(31) مدينة سنجافورة:
ويُقَالُ لها سنغابور، يعني مدينة الأسد وكانت العرب تُسَمِّيهَا سنغافور، هذه المدينة دخلت في أدوارٍ شتَّى، وأطوار مُتَعَدِّدَةٍ، ومَرَّتْ عليها حوادثُ كثيرة لها شأن يُذكَر في التاريخ، وكانت في القرن الثاني عشر عاصمة مملكة ماليزيا التي تفرَّقت في الشرق الأقصى وقامت بها في هذه المدة ثورات داخلية لا داعي لذكرها الآن، وفي القرن الثالث عشر استولى عليها بعض ملوك الجاوه، وبعد قليل من الزمن نُقِلت العاصمة منها إلى ملقا، فاضمحلت وأخذت في الانحطاط شأن المدن التي تكون قاعدة للممالك، ثُمَّ يُنقَل منها رونق المُلك وبهاء السُّلطان إلى غيرها.

وفي عام سنة 1844 تداخل الإنكليز في شئون هذه الجزيرة، وكان سلطانها في ذلك الوقت يُدعَى السلطان جوهر، فطمَّعه الإنكليز بأموال وأعطوه في بادئ الأمر اثني عشر ألف جنيه دفعة واحدة، ورتَّبوا له أربعة آلاف وثُمَّانمائة جنيه سنويًّا، ثُمَّ تنازل عن السلطة إليهم من هذه الجزيرة والجُزُر المجاورة لها، وهكذا يكون شأن البلاد التي يقضي عليها المقدور بالأخذ في أسباب الموت الأدبي، وهذه الجزيرة واقعة بقرب الطرف الجنوبي في شبه جزيرة “ملاي” ويفصلها عنها بوغاز سنجافورة، وهواؤها معتدل لكن أغلب أرضها غير صالحة للزراعة.

ويُقَالُ إنه يوجد حيوان مفترس من فصيلة النمر لا يكاد يمضي أسبوع، حتى يفترس واحدًا من الأهالي الذين لا قُدْرة لهم على مطاردته أو صيده، وبهذه البلدة تجار من الهنود يجلبون إليها البضائع من الهند، ولهولاندة تداخل في سياسة هذه البلاد، والمُسْلِمون هناك أمرهم عجيب، متمسكون بآداب الدِّين من جهة العبادة فقط، ولكن في الشئون الأخرى التي عليها قوام حياة الأمم والشعوب لا هِمَم عندهم ولا غيرة تحركهم إلى الأخذ في أسباب النهوض؛ فلذلك ينظر إليهم الهولانديون نظر الاحتقار، وربما يتجاوزون في اضطهادهم الحدَّ فينالون من كرأمَّة أعراضهم، وفي الإشارة ما يغني عن التصريح، وبهذه البلدة منتزه جميل للغاية يوجد فيه كُلُّ نباتات المنطقة الحارة وبها قلعة كبيرة مُحصَّنة على تلٍّ مرتفع بجوار المساكن التي يسكنها الصينيون، وأهل هذه البلدة هم أهل وراعة ولطف يُعَدُّونَ من الطبقة العالية مِمَّنْ تهذَّبُوا وتنوَّرُوا بنور العلم، أو الذين نَشئوا في العائلات ذات الحسب والنسب، وفيها بضائع جميلة تُحمَل إليها من الجهات، وهي بهذه المزية تُعَدُّ من أمَّهات بلاد الشرق الأقصى عُمرانًا ومدنية ثُمَّ أقلعت الباخرة قاصدة هنغ كونغ.