فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

معنى (فَحَقَّ) (الصافات: 31) أي: وقع ووجب (عَلَيْنَا) (الصافات: 31) أي: جميعاً التابع والمتبوع، الجميع وجب له العذاب، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، وهذا المعنى ورد في القرآن بأساليب ثلاثة: (سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ) (هود: 40)، و: (حَقَّ ٱلْقَوْلُ) (يس: 7)، و: (وَقَعَ ٱلْقَوْلُ) (النمل: 82).

فقد سبق مِنَّا أنْ أخبرنا بحدوث الشيء، وقد تحقق بالفعل ما أخبرنا به وتحقُّقه بوَقْع يعني: بقوة وبشدة.

وقالوا: إن كلمة: (وَقَعَ ٱلْقَوْلُ) (النمل: 82) لم تُستخدم إلا في الشرِّ، ما عدا مرة واحدة استُخدمت في الخير، وهي قوله تعالى: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ..) (النساء: 100).

وتأمَّل قوله سبحانه: (إِنَّا لَذَآئِقُونَ) (الصافات: 31) ولم يقولوا مُعذَّبون أو مُحرَّقون، لأن العذاب أو الإحراق يمكن أنْ ينتهي في وقت من الأوقات، أما الإذاقة فهي دائمة ومستمرة، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ) (النساء: 56).

وقد اكتشفنا مُؤخَّراً أن الجلد هو مركز الإحساس لا المخ، بدليل أنك حين تأخذ حقنة مثلاً تشعر بالألم بمجرد أن تنفذ الإبرة من منطقة الجلد، وبعد ذلك لا تشعر بألم، هذه الحقيقة قررها الحق سبحانه في قوله: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا) (النساء: 56).

لماذا؟

(لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ) (النساء: 56) فإذاقة العذاب في نفس الجلد.

وقولهم: (فَأَغْوَيْنَاكُمْ) (الصافات: 32) أي: دَلَلْناهم على طريق الغواية والضلال، والغاوي هو الذي ضلَّ طريق الخير والحق (إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ) (الصافات: 32) والمعنى: إنْ كُنَّا نحن ضالين غاوين، فلماذا نترككم للهداية وللإيمان، لابُدَّ أنْ تشربوا معنا من نفس الكأس، وهذا منطق أستاذهم إبليس، فلما عصى وطُرِد من رحمة الله أقسم أنْ يُضِلَّ معه ذرية آدم، ليكونوا مثله في الضلال.

ثم يُنهي الحق سبحانه هذه المواجهة بين أهل الباطل، ويقرر هذه الحقيقة (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ) (الصافات: 33) أي: يوم القيامة (فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (الصافات: 34) وهذه سُنَّتنا في أهل الضلال (إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ) (الصافات: 34) والمجرم هو الذي يُكذِّب بقضية الإيمان الأولى، وهي التوحيد؛ لذلك يصفهم الحق سبحانه في الآية بعدها: (إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ...).