منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة طه الآيات من 011-015

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة طه الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: سورة طه الآيات من 011-015   سورة طه الآيات من 011-015 Emptyالإثنين 23 مارس 2020, 4:47 pm

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (١١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يقال: إن موسى عليه السلام لما أتاها وجد نوراً يتلألأ في شجرة، لكن لا خضرةُ الشجرة تؤثر في النور فتبهته، ولا النورُ يطغى على خضرة الشجرة فيمنع عنها الخضرة، فهي -إذن- مسألة عجيبة لا يقدر عليها إلا الله.

فكانت هذه النار هي أول الإيناس لموسى في هذا المكان الموحِش، وكأن هذا المنظر العجيب الذي رآه إعداد إلهي لموسى حتى يتلقَّى عن ربه، فليستْ المسألة مجرد منظر طبيعي.

وقوله تعالى: (نُودِيَ يٰمُوسَىٰ..) (طه: 11) أي: في هذه الدهشة (نُودِيَ..) (طه: 11) فالذي يناديه يعرفه تماماً؛ لذلك ناداه باسمه (يٰمُوسَىٰ..) (طه: 11) وما دام الأمر كذلك فطَمع الخير فيه موجود، وبدأ موسى يطمئن إلى مصدر النداء، ويأنَسُ به، ويبحث عن مصدر هذا الصوت، ولا يعرف من أين هو؛ لذلك اعتبرها مسألة عجيبة مثل منظر الشجرة التي ينبعث منها النور.



سورة طه الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة طه الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة طه الآيات من 011-015   سورة طه الآيات من 011-015 Emptyالإثنين 23 مارس 2020, 4:48 pm

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فساعة أنْ كلَّمه ربه: (إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ..) (طه: 12) أزال ما في نفسه من العجب والدهشة لما رآه وسمعه، وعلم أنها من الله تعالى فاطمأنَّ واستبشر أنْ يرى عجائب أخرى؟

ونلحظ في قوله تعالى: (إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ..) (طه: 12) أن الحق -تبارك وتعالى- حينما يتحدَّث عن ذاته تعالى يتحدث بضمير المفرد: (إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ..) (طه: 12) وحينما يتحدث عن فِعْله يتحدث بصيغة الجمع، كما في قوله عز وجل: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ) (القدر: 1) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ..) (الحجر: 9) (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا..) (مريم: 40).

فلماذا تكلَّم عن الفعل بصيغة الجمع، في حين يدعونا إلى توحيده وعدم الإشراك به؟

قالوا: الكلام عن ذاته تعالى لابُدَّ فيه من التوحيد، كما في: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ) (طه: 14).

لكن في الفعل يتكلم بصيغة الجمع؛ لأن الفعل يحتاج إلى صفات متعددة وإمكانات شتَّى، يحتاج إلى إرادة تريده، وقدرة على تنفيذه وإمكانات وعلم وحكمة.

إذن: كل صفات الحق تتكاتف في الفعل؛ لذلك جاء الحديث عنه بصيغة الجمع، ويقولون في النون في قوله: (نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ..) (الحجر: 9) (نَرِثُ ٱلأَرْضَ..) (مريم: 40) أنها: نون التعظيم.

وقد جاء الخطاب لموسى بلفظ الربوبية (إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ..) (طه: 12) لإيناس موسى؛ لأن الربوبية عطاء، فخطابه (بربك) أي الذي يتولّى رعايتك وتربيتك، وقد خلقك من عَدَم، وأمدك من عُدم، ولم يقُلْ: إني أنا الله؛ لأن الألوهية مطلوبها تكليف وعبادة وتقييد للحركة بافعل كذا ولا تفعل كذا.

وقوله تعالى: (إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ..) (طه: 12) أي: ربك أنت بالذات لا الرب المطلق؛ لأن الرسل مختلفون عن الخَلْقِ جميعاً، فلهم تربية مخصوصة، كما قال تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ) (طه: 39) وقال: (وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طه: 41).

إذن: فالحق تبارك وتعالى يُربِّي الرسل تربيةً تناسب المهمة التي سيقومون بها.

وقوله تعالى: (فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ..) (طه: 12) هذا أول أمر، وخَلْعِ النعل للتواضع وإظهار المهابة؛ ولأن المكان مُقدَّس والعلة (إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى) (طه: 12) فاخلع نعليك حتى لا تفصل جسمك عن تربة هذا المكان المقدس الطاهر، ولا تجعل نَعْليك يحولان بينك وبين مباشرة ذرات هذا التراب.

ومن ذلك ما نراه في مدينة رسول الله من أناس يمشون بها حافيي الأقدام، يقول أحدهم: لَعلِّي أصادف بقدمي موضع قدم رسول الله -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-.

وقوله: (طُوًى) (طه: 12) اسم الوادي وهذا كلام عام جاء تحديده في موضع آخر، فقال سبحانه: (فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ..) (القصص: 30).

والبعض يرى في الآية تكراراً، وليست الآية كذلك، إنما هو تأسيس لكلام جديد يُوضِّح ويُحدِّد مكان الوادي المقدس طوى أين هو، فإنْ قلتَ: أين طوى؟

يقول لك: في الواد الأيمن، لكن الواد الأيمن نفسه طويل، فأين منه هذا المكان؟

يقول لك: عند البقعة المباركة من الشجرة.

إذن: فالآية الثانية تحدد لك المكان، كما تقول أنت: أسكن في حي كذا، وفي شارع كذا، في رقم كذا.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ...).



سورة طه الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة طه الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة طه الآيات من 011-015   سورة طه الآيات من 011-015 Emptyالإثنين 23 مارس 2020, 4:48 pm

وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (١٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: وإنْ كنتُ رباً لك ورباً للكافرين فسوف أزيدك خصوصية لك (وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ) (طه: 13) أي: للرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته.

لذلك لم نزل القرآن على سيدنا رسول الله -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- ما اعترض كفار مكة على القرآن، ولم يجدوا فيه عيباً فيما يدعو إليه من أخلاق فاضلة ومُثل عليا، ولم يجدوا فيه مَأْخذاً في أسلوبه، وهم أمة ألِفتْ الأسلوب الجيد، وعَشقَتْ آذانها فصاحة الكلام، فتوجهوا بنقدهم إلى رسول الله فقالوا: (لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

فكلُّ اعتراضهم أنْ ينزلَ القرآن على محمد بالذات؛ لذلك رَدَّ عليهم القرآن بما يكشف غباءهم في هذه المسألة، فقال: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) (الزخرف: 32) كيف ونحن قد قسمنا بينهم معيشتهم الأدْنى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ) (الزخرف: 32).

وهم يريدون أنْ يقسموا رحمة الله فيقولون: نزل هذا على هذا، وهذا على هذا؟

ثم يقول تعالى: (فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ) (طه: 13) مادة: سمع.

منها: سمع، واستمع وتسمَّع.

قولنا: سمع أي مصادفة وأنت تسير في الطريق تسمع كلاماً كثيراً.

منه ما يُهمك وما لا يهمك، فليس على الأذن حجاب يمنع السمع كالجفْنِ للعين، مثلاً حين ترى منظراً لا تحبه.

إذن: أنت تسمع كل ما يصل إلى أذنك، فليس لك فيه خيار.

إنما: استمع أنْ تتكلَّف السماع، والمتكلم حُر في أنْ يتكلم أو لا يتكلم.

وتسمَّع.

أي: تكلّف أشدّ تكلّفاً لكي يسمع.

لذلك؛ فالنبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- حين يخبر أنه ستُعم بلوى الغِنَاء، وستنتشر الأجهزة التي ستُشيعُ هذه البلوى، وتصبُّها في كل الآذان رَغْماً عنها يقول: "مَنْ تسَمَّعَ إلى قَيْنَةٍ صُبَّ الآنِكُ فِي أذنَيْهِ".

أي: تكلَّف أنْ يسمع، وتعمَّد أن يوجه جهاز الراديو أو التليفزيون إلى هذا الغناء، ولم يقُل: سمع، وإلاّ فالجميع يناله من هذا الشر رَغْماً عنه.

وهنا قال تعالى: (فَاسْتَمِعْ) ولم يقُلْ: تسمَّع: لأنه لا يقترح على الله تعالى أنْ يتكلم، ومعنى: استمع أي: جَنِّد كلَّ جوارحك، وهيىء كُلَّ حواسّك لأن تسمع، فإنْ كانت الأذن للسمع، فهناك حواسّ أخرى يمكن أنْ تشغلها عن الانتباه، فالعين تبصر، والأنف يشمّ، واللسان يتكلم.

فعليك أنْ تُجنِّد كل الحواسّ لكي تسمع، وتستحضر قلبك لتعي ما تسمعه، وتنفذ ما طلب منك؛ لذلك حين تخاطب صاحبك فتجده مُنْشغِلاً عنك تقول: كأنك لست معنا.

لماذا؟

لأن جارحة من جوارحه شردتْ، فشغلتْه عن السماع.

وقوله تعالى: (لِمَا يُوحَىۤ) (طه: 13) الوحي عموماً: إعلام بخفاء من أيٍّ لأيٍّ في أيٍّ، خيراً كان أم شراً، أمّا الوحي الشرعي فهو: إعلام من الله إلى رسول أرسله بمنهج خَيْر للعباد، فإنْ كان الوحي من الله إلى أم موسى مثلاً، أو إلى الحواريين فليس هذا من الوحي الشرعي.

وهكذا تحدَّدَتْ من أيٍّ لأيٍّ في أيٍّ.

لكن، كيف ينزل الوحي من الله تعالى على الرسول؟

كيف تلتقى الألوهية في عُلُوِّها بالبشرية في دُنوها؟

إذن: لا بُدَّ من واسطة؛ لذلك قال تعالى: (ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ..) (الحج: 75).

فالمصطفى من الملائكة يتقبَّل من الله، ويعطي للمصطفى من البشر؛ لأن الأعلى لا يمكن أنْ يلتقي بالأدنى مباشرة(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ..) (الشورى: 51).

فاستعداد الإنسان وطبيعته لا تُؤهّله لهذا اللقاء، كيف ولما تجلَّى الحق -سبحانه- للجبل جعله دَكّاً، ومن عظمته سبحانه أننا لا نراه ولا نتكلم معه مباشرة، ولا نُحِسّه بأيّ حاسة من حواسنا، ولو حُسَّ الإله بأيِّ حاسة ما استحق أنْ يكونَ إلهاً.

وكيف يُحَسُّ الحق -تبارك وتعالى- ومن خَلْقه وصَنْعته مَا لا يُحَسُّ، كالروح مثلاً؟

فنحن لا نعلم كُنْهها، ولا أين هي، ولا نُحِسّها بأيّ حاسّة من حواسنا، فإذا كانت الروح المخلوقة لم نستطع أنْ ندركها، فكيف ندرك خالقها؟

الحق الذي يدَّعيه الناس ويتمسَّحون فيه، ويفخر كل منهم أنه يقول كلمة الحق، وكذلك العدل وغيرها من المعاني: أتدركها، أتعرف لها شكلاً؟

فكيف -إذن- تطمع في أنْ تدرك الخالق عز وجل؟

إذن: من عظمته سبحانه أنه لا تدركه الحواس، ولا يلتقي بالخَلْق لقاءً مباشراً، فالمصطفى من الملائكة يأخذ عن الله، ويعطى للمصطفى من الخَلْق، ثم المصطفى من الخَلْق يعطى للخَلْق، ومع ذلك كان -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- يجهد، ويتصبَّب جبينه عَرَقاً في أول الوحي؟

ولذلك شاء الحق سبحانه أنْ يحجبَ الوحي عن رسوله فترة ليستريح من مباشرة المَلَكِ له، وبانقطاع الوحي تبقى لرسول الله حلاوة ما أوحيَ إليه ويتشوَّقَ إلى الوحي من جديد، فيهُونُ عليه ما يُلاقي في سبيله من مشقَّة؛ لأن انشغال القلب بالشيء يُنسي متاعبه؟.

وقد رُوي أنه -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- حين ينزل عليه الوحي يُسمَع حوله دَوِيٌّ كدَويِّ النحل، ولو صادف أن رسول الله وضع رجله على أحد أصحابه حين نزول الوحي عليه فكان الصحابي يشعر كأنها جبل، وإن نزل الوحي وهو على دابة كانت تنخ وتئن من ثِقَله.

وقد مثّلنا للواسطة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية بالتيار الكهربائي حين نُوصِّله بمصباح صغير لا يتحمل قوة التيار، فيضعون له جهازاً ينظم التيار، ويعطي للمصباح على قَدْر حاجته وإلاّ يحترق.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ...).



سورة طه الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة طه الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة طه الآيات من 011-015   سورة طه الآيات من 011-015 Emptyالإثنين 23 مارس 2020, 4:49 pm

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

في الآية قبل السابقة خاطبه ربه: (إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ) (طه: 12) ليُطمئنه ويُؤنسه بأنه المربِّي العطوف، يعطي حتى للكافر الذي يعصاه، لكن هنا يُخاطبه بقوله: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ) (طه: 14) أي: صاحب التكاليف، والمعبود المطاع في الأمر والنهي، وأوّل هذه التكاليف وقمّتها، والينبوع الذي يصدر عنه كل السلوك الإيماني: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ) (طه: 14).

لذلك قال عنها النبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-: "خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله".

وما دام لا إله إلا هو فلا يصح أنْ نتلقَّى الأمر والنهي إلاَّ منه، ولا نعتمد إلا عليه، ولا يشغل قلوبنا غيره، وهو سبحانه يريد منا أنْ نكون وكلاء: (وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ) (الفرقان: 58).

فالناصح الفطن الذي لا يتوكل على أحد غير الله، فربما توكّلت على أحد غيره، فأصبحت فلم تجده.

وصدق الشاعر حين قال:
اجْعَلْ بربِّكَ كُلَّ عِزِّكَ يسْتقِرُّ وَيثبتُ
فَإِذَا اعْتَززْتَ بمَنْ يموتُ فإنَّ عِزَّكَ ميِّتُ

فكأن الحق سبحانه في قوله: (لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ) (طه: 14) يقول لموسى: لا تخفْ، فلن تتلقى أوامر من غيري، كما قال سبحانه في آية أخرى: (قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء: 42).

أي: لذهبَ هؤلاء الذين يدَّعُون الألوهية إلى الله يجادلونه أو يتودَّدون إليه، ولم يحدث شيء من هذا.

ويشترط فيمن يُعطي الأوامر ويُشرِّع ويُقنِّن ألاَّ ينتفع بشيء من ذلك، وأن تكون أوامره ونواهيه لمصلحة المأمورين، ومن هنا يختلف قانون الله عن قانون البشر الذي يدخله الهوى وتخالطه المصالح والأغراض، فمثلاً إنْ كان المشرِّع والمقنِّن من العمال انحاز لهم ورفعهم فوق الرأسماليين، وإن كان من هؤلاء رفعهم فوق العمال.

وكذلك ألاَّ يغيب عنه شيء يمكن أنْ يُستدرك فيما بعد، وهذه الشروط لا توجد إلا في التشريع الإلهي، فله سبحانه صفات الكمال قبل أن يخلق الخَلْق.

لذلك قال بعدها: (فَٱعْبُدْنِي) (طه: 14) بطاعة أوامري واجتناب نواهيَّ، فليس لي هَوَى فيما آمرك به، إنما هي مصلحتك وسلامتك.

ومعنى العبادة: الناس يظنون أنها الصلاة والزكاة والصوم والحج، إنما للعبادة معنى أوسع من ذلك بكثير، فكلُّ حركة في الحياة تؤدي إلى العبادة، فهي عبادة كما نقول في القاعدة: كُلُّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب.

فالصلاة مثلاً لا تتم إلا بستْر العورة، وعليك أنْ تتأمل قطعة القماش هذه التي تستر بها عورتك: كم يد ساهمتْ فيها منذ كانتْ بذرة في الأرض، إلى أنْ أصبحتْ قماشاً رقيقاً يستر عورتك؟

فكلُّ واحد من هؤلاء كان في عبادة وهو يُؤدِّي مهمته في هذه المسألة.

كذلك رغيف العيش الذي تأكله، صنبور المياه الذي تتوضأ منه، كم وراءها من أيادٍ وعمال ومصانع وعلماء وإمكانات جُنِّدَتْ لخدمتك، لتتمكن من أداء حركتك في الحياة؟

لذلك، فالحق -تبارك وتعالى- حينما يُحدِّثنا عن الصلاة يوم الجمعة يقول: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ) (الجمعة: 9-10).

وهكذا أخرجنا إلى الصلاة من عمل، وبعد الصلاة أمرنا بالعمل والسعي والانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، فمخالفة الأمر في: (فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9) كمخالفة الأمر في: (فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ) (الجمعة: 10).

وخَصَّ البيع هنا؛ لأن البائع أحرص على بيْعه من المشتري على شرائه، وربما كان من مصلحة المشتري ألاَّ يشتري؟

فالإسلام -إذن- لا يعرف التكاسل، ولا يرضى بالتنبلة والقعود، ومَنْ أراد السكون فلا ينتفع بحركة متحرِّك.

وسيدنا عمر -رضي الله عنه- حينما رأى رجلاً يقيم بالمسجد لا يفارقه سأل: ومَنْ ينفق عليه؟

قالوا: أخوه، قال: أخوه أعبد منه.

لماذا؟

لأنه يسهم في حركة الحياة ويوسع المنفعة على الناس.

إذن: فكلُّ عمل نافع عبادة شريطة أنْ تتوفر له النية، فالكافر يعمل وفي نيته أنْ يرزق نفسه، فلو فعل المؤمن كذلك، فما الفرق بينهما؟

المؤمن يعمل، نعم لِيقوتَ نفسه، وأيضاً ليُيسِّر لإخوانه قُوتَهم وحركة حياتهم.

فسائق التاكسي مثلاً إذا عمل بمبلغ يكفيه، ثم انصرف إلى بيته، وأوقف سيارته، فمَنْ للمريض الذي يحتاج مَنْ يُوصِّله للطبيب؟

والبائع لو اكتسب رزقه، ثم أغلق دكانه مَنْ يبيع للناس؟

إذن: اعمل لنفسك، وفي بالك أيضاً مصلحة الغير وحاجتهم، فإنْ فعلتَ ذلك فأنت في عبادة.

تعمل على قَدْر طاقتك، لا على قَدْر حاجتك، ثم تأخذ حاجتك من منتوج الطاقة، والباقي يُرَدُّ على الناس إما في صورة صدقة، وإما بثمن، وحَسْبك أنْ يسرت له السبيل.

إذن: نقول: العبادة كل حركة تؤدي خدمة في الكون نيتك فيها لله.

ثم يقول تعالى: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ) (طه: 14) فلماذا خَصَّ الصلاة دون سائر العبادات؟

قالوا: لأن الصلاة هي العبادة الدائمة التي لا تنحلّ عن المؤمن، ما دام فيه نَفَس، فالزكاة مثلاً تسقط عن الفقير، والصيام يسقط عن المريض، والحج يسقط عن غير المستطيع، أمّا الصلاة فلا عذر أبداً يبيح تركها، فتصلي قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً، فإنْ لم تستطيع تصلي، ولو إيماءً برأسك أو بجفونك، فإنْ لم تستطع فحَسْبُك أن تخطرها على قلبك، ما دام لك وَعْي، فهي لا تسقط عنك بحال.

كذلك، فالصلاة عبادة مُتكرِّرة: خمس مرات في اليوم والليلة؛ لتذكرك باستمرار إنْ أنستْك مشاغل الحياة رب هذه الحياة، وتعرض نفسك على ربك وخالقك خمس مرات كل يوم.

وما بالك بآلة تُعرَض على صانعها هكذا، أيمكن أن يحدث بها عُطّْل أو عَطَب؟

أما الزكاة فهي كل عام، أو كل محصول، والصوم شهر في العام، والحج مرة واحدة في العمر.

لذلك، كان النبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- كلما حَزَبه أمر قام إلى الصلاة ليعرض نفسه على ربه وخالقه عز وجل، ونحن نصنع هذا في الصنعة المادية حين نعرض الآلة على صانعها ومهندسها الذي يعرف قانون صيانتها.

وفي الحديث الشريف: "وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ".

وسبق أن ذكرنا أن للصلاة أهميتها؛ لأنها تُذكِّرك بربك كل يوم خمس مرات، وتُذكِّرك أيضاً بنفسك، وبقَدر الله في الآخرين حين ترى الرئيس ومرؤوسه جَنْباً إلى جَنْب في صفوف الصلاة، فإنْ جئتَ قبل رئيسك جلستَ في الصف الأول، وجلس هو خلفك، ثم تراه وهو منُكسِر ذليل لله تعالى، وهو يعرف أنك تراه على هذه الهيئة فيكون ذلك أدْعى لتواضعه معك وعدم تعاليه عليك بعد ذلك.

وكم رأينا من أصحاب مناصب وقيادة يبكون عند الحرم، ويتعلقون بأستار الكعبة وعند الملتزم، وهو العظيم الذي يعمل له الناس ألف حساب.

ففي الصلاة -إذن- استطراق للعبودية لله تعالى لذلك من أخطر ما مُنِي به المسلمون أنْ تجعلَ في المسجد أماكن خاصة لنوعية معينة يُخلَى لها المكَان، ويصاحبها الحرس حتى في بيت الله، ثم يأتي في آخر الوقت ويجلس في الصف الأول، وآخر يفرش سجادته ليحجز بها مكاناً لحين حضوره، فيجد المكان خالياً.

وينبغي على عامة المسلمين أن يرفضوا هذا السلوك، وعليك أنْ تُنحِّي سجادته جانباً، وتجلس أنت؛ لأن أولوية الجلوس بأولوية الحضور، فقد صفها الله في المسجد إقبالاً عليه.

وهذه العادة السيئة تُوقع صاحبها في كثير من المحظورات، حيث يتخطى رقاب الناس، ويُميِّز نفسه عنهم دون حق، ويحدث انتقاص عبودي في بيت الله.

ولأهمية الصلاة ومكانتها بين العبادات تميِّزت في فرضها بما يناسب أهميتها، فكُلُّ العبادات فُرِضَتْ بالوحي إلا الصلاة، فقد استدعى الحق رسوله الصدق ليبلغه بها مباشرة لأهميتها.

وقد ضربنا لذلك مثلاً -ولله المثل الأعلى- بالرئيس إذا أراد أنْ يُبلِّغ مرؤوسه أمراً يكتب إليه، فإنْ كان الأمر مهماً اتصل به تليفونياً، فإنْ كان أهمّ استدعاه إليه لِيُبلِّغه بنفسه.

ولما قرَّبه الله إليه بفرض الصلاة جعل الصلاة تقرُّباً لعباده إلى الله.

وقوله: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ) (طه: 14) أقام الشيء: جعله قائماً على أُسس محكمة، فإقامة الصلاة أن تؤديها مُحكَمة كاملة الأركان غير ناقصة.

(لِذِكْرِيۤ) (طه: 14) أي: لتذكري؛ لأن دوام ورتابة النعمة قد تُنسيك المنعم، فحين تسمع نداء (الله أكبر)، وترى الناس تُهرَع إلى بيوت الله لا يشغلهم عنها شاغل تتذكر إنْ كنتَ ناسياً، وينتبه قلبك إنْ كنتَ غافلاً.

ثم يقول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا...).



سورة طه الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة طه الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة طه الآيات من 011-015   سورة طه الآيات من 011-015 Emptyالإثنين 23 مارس 2020, 4:50 pm

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (١٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: مع ما سبق وَطِّنْ نفسك على أن الساعة آتية لا محالةَ، والساعة هنا هي عمر الكون كله، أمّا أعمار المكين في الكون فمتفاوته، كل حسب أجله، فمَنْ مات فقد قامت قيامته وانتهت المسألة بالنسبة له.

إذن: نقول: الساعة نوعان: ساعة لكُلٍّ منا، وهي عمره وأجَله الذي لا يعلم متى سيكون، وساعة للكون كله، وهي القيامة الكبرى.

فقوله تعالى: (إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَة) (طه: 15) أي: اجعل ذلك في بالك دائماً، وما دام الموت سينقلك إليها سريعاً فإياك أنْ تقول: سأموت قريباً، أما القيامة فبعد آلاف أو ملايين السنين؛ لأن الزمن مُلغىً بعد الموت، كيف؟

الزمن لا يضبطه إلا الحدث، فإن انعدم الحدث فقد انعدم الزمن، كما يحدث لنا في النوم، وهل تستطيع أنْ تُحدِّد الوقت الذي نمْتَه؟

لذلك قال الحق سبحانه وتعالى: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) (النازعات: 46).

والعبد الذي أماته الله مائة عام لما بعثه قال: يوماً أو بعض يوم، وكذلك قال أهل الكهف بعد ثلاثمائة سنة وتسع، لأن يوماً أو بعض يوم هي أقْصى ما يمكن تصوُّره للنائم حين ينام؛ لذلك نقول: "مَنْ مات فقد قامت قيامته".

ومن حكمته سبحانه أن أخفى الساعة، أخفاها للفرد، وأخفاها للجميع؛ وربما لو عرف الإنسان ساعته لقال: أفعل ما أريد ثم أتوب قبل الموت؛ لذلك أخفاها الحق -تبارك وتعالى- لنكون على حذر أنْ نلقى الله على حال معصية.

وكذلك أخفى الساعة الكبرى، حتى لا تأخذ ما ليس لك من خَلْق الله، وتنتفع به ظُلْماً وعدواناً، وتعلم أنك إنْ سرقتَ سترجع إلى الله فيحاسبك، فما دُمْتَ سترجع إلى الله فاستقِمْ وعَدِّل من سلوكك، كما يقول أهل الريف (ارع مساوي).

وقوله تعالى: (آتِيَةٌ) (طه: 15) أي: ليس مَأْتِياً بها، فهي الآتية، مع أن الحق -تبارك وتعالى- هو الذي سيأتي بها، لكن المعنى (آتية) كأنها منضبطة (أوتوماتيكيا)، فإنْ جاء وقتها حدثتْ.

وقوله تعالى: (أَكَادُ أُخْفِيهَا) (طه: 15) كاد: أي: قَرُب مثل: كاد زيد أن يجيء أي: قَرُب لكنه لم يأْتِ بعد، فالمراد: أقرب أن أخفيها، فلا يعلم أحد موعدها، فإذا ما وقعتْ فقد عرفناها.

كما قال تعالى: (إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ..) (الأعراف: 187).

وقد تكون (أُخْفِيهَا) (طه: 15) بمعنى آخر، فبعض الأفعال الثلاثية تُعطى عكس معناها عند تضعيف الحرف الثاني منها، كما في: مرض أي: أصابه المرض.

ومرَّضه الطبيب.

أي: عالجه وأزال مرضه.

وقَشَرتُ الشيء أي: جعلْتُ له قشرة، وقشَّرتُ البرتقالة أزلْتُ قِشْرها.

ومن ذلك قوله تعالى: (تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً) (يوسف: 85) والحَرض: هو الهلاك.

من: حَرِض مثل: تَعب.

وقوله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ) (الأنفال: 65).

ومعنى (حَرِّض) حثَّهم على القتال، الذي يُزيل عنهم الهلاك أمام الكفار؛ لأنهم إنْ لم يجاهدوا هلكوا، فَحرِض: هلك، وحرَّض: أزال الهلاك.

وقد يأتي مضاد الفعل بزيادة الهمزة على الفعل مثل: (وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الجن: 15) فالقاسط من قسط.

أي: الجائر بالكفر.

أما في قوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ) (المائدة: 42) فالمقسط من أقسط: العادل الذي يُزيل الجوْرَ.

وإنْ كانت المادة واحدة هي (قَسَط) فالمصدر مختلف نقول: قسط قِسْطاً أي: عدل، وقسط قَسْطاً وقسوطاً يعني: جار.

فهذه الهمزة في أقسط تسمى "همزة الإزالة".

ومن الفعل الثلاثي قَسَطَ يستعمل منها: القسط والميزان والفرق بين قَسَط وأقسط: قسط أي: عدل من أول الأمر وبادىء ذي بَدْء، إنما أقسط: إذا وجد ظُلْماً فرفعه وأزاله، فزاد على العدل أنْ أزال جَوْراً.

وأيضاً الفعل (عجم) عجم الأمر: أخفاه، وأعجمه: أزال خفاءه.

ومن ذلك كلمة المعجم الذي يزيل خفاء الكلمات ويُوضِّحها.

وكذلك في قوله تعالى: (أَكَادُ أُخْفِيهَا..) (طه: 15) خفى بمعنى: استتر وأخفاها: أزال خفاءها، ولا يُزَال خفاء الشيء إلا بإعلانه.

ثم يقول تعالى: (لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ) (طه: 15).

وإلا لو لم يكُنْ في الآخرة حساب وجزاء لَكَان الذين أسرفوا على أنفسهم وعربدوا في الوجود أكثر حظاً من المؤمنين المتلزمين بمنهج الله؛ لذلك في نقاشنا مع الشيوعيين قُلْنا لهم: لقد قتلتم مَنْ أدركتموه من أعدائكم من الرأسماليين، فما بال مَنْ مات ولم تدركوه؟

وكيف يفلت منكم هؤلاء؟

لقد كان أَوْلَى بكم أن تؤمنوا بمكان آخر لا يفلت منه هؤلاء، وينالون فيه جزائهم، إنها الآخرة التي تُجزَى فيها كُلُّ نفس بما تسعى.

ثم يقول الحق سبحانه: (فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ...).



سورة طه الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة طه الآيات من 011-015
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة هود الآيات من 016-020
» سورة هود الآيات من 096-100
» سورة طه الآيات من 031-035
» سورة طه الآيات من 111-115
» سورة طه الآيات من 036-040

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: طه-
انتقل الى: