(28) القيام من عدن:
بعد أن مكثت الباخرة بعض ساعات في عدن، أقلعت منها قاصدة بومباي، وقد مررنا في طريقنا على عدة أماكن لم تقف بها الباخرة وقتًا كافيًا لأنْ أدون عنها شيئًا من أحوال سكانها الاجتماعية كبروم وغيرها، وغاية الأمر أن السفينة وقفت في ميناء قصير نحو الساعتين ونصف، وقد شاهدت الأهالي يأكلون الذرة وهي حَبٌ لم يُطحَن ولم يُخبَز فعلمت أن المعيشة فيها هي معيشة الشظف، على أن الأرض هناك زراعية خصبة قابلة لأن يشتغل بها الأهالي ما يجعلهم في دائرة الثروة والغنى لو اعتنوا بأمر الزراعة، والسواد الأعظم هناك يحتطبون ويبيعون ما يحتطبونه، ولا يوجد بهذه البلدة من معاهد العلم إلَّا قليل من الكتاتيب التي هي أحط من كتاتيب أرياف مصر، أما حكومتهم وسياسة أحوالهم الاجتماعية وقضاياهم بأنواعها فموكول أمرها إلى مشايخ منهم وهم الحكَّام الفاصلون في القضايا بين الأهالي.

والحال أنهم في نهاية الجهل، أميون يحكمون بما توحيه إليهم إرادتهم وأغراضهم، والاستبداد موجود في بلادهم بمعناه الحقيقي، وهم يُسَخِّرون الأهالي في جميع الأعمال، وأغلبهم بلا مقابل شأن المستبد المُطلق التصرف، ولولا أن الباخرة لم تمكث فيها إلَّا زمنًا قليلًا، لكنت كتبت ما هو أوضح وأكثر بيانًا، ثُمَّ قمنا منها قاصدين بومباي.