منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة النحل الآيات من 071-075

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النحل الآيات من 071-075   سورة النحل الآيات من 071-075 Emptyالثلاثاء 07 يناير 2020, 7:59 pm

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٧١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لو نظرنا إلى الكون من حولنا لوجدنا أننا لا نتساوى إلا في شيء واحد فقط، هو أننا عبيدٌ لله.

نحن سواسية في هذه فقط، وما دون ذلك فنحن مختلفون فيه، تختلف ألواننا، تختلف أجسامنا.

صورنا.

مواهبنا.

أرزاقنا.

والعجيب أن هذا الاختلاف هو عَيْنُ الاتفاق؛ ذلك لأن الاختلاف قد ينشأ عنه الاتفاق، والاتفاق قد ينشأ عنه الاختلاف.

مثلاً: إذا دخلتَ أنت وصديقك أحد المطاعم وطلبتما دجاجة.

أنت بطبيعتك تحب صدر الدجاجة وصديقك يحب جزءاً آخر منها.

هذا خلاف.

فساعة أن يأتي الطعام تجد هذا الخلاف هو عين الوفاق حيث تأخذ أنت ما تحب، وهو كذلك.

هذا خلاف أدى إلى وفاق.

فلو فرضنا أن كلانا يحب الصدر مثلاً.

هذا وفاق قد يؤدي إلى خلاف إذا ما حضر الطعام وجلسنا: أيُّنا يأخذ الصدر؟

فالحق سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في أشياء، وأراد أن يكون هذا الاختلاف تكاملاً فيما بيننا.

فكيف يكون التكامل إذن؟

هل نتصور مثلاً أن يُوجَد إنسان مجمعاً للمواهب، بحيث إذا أراد بناء بيت مثلاً كان هو المهندس الذي يرسم، والبنَّاء الذي يبني، والعامل الذي يحمل، والنجار والحداد والسباك.. الخ.

هل نتصور أن يكون إنسان هكذا؟.

لا.

ولكن الخالق سبحانه نثَر هذه المواهب بين الناس نَثْراً لكي يظل كل منهم محتاجاً إلى غيره فيما ليس عنده من مواهب، وبهذا يتم التكامل في الكون.

إذن: الخلاف بيننا هو عَيْن الوفاق، وهو آية من آياته سبحانه وحكمة أرادها الخالق جَلَّ وعَلا، فقال: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود: 118).

فقد خلقنا هكذا.

وإلا فلو اتحدنا واتفقنا في المواهب، فهل يعقل أن نكون جميعاً فلاسفة، أطباء، علماء، فمَنْ يبني؟

ومَنْ يزرع؟

ومَنْ يصنع؟.. الخ.

إذن: من رحمة الله أنْ جعلنا مختلفين متكاملين.

فالحق سبحانه يقول: (فِي ٱلْرِّزْقِ) (النحل: 71).

ينظر الناس إلى الرزق من ناحية واحدة، فهو عندهم المال، فهذا غنيّ وهذا فقير.

والحقيقة أن الرزق ليس المال فقط، بل كُلّ شيء تنتفع به فهو رِزْقك.

فهذا رِزْقه عقله، وهذا رِزْقه قوته العضلية.

هذا يفكر وهذا يعمل.

إذن: يجب ألاَّ ننظر إلى الرزق على أنه لَوْن واحد، بل ننظر إلى كل ما خلق الله لخَلْقه من مواهب مختلفة: صحة، قدرة، ذكاء، حِلْم، شجاعة.

كل هذا من الرزق الذي يحدث فيه التفاضل بين الناس.

والحق سبحانه وتعالى حينما تعرَّض لقضية الرزق جعل التفاضل هنا مُبْهماً، ولم تحدد الآية مَنِ الفاضل ومَنِ المفضول، فكلمة -بَعْضٍ- مُبْهمة لنفهم منها أن كل بعض من الأبعاض فاضل في ناحية، ومفضول في ناحية أخرى.

فالقوي فاضل على الضعيف بقوته، وهو أيضاً مفضول، فربما كان الضعيف فاضلاً بما لديه من علم أو حكمة.

وهكذا.

إذن: فكلُّ واحد من خَلْق الله رَزَقه الله موهبة، هذه الموهبة لا تتكرر في الناس حتى يتكامل الخَلْق ولا يتكررون.

وإذا وجدت موهبة في واحد وكانت مفقودة في الآخر فالمصلحة تقتضي أن يرتبط الطرفان، لا ارتباط تفضُّل، وإنما ارتباط حاجة.

كيف؟

القويُّ يعمل للضعيف الذي لا قوةَ له يعمل بها، فهو إذن فاضل في قوته، والضعيف فاضل بما يعطيه للقوي من مال وأجر يحتاجه القوي ليقُوتَ نفسه وعياله، فلم يشأ الحق سبحانه أنْ يجعلَ الأمر تفضُّلاً من أحدهما على الآخر، وإنما جعله تبادلاً مرتبطاً بالحاجة التي يستبقي بها الإنسان حياته.

وهكذا يأتي هذا الأمر ضرورة، وليس تفضَّلاً من أحد على أحد؛ لأن التفضُّل غير مُلْزَم به - فليس كل واحد قادراً على أن يعطي دون مقابل، أو يعمل دون أجر.

إنما الحاجة هي التي تحكم هذه القضية.

إذن: ما الذي ربط المجتمع؟

هي الحاجة لا التفضُّل، وما دام العالم سيرتبط بالحاجة، فكل إنسان يرى نفسه فاضلاً في ناحية لا يغترّ بفاضليته، بل ينظر إلى فاضلية الآخرين عليه؛ وبذلك تندكُّ سِمَة الكبرياء في الناس، فكلٌّ منهما يُكمل الآخر.

وقد ضربنا لذلك مثلاً بالباشا الغني صاحب العظمة والجاه.

والذي قد تُلْجِئه الظروف وتُحوجه لعامل بسيط يُصلح له عُطْلاً في مرافق بيته، وربما لم يجده أو وجده مشغولاً، فيظل هذا الباشا العظيم نَكِداً مُؤرّقاً حتى يُسعفه هذا العامل البسيط، ويقضي له ما يحتاج إليه.

هكذا احتاج صاحب الغنى والجاه إلى إنسان ليس له من مواهب الحياة إلا أنْ يقضي مثل هذه المهام البسيطة في المنزل.

وهو في نفس الوقت فاضل على الباشا في هذا الشيء.

فالجميع -إذن- في الكون سواسية، ليس فينا مَنْ بينه وبين الله سبحانه نسب أو قرابة فيجامله.

كلنا عبيد لله، وقد نثر الله المواهبَ في الناس جميعاً ليتكاملوا فيما بينهم، وليظل كُلٌّ منهم محتاجاً إلى الآخر، وبهذا يتم الترابط في المجتمع.

وقد عُرِضَتْ هذه القضية في آية أخرى في قوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) (الزخرف: 32).

البعض يفهم أن الفقير مُسخّر للغنيّ، لكن الحقيقة أن كلاً منهما مُسخَّر للآخر.

فالفقير مُسخّر للغني حينما يعمل له العمل، والغني مُسخّر للفقير حينما يعطي له أجره.

ولذلك فالشاعر العربي يقول:
النَّاسُ لِلْناسِ مِنْ بَدْوٍ وحاضرة
بَعْضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خَدَمُ

ونضرب هنا مثلاً بأخسِّ الحرف في عُرْف الناس - وإنْ كانت الحِرف كلها شريفة، وليس فيها خِسَّة طالما يقوت الإنسان منها نفسه وعياله من الحلال.فالخِسَّة في العاطل الأخرق الذي يُتقِن عملاً.

هذا العامل البسيط ماسح الأحذية ينظر إليه الناس على أنهم أفضل منه، وأنه أقل منهم، ولو نظروا إلى علبة الورنيش التي يستخدمها لوجدوا كثيرين من العمال والعلماء والمهندسين والأغنياء يعملون له هذه العلبة، وهو فاضل عليهم جميعاً حينما يشتري علبة الورنيش هذه.

لكن الناس لا ينظرون إلى تسخير كل هؤلاء لهذا العامل البسيط.

فقوله تعالى: (لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) (الزخرف: 32).

مَنْ مِنّا يُسخّر الآخر؟! كُلٌّ منا مُسخَّر للآخر، أنت مُسخَّر لي فيما تتقنه، وأنا مُسخَّر لك فيما أتقنه.

هذه حكمة الله في خَلْقه ليتم التوازن والتكامل بين أفراد المجتمع.

وربُّنا سبحانه وتعالى لم يجعل هذه المهن طبيعية فينا.

يعني هذا لكذا وهذا لكذا.

لا.

الذي يرضى بقدر الله فيما يُناسبه من عمل مهما كان حقيراً في نظر الناس، ثم يُتقن هذا العمل ويجتهد فيه ويبذل فيه وُسْعه يقول له الحق سبحانه: ما دُمْتَ رضيتَ بقدري في هذا العمل لأرفعنّك به رِفْعة يتعجَّب لها الخَلْق.

وفعلاً تراهم ينظرون إلى أحدهم ويشيرون إليه: كان شيالاً.

كان أجيراً.

نعم كان.

لكنه رَضِي بما قسم الله وأتقن وأجاد، فعوَّضه الله ورفعه وأعلى مكانته.

ولذلك يقولون: مَنْ عمل بإخلاص في أيّ عمل عشر سنين يُسيّده الله بقية عمره، ومَنْ عمل بإخلاص عشرين سنة يُسيّد الله أبناءه، ومَنْ عمل ثلاثين سنة سيَّد الله أحفاده.

لا شيء يضيع عند الله سبحانه فليس فينا أَعْلى وأَدْنى، وإياك أنْ تظنَّ أنك أعلى من الناس، نحن سواسية، ولكن مِنَّا من يُتقِن عمله، ومِنَّا مَنْ لا يتقن عمله؛ ولذلك قالوا: قيمة كل امرئ ما يُحسِنه.

ولا تنظر إلى زاوية واحدة في الإنسان، ولكن انظر إلى مجموع الزوايا، وسوف تجد أن الحق سبحانه عادلٌ في تقسيم المواهب على الناس.

وقد ذكرنا أنك لو أجريتَ معادلة بين الناس لوجدتَ مجموع كل إنسان يساوي مجموع كُلِّ إنسان، بمعنى أنك لو أخذتَ مثلاً: الصحة والمال والأولاد والقوة والشجاعة وراحة البال والزوجة الصالحة والجاه والمنزلة.. الخ، لوجدت نصيب كُلٍّ منّا في نهاية المعادلة يساوي نصيب الآخر، فأنت تزيد عني في القوة، وأنا أزيد عنك في العلم، وهكذا.

لأننا جميعاً عبيدٌ لله، ليس مِنّا مَنْ بينه وبين الله نسب أو قرابة.

وقوله تعالى: (فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) (النحل: 71).

فما ملكت أيمانهم: هم العبيد المماليك.

والمعنى: أننا لم نَرَ أحداً منكم فضّله الله بالرزق، فأخذه ووزّعه على عبيده ومماليكه، أبداً.

لم يحدث ذلك منكم.

والله سبحانه لا يعيب عليهم هذا التصرف، ولا يطلب منهم أنْ يُوزّعوا رزق الله على عبيدهم، ولكن في الآية إقامةٌ للحجة عليهم، واستدلال على سُوء فعلهم مع الله سبحانه وتعالى وكأن القرآن يقول لهم: إذا كان الله قد فُضَّل بعضكم في الرزق، فهل منكم مَنْ تطوع برزق الله له، ووزَّعه على عبيده؟.

أبداً.

لم يحدث منكم هذا.

فكيف تأخذون حق الله في العبودية والألوهية وحقّه في الطاعة والعبادة والنذر والذبح، وتجعلونه للأصنام والأوثان؟! فأنتم لم تفعلوا ذلك فيما تملكون.

فكيف تسمحون لأنفسكم أنْ تأخذوا حقَّ الله، وتعطوه للأصنام والأوثان؟

ويقول تعالى في آية أخرى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ) (الروم: 28).

أي: أنكم لم تفعلوا هذا مع أنفسكم، فكيف تفعلونه مع الله؟

فهذه لَقْطة: أنكم تُعاملون الله بغير ما تُعاملون به أنفسكم: (فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ) (النحل: 71).

أي: أنكم سوَّيتُم بين الله سبحانه وبين أصنامكم، وجعلتموهم شركاء له سبحانه وتعالى وتعبدونهم مع الله.

والحق سبحانه وإنْ رزقنا وفضَّلَنا فقد حفظ لنا المال، وحفظ لنا الملكية، ولم يأمرنا أن نعطي أموالنا للناس دون عمل وتبادل منافع، فإذا ما طلب منك أن تعطي أخاك المحتاج فوق ما افترض عليك من زكاة يقول لك: (مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) (البقرة: 245).

مع أن الحق سبحانه واهب الرزق والنِّعَم، يطلب منك أنْ تُقرِضه، وكأنه سبحانه يحترم عملك ومجهودك، ويحترم ملكيتك الخاصة التي وهبها لَك.

فيقول: أقرضني.

لعلمه سبحانه بمكانة المال في النفوس، وحِرْص المقرض على التأكد من إمكانية الأداء عند المقترض، فجعل القرض له سبحانه لتثقَ أنت أيها المقرض أن الأداء مضمون من الله.

ويختم الحق سبحانه الآية بقوله: (أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ) (النحل: 71).

أي: بعد أنْ أنعم الله عليهم بالرزق، ولم يطلب منهم أنْ ينثروه على الغير، جحدوا هذه النعمة، وأنكروا فَضْل الله، وجعلوا له شركاء من الأصنام والأوثان، وأخذوا حَقَّ الله في العبودية والألوهية وأعطوْهُ للأصنام والأوثان، وهذا عَيْنُ الجحود وإنكار الجميل.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ...).



سورة النحل الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 071-075   سورة النحل الآيات من 071-075 Emptyالثلاثاء 07 يناير 2020, 8:00 pm

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه في الآية السابقة قنَّن لنا قضية القمة -قضية العقيدة- في أننا لا نعطي شيئاً جعله الله لنفسه سبحانه من العبودية والألوهية والطاعة وغيرها، لا نعطيها لغيره سبحانه.

وإذا صَحَّتْ هذه القضية العَقدية صَحَّتْ كل قضايا الكون.

ثم بيَّن سبحانه أنه خلقنا من واحد، ثم خلق من الواحد زوجة له، ليتم التناسل والتكاثر.

إذ إن استمرارَ بقائكم خاضعٌ لأمرين: الأمر الأول: استبقاء الحياة، وقد ضمنه سبحانه بما أنعم به علينا من الأرزاق، فنأكل ونشرب فنستبقي الحياة، فبعد أنْ تحدّث عن استبقاء الحياة بالرزق في الآية السابقة ذكر: الأمر الثاني: وهو استبقاء الحياة ببقاء النوع، فقال سبحانه: (وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) (النحل: 72).

والأزواج: جمع زوج، والزوج لا يعني الرجل فقط، بل يعني الرجل والمرأة؛ لأن كلمة (زوج) تُطلَق على واحد له نظير من مثله، فكلُّ واحد منهما زَوْج.

الرجل زوج، والمرأة زوج، فتُطلق -إذن- على مُفْرد، لكن له نظير من مثله.

و (مِّنْ أَنْفُسِكُمْ) (النحل: 72).

أي: من نَفْس واحدة، كما قال في آية أخرى: (خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (الزمر: 6).

يعني: أخذ قطعة من الزوج، وخلق منها الزوجة، كما خلق سبحانه حواء من آدم -عليهما السلام-.

أو: (وَخَلَقَ مِنْهَا) (النساء: 1).

أي: من جنسها، كما قال تعالى: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) (التوبة: 128).

أي: من جنسكم.

فالمسألة تحتمل المعنيين.

مَن اتسع ظنُّه إلى أن الله خلق حواء من ضِلع آدم أي: منه، من بعضه فلا مانع، ومَنْ قال: خلق الله حواء كما خلق آدم خَلْقاً مستقلاً، ثم زَاوَج بينهما بالزواج فلا مانع.

فالأول على معنى البَعْضية، والثاني على معنى من جنسكم.

قلنا: إن الجمع إذا قابل الجمع اقتضت القسمةُ آحاداً.

كما لو قال المعلم لتلاميذه: أخرِجوا كتبكم، فهو يخاطب التلاميذ وهم جَمْع.

وكتبهم جمع، فهل سيُخرِج كل تلميذ كُتب الآخرين؟!.

لا.

بل كل منهم سيُخرج كتابه هو فقط.

إذن: القسمة هنا تقتضي آحاداً.

وكذلك المعنى في قوله تعالى: (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) (الروم: 21).

أي: خلق لكل منكم زَوْجاً.

ولكي نتأكد من هذه الحقيقة، وأن الخَلْق بدأ بآدم -عليه السلام- نردُّ الأشياء إلى الماضي، وسوف نجد أن كُلَّ متكاثر في المستقبل يتناقص في الماضي.

فمثلاً سُكّان العالم اليوم أكثر من العام الماضي.

وهكذا تتناقص الأعداد كلما أوغلنا في الماضي، إلى أن نصلَ إلى إنسان واحد هو آدم -عليه السلام- ومعه زوجه حواء، لأن أقلَّ التكاثر من اثنين.

إذن: قوله سبحانه: (خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (النساء: 1).

كلام صحيح يؤيّده الاستقراء والإحصاء.

لذلك يمتنُّ ربّنا سبحانه علينا أنْ خلقَ لنا أزواجاً، ويمتنُّ علينا أن جعل هذا الزوج من أنفسنا، وليس من جنس آخر، لأن إلْفَ الإنسان وأنْسه لا يتم إلا بجنسه، وهذه من أعظم نعم الله علينا، ولك أن تتصوَّر الحال إذا جعل الله لنا أزواجاً من غير جنسنا!! كيف يكون؟! هذا الزوج اشترك معنا في أشياء، واختلف عنّا في شيء واحد، اتفقنا في أشياء: فالشكل واحد، والقالب واحد، والعقل واحد، والأجزاء واحدة: عينان وأذنان.

يدان ورجْلان... الخ.

وهذا الاشتراك يُعين على الارتقاء والمودة والأنْس والألْفة.

واختلفنا في شيء واحد هو النوع: فهذا ذكر، وهذه أنثى.

إذن: جمعنا جنس، وفرَّقنا النوع لِيتمّ بذلك التكامل الذي أراده سبحانه لعمارة الأرض.

وهناك احتمال أن يتحوَّل الذكر إلى أنثى أو الأنثى إلى ذكر، لذلك خلق الله الاحتياط لهذه الظاهرة، كأنْ يكونَ للرجل ثَدْي صغير، أو غيره من الأعضاء القابلة للتحويل، إذا ما دَعَتْ الحاجة لتغيير النوع.

فهذا تركيب حكيم وقدرة عالية.

إذن: (مِّنْ أَنْفُسِكُمْ) (النحل: 72).

ليزداد الإلْف والمحبة والأُنْس والمودّة بينكم؛ ولذلك نجد في قصة سيدنا سليمان -عليه السلام- والهدهد، حينما تفقَّد الطير وعرف غياب الهدهد قال: (لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) (النمل: 21).

وهذا سلطان الملْك الذي أعطاه الله لسليمان.

قالوا في: (لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً) (النمل: 21).

أي: يضعه في غير جنْسه.

إذن: وَضْعه في غير جنسه نوع من العذاب.

وتكون (من أنفسكم) نعمة ورحمة من الله.

وفي الآية الأخرى يذكر سبحانه عناصر ثلاثة لاستبقاء العلاقة الزوجية، فيقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).

ولو تأملنا هذه المراحل الثلاثة لوجدنا السكن بين الزوجين، حيث يرتاح كُلٌّ منهما إلى الآخر، ويطمئن له ويسعد به، ويجد لديه حاجته.

فإذا ما اهتزتْ هذه الدرجة ونفرَ أحدهما من الآخر جاء دور المودّة والمحبة التي تُمسِك بزمام الحياة الزوجية وتوفر لكليهما قَدْراً كافياً من القبول.

فإذا ما ضعف أحدهما عن القيام بواجبه نحو الآخر جاء دور الرحمة، فيرحم كل منهما صاحبه.

يرحم ضَعْفه.

يرحم مرضه.

وبذلك تستمر الحياة الزوجية، ولا تكون عُرْضة للعواصف في رحلة الحياة.

فإذا ما استنفدنا هذه المراحل، فلم يَعُدْ بينهما سَكَن ولا مودّة، ولا حتى يرحم أحدهما صاحبه فقد استحالتْ بينهما العِشرة، وأصبح من الحكمة مفارقة أحدهما للآخر.

وهنا شرع الحق سبحانه الطلاق ليكون حلاً لمثل هذه الحالات، ومع ذلك جعله ربنا سبحانه أبغض الحلال، حتى لا نقدم عليه إلا مُضطرِّين مُجْبرين.

وقوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل: 72).

البنون هم الحلقة الأولى لاستبقاء الحياة، والحفَدة وهم وَلَدُ الولد، هم الحلقة الثانية لاستبقاء الحياة؛ ذلك لأن الإنسان بطبْعه يحب الحياة ويكره الموت، وهو يراه كل يوم يحصد النفوس من حَوْله.

فإيمانه بالموت مسألة محققة، فإذا ما تيقَّن أن الحياة تفوته في نفسه أراد أنْ يستبقيَها في وَلَده.

ومن هنا جاء حُبُّ الكثيرين مِنَّا، للذكور الذين يُمثِّلون امتداداً للآباء.

فإذا ما رزقه الله الأبناء، وضمن له الجيل الأول تطلّع إلى أنْ يرى أبناء الأبناء؛ ليستبقي الحياة له ولولده من بعده.

ولذلك فالشاعر الذي يخاطب ابنه يقول له:
أبُنيّ. يَا أنَا بَعْدَمَا أَقْضِي

وهذه هي نظرة الناس إلى الأولاد، أنهم ذِكْر لهم بعد موتهم.

وكأن اسمه موصولٌ لا ينتهي.

ويقول الله تبارك وتعالى: (بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل: 72).

تدلُّنا على ضرورة الحِرص على اندماج الأجيال.

زوجين، ثم أبناء وحفدة.

فما فائدة اندماج الأجيال؟

ما فائدة المعاصرة والمخالطة بين الجدِّ وحفيده؟

نلاحظ أن الوليد الصغير يبدأ عنده الإدراك بمجرد أنْ تعملَ وسائل الإدراك عنده، فيبدأ يلتقط مِمَّنْ حوله ويتعلَّم منهم.

فإذا كان له أخوة أكبر منه تعلّم منهم مثلاً بابا.

ماما.

فإذا لم يكُنْ له إخوة نُعلّمه نحن هذه الكلمات.

ولذلك نرى الطفل الثاني أذكى من الأول، والثالث أذكى من الثاني.

وهكذا لأنه يأخذ ممَّنْ قبله وممَّنْ حوله، فيزداد بذلك إدراكه، وتزداد خبراته ومعلوماته.

ولنتصور أن هذا الابن أصبح أباً، وجاء الحفيد الذي يعاصر الجيلين؛ جيل الأب وجيل الجدِّ، يشبّ الصغير في أحضانهما، فتراه يأخذ من أبيه نشاطه في حركة الحياة وسَعْيه للرزق.

في حين أنه يأخذ من جَدِّه القيم الدينية حيث الجد في البيت باستمرار بعد أن تقدَّم به العمر فأقبل على الطاعة والعبادة.

فيسمع منه الصغير قراءة القرآن.

متى يؤذن للظهر.

يا ولد هات المصحف.

يا ولد هات السجادة لأصلي، إلى غير هذه من الكلمات التي يأخذ منها الصغير هذه القيم.

إذن: الحفيد يلتقط لوناً من النشاط والحركة في جيل أبيه، ويلتقط لوناً من القيم في جيل جَدِّه؛ ولذلك فإن ابتعاد الأجيال يُسبِّب نقصاً في تكوين الأطفال، والحق سبحانه يريد أنْ تلتحمَ الأجيال لتكتمل للطفل عناصر التربية بين القيم المعنوية والحركة والنشاط.

وقوله تعالى: (وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ) (النحل: 72).

الطيبات في الرزق الذي جعله الله لاستبقاء الحياة، وفي الزواج الذي جعله الله لاستبقاء النوع.

ثم يقول تعالى: (أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (النحل: 72).

الباطل: هو الأصنام التي اتخذوها من دون الله.

وفي الآية استفهام للتعجُّب والإنكار.

كيف تكفرون بنعمة الله وقد خلقكم في البَدْء من نفس واحدة، وخلق منها زوجها.

وجعل لكم من أنفسكم أزواجاً.

وجعل بينكم سكناً ومودة ورحمة، ثم جعل لكم البنين والحفدة، ورزقكم من نِعم الحياة ما يستبقي حياتكم، ومن نِعَم الأزواج ما يستبقي نوعكم، وجعلكم في نعمة ورفاهية.

خلقكم من عَدَم، وأمدَّكم من عُدم.

أبعد ذلك كله تجحدون نعمته وتكفرونها، وبدل أنْ تُقبِلوا عليه وتلتفتوا إليه تنصرفون إلى عبادة الأصنام التي لا تضرُّ ولا تنفع.

وهل عملتْ لكم الأصنامُ شيئاً من ذلك؟!

هل أنعمتْ عليكم بنعمة من هذه النعم؟! هذه الأصنام محتاجة إليكم.

تأخذ منكم ولا تعطيكم.

فهذا مائل يريد مَنْ يقيمه.

وهذا كُسِر يحتاج لمن يُصلحه.

انقل الإله.ضَع الإله في مكان كذا.. الخ.

ولذلك يقول تعالى في الآية بعدها: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ...).



سورة النحل الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 071-075   سورة النحل الآيات من 071-075 Emptyالثلاثاء 07 يناير 2020, 8:01 pm

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والعبادة أن يطيع العابد معبوده، وهذه الطاعة تقتضي تنفيذ الأمر واجتناب النهي.

فهل العبادة تنفيذ الأمر واجتناب النهي فقط؟

نقول: لا بل كل حركة في الحياة تُعين على عبادة فهي عبادة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولتوضيح هذه القضية نضرب هذا المثل: إذا أردتَ أن تُؤدّي فرض الله في الصلاة مثلاً، فأنت تحتاج إلى قوة لتؤدي هذه الفريضة، ولن تجد هذه القوة إلا بالطعام والشراب، ولنأخذ أبسط ما يمكن تصوّره من الطعام.

رغيف العيش.

فانظر كم يّدٌ شاركتْ فيه منذ كان حبةَ قمح تلقى في الأرض إلى أنْ أصبح رغيفاً شهياً.

إن هؤلاء جميعاً الذين أداروا دولاب هذه العملية يُؤدّون حركة إيجابية في الحياة هي في حَدِّ ذاتها عبادة لأنها أعانتْك على عبادة.

أيضاً إذا أردت أنْ تُصلّي، فواجب عليك أنْ تستر عورتك.

انظر إلى هذا القماش الذي لا تتم الصلاة إلا به.

كُلّ مَنْ أسهم في زراعته وصناعته حتى وصل إليك.

جميعهم يؤدون عبادة بحركتهم في صناعة هذا القماش.

إذن: كل شيء يُعينك على عبادة الله فهو عبادة، وكل حركة في الكون تؤدي إلى شيء من هذا فهي عبادة.

والحق سبحانه وتعالى حينما استدعى المؤمنين لصلاة الجمعة، قال سبحانه: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ) (الجمعة: 9).

لم يأخذهم من فراغ، بل من عمل، ولكن لماذا قال سبحانه: (وَذَرُوا البَيْعَ).

لماذا البيع بالذات؟

قالوا: لأن البيع هو غاية كل حركات الحياة، فهو واسطة بين مُنتج ومُسْتهلك.

ولم يَقُل القرآن: اتركوا المصانع أو الحقول، لأن هناك أشياء لا تأتي ثمرتها في ساعتها.

فمَنْ يزرع ينتظر شهوراً ليحصد ما زرع، والصانع ينتظر إلى أن يبيعَ صناعته.

لكن البيع صفقة حاضرة، فهي محلّ الاهتمام.

وكذلك لم يَقُلْ: ذروا الشراء، قالوا: لأن البائع يحب أن يبيعَ، ولكن المشتري قد يشتري وهو كاره.

فأتى القرآن بأدقِّ شيء يمكن أن يربطك بالزمن، وهو البيع.

فإذا ما انقضتْ الصلاة أُمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض: (فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ) (الجمعة: 10).

فقوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ) (النحل: 73).

أراد الحق سبحانه أن يتكلم عن الجهة التي يُؤثِرونها على الله.

وهي الأصنام.

فالله سبحانه الذي خلقهم ورزقهم من الطيبات، وجعل لهم من أنفسهم أزواجاً، وجعل لهم بنين وحفدة.

كان يجب أن يعبدوه لنعمته وفَضْله.

فالذي لا يعبد الله لذاته سبحانه يعبده لنعمه وحاجته إليه.

فعندنا عبادة للذات لأنه سبحانه يستحق العبادة لذاته، وعبادة لصفات الذات في معطياتها، فمَنْ لم يعبده لذاته عبده لنعمته.

وطالما أن العبادة تقتضي تنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.

فكيف تكون العبادة إذن في حق هذه الأصنام التي اتخذوها؟!

كيف تعبدونها وهي لم تأمركم بشيء ولم تنهكُمْ عن شيء؟!.

وهذا أول نَقْد لعبادة غير الله من شمس أو قمر أو صنم أو شجر.

وكذلك.

ماذا تعطي الأصنام -أو غيرها من معبوداتكم- لمن عبدها، وماذا أعدَّتْ لهم من ثواب؟! وبماذا تعاقب مَنْ كفر بها؟.

إذن: فهو إله بلا منهج.

والتديّن غريزة في النفس يلجأ إليها الإنسان في وقت ضعفه وحاجته.

والله سبحانه هو الذي يحب أن نلجأ إليه وندعو ونطلب منه قضاء الحاجات.

وله منهج يقتضي مطلوبات تدكُّ السيادة والطغيان في النفوس ويقتضي تكليفات شاقة على النفس.

إذن: لجأ الكفار إلى عبادة الأصنام والأوثان لأنها آلهة بلا تكليف، ومعبودات بلا مطلوبات.

ما أسهل أن يتمحّك إنسان في إله ويقول: أنا أعبده دون أن يأمر بشيء أو ينهى عن شيء!

ما أسهل أن يُرضي في نفسه غريزة التدين بعبادة مثل هذا الإله.

لكن يجب ألاّ تنسوا أن هذا الإله الذي ليس له تكليف لن تستطيعوا أنْ تطلبوا منه شيئاً، أو تلجأوا إليه في شدة.

فهذا غير معقول فكما أنهم لا يطلبون منكم شيئاً، كذلك لا يملكون لكم نَفْعاً ولا ضراً.

لذلك وجدنا الذين يدَّعُون النبوة.

هؤلاء الكذابون يُيسِّرون على الناس سُبُل العبادة، ويُبيحون لهم ما حرَّمه الدين مثل اختلاط الرجال والنساء وغيره؛ ذلك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأتباع.

فجاء مسيلمة الكذاب وأراد أن يُسهِّل على الناس التكليف فقال بإسقاط الصلاة، وجاء الآخر فقال بإسقاط الزكاة.

وقد جذب هذا التسهيل كثيراً من المغفلين الذين يَضِيقون بالتكليف، ويميلون لدين سَهْل يناسب هِمَمهم الدَّنية.

وهكذا وجدنا لهؤلاء الكذابين أنصاراً يُؤيّدونهم ويُناصرونهم.

ولكن سرعان ما تتكشف الحقائق، ويقف هؤلاء المخدوعون على حقيقة أنبيائهم.

وقوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً) (النحل: 73).

نلاحظ في هذه الآية نَوْعاً من الارتقاء في الاستدلال على بطلان عبادة الأصنام؛ ذلك لأن الحق تبارك وتعالى قال عنهم في آية أخرى: (لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (النحل: 20).

فنفى عنهم القدرة على الخَلْق، بل إنهم هم المخلوقون.

يذهب الواحد منهم فيُعجبه حجر، فيأخذه ويُعمل فيه مِعْوله حتى يُصوِّره على صورة ما، ثم يتخذه إلهاً يعبده من دون الله.

فلما نفى عنهم القدرة على الخَلْق أراد هنا أنْ يترقّى في الاستدلال، فنفى عنهم مجرد أنْ يملكوا، فقد يملك الواحد ما لا يخلقه، فتُقرّر الآية هنا أنهم لا يملكون.

مجرد الملك.

وقوله تعالى: (مِّنَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً) (النحل: 73).

فالرزق من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، ومن المصدرين يأتي رزق الله، وبذلك يضمن لنا الحق تبارك وتعالى مُقوِّمات الحياة وضرورياتها من ماء السماء ونبات الأرض.

فإنْ أردتُمْ ترفَ الحياة فاجتهدوا فيما أعطاكم الله من مُقوِّمات الحياة لِتصلوا إلى هذا الترف.

فالرزق الحقيقي المباشر ما أنزله الله لنا من مطر السماء فأنبت لنا نبات الأرض.

ونُوضِّح ذلك فنقول: هَبْ أن عندك جبلاً من ذهب، أو جبلاً من فضة، وقد عضَّك الجوع في يوم من الأيام.

هل تستطيع أنْ تأكلَ من الذهب أو الفضة؟

إنك الآن في حاجة لرغيف عيش، لا لجبل من ذهب أو فضة.

رغيف العيش الذي يحفظ لك حياتك في هذا الموقف أفضل من هذا كله.

وهذا هو الرزق المباشر الذي رزقه الله لعباده، أما المال فهو رِزْق غير مباشر، لا تستطيع أن تأكل منه أو تعيش عليه.

وكلمة: (شَيْئَاً) أي: أقلّ ما يُقَال له شيء، فالأصنام والأوثان لا تملك لهم رزقاً مهما قَلَّ؛ لأنه قد يقول قائل: لا يملكون رِزْقاً يكفيهم.

لا.

بل لا يملكون شيئاً.

ثم يعطينا الحق سبحانه لمحة أخرى في قوله تعالى: (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) (النحل: 73).

أي: لا يملكون لهم رِزْقاً في الحاضر، ولن يملكوا في المستقبل، وهذا يقطع الأمل عندهم، فهُمْ لا يملكون اليوم، ولن يملكوا غداً؛ ذلك لأن هناك أشياء ينقطع الحكم فيها وَقْتاً.

وأشياء مُعلّقة يمكن أن تُسْتأنفَ فيما بعد، فهذه الكلمة: (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) (النحل: 73).

حُكْم قاطع لا استئناف له فيما بَعْد.

ولذلك؛ نجد هؤلاء الذين يُحِبّون أنْ يجدوا في القرآن مَأْخذاً يجادلون في قوله تعالى: (قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ) (الكافرون: 1-5).

فهؤلاء يروْن في السورة تكراراً يتنافى وبلاغةَ القرآن الكريم.

نقول: ليس في السورة تكرار لو تأملتُم.

ففي السورة قَطْع علاقات على سبيل التأبيد والاستمرار، فالحق سبحانه يقول: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 6).

في الحاضر، وفي المستقبل، وإلى يوم القيامة.

فقوله: (لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ) ) (الكافرون: 2-3).

هذا قَطْع علاقات في الوقت الحاضر.

ولكن مَنْ يُدرِينا لعلَّنا نستأنف علاقات أخرى فيما بعد.

فجاء قوله تعالى: (وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ) (الكافرون: 4-5).

لا للتكرار، ولكن لقطع الأمل في إعادة العلاقات في المستقبل، فالقضية -إذن- منتهية من الآن على سبيل القَطْع.

كذلك المعنى في قوله تعالى: (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) (النحل: 73).

أي: لا يستطيعون الآن، ولا في المستقبل.

ثم يقول الحق سبحانه: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ...).



سورة النحل الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 071-075   سورة النحل الآيات من 071-075 Emptyالثلاثاء 07 يناير 2020, 8:03 pm

فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧٤)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


الأمثال: جمع مِثْل، وهو النِّد والنظير.


وفي الآية نَهْي عن أن نُشبِّه الله سبحانه بشيء آخر؛ لأن الحق تبارك وتعالى واحدٌ في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله.


إياك أن تقول عن ذات: إنها تشبه ذاته سبحانه، أو صفات تشبه صفاته سبحانه، فإنْ وجدت صفة لله تعالى يُوجد مثلها في البشر فاعلم أنها على مقياس.(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).


فالحق سبحانه ينهانا أنْ نضرب له الأمثال، إنما هو سبحانه يضرب الأمثال؛ لأنه حكيم يضرب المثَل في محلّه لِيُوضّح القضية الغامضة بالقضية المشاهدة؛ ولذلك يقول تعالى: (وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ) (النحل: 60).


أي: الصفة العليا في كل شيء، فإذا وجدتَ صفات مشتركة بينكم وبين الحق سبحانه فنزِّه الله عن الشبيه والنظير والنِّد والمثيل وقل: (ليس كمثله شيء).


فأنت موجود والله موجود، ولكن وجودك مسبوقٌ بعدم ويلحقه العدم، ووجوده سبحانه لا يسبقه عدم ولا يلحقه العدم.


وقد ضرب الله لنا مثلاً لنفسه سبحانه لِيُوضِّح لنا تنويره سبحانه للكون، وليس مثَلاً لنوره كما نظنّ.


بل هو مثَل لتنويره لا لنوره.


يقول تعالى في سورة النور: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ) (النور: 35).


نور السمٰوات والأرض؛ لأنه بالنور تكون الهداية حِسّية أو معنوية.


فالنور الحسِّيُّ مثل نور الشمس والقمر وغيرهما من مصادر الضوء.


هذا النور الحسيّ هو الذي يُبيّن لك الأشياء لتسير في الكون على بصيرة وهدى.


فلو حاولتَ السَّيْر ليلاً دون ضَوْء يهديك فسوف تصطدم بالأشياء من حولك: إما أقوى منك يُحطّمك ويُؤذيك، وإما تكون أنت أقوى منه فتُحطِّمه أنت.


فالذي يهدي خُطَاك هو النور الحسيُّ.


وقد يكون النور معنوياً، وهو نور القِيَم والأخلاق، وهذا النور يجعلك أيضاً تسير في الحياة على بصيرة وهُدًى، ويحميك من التخبّط في مجاهل الأفكار والنظريات، هذا هو النور القِيَمي الذي أنزله الله لنا في كتابه الكريم، وقال عنه: (قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15-16).


فهو نور لكن معنوي.بالقيم والأخلاق والفضائل.


ولا تقُلْ في هذا المثل: إنه مَثَلٌ لنور الله.


بل مَثَلٌ لسلطان تنويره للكون، ولو تأمَّلنا بقية الآية لأدركنا ذلك.


(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) (النور: 35).


البعض يقولون: المشكاة هي المصباح.


لا.


المشكاة هي الكُوّة أو الطاقة المسدودة في الجدار يعرفها أهل الريف في بِنَاياتهم القديمة، وهي تجويف غير نافذ في الجدار يُوضَع فيه المصباح.


(ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) (النور: 35).


أي: ليس مصباحاً عادياً بل في زجاجة، وهي تحمي ضَوْء المصباح أنْ يبعثره الهواء من كل ناحية، وفي نفس الوقت تسمح له بالقدر الكافي من الهواء لاستمرار الاشتعال، وبذلك يكون الضوء ثابتاً صافياً لا يصدر عنه دُخان يُعكِّر صَفْو الزجاجة.


وأهل الريف يعرفون شعلة الجاز التي ليس لها زجاجة، وما يصدر عنها من دُخان أسود ضارّ.


إذن: المصباح هنا في غاية الصفاء والقوة؛ لأن الزجاجة أيضاً ليستْ زجاجة عادية، بل زجاجة كأنها كوكب دُريٌّ، وكَوْنها كالكوكب الدريّ يعني أنها تُضِيء بنفسها.(ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ) (النور: 35).


هذا المصباح يُوقد بزيت ليس عادياً، بل هو زيت من زيتونه.


شجرة زيتون معتدلة المناخ.(لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ) (النور: 35).


هذا الزيت وصل من الصفاء والنقاء أنه يُضيء، ولو لم تمسسه نار؛ ولذلك أعطانا منتهى القوة: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) (النور: 35).


ولذلك قال تعالى في وصف هذا المصباح: (نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ) (النور: 35).


وبعد أنْ وقفتَ على أوصاف هذا المصباح، وأنه يُوضَع في كُوَّة صغيرة، بالله عليك هل يمكن وجود نقطة مظلمة في هذه الكُوّة؟


إذن: فهذا مَثَلٌ ليس لنوره سبحانه.


فنُوره لا يُدرَكُ، وإنما هو مثَلٌ لتنويره للكون، الذي هو كالكُوّة والطاقة في هذا المثل.


فمعنى قوله تعالى: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ) (النور: 35).


أي: مُنوِّرهما، فكما أنه لا يُعقل وجود نقطة مظلمة في هذه الكُوّة، فكذلك نوره سبحانه وتنويره للكون.


وهذا هو النور الحسيّ الذي أمدَّ الله به الكون.


ثم تحدَّث القرآن بعد ذلك عن النور المعنوي الذي يُنزِل على عباد الله الصالحين تجليّاتٍ نورانية، وفيُوضاتٍ ربانية نتلقّاها في بيوت الله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ) (النور: 36-37).


وهكذا نجمع بين النور الحسيّ والنور المعنوي -صلى الله عليه وسلم-.


ولذلك، فأبو تمام حينما أراد أن يمدح الخليفة شبَّهه بمشاهير العرب في الشجاعة والكرم والحِلْم والذكاء، فقال:

إقْدام عَمْـروٍ في سَمَاحَةِ حَاتِم فِي حِلْم أَحْنَفَ في ذَكَاءِ إِيَاسِ


فاعترض على هذا التشبيه أحد حُسَّاد أبي تمام، وقال له: كيف تُشبّه الخليفة بأجلاف العرب؟


ففي جيشه ألف واحد كعمرو، ومن خَزَنته ألف واحد كحاتم.


ولكي يخرج أبو تمام من هذا المأزق، ويُفلِت من هذا الفخ الذي نصبه له حاسده، قال على البديهة:

لاَ تُنكِرُوا ضَرْبي لَهُ مَنْ دُونَهُمَثَلاً شَرُوداً في النَّدى والبَاسِ فَاللهُ قَدْ ضربَ الأقَـلَّ لِنُورِهمثَلاً مِـنَ المشْـكَاةِ وَالنِّـبْراسِ

والحق سبحانه وتعالى وإنْ نهانا نحن أن نضربَ له مثلاً لِقلَّة عِلْمنا، فهو سبحانه القادر على ضَرْب الأمثال حتى بأقلّ المخلوقات، وأتفهها في نظرنا.


فيقول تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) (البقرة: 26).


فلا تستقلّ أمر هذه البعوضة، ولا تستحقر أنْ يجعلها الله مثَلاً؛ لأنه سبحانه لا يستحي أن يضرب بها المثل؛ لأن في هذه البعوضة كل أجهزة تكوين الحياة التي فيك، وفي أضخم الحيوانات مثل الفيل والجمل؛ ولأن هذه البعوضة التي تستحقرها قد تكون أقوى منك، قد تُعجِزك أنت على قوتك وحيلتك وجبروتك.


يقول تعالى: (وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ) (الحج: 73).


بالله عليك، هل تستطيع على قوتك وإمكاناتك أنْ تستردَ من الذبابة ما أخذتْه من طعامك؟


هل تقدر على هذه العملية؟


إذن: حينما يضرب الله لك مَثَلاً يجب أن تحترم ضَرْب الله للمثل، وأنْ تبحثَ فيما وراء المثل من الحكمة.


وأنه سبحانه جاء بهذا المثَل لهذا المخلوق الحقير في نظرك لِيُوضِّح لك قضية غامضة يُنبِّهك إليها.


ولأهمية ضَرْب المثَل في توضيح الغامض يلجأ إليه الشعراء ليُقرِّبوا المعنى من الأفهام، فقد يقف الشاعر أمام قضية معقدة لا يدركها إلا العقلاء، ويريد الشاعر الوصول بها إلى أفهام العامة.


مثل قضية الحاسد الذي يُظهر بحسده مزايا محسوده ومكارمه، فقد يتهم البريء بتهمة ظلماً، فتكون سبباً في رِفْعته بين قومه.


أخذ الشاعر العربي هذا المعنى، وصاغه شعراً، وضرب له مثلاً توضيحياً، فقال:

وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلةٍ طُويَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ

لَوْلاَ اشْتِعالُ النَّارِ فِيمَا جَاورَتْمَا كانَ يُعرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ


فانظر كيف وصل بالقضية المعنوية إلى قضية عامة يعرفها الرجل العادي، فقد يكون لديك فضيلة مكتومة مغمورة لا يعرفها أحد، حتى تتعرض لحاسد يتهمك ويُشوِّه صورتك، فإذا بالحقيقة تتكشف للجميع ويُظهر ما عندك من مواهب، وما لديك من فضائل.


وما أشبه ذلك بالعود طيب الرائحة الذي لا نشمُّ رائحته إلا إذا حرقناه.


وقد كان سبب هذا المثَل الشِّعريّ أن أحد أهل الخير كان يتردد من حين لآخر على أحد بُيوت البلدة وبها عجوز مُقْعدة في حاجة إلى مساعدة، فكان يساعدها بما يستطيع، وكان بجوارها منزل إحدى الجميلات التي قد تكون مطمعاً.


فاستغل أحد الحُسَّاد هذه الجيرة، واتهم الرجل الصالح بأنه يذهب إلى هذه الحسناء.


وفعلاً تتبعه الناس، فإذا به يذهب لبيت العجوز المقعدة.


ومن هنا عرف الناس عنه فضيلةً لم يكن يعرفها أحد.


وقد رأينا على مَرِّ التاريخ مَنِ اتهِمُوا ظلماً، وقيل في حقهم ما يندى له الجبين.


ثم أنصفهم القضاء العادل، وأظهر أنهم أبطال يستحقون التكريم، ولولا ما تعرضوا له من اتهام ما عرفنا مزاياهم ومكارمهم.


وقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 74).


وهذه عِلّة النهي عن ضَرْب الأمثال لأننا لا نعلم، أما الحق سبحانه وتعالى فيضرب لنا الأمثال؛ لأنه سبحانه يعلم، ويأتي بالمثَل في محلّه.


وبعد أنْ هيّأنا ربنا سبحانه لتلقِّي الأمثال، وأعدَّ أذهاننا لاستقبال الأمثال منه سبحانه.


أتى بهذا المثل.


فيقول الحق سبحانه: (ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً...).



سورة النحل الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 071-075   سورة النحل الآيات من 071-075 Emptyالثلاثاء 07 يناير 2020, 8:03 pm

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٧٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه وتعالى يضرب لنا مثلاً له طرفان: الطرف الأول: عبد: أي مَوْلى، وصفه بأنه مملوك التصرّف، وأنه لا يقدر على شيء من العمل؛ ذلك لأن العبد قد يكون عَبْداً ولكنه يعمل، كمَنْ تسمح له بالعمل في التجارة مثلاً وهو عبد، وهناك العبد المكاتب الذي يتفق مع سيده على مال يُؤدّيه إليه لينال حريته، فيتركه سيده يعمل بحريته حتى يجمعَ المال المتفق عليه.

فهذا عَبْد، ومملوك، ولا يقدر على شيء من السَّعْي والعمل.

والطرف الثاني: سيد حُرٌّ، رزقه الله وأعطاه رِزْقاً حَسناً أي: حلالاً طيّباً.

ثم وفّقه الله للإنفاق منه بشتى أنواع الإنفاق: سِراً وجَهْراً.

وهذه منزلة عالية: رِزْق من الله وصفه بأنه حلال طَيب لا شُبْهة فيه، بعد ذلك وفّقه الله للإنفاق منه.

كُلٌّ حَسْب ما يناسبه، فمن الإنفاق ما يناسبه السِّرّ، ومنه ما يُناسبه الجَهْر: (إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة: 271).

هذان هما طَرَفا المثَل المضروب لَنَا.

ويترك لنا السياق القرآني الحكْم بينهما.

وكأن الحق سبحانه يقول: أنا أرتضي حكمكم أنتم: هل يستوون؟

والحق سبحانه لا يترك لنا الجواب، إلا إذا كان الجواب سيأتي على وَفْق ما يريد.

ولا جوابَ يُعقل لهذا السؤال إلا أن نقولَ: لا يستوون.

وكأن الحق سبحانه جعلنا ننطق نحن بهذا الحكم.

وقد ضرب الله هذا المثل لعبدة الأصنام، الذين أكلوا رزق الله وعبدوا غيره، فمثَّل الحق سبحانه الأصنامَ بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء.

وضرب المثل الآخر للسيد الذي رزقه الله رزقاً حسناً، فهو ينفق منه سِرّاً وجَهْراً، ألم تَرَ إلى قوله تعالى في آية أخرى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان: 20).

ليُبين لهم خطأهم في الانصراف عن عبادة الله مع ما أعطاهم من رزق إلى عبادة الأصنام التي لا تعطيهم شيئاً.

ومن هنا تتضح الحكمة في أن الله تعالى ترك الحكم بنفسه في هذا المثَل، وأتى به على صورة سؤال ليأخذ الحكم من أفواههم ويشهدوا هم على أنفسهم؛ ليقطع عليهم سبيل الإنكار والجدال.

ولنا هنا وَقْفة مع قوله تعالى: (هَلْ يَسْتَوُونَ) (النحل: 75).

فالحديث عن مُثنّى، وكان القياس أن يقول: هل يستويان، فلماذا عدل عن المثنى إلى الجمع؟

نقول: لأن المثل وإنْ ضُرِب بمفرد مقابل مفرد إلا أنه ينطبق على عديدين.

مفرد شائع في عديد مملوكين، وفي عديد من السادة أصحاب الرزق الحسن، ذلك لِيُعمّم ضَرْب المثل.

إذن: ليس في اختلاف الضمير هنا ما يتعارض وبلاغة القرآن الكريم، بل هي دِقّة أداء؛ لأن المتكلّم هو الحق سبحانه وتعالى وكذلك في قوله تعالى: (وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا) (الحجرات: 9).

بعضهم يرى في الآية مَأخذاً، حيث تتحدث عن المثنى، ثم بضمير الجمع في (اقْتَتَلُوا) ، ثم تعود للمثنى في (بَيْنَهُمَا).

نقول لهؤلاء: لو تدبرتُم المعنى لَعرفتم أن ما تتخذونه مأخذاً، وتعتبرونه اختلافاً في الأسلوب هو منتهى الدقة في التعبير القرآني.

ذلك أن الحديث عن طائفتين: مُثنّى.

نعم.

فلو تقاتلا، هل ستمسك كل طائفة سَيْفاً لتقاتل الأخرى؟

لا.

بل سيُمسِك كُلُّ جندي منها سَيْفاً.

فالقتال هناك بالمجموع.

مجموع كل طائفة لمجموع الطائفة الأخرى، فناسب أن يقول: اقتتلوا؛ لأن القتال حركة ذاتية من كُلّ فرد في الطائفتين.

فإذا ما جاء وقت الصُلّح، هل نصالح كل جندي من هذه على كل جندي من هذه؟

لا.

بل الصُّلْح شأْنُ السادة والزعماء والقادة لكل طائفة، ففي الصُّلْح نعود للمثنى، حيث ينوب هؤلاء عن طائفة، وهؤلاء عن طائفة، ويتم الصُّلْح بينهما.

إذن: اختلاف الضمير هنا آية من آيات الإعجاز البياني؛ لأن المتكلم هو الحق سبحانه وتعالى وقوله: (ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ) (النحل: 75).

كأن الحق سبحانه يقول: الحمد لله أنْ وافقَ حُكْمكم ما أريد، فقد نطقتُم أنتم وحكمتُمْ.

(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (النحل: 75).

قوله: أكثرهم لا يعلمون يدل على أن الأقلية تعلم، وهذا ما يُسمُّونه "صيانة الاحتمال"؛ لأنه لما نزلَ القرآن الكريم كان هناك جماعة من الكفار ومن أهل الكتاب يُفكّرون في الإيمان واعتناق هذا الدين، فلو نفى القرآن العلم عن الجميع فسوف يُصدَم هؤلاء، وربما صرفهم عَمّا يُفكِّرون فيه من أمر الإيمان، فالقرآن يصون الاحتمال في أن أُنَاساً منهم عندهم عِلْم، ويرغبون في الإيمان.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً...).



سورة النحل الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النحل الآيات من 071-075
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النحل الآيات من 101-105
» سورة النحل الآيات من 031-035
» سورة النحل الآيات من 106-110
» سورة النحل الآيات من 026-030
» سورة النحل الآيات من 111-115

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: النَّحل-
انتقل الى: