أخلاقه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مع أهله:
• كان -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- خير الناس؛ خيرهم لأمَّته، وخيرهم لأهله، وكيف لا يكون كذلك، وهو القائل -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (284)؟.

• ولقد تحققت هذه الخيرية لأهله في أسمى صورها على الإطلاق؛ بكل ما تعنيه من كمال خلقي في السلوك، والتعامل الأدبي؛ من الإكرام، والاحترام، وحسن المعاملة؛ من محبة وملاعبة، وملاطفة، ومضاحكة، وعدل، ورحمة، ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية في جميع أحوالها وأيامها؛ فكان -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- معهنَّ جميل العشرة، دائم البشر.

• وقد بلغ احترامه وتقديره -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لزوجاته رضي الله عنهن، مبلغًا عظيمًا، لم تعرفه العرب ولا العجم، حتى إنه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يضع ركبته الشريفة لتضع عليها زوجه صفية -رضي الله عنها- رجلها؛ حتى تركب على بعيرها (285).

• ولم يكن ذلك الحب ُّوالوفاء والتقدير والاحترام والإحسان لأزواجه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عارضًا قاصرًا حال الحياة فقط؛ بل هو راسخٌ ممتدٌ بعد الموت أيضًا؛ فكان يذبح الشَّاة ثم يهديها إلى صديقات خديجة -رضي الله عنها-، وذلك بعد مماتها (286).

• وكان مع أهله أحلم الناس، ويعفو عنهم فيما يصدرُ منهم، ويرأف بهم، وكان يصبر على ما يكون بين أزواجه من الغيرة، التي تكون بين النساء، ويطيب خاطر من أسيء إليه، وينصح الآخر، ويذكِّره بالله.

• فعن أنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قال: بلغ صفيَّة أنَّ حفصة قالت: بنت يهوديٍّ. فبكت، فدخل عليها النَّبيُّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وهي تبكي فقال: "ما يبكيك؟" فقالت: قالت لي حفصة: إنِّي بنت يهوديٍّ. فقال النَّبيُّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "إنَّك لابنة نبيٍّ، وإنَّ عمَّك لنبيٌّ، وإنَّك لتحت نبيٍّ، ففيم تفخر عليك؟" ثمَّ قال: "اتَّقي الله، يا حفصة" (287).

• وكان -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يدخل عليهم باسمًا، يملأ قلوبهم وبيوتهم أنسًا وسعادة.

• وكان من كريم أخلاقه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في تعامله مع أهله وزوجاته، أنه كان يُحسن إليهم، ويتلطَّف إليهم، ويتودَّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم.

• وكان من شأنه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أن يرخِّم اسم عائشة -رضي الله عنها-؛ كان يقول لها: "يا عائش" (288)، ويقول لها: "يا حميراء" (289)، ويكرمها؛ بأن يناديها باسم أبيها؛ بأن يقول لها: "يا بنت الصِّدِّيق" (290)، وما ذلك إلا تودُّدًا وتقربًا وتلطفًا إليها، واحترامًا وتقديرًا لأهلها.

• وكان -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يعين أهله، ويساعدهم في أمورهم، ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- من إناءٍ واحد، فيقول لها: "دعي لي"، وتقول له: دع لي (291).

• وكان يسرِّب إلى عائشة بنات الأنصار؛ يلعبن معها، وتذكر عائشة -رضي الله عنها-، ذلك الخلق الرفيع والحرص البالغ منه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، على تسليتها وإسعادها؛ فتقول: "كنت ألعب بالبنات عند النَّبيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وكان لي صواحب يلعبن معي؛ فكان رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، إذا دخل يتقمَّعن منه، فيسرِّبهنَّ إليَّ، فيلعبن معي" (292).

• وكان -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، رجلاً سهلاً إذا هويت الشَّيء تابعها عليه (293)؛ أي أجابها إليه؛ إذا كان لا محذور فيه، ولا نقص فيه في الدين- مثل طلبها الاعتمار وغيره.

• وكان إذا شربت من الإناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها، وشرب.

• فعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: "كنت أشرب وأنا حائضٌ، ثمَّ أناوله النَّبيَّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فيضع فاه على موضع فيَّ، فيشرب، وأتعرَّق العرق، وأنا حائضٌ، ثمَّ أناوله النَّبيَّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فيضع فاه على موضع فيَّ" (294).

• وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها، وربما كانت حائضًا (295).

• وكان يأمرها وهي حائضٌ؛ فتتَّزر؛ ثم يباشرها (296)، وكان يقبِّلها وهو صائمٌ (297).

• وكان من لطفه وحسن خلقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللَّعب (298).

• وسُئِلَتْ عائشة -رضي الله عنها-: ما كان النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاةُ يتوضَّأ ويخرُجُ إلى الصَّلاة" (299).

• وعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: "كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرِّجال في بيوتهم" (300).

• وعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت، خرجت مع النَّبيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في بعض أسفاره وأنا جاريةٌ لا أحمل اللَّحم ولم أبدن، فقال للنَّاس: "تقدَّموا" فتقدَّموا، ثمَّ قال لي: "تعالي حتَّى أسابقك" فسابقته فسبقته.

• فسكت عنِّي، حَّتى إذا حملت اللَّحم وبدنت ونسيت، فخرجت معه في بعض أسفاره، فقال للنَّاس: "تقدَّموا" فتقدَّموا، ثمَّ قال: "تعالي حتَّى أسابقك" فسابقته فسبقني؛ فجعل يضحك، وهو يقول: "هذه بتلك" (301).

وصدق الله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
***