منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة سبأ الآيات من 51-54

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 51-54 Empty
مُساهمةموضوع: سورة سبأ الآيات من 51-54   سورة سبأ الآيات من 51-54 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:48 am

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَىٰ) (سبأ: 51) أسلوب شرط ورد عدة مرات في القرآن الكريم، وتلحظ أن السياق لم يذكر له جواباً، واقرأ: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ) (سبأ: 31).

(وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا..) (الأنعام: 27).

فالجواب هنا محذوف؛ لأنه معلوم من السياق، فالتقدير هنا: ولو ترى يا محمد إذ فزعوا يوم القيامة أرأيتَ شيئاً عظيماً وأمراً عجيباً يريح قلبك، وينتقم لك جزاءَ ما كذَّبوك وعاندوك، وقد ورد هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى: (هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المطففين: 36).

فالذين طغَوْا وتجبَّروا في الدنيا، وصادموا كلمة الحق، وكانوا عُتَاة وفراعنة تراهم في الآخرة حين يصيبهم فزعها (بسابس) قططاً وأرانب.

ومعنى (فَلاَ فَوْتَ) (سبأ: 51) لا مهربَ ولا نجاةَ لهم؛ لأن الإنسان قد يفزع ويخاف من شيء، لكن يستطيع الهرب منه، أو ربما ينقذه أحد، أما هؤلاء فسوف يفزعون دون منقذ ودون مهرب ولا مفر، وهذا يشفي صدرك وصدور المؤمنين الذين أوذوا معك في سبيل نشر دعوة الحق.

فكما وقفوا في وجه دعوة الله سيقفون يوم القيامة موقفَ الذلة والمهانة، وتأمل: (مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ) (سبأ: 31) (وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ) (الأنعام: 27) (وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ) (الأنعام: 30) يعني: ينتظرون أنْ يُؤذَن لهم ليرَوْا ماذا سيقول شفعاؤهم الذين عبدوهم من دون الله، لكن يُفاجأون بأن شفعاءهم وكبراءهم يسبقونهم إلى النار، ويتقدمونهم إلى العذاب كما تقدَّموهم في الضلال.

لذلك يقول سبحانه: (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً) (مريم: 69) وقال عن فرعون: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ) (هود: 98).

وهكذا يُيئِّسهم الله من النجاة؛ لأنهم كانوا ينتظرون هؤلاء الشفعاء وهؤلاء الرؤساء ليدافعوا عنهم، فإذا بهم يتقدمونهم إلى العذاب.

وهذه الوقفات التي ذكرناها للكفار يوم القيامة، كل وَقْفة منها لها ذلة، وكل وَقْفة لها فزعة، وكل وقفة عذابٌ في حدِّ ذاتها، وكأن الحق سبحانه يقول لنبيه: لو رأيت وقفاتهم وفزعهم لَشَفى غليلك، ولعلمتَ أننا استطعنا أنْ نجازيهم بما يستحقون.

وسبق أنْ مثَّلْنا لهذا الموقف بواحد (فتوة) أو (فاقد) يُذِل أهل بلده ويُخيفهم، فالكل يخافه ويجامله ويتقي شرَّه، وفي إحدى المرات قبضتْ عليه الشرطة وساقوه في السلاسل، فترى أهل البلدة فرحين يتغامزون به، ونسمع فعلاً في مثل هذا الموقف مَنْ يقول (لو شفتْ اللي حصل لفلان)، والمعنى: رأيتَ أمراً عجيباً لا يُتخيَّل في الذهن.

ومعنى: (وَأُخِذُواْ) (سبأ: 51) أُهْلِكوا (مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ) (سبأ: 51) هو موقف القيامة ومكان الحساب، يعني: لم يترك لهم الحق سبحانه بحبوحة، إنما أخذهم من الحساب إلى النار.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ...).



سورة سبأ الآيات من 51-54 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 51-54 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 51-54   سورة سبأ الآيات من 51-54 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:49 am

وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

سبحان الله، فبعد أنْ فعلوا برسول الله وأتباعه ما فعلوا، وبعد أنْ فَزِعوا وحاق بهم العذاب يعلنون الإيمان ويقولون (آمَنَّا بِهِ) (سبأ: 52) وما أشبه هذا بإيمان فرعون لما أدركه الغرق: (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) (يونس: 90) فردَّ الله عليه: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ) (يونس: 91) يعني: هذا وقت لا ينفع فيه إيمان.

وهنا يردُّ الحق عليهم إيمانهم، فيقول: (وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ) (سبأ: 52) أي: تناول الإيمان (مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) (سبأ: 52) كلمة (أنّى) يعني: كيف لهم الإيمان الآن، وهم في موقف الموت أو البعث، فقد كان الإيمان قريباً منهم في الدنيا، أما الآن أبعد ما يكون عنهم.

لذلك استخدم السياق أداة الاستفهام (أنّى) ولها معنيان: بمعنى كيف الدالة على التعجُّب يعني: هذا أمر غريب وعجيب منهم، وتأتي (أنّى) بمعنى من أين كما جاء في قول سيدنا زكريا للسيدة مريم: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا) (آل عمران: 37).

يعني: من أين لك هذا الرزق؟

لذلك ينبغي لولي الأمر أن يتعلَّم من هذه الآية إذا رأى عند أهله شيئاً لم يأتِ لهم به أن يسألهم من أين جاءوا به، وكيف وصل إلى بيته، وهذا احتياط واجب؛ لأن هذا الشيء قد يكون تسللاً أو استمالة إلى معصية.

وترد السيدة مريم على هذا السؤال: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ) (آل عمران: 37) ثم تذكر حيثية ذلك: (إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: 37) يعني: إياك أنْ تحسب المسائل بقدرتك، فتقول: من أين أتتك فاكهة الصيف في الشتاء، أو فاكهة الشتاء في الصيف؟

لأن هذا عطاء الله وقدرته.

وكأن هذا القول من السيدة مريم قد نبّه سيدنا زكريا إلى قضية غفل عنها، فهزَّتْه هذه الكلمة: (إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: 37).

عندها قال في نفسه إذن: لماذا لا أدعو الله أنْ يرزقني الولد بعد أن بلغْتُ من الكِبَر عتيّاً وامرأتي عاقر، فعطاء الله لا يخضع للأسباب: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ) (آل عمران: 38).

وهكذا استفاد سيدنا زكريا من هذه القضية العقدية التي نبهته لها السيدة مريم، وفعلاً استجاب الله له وأعطاه ولداً، بل أكَّد ذلك بأنْ سَمَّاه له: (فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ) (آل عمران: 39).

وهذا تسجيل للبُشْرى وتأكيد لها، ومن ذلك ما رُوي عن سيدنا أبي بكر، فقبل أنْ يموت أوصى السيدة عائشة بخصوص الميراث من بعده، فقال لها: إنما هما أُختاك وأخَواك.

في وقت لم يكُنْ لها إلا أخوان هما: عبد الرحمن ومحمد، وأخت واحدة هي السيدة أسماء، لكن بعد موت الصِّدِّيق ولدتْ زوجته بنت خارجة بنتاً فصدقتْ وصية الصِّديق، وهو -رضي الله عنه- لم يكُنْ علم الغيب، إنما عُلِّم، وأنطقه الله بذلك، لأنه لا يعلم ما في الأرحام إلا الله، فلا احد يعلم ما في الأرحام بذاته، إنما يُعلَّم من الله.

وقد ورد عن سيدنا رسول الله أنه قال لأهل المدينة: "المحيا مَحْياكم، والممات مماتكم".

فبيَّن -صلى الله عليه وسلم- أنه سيموت في المدينة، والله تعالى يقول: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (لقمان: 34).

فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكُنْ يعلم غيباً، إنما عُلِّم الغيب من علاَّم الغيوب سبحانه؛ لذلك لا نقول فلان عالم غيب، إنما مُعلَّم غيب.

لذلك كثيراً ما نرى بعض أهل الصلاح أو الذين كشف الله عنهم الحجاب يرى السيدة الحامل فيقول لها سَمِّ هذا الولد محمداً، وفعلاً تلد ولداً، وتسميه محمداً، هذا تسجيل للبُشْرى وإلهام من الله وتعليم لمن اختارهم الله لهذا العلم.

والناس حين يُسمون يختارون الاسم الذي يُتفَاءل به، فيقولون: سعيد، ذكي.. إلخ تفاؤلاً أن يكون الولد بالفعل سعيداً أو ذكياً، لكن أتملك أن يكون الاسم على مُسمَّاه؟

لا، لا أحد يملك أنْ يكون ولده كما يريد، لكن إذا كان المسمِّى هو الله سبحانه فهو وحده القادر على تحقيق المسمَّى.

لذلك لما وهب لسيدنا زكريا الولد وسماه (يحيى) لم يفطن الناس إلى هذه التسمية، وأنها من الله تعني أن هذا الولد سيحيا ولا يموت، فالله سماه يحيى ليحيا، وفي هذه التسمية إشارة إلى أنه سيموت شهيداً، فتتصل حياة الدنيا بحياة الشهادة، ولو فطن قَاتِلوه إلى هذا المعنى ما قتلوه.

لذلك لما ذهبنا لزيارة قبر سيدنا حمزة قلنا هناك:
أَحَمْزةَ عَمّ المصْطَفى أنتَ سَيِّدٌ على شُهَداء الأرْضِ أجمعِهمْ طُرّا
وحَسْبُكَ من تِلْكَ الشهادةِ عِصْمةٌ من الموْتِ في وَصْل الحيَاتَيْن بالأُخرى

وهذه القضية العقدية التي استفاد منها سيدنا زكريا فطلب من الله الولد، استفادت منها السيدة مريم بعد ذلك حين حملت بلا ذكورة، فتذكرت: (إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: 37) فاطمأن قلبها.

فكلمة (أنَّى) في قوله تعالى: (وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) (سبأ: 52) هى بمعنى كيف، ومثلها قول السيدة مريم لما بُشّرت بعيسى: (أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) (مريم: 20).

ومثل قوله تعالى: (أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) (البقرة: 259) فالسؤال هنا عن كيفية الإحياء، وهي مسألة لا تُقال إنما تُشَاهد، ألم نقرأ قول سيدنا إبراهيم: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: 260).

وللمستشرقين اعتراض على هذه الآية.

يقولون: كيف يخاطب الله أبا الأنبياء إبراهيم ويقول له: (أَوَلَمْ تُؤْمِن) (البقرة: 260) ويقول هو: (بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: 260)، وهل الإيمان إلا اطمئنان قلب إلى عقيدة ما؟

ونقول: الإيمان خلاف الاطمئنان هنا، فالإيمان بأن الله يحيى الموتى موجود عند إبراهيم، فهو لم يسأل: أيوجد إحياء للموتى من الله أم لا يوجد؛ لأنه يؤمن بقدرة الله على إحياء الموتى، إنما يسأل عن كيفية ذلك، فالاطمئنان المقصود على الكيفية، بدليل أن الله تعالى أظهر له آية عملية وتجربة حسِّية في مسألة ذبح الطير؛ لأن الكيفية كما قلنا لا تُقَال إخباراً إنما تُشَاهد.

فالحق سبحانه ينكر على الكفار تناولهم للإيمان في هذا الوقت (وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) (سبأ: 52) التناوش تناول الشيء بيُسْر، وهم يريدون تناول الإيمان في آخر لحظة، وبعد فوات أوانه وضياع فرصته، يريدون إيماناً بلا تكاليف، وأنَّى لهم ذلك، وهم أبْعد ما يكونون عن الإيمان، لأن محل الإيمان في الدنيا، فهذا القول منهم أشبه بقول أصحابهم الذين قالوا: (رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ) (فاطر: 37).

ثم يقول الحق سبحانه: (وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ...).



سورة سبأ الآيات من 51-54 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 51-54 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 51-54   سورة سبأ الآيات من 51-54 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:50 am

وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يعني: عرض عليهم الإيمان وهم في بحبوحة الدنيا وسعتها، فكفروا به، والدنيا هي محلُّ الإيمان ومحلُّ التكاليف والأوامر والنواهي، فلما وقفوا موقف الموت أو البعث تمنَّوا الإيمان وقالوا آمنا وهم في هذا (يَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) (سبأ: 53) يعني: يتكلمون بالظن فيما لا عِلْم لهم به، يريدون أنْ يصلوا إلى غرضهم، وهو أنْ ينجوا من العذاب، لكن يأتي هذا القذف بالظن أيضاً من مكان بعيد، يعني في غير محله، وفي غير وقته، والقرآن هنا أثبت لهم قَذْفاً، كما أثبت للحق سبحانه قَذْفاً(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ) (سبأ: 48)، لكن شتَّان بين الاثنين.

قذف هؤلاء من مكان بعيد، والقَذْف من بعيد قَذْف لا يصيب الهدف، وهم في قَذْفهم لا يعلمون الغيب، ولا يعلمون المؤثرات التي تؤثر على المقذوف، أما الحق سبحانه فيقذف وهو سبحانه علاَّم الغيوب الذي لا يغيب عن علمه شيء.



سورة سبأ الآيات من 51-54 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 51-54 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 51-54   سورة سبأ الآيات من 51-54 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:50 am

وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍ  مُرِيبٍ (٥٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نقول: حُلْتُ بين الخصمين يعني: فصلْتُ بينهما، وجعلتُ بينهما حائلاً ومانعاً من الاشتباك حتى لا يبلغ كل منهم أشُدَّه في المعركة، أو ينال مراده من خَصْمه، فالحق -سبحانه و تعالى- جعل حائلاً ومانعاً بين هؤلاء وبين ما يشتهون.

والاشتهاء طلب شهوة النفس من غير ارتباط بمنهج، لكن ما الذي كان يشتهيه الكفار؟

كانوا يشتهون أنْ يطمسوا دعوة الحق، فلم يُمكِّنهم الله من طمسها، كما قال سبحانه: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ) (التوبة: 32).

وقال سبحانه: (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) (الصف: 9).

وهم يشتهون انطماس الدعوة؛ لتبقى لهم سيادتهم التي نهبوها على حساب الضعفاء، ولتظل لهم المكانة والتصرُّف، كذلك يَشْتهون انطماس الدعوة حتى لا تقف مناهج الله عقبة أمام شهوات نفوسهم.

ومعلوم أن الإنسان تحاربه نفسه قبل أن يحاربه الشطيان، لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان: "إذا جاء رمضان فُتِحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين".

ومع ذلك تحدث في رمضان ذنوب وجرائم.

إذن: هذه الذنوب وهذه الجرائم ليست عن طريق الشيطان، إنما من طريق النفس، كأن الله تعالى يريد أنْ يفضح العاصين الذين يتهمون الشيطان، ويُلْقون عليه تبعة كل ذنوبهم.

إذن: ليس الشيطان وحده هو وسيلة الضلال والغواية، إنما هناك النفس الأمَّارة بالسوء.

وسبق أنْ أوضحنا كيفية التفريق بين المعصية من طريق الشيطان والمعصية من طريق النفس، وقلنا: إذا وقفْتَ أمام معصية بعينها لا تتحول عنها مهما عَزَّتْ عليك أسبابها، فاعلم أنها من شهوات النفس؛ لأن النفس تريد شيئاً بعينه، أما الشيطان فإنْ عزَّت عليك معصية أخذك إلى أخرى، المهم أن تعصي الله على أيِّ وجه، وبأية طريقة.

فقوله تعالى: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) (سبأ: 54) دلَّ على أن المسألة بالنسبة لهم كانت شهوةَ نفس، لا مدخلَ للشيطان فيها..

لماذا؟

لأنهم كفروا بالله وفرغ الشيطان منهم، وإلا ماذا يريد منهم بعد ذلك، فلم تَبْقَ إلا شهوات النفس فاشتهوا أنْ يطمسوا الدعوة، وأنْ يذلوا مَنْ آمن ويجعلوه عبرةً لمن يفكر في الإيمان، لكن حال الله بينهم وبين ما أحبوا، وسارت الدعوة على خلاف ما اشتهوا، فمن ذُلَّ وضُرب وأُهين من المؤمنين ثبت على إيمانه، ومَنْ كان يفكر في الإيمان لم يَرْهَبَهُم، ولم يخف مما فعلوه بإخوانه المؤمنين.

فإنْ قلت: كيف أسلم اللهُ المؤمنين الأوائل لأنْ يعذبهم الكفار، وأنْ يُهينوهم ويُخرجوهم من أرضهم؟

نقول: كان هذا لحكمة عالية أرادها الحق سبحانه، وهي أنْ يُمحِّص إيمان المؤمنين، بحيث لا يثبت على إيمانه إلا قوى العزيمة الذي يصبر على تحمل الشدائد، فهؤلاء هم الذين سيحملون منهج السماء ودعوة الحق إلى العالم أجمع، فلا بد أن يكونوا صفوة تختار دين الله وتضحي في سبيله بكل غالٍ ونفيس.

لذلك أراد سبحانه أنْ تتزلزل هذه الدعوة في بدايتها عدة مرات، وأن ترى بعض الفتن التي تُغربل الناس، وتُخرِج المؤمنين في جانب، والمنافقين في الجانب الآخر، وهذا ما حدث بالفعل في مسألة الإسراء والمعراج مثلاً، وفي رحلة الطائف، كلها فِتن تُمحِّص المؤمنين.

لقد ضيَّق الكفارُ على المؤمنين الخناقَ، حتى جلس رسول الله يفكر في أمرهم ويفتش في رقعة الأرض المعاصرة له، أيها تناسب أصحابه، ويأمنون فيها على أرواحهم وعلى دينهم، فلم يجد -صلى الله عليه وسلم- إلا الحبشة، فقال لأصحابه: "اذهبوا إلى الحبشة، فإن بها ملكاً لا يُظْلم أحد عنده".

وفعلاً كان النجاشي عند ظن رسول الله، فأكرم المؤمنين، ورفض أنْ يُسَلِّمهم إلى وفد قريش؛ لذلك كافأه رسول الله بأنْ وكله في أن يُزوِّجه من أم حبيبة، وكانت لهذه الزيجة حكمة، فالسيدة أم حبيبة هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، لكنه تنصَّر هناك، وظلَّتْ أم حبيبة على إيمانها، فدلَّ ذلك على صدْق إيمانها، وأنها ما هاجرت لأجل زوجها، إنما هاجرت لله ورسوله، فكافأها رسول الله هذه المكافأة.

فالكفار اشتهوا إيذاء رسول الله وإيذاء المؤمنين مجاهرةً، فلم يصلوا من ذلك إلى شيء، فاشتهوا التآمر على رسول الله وقَتْله، ودبروا له مؤامرة لقتله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30) فخيَّب الله سَعْيهم،وخرج رسول الله من بين شبابهم وفتيانهم، وهو يحثُو التراب على وجوههم، ويقول: "شاهت الوجوه".

والله يقول: (فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) (يس: 9).

وهكذا حالَ الله بينهم وبين ما يشتهون من المجاهرة ومن المؤامرة، فحاولوا أنْ يسحروا رسول الله، بأن يكيدوا له بطريقة خفية فَسَحره لبيد بن الأعصم، واستعانوا في ذلك بإخوانهم من شياطين الجن، كما قاله سبحانه: (وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ) (الأنعام: 121) لكن خيَّب الله مَسْعاهم في السحر أيضاً، ولم ينالوا من رسول الله، ولا من منهج الله، وكأن الله تعالى يقول لهم: وفِّروا على أنفسكم، فرسول الله معصوم من الله، كما خاطبه سبحانه بقوله: (وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ) (المائدة: 67).

وقوله سبحانه: (كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ) (سبأ: 54) يعني هذه القضية ليست خاصة بكفار مكة، إنما هي سنة مُتبعة في الأمم السابقة، ومعنى (بِأَشْيَاعِهِم) (سبأ: 54) بأمثالهم من الكفار في الأُمم السابقة.

والأشياع: جمع شيعة، وهم الجماعة المجتمعة على رأي ينتفعون به، ويدافعون عنه، سواء أكان حقاً أم كان باطلاً، فقوله تعالى هنا: (كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ) (سبأ: 54) دلَّ على أنهم كانوا على باطل، أما قوله تعالى: (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ) (الصافات: 83) فهذه على الحق.

والمعنى: أنهم أُخِذوا كما أُخِذ أمثالهم من الكافرين مع الفارق بين الحالتين، فقبل رسول الله كانت السماء تتدخل مباشرة لتدافع عن دين الله وعن نبي الله؛ لذلك حدثتْ فيهم الزلازل والخسْف والصيحة والمسخ.. إلخ.

فالأمم السابقة لم تكُنْ مأمونة على أنْ تدفع عن دين الله بسيفها، أما أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد استأمنها الله على هذه المهمة، فحملتْ السيف ودافعتْ عن دينها؛ لذلك أكرم الله هذه الأمة، فلم يحدث فها خَسْف، ولا مَسْخ ولا إغراق.

مما حدث لسابقيهم.

لذلك لما يئس نوح عليه السلام من هداية قومه دعا عليهم: (رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) (نوح: 26-27).

أما سيدنا رسول الله فجاءه الملَك يعرض عليه الانتقام من كفار قومه، فيقول: لا.

لعل الله يُخرِج من أصلابهم مَنْ يقول لا إله إلا الله.

وفعلاً آمن منهم كثيرون أمثال: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، كما كانوا ألدَّ أعداء الإسلام صاروا قادته الفاتحين.

وقد تألم المسلمون كثيراً؛ لأن هؤلاء نجوْا من القتل، وهم لا يدرون أن الله تعالى كان يدخرهم للإسلام، فصار خالد سيف الله المسلول، وعمرو أعظم القادة الفاتحين، ويكفي شهادة لعكرمة أنه ابن أبي جهل، وأنه لما ضُرِب ضربة قوية في موقعة اليرموك احتضنه خالد وهو يعاني سكرات الموت، فقال: يا خالد، أهذه ميتة تُرضي عني الله ورسوله؟

حتى الذين ظلُّوا على كفرهم من قوم رسول الله كانوا في صالح الإسلام، فمثلاً أبو لهب وهو عم رسول الله، وهو الذي قال له: تباً لك، ألهذا جمعتنا، وهو الذي قال عن رسول الله لما مات ولده إنه أبتر يعني مقطوع الذرية، لأن أولاد البنات يُنسَبون إلى آبائهم.

كما قال الشاعر:
فَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ القَومِ أَوْعِيَةٌ مُسْتَوْدَعَاتٌ وللأَحْسَابِ آبَاءُ

ومن العجيب أن أبا لهب قدَّم للإسلام كما قدَّم خالد وعمرو وربما أكثر، كيف؟

لأن الله جعله حجة على صِدْق كلام الله، وعلى صِدْق رسول الله فيما بلَّغ عن ربه، فلما قال لرسول الله: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟

ردَّ الله عليه: (تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (المسد: 1-5).

فحكم الله عليه وهو ما يزال في سَعَة الدنيا، وما يزال مختاراً حراً قادراً على إعلان إيمانه ولو نفاقاً، ومع ذلك لم يجرؤ أنْ ينطق بكلمة التوحيد، ولو نطق بها لَكَان له أن يقول: إن القرآن كاذب، وها أنا أشهد ألا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله.

وهكذا أقام الله من هذا الكافر المعاند دليلاً على صِدْق كلامه، وصِدْق رسوله.

ثم تُختم السورة بقوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ) (سبأ: 54) كانوا في شك من أمر رسول الله، ونُصْرته عليهم، وعدم تخلِّي ربه عنه، مع أنهم كانوا على اتصال بأهل الكتاب، وأهل الكتاب يقرأون كتبهم على هؤلاء الكفار ويستفتحون بها عليهم، وقد علموا منها أن عاقبة الصراع بين الرسل وأقوامهم على مَرِّ موكب الرسالة كانت للرسل؛ لأن الله تعالى ما كان ليرسل رسولاً ثم يُسلمه أو يتخلى عنه.

وهذه قضية ذُكِرت في الكتب السابقة كما ذُكِرت في القرآن في أكثر من موضع، وإن كانت الكتب السابقة قد ضاعت أو حُرِّفت فالقرآن هو كتاب الله الباقي الذى تكفَّل الله بحفظه، فهو يُتلَى كما أُنْزِل إلى يوم القيامة، وفيه يقول الله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا) (غافر: 51).

وقال سبحانه: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 171-172).

لذلك سبق أنْ قلنا: إنْ هُزِم الإسلام في معركة مع غيره فاعلم أن شرط الجندية الإيمانية قد اختلَّ، ولو نصرهم الله مع اختلال شرط الجندية الإيمانية قد اختلَّ، ولو نصرهم الله مع اختلال شرط الجندية فيهم ما قامتْ للإسلام قائمة بعدها، وهذا الدرس تعلمناه في أُحُد، لما خالف الرماة أمر رسول الله ونزلوا من على الجبل يريدون الغنائم، مع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذَّرهم من هذا، وقال لهم: لا تتركوا أماكنكم مهما حدث، فلما تركوا أماكنهم التفَّ عليهم الكفار، وكادوا يهزمونهم.

وإنْ كان التحقيق أن الكفار لم ينتصروا في أُحُد؛ لأن المعركة (ماعت)، ولو انتصر المسلمون مع هذه المخالفة لهَانَ عليهم أمر رسول الله بعد ذلك، ولقالوا: لقد خالفنا أمره في أُحد وانتصرنا، إذن: نقول: الذي هُزِم في أُحد هو مَنِ انخذل عن جندية الإيمان، أمَّا الإسلام في حدِّ ذاته فقد انتصر.

إذن: كانوا في شكٍّ من الغاية التي ينتهي إليها رسول الله، والشك هنا في رسول الله لأن لديهم قضية عقدية هي الإيمان بوجود الله، وأنه سبحانه الخالق لكل شيء، بدليل قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) (الزخرف: 87).

والشك يعني عدم الجزم وعدم اليقين، وبيَّنا ذلك بأن نسَبَ الكلام في الكون ست، لكل ثلاث منها اتجاه، فالكلام بداية علَّمَ الله سبحانه آدم الأسماء كلها ليتفاهم بها مع غيره، فالكلام يقتضي متكلماً ومُخاطباً، ولابُدَّ أن يكون المخاطب على علم بمدلول الكلام، بدليل أن العربي لا يفهم الإنجليزي، ولا الإنجليزي يفهم العربي، لابُدَّ من علم بالتواضع في اللغة ليفهم كل منهما عن الآخر.

والكلام المفيد هو الجملة التي يحسُن السكوت عليها، بأن تعطي معنى مفيداً، فلو قُلْت مثلاً (محمد) فهي مفردة من مفردات اللغة لا تعطي معنى إلا بنسبة، فتقول: محمد كريم، فأسندتَ الكرم إلى محمد، وهذا معنى تام، يحسُن السكوت عليه.

وإسناد الكرم لمحمد هو مُعتقد المتكلّم به، فإنْ كان لهذا الكلام وجود بالفعل بأنْ وُجد شخص اسمه محمد، وصفته الكرم، فهذا الكلام المعتقد جازم بالحكم والحكم واقع، فإنْ كان المتكلم غير جازم بالحكم، متردداً فيه فهذا شك، فالشك فيه نسبة متأرجحة بين النفي والإثبات بحيث تتساوى الكفتان، فإنْ رجحت واحدة فهي ظن، والأخرى المرجوحة وهم.

إذن: كم نسبة للكلام غير المجزوم به؟

ثلاث: الشك والظن والوهم.

أما الكلام المجزوم به فإنْ كان له واقع، وتستطيع أنْ تدلل عليه فهو علم، وإنْ لم تستطع أنْ تُدلل عليه فهو تقليد، وإن جزمتَ به وليس له واقع فهذا جهل، وهذه الثلاث نِسَب الكلام المجزوم به: علم، وتقليد، وجهل.

إذن: الكفار جازمون معتقدون في أن الله هو الخالق، لكنهم شاكُّون في مسألة البلاغ عن الله، وأنها جاءت على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ) (سبأ: 54) الشك ذاته يُوقِع في الارتياب والقلق.



سورة سبأ الآيات من 51-54 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة سبأ الآيات من 51-54
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة هود الآيات من 051-055
» سورة طه الآيات من 066-070
» سورة يس الآيات من 31-35
» سورة سبأ الآيات من 36-41
» سورة ص الآيات من 76-81

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: سبأ-
انتقل الى: