القاعدة الرابعة والثلاثون: أدِّبُوا أهلِيكُمْ وعلِّمُوهُم 3410
القاعدة الرابعة والثلاثون: أدِّبُوا أهلِيكُمْ وعلِّمُوهُم
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
 
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم: 6).
هذهِ الآيةُ الكريمةُ تُخاطِبُ المؤمنينَ منَ الرجالِ كيْ يَحفظُوا أنفسَهم وأزواجَهم وأولادَهم مِنَ النَّارِ، وذلكَ بأنْ يُعلِّموهم ويُؤدِّبوهم ويَحضُّوهم علَى فعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ.

وقولُه تعالَى: (قُوا) يَعنِي: اجْعَلوا بينَهم وبينَ عذابِ اللهِ وقايةً، ولا شكَّ أنَّ النَّارَ المقصودةَ ابتداءً هيَ نارُ الآخِرَةِ لقولِه تَعالى: (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) الآيةُ، ولكنْ بالتأملِ في لازمها نَجِدُ الذي لا يقي أهله نار الدنيا وجحيمها فلن يقيهم نار الآخرة، والعكس بالعكس!

فالذي يقِي نفسَه وأهلَه النَّارَ وَيَعمَلُ أعمالًا صالحةً خيِّرةً ويتقِي معاصيَ اللهِ عز وجل منْ أجلِ أنْ يُحجبَ عنْ النَّارِ ويدخلَ الجنةَ -جعلَنَا اللهُ منْ أهلِها- يحفظُهُ اللهُ منْ جحيمِ الدُّنيا ويجعله في سعادةٍ وهناءٍ، وبرغمِ المشكلاتِ والمنغِّصاتِ التي لابدَّ منْها في هذهِ الحياةِ، إلَّا أنَّه يكونُ سَعيدَ القلبِ مطمئنَ النفسِ.

والعكسُ بالعكسِ؛ فالإنسانُ إذَا لمْ يتقِ اللهَ عز وجل في أهلِه وولدِه وأَدْخَلَ عليهم في بيتِه المعاصيَ والآثامَ، فإنَّه قَبلَ أنْ يَدْخلَ نَاَر الآخرةِ -إذا لمْ يغفرِ اللهُ له- فإنّه يعيشُ حياةَ الضَّنكِ والشَّقاءِ، وتكونُ الدُّنيا بالنسبةِ لهُ كقِطعةٍ منَ الجحيمِ، وبمقدارِ وجودِ هذهِ المعاصِي في البيوتِ وبقدر البعد والإعراض عنْ ذكرِ اللهِ تعالى تكون الحال السيئة في الدنيا والعاقبة الوخيمة يوم القيامة وهي معلومةً: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه: 124).

فمثلًا بعضُ الناسِ يُدخلُ القنواتِ المحرمةَ لبيتِهِ ويُعلِّلُ ذلكَ بأنَّ الأولادَ ضغَطوا عليهِ، وأنّه لا يُريدُ أنْ تقعَ المشاكلُ بينهُ وبينَهُم ويرُيدُ إسعادَهم، فهلْ عاقبةُ فِعْلِهِ هذا سعادةٌ حقًا؟         

إنَّ عاقبةَ هذا الأمرِ في الآخِرَةِ -مَا لمْ يُغْفَرْ لهُ- وخيمةٌ، فقدْ ضيَّعَ الأمانةَ وغَشَّ رعيَّتَه بدلَ أنْ ينْصَحَ لهمْ، وأدْخلَ عليهمْ ما يُفسِدُ آخِرتَهم.

وأما في الدُّنيا، فالذينَ يُدْخِلونَ هذهِ المحرماتِ إلى بيوتِهم منْ أجلِ إسعادِ أولادِهم وأهلِهم واهمونَ ومخطئونَ، وقدْ يُعاقَبُونَ في الدنيا بفسادِ أزواجِهم وأولادِهم والعياذُ باللهِ، والقِصَصُ معلومةٌ مشهودةٌ، فكثيرٌ منْ هذهِ البيوتِ دخَلَها الفسادُ والخرابُ بسببِ ما يُعرَضُ في هذهِ القنواتِ مِنَ المحرماتِ ومظاهرِ الفجورِ، كشربِ الدُّخانِ والمسكِراتِ والمخدّراتِ، وكالتبرجِ والتعري وكشفِ العوراتِ والاختلاطِ، وغيرِ ذلكَ، فيَنْدَمُ الأبُ ولاتَ حينَ مَنْدمٍ، ويعيشُ في عذابٍ شديدٍ وجحيمٍ وتعاسةٍ، فتكون المحَصِّلةِ أنه لمْ يَسعدْ لا فِي الدنيا ولا فِي الآخِرَة، بلْ شَقِي شقاءً أعظمَ منَ الشَّقاءِ فِي حَالِ رَفْضِ طَلَباتِهمْ.         

إذًا عنْدَمَا يْجعَلُ المَرءُ بينَه وبينَ أهلِه وبينَ النَّارِ وِقايةً، فإنَّه يَجعلُ بينَه وبينَ الشَّقاءِ والتَّعاسَةِ في الحياةِ الأُسْرِيةِ وقايةً، ولا يكون ذلكَ إلاّ بالبعدِ عنْ المعاصِي والإقبالِ على الطاعاتِ وأمرِ أهلِهِ بِها: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه: 132)، وبذكرِ اللهِ عز وجل الذي بهِ تطمئنُ القلوبُ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28)، فتكونُ النتيجةُ: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) (طـه: 123) لا يضلُّ في الدنيا ولا يشْقَى في الآخِرَةِ.

وقدْ يَكُوْنُ الأَخْذُ بالتقوَى في أَوَّلِ الأمْرِ فيهِ شِدّةٌ، قَدْ تَغضْبُ الزَّوْجَةُ وَقَدْ يَغْضَبُ الأَوْلَادُ، وَلَكِنْ بالصِّدْقِ مَعَ اللهِ تَلِيْنُ القُلُوبُ، وَهُنَاكَ مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ فلمْ يُعَانِ مِنْ ذَلِكَ، كَحَالِ أحدِ طُلابِ العلمِ الذِي يَقُولُ: واللهِ لا أَذْكُرُ أنَّ أَولادِي طَلَبُوا مِنّي القنواتِ المحرمةَ يومًا منَ الأيامِ، بلْ ولا القنواتِ الرياضيةَ التي قدْ يُعْرَضُ فيها نساءٌ أو كَشْفُ عَورَاتٍ أو تُسبِّبُ إِضاعَةً للصَّلواتِ، يَقولُ: فَلمْ أُدْخِلِ التلفزيونَ في بيتي إطلاقًا إلا بعدْ أنْ ظَهرتِ القنواتُ الهادفةُ، فأدْخلتُها لهمْ منْ تِلقاءِ نفسِي بضوابطِها.

إنه بمقدارِ ما في البيتِ منْ خيرٍ وطاعةٍ وذكرٍ تكونُ السعادةُ والهناءُ والصفاءُ، ويفِرُّ الشيطانُ منْهُ، "فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ"، وفي روايةٍ أخرَى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ"، فكيف بالبيت الذي يقرأ فيه القرآن، وتقام فيه حلق الذكر، وتؤدى فيه الفرائض، وتتابع فيه النوافل، ولأهله حظهم من قيام الليل!

ليس للشيطان في مثل هذا البيت مكان: ولسان حاله مع قبيله: لا مقام لكم فارجعوا!

وأمَّا البيتُ الذي لا ذكرَ فيهِ ولا طاعة، ولا يُقرأُ فيه القرآنُ، فكالبيتِ الخربِ مأوَى الهوامِّ والشياطينِ، فلنمتثلْ إذًا: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) ولنجعلْ بيوتَنا نظيفةً، فستصبحُ جنةً أخرِى، حتى إنَّ بعضَهم يقولُ: إنني عندما أرَى ما أنا فيهِ منْ سعادةٍ في بيتي لِحرْصي علَى هذهِ الآيةِ: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) أقولُ: إذنْ كيفَ ستكونُ جنةُ الآخرةِ؟

أمَّا أولئكَ الذينَ -مَعَ كلِّ أسفٍ- يتَساهَلُونَ معَ أبنائِهم في عباداتِهم، في صلاتِهم، في سلوكياتِهم، وَيُدْخِلُونَ آلاتِ اللهوِ والمعاصِي والمحرماتِ، ويتساهلونَ في لباسِ زوجاتِهم وبناتِهم وغيرِ ذلكَ، هؤلاءِ لمْ يَقُوا أنفسَهم وأهليهم نارًا، وقدْ يجدونَ العقوبةَ العاجلةَ منَ الضنكِ والشدةِ في بيوتِهم، كما بيَّن اللُه في سورةِ طه، واللهُ أعلمُ.

المصدر:
http://www.almoslim.net/tarbawi/290894