الأَدِلَّةِ الطبيعيّة على وجُود الله
كتبها: بول كلارنس ابرسولد
أستاذ الطبيعة الحيوية
 حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا - مدير قسم النظائر والطاقة الذرية في معامل أوك ريدج - عضو جمعية الأبحاث النووية والطبيعية النووية.

المُشَارَكَة:
قال الفيلسوف الانجليزي فرانسس بيكون منذ أكثر من ثلاثة قرون أن قليل من الفلسفة يُقَرِّبُ الإنسان من الإلحاد أمَّا التعمُّق في الفلسفة فيرده إلى الدين ولقد كان بيكون على صواب فيما ذهب إليه فلقد احتار الملايين من الباحثين والمفكرين منذ وجود الإنسان على سطح الأرض في كُنْهِ العبقرية والتدبر الذي يتجلى في الإنسان وفي هذا الوجود وتساءلوا عمَّا عساه أن يكون وراء هذه الحياة وسوف تتكرَّر هذه الأسئلة ما بقي الإنسان على سطح الأرض وبسبب عُمق هذه الأسئلة وروحانيتها البالغة فإننا سوف نحاول أن نمسَّها في تواضع دون أن ننتظر إجابة شافية عنها.
هناك أمْرٌ واحِدٌ لا شك فيه، فبقدر ما بلغ الإنسان من معرفة وما لدية من ذكاء وقدرة على التفكير لم يشعر في وقت من الأوقات بأنه كامل في ذاته والناس على اختلاف أديانهم وأجناسهم وأوطانهم قد عرفوا منذ القدم وبصورة تكاد تكون عامَّة مبلغ قصور الإنسان على إدراك كُنْهِ هذا الكون المُتسع، كما عجزوا عن إدراك سر الحياة وطبيعتها في هذا الوجود.
وقد لمس الناس عامة -سواء بطريقة فلسفية عقلية أو روحانية- أن هناك قوة فكرية هائلة ونظاماً في هذا الكون يفوق ما يمكن تفسيره على أساس المُصادفة أو الحوادث العشوائية التي تظهر أحياناً بين الأشياء غير الحيَّة التي تتحرَّك أو تسير على غير هُدَى.
ولا شك أن اتجاه الإنسان وتطلعه إلى البحث عن عقل أكبر من عقله وتدبير أحكام من تدبيره وأوسع لكي يستعين به على تفسير هذا الكون يُعَدُّ في ذاته دليلاً على وجود قوة أكبر وتدبير أعظم هي قوة الله وتدبيره.
وقد لا يستطيع الإنسان أن يُسَلِّمَ بوجود الخالق تسليماً تاماً على أساس الأدلة العلمية والأدلة الروحية أي عندما نُدمجُ معلوماتنا عن هذا الكون المُتسع إلى أقصى حدود الاتساع المُعَقَّد إلى أقصى حدود التعقيد مع إحساسنا الداخلي والاستجابة إلى نداء العاطفة والروح الذي ينبعث من أعماق نفوسنا ولو ذهبنا نُحصى الأسباب والدوافع الداخليَّة التي تدعو ملايين الأذكياء من البشر إلى الإيمان بالله لوجدناها متنوعة لا يحصيها حصر ولا عد ولكنها قوية في دلالتها على وجوده تعالى مؤدية إلى الإيمان به.
ولقد كنت عند بدء دراستي للعلوم شديد الإعجاب بالتفكير الإنساني وبقوة الأساليب العلمية إلى درجة جعلتني أثق كل الثقة بقدرة العلوم على حل أية مشكلة في هذا الكون بل على معرفة منشأ الحياة والعقل وإدراك معنى كل شيء وعندما تزايد علمي ومعرفتي بالأشياء من الذرة إلى الأجرام السماوية ومن الميكروب الدقيق إلى الإنسان تبيَّن لى أن هناك كثيراً من الأشياء التي لم تستطع العلوم حتى اليوم أن تجد لها تفسيراً أو تكشف عن أسرارها النقاب.
 وتستطيع العلوم أن تمضى مظفرة في طريقها ملايين السنين.
ومع ذلك فسوف تبقى كثير من المشكلات حول تفاصيل الذرة والكون والعقل كما هي لا يصل الإنسان إلى حل لها أو الإحاطة بأسرارها وقد أدرك رجال العلوم أن وسائلهم وإن كانت تستطيع أن تبين لنا بشيء من الدقة والتفصيل كيف تحدث الأشياء فإنها لا تزال عاجزة كل العجز عن أن تبين لنا لماذا تحدث الأشياء وإن العلم والعقل والإنسان وحدهما لن يستطيعا أن يفسرا لنا لماذا تحدث الأشياء.
إن العلم وعقل الإنسان وحدهما لن يستطيعا أن يفسرا لنا لماذا وجدت الذَّرَّات والنجوم والكواكب والحياة والإنسان بما أوتى من قدرة رائعة وبرغم أن العلوم تستطيع أن تقدم لنا نظريات قيمة عن السَّديم ومولد المجرات والنجوم والذَّرَّات وغيرها من العوالم الأخرى فإنها لا تستطيع أن تبين لنا مصدر المادة والطاقة التي استخدمت في بناء هذا الكون أو اتخذ الكون صورته الحالية ونظامه الحالي والحق أن التفكير المستقيم والاستدلال السليم يفرضإن على عقولنا فكرة وجود الله.
ولكن هل لله وجود ذاتي كما يعتقد الكثيرون؟
أمَّا وجهة نظر العلم، فإنني لا أستطيع أن أتصوَّر الله تصوراً مادياً بحيث تستطيع أن تدركه الأبصار أو أن يحل في مكإن دون الآخر أو يجلس على كرسي أو عرش أن الكتاب المقدس الإنجيل عندما تصف لنا الإله وتتحدث عن ذاته وكنهه تستخدم كثيراً من الألفاظ الدنيوية التي نألف في وصف حياة الإنسان وتاريخه على الأرض ولكن الله تعالى كائن روحاني لطيف بل فوق ذلك أن كان وراء الروحانية من وراء في مرتبة الصعود.
ونحن لا نستطيع أن نصفه وصفاً روحانياً صرفاً فالإنسان رغم أنه يتكون من جسد وروح لا يستطيع أن يدرك هذه الصفات الروحانية أو يعبر عنها إلا في حدود خبرته ومع ذلك فإننا نستطيع أن نصل إلى أن الله تعالى يتصف بالعقل والحكمة والإرادة وعلى ذلك فإن لله وجوداً ذاتياً وهو الذي تتجلى قدرته في كل شيء وبرغم إننا نعجز عن إدراكه إدراكاً مادياً فهنالك ما لا يحصى من الأدلة المادية على وجوده تعالى وتدل أياديه في خلقه على أنه العليم الذي لا نهأية لعلمه الحكيم الذي لا حدود لحكمته القوى إلى أقصى حدود القوة.
ولما كان إدراك كُنْهِ الله من الأمور الغامضة علينا لا نستطيع أن ندرك لماذا وجد الإنسان أو لماذا وجد هذا الكون الذي لا يعدو أن يكون الإنسان ذرة ضئيلة من ذراته التي لا يحصيها عقل أو وصف.
إن الأمر الذي نستطيع أن نثق به كل الثقة، هو أن الإنسان وهذا الوجود من حوله لم ينشأ هكذا نشأة ذاتية من العدم المُطلق بل أن لهما بداية ولابد لكل بداية من مبدئ كما إننا نعرف أن النظام الرائع المُعَقَّدَ الذي يسود هذا الكون يخضع لقوانين لم يخلقها الإنسان وأن معجزة الحياة في حَدِّ ذاتها لها بداية كما أن وراءها توجيهاً وتدبيراً خارج دائرة الإنسان أنه بداية مقدسة وتوجيه مقدس وتدبير إلهي مُحكم.