القاعدة الثامنة والثلاثون: الدُّعَاءُ وسيلة إنجاح المقاصد 3810
القاعدة الثامنة والثلاثون: الدُّعَاءُ وسيلة إنجاح المقاصد
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
 
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان: 74).
 هذهِ الآيةُ الكريمةُ بيَّنتْ آخِرَ صفةٍ مِنْ صفاتِ عِبَادِ الرَّحمَنِ فِي سُوْرَةِ الفُرْقَان، ونستشف منها أنَّهمْ يَبحثونَ عَنِ السعادةِ الأُسْريةِ، فهم يَسْألونَ اللهَ أنْ يُقِرَّ أعينَهم بأزواجِهم وذرياتِهم، وفيها ربطٌ عجيبٌ بينَ تَحَقُّقِ الاستقرارِ والسَّعادةِ الأُسريةِ وبينَ الإمامةِ فِي الدِّينِ، وكأنَّ النتيجةَ بعدَ ذلكَ بإذنِ اللهِ إذا صدَقَ الإنسانُ وسعَى أن يكون أهله قرة عين له فإنه قد تحقق بسبب يَجعلَهُ اللهُ به للمتقينَ إمامًا، فَلا تقتصرُ إمامتُهُ علَى بيتِه وأسرتِه بلْ تَتَعَدَّى ذلكَ إلَى المجتمعِ والأمَّةِ.

ومفتاحُ ذلكَ أمرانِ؛ أحدُهُما الدعاءُ، فينبغي أنْ يُلِحَّ الرجلُ علَى اللهِ عز وجل أنْ يَهَبَهُ الزوجةَ الصالحةَ، وتُلِحَّ المرأةُ كذلكَ أَنْ يَهَبَهَا الزوجَ الصالحَ، وَيُلِحَّا أَنْ يَجعلَ أولادَهما قُرَّةَ عينٍ لهُما، وأنْ يجعلَهم للمتقينَ إمامًا.         

والأمرُ الثَانِي، العملُ على تحقيقِ هذا الدعاءِ وتقديمِ أسبابِ الاستجابةِ لهُ مِنَ اللهِ، وذلكَ بِأَخْذِ الآيةِ علَى وجهِهِا، والعمل بما قَبْلَها مِنْ آياتِ صفاتِ عبادِ الرحمنِ في حياتِنَا كلِّها، فكأنَّ الآياتِ تُشيرُ إلَى أنَّنا إِذَا أخذنا بصفاتِ عبادِ الرَّحمنِ فعملنا بِهَا وَأَلْحَحنَا علَى اللهِ بالدعاءِ فحريٌ بالكريم سبحانه أن يستجيب لنا، فيجعلنا أئمة للمتقين، فأيُّ منزلةٍ أعظمُ مِنْ هَذِهِ المنزلةِ؟

وأيُّ إكرامٍ منَ اللهِ سينالُه مَنْ كانَ للمتقينَ إمامًا؟

ومَا ظنُّه بربِّ العالمينَ؟

ظنُّنا أنه سَيرَى السعادةَ العاجلةَ وقرةَ العينِ في الدنيا، والسعادةَ في الآخرةِ بدخولِ الجنةِ والبعدِ عنْ النارِ.

والعجيبُ أنَّ المرءَ أثناءَ الدعاءِ لأولادِهِ أنْ يجعلَهم اللهُ قرةَ عينٍ لهُ يَشْعُرُ بالهناءِ والسعادةِ وإنْ كانوا قدْ خالفوهُ في بعضِ أمورِهم؛ لأنَّه يَرتبطُ معَ اللهِ ويعيشُ حياةً روحانيةً إيمانيةً عاليةً، وهذهِ في نفسها مِنْ أسبابِ الراحةِ والنعيمِ.

فعَلَينا بالدعاءِ إذْ: (لا يَردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ)  كمَا وردَ في الحديثِ، و(الدعاءُ هوَ العبادةُ)، وهذَا هوَ اللفظُ الصحيحُ، وليسَ كمَا اشْتُهِرَ: (الدعاءُ مخُّ العبادةِ)، فكلمةُ مخٍ ضعيفةٌ، فالدعاءُ هوَ العبادةُ لأنَّ فيهِ تحقيقًا لمعناهَا مِنَ الذُّلِ والخضوعِ والاستكانةِ والحاجةِ والفَقْرِ.

فلْنجعلِ الدعاءَ قاعدةً في حياتِنا، في أمورنِا الصغيرةِ والكبيرةِ، في حياتِنا العائليةِ والاجتماعيةِ والأُسريةِ، في شؤونِنِا الخاصةِ والعامةِ، ولْنَحْذَرْ منَ التكبرِ عنِ الدعاءِ، أو ازدراء مقامه!          قالَ تعالَى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60)، وقدْ لا يكونُ الإعراضُ عنِ الدعاءِ بِقَصْدِ الاستكبارِ، لكنَّ تركَ الدُّعاءِ بسببِ الغفلةِ يُوافِقُ حالَ المستكبرينَ، فَينبغِي التَّنبهُ لذلكَ.

ولابدَّ منَ التأدبِ بآدابِ الدعاءِ وألَّا يكونَ في الدعاءِ اعتداءٌ، قالَ تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف: 55)، فإِذَا صَدَقَ المرءُ معَ اللهِ وأخلص قلبُه النية في الدعاءِ، وأيقنَ بالإجابةِ كما في الحديثِ: (ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنونَ بالإجابةِ)، فلْيستبشرْ بما يسرُّه.

قالَ تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186)، وقالَ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) شرطٌ وجزاءٌ، ولهذَا قالَ عمرُ رضي الله عنه: (إنّي لا أحِملُ همَّ الإجابةِ، وإنَّما أحمِلُ همَّ الدعاءِ، فإذا أُلْهِمْتُ الدعاءَ فإنَّ الإجابةَ مَعَه) .

فمنْ أرادَ السعادةَ الزوجيةَ فَعليهِ أنْ يَأخذَ بكلِّ الأسبابِ المتاحةِ، كمَا في هذهِ القواعدِ وغيرها، وعليهِ أيضًا أنْ يأخذَ بأعظمِ الأسبابِ، وهوَ الدعاءُ، فبهذا سَيَجِدُ حياةً أخرَى منَ السعادةِ والاستقرارِ، وإنْ لمْ يجدْهُ عاجلًا فعليهِ أنْ يُلحَّ في الدعاءِ ولا يَستبطئَ الإجابةَ.

فقدْ يُصلِحُ اللهُ أولادَه بدعائِه بعدَ وفاتِه، كما حدث لكثيرين، وسيناله من أثرِ صلاحهم بدعائهم لَه، كما في الحديث الصحيح: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).

المصدر:
http://www.almoslim.net/tarbawi/291120