2ـ فضل الاستماع إلى القرآن
المقدم: بعد أن عرفنا في حلقاتٍ سابقةٍ فضيلة قراءة القرآن الكريم وحفظه، فماذا عن الاستماع إليه؟
أبي: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فلما كان القرآن حديث الله الصادق -ولا أصدق من الله قيلًا ولا حديثًا-، ولما كان قرآنًا عربيًا مبينًا معجزًا بليغًا، ولما كان أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني؛ لما كان القرآن كذلك كان حَريًا وجديرًا بأن يستمع إليه من سمعه، وبهذا أمرَ الله العباد فقال: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحسين الصوت عند قراءة القرآن، تحبيبًا في الاستماع إليه، روى أبو داود بإسنادٍ جيدٍ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يَتَغنّ بالقرآن فليس منا".

ويحدثنا البراء بن عازب -رضي الله عنه- في الحديث المتفق عليه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه.

والملائكة  تتنزل لتسمع القرآن، كما حدّث البراء أيضا في الحديث المتفق عليه قال: كان رجلٌ يقرأ سورة الكهف، وعنده فرسه مربوط بشَطَنَين، فتغشته سحابةٌ فجعلت تدنو، وجعل فرسُه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال: "تلك السكينة تنزلت للقرآن".

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحب الاستماع إلى القرآن، كما رواه الشيخان عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال ليَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأ عليَّ القرآن"، فقلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري"، فقرأت عليه سورة النساء....

وفي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرّ بأبي موسى الأشعري ليلًا وهو يقرأ القرآن في بيته، فوقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع له، وفي الصباح قال له: "لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة" فقال أبو موسى: لو علمتُ مكانك لحبّرته لك تحبيرًا -أي: حسنت صوتي بالقرآن أكثر مما سمعتَ-".

المقدم: هل لمن استمع إلى القرآن أجرٌ كمن قرأ؟
أبي: لا شك أن الأجر ثابتٌ لمن استمع إلى شيء من القرآن، وخاصةً لو كان عاجزًا عن القراءة بنفسه.

وفي هذا توسعةٌ على الناس، وقطعٌ لعذر الذين اتخذوا القرآن مهجورًا بحجة عدم القدرة على القراءة، فمن لم يستطع القراءة بنفسه يمكنه أن يستمع إلى القرآن من غيره، وأجهزةُ السماع الحديثة تُيسر هذا الأمر بما لا يدع عذرًا لأحدٍ.

وينبغي على من لا يستطيع القراءة أن يُحصِّل مصحفًا مسجلًا لأحد الشيوخ القراء المتقنين، وأن يجعل لنفسه حصَّةً يوميةً يستمع فيها شريطًا أو أكثر، بحيث يجلس بكل خشوعٍ، ويستمع بإنصاتٍ وتدبرٍ، حتى يختم القرآن كله سماعًا، ثم يعاود الكرة فيحصل على مثل ثواب القارئ.
والله تعالى أعلم.