منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الزمر الآيات من 41-45

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الزمر الآيات من 41-45   سورة الزمر الآيات من 41-45 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 4:53 pm

إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نلاحظ أن الحق سبحانه و تعالى مرة يتحدث عن ذاته سبحانه بضمير الجمع (إنَّا) ومرة بالمفرد (إني) أو (إنني)، فإنْ كان الكلام في قضية التوحيد جاء بالضمير المفرد كما في قوله سبحانه لسيدنا موسى: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ) (طه: 14) لأنه يريد أنْ يقرر قضية التوحيد، ويؤكد سبحانه أنه إله واحد لا شريك له.

فإنْ كان الكلام عن أمر لله فيه عمل ولخلفائه في الأرض عمل يأتي بالجمع كما هنا (إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ) (الزمر: 41).

وتأملوا حرف الجر في (عليك) وفي (للناس) فلحروف الجر في اللغة معَانٍ واسعة، كلمة (عليك) تدلُّ على أنني أحملك المسئولية أمَّا اللام في (للناس) فتدلّ على النفع لهم، كما نقول في الحسابات: له، عليه، فله تعطي نَفْعاً وعليه تعطي تبعات.

فكأن الحق سبحانه يقول: يا قوم يا مَنْ تسمعون لدعوة محمد اعلموا أنها لصالحكم وتعود عليكم بالنفع والغنيمة، فقد أنزلنا عليه حملاً ثقيلاً سيتعبه في ذاته وفي أهله، وسيُعرِّضه للسخرية والإيذاء والتآمر.. إلخ.

فالكتاب نزل عليك يا محمد بتبعاته ومسئولياته، فتحمله وكُنْ من أولي العزم من الرسل الذين سبقوك، مع أنهم أخذوا حيِّزاً محدوداً في الزمان وفي المكان، أما أنت فأخذتَ حيِّزاً غير محدود، لا في الزمان ولا في المكان، فحين تتحمّل المشاق في سبيل دعوتك، فاعلم أنك ستتحمل من الشدائد على قدر عموم رسالتك.

إذن: فدعوة الإسلام خيرها لكم ومتاعبها يتحملها رسول الله، هذا معنى (إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ) (الزمر: 41) أي: في صالحهم.

وحين نُوسع الحروف ونقف على معانيها نأخذ مثلاً قوله تعالى في أول سورة البقرة: (أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) (البقرة: 5).

فالمؤمنون على الهدى، و (على) تفيد الاستعلاء وكأنه مطيّة تحملهم وتريحهم لا تتعبهم وتُوصِّلهم إلى غايتهم، هكذا جاء الهدى ليريح الناس ويحملهم إلى أشرف الغايات، فالزموه لأنه ما جاء ليُحملكم ما لا تطيقون، إنما جاء ليخدمكم.

وقوله سبحانه: (بِٱلْحَقِّ) (الزمر: 41) الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، والحق يعني وضع الشيء في موضعه، فإذا زحزحتهُ عن موضعه فأنا الطارئ عليه، والحق لابُدَّ أنْ يعود إلى موضعه مرة أخرى، وإنما هي ابتلاءات واختبارات لنُمحِّص جنود الحق لتكون عندهم الأهلية لأنْ يحملوا الدعوة إلى أنْ تقوم الساعة.

والحق سبحانه يعلمنا: إنْ رأيتَ الباطل علا وارتفع فخُذْ لك واقعة، وخُذْ لك عبرةً من الأشياء المحسَّة التي تقع تحت بصرك في أصل الحياة وهو الماء، فالماء ينزل من السماء على قمم الجبال فيأخذ معه إلى الوديان القش والحصى والزبد، فتتكون طبقة كم الريم تعلو الماء وهي حقيرة لا قيمةَ لها حتى إذا ما هبَّتْ الرياح أزاحتْ هذا الزبد هنا وهناك وبقيتْ صفحة الماء نظيفة ناصعة، هكذا يكون علو الباطل عُلواً مؤقتاً، وسرعان ما يعود الحق إلى نصابه.

والحق سبحانه ما سمح للباطل بأنْ يعلوَ إلا يظهر للناس ميزة الحق، فحين يُعضّ الناسُ بالباطل، وحين يؤلمهم يضجون منه ويشتاقون للحق، فكأن الباطل جندٌ من جنود الحق.

وقوله سبحانه: (فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ) (الزمر: 41) أي: لصالحها، لأن المشرع سبحانه حين شرع لنا وبعث لنا الرسل وأنزل الكتب ما انتفع من ذلك بشيء، وهو سبحانه لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، لأنه بصفات الكمال المطلق أوجدك، بل وأوجد لك قبل أنْ يستدعيك للوجود، فبصفة الكمال فيه خلق، فهو سبحانه خالق قبل أنْ يخلق شيئاً، كما تقول: فلان شاعر، يعني شاعر قبل أنْ تسمع منه شعراً، لأنه ما قال الشعر إلا لأنه شاعر.

إذن: الحق سبحانه لا ينتفع من عبادة الناس بشيء، والفائدة كلها تعود عليهم هم، لأنهم صنعته، والصانع يريد لصنعته أنْ تكون على ما يرام وعلى خير حال من بدايتها إلى نهايتها إليه سبحانه وما دام الشرع والمنهج جاء لصالح البشر، فمَن اهتدى فالهداية تعود إليه، ومَنْ ضَلَّ فضلاله عليه (فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) (الزمر: 41) وتأمل هنا أيضاً معنى حرف الجر في (فَلِنَفْسِهِ) (الزمر: 41) وحرف الجر (عليها)، فنَفْع الهداية لك، وضرر المعصية عليك.

وقوله: (وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ) (الزمر: 41) أي: ما أنت يا محمد عليهم بوكيل، والوكيل هو مَنْ يكون حُرُّ التصرف فيمن وكل عنهم، بحيث يستطيع أنْ يجبرهم، وأن يحملهم على ما يريد هو.

والحق سبحانه و تعالى ما أراد لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ذلك كما قال سبحانه في موضع آخر: (وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) (ق: 45) إنما أراد له أنْ يكون داعياً الحسنى، بحيث يأتي إليه الناس بالحب طواعيةً، ولو شاء لجعلهم كالملائكة وطبعهم على الطاعة.

لذلك الكون الذي رضي أنْ يأتمر بأمر الله بدون اختيار له في شيء كان حكيماً واعياً؛ لأن المتحمل قد يضمن نفسه ساعة التحمل، لكن لا يضمن نفسه ساعة الأداء، والفارق بين مسلك الناس في الأمور أنهم يختلفون في إدراك المسئولية ساعة التحمل وساعة الأداء، وكل فساد بين الناس في التعامل إنما منشؤه هذه المسألة.

وسبق أنْ مثّلنا لذلك بالأمانة أودعها عندك لحين عودتي مثلاً من السفر فتقبلها عندك، وحين أعود لا أجدها، فقد يطرأ عليك من الظروف ما يجعلك تتصرَّف فيها، وهنا تظهر حكمة الجمادات التي أبتْ أنْ تتحمل الأمانة، كما في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72).

وقوله سبحانه: (وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ) (الزمر: 41) فيه تسليةٌ لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكأنّ ربه يقول له: لا تُتعب نفسك، ولا تُحملها فوق طاقتها، فما عليك إلا البلاغ، فإنْ نالك شيء من أذاهم فاعلم أنه لا يُنقص من مكانتك عندهم، فأنت عندهم الصادق الأمين، وهم يعلمون أنك على الحق، ومنزلتك عندهم كبيرة، ورأيهم فيك من أحسن الآراء، فلا تحزن لقولهم فيك: شاعر وساحر ومجنون: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام: 33).

فكأنَّ الحق سبحْانه جعل المسألة عنده سبحانه وأعفى منها رسول الله، فأنت يا محمد لا غبارَ عليك، وما كذبك المكذِّبون الظالمون إلا لأنهم جحدوا بآياتي.



سورة الزمر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 41-45   سورة الزمر الآيات من 41-45 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 4:55 pm

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

سبق أنْ قلنا: إن أحداً لم يشهد عملية الخَلْق لأن الخالق سبحانه لم يستعِنْ بأحد كما قال سبحانه: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف: 51).

إذن: كيفية الخَلْق لا يعرفها أحدٌ، ولولا أن الخالق أخبرنا بها لَظلَّتْ غيباً، فإنْ أردتَ أنْ تعرف كيفية الخَلْق فخُذْها من خبر مَنْ خلق، وإن ادَّعَى أحد معرفتها من غير هذا الطريق، فاعلم أنه من المضلين الذين أخبرَ الله عنهم، وسمَّاهم مضلين قبل أن يُوجدوا، وأيُّ ضلال أعظم من القول بأن الإنسان في أصله قرد وتطوَّر؟

فكأن الحق سبحانه يعطي لخَلْقه المناعة التي تحميهم من هجمات أهل الضلال، فيخبرهم بأمرهم أولاً ويُحذِّرهم منهم، يعني: تنبَّهوا فسوف يخرج عليكم أناس في ثوب علماء أو فلاسفة يقول خُلِق الإنسان كذا وكذا فلا تُصدِّقوهم لأنهم ما شهدوا عملية الخَلْق.

والحق سبحانه و تعالى حين يطرح قضية عقدية للعقول فيها عمل، لكن قد تقف العقول في أشياء منها يكمل ما تقف فيه العقول بالسماع، السماع مِمَّنْ؟

ممن اعتقدتَ به بعقلك، إذن: ليس بالضرورة أن يقتنع عقلك بكل شيء إنما يترك لك مسائلَ لا تقتنع بها إلا لأنها خبر ممَّنْ اقتنعت به.

لذلك قلنا في أول سورة (يس): إن المسائل كلها عقائد وأمور لسانية وأمور وأحكام، كل منها تأخذ العمل العقلي والعمل الغيبي، لكن العمل الغيبي دليله من العمل العقلي.

الحق سبحانه و تعالى حينما أخبرنا عن قصة الخلق قال: إن الإنسان خُلِقَ من تراب اختلط بالماء فصار طيناً، ثم صار هذا الطين حمأ مسنوناً، ثم صار الحمأ المسنون صلصالاً كالفخار، ثم نفخ فيه الحق سبحانه من روحه فدبَّت فيه الحياة وتحرك.

هذه أطوار الخَلْق التي أخبرنا بها الخالق سبحانه ونحن لم نرها، لكن أوجد في مُحسَّاتنا وفي مُدركاتنا ما يؤدي الصدق بهذه المراحل، وعلينا نحن أنْ نأخذ مما نشاهده دليلاً على صدق ما غاب عنَّا.

كيف؟

الخالق سبحانه كما خلق الحياة خلق الموت، ولما أخبرنا بهما جعل الموت أولاً فقال: (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ) (الملك: 2).

وقدَّم الموت حتى لا نستقبل الحياةَ ببطر وغرور، إنما نستقبلها ونحن نعلم أننا صائرون إلى الموت، منتهون إليه.

ويجب أنْ نعلم أن الدنيا بالنسبة للإنسان ليست هي بطولها من لدن آدم حتى قيام الساعة، إنما الدنيا بالنسبة لك هي مقدار مُكثك فيها، وحتى هذا العمر مظنون وليس مضموناً، فمن الناس مَنْ يولد ويموت بعد لحظة، وآخر بعد شهور، وآخر بعد سنين.

لذلك قال أحد الصالحين: وعلمت أن لي أجلاً يبادرني فبادرته، وعلمتُ أني لا أخلو من نظر الله طرفةَ عين فاستحييت أنْ أعصيه، وعلمتُ أن لي رزقاً لا يتجاوزني وقد ضمنه الله لي فقنعتُ به، فهكذا ينبغي أن يكون أسلوبك في الحياة، فأنت فيها ضيف لستَ أصيلاً.

لذلك قال أهل المعرفة: اجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك -الذي يُواليك بالنعم كل يوم- واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه طرفةَ عين، واجعل خضوعك لمَنْ لا تخرج عن ملكه وسلطانه..

هذه أصول يجب أنْ نسير عليها، ومبدأ نلتزم به.

والموت كما قلنا نقيض الحياة، فإذا لم نَكُنْ قد شاهدنا مراحل الخَلْق فقد شاهدنا بالتأكيد مراحل الموت، فخُذْ من هذا دليلاً على هذا.

تعلمون أن نقضَ أيِّ بناء يكون على عكس بنائه، فلو أردنا مثلاً هدم عمارة من عشرة أدوار، فإننا نبدأ بهدم الدور العاشر وننتهي بالدور الأول، على عكس البناء، كذلك الموت يبدأ بخروج الروح، وهي أخر شيء في عملية الخَلْق، ثم يتصلب الجسد، فيكون أشبهَ بالصلصال، ثم يرمّ وتتغير رائحته مثل الحمأ المسنون ثم يتحلل ويعود إلى الطين والتراب.

إذن: إنْ كانت عملية الخَلْق غيباً عنا كما قال سبحانه: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) (الكهف: 51) فعملية الموت شاهدناها.

وقوله تعالى: (ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا) (الزمر: 42) الأنفس جمع النفس، والنفس هي مجموع التقاء مادة الجسد بالروح، بحيث تنشأ منهما الأغيار الموجودة في الجوارح، فالمادة وحدها لا تُسمَّى نفساً، والروح وحدها لا تُسمَّى نفساً.

ومعنى (يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ) (الزمر: 42) أي: يقبضها إليه سبحانه.

وتوفِّي الأنفس له ظاهرتان: النوم والموت، ففي النوم يسلب الإنسان الوعي والتمييز، وتبقى فيه الروح لإدارة حركة الحياة فيه واستبقائها، فإذا استيقظ من نومه عاد إليه وَعْيه وعقله وتمييزه، أما في الموت فالله يتوفَّى الكل: الوعي، والتمييز، والأصل: وهو الروح والجسد، فالجسم في النوم لا يزاول شيئاً حتى المخ الذي يجب أنْ يظل عاملاً لا يعمل في النائم إلا كلّ سبع ثوان.

ولذلك لما تتوقف حركة الجسم تنخفض فيه درجة الحرارة ويحتاج إلى تدفئة، لذلك ننصح النائم بأنْ يتغطى لأن الحركة مفقودة، وينبغي أن نحفظ للجسم حرارته، البعض يظن أن الغطاء هو الذي يُدفئ النائم، لكن العكس هو الصحيح فحرارة الجسم هي التي تُدفئ الغطاء، وعمل الغطاء أنْ يحفظ لك حرارة الجسم حتى لا تتبدد، بدليل أنك تذهب إلى فراشك فتجده بارداً، وحين تستيقظ من نومك تجده دافئاً.

وقلنا: إن الإنسان يمرُّ بحالات: يقظة، نوم، موت، بعث.

ولكل مرحلة من هذه المراحل قانونٌ خاص، فإيَّاك أنْ تخلط قانوناً بقانون، فمثلاً الإنسان منا وهو نائم يفقد الوعي والتمييز، ومع ذلك يصبح فيذكر رُؤْيا رآها فيها أشكال وأشخاص وألوان يستطيع التمييز بينها وكأنها يقظة، فبأيِّ شيء أدرك هذه المدركات وميَّز بين الألوان وعينه مغمضة؟

قالوا: لأن للنائم أدواتٍ ووعياً غير التي له في اليقظة، فيرى لكن ليس بالعين.

إذن: فيَّ حالة الموت يكون له وعي آخر، البعض يتعجب وربما ينكر أنْ يضم القبرُ الواحد جسدين أحدهما يُنعِّم والآخر يُعذَّب، فلماذا لا تنكر مثل هذا في النوم مثلاً، فأنت تنام مع غيرك في فراش واحد يرى هو أنه في رحلة ممتعة فيها مَا لَذَّ وطابَ، وترى أنت أنك فيه تُضرب أو تمر بحادث مؤلم، لا هو يدري بك ولا أنت تدري به.

وقوله: (فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ) (الزمر: 42) أي: لا تعود إلى الجسم (وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ..) (الزمر: 42) أي: في حالة النوم يعود إليك الوعي والتمييز (إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى..) (الزمر: 42) إلى الأجل المعلوم الذي قدَّره الله لك في اللوح المحفوظ.

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر: 42) ساعة تجد الذي يخبرك بشيء ينبه فيك أدوات التمييز بين المقولات التي هي العقل والفكر والذكر والتدبر، فثِقْ بأنه ناصح لك لا يغشك ولا يُدلِّس عليك، لأن الذي يريد غِشَّك يأخذك على عجلة و (يكلفتك)، حتى لا تدري وجه الصواب ولا يعطيك الفرصة للبحث وتأمل الشيء.

وسبق أنْ مثّلنا لذلك ببائع القماش إنْ كان صادقاً يعلم جودة بضاعته، فإنه يختبرها لك فيأخذ (فتلة) من الصوف مثلاً ويحرقها أمامك، لترى بنفسك أنه صوف مائة بالمائة، أما الآخر فيحاول أنْ يلف ويدور ويخدعك بحيله حتى لا تكتشف فساد بضاعته، فالأول واثق من جودة البضاعة، وأنك مهما فعلت بها فسوف تصل إلى مراده.

فساعةَ يقول الحق سبحانه (أفلا تعقلون)، (أفلا تتذكرون)، (أفلا تتفكرون) فاعلم أنه يهيج عندك أدوات البحث والتأمل والاختيار بين البدائل، ولا يصنع ذلك معك إلا وهو واثق أنك لو استعملتَ هذه الأدوات فلن تصل إلا إلى مراده منك.



سورة الزمر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 41-45   سورة الزمر الآيات من 41-45 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 4:56 pm

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ) (الزمر: 43) استفهام إنكاري.

يعني: ما كان يصح أنْ يتخذوا من دون الله شفعاء، فالحق ينكر عليهم بعد أن استمعوا إلى كل هذه الحجج والبراهين، ثم يتخذون من دون الله شفعاء، ولماذا الشفعاء من دون الله؟

قالوا: لأن الذي يعبد غير الله يُرجِّي نفسه بأنه مُتدين، والتديّن طبيعة في النفس البشرية من أخْذ الله عليها العهد في (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ..) (الأعراف: 172).

لذلك جاء الرسل مُذكِّرين أي: يُذكّروننا بهذا العهد الأول الذي غفلنا عنه واقرأ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ) (الأعراف: 172-173).

فالحق سبحانه و تعالى ينكر عليهم أنْ يتخذوا الشفعاء من دون الله، ويدعوهم أن يرتجعوا عن هذا الأمر المؤسف، لأن اتخاذ الشفعاء من دون الله أمر فيه تناقض لأنهم شفعاء عند مَنْ؟

عند الله، كما قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ) (الزمر: 3) إذن: اتخذوا الشفعاء ليشفعوا لهم عند الله، فلماذا لا يتجهون إلى الله مباشرة دون واسطة؟

ثم إن الشفاعة لا تُقبل إلا بشروطها، وليس كل مَنْ أحبَّ أن يشفع تُقبل شفاعته، فالشفاعة ليستْ بمرادك، بل يُشترط في الشفاعة أنْ يأذن الله للشافع أنْ يشفع، وأنْ يرضى عن المشفوع له، وأنْ يكون من أهل التوحيد، إذن: هذه الشفاعة التي يرجونها شفاعة باطلة ولا تُقبل عند الله.

لكن لماذا لا يتوجَّهون إلى الله بالعبادة دون واسطة؟

قالوا: لأن للحق سبحانه و تعالى في عبادته تكاليف قد تشقّ على النفس، وللمنهج قيود افعل كذا ولا تفعل كذا، وهم يريدون تديناً بلا تكاليف، وآلهة بلا منهج وبلا أوامر، صحيح أنهم يعبدون الأصنام على هواهم.

لكن إنْ حزبهم أمر وضاقتْ عليهم السبل في أنفسهم لجئوا إلى الله الإله الحق، إذن: أُوبُوا إلى الله قبل ألاَّ ينفع المآب.

وكلمة الشفاعة منها الشفع والوتر، الشفع أنْ تضم وتراً إلى وتر، فيصيران شفعاً.

يعني: زوجاً.

وقلنا: إن المستشرقين وقفوا عند آيتين من كتاب الله في مسألة الشفاعة، وحاولوا أنْ يثيروا حولهما شبهة عدم بلاغة القرآن، وهما قوله تعالى: (وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة: 48).

والأخرى: (وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) (البقرة: 123).

وقالوا: أي الآيتين أبلغ من الأخرى؟

فإنْ كانت إحداهما بليغةً فالأخرى إذن غير بليغة، ثم ما الحكمة من التقديم والتأخير في الآيتين، والمعنى واحد؟

وهذا كله من هؤلاء نتيجة عدم فَهْم اللغة، وعدم وجود الملكة التي تتذوَّق وتفهم عن الله.

ونقول: أنتم أهملتم صدر الآية: (وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ) (البقرة: 48) فعندنا نفسان: نفس جازية أو شافعة، ونفس مُجزيٌّ عنها أو مشفوع لها، فأيّهما الشافعة وأيهما المشفوع لها، إنْ أردتَ النفس المشفوع لها فالمشفوع لها تقدم العدل أولاً فلا يُقبل منها فتستشفع بمَنْ يشفع لها.

وهذا قوله تعالى: (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ) (البقرة: 123) فإنْ أردتَ النفس الشافعة، فالشافع يتقدم بشفاعته أولاً، فإنْ لم تُقبل شفاعته قدَّم العدل، يقول: فلان هذا كم تطلب منه وأنا أدفع عنه.

إذن: الآيتان بليغتان كُلٌّ حَسْب المعنى المراد منها.

استُهلَّت هذه الآية (أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ..) (الزمر: 43) بـ (أَمْ)، وهي تفيد عطف ما بعدها على ما قبلها، كأننا قلنا: أكان ذلك أمِ اتخذوا؟

والكلام السابق هو قوله تعالى: (ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا..) (الزمر: 42) فإذا كنتم قد وُدِعْتم بقوة حياتكم وقدرتكم على الحركة والأسباب والتحوّل فاعلموا أن الله يعطي لكم نموذجاً للموت ينتظركم من خلال النوم الذي تباشرونه.

هذا الموت وأنتم في يقظة شيء، وحين تنامون شيء آخر، فالذي يقدر على سَلْب الحياة من التميّز والوعي والحركة مع الخارج (أي مع الغير) قادر على أنْ يسلبها جميعا؛ لأن النوم يسلب منك الحركة والتميز مع الغير، وإنْ بقيتْ لك الحركة في ذاتك كحركة القلب والرئتين والأمعاء.. إلخ فإذا كان الله قد قدر على هذه الجزئية فيك، فهو سبحانه يقدر على الأخرى وهي الموت.

فالمعنى: أأمنتُم ذلك؟

وإنْ لم تأمنوه وسوف تموتون وتلقوا الله، فلماذا تتخذون الشفعاء؟

وما الذي طمأنكم لذلك؟

وما رصيدكم في اتخاذكم الشفعاء؟

يعني: أحصل ذلك أم اتخذتم شفعاء؟

قلنا: الشفيع من الشَّفْع، وهي أن تضم شيئاً إلى شيء، فيصير زوجاً بعد أنْ كان وحده، والله سبحانه يريد أنْ يُنهي هذه المسألة، وأنْ يُبيِّن لهم بطلانها، فقال لهم: إن الذين تدعُون من دون الله لا يملكون أنْ يشفعوا وإنْ ملكوا الشفاعة كما تَدْعُون الملائكة، وكالذين يدعون عيسى أو العُزَير فهم لا يرضون بها ولا يشفعون لكم.

وإنْ كانوا من الجمادات فهم أقرب منكم إلى الله وأعلم منكم بأصول الشفاعة، فهي لابُدَّ أنْ تتأبى عليكم وتكرهكم، وإنْ كنتم تملكونها وتنتفعون بها؛ لأن هذه الجمادات مُنسجمة مع الكون مُسبِّحة لخالقها فلا تقبل إلا مُسبَحاً، وما انقادتْ لكم هذه الجمادات إلا لأن الله سخَّرها لكم، وجعل لكم إرادة تسيطرون بها عليها بمراد الله وأمره كما سيطرتم على جوارحكم، سيطرتم على اللسان فقلتم به كلمة الكفر، وسيطرتم على الأيدي، فبطشتُم بها وظلمتم.. إلخ.

فهؤلاء جميعاً لا يرضوْنَ أنْ يشفعوا لكم لأنكم مخالفون لهم في المنهج؛ لذلك يكرهونكم فكيف يشفعون لكم، لذلك قال تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ..) (الدخان: 29).

فأثبت للسماء وللأرض بكاءً، فإنْ كانت لا تبكي على هؤلاء المخالفين فهي ولا شكَّ تبكي على المناقضين لهؤلاء المتفقين معها في العقيدة والمنهج، إذن: فالسماء والأرض وغيرهما من الجمادات لها تمييز وإلا ما بكتْ على أهل الطاعة ولم تَبْكِ على أهل المعصية.

حتى نحن في التعبير الأدبي نقول: فلان نَبَتْ به الأرض يعني: كرهتْ إقامته عليها..  

لماذا؟

لأنه متمرد على الله مخالفٌ لمنهجه وهي مُسخَّرة مُسبِّحة؛ لذلك إنْ مات لا تبكي عليه.

بل لسان حالها يقول له: أراحنا الله منك، أراح الله منك البلاد والعباد.

وقد فسَّر لنا الإمام علي -رضي الله عنه- هذه المسألة حين قال: إذا مات المؤمنُ بكى عليه موضعان: موضع في السماء وموضع في الأرض، أما موضعه في السماء فمصعد عمله الطيب.

أي: المكان الذي يُرفَع فيه عمله الصالح، كما قال سبحانه: (وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: 10) وأما موضعه في الأرض فمُصلاّه.

إذن: الذي جعلهم يتكلون ولا يخافون من الموت أنهم اتخذوا الشفعاء، وظنوا أنهم يدافعون عنهم، لكن (نقبهم على شونة) لأن الشفاعة ليستْ بمراد الشافع إنما بمراد المشفوع عنده، وهو سبحانه الذي يأذن للشافع ويرضى عن المشفوع له.

لكن هل يحتاج مَنْ -رضي الله عنه- إلى شفاعة؟

قالوا: الإنسان قد تكون نواحي الخير فيه قليلةً، لكن يتوفر لهذا القليل شرطُ الإخلاص فينميه ويُثمِّره ويجبر الله عنده هذا النقص بأنْ يأذن لأحد المحبوبين عنده أن يشفع له..

وهذه الشفاعة ما شرعها الحق سبحانه إلا ليقبلها ويلطف بها.

لذلك قالوا: إياك أنْ تحتقرَ عملاً صالحاً مهما كان يسيراً، فمَنْ يدريك لعله يكون سبباً في نجاتك.

وورد في الحديث: "إن الله أخفى ثلاثاً في ثلاث: أخفى رضاه في طاعته".

فلا تحقرنَّ طاعة ما فقد غفر الله لرجل سَقَى كلباً يلهث من شدة العطش، وسقاه بجهد واحتيال حين لم يجد شيئاً يخرج به الماء فخلع خُفُّه وسقى به الكلب.

ولو سقى هذا الرجل إنساناً لقُلْنا إنه سقاه لعلة، أو له عنده جميل، إنما سقى كلباً.

وهذا يدل على أن العمل فيه إخلاص، لأنه لا ينتفع من الكلب بشيء، إنما تأصل السقاء في نفسه، فهو يحبه بصرف النظر عن المسْقى، فالرجل طُبع على الخير ولا يعنيه لمن يُقدم هذا الخير.

الثانية: "وأخفى غضبه في معصيته" فقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.

فكما أنك لا تحقر طاعة قد يكون فيها نجاتك، كذلك لا تحقر معصية فقد يكون فيها هلاكك.

الثالثة: "وأخفى أسراره في خلقه"؛ فلا تحقِرنّ خلقاً ما.

وقوله سبحانه: (قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ) (الزمر: 43) أي: هؤلاء الشفعاء (لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ) (الزمر: 43) يعني: كيف تطلبون شفاعتهم، وهم على هذا الوصف؟

(قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) (الزمر: 44) لأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه سبحانه، يأذن للشافع ويرضى عن المشفوع له، فالشفاعة كلها لله وحده، لأن (لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزمر: 44) ؛ فالمتكبّر المتأبّى على منهجي سيرجع إليّ.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ...).



سورة الزمر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 41-45   سورة الزمر الآيات من 41-45 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 4:57 pm

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

كلمة (اشْمأزَّتْ) يعني: نفرتْ.

والإنسان حينما يسمع شيئاً لا يحبه يشمئز يعني: يظهر على سحنته الامتعاض، ثم تحدث منه نفرة وقشعريرة كئيبة، ثم ينصرف عن هذا الشيء، كذلك حال هؤلاء لما سمعوا ذكر الله وحده نفرتْ نفوسهم، وانقبضوا عن توحيد الله، لكن.  

لماذا؟

قالوا: لأنك ذكَّرته بمَنْ يثق تمام الثقة أنه يملك ضُره ونفعه، وإلا لو لم تكُنْ لديه هذه الثقة ما أثَّر ذكر الله في نفسه، إذن: اشمأزتْ قلوبهم لأنهم خافوا من شيء، وساعةَ سمعوا ذكر الله تذكَروا جلاله وقدرته وعظمته، وتذكّروا أنهم مُقبلون عليه واقفون بين يديه، ولم يعملوا لهذا الموقف.

وكلمة (وَحْدَهُ) (الزمر: 45) تدل على مَيْلهم إلى الشركاء، فالمعنى: لو ذُكر الشركاء ما اشمأزتْ قلوبهم.

واشمئزاز القلوب أمر غيبي ينضح على الوجه بالانفعال، فيبدو على الوجه أنه منقبض انقباضاً مؤلماً، والآية لم تذكر لماذا اشمأزت قلوبهم مما يدل على أن القلبَ هو المحرك الذي يعطي الجوارحَ الانفعال بواقع الأشياء عليها، فمثلاً تقابل شخصاً فتجد نفسك مبتهجاً، وآخر تقابله فتجد نفسك مُهتماً أو منقبضاً عنه، فمن أين هذه الانفعالات؟

من القلب.

وقوله: (وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ..) (الزمر: 45) أي: الشركاء (إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر: 45) أي: يفرحون..  

لماذا؟

لأنهم يظنون أنهم يشفعون لهم، لكنهم خائبون في هذه، وخائبون في هذه.



سورة الزمر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الزمر الآيات من 41-45
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الزمر-
انتقل الى: