منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الإسراء الآيات من 021-025

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 021-025 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الإسراء الآيات من 021-025   سورة الإسراء الآيات من 021-025 Emptyالإثنين 13 يناير 2020, 2:51 am

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق تبارك وتعالى أعطانا قضايا إيمانية نظرية، ويريد مِنّا أنْ ننظر في الطبيعة والكون، وسوف نجد فيه صِدْق ما قال.

يقول تعالى: (ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) (الإسراء: 21).

والمتأمل يجد أن الله تعالى جعل التفضيل هنا عامّاً، فلم يُبيّن مَن المفضَّل ومَنِ المفضّل عليه، فلم يقُلْ: فضلت الأغنياء على الفقراء، أو: فضلت الأصحاء على المرضى.

إذن: فما دام في القضية عموم في التفضيل، فكلُّ بعض مُفضَّل في جهة، ومُفضّل عليه في جهة أخرى، لكن الناس ينظرون إلى جهة واحدة في التفضيل، فيفضلون هذا لأنه غني، وهذا لأنه صاحب منصب... الخ.

وهذه نظرة خاطئة فيجب أن ننظر للإنسان من كُلِّ زوايا الحياة وجوانبها؛ لأن الحق سبحانه لا يريدنا نماذج مكررة، ونُسَخاً مُعَادة، بل يُريدنا أُنَاساً متكاملين في حركة الحياة، ولو أن الواحد مِنّا أصبح مَجْمعاً للمواهب ما احتاج فينا أحدٌ لأحد، ولتقطعت بيننا العَلاقات.

فمن رحمة الله أن جعلك مُفضَّلاً في خَصْلة، وجعل غيرك مُفضَّلاً في خصال كثيرة، فأنت محتاج لغيرك فيما فُضِّل فيه، وهم محتاجون إليك فيما فُضِّلْتَ فيه، ومن هنا يحدث التكامل في المجتمع، وتسلَمْ للناس حركة الحياة.

ونستطيع أن نخرج من هذه النظرة بقضية فلسفية تقول: إن مجموع مواهب كل إنسان تساوي مجموع مواهب كل إنسان، فإنْ زِدْتَ عني في المال فربما أزيد عنك في الصحة، وهكذا تكون المحصّلة النهائية متساوية عند جميع الناس في مواهب الدنيا، ويكون التفاضل الحقيقي بينهم بالتقوى والعمل الصالح، كما قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).

لذلك يجب على المسلم أن يلتزمَ أدب الإسلام في حِفْظ مكانة الآخرين، فمهما كنت مُفضَّلاً فلا تحتقر غيرك، واعلم أن لهم أيضاً ما يفضلون به، وسوف يأتي اليوم الذي تحتاج إليهم فيه.

وقد ضربنا لذلك مثلاً بالعظيم الوجيه الذي قد تضطره الظروف وتُحوِجه لسباك أو عامل بسيط ليؤدي له عملاً لا يستطيع هو القيام به، فالعامل البسيط في هذا الموقف مُفضّل على هذا العظيم الوجيه.

ولك أنْ تتصورَ الحال مثلاً إذا أضرب الكناسون عدة أيام عن العمل.

إذن: مهما كان الإنسان بسيطاً، ومهما كان مغموراً فإن له مهمة يفضّل بها عن غيره من الناس.

خُذ الخياط مثلاً، وهو صاحب حرفة متواضعة بين الناس، ولا يكاد يُجيد عملاً إلا أن يخيطَ للناس ثيابهم، فإذا ما كانت ليلة العيد وجدته من أهم الشخصيات، الجميع يقبلون عليه، ويتمنون أن يتكرم عليهم ويقضي حاجتهم من خياطة ثيابهم وثياب أولادهم.

وبهذا نستطيع أن نفهم قَوْل الحق تبارك وتعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32).

فكل منا مُسخَّر لخدمة الآخرين فيما فُضِّل فيه، وفيما نبغ فيه.

وصدق الشاعر حين قال:
النَّاسُ لِلناسِ مِـنْ بَدْوٍ ومِنْ حَضَــرٍ   بَعْضٌ لبعْضٍ وإن لم يشعروا خَدَمُ

إذن: في التفاضل يجب أن ننظر إلى زوايا الإنسان المختلفة؛ لأن الجميع أمام الله سواء، ليس مِنّا مَن هو ابن الله، وليس مِنّا مَنْ بينه وبين الله نسَبٌ أو قرابة، ولا تجمعنا به سبحانه إلا صلة العبودية له عز وجل، فالجميع أمام عطائه سواء، لا يوجد أحد أَوْلَى من أحد.

فالعاقل حين ينظر في الحياة لا ينظر إلى تميُّزه عن غيره كموهبة، بل يأخذ في اعتباره مواهب الآخرين، وأنه محتاج إليها، وبذلك يندكّ غروره، ويعرف مدى حاجته لغيره.

وكما أنه نابغ في مجال من المجالات، فغيره نابغ في مجال آخر؛ لأن النبوغ يأتي إذا صادف العمل الموهبة، فهؤلاء البسطاء الذين تنظر إليهم نظرة احتقارٍ، وترى أنهم دونك يمكن أن يكونوا نابغين لو صادف عملهم الموهبة.

وقوله تعالى: (وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الإسراء: 21).

فإنْ كان التفاضل بين الناس في الدنيا قائماً على الأسباب المخلوقة لله تعالى، فإن الأمر يختلف في الآخرة؛ لأنها لا تقوم بالأسباب، بل بالمسبب سبحانه، فالمفاضلة في الآخرة على حسبها.

ولو تأملتَ حالك في الدنيا، وقارنتَه بالآخرة لوجدتَ الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً، فعمرك في الدنيا موقوت، وسينتهي إلى الموت؛ لأن عمرك في الدنيا مدة بقائك فيها، فإنْ بقيْت من بعدك فهي لغيرك، وكذلك ما فُضِّلْتَ به من نعيم الدنيا عُرْضَة للزوال، حيث تناله الأغيار التي تطرأ على الإنسان.

فالغنيّ قد يصير فقيراً، والصحيح سقيماً، كما أن نعيم الدنيا على قَدْر إمكانياتك وتفاعلك مع الأسباب، فالدنيا وما فيها من نعيم غير مُتيقّنة وغير موثوق بها.

وهَبْ أنك تنعَّمْتَ في الدنيا بأعلى درجات النعيم، فإن نعيمك هذا يُنغِّصه أمران: إما أن تفوت هذا النعيم بالموت، وإما أنْ يفوتَك هو بما تتعرّض له من أغيار الحياة.

أما الآخرة فعمرك فيها مُمتدّ لا ينتهي، والنعمة فيها دائمة لا تزول، وهي نعمة لا حدودَ لها؛ لأنها على قَدْر إمكانيات المنعِم عز وجل، في دار خلود لا يعتريها الفناء، وهي مُتيقنة موثوق بها.

فأيهما أفضل إذن؟

لذلك الحق سبحانه يدعونا إلى التفكُّر والتعقُّل: (ٱنظُرْ) أيَّ الصفقتين الرابحة، فتاجر فيها ولا ترضى بها بديلاً.

إذن: فالآخرة أعظم وأكبر، ولا وجهَ للمقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة.

وأذكر أننا سافرنا مرة إلى (سان فرانسيسكو) فأدخلونا أحد الفنادق، لا للإقامة فيه، ولكن لمشاهدة ما فيه من روعة وجمال ومظاهر الرقي والرفاهية.

وفعلاً كان هذا الفندق آية من آيات الإبداع والجمال، فرأيتُ رفاقي وكانوا من علية القوم مبهورين به، مأخوذين بروعته، فقلت لهم عبارة واحدة: هذا ما أعد البشر للبشر، فكيف بما أعدّه ربُّ البشر للبشر؟

فنعيم الدنيا ومظاهر الجمال فيها يجب أنْ تثير فينا الشوق لنعيم دائم في الجنة؛ لا أنْ يثير فينا الحقد والحسد، يجب أن نأخذ من مظاهر الترف والنعيم عند الآخرين وسيلة للإيمان بالله، وأن نُصعِّد هذا الإيمان بالفكر المستقيم، فإنْ كان ما نراه من ترف وتقدم ورُقيّ وعمارة في الدنيا من صُنْع مهندس أو عامل، فكيف الحال إنْ كان الصانع هو الخالق سبحانه وتعالى؟

ويجب ألاًّ نغفلَ الفرْق بين نعيم الدنيا الذي أعدّه البشر ونعيم الآخرة الذي أعدّه الله تعالى، فقصارى ما توصل إليه الناس في رفاهية الخدمة أن تضغط على زر فيأتي لك منه الشاي مثلاً، وتضغط على زر آخر فيأتي لك منه القهوة.

وهذه آلة تستجيب لك إنْ تفاعلتَ معها، لكن مهما ارتقى هؤلاء، ومهما تقدَّمت صناعتهم فلن يصلوا إلى أنْ يقدموا لك الشيء بمجرد أن يخطر على بالك؛ لأن هذا من نعيم الجنة الذي أعده الخالق سبحانه لعباده الصالحين.

إذن: فما دام كذلك، وسلَّمنا بأن الآخرة أفضل وأعظم، فما عليك إلاَّ أنْ تبادر وتأخذ الطريق القويم، وتسلك طريق ربك من أقصر اتجاه، وهو الاستقامة على منهج الله الواحد والالتزام به.

فيقول الحق سبحانه: (لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ...).



سورة الإسراء الآيات من 021-025 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 021-025 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 021-025   سورة الإسراء الآيات من 021-025 Emptyالإثنين 13 يناير 2020, 2:51 am

لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لأنه سبحانه أعطاك في الدنيا، وأمدّك بالأسباب، وبمقوّمات حياتك، أوجدك من عدم، وأمدك من عُدْمٍ، حتى وإنْ كنت كافراً، ثم أعدَّ لك في الآخرة الدرجات العالية والنعيم المقيم الذي لا يَفْنى ولا يزول.

وهذه هي الحيثيات التي ينبغي عليك بعدها أن تعرفه سبحانه، وتتوجّه إليه، وتلتحم به وتكون في معيته، ولا تجعل معه سبحانه إلهاً آخر؛ لأنك إنْ فعلتَ فلن تجد من هذا النعيم شيئاً، لن تجد إلا المذمّة والخُذْلان في الدنيا والآخرة.

وسوف تُفَاجأ في القيامة بربك الذي دعاك للإيمان به فكفرْتَ.       

(وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ..) (النور: 39).

ساعتها ستندم حين لا ينفعك الندم، بعد أن ضاعت الفرصة من يديك.

ويقول تعالى: (فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً) (الإسراء: 22).

والقعود ليس أمراً عادياً هنا، بل هو أنكَى ما يصير إليه الإنسان؛ لأن الإنسان لا يقعد إلا إذا أصبح غيرَ قادر على القيام، ففيها ما يُشعر بإنهاك القوة، وكأنه سقط إلى الأرض، بعد أنْ أصبحتْ رِجلاه غير قادرتين على حَمْله، ولم تَعْد به قوة للحركة.

ونلاحظ في تعبير القرآن عن هذا الذي خارتْ قواه، وانتهت تماماً، أنه يختار له وَضْع القعود خاصة، ولم يَقُلْ مثلاً: تنام، لأن العذاب لا يكون مع النوم، ففي النوم يفقد الإنسان الوعي فلا يشعر بالعذاب، بل قال (فَتَقْعُدَ) هكذا شاخص يُقاسي العذاب؛ لأن العذاب ليس للجوارح والمادة، بل للنفس الواعية التي تُحِسّ وتألم.

ولذلك يلجأ الأطباء إلى تخدير المريض قبل إجراء العمليات الجراحية؛ لأن التخدير يُفقِده الوعي فلا يشعر بالألم.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء: 95).

وقال: (وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً..) (النور: 60).

فالقعود يدل على عدم القدرة، وفي الوقت نفسه لا يرتاح بالنوم، فهو في عذاب مستمر.

وفي مجال الذم قال الشاعر:
دَعِ المكَــارِمَ لاَ ترحَلِ لِبُغْيِتهَا   وَاقْعُدْ فإنكَ أنتَ الطَّاعِمُ الكَاسي

وقوله: (مَذْمُوماً) (الإسراء: 22) لأنه أتى بعمل يذمه الناس عليه.

(مَّخْذُولاً) (الإسراء: 22) من الخذلان، وهو عدم النُّصْرة، فالأبعد في موقف لا ينصره فيه أحد، ولا يدافع عنه أحد، لذلك يقول تعالى لهؤلاء: (مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (الصافات: 25-26).

ثم ينتقل بنا الحق سبحانه إلى قضية يعطينا فيها نوعاً من الاستدلال، فيقول سبحانه: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً...).



سورة الإسراء الآيات من 021-025 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 021-025 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 021-025   سورة الإسراء الآيات من 021-025 Emptyالإثنين 13 يناير 2020, 2:53 am

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أنْ وجَّهنا الله تعالى إلى القضية العقدية الكبرى: (لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ..) (الإسراء: 22).

أراد سبحانه أنْ يُبيّن لنا أن العقيدة والإيمان لا يكتملان إلا بالعمل، فلا يكفي أن تعرف الله وتتوجّه إليه، بل لابُدَّ أنْ تنظر فيما فرضه عليك، وفيما كلّفك به؛ لذلك كثيراً ما نجد في آيات الكتاب الكريم الجمع بين الإيمان والعمل الصالح، كما في قوله تعالى: (وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ) (العصر: 1-3).

لأن فائدة الإيمان وثمرته العمل الصالح، وما دُمْتَ ستسلك هذا الطريق فانتظر مواجهة أهل الباطل والفساد والضلال، فإنهم لن يدعُوك ولن يُسالموك، ولابُدَّ أن تُسلِّح نفسك بالحق والقوة والصبر، لتستطيع مواجهة هؤلاء.

ودليل آخر على أن الدين ليس الإيمان القوليّ فقط، أن كفار مكة لم يشهدوا أن لا إله إلا الله، فلو كانت المسألة مسألةَ الإيمان بإله واحد وتنتهي القضية لَكانوا قالوا وشهدوا بها، إنما هم يعرفون تماماً أن للإيمان مطلوباً، ووراءه مسئولية عملية، وأن من مقتضى الإيمان بالله أن تعمل بمراده وتأخذ بمنهجه.

ومن هنا رفضوا الإيمان بإله واحد، ورفضوا الانقياد لرسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء ليُبلِغهم مراد الله تعالى، وينقل إليهم منهجه، فمنهج الله لا ينزل إلا على رسول يحمله ويُبلّغه للناس، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى: 51).

وها هي أول الأحكام في منهج الله: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء: 23).

وقد آثر الحق سبحانه الخطاب بـ (رَبُّكَ) على لفظ (الله) ؛ لأن الربَّ هو الذي خلقك وربَّاك، ووالى عليك بنعمه، فهذا اللفظ أَدْعَى للسمع والطاعة، حيث يجب أن يخجل الإنسان من عصيان المنعِم عليه وصاحب الفضل.

(وَقَضَىٰ رَبُّكَ) (الإسراء: 23).

الخطاب هنا مُوجّه إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه هو الذي بلغ المرتبة العليا في التربية والأدب، وهي تربية حَقّة؛ لأن الله تعالى هو الذي ربَّاه، وأدَّبه أحسن تأديب.

وفي الحديث الشريف: "أدّبني ربي فأحسن تأديبي“.       

قضى: معناها: حكم؛ لأن القاضي هو الذي يحكم، ومعناها أيضاً: أمر، وهي هنا جامعة للمعنييْن، فقد أمر الله ألاَّ تعبدوا إلا إيّاه أمراً مؤكداً، كأنه قضاء وحكم لازم.

وقد تأتي قضى بمعنى: خلق.

كما في قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ..) (فصلت: 12).

وتأتي بمعنى: بلغ مراده من الشيء، كما في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا..) (الأحزاب: 37).

وقد تدل على انتهاء المدة كما في: (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ..) (القصص: 29).

وتأتي بمعنى: أراد كما في: (فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ)
(غافر: 68).

إذن: قضى لها معانٍ مُتعدّدة، لكن تجتمع كلها لتدل على الشيء اللازم المؤكّد الذي لا نقصَ فيه.

وقوله: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء: 23).

العبادة: هي إطاعة آمر في أمره ونهيه، فتنصاع له تنفيذاً للأمر، واجتناباً للنهي، فإنْ ترك لك شيئاً لا أمرَ فيه ولا نهيَ فاعلم أنه ترك لك الاختيار، وأباح لك: تفعل أو لا تفعل.

لذلك، فالكفار الذين عبدوا الأصنام والذين أتوا بها حجارةً من الصحراء، وأعملوا فيها المعاول والأدوات لينحتوها، وتكسَّرت منهم فعالجوها، ووقعت فأقاموها، وهم يرون كم هي مهينة بين أيديهم لدرجة أن أحدهم رأى الثعلب يبول برأس أحد الأصنام...

 فقال مستنكراً حماقة هؤلاء الذين يعبدونها:
أَرَبٌّ يبــولُ الثَّعلَـبانُ برأْسِهِ    لَقدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَليْه الثَّعَالِبُ

فإذا ما تورطوا في السؤال عن آلهتهم هذه قالوا: إنها لا تضر ولا تنفع، وما نعبدها إلا ليقربونا إلى الله زُلْفى، كيف والعبادة طاعة أمر واجتناب نهي.

فبأيّ شيء أمرتكم الأصنام؟

وعن أيّ شيء نهتْكُمْ؟!

إذن: كلامُكم كذب في كذب.

وفي قوله تعالى: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء: 23).

أسلوب يسمونه أسلوب قَصْر، يفيد قصر العبادة وإثباتها لله وحده، بحيث لا يشاركه فيها أحد.

فلو قالت الآية: وقضى ربك أن تعبدوه.       

فلقائل أن يقول: ونعبد غيره لأن باب العطف هنا مفتوح لم يُغْلَق، كما لو قُلْت: ضربتُ فلاناً وفلاناً وفلاناً.       

هكذا باستخدام العطف.

إنما لو قلت، ما ضربت إلا فلاناً فقد أغلقتَ باب العطف.

إذن: جاء التعبير بأسلوب القصر ليقول: اقصروا العبادة عليه سبحانه، وانفوها عن غيره.

ثم ينقلنا الحق سبحانه إلى التكليف والأمر الثاني بعد عبادته: (وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً..) (الإسراء: 23).

وقد قرن الله تعالى بين عبادته وبين الإحسان إلى الوالدين في آيات كثيرة، قال تعالى: (وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً..) (النساء: 36).

وقال: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً..) (الأنعام: 151).

وقال: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً..) (العنكبوت: 8).

لكن، لماذا قرن الله تعالى بين عبادته وبين الإحسان إلى الوالدين؟

أتريد أن نقرب الأولى بالثانية، أم نقرب الثانية بالأولى؟

نقول: لا مانع أن يكون الأمران معاً؛ لأن الله تعالى غَيْب، والإيمان به يحتاج إلى إعمال عقل وتفكير، لكن الوالدين بالنسبة للإنسان أمر حسيّ، فهما سِرُّ وجوده المباشر، وهما رَبَّياه ووفَّرا له كل متطلبات حياته، وهما مصدر العطف والحنان.

إذن: التربية والرعاية في الوالدين مُحسَّة، أما التربية والرعاية من الله فمعقولة، فأمْر الله لك بالإحسان إلى الوالدين دليل على وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، فهو سبحانه الذي خلقك، وهو سبب وجودك الأول، وهو مُربّيك وصاحب رعايتك، وصاحب الفضل عليك قبل الوالدين، وهل رباك الوالدان بما أوجداه هما، أما بما أوجده الله سبحانه؟

إذن: لا بد أن يلتحم حَقُّ الله بحقِّ الوالدين، وأن نأخذ أحدهما دليلاً على الآخر.

ونلاحظ أن الحق تبارك وتعالى حين أمرنا بعبادته جاء بأسلوب النفي: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء: 23).

يعني نهانا أن نعبد غيره سبحانه، أما حين تكلم عن الوالدين فلم يقل مثلاً: لا تسيئوا للوالدين، فيأتي بأسلوب نفي كسابقه، لماذا؟

قالوا: لأن فضل الوالدين واضح لا يحتاج إلى إثبات، ولا يحتاج إلى دليل عقليّ، وقولك: لا تسيئوا للوالدين يجعلهما مَظنَّة الإساءة، وهذا غير وارد في حَقَّهما، وغير مُتصوَّر منهما، وأنت إذا نفيتَ شيئاً عن مَنْ لا يصح أن ينفي عنه فقد ذَمَمتْه، كأن تنفي عن أحد الصالحين المشهورين بالتقوى والورع، تنفي عنه شرب الخمر مثلاً فهل هذا في حقه مدح أم ذم؟

لأنك ما قلتَ: إن فلاناً لا يشرب الخمر إلا إذا كان الناس تظنّ فيه ذلك.

ومن هنا قالوا: نَفْي العيب عَمَّنْ لا يستحق العيب عَيْب.

إذن: لم يذكر الإساءة هنا؛ لأنها لا تَرِد على البال، ولا تُتصوّر من المولود لوالديه.

وبعد ذلك، ورغم ما للوالدين من فضل وجميل عليك فلا تنسَ أن فضل الله عليك أعظم؛ لأن والديك قد يَلِدانِك ويُسْلِمانك إلى الغير، أما ربك فلن يُسلمك إلى أحد.

وقوله تعالى: (إِحْسَاناً) (الإسراء: 23).

كأنه قال: أحْسِنوا إليهم إحساناً، فحذف الفعل وأتى بمصدره للتأكيد.

وقوله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء: 23).

الحق سبحانه وتعالى حينما يوصينا بالوالدين، مرة تأتي الوصية على إطلاقها، كما قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً..) (الأحقاف: 14).

ومرّة يُعلِّل لهذه الوصية، فيقول: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ..) (لقمان: 14).

والذي يتأمل الآيتين السابقتين يجد أن الحق سبحانه ذكر العِلّة في بِرِّ الوالدين، والحيثيات التي استوجبت هذا البِرّ، لكنها خاصة بالأم، ولم تتحدث أبداً عن فضل الأب، فقال: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً..) (الأحقاف: 15).

وقال: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ..) (لقمان: 14).

فأين دَوْر الأب؟

وأين مجهوداته طوال سنين تربية الأبناء؟

المتتبع لآيات بر الوالدين يجد حيثية مُجْملة ذكرت دور الأب والأم معاً في قوله تعالى: (كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً..) (الإسراء: 24).

لكن قبل أن يُربّي الأب، وقبل أن يبدأ دوره كان للأم الدور الأكبر؛ لذلك حينما تخاصم الأب والأم لدى القاضي على ولد لهما، قالت الأم: لقد حمله خِفّاً وحملتُه ثقلاً، ووضعه شهوة ووضعتُه كرهاً.

لذلك ذكر القرآن الحيثيات الخاصة بالأم؛ لأنها تحملتها وحدها لم يشاركها فيها الزوج؛ ولأنها حيثيات سابقة لإدراك الابن فلم يشعر بها، فكأنه سبحانه وتعالى أراد أنْ يُذكّرنا بفضل الأم الذي لم ندركه ولم نُحِسّ به.

وذلك على خلاف دور الأب فهو محسوس ومعروف للابن، فأبوه الذي يوفر له كل ما يحتاج إليه، وكلما طلب شيئاً قالوا: حينما يأتي أبوك، فدَوْر الأب -إذن- معلوم لا يحتاج إلى بيان.

والآية هنا أوصتْ بالوالدين في حال الكِبَر، فلماذا خَصَّتْ هذه الحال دون غيرها؟

قالوا: لأن الوالدين حال شبابهما وقُوتهما ليسا مظنّة الإهانة والإهمال، ولا مجال للتأفف والتضجُّر منهما، فهما في حال القوة والقدرة على مواجهة الحياة، بل العكس هو الصحيح نرى الأولاد في هذه الحال يتقربون للآباء، ويتمنون رضاهما، لينالوا من خيرهما.

لكن حالة الكِبَر، ومظهر الشيخوخة هو مظهر الإعالة والحاجة والضعف، فبعد أنْ كان مُعْطياً أصبح آخذاً، وبعد أنْ كان عائلاً أصبح عالة.

لذلك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الآمينات والمراغم، وكان على المنبر، فسمعه الصحابة يقول: آمين. ثم سكت برهة. وقال: آمين وسكت. ثم قال: آمين. فلما نزل قالوا: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين ثلاثاً. فقال: جاءني جبريل فقال: رغم أنف مَنْ ذُكِرْتَ عنده ولم يُصَلّ عليك، قل: آمين. فقلت: آمين، ورغم أنفس مَنْ أدرك رمضان فلم يُغفر له، قل: آمين. فقلت: آمين، ورغم أنف مَنْ أدرك والديه -أو أحدهما- فلم يدخل بهما الجنة، قل: آمين. فقلت: آمين".

فخصَّ الحق سبحانه حال الكِبَر، لأنه حال الحاجة وحال الضعف؛ لذلك قال أحد الفلاسفة: خَيْر الزواج مبكره، فلما سُئِل قال: لأنه الطريق الوحيد لإنجاب والد يعولك في طفولة شيخوختك، وشبَّه الشيخوخة بالطفولة لأن كليهما في حال ضعف وحاجة للرعاية والاهتمام.

وصدق الحق سبحانه حين قال: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً..) (الروم: 54).

فَمنْ تزوّج مبكراً فسوف يكون له من أولاده مَنْ يُعينه ويساعده حال كِبَره.

والمتأمل في قوله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ) (الإسراء: 23).

لم تَأتِ صِفَة الكِبَر على إطلاقها، بل قيّدها بقوله: (عِندَكَ) فالمعنى: ليس لهما أحد غَيرك يرعاهما، لا أخ ولا أخت ولا قريب يقوم بهذه المهمة، وما دام لم يَعُدْ لهما غيرك فلتكُنْ على مستوى المسئولية، ولا تتنصَّل منها؛ لأنك أََوْلى الناس بها.

ويمتد البِرُّ بالوالدين إلى ما بعد الحياة بالاستغفار لهما، وإنجاز ما أحدثاه من عهد، ولم يتمكّنا من الوفاء به، وكذلك أن نصِلَ الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما من قرابة الأب والأم، ونَصِلَ كذلك أصدقاءهما وأحبابهما ونُودَّهم.

وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يودّ صاحبات السيدة خديجة -رضي الله عنها- وكان يستقبلهن ويكرمهن.

وانظر إلى سُمُوِّ هذا الخلق الإسلامي، حينما يُعدِّي هذه المعاملة حتى إلى الكفار، فقد جاءت السيدة أسماء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسأله في أمها التي أتتْها.

وأظهرت حاجة مع أنها كافرة، فقال لها: "صِلِيِ أمك“.       

بل وأكثر من ذلك، إنْ كان الوالدان كافرين ليس ذلك فحسب بل ويدعوان الابن إلى الكفر، ويجاهدانه عليه، ومع هذا كله يقول الحق سبحانه: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً..) (لقمان: 15).

فهذه ارتقاءات ببرّ الوالدين تُوضّح عظمة هذا الدين ورحمة الخالق سبحانه بالوالدين حتى في حال كفرهما ولَدَدهما في الكفر.

ويُرْوَى أن خليل الله إبراهيم -عليه السلام- جاءه ضيف بليل، وأراد أن ينزل في ضيافته، فسأله إبراهيم -عليه السلام- عن دينه فقال: مجوسي فأعرض عنه وتركه يذهب.

فَسرْعان ما أوحى الحق سبحانه إلى إبراهيم مُعاتباً إيَّاه في أمر هذا الضيف: يا إبراهيم لقد وَسعْتُه في مُلكي أعواماً عديدة، أطعمه وأسقيه وأكسوه وهو كافرٌ بي، وأنت تُعرض عنه وتريد أنْ تُغيّر دينه من أجل ليلة يبيتها عندك، فأسرع الخليل خلف الضيف حتى لحق به، وحكى له ما حدث، فقال الرجل: نِعْمَ الرَّبُّ رَبٌ يُعاتب أحبابه في أعدائه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأنَ إبراهيم رسول الله.

وقد رأى المستشرقون لِضيق أُفُقهم وقِلّة فقْههم لأسلوب القرآن الكريم، رَأَوْا تناقضاً بين قوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً..) (لقمان: 15).

وبين قوله تعالى: (لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..) (المجادلة: 22).

فكيف يأمر القرآن بمصاحبة الوالدين وتقديم المعروف لهما، في حين ينهى عن مودّة مَنْ حَادّ الله ورسوله؟

ولو فَهِم هؤلاء مُعْطيات الأسلوب العربي الذي جاء به القرآن لعلموا أن المعروف غير الودّ؛ لأن المعروف يصنعه الإنسان مع مَنْ يُحِب، ومع مَنْ يَكره، مع المؤمن ومع الكافر، تُطعمه إذا جاع، وتسقيه إذا عطش، وتستره إنْ كان عرياناً، أما المودة فلا تكون إلا لمَنْ تحب؛ لأنها عمل قلبيّ.

وقوله تعالى: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء: 23) وهذا توجيه وأدب إلهيّ يُراعي الحالة النفسية للوالدين حال كِبَرهما، وينصح الأبناء أن يكونوا على قدر من الذكاء والفطْنة والأدب والرِّفْق في التعامل مع الوالدين في مثل هذه السن.

الوالد بعد أَنْ كان يعطيك وينفق عليك أصبح الآن مُحتاجاً إليك، بعد أنْ كان قوياً قادراً على السعي والعمل أصبح الآن قعيدَ البيت أو طريحَ الفراش، إذن: هو في وَضْع يحتاج إلى يقظة ولباقة وسياسة عالية، حتى لا نجرح مشاعره وهي مُرْهفة في هذا الحال.

وتأمل قول الله تعالى: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) (الإسراء: 23).

وهي لفظة بسيطة أقلّ ما يقال، وهذه لفظة قَسْرية تخرج من صاحبها قهراً دون أن تمر على العقل والتفكير، وكثيراً ما نقولها عند الضيق والتبرُّم من شيء، فالحق سبحانه يمنعك من هذا التعبير القَسْري، وليس الأمر الاختياري.

و(أُفٍّ) اسم فعل مضارع بمعنى: أتضجر، وهذه الكلمة تدل على انفعال طبيعي، ولكن الحق سبحانه يُحذِّرك منه، ويأمرك بأن تتمالكَ مشاعرك، وتتحكّم في عواطفك، ولا تنطق بهذه اللفظة.

ومعلوم أنه سبحانه إذا نهاني عن هذه فقد نهاني عن غيرها من باب أَوْلى، وما دامتْ هي أقلّ لفظة يمكن أنْ تُقال.

إذن: نهاني عن القول وعن الفعل أيضاً.

ثم أكّد هذا التوجيه بقوله: (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) (الإسراء: 23).

والنهر هو الزَّجْر بقسوة، وهو انفعال تَالٍ للتضجُّر وأشدّ منه قسوة، وكثيراً ما نرى مثل هذه المواقف في الحياة، فلو تصوَّرنا الابن يعطي والده كوباً من الشاي مثلاً فارتعشت يده فأوقع الكوب فوق سجادة ولده الفاخرة، وسريعاً ما يتأفّف الابن لما حدث لسجادته، ثم يقول للوالد من عبارات التأنيب ما يؤلمه ويجرح مشاعره.

إذن: كُنْ على حذر من التأفف، ومن أن تنهر والديك، كُنْ على حذر من هذه الألفاظ التي تسبق إلى اللسان دون فِكْر، ودون تعقّل.

ثم بعد هذا النهي المؤكد يأتي أمر جديد ليؤكد النهي السابق: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء: 23).

وفي هذا المقام تُرْوَى قصة الشاب الذي أوقع أبوه إناء الطعام على ثيابه، فأخذ الولد يلعق الطعام الذي وقع على ثوبه وهو يقول لوالده: أطعمك الله كما أطعمتني، فحوّل الإساءة إلى جميل يُحمَد عليه.

والآخر الذي ذهب يتمرّغ تحت أقدام أمه، فقال له: كفى يا بني، فقال: إنْ كنتِ تُحبِّينني حقاً فلا تمنعيني من عمل يُدخِلني الجنة.

والقول الكريم هنا نوع من التصرُّف واللباقة في معاملة الوالدين، خاصة حال الشيخوخة التي قد تُقعِد صاحبها، أو المرض الذي يحتاج إلى مساعدة الغير، والأولاد هم أَوْلَى الناس بإعالة الوالدين في هذه الظروف، حيث سيبدو من الإنسان مَا لا يصح الاطلاع عليه إلا لأولاده وأقرب الناس إليه.

وهَبْ أن الوالد المريض أو الذي بلغ من الكِبَر عتياً يريد أنْ يقضي حاجته، ويحتاج لمن يحمله ويُقعِده ويُريحه، وينبغي هنا أن يقول الابن لأبيه: هَوِّن عليك يا والدي، وأعطني فرصة أردّ لك بعض جميلك عليّ، فلكَمْ فعلتَ معي أكثر من هذا.

وهو مع ذلك يكون مُحبّاً لوالده، رفيقاً به، حانياً عليه لا يتبرّم به، ولا يتضجر منه، هذا هو القول الكريم الذي ينتقيه الأبناء في المواقف المختلفة.

فمثلاً: قد يزورك أبوك في بيتك وقد يحدث منه أنْ يكسر شيئاً من لوازم البيت، فتقول له في هذا الموقف: فِدَاك يا والدي، أو تقول: لا عليك لقد كنت أفكر في شراء واحدة أحدث منها.

أو غيره من القول الكريم الذي يحفظ للوالدين كرامتهما، ولا يجرح شعورهما.

وكثيراً ما يأتي المرض مع كِبَر السن، فترى الوالد طريحَ الفراش أو مشلولاً -عافانا الله وإياكم- لذلك فهو في أمسِّ الحاجة لمن يُخفّف عنه ويُواسيه، ويفتح له باب الأمل في الشفاء ويُذكّره أن فلاناً كان مثله وشفاه الله، وفلاناً كان مثله وأخذ الله بيده، وهو الآن بخير، وهكذا.

ومع هذا، كُنْ على ذِكْر لفضل الوالدين عليك، ولا تَنْسَ ما كان عندهما حال طفولتك من عاطفة الحب لك والحنان عليك، وأن الله تعالى جعل هذه العاطفة الأبوية تقوى مع ضعفك، وتزيد مع مرضك وحاجتك، فترى الابن الفقير محبوباً عن أخيه الغني، والمريض أو صاحب العاهة محبوباً عن الصحيح، والغائب محبوباً عن الحاضر، والصغير محبوباً عن الكبير، وهكذا على قَدْر حاجة المربَّي يكون حنان المربِّي.

إذن: نستطيع أن نأخذَ من هذا إشارة دقيقة يجب ألاَّ نغفل عنها، وهي: إنْ كان بر الوالدين واجباً عليك في حال القوة والشباب والقدرة، فهو أوجب حالَ كبرهما وعجزهما، أو حال مرضهما.

ثم يرشدنا الحق سبحانه إلى حسن معاملة الوالدين، فيقول: (وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ...).



سورة الإسراء الآيات من 021-025 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 021-025 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 021-025   سورة الإسراء الآيات من 021-025 Emptyالإثنين 13 يناير 2020, 2:53 am

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(وَٱخْفِضْ) : الخفْض ضد الرّفْع.

(جَنَاحَ ٱلذُّلِّ): الطائر معروف أنه يرفع جناحه ويُرفْرِف به، إنْ أراد أن يطير، ويخفضه إنْ أراد أن يحنوَ على صغاره، ويحتضنهم ويغذيهم.

وهذه صورة مُحسَّة لنا، يدعونا الحق سبحانه وتعالى أن نقتدي بها، وأن نعامل الوالدين هذه المعاملة، فنحنو عليهم، ونخفض لهم الجناح، كنايةً عن الطاعة والحنان والتواضع لهما، وإياك أن تكون كالطائر الذي يرفع جناحيه ليطير بهما مُتعالياً على غيره.

وكثيراً ما يُعطينا الشرع الحكيم أمثلة ونماذج للرأفة والرحمة في الطيور، ويجعلها قدوة لنا بني البشر.

والذي يرى الطائر يحتضن صغاره تحت جناحه، ويزقّهم الغذاء يرى عجباً، فالصغار لا يقدرون على مضغ الطعام وتكسيره، وليس لديهم اللعاب الذي يساعدهم على أنْ يزدردوا الطعام فيقوم الوالدان بهذه المهمة، ثم يناولانهم غذاءهم جاهزاً يسهل بَلْعه، وإنْ تيسر لك رؤية هذا المنظر فسوف ترى الطائر وفراخه يتراقصون فرحة وسعادة.

إذن: قوله تعالى: (جَنَاحَ ٱلذُّلِّ) (الإسراء: 24).

كناية عن الخضوع والتواضع، والذُّل قد يأتي بمعنى القهر والغلبة، وقد يأتي بمعنى العطف والرحمة، يقول تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ..) (المائدة: 54).

فلو كانت الذلّة هنا بمعنى القهر لقال: أذلة للمؤمنين، ولكن المعنى: عطوفين على المؤمنين.

وفي المقابل: (أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ..) (المائدة: 54).

أي: أقوياء عليهم قاهرين لهم.

وفي آية أخرى يقول تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ..) (الفتح: 29).

لأن الخالق سبحانه لم يخلق الإنسان رحيماً على الإطلاق ولا شديداً على الإطلاق، بل خلق في المؤمن مرونة تمكِّنه أن يتكيف تبعاً للمواقف التي يمر بها، فإنْ كان على الكافر كان عزيزاً، وإنْ كان على المؤمن كان ذليلاً متواضعاً.

ونرى وضوحَ هذه القضية في سيرة الصِّديق أبي بكر والفاروق عمر -رضي الله عنهما-، وقد عُرِف عن الصِّديق اللين ورِقَّة القلب والرحمة، وعُرِف عن عمر الشدة في الحق والشجاعة والقوة، فكان عمر كثيراً ما يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تصادم بأحد المعاندين: "إئذن لي يا رسول الله أضرب عنقه”.

وعندما حدثت حروب الردة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لكل منهما موقف مغاير لطبيعته، فكان مِنْ رأي عمر ألاّ يحاربهم في هذه الفترة الحرجة من عمر الدعوة، في حين رأى الصديق محاربتهم والأخْذ على أيديهم بشدة حتى يعودوا إلى ساحة الإسلام، ويُذعنوا لأمر الله تعالى فقال: "والله، لو منعوني عقالاً كانوا يُؤدُّونه لرسول الله لجالدتهم عليه بالسيف، والله لو لم يَبْق إلا الزرع”.

وقد جاء هذا الموقف من الصِّديق والفاروق لحكمة عالية، فلو قال عمر مقالة أبي بكر لكان شيئاً طبيعياً يُنْسب إلى شدة عمر وجرأته، لكنه أتى من صاحب القلب الرحيم الصِّديق -رضي الله عنه- ليعرف الجميع أن الأمر ليس للشدة لذاتها، ولكن للحفاظ على الدين والدفاع عنه.

وكأن الموقف هو الذي صنع أبا بكر، وتطلب منه هذه الشدة التي تغلبت على طابع اللين السائد في أخلاقه.

فيقول تعالى: (وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ) (الإسراء: 24).

إذن: الذلَّة هنا ذِلَّة تواضع ورحمة بالوالدين، ولكن رحمتك أنت لا تكفي، فعليك أن تطلب لهما الرحمة الكبرى من الله تعالى: (وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء: 24).

لأن رحمتك بهما لا تَفِيِ بما قدّموه لك، ولا ترد لهما الجميل، وليس البادىء كالمكافىء، فهم أحسنوا إليك بداية وأنت أحسنتَ إليهما ردّاً؛ لذلك ادْعُ الله أنْ يرحمهما، وأنْ يتكفل سبحانه عنك برد الجميل، وأن يرحمهما رحمة تكافىء إحسانهما إليك.

وقوله تعالى: (كَمَا رَبَّيَانِي) (الإسراء: 24).

كما: قد تفيد التشبيه، فيكون المعنى: ارحمهما رحمة مثل رحمتهما بي حين ربياني صغيراً.أو تفيد التعليل: أي ارحمهما لأنهما ربياني صغيراً، كما قال تعالى: (وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ..) (البقرة: 198).

و (رَبَّيَانِي) هذه الكلمة أدخلت كل مُربٍّ للإنسان في هذا الحكم، وإنْ لم يكُنْ من الوالدين، لأن الولد قد يُربّيه غير والديه لأيِّ ظرف من الظروف، والحكم يدور مع العلة وجوداً وعَدماً، فإنْ ربّاك غير والديك فلهما ما للوالدين من البرِّ والإحسان وحُسْن المعاملة والدعاء.

وهذه بشرى لمن رَبَّى غير ولده، ولا سيما إنْ كان المربَّى يتيماً، أو في حكم اليتيم.

وفي: (رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء: 24) اعتراف من الابن بما للوالدين من فضل عليه وجميل يستحق الرد.

وبعد ذلك يأتي الحق سبحانه في تذييل هذا الحكم بقضية تشترك فيها معاملة الابن لأبويه مع معاملته لربه عز وجل، فيقول تعالى: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ...).



سورة الإسراء الآيات من 021-025 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 021-025 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 021-025   سورة الإسراء الآيات من 021-025 Emptyالإثنين 13 يناير 2020, 2:54 am

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقد سبق أنْ تكلّمنا عن الإيمان والنفاق، وقلنا: إن المؤمن منطقيّ مع نفسه؛ لأنه آمن بقلبه ولسانه، وأن الكافر كذلك منطقيّ لأنه كفر بقلبه ولسانه، أما المنافق فغير منطقيّ مع نفسه؛ لأنه آمن بلسانه وجحد بقلبه.

وهذه الآية تدعونا إلى الحديث عن النفاق؛ لأنه ظاهرة من الظواهر المصاحبة للإيمان بالله، وكما نعلم فإن النفاق لم يظهر في مكة التي صادمتْ الإسلام وعاندته، وضيقتْ عليه، بل ظهر في المدينة التي احتضنتْ الدين، وانساحت به في شتى بقاع الأرض، وقد يتساءل البعض: كيف ذلك؟

نقول: النفاق ظاهرة صحية إلى جانب الإيمان؛ لأنه لا يُنافَق إلا القوي، والإسلام في مكة كان ضعيفاً، فكان الكفار يُجابهونه ولا ينافقونه، فلما تحوّل إلى المدينة اشتد عوده، وقويتْ شوكته وبدأ ضِعَاف النفوس ينافقون المؤمنين.

لذلك يقول أحدهم: كيف وقد ذَمَّ الله أهل المدينة، وقال عنهم: (وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ..) (التوبة: 101).

نقول: لقد مدح القرآن أهل المدينة بما لا مزيدَ عليه، فقال تعالى في حقهم: (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ..) (الحشر: 9).

وكأنه جعل الإيمان مَحَلاً للنازلين فيه.       

(يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ..) (الحشر: 9).

فإنْ قال بعد ذلك: (وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ..) (التوبة: 101).

فالنفاق في المدينة ظاهرة صحية للإيمان؛ لأن الإيمان لو لم يكن قوياً في المدينة لما نافقه المنافقون.

ومن هنا جعل الله المنافقين في الدرْكِ الأسفل من النار، لأنه مُندَسٌّ بين المؤمنين كواحد منهم، يعايشهم ويعرف أسرارهم، ولا يستطيعون الاحتياط له، فهو عدو من الداخل يصعُب تمييزه.على خلاف الكافر، فعداوته واضحة ظاهرة معلنة، فيمكن الاحتياط له وأخذ الحذر منه.

ولكن لماذا الحديث عن النفاق ونحن بصدد الحديث عن عبادة الله وحده وبِرِّ الوالدين؟

الحق سبحانه وتعالى أراد أنْ يُعطينا إشارة دقيقة إلى أن النفاق كما يكون في الإيمان بالله، يكون كذلك في برِّ الوالدين، فنرى من الأبناء مَنْ يبرّ أبويْه نفاقاً وسُمْعة ورياءً، لا إخلاصاً لهما، أو اعترافاً بفضلهما، أو حِرْصاً عليهما.

ولهؤلاء يقول تعالى: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ) (الإسراء: 25).

لأن من الأبناء مَنْ يبرّ أبويه، وهو يدعو الله في نفسه أنْ يُريحه منهما، فجاء الخطاب بصيغة الجمع: (رَّبُّكُمْ) أي: رب الابن، وربّ الأبوين؛ لأن مصلحتكم عندي سواء، وكما ندافع عن الأب ندافع أيضاً عن الابن، حتى لا يقعَ فيما لا تُحمد عُقباه.

وقوله: (إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ) (الإسراء: 25).

أيْ: إن توفّر فيكم شَرْط الصلاح، فسوف يُجازيكم عليه الجزاء الأوفى.

وإنْ كان غَيْر ذلك وكنتم في أنفسكم غير صالحين غَيْر مخلصين، فارجعوا من قريب، ولا تستمروا في عدم الصلاح، بل عودوا إلى الله وتوبوا إليه.

(فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً) (الإسراء: 25).

والأوابون هم الذين اعترفوا بذنوبهم ورجعوا تائبين إلى ربهم.

وقد سبق أنْ أوضحنا أن مشروعية التوبة من الله للمذنبين رحمةٌ من الخالق بالخلق؛ لأن العبد إذا ارتكب سيئة في غفلة من دينه أو ضميره، ولم تشرع لها توبة لوجدنا هذه السيئة الواحدة تطارده، ويشقى بها طِوَال حياته، بل وتدعوه إلى سيئة أخرى، وهكذا يشقى به المجتمع.

لذلك شرع الخالقُ سبحانه التوبة ليحفظ سلامة المجتمع وأَمْنه، وليُثرِي جوانب الخير فيه.

ثم يُوسّع القرآن الكريم دائرة القرابة القريبة وهي "الوالدان" إلى دائرة أوسع منها، فبعد أنْ حنَّنه على والديه لفتَ نظره إلى ما يتصل بهما من قرابة، فقال تعالى: (وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ...).



سورة الإسراء الآيات من 021-025 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الإسراء الآيات من 021-025
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الإسراء الآيات من 096-100
» سورة الإسراء الآيات من 051-055
» سورة الإسراء الآيات من 101-105
» سورة الإسراء الآيات من 056-060
» سورة الإسراء الآيات من 061-065

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الإسراء-
انتقل الى: