(22) أدَبَاءُ تونس:
إن للصناعة الأدبية في تونس شأنًا يُذكَر بالنسبة إلى حالة التعليم فيها، ففيها من الكتاب والشعراء المجيدين ما تفخر بهم هذه الحاضرة، كما تفخر مصر بكثير من شعرائها وأدبائها والذين حازوا قصَبُ السَّبْق في ميدان الأدب وكانوا كالأقمار بين النجوم، هم حضرات الأفاضل السيد البشير صفر -السالف الذكر- والسيد محمد الجعابي صاحب جريدة الصواب، والسيد عبد الرحمن الصنادلي مدير جريدة الزهرة، وعبد الرازق أفندي الغطاس صاحب جريدة حبيب الأمَّة، وعلي أفندي بشوشة صاحب جريدة الحاضرة، والسيد حسين عثُمَّان صاحب جريدة الرشدية، والسيد أحمد القبايلي صاحب جريدة إظهار الحق، وغير هؤلاء الأفاضل الأدباء الذين تفخر بهم البلاد ويتعطَّر بذكرهم وذكر أدبهم كُلُّ ناد.

ومن الذين عُرِفوا بالإجادة في قرض الشعر من أدباء تونس وشعرائها المجيدين الفصحاء المقتدرين؛ السيد محمد علي اللزربي الذي نظم قصيدةً غراء يعارض بها قصيدة شاعر النيل حافظ أفندي إبراهيم، الذي نظمها في الفتاة اليابانية، نسطِّرها هنا تنويهًا بفضل ناظمها الفاضل، وهي:
لا تلوموا باكيًا منتحبًا
حركته غيرة فاضطربا
كيف لا والدِّين قد حاطت به
بدع والعلم قد أمسى هبا
وأناس فشلت قواهمو
ولباس العز منهم سُلبا
وتردَّوا برداء الذل مذ
أمطر الجهل عليهم سحبا
هجروا قرآنهم من بعد ما
تركوا نهج النبي المُجتبَى
وعتوا عمَّا نُهوا عنه ولم
يجدوا إلَّا الشقا والتعبا
كيف لا يشقى أناس فرقت
في الورى آراءهم أيدي سبا
شربوا من خمرة الخسران في
حانة الزيغ فساءوا مشربا
وتمادوا في العمى والغي مع
بثِّ أفكار تُسمَّى كذبا
فلذا قد أهلكوا أنفسهم
وأضلوا حزبهم وأعجبا
أيُّ خير يرتجى منهم وقد
اتَخذوا الدِّين الحنيف لَعِبا
يا بني من تونس الناس بما
واهب الحسن لها قد وهبا
ما لكم عفتم جميعًا أمَّكم
منذ صارت تتشكي العطبا
وفعلتم كُلَّ شرٍّ يُتَّقى
وإليكم كُلُّ خبث نُسِبا
إن من يغرس أشجار الأذى
في بقاع البغي يجني النُّوَبا
يا بني الإسلام هل يرضيكمو
أن نور العلم عنكم حُجِبا
ما لكم صرتم حيارى كلكم
وعليكم كُلُّ أمر صعبا
أرضيتم أن تكونوا بين من
نُسِبوا للعلم مثل الغُرَبا
أم رضيتم بالملاهي موردا
وظننتم وردها مُستعذَبا
ما لكم قلتم إذا ما لمتمو
هكذا الله علينا كتبا
لا ينيل القصد تفريط امرئ
إنما الحزم بنيل المأربا
والذي يقطع بحر العلم في
مركب الجد يجد ما طلبا
وإذا ما عقلكم خامره
بعض شك والدليل احتُجِبا
فاسألوا المشرق عن يابانه
هل بغير العلم فاق المغربا
واسألوا عن حال أسلافٍ لنا
إنهم بالعلم نالوا الرتبا
يا بني الأوطان هل من نهضة
علَّها تبعد عنا الكُرَبا
ما لكم فرطتمو فيما به
عيشكم يبقى هنيئًا طيبًا
لا تظنوا الخير يأتيكم بلا
بذل جهد في التعاطي السببا
ليس للإنسان إلَّا ما سعى
والذي يسعى ينال المطلبا
إن أردتم أن تنالوا عِزَّكم
والذي من فخركم قد ذهبا
وتعيشوا سُعَدا بين الورى
وتنالوا في المعاني مَنْصِبا
فابذلوا في العلم أقصى جهدكم
واخدموا الدِّين وكونوا نُجُبا

ومنهم حضرة الشاعر الأديب السيد الصالح سويسي الشريف من نبغاء متخرجي جامع الزيتونة الذي قال قصيدة وطنية دلَّت على كمال أدبه، وصدق وطنيته.

وهي مُطوَّلة نقتطف منها ما وقع عليه الاختيار، وإن كانت كُلُّها غررًا ودررًا قال في مطلعها:
إلى متى أمَّة الإسلام في كرب
وقد أحاط بها جيش من النوب
والفكر أضحى من التأخير في تعب
والغير في الجد أما نحن في لعب
ما آن أن تنهضي يا أمَّة العرب
يا أمَّة لعظيم النصح ما سمعت
أسلافها استيقظوا لكنها رقدت
وفي نوادي الهوى واللعب قد رتعت
وما أفاد لسان الوعظ والخطب
ما آن أن تنهضي يا أمَّة العرب
يا أمَّة عامل الأغراض فرَّقها
والعين قد شهدت حزنًا فأرَّقها
ناديت والنفس حسن الصبر فارقها
إن دام هذا العنا يا موت فاقترب
ما آن أن تنهضي يا أمَّة العرب
هذي المفاسد قد راجت بضائعها
كذا الفواحش قد عمت وقائعها
والخمر قد ساد بين الناس بائعها
والفكر عن كل نفع صار في حجب
ما آن أن تنهضي يا أمَّة العرب
أين المعالي التي كانت لأمتنا
أين التعاضد مَن يدعو لرفعتنا
أسلافنا شيَّدوا فخرًا لمِلَّتنا
والضد من بأسهم في غاية الرهب
ما آن أن تنهضي يا أمَّة العرب
أسلافنا فعلوا الخيرات واجتهدوا
وجل أعدائه بالحق قد شهدوا
قوم بأفعالهم في الكون قد سعدوا
قد شيَّدوا وهدمنا كُلَّ مُنتصِب
ما آن أن تنهضي يا أمَّة العرب
أسلافنا رفعوا للدين ما رفعوا
لله دَرُّهمو بالعلم قد نفعوا
قوم بعزم وحزم للعلى اندفعوا
هذا وذكرهم في الصحف والكتب
ما آن أن تنهضي يا أمَّة العرب

وهي على هذا النمط البديع والأسلوب الحسن المستظرف.