منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة فصلت الآيات من 36-40

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: سورة فصلت الآيات من 36-40   سورة فصلت الآيات من 36-40 Emptyالإثنين 06 سبتمبر 2021, 8:30 am

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ومن رحمة الله بنا أنه سبحانه لم يتركنا نهباً لهذا العدو الذي يتربص بنا، إنما أعطانا الحصانة التي نتحصَّن بها منه، فقال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ..) (فصلت: 36) ذكَّره بالله القوي، فإنْ كنتَ أنتَ ضعيفاً أمامه فاستعِنْ عليه بالإله القوي، وساعةَ يراك في جنب الله لا يجرؤ أبداً عليك، لأنك داخل في هؤلاء الذين استثناهم: (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ) (ص: 83).

وانتبه أنه لن يأتيك إلا على الصراط المستقيم ليفسده عليك، يأتيك في صلاتك ويُذكِّرك بما لم يكًُنْ لك على بال، وبأهم الأمور عندك في الدنيا، المهم عنده أنْ يفسد عليك الآخرة بأي ثمن.

فإذا وجدتَ في نفسك شيئاً من نَزْغه ووسوسته فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قُلْها في كل حال يأتيك فيه إبليس وأنت تصلي، وأنت تقرأ القرآن، وأنت في أيّ عبادة من العبادات.

لك أنْ تقول هذه الكلمة وهي لا تُخرجك من عبادتك على أيِّ حال، وعندما تداوم على هذه الكلمة سييأس منك ويبتعد عنك، ويعرف أنك صَلْبٌ قويٌّ تستمد قوتك من الله، عندها سينصرف عنك، ولم لا وأنت تعرف ألاعيبه وتكشف حيله؟

لكن الخيبة أن كثيرين منا ينساقون وراء الشيطان، ويُسْلمون له قيادهم، وما يفعله الشيطان مع هؤلاء أنه يعطيهم أول الخيط ويتركهم هم (يكرُّون) الباقي دون جهد منه ودون عناء، وهؤلاء هم الذين استزلَّهم الشيطان وأخضع رقابهم، فهم يسيرون في رَكْبه دون تفكير أو تأمُّل.

هَبْ أن لصاً جاء يحوم حول بيتك، فقلت: إحم، تريد أن تُسمعه ويعرف أنك يقظ، لا بدَّ أنه ينصرف، وقد يعتبر أنها مصادفة فيعاود مرة أخرى فتقول: إحم، إذن: ليست مصادفة بل أنت له بالمرصاد فأنت متيقظ، لذلك ينصرف عنك بلا رجعة، كذلك الشيطان.

قلنا: من غباء إبليس وغفلته أنْ يعلن لنا عن خططه في غواية بني آدم ويعلن عن أساليبه، والغباء يكون أعظم لمن عرف هذه الخطط وهذه الأساليب، وانساقَ وراءها ولم يأخذ الحيْطة.

وحين نتأمل قول إبليس: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ..) (الأعراف: 17) تلحظ أنه ترك جهتين لم يذكر أنه يأتي منهما: جهة أعلى وجهة أسفل.

لماذا؟

قالوا: لأن العلُو جهة التوجه إلى الله، جهة عِزِّ الربوبية، وجهة الأسفل تمثل ذُلَّ العبودية ساعة تسجد لله ذلاً وخضوعاً له سبحانه، فهاتان الجهتان لا يأتي منهما الشيطان.

وقوله: (إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ) (فصلت: 36) الذي لا يغيب عن سَمْعه شيء، فإنْ وسوس لك الشيطان بكلام سمعه وعلمه.

بعد أن بيَّن لنا القرآن هذا البيان، يعود ليلفتنا ثانياً إلى بعض آيات الله في الكون، فبهذه الآيات نستدل على وجود الخالق سبحانه وعلى قدرتهتعالى، حيث لو جاءت هذه الآياتُ على أيدي علماء كافرين بالله إلا أننا ننتفع بها، والله مساكين هؤلاء العلماء ينفعون البشرية كلها ولا ينفعون أنفسهم، لأنهم - كما قلنا- لا ينطلقون في اختراعاتهم وابتكاراتهم من منطلق الإيمان بالإله تبارك وتعالى، فهم كالمطايا ينتفع الناس بخيرهم، ولا ينالهم من ذلك شيء، اللهم إلا متاع الدنيا الزائل.

وأقرب آيات للإنسان نفسه لو تأملها، مثلاً درجة الحرارة الطبيعية للجسم 37 ْ تجدها ثابتة فيمَنْ يعيش عند خط الاستواء، وفيمن يعيش عن القطب الشمالي، وأنتم تعرفون نظرية الاستطراق الحراري، لكن قدرة الله تحتفظ للجسم بهذه الدرجة بصرف النظر عن الجو المحيط به.

ثم في داخل الجسم ذاته تجد حرارة الأعضاء مختلفة، فالعين لا تزيد درجة حرارتها عن 9 ْ، والكبد لا يؤدي مهمته إلا عند 40 ْ، وهما في جسم واحد وغلاف واحد، ومع ذلك لا يحدث استطراق للحرارة، وهذه آية ومعجزة لا يقدر عليها إلا الخالق سبحانه تأمل الدم سائل الحياة الذي يجري بداخلك لا بدَّ له من درجة سيولة معينة داخل الجسم، فإنْ قلَّتْ هذه السيولة تجلط وحدث شلل للجزء الذي تحدث به الجلطة والعياذ بالله، وإنْ زادتْ سيولته أدَّى إلى نزيف، فمَنْ يحفظ له هذه الدرجة من السيولة؟

الله!!          

 ثم يقول الحق سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ...).



سورة فصلت الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فصلت الآيات من 36-40   سورة فصلت الآيات من 36-40 Emptyالإثنين 06 سبتمبر 2021, 8:31 am

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ..) (فصلت: 37) (من) هنا تفيد التبعيض يعني: هذه بعضُ آياتهتعالى في الكون، وإلا فآيات الله في كونه كثيرة لا تتناهى، والآية هي الشيء العجيب في تكوينه وخَلْقه الدالّ على قدرة الله وحكمته وبديع صُنْعه.

(ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ..) (فصلت: 37) آيتان من آيات الله الكونية، والليل والنهار يكونان معاً اليوم الذي نعرفه، وهو من الوقت إلى مثله، قال تعالى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً..) (الحاقة: 7).

هذه الآيات الكونية المذكورة هنا (ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ..) (فصلت: 37) أخذتْ حظاً واسعاً في موكب الرسالات وفي العقائد، ففي قصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وهو يبحث عن الحق والحقيقة لما نظر في الكون من حوله، فرأى كوكباً قال: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ * فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ * فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام: 76-78).

إذن: فالشمس والقمر مرتبطان بالليل والنهار لهما مدخل في العقيدة، هذا المدخل في العقيدة ينتقل من قسم العقيدة وهي الإيمان بالإله الواحد إلى شيء آخر، هذا الشيء جُعل دليلاً إيمانياً على أمر شكَّ العربُ فيه لما نزل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم كانت دليلاً على عدم انقطاع الوحي عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

تعلمون قصة نزول الوحي على سيدنا رسول الله لأول مرة في غار حراء، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعاني ويتعب من لقاء الملَكِ لاختلاف الطبيعة الملائكية عن الطبيعة البشرية، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يذهب إلى أهله يقول مرة: زمِّلوني زمِّلوني، ومرة: دثِّروني دثِّروني لما كان يحدث في طبيعته -صلى الله عليه وسلم- من تغيير، لذلك كان الوحي في بدايته ثقيلاً على رسول الله، وقد قال تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (المزمل: 5).

وروى الصحابة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتفصَّد جبينه عرقاً لما ينزل عليه الملَك، والصحابي الذي كان يجلس بجوار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسند فَخِذَه عليه، وكان يجد ثِقَلاً لا يطيقه حينما ينزل الوحي على رسول الله.

لذلك أراد الحق سبحانه أن يخفف عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- هذه المعاناة، فانقطع الوحي لمدة ستة أشهر، ليستريح رسول الله وتذهب عنه متاعب التلقِّي الأولى، وليشتاق إلى لقاء الملَكْ من جديد، وإلى كلام الله الذي انقطع عنه، ولا شكَّ أن هذا الشوق سيعطيه طاقةَ لتحمُّل أمر الوحي والدعوة بعد ذلك.

رأى كفار مكة في انقطاع الوحي عن رسول الله مأخذاً، فقالوا: إن ربَّ محمد قلاه يعني: تركه وهجره، وهم لا يعلمون أن فتور الوحي ليس هَجْراً، إنما هو وداع الحبيب لحبيبه إلى لقاء آخر أعظم وأطول، ولذلك أنزل الله تعالى: (وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) (الضحى: 1-3).

هذا هو موضع الشاهد، أن الحق سبحانه أقسم لهم بالضحى وهو النهار، وبالليل إذا حَلَّ بظلامه، وجعل من هاتين الآيتين الكونيتين دليلاً على أن الوحي ما انقطع، إنما أراد الله لرسوله أن يرتاح من تعبه، وأنْ يعاود نشاطه لتلقّي الوحي من جديد، كما أنكم تتعبون في النهار وترتاحون في الليل.(وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) (الضحى: 1-3) ومعروف ان الضحى للشمس والليل للقمر، إذن: ففترة الوحي عن رسول الله يُراد بها التخفيف عنه، كما قال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ) (الشرح: 1-3).

والمراد: نشرح صدرك لنزول القرآن عليك فتشتاق إليه، ويكون عندك طاقة لاستقباله، فكأن القرآن أخذهم من الآيات الكونية المحسوسة إلى المعنويات، وجعل ما يرونه دليلاً على ما ينكرونه، يعني: إذا كنتم في حركة حياتكم اليومية تحتاجون لليل تسكنون فيه وترتاحون من عناء النهار، فكذلك رسول الله يحتاج إلى هذه الفترة ليرتاح فيها من عناء وثِقَل الوحي في بدايته، ليجدد نشاطه ويشتاق إلى لقاء الملَكِ من جديد.

لذلك قال تعالى بعدها(وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ) (الضحى: 4) فمعاودة الوحي ستكون أعظمَ من الأولى وخير منها، لأن المعاودة ستكون أطولَ وأقوى.

وكما دخلتْ هذه الآيات الكونية التي هي الليل والنهار والشمس والقمر في العقيدة في قصة سيدنا إبراهيم وفي الوحي المنزَّل على سيدنا رسول الله، كذلك دخلتْ في حَلِّ بعض الإشكالات في قضايا اجتماعية اهتم الإسلام بها، وهي قضية المساواة بين الرجل والمرأة.

وهذه قضية كَثُر الجدل فيها، وأخذها المغرضون ذريعة للهجوم على الإسلام، مع أن الإسلام أعظم دين أنصف المرأة وأعطاها حقوقها، وألزم المجتمع باحترامها، الإسلام ينظر إلى الرجل والمرأة على أنهما نوعان من جنس واحد يعني: هما في الأصل شيء واحد.

إذن: لا بدَّ أنْ يكون بينهما قدر مشترك ولما انقسما إلى قسمين ذكر وأنثى، صار بينها قدر غير مشترك، وصار لكل منهما مهمته في حركة الحياة، ولكي يوضح لنا السياق القرآني هذه المسألة قال تبارك وتعالى: (وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ) (الليل: 1-4) فكما أن الليل والنهار متكاملان متعاونان غير متعاندين، وكما أن لكل منهما مهمته في الحياة، هذا للعمل وهذا للراحة، فكذلك حال الرجل والمرأة، عنصران لشيء واحد، وهما يتكاملان ويتعاونان لا يتعاندان كالليل والنهار، فحين تنظرون إلى الرجل والمرأة لا تنظروا إليهما على أنهما نوعان مختلفان في الجنس قد يكون بينهما تعاند، لأنهما من جنس واحد، والجنس الواحد لا يُصادم بعضه بعضاً، الجنس الواحد رسالتُه واحدة، الكلّ يتعاون في حملها كُلٌّ بما يناسبه وبما خلقه الله له، وبما أعطاه من قدرات وإمكانيات.

وهذه قضية اختلفوا فيها، خاصة الملاحدة الذين نظروا إلى الجنس، ولم ينظروا إلى ما تحته من الذكر والأنثى، فرغم الاختلاف بين النوعين إلا أنهم أرادوا أن يكون لهما مهمة واحدة لا اختلاف بين الذكر والأنثى.

لذلك الحق سبحانه يعطينا هذا المثل التوضيحي: الليل والنهار، وهل مهمة الليل كمهمة النهار؟

لكلٍّ مهمته وطبيعته، ومَنْ يعاند هذه الطبيعة يتعب في حركة حياته.

كذلك جُعِل الرجلُ للعمل وللقوة والسعي، وجُعلَتْ المرأة للعاطفة واستقبال الأبناء وتربيتهم، خاصة وطفولة الإنسان هي أطول طفولة في الكائنات، والإشراف عليها مهمة المرأة ولا يجيدها الرجل.

فالحق سبحانه حينما يعطينا هذا المثل يعلِّمنا أن نرد ما اختلفنا فيه إلى ما اتفقنا عليه، فكما أننا لا نختلف في مهمة الليل ومهمة النهار، كذلك ينبغي ألاَّ نختلف في مهمة الرجل والمرأة، وألاَّ نُردد كلمة المساواة هكذا دون فَهْم لطبيعة كُلٍّ من الرجل والمرأة ودور كلٍّ منهما الذي خلقه الله له.

وفي موضع آخر يعلمنا الحق سبحانه هذه الحكمة من خلق الليل والنهار، فيقول سبحانه: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ) (القصص: 71-72).

وبعد ذلك، جعل سبحانه وتعالى للزمن مدخلاً آخر غير الليل والنهار، وهو فترات الزمن: الساعات والدقائق والثواني، وبها يتم ضبط الزمن، والساعة التي تضبط لك الوقت لا تؤدي هذه المهمة إلا إذا كانت هي نفسها منضبطة تماماً، لذلك جعل الله تعالى للشمس وللقمر مهمة أخرى هي مهمة ضبط الوقت، لذلك جعلهما منضبطتين في حركتهما بإحكام.

يقول تعالى: (ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (الرحمن: 5) يعني: بحساب دقيق محكم لا يختلف أبداً ولا يدخله فساد، ومن حركة الشمس والقمر نحسب الوقت خاصة الأمور الدينية التي لا نستطيع أن نضبطها إلا بهذه الحركة.

قال تعالى: (لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ..) (يونس: 5) فمن حركة الشمس أعرف الليل والنهار، ومن حركة القمر أعرف بدايات الشهور ونهاياتها.

إذن: من حركة الشمس والقمر والليل والنهار أستطيع أن أضبط حركة التكليف في الصلاة بأوقاتها المختلفة، هذه الأوقات التي تضمن دوام إعلان الولاء لله تعالى في كل وقت وفي كل مكان نتيجة لاختلاف المشارق والمغارب على مدار اليوم الكامل.

لذلك قال تعالى: (رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ..) (الشعراء: 28) وفي موضع آخر قال: (بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ..) (المعارج: 40) وقال(رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ) (الرحمن: 17).

نعم، هي مشارق متعددة ومغارب متعددة، لأن كلَّ مكان له مشرق وله مغرب، وكل مشرق في مكان مغرب في مكان آخر وهكذا، ألا تروْنَ في الصيام مثلاً أننا نفطر في القاهرة قبل الاسكندرية بخمس دقائق.

لماذا؟

لأن مشرق القاهرة غير مشرق الإسكندرية، ومغرب القاهرة غير مغرب الإسكندرية، لذلك نسمع المذيع يقول: مع مراعاة فروق التوقيت، أي: الفروق الزمنية بين كل مكان ومكان.

إذن: المتأمل في حركة الشمس يجدها في لحظة لها شروق ولها غروب، وعليه فذِكْر الله في الصلاة وفي الآذان يسيح في الزمن كله بلا انقطاع، لذلك يقول أهل التصرف: يا زمن وفيك كُلُّ الزمن، فأنت حين تصلي الفجر، هناك غيرك يصلي الظهر، وغيره يصلي العصر، وغيره يصلي المغرب، وغيره يصلي العشاء في الوقت نفسه وفي اللحظة نفسها، فتجد الحق سبحانه معبوداً في كل وقت بكل أنواع العبادة.

وإنْ أردتَ الدقة أكثر فاجعل هذه المسألة مرتبطة بعقرب الثواني في ساعتك لا عقرب الدقائق ولا الساعات، ففي كل ثانية لله مؤذن يُؤذِّن: الله أكبر.

وغيره يقول: أشهد ألاَّ إله إلا الله، وغيره في نفس اللحظة يقول: أشهد أن محمداً رسول الله وهكذا.

فكأن شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله دائمة بدوام الزمن لا تنقطع من الوجود أبداً.

ثم يعطينا الحق سبحانه ملحظاً آخر للشمس والقمر؛ لأنهما من أعظم المخلوقات، وعُرِف عنهما الثبات والدقة والعظمة في الخَلْق، حتى أن بعض الناس عبد الشمس أو القمر، فأراد الحق سبحانه أن يلفت الخلق إلى عظمة الخالق الذي هو أولى بالعبادة من مخلوقاته.

فجعل الشمس والقمر يعتريهما تغيير هو الكسوف والخسوف، فمهما كانتْ الشمس، ومهما كان القمر هما مخلوقان متغيران، والمتغير لا يكون معبوداً أبداً؛ لذلك قال سبحانه في الآية التي معنا: (لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت: 37).

الحق سبحانه في أول الآية قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ..) (فصلت: 37) والآية هي الشيء العجيب في الخَلْق البديع في نظامه وإحكامه، وهذا الخَلْق العظيم ينبغي أنْ يُعظّم بتعظيم الله له، لكِنْ لا يجوز أنْ يتعدَّى هذا التعظيم إلى حَدِّ العبادة، وإلى حَدِّ السجود للمخلوق مهما كان عظيماً، لأنه مخلوق مُتغيِّر، والإله لا يتغير من أجل العباد، لكن العبادَ يتغيرون من أجل الله.

وهذه المسألة تُفسِّر لنا قضية سجود الملائكة لآدم عليه السلام، فلم يكن سجودَ عبادة، إنما كان امتثالاً لأمر الله لهم بالسجود لآدم، لكن لماذا أسجد اللهُ الملائكة لآدم؟

قالوا: لأن آدم سينزل إلى الأرض، وستكون له حركة إعمار فيها، وستكون الملائكة في عَوْنه تساعده على أداء مهمته في الأرض، الملائكة الموكلون بأمور الدنيا وهم المدبِّرات أمراً، وكما قال تعالى في وصفهم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ..) (الرعد: 11).

فالملائكة الذين أُمروا بالسجود ليس هم كلّ الملائكة، إنما الذين لهم علاقة بالإنسان، فكأن الحق سبحانه يُعرِّفهم على هذا المخلوق الجديد، الذي سيكونون في خدمته، فاسجدوا له سجودَ خضوع وامتثال، ليعلموا أنهم في خدمته يُدبِّرون له الأمور.

لذلك ورد في الحديث الشريف: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون".

يعني: على هيئة ورديات دائمة لا تنقطع.

ومن الملائكة نوعٌ آخر لا دَخْلَ له بالإنسان، ولا علاقةَ له به، بل لا يدرون عن عالمنا هذا شيئاً، وهم العَالُون الذين قال الله فيهم في الحديث عن إبليس: (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ) (ص: 75).

إذن: إذا كان السابقون عظموا الشمس والقمر حتى سجدوا لهما، فاعلموا أن خالقهما أَوْلَى بالسجود: (لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت: 37) يعني: إن كنتم تأتمرون بأمره.

ملحظ آخر نأخذه من الشمس يُوقفنا على شيء غريب لم نكُنْ نعرفه من قبل، ففي سورة الكهف يحكي لنا القرآن سياحة ذي القرنين، فيقول سبحانه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ..) (الكهف: 83-86).

أي: مغرب الشمس في مرأى العين، لأنك لو وصلتَ إلى العين الحمئة فسوف تجد الشمس ما زالت بعيدة(وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (الكهف: 86) ذلك لأنه رجل مُمكَّن في الأرض، له منزلة وسلطان.

والمُمكَّن في الأرض مهمته أنْ يقيم فيها موازين العدالة ومعايير الصواب والعقاب، لأن حركة الناس في الدنيا لا تستقيم إلا إذا أُثيب المحسن وعُوقب المسيء.

(قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً*وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً) (الكهف: 87-88).

ثم تكلم عن مطلع الشمس، فقال: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً) (الكهف: 90) يعني: ليس بينهم وبينها حجاب يسترها، ولم يذكر لنا شيئاً بعد مطلع الشمس كما ذكر الدرس السابق عند مغرب الشمس، حيث كان له عمل ودور مع مَنْ أحسن ومن أساء، أما في مطلع الشمس فقال: (لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً) (الكهف: 90) وسكت، فكأن الهدف أنْ نعرف أن ذا القرنين وصل إلى مكان، نهاره طويل لا شيء يحجب الشمس فيه.

وبعد أن اكتشف العلماءُ خطوطَ الطول وخطوط العرض عرفنا أن بعض الأماكن عند القطبين يطول النهار حتى يصل إلى ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، وهذه لقطة من إعجاز القرآن العلمي.

فإنْ قلتَ: فكيف يفعل مَنْ يعيش في هذه الأماكن؟

كيف يصلي وكيف يصوم؟

نقول: يُقدِّر لليوم العادي مقداره، ولليل مقداره فيقسم الوقت إلى ليل ونهار كالمعتاد، وكذلك مَنْ كان ليله ثلاثة أشهر أو ستة أشهر.

ملحظ أخير يتعلق بصياغة الآية وما فيها من دقة بيانية، فالحق سبحانه بدأ بآية الليل ثم النهار، وبدأ بالشمس ثم القمر (وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ..) (فصلت: 37) وكانت المناسبة تقتضي أنْ يقول: والقمر ليناسب الليل، والشمس لتناسب النهار.

لكن لصياغة القرآن حكمة ودقة بيانية، فالحق سبحانه يبدأ بالأهم في حركة الحياة، فالليل جُعِل للراحة والنهار للعمل، لأن الخالق سبحانه خلق الإنسانَ لإعمار الأرض، وللسعي في مناكبها، ولا إعمارَ إلا بحركة، والحركة تحتاج إلى زمنين: زمن للراحة، وزمن للعمل.

فقدَّم الليل وقت الراحة لأنك لا تنتج ولا تكدّ إلا إذا أخذتَ حظك من الراحة أولاً، فكأن الراحة أولاً هي أصلٌ يأتي بعدها العمل، وإلا فالمتعب المكدود لا ينتج ولا ينجز، كذلك قدَّم الشمس على القمر، لأنها الأعظم والأهم، ومنها تستمد كل النجوم والكواكب نورها.

وما دُمْنا بصدد الحديث عن الليل والنهار، فلا بدَّ أن يواجهنا هذا السؤال: أيهما أوَّلٌ في الخَلْق؟

البعض يقول: الليل أولاً.

بدليل أننا نثبت مثلاً دخولَ رمضان بليله لا بنهاره، فحين نرى الهلال نقول: غداً رمضان، والذين يعتقدون أن الليل وُجد أولاً لابدَّ أن لديهم قضية أخرى هي أن النهار غير سابق لليل.

الحق سبحانه يُنهي هذه المسألة، فيقول سبحانه: (لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: 40).

وننتهي بذلك إلى حقيقة كونية أثبتها الحق سبحانه هي: لا النهار يسبق الليل، ولا الليل يسبق النهار، لأنهما كما بينَّا وُجِدَا في بداية الخَلْق معاً، في وقت واحد، ثم دار كل منهما مع الآخر.



سورة فصلت الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فصلت الآيات من 36-40   سورة فصلت الآيات من 36-40 Emptyالإثنين 06 سبتمبر 2021, 8:32 am

فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ..) (فصلت: 38) أي: عن طاعة الله في أمره ونَهْيه في الآية قبلها: (لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ..) (فصلت: 37)، والاستكبار هنا يدلُّ على عدم الإيمان بالله الآمر الناهي، لأنهم سجدوا للشمس وسجدوا للقمر سجود عبادة، والعبادة تعني طاعة العابد لأمر المعبود، والشمس والقمر ليس لهما أوامر ولا نَوَاه، فعبادتهما باطلة، وتدل على غباء مَنْ عبدها وعلى كذبه في هذه العبادة، لأنها مخلوقات لا أمرَ لها ولا نهي ولا تكاليفَ، لا تثيب مَنْ أطاعها، ولا تعاقب مَنْ عصاها.

لذلك قلنا: إن كلمة العبادة هنا كذب وباطلة (فنطزية) يعني؛ المهم يكون لهم معبودٌ يُرضِي عنده رغبته في التدين، وما أسهلَ أنْ يتخذَ الإنسانُ معبوداً لا تكاليفَ له.

لذلك لما قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ..) (الزمر: 3) قلنا: كلمة نعبدهم هنا كذب، بدليل أنكم إذا نزل بكم الضر لا تلجئون إلى الشمس ولا إلى القمر، إنما تلجئون إلى الله: (وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ..) (الإسراء: 67).

وقال: (وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ..) (الروم: 33).

وقوله تعالى: (فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ) (فصلت: 38).

المعنى: أن الحق سبحانه مُستغنٍ عن طاعة هؤلاء المستكبرين وعن عبادهم، فله سبحانه ملائكة مُكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون، يُسبِّحون الليل والنهار لا يفترون، ولا عملَ لهم سِوَى التسبيح، وهم لا يسأمون ولا يملّون ولا يتعبون.

قالوا في العندية هنا (فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ..) (فصلت: 38) أنها عندية مكانة، لا عندية مكان، عندية تكريم وشرف، كما قال سبحانه عن الشهداء: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169).

وقال سبحانه: (إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (القمر: 54-55).

فهؤلاء الملائكة ليسوا عند الله في مكان واحد، ولا هم قاعدون معه سبحانه، إنما هي مثلنا تماماً لا يروْنَ الله سبحانه، ويؤمنون به مثلنا بالغيب، والله بالنسبة لهم غَيْبٌ، وبعض التفسيرات وأنا أشجعها تميل إلى أن الله تعالى ليس له مكان لأنه في كل مكان، فكل مكان عند الله.

ولذلك اقرأ قول الحق تبارك وتعالى: (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) (الواقعة: 83-85) البعض يقول: العندية هنا عندية علم، ولو كانت كذلك لم يقُلْ(وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) (الواقعة: 85) فما دام قال(وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) (الواقعة: 85) فهي عِنْدية حقيقية شائعة في كل مكان.



سورة فصلت الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فصلت الآيات من 36-40   سورة فصلت الآيات من 36-40 Emptyالإثنين 06 سبتمبر 2021, 8:33 am

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ما يزال السياق القرآني يأخذنا إلى الآيات الكونية التي تثبت قدرة الخالق سبحانه (وَمِنْ آيَاتِهِ..) (فصلت: 39) من هنا قلنا للتبعيض.

يعني: هذه بعض آيات الله (آياته) أي: الكونية الدالة على قدرتهتعالى، وهي الشيء العجيب الدالّ على بديع الصنعة (أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً..) (فصلت: 39) أي: ساكنة مستقرة لا شيء عليها من زرع مثلاً، لأن الأرض خُلقت لتكون تربة للنبات، وكأنَّ الأرض التي لا زرعَ عليها أرضٌ حزينةَ خاشعة ساكتة ساكنة لأنها لم تنبت، وربما شابهت في ذلك المرأة التي لا تنجب.

(فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ..) (فصلت: 39) اهتزَّتْ: تحركت (وَرَبَتْ) زادت وانتفشتْ، تروْنَ حبة الفول النابت مثلاً تكون جافة جامدة، فإذا بللتها بالماء زادتْ في الحجم وانتفشَتْ، والمراد: اهتزتْ وتحركت بما يخرج منها من نبات.

(إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا..) (فصلت: 39) أي: أحيا هذه الأرض الساكنة بالنبات وحوَّلها إلى هذا البساط الأخضر النضر (لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ..) (فصلت: 39) إذن: خُذْ من هذه الآية الحسّية المشاهدة لك دليلاً علَى صِدْق ما غاب عنك وأخبرك الله به من أمر إحياء الموتى، فيا مَنْ تكذِّب بالبعث وإحياء الموتى، أما لك عبرةٌ في إحياء الأرض القَفْر الجدباء بالنبات.

(إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت: 39) يعني: قدرة الله فيها طلاقة، لأنه سبحانه لا يعجزه شيء، والذي خلق الخَلْق الأول من عدم أقدرُ على إعادته؛ لأن بعث الميت يبعث شيئاً موجوداً وهذا أهون لو قلنا تجاوزاً في حَقِّ الله تعالى هيِّن وأهون، لكي نفهم نحن، يقول تعالى: (أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (ق: 15).

الحق سبحانه وتعالى أخبرنا عن كيفية خَلْق الإنسان والذي يعرف كيفية البناء يعرف منها كيفية الهدم، وقلنا: إنها عكس البناء، فما بُنِي أولاً يُهدم آخراً، وآخر شيء في البناء أول شيء في الهدم وهنا الروح.

ولا بدَّ أن نذكر هنا أن الحق سبحانه حذَّرنا من المضلين الذين يضلون الناس في مسألة الخَلْق.

فقال: لا تُصدِّقوا مَنْ يخبركم بشيء في هذا الموضوع لأنه لم يشهد عملية الخَلْق: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف: 51).

إذن: فكان الذين قالوا إن الإنسان أصله قرد جنودٌ لهذه الآية ودليل على صدقها، فالحق سبحانه يعلم ذلك ويتنبأ لنا به، وها هو يحدث فلا تُصدِّقوهم، إنهم كاذبون بدليل أن الإنسان عاش على هذه الأرض آلاف السنين لم يَرَ إنساناً تحوَّل إلى قرد، ولا قرداً تحوَّل إلى إنسان.

ولقد توصَّل العلم الحديث إلى صدق القرآن في مسألة خَلْق الإنسان من طين الأرض، حيث وجدوا أن عناصر تكوين الإنسان هي نفس عناصر تكوين الأرض، وهي ستة عشر عنصراً، وحين يموت الإنسان تتحلَّل هذه العناصر وتذوب في الأرض، فأجزاؤه موجودة يعلمها الله ويُحصيها وهو وحده القادر على إعادتها.

واقرأ: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (ق: 4) فالمسألة صعبة بالنسبة لك، لكنها سهلة هيِّنة على الخالق سبحانه، فهو عز وجل يعلم كم نقص منك من عناصر ومقدار هذه العناصر ونحن بنو البشر نختلف في أشكالنا وألواننا، لكن المادة واحدة هي الستة عشر عنصراً في الكل، لكن الجزاء تختلف، ونسبة هذه العناصر تختلف من إنسان لآخر، ولذلك تختلف شخصياتنا.

فقوله: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ..) (ق: 4) يعني: كم أخذتْ منك من الأكسوجين، وكم أخذت من الكربون، وكم أخذت من الحديد..

وهكذا فهي إذن مقادير معلومة في علم الله سبحانه وفي هذا الكتاب الحفيظ الذي يحفظ كل شيء بكل دقَّة، وحفيظ فعيل يعني: صيغة مبالغة من الحفظ.

فلا تُكذِّب بالبعث، وخُذْ مما ترى دليلاً على صِدْق ما أخبرك ربُّك به من الغيبيات.

قلنا: لو أن إنساناً يزِنُ مائة كيلو مثلاً ثم مرض، فنزل وزنه إلى ستين، فكم فقد من وزنه؟

فقد أربعين، أين هي؟

نزلتْ فضلات إلى الأرض، نعم، ثم ذهب إلى الطبيب فعالجه وشفاه الله وبدأ يأكل حتى عاد إلى وزنه الأول.

هل أخذ نفس العناصر ذاتها التي فقدها؟

لا بل أخذ مثلها، مثل المريض مثلاً بنقص الحديد فيعطيه الطبيب دواء غنياً بالحديد حتى تعتدل عنده نسبة الحديد في الدم، إذن: أخذ نفس العناصر التي فقدها من عنصر الحديد، لكن ليستْ هي هي التي فقدها من قبل.



سورة فصلت الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فصلت الآيات من 36-40   سورة فصلت الآيات من 36-40 Emptyالإثنين 06 سبتمبر 2021, 8:34 am

إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (يُلْحِدُونَ..) (فصلت: 40) أي: يميلون بآيات الله عن الحق والاستقامة إلى باطل يروْنَهُ هم حقاً، أو يحرِّفون الآيات تبعاً لأهوائهم؛ لأن آيات الله لها معانٍ، فهم يُلحدون فيها.

يعني: يُخفونها ويُظهرون لها معانيَ أخرى باطلة، كما نلحد نحن الميت في باطن الأرض، بعد أنْ كان يسيرُ عليها، فالمعنى يُخْفُون حقائقها ليُرضُوا كفرهم وهواهم.

ومن الإلحاد في آيات الله ما وقع فيه البعض من التشبيه أو التمثيل في أسماء الله وصفاته، فحين يقفون عند صفة لله تعالى يُوجد مثلها في البشر يُشبِّهون، فالله له سمع ليس كسمعنا، وله يد ليست كأيدينا، وله بصر ليس كبصرنا، إذن: لا بدَّ أنْ نأخذ هذه الصفات في إطار عام للآيات الكلية(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..) (الشورى: 11).

ومنه قولهم عن المعجزة سِحْر في قصة سيدنا موسى - عليه السلام - مع فرعون وفَرْق بين السحر والمعجزة، المعجزة حقيقة والسحر تخييل بعيد عن الحقيقة، صحيح أن معجزة موسى عليه السلام كانت من جنس السحر لأنه المجال الذي نبغ فيه قومه لكنها لم تكُنْ سحراً.

فالحبال التي رماها سحرة فرعون رآها موسى ثعابينَ تسعى، أما السَّحَرة أنفسهم فيروْنَها حبالاً، فالسحر يُخيل لك الشيء أنه غيره مع أنه ليس كذلك في الحقيقة إنه مجرد خيال، لذلك قال تعالى: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ) (طه: 66) تخييل لا حقيقة.

لكن لما ألقى موسى عصاه، ماذا حدث؟

تحولتْ إلى حية حقيقية، بدليل قوله تعالى: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ) (طه: 67) ولا يمكن أنْ يخاف موسى من عصاه وهي عصاً لا بدّ أنها انقلبتْ إلى حية بالفعل وهو يراها كذلك، وبدليل أيضاً أن سحرة فرعون وكانوا كثرة، ولهم تمرُّس بأساليب السحر ويستطيعون التمييز بين السحر والحقيقة، رأيناهم يرفعون راية التسليم لموسى ويؤمنون معه.

لماذا؟

لأنهم رأوا معجزة هم أخْبَرُ الناس بها، وأنها ليست سِحْراً من جنس سحرهم، ولا تخييل كما يفعلون هم، ولو كان فعْل موسى تخييلاً ما قال الله له: (خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ) (طه: 21).

وكما قالوا في موسى- عليه السلام- أنه ساحر قالوها في سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، والردّ عليها كما أوضحنا بسيط، نقول لهم: لو كان محمد ساحراً سحر مَنْ آمن به، فلماذا لم يسحركم أنتم وتنتهي المسألة؟

ومن إلحادهم في آيات الله قولهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه مجنون مع أنهم ما جرَّبوا عليه شيئاً من ذلك، وعُرِف بينهم بالصادق الأمين، واتصف فيهم بكريم الأخلاق، وصاحب الخلق لا يكون أبداً مجنوناً، وقد ردّ الله عليهم(مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (القلم: 2).

ومن إلحادهم في القرآن أنهم قالوا عنه إنه شعر، وعجيبٌ منهم ذلك لأنهم أعرفُ الناس بأساليب الشعراء وتعبيرات الشعراء، هم يعرفون أن القرآن مُعْجز، وأنه من عند الله، وأن أسلوبه لا يُضاهَى، وأنه فريدٌ من نوعه ومع ذلك يكذبون، وهذا هو الإلحاد.

ومعلوم أنَّ من عظمة القرآن الكريم أنه ليس له أسلوبٌ يُحتَذى، وأن له مذاقاً خاصاً، وتقرأ الحديث النبوي تجد له مذاقاً آخر، وتقرأ الحديث القدسي تجد له مذاقاً آخر، فمَنْ يجمع كلّ هذه الأساليب بهذا التميز، وكل منها يفيض عليك بفيض غير الآخر، وقد ردّ الله عليهم هذا الإلحاد فقال: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ) (الحاقة: 41).

ومن إلحادهم أنْ يُغيروا في الأشياء المطلوبة منهم، وأنْ يُحرِّفوا الكلمات، يقول تعالى: (مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ..) (النساء: 46).

فكانوا يقولون (راعنا) يلوون بها ألسنتهم يعني: من الرعونة، لذلك نهى الله المؤمنين أن يقولوها، فقال سبحانه في سورة البقرة: (يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة: 104).

ومن ذلك إلحادهم في السلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبدلَ أنْ يقولوا: السلام عليكم قالوا: السام عليكم.

إذن: فوُجُوه إلحادهم في آيات الله كثيرة، وقد أخبر اللهُ عنهم أنهم نَسُوا حظاً مما ذُكِّروا به، والذي لم ينسوه حرَّفوه، والذي لم يُحرِّفوه كتموه، وليْتهم وقفوا عند هذا الحد، بل وصلتْ جُرأتهم على الله أن يكتبوا الكتاب بأيديهم ويقولون: هذا من عند الله، وما هو من عند الله، وهذا كله ألوان مختلفة لإلحادهم.

لذلك الحق سبحانه يخبر هنا: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ..) (فصلت: 40) نعم لا يخفوْنَ عن علم الله، فعدم الخفاء شيء لازم، لكن المراد أنْ نخبرهم بجريمتهم حتى نعاقبهم عليها، لأن الجريمة شيء والعقوبة عليها شيء آخر، فالحق يُعرِّفهم بجريمتهم حتى يكون للعقوبة موضعٌ، كما يقول أهل القانون: لا تجريمَ إلا بنصٍّ.

فكأن الحق سبحانه لا يأخذهم على غِرَّة، ولا يتركهم في عَمَىً، إنما يُوضح لهم قبل أنْ يُؤاخذهم.

(أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ..) (فصلت: 40) هذا سؤال معلوم الإجابة عنه، والحق يسألنا وهو يعلم أن الجواب سيكون كما يريد سبحانه، فكأن الحق سبحانه يقول لنا من خلال هذا السؤال: احرصوا على أوامر الله نفِّذوها، وإياكم والنواهي فاجتنبوها، فهذا هو سبيل الأمن والنجاة من النار، وهل يستوي مَنْ يُلْقى في النار ومَنْ يأتي آمناً سالماً؟

وما دام أن هذا السؤال جاء بعد الكلام عن الإلحاد في آيات الله فيكون المعنى: الذين يلحدون في آيات الله لهم النار يُلْقَوْنَ فيها يوم القيامة، والذين لا يُلحدون في آيات الله يأتون آمنين.

ومن الغباء أن الإنسان يُلحد في آيات الله لينالَ بذلك سلطةً زمنية أو مكانة مؤقتة، مآلُها إلى زوال مُحقق، ثم يلاقي بعد ذلك مصيراً مؤلماً في نار خالدة لا نهايةَ لها.

تعالَ إلى أعظم الناس نعيماً في الحياة، أخذ منها الغِنَى والقوة والسلطان والمهابة والعز كله، واسأله هل يُنغِّص شيء هذه النعمة؟

سيقول لك: أخاف ألاَّ تدوم، نعم يُنغصها على أصحابها عدم دوامها، فإما أنْ تتركهم النعمة وهم أحياء يُرزقون، وإما أنْ يتركوها هم بالموت.

لذلك يخبرنا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن حال هؤلاء المنعَّمين في الدنيا من أهل الكفر كيف هم في الآخرة؟

يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أن الواحد منهم يُغمس غمسةً واحدة في النار -والعياذ بالله- ثم تسأله الملائكة: هل رأيتَ في الدنيا نعيماً قط، يقول: لا والله ما رأيتُ فيها نعيماً قط!“.

فمَنْ إذن يترك نعمةً باقية خالدة لنعمة مُنغصة زائلة فانية، ثم أنت تتنعَّم في الدنيا على قدر إمكاناتك وقدراتك، وفي الآخرة تتنعم على قَدْر قدرة الله وكرمه وعطائه في جنة فيها ما لا عَيْنٌ رأيت، ولا أُذن سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر.

وما دُمنا أمام أمرين لا يستويان، ووجه الصواب فيهما واضح، وما دُمْنا قد بيَّنا لكم هذا البيان فأنتم أحرارٌ اختاروا لأنفسكم: (ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (فصلت: 40) والأمر هنا للتهديد وللتحذير، يعني: اعملوا ما شئتم فالله يراكم، والله مُطلع على أعمالكم، وقادر على أنْ يجازيكم عليها جزاءً وفاقاً.



سورة فصلت الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة فصلت الآيات من 36-40
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة فصلت الآيات من 06-11
» سورة فصلت الآيات من 12-15
» سورة فصلت الآيات من 16-20
» سورة فصلت الآيات من 21-25
» سورة فصلت الآيات من 26-30

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: فصلت-
انتقل الى: