استخدام الأسلوب العلمي
كتبه: وولز أوسكار لندبرغ
عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة جونز هونكنز - أستاذ فسيولوجية الكيمياء بجامعة منيسونا - عميد معهد هورمل منذ سنة 1949 - عضو ورئيس جمعيات عديدة لدراسة الطعام وتركيبه الغذائي - مؤلف سلسلة كتب تركيب الدهون والليبيدات الأخرى - نشر كثيراً من البحوث العلمية.

المُشَارَكَة:
للعَالِمِ المُشتغل بالبُحوث العلمية ميزة على غيره، وإذا استطاع أن يستخدم هذه الميزة في إدراك الحقيقة حول وجود الله.
فالمبادئ الأساسية التي تستند إليها الطريقة العلمية التي يجري بحوثه على مقتضاها هي ذاتها دليل على وجود الله.
وقد ينجح كثير من رجال العلوم الذين لا يدركون هذه النقطة في أعمالهم كعلماء.
ولا ينبغي أن نعتبر هذا النجاح مناقضاً للحقيقة التي أشرنا اليها، فالنجاح في دراسة العلوم يعتمد أساساً على استخدام أسلوب معين، ولا يتوقف بعد ذلك على مدى تقدير العالم للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا الأسلوب.
ويرجع فشل بعض العلماء في فهمهم وقبولهم لما تدل عليه المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الطريقة العلمية من وجود الله والإيمان به إلى أسباب عديدة نخص اثنين منها بالذكر:
أولاً: يرجع انكار وجود الله في بعض الأحيإن إلى ما تتبعه بعض الجماعات أو المنظمات الإلحادية أو الدولة من سياسة معينة ترمي إلى شيوع الالحاد ومحاربة الإيمان بالله بسب تعارض هذه العقيدة مع صالح هذه الجماعات أو مبادئها.
ثانياً: وحتى عندما تتحرر عقول الناس من الخوف فليس من السهل أن تتحرر من التعصب والأهواء.
ففي جميع المنظمات الدينية المسيحية تبذل محأولاًت لجعل الناس يعتقدون منذ طفولتهم في إله هو على صورة الإنسان، بدلاً من الاعتقاد بأن الإنسان قد خلق خليفة لله في الارض.
وعندما تنمو العقول بعد ذلك وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية فإن تلك الصورة التي تعلموها منذ الصغر لا يمكن أن تنسجم مع اسلوبهم في التفكير أو مع أي منطق مقبول.
وأخيراً عندما تفشل جميع المحأولاًت في التوفيق بين تلك الافكار الدينية القديمة وبين مقتضيات المنطق والتفكير العلمي، نجد هؤلاء المفكرين يتخلصون من الصراع بنبذ فكرة الله كلية.
وعندما يصلون إلى هذه المرحلة ويظنون انهم قد تخلصوا من أوهام الدِّين وما ترتب عليها من تنائج نفسية، لا يحبون العودة إلى التفكير في هذه الموضوعات، بل يقاومون قبول أية فكرة جديدة تتصل بهذا الموضوع وتدور حول وجود الله.
فما هي الطريقة العلمية وما هي أسسها التي تكشف عن وجود الله؟
إننا نستطيع أن نوضح خطوات الطريقة العلمية بايجاز وتبسط فيما يلي:
يلاحظ العالم أولاً بعض الظواهر التي يقع عليها اختياره ويسجلها، وقد تتم هذه الملاحظة دون تأثير في الظاهرة نفسها كما في دراسة الفلك، أو مع شيء من التحكم في العوامل المؤثرة في الظاهرة كما في تجارب المعمل ثم يربط العالم بين ملاحظاته والملاحظات والنتائج التي حصل عليها غيره من العلماء السابقين لكي يحصل على نتائج أو فروض جديدة.
وتتوقف هذه العملية على الاستنباط أكثر من توقفها على القياس، لأن النتائج أو الفروض التي يصل إليها العقل بهذه الطريقة تتناول أكثر مما تستطيع أن تصل إليه الملاحظة، فهي بذلك نوع من التنبؤ.
وأخيراً إذا أراد العالم أن يختبر صحة فروضه أو نتائجه، فإن عليه أن يحصل على ملاحظات اضافية جديدة لكي يستوثق بها من صحة النبوءات التي صاغها.
ومجمل القول أن الطريقة العلمية تقوم على أساس انتظام الظواهر الطبيعية والقدرة على التنبؤ بها في ظل هذا الانتظام، ونستطيع أن نقول بكل دقة: أن هذا الانتظام في ظواهر الكون والقدرة على التنبؤ بها -وهما الأساسان اللذإن تقوم عليهما الطريقة العلمية- هما في الوقت ذاته أساس الإيمان بفكرة وجود الله، إذ كيف يتسنَّى أن يكون هنالك كل هذا الانتظام، وأنَّى يتسنَّى لنا أن نتنبأ بهذه الظواهر ما لم يكن هنالك مُبدعٌ ومُدَبِّرٌ وحافظٌ لهذا النظام العجيب؟
ولا تنبع فكرة الإيمان بوجود الله أصلاً من قدرة الإنسان على تقدير هذا النظام أو التنبؤ بما يترتب عليه، ولكنها ترجع إلى أن الإنسان نفسه قد خلق خليفة لله (1).
فإذا نبذ الإنسان فكرة الإيمان بإله على صورته، وآمن بما تكشف عنه وتدل عليه الظواهر الطبيعية من أن الإنسان هو الذي خلق على صورة الله أو خليفة له، فإنه يسير في الطريق السليم نحو الإيمان بجلال الله وقدسيته (2).
ولا يزال الإنسان في معهد العلم والمعرفة، وهو يدرك أن الكون بأرضه وسماواته وما بينهما فسيح إلى أقصى الحدود، كما أن الوحدات الأساسية التي تتألّف منها المادة والطاقة صغيرة متناهية في الصغر، وإن مدى حياته ليس إلا جزءاً ضئيلاً من الثانية بالنسبة لعمر هذا الكون المديد.
وهو يكاد يلمس أحياناً أن هناك صوراً أخرى من المادة والطاقة والأبعاد وغير ذلك من العوالم التي يجهلها في الوقت الحاضر كل الجهل، وهو يدرك أيضاً الحياة نفسها إدراكاً غامضاً لعدم قدرته على فهمها فهماً علمياً واضحاً.
-----------------------------------------
(1) يُعَبِّرُ القرآنُ عن ذلك بكل صراحة حين يقول: (وإذ قال رَبُكَ للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة) سورة البقرة، آية: 30.
 (2) يُفَرِّقُ القرآنُ تماماً بين المخلوقات والخالق: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، ومن أوصاف الله تعالى أنه: (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) سورة النور، آية: 35.
-----------------------------------------

ورغم جهل الإنسان وقِلَة عِلْمِهِ، وفهمه المحدود لكل هذه الظواهر، فإنه يشعر أن هنالك كثيراً من الأمور التي ينتظر أن يصل إليها ويُميطَ عنها اللثام، وجميعها تقوم على أساس انتظام الطبيعة وقدرة الإنسان على التنبؤ بظواهرها في ظل ما يكشف عنه الحجاب من سنن هذا الكون وأسراره التي ما هي في الواقع إلا من تجليَّات الخالق في خلقه.
ولَمَّا كان إيمان الإنسان بالله كما تَدُلُّ عليه الظواهر الطبيعية والسُّنَن الكونية اليوم لا يزال محدوداً للغاية (1)، لذلك ينبغي أن يقوم إيمان الإنسان بالله فوق ذلك وبالإضافة إليه على أساس روحاني وأساس من العقيدة والتسليم.
فالإيمان بالله مصدر للسعادة لا ينضب في حياة كثير من البشر (2).
أمَّا المُشتغلون بالعُلوم الذين يرجُون الله فلديهم مُتعة كُبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشفٍ جديدٍ في ميدإن من الميادين، إذ أن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله، ويزيد من إدراكهم وإبصارهم لأيادي الله في هذا الكون (3).
-----------------------------------------
(1) سوف تُزيلُ الكُشُوفُ العملية جميع الحُجُبِ وتنير الطريق، ويقول القرآن: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهم أنه الحق) سورة السجدة، آية: 53.
2) ) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء، آية: 107.
3) ) (بل هو آياتٌ بيناتٌ في صُدُور الذين أوتوا العِلْمَ وما يجحدُ بآياتنا إلا الظالمُون) سورة العنكبوت، آية: 49.
-----------------------------------------