سورة الفرقان
(920)
وَيَأْكُل مِنْهَا النونُ (شَـ)ـاعَ وَجَزْمُنَا وَيَجْعَلْ بِرَفْعٍ (دَ)لَّ (صَـ)ـافِيهِ (كُـ)ـمَّلاَ
يريد - أو تكون له جنة يأكل منها - الياء في يأكل والنون ظاهران وأما (ونجعل لك قصورا) فرفعه على الاستئناف وجزمه على العطف على موضع جواب الشرط الذي هو جعل لك على لغة من يجزم جواب الشرط إذا كان فعل الشرط ماضيا وهو اللغة الفصيحة ويجوز أن تكون هذه القراءة بالرفع وإنما أدغم اللام من يجعل في لام لك كما يفعل أبو عمرو في غير هذا الموضع فيتحد تقدير القراءتين وكملا جمع كامل وهو مفعول دل أي دل حسن هذا اللفظ وصفاؤه رجالا كاملين عقلا ومعرفة فقرءوا به وإن كانت القراءة الأخرى كذلك والله أعلم.
(921)
وَنَحْشُرُ يَا (دَ)ارٍ (عَـ)ـلاَ فَيَقُولُ نُونُ شَامٍ وَخَاطِبْ تَسْتَطِيعُونَ (عُـ)ـمَّلاَ
يريد - ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله - الياء فيه والنون أيضا ظاهران وأراد ذو يا قاريء دار أي عارف وعملا صفة دار أو صفة يا والخلاف أيضا في فيقول بالياء والنون ظاهر فابن عامر قرأ بالنون فيهما وابن كثير وحفص بالياء فيهما والباقون بالنون في نحشرهم والياء في فيقول لقوله بعد - ءأنتم أضللتم عبادي - وكل ذلك من تلوين الخطاب كما في أول سورة الإسراء والياء في يستطيعون للآلهة والخطاب لعبادها وتستطيعون في البيت مفعول خاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه ومثله في النمل وتخفون خاطب وتقدم في الأنعام وخاطب شام، ويجوز أن يكون في كل هذه المواضع على حذف حرف الجر، أي خاطب بهذا اللفظ وعملا جمع عامل وهو حال من فاعل خاطب وهو وإن كان لفظه أمر المفرد فالمراد به الجمع كأنه قال وخاطب أيها الرهط والقوم أو الفريق القراءة وقال الشيخ يستطيعون بدل من قوله وخاطب أو عطف بيان وعملا مفعول خاطب، قلت لا يبين لي وجه ما ذكر في تستطيعون وأما جعل عملا مفعول خاطب فيجوز على أن يكون يستطيعون مفعولا بعامل مقدر أي قارئا يستطيعون وأراد بالعمل المخاطبين يستطيعون لأنهم كما قال الله تعالى (عاملة ناصبة)، وإن كان مراد الشيخ بما ذكره أن المأمور بالخطاب هو لفظ تستطيعون جعله مخاطبا لهم لما كان الخطاب فيه كقولك قم زيد، فهذا على حذف النداء أي قم يا زيد فكذا التقدير وخاطب يا يستطيعون أي يا هذا اللفظ ولا يبعد في التجوز تمثيل ذلك كما تخاطب الديار والآثار ويطرد هذا الوجه في نحو وخاطب تعصرون وما أشبهه
(922)
وَنُزِّلَ زِدْهُ النُّونَ وَارْفَعْ وَخِفَّ وَالْمَلاَئِكَةُ المَرْفُوعُ يُنْصَبُ دُخْلُلاَ
لفظ بقراءة ابن كثير وبين ما فعل فيها فقال زده النون أي زده النون الساكنة لأن النون المضمومة موجودة في قراءة الباقين وارفع يعني اللام لأنه صار فعلا مضارعا فوجب رفعه وخف يعني تخفيف الزاي لأن قراءة الباقين بتشديدها على أنه فعل ماض لما لم يسم فاعله وهو مطابق للمصدر الذي ختمت به الآية وهو تنزيلا ومصدر قراءة ابن كثير إنزالا إلا أن كل واحد منهما يوضع موضع الآخر أنشد أبو علي، (وقد تطويت انطواء الخصب)، وقال حيث كان تطويت وانطويت يتقاربان حمل مصدر ذا على مصدر ذا ولا حاجة إلى أن يقال الناظم لم ينبه على إسكان النون ذهابا إلى أن المزيدة هي الأولى بل تجعل المزيدة هي الثانية وتخلص من الاعتراض ومن الجواب بأن خف ينبيء عن ذلك وبأن الزاي إذا خففت لم يكن بد من إسكان النون فهب أن الأمر كذلك فمن أين تعلم قراءة الباقين أنها بالضم وهو لم يلفظ بها، فإن قلت في التحقيق الزائدة هي الأولى لأنها حرف المضارعة والثانية هي أول الفعل الماضي، قلت صحيح إلا أن الناظم لا يعتبر في تعريفه إلا صورة اللفظ ألا تراه كيف قال في يوسف وثان ننج احذف فأورد الحذف على الثانية ليصير الفعل ماضيا وإنما المحذوف حرف المضارعة فكذا هنا ونصب ابن كثير الملائكة لأنه مفعول وننزل ورفعه الباقون لأنه مفعول ونزل ودخللا حال لأن قبله (لولا أنزل علينا الملائكة) فهو مداخله ومرافقه في اللفظ والمعنى
(923)
تَشَقَّقُ خِفُّ الشِّينِ مَعْ قَافَ (غَـ)ـالِبٌ وَيَأْمُرُ (شَـ)ـافٍ وَاجْمَعُوا سُرُجاً وِلاَ
يريد (ويوم تشقق السماء بالغمام) وفي سورة ق، (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا)، الأصل فيها تتشقق فمن خفف حذف إحدى التاءين ومن شدد أدغم الثانية في الشين قال أبو علي قال أبو الحسن الخفيفة أكثر في الكلام لأنهم أرادوا الخفة فكان الحذف أخف عليهم من الإدغام فهذا معنى قوله غالب أي تخفيف الشين فيه مع حرف قاف أكثر من تشديدها في اللغة ثم قال ويأمر شاف أراد - أنسجد لما تأمرنا - أي بالغيب لإطلاقه والباقون بالخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- والياء إخبار عنه قال ذلك بعضهم لبعض وخاطبه بعضهم به وقيل - لما تأمرنا - المسمى بالرحمن وإن كنا لا نعرفه ثم قال وأجمعوا سرجا يعني (وجعل فيها سراجا) يقرؤه حمزة والكسائي بالجمع على إرادة الشمس والنجوم العظام وقال الزجاج أراد الشمس والقمر والكواكب العظام معهما، قلت فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك (وقمرا منيرا) من باب قوله وملائكته - وجبريل وميكال - والإفراد للشمس كما جاء في سورة النبأ (وجعلنا سراجا وهاجا) وفي سورة نوح (وجعل الشمس سراجا)، وقيل المراد بالسرج النجوم دون الشمس وهي المصابيح المذكورة في الآية الأخرى فكأنه سبحانه أشار إلى ما يظهر في السماء ليلا وهو القمر والنجوم والقراءة بالإفراد تحتمل ذلك على إرادة الجنس كما في نظائره أو أراد به الشمس فيكون مجموع القراءتين الصحيحتين قد أفاد مجموع النجوم والقمرين وولا بالكسر وهو مفعول له أو حال أي لأجل المتابعة أو ذوي متابعة
(924)
وَلَمْ يَقْتِرُوا اضْمُمْ (عَمَّ) وَالْكَسْرَ ضُمَّ (ثِـ)ـقْ يُضَاعَفْ وَيَخْلُدْ رَفْعُ جَزْمٍ (كَـ)ـذِي (صِـ)ـلاَ
أي اضمم أوله وضم أيضا كسره وهو في الثاني، وإنما قال في الثاني ضم الكسر ولم يقل في الأول ضم الفتح لأن الكسر ليس ضدا للضم والفتح ضده فالذين ضموا الثاني فتحوا الأول والذين ضموا الأول كسروا الثاني والباقون فتحوا الأول وكسروا الثاني وهم ابن كثير وأبو عمرو، قرءا من قتر يقتر مثل ضرب والكوفيون من قتر يقتر مثل يقتل ونافع وابن عامر من أقتر يقتر مثل أكرم يكرم وكل ذلك لغات في تضييق النفقة وقيل أقتر خلاف أيسر يدل عليه على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقال في معنى التضييق وكان الإنسان قتورا فهذا من قتر وفي مضارعه لغتان الكسر والضم مثل يعكفون ويعرشون، وقال أبو حاتم لا وجه للإقتار ههنا، إلا أن يذهب به إلى أن المسرف يفتقر سريعا، قال أبو جعفر النحاس تعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه لأن أهل المدينة عنده لا يقع في قراءتهم الشاذ وتأول لهم أن المسرف يفتقر سريعا، قال وهذا تأويل بعيد ولكن التأويل لهم أن أبا عمرو الجرمي حكى عن الأصمعي أنه يقال للإنسان إذا ضيق قتر يقتر ويقتر وقتر يقتر وأقتر يقتر، قال فعلى هذا تتضح القراءة وإن كان فتح الياء أصح وأقرب متأولا وأشهر وأعرف، ومن أحسن ما قيل في معناه قول أبي عبد الرحمن الجبلي من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام وأما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فالرفع فيهما على الاستئناف والجزم على البدل من يلق أثاما لأنهما في معنى واحد، وقوله رفع جزم، أي ذو رفع جزم فيهما، وقوله كذى صلا في موضع الحال، أي مشتهرا اشتهار ذي الصلاء، أي موقد النار لقصد جمع الأصناف أو يكون التقدير كن كذى صلا أي تقرأ العلم لأضيافك وهم المستفيدون المستحقون لذاك
(925)
وَوَحَّدَ ذُرِّيَّاتِنَا (حِـ)ـفْظُ (صُحْبَةٍ) وَيَلْقَوْنَ فَاضْمُمْهُ وَحَرِّكْ مُثَقِّلاَ
يريد ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا إفراد الذرية وجمعها ظاهران، وقد سبق مثلهما في الأعراف، وأما - ويلقون فيها تحية - فاضمم ياءه وافتح لامه وثقل قافه لغير صحبة من قوله - ولقاهم نضرة وسرورا - وهو موافق لقوله - يجزون الغرفة - وقرأه صحبة من لقى يلقي نحو - تحيتهم يوم يلقونه سلام - وقال في ضدهم - فسوف يلقون غيا - وهما ظاهران أيضا والله أعلم.
(926)
سِوى (صُحْبَةٍ) وَالْيَاءُ قَوْمِي وَلَيْتَنِي وَكَمْ لَوْ وَلَيْتٍ تُورِثُ الْقَلْبَ أَنْصُلاَ
سوى صحبة خبر قوله - ويلقون - أي هو قراءة سوى صحبة فحذف المضاف واعترض بين المبتدإ وخبره بقوله فاضممه وحرك مثقلا وحقه أن يتأخر وفيها من ياءات الإضافة ياءان - إن قومي اتخذوا - فتحها نافع وأبو عمرو والبزي - يا ليتني اتخذت - فتحها أبو عمرو وحده ثم أن لفظ ليتني أذكر الناظم رحمه الله قصة الظالم الذي يعض على يديه يوم القيامة ويقول - يا ليتني اتخذت مع الرسول - يا ويلتي لم أتخذ - فيندم ويتأسف ويتمنى في وقت لا ينفعه ذلك فتمم الناظم البيت بما بينه العقلاء على الاستعداد خوفا من وقوع مثل ذلك وأنصلا جمع نصل أي تورث القلب ألما كألم وقوع النصول في القلب فيقول المتندم المتأسف لو أني فعلت كذا ولو أني ما فعلت وهذه كلمة قد نهى الشرع عنها، ففي صحيح مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال إن أصابك شيء فلا تقل لولا أني فعلت ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان، وأضاف الناظم كم إلى حرفي لو وليت والمراد المرات المقولة بهذين اللفظين حكى لو بلفظها وأعرب ليت فخفضها ونونها لأنه أجراهما ههنا مجرى الأسماء في الإخبار عنها، وقد استعمل الفصحاء ذلك فتارة حكوا وتارة أعربوا، قال أبو زيد الطائي، (ليت شعري وأين مني ليت إن ليتا وإن لوا عناء)، وقال أبو تمام، (قولي نعم ونعم إن قلت واجبة قالت عسى وعسى جسرا إلى نعم)، وأدخل بعضهم الألف واللام فقال، (والمرء مرتهن بسوف وليتني وهلاكه في السوف ثم الليت)، وأفرد تورث وهو خبر عن اثنين اختصارا واستغناء بالخبر عن أحدهما نحو ولا ينفقونها في سبيل الله - وأنث لفظ تورث باعتبار الكلمة ويجوز تذكيره باعتبار اللفظ والحرف