المبحث التاسع
المبحث التاسع 2210
المواقف الإقليمية من قضية القدس
أولاً: الموقف الإسلامي
1. رابطة العالم الإسلامي
في المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقد خلال الفترة من 18-20 مايو 1962 بمكة المكرمة، قرر المؤتمر عد القدس وفلسطين في المكانة الأولى من جميع القضايا الإسلامية.
كما أعلن بطلان كل الإجراءات الإسرائيلية في فلسطين والهادفة إلى إقرار الأمر الواقع. وأحال المؤتمر إلى رابطة العالم الإسلامي، دراسة آليات تجنيد المسلمين لخدمة قضية الأرض المقدسة، وحشد الطاقات الإسلامية لإنقاذها.
وفي الدورة الثانية للمؤتمر، الذي عُقد خلال الفترة من 17-24 أبريل 1965، أكد أن قضية فلسطين هي القضية الأولى في العالم الإسلامي، وأنه من الواجب المحتم العمل على إنقاذ البلاد المقدسة التي تضم المسجد الأقصى وأن ذلك أصبح واجباً شرعياً وإنسانياً على جميع المسلمين.
كما أعلن رفضه لمقررات الأمم المتحدة الخاصة بتقسيم فلسطين وتدويل القدس.
ولقد ناشد المؤتمر الدول الإسلامية، تزويد مناطق الحدود الفلسطينية بالسلاح اللازم لحماية الأماكن المقدسة، أي قبل عامين من العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في يونيه 1967، واستيلائها على مدينة القدس كاملة.
بدعوة من الأمانة العامة للرابطة الإسلامية، عُقد مؤتمر المنظمات الإسلامية في مكة المكرمة، خلال الفترة من 6 - 10 أبريل 1974، وضم وفوداً من المنظمات والمؤسسات الإسلامية، بلغ عددها 140 وفداً.
وكانت قضية القدس في مقدمة الموضوعات التي تناولها المؤتمر، حيث أكد أن السيادة العربية على مدينة القدس أمر لا يجوز التنازل عنه، وإنشاء صندوق إسلامي تموله الدول الإسلامية لدعم صمود أهل مدينة القدس.
كذلك عُقد أول مؤتمر لرسالة المسجد، خلال الفترة من 20-23 سبتمبر 1975، حضره وفود دول ومنظمات وأقليات إسلامية من ثمانين دولة، إضافة إلى الأمانة العامة للرابطة الإسلامية.
ولقد أوصى المؤتمر بتشكيل كتائب الجهاد الإسلامية، لإنقاذ المقدسات بالتعاون مع المجاهدين من أهل فلسطين، مع تشكيل لجنة دائمة تحت اسم لجنة المسجد الأقصى، يكون مقرها رابطة العالم الإسلامي، لمتابعة العمل الجاد لاسترداد المقدسات الإسلامية.
كان للأمانة العامة للرابطة الإسلامية دور فاعل، في عقد المؤتمر الإسلامي الآسيوي الأول في كراتشي خلال الفترة من 6-8 يوليه 1978.
حيث تصدرت القدس وفلسطين قضايا العالم الإسلامي التي ناقشها المؤتمر.
كما حث الحكومات الإسلامية على اتخاذ القرارات الفعالة، لتحرير المسجد الأقصى، والمسجد الإبراهيمي، وجميع الأراضي المحتلة.
كذلك كان للرابطة دور فاعل في المؤتمر الثالث لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي عقد في مكة المكرمة، خلال الفترة من 17-19 يونيه 1980.
حيث ناشد المؤتمر الدول الإسلامية، بالتجاوب مع مساعي مؤتمر القمة الإسلامية، الهادفة لجمع طاقات العالم الإسلامي، لمواجهة العدوان الإسرائيلي وتطهير القدس وتحرير فلسطين.
استجابة لدعوة الأمانة العامة للرابطة الإسلامية، عُقد المؤتمر الإسلامي لأمريكا الجنوبية في البرازيل، خلال الفترة من 27-29 سبتمبر 1985.
ولقد انبثق عن المؤتمر العديد من اللجان، كان أهمها لجنة القدس.
حيث ناقش المؤتمر ما تتعرض له المقدسات الإسلامية في فلسطين، وخاصة المسجد الأقصى، من انتهاك لحرمتها.
كما أدان عمليات الحفر والتنقيب التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية حول المسجد الأقصى، واقتحام القوات الإسرائيلية المساجد والمقدسات الإسلامية.
عُقد المؤتمر الإسلامي العام الثالث، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، خلال الفترة 11-15 أكتوبر 1987.
وطالب المؤتمر بضرورة الإعداد للجهاد لتحرير الأرض المحتلة والقدس الشريف، ومواصلة الجهاد في سبيل الله باستنفار الشعوب الإسلامية، كما شجب المؤتمر الاعتداء على المسجد الأقصى وصلاة اليهود فيه، وكذلك الاعتداء على المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل.
أكدت الأمانة العامة للرابطة الإسلامية في تقريرها السنوي عام 1993، استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية في القدس.
وفي أغسطس 1995، أصدرت الأمانة العامة بياناً، تحذر فيه من أن إسرائيل تخطط لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود في إطار السياسات الإسرائيلية العدوانية.
كذلك أوضحت الخطط الإسرائيلية، لإحاطة القدس بالمستوطنات، بهدف تغيير الأوضاع الديموجرافية بالمنطقة.
ولقد استقر رأي الأمانة العامة للرابطة الإسلامية، على أن قضية القدس هي قضية المسلمين الأولى، وأهم القضايا التي تواجه العرب والمسلمين اليوم، والصراع فيها صراع وجود وعقيدة.

2. منظمة المؤتمر الإسلامي:
عقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعاً طارئاً، على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة، خلال شهر أغسطس 1969، عقب إحراق المسجد الأقصى.
ولقد تدارس المجلس الإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها، حيث أكد ضرورة عقد مؤتمر قمة إسلامي، وعُهد لكل من المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية الإعداد لعقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول، الذي عُقد في الرباط خلال الفترة من 22-25 سبتمبر 1969، واشترك فيه 25 دولة إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها مراقب.
وخلال هذا المؤتمر، خُطط لإقامة منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث عُقد المؤتمر الإسلامي الثاني، في لاهور بباكستان، خلال الفترة من 22-24 فبراير 1972.
وخلال هذا المؤتمر، عُبِّر عن الموقف الإسلامي الموحد تجاه القدس، والذي أكد عدم قبول الدول الإسلامية قاطبة أي اتفاق أو بروتوكول أو تفاهم يكرس استمرار الاحتلال لها، أو تكون موضوع مساومة أو تنازلات، وأن انسحاب إسرائيل من القدس ضرورة ثابتة، ولن تقبل أي سيادة غير عربية عليها.
كما طالب بإلغاء جميع إجراءات ضم القدس العربية إلى إسرائيل، أو تغيير الطابع العربي التاريخي للمدينة، وعد هذه التدابير والإجراءات باطلة.
انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي، خلال دورة انعقاده الثاني، لجنة القدس، التي ترأسها العاهل المغربي، والتي أقرت إنشاء وكالة الإنقاذ، بهدف تجميع الأموال من المسلمين، لمواجهة الموقف في القدس، والمعاونة في بناء المساكن وترميم المعالم الإسلامية، والتدخل بمساعدات مالية لمنع بيع الأراضي العربية من جانب من تجبرهم السلطات الإسرائيلية على ذلك.
كذلك أقر تشكيل فريق اتصال بمقر الأمم المتحدة على مستوى المندوبين الدائمين للدول أعضاء لجنة القدس، بهدف المتابعة والتنسيق لتنفيذ قرارات اللجنة فيما يتعلق بالأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن بشأن مدينة القدس.
عُقد المؤتمر الإسلامي الثالث والعشرون لوزراء الخارجية في كوناكري بجمهورية غينيا خلال الفترة من 9-12 ديسمبر 1995.
وكانت قضية القدس في مقدمة الموضوعات التي بحثت في المؤتمر، حيث صدر عن المؤتمر القرار الرقم 3/23س، الذي أكد أن قضية القدس تشكل جوهر القضية الفلسطينية التي هي قضية المسلمين الأولى، وأن السلام الشامل والعادل لن يتحقق إلا بعودة مدينة القدس.
كما طالب المؤتمر الأعضاء دعم منظمة التحرير الفلسطينية، وتقديم جميع المساعدات للشعب الفلسطيني، للمحافظة على المقدسات الإسلامية في القدس، ودعم صمود أهلها ومؤسساتها للتصدي للمخططات الإسرائيلية، الهادفة إلى طمس معالم القدس العربية الإسلامية.
خلال اجتماعات لجنة القدس في دورتها السادسة عشرة، في الفترة من 26-27 مارس 1997 بالرباط، أعلنت اللجنة في قراراتها رفضها التعنت الإسرائيلي وإصرار إسرائيل على بناء مستوطنة في جبل أبي غنيم، كما حذرت اللجنة الحكومة الإسرائيلية من سياستها الاستفزازية تجاه العرب.
وطالبت اللجنة من الدول الإسلامية، التي أقامت علاقات مع إسرائيل، بقطع هذه العلاقات حتى تنصاع إسرائيل إلى قرارات الأمم المتحدة وتنفيذ الاتفاقيات الدولية.
عُقدت القمة الإسلامية الثامنة في العاصمة الإيرانية طهران، خلال الفترة من 9-11 ديسمبر 1997، وفي ختام أعمال القمة الإسلامية، صدر إعلان طهران الذي عكس رؤية منظمة المؤتمر الإسلامي لمختلف القضايا التي يواجهها العالم الإسلامي وفي مقدمتها قضية القدس.
حيث أكد أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، كما دعا إعلان طهران إلى تضافر الجهود، من أجل استعادة القدس العربية على أن تكون عاصمة لفلسطين، وأن قضية فلسطين والقدس تشكل قضية المسلمين الأولى.
وطالب بعدم قيام إسرائيل بتغيير الوضع الجغرافي والسكاني من أجل تهويد المدينة المقدسة، ودعا إلى دعم صمود سكان مدينة القدس العرب، وعدم نقل البعثات الدبلوماسية إليها، والضغط على إسرائيل لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وربط التطبيع معها بما يتحقق من تقدم في المسيرة السلمية.

3. موقف المجلس الأعلى العالمي للمساجد:
تعد قضية القدس من أهم قضايا المجلس الأعلى للمساجد، وفي إطار تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة أكد المجلس في دورته الرابعة عشرة، والتي عُقدت خلال الفترة من 4-9 فبراير 1990 عد قضية المسجد الأقصى والقدس وفلسطين، إضافة إلى بعدها الفلسطيني والعربي، قضية إسلامية بالدرجة الأولى.
ولذلك فإن العمل على تحرير القدس وفلسطين التزام إسلامي، تعهدت به الأمة الإسلامية لتنفيذه.
ولذلك طالب المجلس وسائل الإعلام في العالم الإسلامي بمواصلة التعريف بقضية المسجد الأقصى والقدس، وتوضيح الحقوق الفلسطينية والعربية أمام الرأي العام العالمي.
كما أوصى المجلس الأمانة العامة، بإقامة ندوة دولية عن القدس الشريف في الولايات المتحدة الأمريكية والعواصم الأوروبية، لتعريف شعوبها وإقناعها بعدالة قضية القدس.
ومع توالي اجتماعات المجلس الأعلى للمساجد، تعددت قراراته وتوصياته بشأن قضية القدس.
ففي الدورة السادسة عشرة، التي عقدت خلال الفترة، من 2-7 ديسمبر 1994، أكد المجلس الأعلى للمساجد قرار المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الداعي إلى عقد مؤتمر دولي حول القدس لتعزيز ثوابت المسلمين في هذه القضية، وتأكيد تصميمهم على عودة القدس إلى السيادة الإسلامية والعربية.
كما استنكر المجلس عملية تقسيم المسجد الإبراهيمي.
وفي الدورة السابعة عشرة، والتي عُقدت خلال الفترة من 18-20 ديسمبر 1996، أكد المجلس أن السلام في المنطقة لن يتحقق إلا بعودة مدينة القدس إلى السيادة الإسلامية بوصفها عاصمة لدولة فلسطين المستقلة.
كما أدان المجلس استمرار تنفيذ عمليات الحفر والتنقيب في القدس الشريف، وخاصة عملية فتح النفق تحت جدار وأساسات المسجد الأقصى، والتي تهدد المقدسات الإسلامية.
كما أدان المجلس قرارات المحكمة الإسرائيلية، والصادرة في 25 يوليه 1996، بشأن السماح لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الأقصى، وكذلك القرار الصادر في 23 سبتمبر 1996، بوصف المسجد الأقصى جزءاً من أراضي دولة إسرائيل.
ولقد أقر المجلس أن ما تقوم به إسرائيل من استفزازات وتدابير، يؤكد أن السلام غير قائم، وأن إسرائيل تفرض مناخ الحرب، ولذلك أوصى المجلس الدول الإسلامية بالإعداد لمواجهة العدوان الإسرائيلي المحتمل.
خلال الدورة الثامنة عشرة للمجلس الأعلى للمساجد، والتي عُقدت في الفترة من 25-28 أكتوبر 1998، طالب المجلس الدول الإسلامية بمقاطعة الدول التي تستجيب للابتزاز الإسرائيلي بنقل سفارتها إلى القدس.
كما أوصى بالتعامل مع المستجدات في فلسطين، بوصف أن القدس عربية إسلامية يجب المحافظة عليها وعلى المسجد الأقصى، ولا يجوز التفريط بها،.
كما حذر المجلس من المخططات الإسرائيلية، الهادفة إلى تهويد الأراضي الفلسطينية، حتى تكون قاعدة انطلاق ضد الأمة العربية بأسرها.

4. المجمع الفقهي الإسلامي:
لقد تبنت جميع قرارات المجمع الفقهي الإسلامي، وجوب دعم الجهاد الفلسطيني، بكل وسائل الدعم المادية والمعنوية والسياسية والاقتصادية.
كما قرر المجلس جواز صرف بعض أموال الزكاة لصالح الجهاد الإسلامي.
كما طلب من الشعب الفلسطيني مواصلة الجهاد الإسلامي، لإعلاء كلمة الحق والدين، وحماية المسجد الأقصى.

5. منظمة العواصم والمدن الإسلامية وقضية القدس:
يُسهم صندوق تعاون العواصم والمدن الإسلامية التابع للمنظمة في الحفاظ على التراث الإسلامي بالقدس الشريف، وذلك من خلال تحمل الصندوق تكلفة الصيانة وترميم المدرسة الإشرافية بالقدس المطلة على الحرم القدسي منذ عام 1985.
كما يقدم صندوق المنظمة الدعم المادي لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، للمساعدة في أعمال البلديات الفلسطينية الأعضاء بالمنظمة، ومواجهة عمليات التخريب والتدمير التي تتعرض لها من جانب القوات الإسرائيلية، منذ الانتفاضة الأولى عام 1987.
ولقد استمر الصندوق في دعمه للمؤسسات الخيرية والطبية بالقدس، ومنها الجمعية الخيرية الإسلامية والمستشفى الملحق بها، ومستشفى الهلال الأحمر بالقدس، والجمعية العربية للأيتام بالقدس، ومدرسة دار الولد بالقدس، ومعهد الطفل بالقدس، واتحاد الجمعية الخيرية للقدس، وجمعية الاتحاد النسائي بالقدس، وكلية العلوم والتكنولوجيا بالقدس.
انطلاقاً من أهداف المنظمة، أصدر المؤتمر العام للمنظمة قراره الرقم 10/4 م.ع، في 24 سبتمبر 1986، على أساس أن المناطق القديمة للقدس، بتراثها الثقافي والعمراني والتخطيطي، ذات قيمة عالية، يجب العمل على حمايتها.
كما طالب الدول والحكومات الإسلامية والمنظمات الدولية، بمواجهة المخاطر التي تتعرض لها هذه المناطق، ذات التراث الثقافي والعمراني والتخطيطي المميز بتراثها الإسلامي ذي القيمة الكبيرة، في إطار عمل جماعي من جانب الحكومات والمنظمات وعواصم الدول الإسلامية.

6. البنك الإسلامي للتنمية وقضية القدس:
في إطار أهداف البنك الإسلامي للتنمية، والمتمثل في دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية، وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية، فلقد أسهم البنك في العديد من المشروعات وتقديم القروض للمؤسسات والمشروعات الإنتاجية، إضافة إلى تقديم المساعدات المالية لأغراض التنمية الاقتصادية.
وخلال هذه الجهود، قدم البنك مساعداته المالية لصالح الجمعيات والجامعات بالقدس، والتي تقدر بحوالي 50 مليون دولار.

7. المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ISECO:
عقدت الإسيسيكو ندوة عالمية، تحت رعاية العاهل المغربي الملك الحسن الثاني في مدينة الرباط، خلال الفترة من 19-21 أكتوبر 1993، حول القدس الشريف وتراثها الثقافي في إطار الحوار الإسلامي/ المسيحي.
ولقد أكدت الندوة عمق مكانة القدس الشريف في الوجدان الإنساني، كذلك وضح تشبث العالم الإسلامي بمدينة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وأنها مدينة مقدسة، مفتوحة أمام الديانات السماوية كافة في إطار التعايش الإنساني، دون المساس بحقوق العرب، سواء مسلمين أو مسيحيين فيها.
كما وجه المؤتمر تحيته لصمود الشعب الفلسطيني في القدس الشريف، وطالب المجتمع الدولي بتقديم الدعم المادي والمعنوي والأدبي لسكان القدس، حتى يمكنهم المحافظة على تاريخ وحضارة المدينة، وحماية المساجد ودور العبادة بمدينة القدس.

8. موقف الأزهر الشريف:
يُعَدّ موقف الأزهر الشريف من قضية القدس موقفاً ثابتاً، مهما تغيرت الظروف المحيطة. فرؤية الأزهر الشريف للقدس أنها مدينة عربية الأصل في النشأة والتكوين وإسلامية الهوية في السماحة والحكم.
ومن منطلق هذه الرؤية، طالب المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية، والذي عُقد في سبتمبر 1968 تحت إشراف الأزهر، المسلمين ألا يغفلوا واجبهم الديني في تخليص القدس وسائر الأراضي العربية المحتلة.
وفي المؤتمر الخامس أدان عملية حرق المسجد الأقصى في 12 أغسطس 1969، وطالب بالجهاد لدرء الخطر الزاحف وصون المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وفي المؤتمر السادس عام 1971، رفض المؤتمر أي حل لا يعيد الأراضي المحتلة إلى العرب، وفي مقدمتها مدينة القدس بكاملها سيادة وإدارة.
كما رفض فكرة تدويل القدس.
ولقد تمسكت مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية، بعد ذلك، في دورات انعقادها، بهذه الثوابت التي لم يحد عنها.
بات الأزهر الشريف يطالب المجتمع الدولي، بتأكيد عروبة القدس وهويتها الإسلامية، حيث ندد شيخ الأزهر بالحوادث التي ارتكبتها إسرائيل في المسجد الأقصى خلال شهر أكتوبر 1990، ولقد ندد الأزهر الشريف بالهجوم الإسرائيلي على المصلين في المسجد الأقصى في 25 فبراير 1994.
وفي أعقاب صدور قرار الكونجرس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أصدر الأزهر الشريف بيانه الذي أكد فيه عروبة مدينة القدس وهويتها الإسلامية، وأكد أيضاً أن قضية القدس هي قضية الأمة الإسلامية كلها.
وعندما قامت السلطات الإسرائيلية، يوم 24 سبتمبر 1996، بفتح النفق الممتد أسفل الرواق الغربي للحرم الشريف، تصدى عرب فلسطين لهذا العمل الأخرق، ووقعت مصادمات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، راح ضحيته العديد من القتلى والجرحى، ولقد وجه شيخ الأزهر تحية إلى الشعب الفلسطيني وهو يدافع عن المسجد الأقصى، وأكد فضيلته أن الدفاع عن المسجد الأقصى واجب مقدس، بوصفه أولى القبلتين وثالث الحرمين.
مع استمرار السلطات الإسرائيلية في سياستها الرامية إلى تهويد القدس، بإعلانها عن البدء في إقامة مستعمرة هارحوما في جبل أبي غنيم جنوب القدس، رفض الأزهر الشريف هذه الإجراءات.
حيث أعلن شيخ الأزهر، في 21 مارس 1997، وخلال مؤتمر شعبي كبير في الجامع الأزهر، داعياً "حي على الجهاد" دفاعاً عن القدس.
ومن ثم، يكون قد تأكد موقف الأزهر من قضية القدس، والذي يتمثل في عدم التفريط في أي حق من حقوق عرب فلسطين مسلمين أو مسيحيين، وأن الأزهر لا يقبل أي مساومة حيال مدينة القدس.

ثانياً موقف العالم المسيحي من قضية القدس:
1. الفاتيكان:
طالب الفاتيكان، منذ عام 1917، بوضع الأماكن المسيحية المقدسة الموجودة في مدينة القدس، تحت إشراف إدارة دولية، حتى يضمن عدم إخضاع هذه الأماكن وطرق الوصول إليها للسيطرة اليهودية عند إنشائها، أو حتى لا تكون تحت رعاية دولية بروتستانتية.
ولذلك، فإنه خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين 1920-1948، كان الفاتيكان يرفض فكرة دولة يهودية، إلا أنه في الوقت ذاته كان عاجزاً إزاء قرار التقسيم، وإزاء اندلاع حرب 1948.
لم يكن في مقدور الفاتيكان سوى إصدار بيان بابوي، في أكتوبر 1948، يعبر فيه عن حزنه إزاء عمليات العنف والتدمير، التي تتم في الأراضي الفلسطينية، ويطالب بالسلام العادل.
وفي أعقاب حرب 1967، وبعد تمكن إسرائيل من احتلال القدس العربية، تبنى الفاتيكان حماية السكان المسيحيين، كما أكد البعد الوطني القومي في القدس العربية.
وبصدور قرار الكنيست بضم القدس العربية في يوليه 1980، أدان الفاتيكان الإجراءات الإسرائيلية، كما أكد الارتباط الشديد للدين الإسلامي بالقدس.
وفي 17 يناير 1988، أعلن البابا يوحنا بولس الثاني، في مقر جمعية الصحفيين الأجانب برومانيا، أن الكرسي البابوي يساند حق اليهود في الحصول على وطن لهم، وأيضاً يساند الشعب الفلسطيني في الحصول على وطن لهم.
ومع بدء عملية السلام في مدريد عام 1992، تمكنت إسرائيل من حصولها على اعتراف الفاتيكان بها في 30 ديسمبر 1993.
وإذا كان الفاتيكان قد أقام علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أنه اختار تل أبيب موقعاً لسفارته، ومن ثم يكون ذلك اعترافاً صريحاً بأن الفاتيكان لا يعتد بما تتخذه إسرائيل حيال مدينة القدس.
في مايو 1993، أعلن عن وجهة نظر الفاتيكان في إطار أفكار عدة تحت عنوان القدس، والتي كان مجملها يعتمد على التفرقة بين الولاية الدينية والولاية السياسية. وفي 3 فبراير 1997، طالب بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني، بأن تكون القدس عاصمة لكل من فلسطين وإسرائيل، مع وضع الضمانات الكافية لحرية الأديان.
ولكن مع استمرار الجهود الإسرائيلية، صدرت وثيقة دينية عن الفاتيكان، تحت مسمى "جذور معاداة اليهودية في الأوساط المسيحية"، في صباح 16 مارس 1998، والتي وصفها البابا بأنها طلب غفران للأخطاء التي ارتكبها بعض المسيحيين في حق اليهود، إبان الحرب العالمية الثانية.
ولقد طالب بابا الفاتيكان أخيراً بتدويل القدس على أساس أنها من أهم المدن المقدسة في العالم، وعَبّر عن أمله في أن تكون مركزاً للقاء جميع شعوب العالم المتدينة.

2. موقف المجمع العالمي للكنائس:
عندما عُقدت الجمعية التأسيسية للمجمع عام 1948، كان الصراع بين العرب والصهيونية قائماً.
وعلى الرغم من اهتمام ممثلي الكنائس بالأحداث في الأراضي المقدسة، إلا أن المجمع امتنع عن اتخاذ موقف سياسي من النزاع، واكتفى بالتركيز على نواحي النزاع الإنسانية والدينية.
وقدم العديد من التقارير، التي تناولت الصراع المسلح في فلسطين، مع ضرورة إنشاء دولة إسرائيل، كذلك تناولت الجمعية التأسيسية للمجمع قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ولقد عالج تقرير الكنيسة قضية اللاجئين الفلسطينيين، ضمن قضية اللاجئين في العالم، إلا أنه بدأ بعد ذلك بالاهتمام بقضية اللاجئين خارج نطاق المجمع.
وتطورت مواقفه بصورة متوافقة مع تطورات أوضاع الشرق الأوسط، حيث أصدرت اللجنة المركزية للمجمع في أغسطس 1967 بياناً برفضها لاحتلال إسرائيل، الأراضي العربية في يونيه 1967، ويُعَدّ هذا البيان أقوى ما صدر عن المجمع.
لقد كانت جميع قرارات المجمع، بشأن قضية فلسطين والقدس، تتسم بنوع من الحلول الوسطية، بين تيارين يتنازعان السيطرة على مواقف المجمع، أحدهما مؤيد للموقف العربي وينبع من عدالة الحق العربي وجسامة المظالم التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، والآخر مؤيد لإسرائيل ناجم عن أن الكنائس الأوروبية والأمريكية تمثل أكثر من نصف أعضاء المجمع، إضافة إلى تأثر العديد من الكنائس بالدراسات اللاهوتية التي تربط بين القومية اليهودية والدين اليهودي، وتدعو المسيحيين إلى فهم الجذور الدينية للقومية اليهودية كمدخل إلى تقارب مسيحي ـ يهودي.
كما أن الكنائس الراغبة في إجراء حوار مع اليهود بوصفه رسالة روحانية، وجدت نفسها في حوار مع إسرائيل التي طرحت نفسها كممثل ليهود العالم، ما أدى إلى عدم قدرة الكنائس على الفصل بين اليهودية كدين سماوي وإسرائيل كدولة صهيونية ذات أكثرية يهودية.

3. موقف الكنيسة القبطية المصرية:
يتمثل موقف الكنيسة المصرية في رفضها السماح لرعاياها بالحج أو زيارة القدس منذ 25 أبريل 1970، بعد أن سمحت السلطات الإسرائيلية للرهبان الإثيوبيين بالاستيلاء على دير السلطان والتحرش بالحجاج وإبعاد الرهبان المصريين.
وعلى الرغم من صدور حكم المحكمة الإسرائيلية، برد دير السلطان فوراً إلى أقباط مصر في 16 مارس 1971، إلا أن هذا الحكم لم يُنفذ.
ومن ثم، فقد أعلن البابا شنودة الثالث معارضته لأي إشراف دولي على مدينة القدس، عادّاً ذلك تنازلاً عربياً عن الحقوق العربية في المدينة المقدسة.
وفي اجتماع مجلس كنائس الشرق الأوسط، والذي عُقد في 2 مايو 1997 بدمشق، أكد البابا شنودة الثالث الثوابت القومية، ووجوب تحرير كل الأراضي العربية من الاحتلال الصهيوني واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة إلى الشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وندد بيان مجلس الكنائس بالمحاولات التي تستهدف فرض الأمر الواقع وتقرير مصير القدس من طرف واحد، كما ناشد البيان المسلمين والمسيحيين، في كل أنحاء العالم، الوقوف ضد الانتهاكات الإسرائيلية في القدس.
منقول من:
المبحث التاسع Mokate17
يتبع إن شاء الله...