القاعدة السابعة والعشرون: أعن زوجك على البِرِّ تكن شريكًا في الأجر 27_110
القاعدة السابعة والعشرون: أعن زوجك على البِرِّ تكن شريكًا في الأجر
أ.د. ناصــــر بن سليمان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2).
هذهِ القاعدةُ مهمةٌ إذا كانَ الزوجُ منْ طلابِ العلمِ والدعاةِ وأصحابِ المشاريعِ الخيريةِ -وهوَ الأكثرُ- أو كانتِ الزوجةُ مِنَ الدعاةِ المُشتغِلاتِ بالعملِ الخيريِّ وهوَ أقلُ، حيثُ يُمكنُ أنْ يَكْثُرَ تَشكِّي الزوجةِ بحجةِ أنَّ زوجَها لا يُعطيهم حقوقَهم؛ لأّنَّه كثيرُ الغيابِ ومشغولٌ بغيرِهم.

وإنَّ مِنْ أسبابِ الاستقرارِ هوَ مَا ذكَره اللهُ هنا (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، بِأنْ تكونَ هناكَ مشاركةٌ وتعاونٌ بينَ الزوجِ وزوجِه في العملِ، والتعاونُ لهُ أوجهٌ كثيرةٌ جدًا، ومنْ أهمِّها الرِّضا بعملِ زوجِها، وكذلكَ رِضا الزوجِ بعملِ زوجتِه في هذهِ المشاريعِ الخيريةِ، وهذا يبدأُ بإدراكِ كلا الزوجينِ أنَّ عملَ صاحبِه في هذهِ المجالاتِ خيرٌ وأجرٌ وقُرْبةٌ لله تعالى.

فعلَى المرأةِ أنْ تستحضر أنها بصبرها تكونُ شريكةً في الأجرِ ما لمْ تَتَضَجَرْ أو تشتكِ؛ لأنَّها إذا اشتكتْ فقد أعلنت بغضها لما هو فيه، ومنعت عذرها، فتفقدُ أجرَها، وهذا غالبًا لنْ يُؤثرَ علَى زوجِها بلْ سيستمرُ كمَا هو، فتكونُ قد فقدتِ الأجرَ ولمْ تنلْ شيئًا بشكواها.

وإنَّ مما ينبغي التنبهُ له في هذا المقامِ، أنَّ هذهِ الأعمالَ؛ كطلبِ العلمِ والدعوةِ والمشاركةِ في الأعمالِ الخيريةِ لا ينبغي أنْ تكونَ سببًا للتقصيرِ في حقِّ الأهلِ، إذْ كمَا أنَّ العملَ في الدعوةِ إلى اللهِ وفي بذلِ العلمِ والمشاركةِ في المشاريعِ الخيريةِ قربةٌ إلى اللهِ تعالى، فإنَّ القيامَ بحقوقِ الزوجةِ والأولادِ قربةٌ إلى اللهِ تعالى، فلا تبغي هذهِ علَى تلكَ، وليُعطَ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه كمَا ورَدَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبهذا تستقيمُ الحياةُ.

وإنَّ مما يُساهِمُ في إقناعِ الزوجةِ ويُعينُها علَى الصبرِ، أنْ يُبيِّنَ لها الزوجُ أنَّ مِنْ أعظمِ أسبابِ ما همْ فيهِ مِنْ خيرٍ ومِنْ سَعةِ رزقٍ وهناءٍ وطيبةِ نفسٍ -قدْ لا يوجدُ عندَ القريبين منْهم- هوَ مشاركتُه في هذهِ الأعمالِ العِلميةِ والدَّعويةِ والخيريةِ، وأنَّ دُعاءَ المسلمينَ لهُ ولزوجِه ولولدِه مِنْ أسبابِ هذا الاستقرارِ وهذهِ الحياةِ الهانئةِ السعيدةِ، وأنَّ من فضْل اللهِ تعالى أنْ سخَّرهم لخدمةِ عبادِه، فسخَّرَ اللهُ الناسَ للدعاءِ لهمْ.

ثمَّ يَدعُوها للتأملِ فيما همْ فيهِ وأولادُهما منْ نعمٍ، فتزدادُ اطمئنانًا وتقِلُّ شكواها، بلْ إنَّ منْ أثرِ مثلِ هذا المنطقِ أنَّ زوجةَ أحدِ المشايخِ تقولُ لهُ: لولا أنَّنا نحتسبُ الأجرَ في عملِكم، ونطمعُ أنْ نكونَ شركاءَ في كلِّ مَا تَقومونَ بِهِ ما استطعنا الصبرَ علَى غيابِكم وأسفارِكم وانشغالِكم وتأخرِكم، فهذا معنىً جميلٌ وفقهٌ جميلٌ، ومُعينٌ بإذنِ اللهِ علَى استمرارِ الزوجِ أو الزوجةِ في عملِهما، وهوَ منْ أسبابِ سعادتِهما واستقرارِهما.

ومما ينبغي أنْ يُعلمَ أنَّ هذهِ الشكوَى منْ غيابِ الزوجِ دليلٌ علَى الحبِّ، وهوَ مِنْ أقوَى عواملِ الاستقرارِ، ولولاهُ لما اشتكتْ زوجةٌ، بلْ لربَّما فرِحَتْ لذهابِهِ وغيابِهِ وانصرافِهِ، لكنْ لحبِّها لهُ، ولما بينَهما منَ المودةِ والرحمةِ قد تُكثِرُ التَّشكِّيَ.

وقدْ أشارَ إلَى ذلكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِهِ: (تُكثرنَ الشِّكاةَ)، ويَدْخُلُ في ذلكَ الشِّكاةُ بسببِ كثرةِ أعمالِ الأزواجِ وانشغالِهم وارتباطِهم، كما تَدْخُلُ قضايا أُخْرَى كالنَّفقةِ وغيرِها.

فإذا كانت الشكوى لانشغالك فلا تضجر وانظر إلى الجانب المشرق فيها، واستثمره لتحقيق الرضا بالخير الذي أنت عليه.

وأخيرًا لابدَّ أنْ نُؤكِّدَ علَى ضَرورةِ حِرْصِ الزوجِ علَى أنْ يُعطِيَ زوجتَه حقوقَها التِّي شَرَعَها اللهُ تعالى لهَا، وأنْ يُعوِّضَها ويُعوِّضَ أولادَها بأوقاتٍ يُخصِّصُها لهمْ، ومثلُ هذهِ العنايةِ مهمةٌ جدًا، حتَّى لا يُقال له معَ كثرةِ أشغالِه وأسفارِه وانشغالاتِه وارتباطاتِه إنَّكَ قد قصّرتَ في حقِّنا الواجب.

وإنْ حَدَثَ تقصيرٌ عَرَضِيُّ فإنَّه يُعوِّضُهُ بمَا هوَ خير في بعض أيام السَّنَةِ؛ في الإجازاتِ أو في غيرِها، وبالأسفارِ معَهم وبإكرامِهم، والمهم أن نجتهد في التحقق بهذه الآية: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، مع أزواجنا وأولادنا قبل غيرهم!

فإن هذا مما يُحقِّقُ الاستقرارَ والرِّضا والسَّعادةَ بإذنِ اللهِ، في الأسرة، ولهذا أثره على البذل خارج نطاق الأسرة؛ لأن الزوج إذا شعر برضا زوجته أثناء قيامه بعمله خارج البيت، فإنه يزيده قوة ونشاطًا، ويجمع همته على عمله، بخلاف إذا كان يشعر بعدم رضاها أو سخطها، فإن لذلك أثرًا -في الغالب- على أدائه، واستقراره النفسي، فنجتهد في جعل بيوتنا مستقرة في حضورنا وغيابنا ليكون عطاؤنا مثمرًا ومقبولًا.

المصدر:

http://www.almoslim.net/tarbawi/290589