغية - غير حقيقي فجاز تذكير الفعل المسند إليها وهو يسمع هذا على قراءة من رفعها وأما من نصبها على المفعولية ففتح التاء من تسمع على ما يأتي وقوله وذو جلا أي جلاء بالمد بمعنى انكشاف وظهور وهو تتمة للبيت والرمز حق وحده
(1109)
وَضَمَّ (أَ)ولُوا (حَقٍّ) وَلاَغِيَةٌ لَهُمْ مُسَيْطِر اشْمِمْ (ضَـ)ـاعَ وَالْخُلْفُ (قُـ)ـلِّلاَ
يعني ضم التاء من تسمع نافع وضم الياء ابن كثير وأبو عمرو فالمجموع ضم أول يسمع ولاغية لهم بالرفع لأن تسمع على قراءة الثلاثة فعل ما لم يسم فاعله وإن كان أوله مختلفا فيه بينهم دائرا بين التاء والياء وقراءة الباقين بتاء الخطاب أي لا تسمع أنت وأيها السامع فيها لاغية فإن قلت من أين علم ذلك وهو إنما ذكر التذكير فضده التأنيث وهو حاصل في قراءة نافع أما قراءة غيره فبالخطاب، قلت لما اشتركوا مع نافع في القراءة بالتاء وإن اختلف مدلولها تأنيثا وخطابا تجوز في أن جعل قراءتهم ضدا للتذكير فهو كما سبق في - ولتستبين - في سورة الأنعام ويجوز أن تكون التاء في قراءة الجماعة للتأنيث أيضا على أن يكون فاعلها ضميرا عائدا على الوجوه في قوله تعالى - (وجوه يومئذ ناعمة) - أي لا تسمع تلك الوجوه فيها لاغية وقوله أولوا حق أي أصحاب حق وأما - لست عليهم بمصيطر - فاشم الصاد زايا خلف كما فعل في الصراط وفي المصيطرون في الطور وعن خلاد في ذلك خلاف ولكون هذه القراءة قد عرفت لخلف وخلاد من سورتي الفاتحة والطور أطلق الإشمام ولم يبين أنه بالزاي فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ومعنى ضاع فاح وانشر والخلف قللا لأن من المصنفين من لم يذكر لخلاد إلا أحد الوجهين إما الصاد الخالصة كالجماعة وإما الإشمام مثل خلف فذكر الخلاف قليل
(1110)
وَبِالسِّينِ (لُـ)ـذْ وَالْوَتْرِ بِالْكَسْرِ (شَـ)ـائِعٌ فَقَدَّرَ يَرْوِي اليَحْصَبْيُّ مُثَقَّلاَ
أي وقرأ بمصيطر بالسين هشام وحده على أصل الكلمة والباقون بالصاد وتعليل هذه القراءات كما سبق في الصراط والوتر بكسر الواو وفتحها لغتان قال أبو عبيد وبكسر الواو نقرؤها لأنها أكثر في العامة وأفشى ومع هذا إنا تدبرنا الآثار التي جاء فيها ذكر وتر الصلاة فوجدناها كلها بهذه اللغة لم نسمع في شيء منها الوتر يعني بالفتح قال والمعنى فيهما واحد إنما تأويله الفرد الذي هو ضد الشفع وقال مكي وغيره الفتح لغة أهل الحجاز والكسر لغة بني تميم، وأما - فقدر عليه رزقه - فالتخفيف والتشديد فيه لغتان وهو بمعنى ضيق والتخفيف أكثر في القرآن
(1111)
وَأَرْبَعُ غَيْبٍ بَعْدَ بَلْ لاَ (حُـ)ـصُولُهاَ يَحُضُّونَ فَتْحُ الضَّمِّ بِالْمَدِّ (ثُـ)ـمِّلاَ
أي وأربع كلمات تقرأ بالغيبة ثم بين مواضعها فقال حصولها بعد لفظ - بل لا - يريد - كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون - وتأكلون - وتحبون - انفرد أبو عمرو بقراءة الغيب والباقون بالخطاب ووجهها ظاهر وقرأ الكوفيون - تحاضون - من المحاضة أي يحض بعضكم بعضا وأصلها تتحاضون فحذفت التاء الثانية كما في نظائره ومعنى ثملا أي أصلح أي فتح ضمه أصلح بالمد لأنه لا يستقيم إلا به ويعني بفتح الضم فتح الحاء المضمومة من تحضون في قراءة الباقين
(1112)
يُعَذِّبُ فَافْتَحْهُ وَيُوثِقُ (رَ)اوِياً وَيَاءان فِي رَبِّي وَفُكَّ ارْفَعَنْ وِلاَ
يعني فتح ذال يعذب وثاء يوثق على بناء الفعلين للمفعول والهاء في عذابه للإنسان على قراءة الكسائي هذه وقراءة الباقين بكسرهما على بناء الفعلين للفاعل وهو أحد والهاء في عذابه عائدة على الله تعالى أي هو متولي الأمور كلها لا معذب سواه أي إن عذاب من يعذب في الدنيا ليس كعذاب الله ويجوز أن يكون الها عائدة على الإنسان أيضا واختاره الشيخ أبو عمرو ليفيد المعنى زيادة عذاب هذا الإنسان على غيره وإذا عاد الضمير إلى الله تعالى لم يفد هذا المعنى بخلاف قراءة الفتح فإن على كلا التقديرين يحصل هذا المعنى فإن الهاء إن عادت على الإنسان فظاهر على ما سبق وإن عادت على الله تعالى كان المعنى لا يعذب أحد مثل تعذيب الله تعالى لهذا الإنسان واختار أبو عبيد قراءة الفتح وأسند فيها حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال مع صحة المعنى فيها لأن تفسيرها لا يعذب عذاب الكافر أحد ومن قرأ بالكسر فإنه يريد لا يعذب عذاب الله عز وجل أحد قال وقد علم المسلمون أنه ليس يوم القيامة معذب سوى الله تعالى فكيف يكون لا يعذب أحد مثل عذابه وأراد بقوله وياءان في ربي أن هذا اللفظ الذي هو ربي تكرر في هذه السورة في موضعين ففيه ياءان من ياءات الإضافة يريد - ربي أكرمن - و - ربي أهانن - فتحهما الحرميان وأبو عمرو وفيها أربع زوائد تقدم نظمها في آخر سورة تبارك - يسر - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير - بالواد - أثبتها في الوصل ورش وفي الوقف ابن كثير على اختلاف عن قنبل أكرمن وأهانن أثبتهما في الوصل نافع وأبو عمرو على اختلاف عنه وفي الوقف البزي والنون في قوله ارفعن نون التوكيد الخفيفة التي تبدل ألفا في الوقف ومثلها في القرآن - لنسفعن بالناصية - و - ليكونا من الصاغرين - وولا بالكسر أي متابعا فهو مفعول من أجله أو التقدير ذو ولاء فيكون حالا وليست الواو فاصلة فإن المسألة لم تتم بعد أي ارفع الكاف من قوله تعالى في سورة البلد - (فك رقبة) - لمن يأتي ذكره ثم ذكر ما يفعله هذا الرافع في رقبة فقال
(1113)
وَبَعْدَ اخْفِضَنْ وَاكْسِرْ وَمُدَّ مُنَوِّناً مَعَ الرَّفْعِ إِطْعَامٌ (نَـ)ـداً (عَمَّ فَـ)ـانْهَلاَ
النون في اخفضن للتوكيد أيضا يريد اخفض الكلمة التي بعد فك وهي رقبة فهي مخفوضة بإضافة فك إليها لأن فك بعد أن كان فعلا ماضيا في القراءة بفتح الكاف صار برفعها اسما مضافا إلى رقبة وقوله واكسر يعني همزة إطعام والمد زيادة ألف بعد العين والتنوين مع الرفع في الميم فيبقى إطعام معطوفا على فك فهما اسمان في هذه وفي الأخرى هما فعلان ماضيان فقوله إطعام مفعول اكسر ومد أي افعل فيه الكسر والمد والتنوين والرفع وقوله ندا أي ذا نداء وقوله عم فانهلا أراد فانهلن فأبدل من النون ألفا أي فاشرب يقال منه نهل بكسر الهاء ينهل فوجه هذه القراءة أنها تفسير للعقبة والتقدير هي فك رقبة أو إطعام وعلى قراءة الباقين يكون فك رقبة بدلا من - فلا اقتحم - وما بينهما اعتراض كما قيل في يوم لا تملك المنصوب أنه بدل من يوم الدين وقد اعترض بينهما جمل في ثلاث آيات
(1114)
وَمُؤْصَدَةٌ فَاهْمِزْ مَعاً (عَـ)ـنْ (فَـ)ـتىً (حِـ)ـمىً وَلاَ (عَمَّ) فِي وَالشَّمْسِ بِالْفاَءِ وَانْجَلاَ
معا يعني في سورتي البلد والهمز والهمز في مؤصدة وتركه لغتان وقد تقدم الكلام فيها في باب الهمز المفرد ومعنى مؤصدة مطبقة وقوله عن فتى أي ناقلا له عن فتى حماه وأما - ولا يخاف عقباها - في سورة والشمس فقرأها نافع وابن عامر بفاء موضع الواو على ما في المصحف المدني والشامي وهو عطف على ما قبله من الجمل المعطوفات بالفاء فقال لهم - فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها - وقرأ الباقون بالواو على ما في مصاحفهم وهي واو الحال أي فسواها غير خايف والضمير في ولا يخاف يرجع إلي من رجع إليه الضمير في فسواها وقيل يرجع إلى الرسول وقيل يرجع إلى العاقل وقراءة الفاء ترد هذه القول ومعنى فدمدم عليهم أرجف بهم وقيل أطبق العذاب عليهم والضمير في فسوها للدمدمة أو لآية ثمود أي فسوى الدمدمة بينهم أو فسواهم في ذلك لم يفلت منهم أحدا فقول الناظم ولا مبتدأ وعم خبره أي ولا في والشمس عم بالفاء وأنجلا أي كفا.