طريق الإسلام
الحج وفضائله ومقاصده
الحج وفضائله ومقاصده Untit871
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحج ركن عظيم من أركان الإسلام العظيم، ومن استطاع الحج وتوفرت فيه شروط وجوبه، وجب عليه الحج على الفور، ولا يجوز له تأخيره.

قال ابن قدامة رحمه الله في (المغني): "من وجب عليه الحج، وأمكنه فعله، وجب عليه على الفور، ولم يجز له تأخيره".

وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].

والأمر على الفور، وروي عن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنه قال: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ». رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وفي رواية أحمد وابن ماجه: «فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه انتهى بتصرف.

ومعنى أن الأمر على الفور:
أنه يجب على المكلف فعل المأمور به بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر.

وسُئِلَ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
هل وجوب الحج على الفور أم علي التراخي؟

فأجاب:
"الصحيح أنه واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج بيت الله الحرام أن يؤخره، وهكذا جميع الواجبات الشرعية، إذا لم تُقيد بزمن أو سبب، فإنها واجبة على الفور" انتهى. (فتاوى ابن عثيمين [21/13]).

ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقول: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (رواه البخاري [1521]، ومسلم [1350])، وقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (رواه البخاري [1773]، ومسلم [1349]).

فالحج وغيره من صالح الأعمال من أسباب تكفير السيئات، إذا أداها العبد على وجهها الشرعي، وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة لا تكفر إلا الصغائر، أما الكبائر فلابد لها من توبة واستدلوا بما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (رواه مسلم [1/209]).

وذهب الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى وجماعة من أهل العلم إلى أن الحج المبرور يكفر جميع الذنوب؛ لظاهر الحديثين المذكورين. والله اعلم، انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/13).

مقاصد الحج
أما مقاصد الحج فهي مقاصد عظيمة، وأهدافه سامية، إليك شيئًا منها كما بينها الدكتور د. يحيي بن إبراهيم اليحيي:
 [1]- الارتباط بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن أبينا إبراهيم وبنائه للبيت إلى نبينا محمد رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وتعظيمه لحرمة مكة، فيتذكر الحاج حين تردده في المشاعر وأداء للشعائر تردد أولئك المطهرين في هذه البقاع الشريفة. روى مسلم [241] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- "بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-... وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي". قَالَ "ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ فَقَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا".

[2]- بياض اللباس ونقاؤه إشارة إلى طهارة الباطن ونقاء القلب وبياض الرسالة والمنهج، وفيه طرح للزينة، وإظهار للمسكنة، وتذكر الموت حين يلبس الإحرام ذلكم اللباس الشبيه بالكفن فكأنه مستعد للقدوم على الله جل وعلا.

[3]- الإحرام من الميقات، يجسد التعبد والرق لله بطاعته والاستسلام لأمره وشرعه، فلا يتجاوزه أحد لأنه أمر الله، والشرع شرعه سبحانه، وفي هذا وحدة الأمة وانتظامها وضبطها لئلا يحصل التفرق والاختلاف في تحديد المواقيت.

[4]- الحج شعار التوحيد من أول لحظة يتلبس به الحاج: قال جابر بن عبد الله في صفة حج النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «ثم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» (رواه مسلم [2137])..

[5]- تذكر الآخرة حين يجتمع الناس في صعيد واحد في عرفات وغيرها ليس بينهم تفاضل ولا تغاير الكل في هذا البلد سواء لا فضل لأحد على أحد فيه.

[6]- الحج شعار الوحدة فإن الحج جعل الناس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم وأماكنهم، فلا فضل لأحد على أحد: الملك والمملوك، الغني والفقير في ميزان واحد. فالناس سواسية في الحقوق والواجبات، وهم سواسية في هذا البيت الحرام لا فرق بين الألوان والجنسيات وليس لأحد أن يفرق بينهم. وحدة في المشاعر.. ووحدة في الشعائر، وحدة في الهدف.. وحدة في العمل. وحدة في القول "الناس من آدم، وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". أكثر من مليوني مسلم يقفون كلهم في موقف واحد.. وبلباس واحد.. لهدف واحد.. وتحت شعار واحد.. يدعون ربًا واحدًا.. ويتبعون نبيًا واحدًا.. وأي وحدة أعظم من هذه. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَ‌امِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِ‌دْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].

[7]- تربية على القناعة في اللباس والسكن حيث يلبس خرقة من قطعيتين فتكفيه، ويسكن في مكان بقدر نومه فيغنيه.

[8]- إرهاب أهل الكفر والضلال بهذا الاجتماع العظيم للمسلمين فإنهم وإن كانوا متفرقين مختلفين فإن مجرد اجتماعهم على اختلافهم في وقت معين ومكان معين يدل على إمكان اجتماعهم في غيره.

[9]- بيان أهمية الاجتماع والتآلف بين المسلمين فإن كل إنسان تجده يسافر وحده، بينما عند الحج تجده مع مجموعة....

[10]- التعرف على أحوال المسلمين من خلال المصادر الموثوقة، حيث يسمع المسلم من أخيه مباشرة عن أحوال إخوانه المسلمين في البلاد التي قدم منها.

[11]- تبادل المنافع والخبرات بين المسلمين عامة.

[12]- اجتماع أهل الرأي والعلم والحل والعقد من جميع البلدان وتدارس أحوال المسلمين وحاجاتهم، وأهمية تضامنهم وتعاونهم.

[13]- تحقيق عبودية الله تعالى في وقوفه في المشاعر إذ يترك المسجد الحرام، الذي هو أفضل البقاع ويقف بعرفات.
[14]- غفران الذنوب لقول النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

[15]- فتح باب الأمل لأهل المعاصي وتربيتهم على تركها ونبذها في تلك المشاعر؛ حيث يتركون كثيرًا من عاداتهم السيئة خلال فترة الحج وفي المشاعر.

[16]- بيان أن الإسلام دين النظام ففي الحج ترتيب للمناسك والوقت، كل عمل في مكانه وفي وقته المحدد له.

[17]- تربية النفس على النفقة في وجوه الخير والبعد عن الشح فالحاج يبذل الأموال الكثيرة من أجل الحج في الراحلة وفي الطريق وفي المشاعر.

[18]- اكتساب تقوى القلوب وصلاحها بتعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ‌ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].

[19]- تربية للأغنياء بترك تميزهم في لباسهم وسكنهم ومساواتهم للفقراء في اللباس والمشاعر من طواف وسعي ورمي، وفي هذا تربية لهم على التواضع، ومعرفة حقارة الدنيا.

[20]- مداومة الحاج على الطاعة وذكر الله تعالى في أيام الحج وهو ينتقل من مشعر إلى مشعر ومن عمل إلى آخر، وهذا بمثابة دورة سنوية مكثفة في طاعة الله وذكره.

[21]- تربية النفس على الإحسان إلى الناس فيرشد الضال، ويعلم الجاهل، ويساعد الفقير، ويقف مع العاجز والضعيف.

[22]- التخلق بالأخلاق الحسنة من الحلم وتحمل الأذى من الخلق، فإن الحاج لابد له من أن يتعرض لمزاحمة أو مخاصمة أو غير ذلك، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ‌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَ‌ضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَ‌فَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197].

[23]- التربية على الصبر وتحمل المشقة كالحر وطول الطريق والبعد عن الأهل والتردد بين المشاعر والزحام فيها.

[24]- التدرب على ترك العادات والتقاليد والمألوفات، فإن الحاج ملزم بكشف رأسه وترك لباسه. وسيترك ما اعتاده من سكن وطعام وشراب.

[25]- في سعي الحاج بين الصفا والمروة يتذكر أن من أطاع الله وتوكل عليه واعتصم به فإنه لا يضيعه بل يرفع ذِكْرَهُ، فهذه هاجر أم إسماعيل عليهما السلام لما قالت لإبراهيم: "آلله أمرك بهذا" قال: "نعم" قالت: "إذًا فلن يضيعنا" فرفع الله ذِكْرَها وبدأ الناس يسعون مثلها بما فيهم الأنبياء عليهم السلام.

[26]- تربية النفس على عدم اليأس من روح الله مهما اشتدت الخطوب وعظمت الكروب فإن الله بيده الفرج فهذه أم إسماعيل كاد وليدها أن يهلك، وبدأت تركض من جبل إلى آخر تتطلع للفرج فأتاها من حيث لا تحتسب إذ نزل الملك فضرب الأرض فخرج ماء زمزم وما فيه من شفاء لأمراض القلوب والأبدان.

[27]- يتذكر الحاج أنه في هذه المشاعر في ضيافة الرحمن فاجتماع الحج لم تدع له حكومة ولا هيئة ولا ملك ولا رئيس، إنما دعا إليه رب العالمين، وجعله مقامًا يلتقي فيه المسلمون على قدم المساواة لا فضل فيه لأحد على أحد، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِ‌جَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ‌ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:27-28]. وروى النسائي (2578) عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- «وَفْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ» (صححه الألباني في صحيح النسائي [2462]).

[28]- الموالاة للمؤمنين، يتمثل ذلك بقول رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-  «إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» (رواه البخاري [65]، ومسلم [3180]).

[29]- موسم الحج تبرز فيه المفاصلة التامة مع أهل الشرك والكفر ويحظر عدم حضورهم بأي وجه كان. حيث حُظِرَ عليهم دخول منطقة الحرم في كل وقت مهما كان المقصد قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِ‌كُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَ‌بُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَ‌امَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ  إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:28].

وروى البخاري أن أبا هريرة قال: "بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مُشرك ولا يطوف بالبيت عُريان".
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب