منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الرعد الآيات من 01-05

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الرعد الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الرعد الآيات من 01-05   سورة الرعد الآيات من 01-05 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 2:12 am


سورة الرعد الآيات من 01-05 Untit389
http://ar.assabile.com/read-quran/surat-ar-rad-13


خـواطـر فضيلة الشيخ: محمد متولي الشعراوي (رحمه الله)


(نال شرف التنسيق لهذه السورة الكريمة: أحمد محمد لبن)



سورة الرعد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


وقد سبق لنا أن تكلمنا طويلاً في خواطرنا عن الحروف التي تبدأ بها بعض من سور القرآن الكريم: مثل قوله الحق: (الۤمۤ) (البقرة: 1).

وقوله: (الۤمۤر...) (الرعد: 1).

ومثل قوله: (الۤمۤصۤ) (الأعراف: 1).

وغير ذلك من الحروف التوقيفية التي جاءتْ في أول بعض من فَواتِح السُّور.

 ولكن الذي أُحب أن أؤكد عليه هنا هو أن آيات القرآن كلها مَبْنية على الوَصْل؛ لا على الوَقْف؛ ولذلك تجدها مَشْكُولة؛ لأنها مَوْصُولة بما بعدها.

وكان من المفروض -لو طبَّقْنَا هذه القاعدة- أن نقرأ "المر" فننطقها: "ألفٌ" "لامٌ" "ميمٌ" "راءٌ"، ولكن شاء الحق سبحانه هنا أن تأتي هذه الحروف في أول سورة الرعد مَبْنية على الوقف، فنقول: "ألفْ" "لامْ" "ميمْ" "راءْ”.

وهكذا قرأها جبريل -عليه السلام- على محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وهكذا نقرأها نحن.

 ويتابع سبحانه: (تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ..) (الرعد: 1).

أي: أن السورة القادمة إليك هي من آيات الكتاب الكريم -القرآن- وهي إضافة إلى ما سبق وأُنْزِل إليك، فالكتاب كله يشمل من أول (بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ) (الفاتحة: 1).

في أول القرآن، إلى نهاية سورة الناس.

ونعلم أن الإضافة تأتي على ثلاث مَعَانٍ؛ فمرَّة تأتي الإضافة بمعنى "من" مثل قولنا "أردب قمح" والمقصود: أردب من القمح.

 ومرة تأتي الإضافة بمعنى "في" مثل قولنا: "مذاكرة المنزل" والمقصود: مذاكرة في المنزل.

 ومرة ثالثة تأتي الإضافة بمعنى "اللام" وهي تتخذ شَكْليْنِ.

إمَّا أن تكون تعبيراً عن ملكية، كقولنا "مالُ زيدٍ لزيد”.

والشكل الثاني أن تكون اللام للاختصاص كقولنا "لجام الفرس" أي: أن اللجام يخص الفرس؛ فليس معقولاً أن يملك الفرس لِجَاماً.

 إذن: فقول الحق سبحانه هنا: (تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ..) (الرعد: 1).

يعني تلك آياتٌ من القرآن؛ لأن كلمة "الكتاب" إذا أُطلِقتْ؛ فهي تنصرف إلى القرآن الكريم.

والمثل هو القول "فلانٌ الرجل" أي: أنه رجل حقاً؛ وكأن سُلوكه هو مِعْيار الرجولة، وكأن خِصَال الرجولة في غيره ليست مُكْتملة كاكتمالها فيه، أو كقولك "فلان الشاعر" أي: أنه شاعر مُتميِّز للغاية.

 وهكذا نعلم أن كلمة "الكتاب" إذا أُطْلِقتْ ينصرف في العقائد إلى القرآن الكريم، وكلمة الكتاب إذا أُطِلقت في النحو انصرفتْ إلى كتاب سيبويه الذي يضم قواعد النحو.

ويتابع سبحانه في وصف القرآن الكريم: (وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الرعد: 1).

ونعلم أن مراد الذي يخالف الحق هو أن يكسب شيئاً من وراء تلك المخالفة.

 وقد قال سبحانه في أواخر سورة يوسف: (وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف: 103).

ثم وصف القرآن الكريم، فقال تعالى: (مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف: 111).

وهكذا نرى أن الحق سبحانه لا يريد الكَسْب منكم، لكنه شاء أن يُنزِل هذا الكتاب لتكسبوا أنتم: (وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الرعد: 1).

أي: أن أكثر مَنْ دعوتَهُم إلى الإيمان بهذا الكتاب الحق لا يؤمنون بأنه نزل إليك من ربك؛ لأنهم لم يُحسِنوا تأمُّل ما جاء فيه؛ واستسلموا للهَوَى.

 وأرادوا السلطة الزمنية، ولم يلتفتوا إلى أن ما جاء بهذا الكتاب هو الذي يعطيهم خير الدنيا والآخرة.

 ويقول سبحانه بعد ذلك: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ...).



سورة الرعد الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الرعد الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 01-05   سورة الرعد الآيات من 01-05 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 2:14 am

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة "الله" عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطْمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ ولحظةَ أنْ تقول "الله" كأنك قُلْتَ "القادر" "الضار" "النافع" "السميع" "البصير" "المُعْطي" إلى آخر أسماء الله الحسنى.
ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ عمل لا يبدأ باسم الله هو أبتر".
لأن كل عمل لا يبدأ باسمه سبحانه؛ لا تستحضر فيه أنه سبحانه قد سَخَّر لك كُلَّ الأشياء، ولم تُسخِّرْ أنت الأشياء بقدرتك.
ولذلك، فالمؤمن هو مَنْ يدخل على أيِّ عمل بحيثية "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ لأنه سبحانه هو الذي ذلَّلَ للإنسان كل شيء، ولو لم يُذلِّلها لَمَا استجابتْ لك أيها الإنسان.
وقد أوضح الحق سبحانه ذلك في أمثلة بسيطة؛ فنجد الطفل الصغير يُمسِك بحبل ويربطه في عنق الجمل، ويأمره بأن "ينخّ" ويركع على أربع؛ فيمتثل الجمل لذلك.
ونجد البرغوث الصغير؛ يجعل الإنسان ساهراً الليل كُلَّه عندما يتسلل إلى ملابسه؛ ويبذل هذا الإنسان الجَهْدَ الجَهِيد لِيُمسِك به؛ وقد يستطيع ذلك؛ وقد لا يستطيع.
وهكذا نعرف أن أحداً لم يُسخِّر أيَّ شيء بإرادته أو مشيئته، ولكن الحق سبحانه هو الذي يذلِّل كُلَّ الكائنات لخدمة الإنسان.
والحق سبحانه هو القائل: (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) (يس: 72).
وأنت حين تُقبِل على أيِّ عمل يحتاج إلى قدرة فتقول: "باسم القادر الذي أعطاني بعض القدرة”.
وإنْ أقبلتَ على عمل يحتاج مالاً؛ تقول: "باسم الغني الذي وَهَبنِي بعضاً من مال أقضي به حاجاتي”.
وفي كل عمل من الأعمال التي تُقبِل عليها تحتاج إلى قدرة؛ وحكمة؛ وغِنىً، وبَسْط؛ وغير ذلك من صفات الحق التي يُسخِّر بها سبحانه لك كُلَّ شيء؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال "بسم الله الرحمن الرحيم”.
ولذلك يُسَمُّونه "عَلَمٌ على واجب الوجود”.
وبقية الأسماء الحسنى صفات لا توجد بكمالها المُطْلق إلاَّ فيه؛ فصارتْ كالاسم.
فالعزيز على إطلاقه هو الله.
ولكِنَّا نقول عن إنسان ما "عزيزُ قومِه"، ونقول "الغَنيّ" على إطلاقه هو الله، ولكِنْ نقول "فلان غنيّ" و"فلان فقير”.
وهكذا نرى أنها صفاتٌ أخذتْ مرتبة الأسماء؛ وهي إذا أُطِلقَتْ إنما تشير إليه سبحانه وعرفنا من قَبْل أن أسماء الله؛ إما أن تكون أسماءَ ذات؛ وإما أن تكون أسماءَ صفات؛ فإنْ كان الاسم لا مقابل له فهو اسمُ ذاتٍ؛ مثل: "العزيز”.
أما إنْ كان الاسم صفةَ الصفة والفعل، مثل "المُعِز" فلابد أن له مقابلاً، وهو هنا "المُذِلّ”.
ولو كان يقدر أنْ يُعِزَّ فقط؛ ولا يقدر أن يُذِلَّ لما صار إلهاً، ولو كان يضر فقط، ولا ينفع أحداً لَمَا استطاع أن يكون إلهاً، ولو كان يقدر أنْ يَبسُطَ، ولا يقدر أن يقبض لما استطاع أنْ يكون إلهاً.
وكل هذه صفات لها مُقَابِلها؛ ويظهر فعْلُها في الغير؛ فسبحانه -على سبيل المثال- عزيزٌ في ذاته؛ ومُعِزٌّ لغيره، ومُذِلٌّ لغيره.
 وكلمة "الله" هي الاسم الجامع لكل صفات الكمال، وهناك أسماء أخرى علَّمها الله لبعض من خلقه، وهناك أسماء ثالثة سنعرفها إنْ شاء الله حين نلقاه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة: 22-23).
ونلحظُ أن الحق سبحانه بدأ هذه الآية بالحديث عن العالم العُلْوي أولاً؛ ولم يتحدث عن الأرض؛ فقال: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ..) (الرعد: 2).
وكلمة "رفع" إذا استعملتَها استعمالاً بشرياً؛ تدلُّ أن شيئاً كان في وَضْع ثم رفعتَه عن موضعه إلى أعلى؛ مثل قول الحق سبحانه: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ..) (يوسف: 100).
فقد كان أَبَوا يوسف في موضع أقلّ؛ ثم رفعهما يوسف إلى موضع أعلى مما كَانَا فيه، فهل كانت السماء موضوعة في موضع أقلّ؛ ثم رفعها الله؟
لا.  
بل خلقها الله مرفوعة.
ورَحِم الله شيخنا عبد الجليل عيسى الذي قال: "لو قلت: سبحان الله الذي كبَّر الفيل؛ فهل كان الفيل صغيراً ثم كبَّره الله؛ أم خلقه كبيراً؟
لقد خلقه الله كبيراً.
وإنْ قلت: سبحان الله الذي صغَّر البعوضة؛ فهل كانت كبيرة ثم صَغَّرها الله؟
لا بل خلقها الله صغيرة”.
وحين يقول سبحانه: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ..) (الرعد: 2).
فهذا يعني أنه خلقها مرفوعة، وفي العُرْف البشري نعرف أن مُقْتضى رَفْع أيِّ شيء أَنْ تُوجَد من تحته أعمدة ترفعه.
 ولكن خلقَ الله يختلف؛ فنحن نرى السماء مرفوعة على امتداد الأفق؛ ويظهر لنا أن السماء تنطبق على الأرض؛ ولكنها لا تنطبق بالفعل.
ولم نجد إنساناً يسير في أيِّ اتجاه ويصطدم بأعمدة أو بعمود واحد يُظَنُّ أنه من أعمدة رَفْع السماء؛ وهي مَرْئية هكذا؛ فهل هناك أعمدة غير مَرْئية؛ أم لا توجد أعمدة أصلاً؟.
وقد يكون وراء هذا الرَّفْع أمر آخر؛ فقد قلنا: إن الشيء إذا رُفع؛ فذلك بسبب وجود ما يُمسكه أو ما يَحْمله؛ وسبحانه يقول في أمر رفع السماء: (وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحج: 65).
فإذا كانت مَمْسُوكة من أعلى؛ فهي لا تحتاج إلى عَمَد، وقوله الحق: (يمسك) يعني أنه سبحانه قد وضع لها قوانينها الخاصة التي لم نعرفها بَعْدُ.
وقد قام العلماء المعاصرون بمَسْح الأرض والفضاء بواسطة الأقمار الصناعية وغيرها، ولم يجدوا عَمَداً ترفع السماوات أو تُمْسِكها.
 والمهندسون يتبارَوْنَ في عصرنا لِيرفعوا الأسْقُفَ بغير عَمَدٍ؛ لكنهم حتى الآن؛ ما زالوا يعتمدون على الحوائط الحاملة.
وهكذا نعلم أنه سبحانه إمَّا أنه حمل السماء على أعمدة أدقّ وألطفَ من أن تراها أعيننا؛ ولذلك نراها بغير أعمدة، أو أنها مرفوعة بلا أعمدة على الإطلاق.
 و"عَمَد" اسم جمع -لا جمع- ومفردها "عمود" أو "عِمَاد" وقد جاءتْ هذه الآية بمثابة التفسير لِمَا أُجمِل في قول الحق سبحانه في سورة يوسف: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف: 105).
وجاء سبحانه هنا بالتفصيل؛ فأوضح لنا أنه: (رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا..) (الرعد: 2).
أي: لا ترونها أنتم بِحُكْم قانون إبصاركم.
ولا تعجب من أنْ يوجد مخلوق لا تراه؛ لأن العينَ وسيلة من وسائل الإدراك، ولها قانون خاص؛ فهي ترى أشياء ولا ترى أشياء أخرى.
هذا بدليل أنك إذا نظرتَ إلى إنسان طوله مِتْران يتحرك مُبْتعداً عنك؛ تجد يَصْغُر تدريجياً إلى أن يتلاشى من مجال رؤيتك؛ لكنه لا يتلاشى بالفعل.
وهذا معناه أن قانون إبصارك مَحْكوم بقانون؛ له مدىً مُحدّد.
وهناك قوانين أخرى مثل: قانون السمع؛ وقانون الجاذبية؛ وقانون الكهرباء؛ وكلها ظواهر نستفيد بآثارها، ولكِنّا لا نراها، فلا تعجب من أن يوجد شيء لا تدركه؛ لأن قُوَى إدراكك لها قوانين خاصة.
ويشاء الحق سبحانه أن يُدلِّل على صدق ذلك بأن يجعل ما يكتشفه العلماء في الكون من أشياء وقُوىً لم تكُنْ معروفة من قبل؛ ولكننا كنا نستفيد منها دون أن ندري؛ مما يدلُّ على أن إدراك الإنسان غَيْرَ قادر على إدراك كل شيء.
 وذلك يوضح لنا أن رؤيتنا للسماء مرفوعة بغير عَمَد نراها؛ قد يعني وجود أعمدة مصنوعة بطريقة غير معروفة لنا؛ أو هي مرفوعة بغير عَمَدٍ على الإطلاق.
وقول الحق سبحانه: (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا..) (الرعد: 2).
هو كلام خبري، والمثل من حياتنا حين تقول لابنك: "أنا خارج إلى العمل؛ وذاكر أنت دروسك"، وبذلك تكون قد أوضحتَ له: "ذاكر دروسك" وهذا كلام خبريّ؛ لكن المراد به إنشائيّ.
وإبراز الكلام الإنشائي في مَقَام الكلام الخبري له مَلْحظ، مثلما تقول: "فلان ماترحمه الله" وقولك "رحمه الله" كلام خبريّ؛ فأنت تخبر أن الله قد رحمه.
على الرغْم من أنك لا تدري: هلرحمه الله أم لا؛ ولكنك قلت ذلك تفاؤلاً أن تكون الرحمةُ واقعة به، وكان من الممكن أن تقول: "مات فلان يا ربِّي ارحمه"، وأنت بذلك تطلب له الرحمة.
كذلك قول الحق سبحانه: (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا..) (الرعد: 2).
أي: دَقِّقوا وأمعِنُوا النظر إليها، وابحثوا فيما يعينكم على ذلك إن استطعتم، وإذا لفتَكَ المتكلم إلى شيء لِيُحرِّك فيك حواسَّ إدراكك فمعنى ذلك أنه واثقٌ من صَنْعته.
 والمثل من حياتنا -ولله المثل الأعلى-، وسبحانه مُنزَّه عن أن يكون له مثل - حين تدخل لتشتري صُوفاً؛ فيقدم لك البائع قماشاً؛ فتسأله: "هل هذا صوف مائة في المائة؟" فيقول لك البائع: "نعم إنه صوف مائة في المائة، وهاتِ كبريتاً لنشعل فتلة منه لترى بنفسك”.
ويوضِّح الحق سبحانه هنا: أن السماوات مرفوعة بغير عَمَدٍ، وانظروا أنتم؛ بمَدِّ البصر، ولن تجدوا أعمدة على هذا الامتداد، وضمان عدم وجود أعمدة مُتحقِّق لك ولغيرك على مدى أفُق أيٍّ منكم.
ولكُلِّ إنسان أُفُقه الخاص على حسب قدرة بصره، فهناك مَنْ تنطبق السماء على الأرض أمام عيونه؛ فنقول له: أنت تحتاج إلى نظارة طبية تعالج هذا الأمر.
 فالآفاق تختلف من إنسان إلى آخر، وفي التعبير اليومي الشائع يقال: "فلان ضَيِّق الأفق لا يرى إلا ما تحت قدميْه”.
ولقائل أن يقول: إن هذا يحدث معي ومع مَنْ يعيشون الآن؛ ولا أحد يرى أعمدة ترفع السماوات؛ فهل سيحدث ذلك مع مَنْ سيأتون من بعدنا؟
ونقول: لقد مسحتْ الأقمار الصناعية من الفضاء الخارجي كل مساحات الأرض؛ ولم يجد أحدٌ أية أعمدة ترفع السماء عن الأرض.
 وهذا دليل صدق القضية التي قالها الحق سبحانه في هذه الآية: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا..) (الرعد: 2).
والسماوات جمع "سماء" وهي كل ما عَلاَك فأظلَّك، والحق سبحانه يقول: (وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ) (البقرة: 22).
ونعلم أن المطر إنما نزل من السُّحُب التي تعلو الإنسان، وتبدو مُعلَّقة في السماء، وإذا أُطِلقتْ السماء انصرفت إلى السماء العليا التي تُظلِّل كل ما تحتها.
وحين أراد الناس معرفة كُنْه السماء، وهل لها جِرْم أم ليس لها جِرْم؛ وهل هي امتداد أجواء وهواء؟
لم يتفق العلماء على إجابة.
 وقد نَثَر الحقُّ سبحانه أدلة وجوده، وأدلة قدرته، وأدلة حكمته وأدلة صَنْعته في الكون؛ ثم أعطاك أيها الإنسان الأدلة في نفسك أيضاً؛ وهو القائل سبحانه: (وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) (الذاريات: 21).
وانظر إلى نفسك تجد العلماء وهم يكتشفون في كل يوم شيئاً جديداً وسِرّاً عجيباً، سواء في التشريح أو علم وظائف الأعضاء.
وسوف تعجب من أمر نفسك، وأنت ترى تلك الاكتشافات التي كانت العقول السابقة تعجز عن إدراكها، وقد يُدرَك بعضها الآن، ويُدرَك بعضها لاحقاً.
 وإدراكُ البعض للمجهول في الماضي يُؤذِن بأنك سوف تدرك في المستقبل أشياء جديدة.
 وإن نظرت خارج نفسك ستجد قول الحق سبحانه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ) (فصلت: 53).
ومعنى (سَنُرِيهِمْ) (فصلت: 53).
أن الرؤية لا تنتهي؛ لأن "السين" تعني الاستقبال، ومَنْ نزل فيهم القرآن قرءوها هكذا، ونحن نقرؤها هكذا، وستظل هناك آيات جديدة وعطاءٌ جديد من الله سبحانه إلى أن تقوم الساعة.
 وسبحانه القائل: (لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (غافر: 57).
وأنت حين تفكر في خَلْق السماوات والأرض ستجده مسألة غايةً في الضخامة؛ ويكفيك أن تتحيّر في مسألة خَلْقك وتكوينك؛ وأنت مجرد فرد محدود بحيّز، ولك عمر محدود ببداية ونهاية، فما بَِالُك بخَلْق السماوات والأرض التي وُجِدَت من قَبْلك، وستستمر من بعدك إلى أن تنشقَّ بأمر الله، وتتكسر لحظتها النجوم.
ولابد أن خَلْق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، فالسماوات والأرض تشمل الكون كله.
وحين تُحدَّث عنها إياك أن تخلط فيها بوهمك؛ أو بتخمينك؛ لأن هذه مسألة لا تُدرك في المعامل، ولا تستطيع أن تُجرِي تحليلات لمعرفة كيفية خَلْق السماوات والأرض.
 ولذلك عليك أنْ تكتفي بمعرفة ما يطلبه منك مَنْ خلقها؛ وماذا قال عنها، وتذكر قول الحق سبحانه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الإسراء: 36).
وقد حجز الحق سبحانه عن العقول المتطفلة أمرين؛ فلا داعي أن تُرهِق نفسك فيهما: الأمر الأول: هو كيفية خَلْق الإنسان؛ وهل كان قرداً في البداية ثم تطوَّر؟
تلك مسألة لا تخصُّك، فلا تتدخل فيها بافتراضات تؤدي بك إلى الضلال.
والأمر الثاني: هو مسألة خَلْق السماوات والأرض فتقول: إن الأرض كانت جزءاً من الشمس، ومثل هذا الكلام لا يستند إلى وقائع.
وتذكر قول الحق سبحانه: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) (الكهف: 51).
ولو كان الحق سبحانه قد أراد أن تعلم شيئاً عن تفاصيل هذين الأمرين لأشهد خلقهما لبعض من البشر، لكنه سبحانه نفى هذا الإشهاد؛ لذلك ستظل هذه المسألة لُغْزاً للأبد؛ ولن تَحُلَّ أنت هذا اللُّغْز أبداً؛ بل يحلُّه لك البلاغ عن الحقِّ الذي خلق.
 وقد أوضح لك أنه قد خلقك من طين، ونفخَ فيك من روحه، فاسمع منه كيفية خَلْقك وخَلْق الكون كله.
ويدل الإعجاز البياني في القرآن على أن بعضاً مِمَّنْ يملكون الطموح العقلي أرادوا أن يأخذوا من القرآن أدلة على صِحَّة تلك النظريات التي افترضها بعض من العلماء عن خَلْق الإنسان وخَلْق الأرض، فيبلغنا الحق سبحانه مقدَّماً ألاّ نصدقهم.
ويقول لنا: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف: 51).
والمُضِلّ هو مَنْ يُضِلُّك في المعلومات، هكذا أثبت لنا الحق سبحانه أن هناك مُضلِّين سيأتون ليقولوا كلاماً افتراضياً لا أساسَ له من الصِّحة.
وأوضح لنا سبحانه أن أحداً لم يتلصَّصْ عليه، ليعرف كيفية خَلْق الشمس أو الأرض، ومَنْ يدعي معرفة ذلك فهو من المُضلِّين؛ لأنهم قَفَوْا ما ليس لهم به علم.
وما دام الحق سبحانه قد قال ذلك، فنحن نُصدِّق ما قال.
وقد أثبتت التحليلات صِدْق ما قاله سبحانه عن خَلْق الإنسان، فسبحانه قد خلق الكون أولاً، ثم خلق السيد لهذا الكون وهو الإنسان، وكل الكون مُسخَّر للإنسان ويخدم هذا الخليفة في الأرض، وكل ما في الكون يسير بنظام وانتظام.
والمُتمرِّد الوحيد في الكون هو الإنسان، فيأتي الحقُّ سبحانه إلى هذا المتمرِّد؛ ليجعل الآية فيه؛ وليثبت صِدْق الغيب في الأرض.
 وأوضح سبحانه أنه خلق آدم من الطين؛ والإنسان من نسل آدم الذي سَوَّاه الله، ونفخ فيه من روحه، وبعد ذلك أمر الملائكة؛ من المُدبِّرات أمراً ومن الحَفَظة؛ أنْ تسجدَ للإنسان.
 وهذا السجود هو إعلان الطاعة لأمر الله بخدمة الإنسان.
هذا الذي بدأت حكاية خَلْقه من تراب، ثم خُلط التراب بالماء؛ ليصير طيناً؛ ثم تُرِكَ قليلاً ليصير حَمَأً مَسْنوناً؛ ثم يجفّ الحَمأ المسنون ليصير صَلْصالاً كالفخَّار؛ ثم ينفخ فيه الحق بالروح.
 فإذا ما انتهى الأجل؛ فأول ما يُنقض هو خروج الروح؛ ثم يتصلَّب الجثمان، وبعد أن يُوارَى التراب يصير الجثمان رِمّة؛ ثم يتسرَّب الماء الموجود في الجثة إلى الأرض، وتبقى العظام إلى أن تتحول هي الأخرى إلى تراب.
وهكذا يتحقق نَقْضُ كل بناء؛ فما يُبنى في نهاية أيِّ بناء هو ما يُنقض أولاً، وهكذا يتأكد لنا صدق الحق سبحانه حين نرى صدق المقابل فيما أخبرنا به سبحانه عن كيفية الخلق.
 وعندما يُخبِرنا الحق سبحانه أن كيفية خَلْق السماوات والأرض ليست في مُتَناولنا؛ فقد أعطانا من قبل الدليل على صِدْق ما جاء به، فيما أخبرنا به عن أنفسنا.
 وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول سبحانه: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ..) (الرعد: 2).
وكلمة "السماوات" في اللغة جمع، وفي آية أخرى، يقول سبحانه: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا) (فصلت: 12).
وقديماً كانوا يقولون: إن المقصود بالسبع سماوات هو الكواكب السبعة: الشمس، والقمر، وعطارد، والزهرة، والمريخ، والمُشْتري.
 وشاء سبحانه أن يُكذِّب هذا القول وأصحابُه أحياء؛ فرأى علماء الفلك كواكبَ أخرى مثل: نبتون وبلوتو؛ وكان في ذلك لَفْتة سماوية لِمَنْ قالوا: إن المقصود بالسماوات السبع هو الكواكب السبعة.
وقد قالوا هذا القول بحُسْن نية وبرغبة في رَبْط القرآن بالعلم؛ لكنهم نَسُوا أن يُدقِّقوا الفهم لِمَا في كتاب الله، فسبحانه قد أوضح أن الشمس والقمر والكواكب زينة السماء الدنيا، فما بالُنَا بطبيعة وزينة بقية السماوات؟
ويتابع سبحانه: (ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ..) (الرعد: 2).
وهذه قضية هي أهمُّ قضية كلامية ناقشها علماء الكلام؛ قضية الاستواء والعرش، وحتى نفهم أيَّ قضية لابد أن نُحلِّل ألفاظها لنتفقَ على معانيها، ثم نبحثها جملة واحدة، لكن أن نجلس لنتجادل ونحن غير مُتوارِدين ومتفقين على فَهْم واحد؛ فهذا أمرٌ لا يليق.
ولننظر الآن معنى "الاستواء" ومعنى "العرش"، ونحن حين نستقرئ كلمة "استوى" في القرآن نجدها قد وردتْ في آيات متعددة.
 وجاءت مرّة واحدة بمعنى الاستواء.
أي: النضج، في قول الحق سبحانه: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً) (القصص: 14).
أي: أنه قد بلغ نُضْجه الكماليّ، ويستطيع أن يكون رجلاً صالحاً لممارسة ما يُبقِي نوعه، وإنْ تزوج فلسوف يُنجِب مثله؛ وهذا استواء لمخلوق هو الإنسان.
 ومرة أخرى يقول القرآن: (ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ) (النجم: 6-7)
والمعنى هنا هو: صعد؛ والمقصود هو صعود محمد وجبريل -عليهما السلام- إلى الأفق الأعلى.
وهناك قوله الحق: (ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) (البقرة: 29).
أي: أنه سبحانه قد استوى إلى السماء؛ وإياك أن تظن أن استواءه سبحانه إلى السماء مساوٍ لاستواء البشر؛ لأننا قُلْنا من قبل: إن كل شيء بالنسبة لله إنما نأخذه في إطار: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).
وبذلك يكون استواؤه سبحانه إلى السماء هو استواء يليق بذاته، والاستواء المطلق شيء مختلف عن الاستواء على العرش.
وهكذا نجد استواءً لغير الله من إنسان؛ وهناك استواء لغير الله من إنسان ومن ملك؛ وهناك استواء من الله إلى غير العرش.
وبجانب ذلك هناك استواء على العرش.
وقد وردَ الاستواء على العرش في سبعة مواقع بالقرآن؛ في: سورة الأعراف؛ وسورة يونس؛ والرعد، وطه، والفرقان، والسجدة، والحديد.
 وورد ذكر العرش في القرآن بالنسبة لله واحداً وعشرين مرَّة، وورد بالنسبة لبلقيس أربع مرات؛ فهو القائل سبحانه: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل: 23).
وقال: (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا) (النمل: 38).
ثم قال: (نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا) (النمل: 41).
وقال: (أَهَكَذَا عَرْشُكِ) (النمل: 41).
وبالنسبة ليوسف قال سبحانه: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ) (يوسف: 100).
وإيَّاك أن تأخذ الاستواء بالنسبة لله على أن معناه "النُّضْج"؛ لأن النُّضْجَ إشعارٌ بكمالٍ سَبقه نَقْصٌ.
ولذلك نجد العلماء المُدقِّقين قد عَلِمُوا أن ذِكْر استواء الله على العرش قد ورد في سبعة مواضع بالقرآن الكريم وقالوا:
وَذِكْرُ اسْتواءِ اللهِ فِي كَلِمَاتِه عَلى العَرْشِ في سَبْعِ مَوَاضِع فَاعْدُدِ فَفِي سُورَةِ الأعْرَافِ ثُمَّةَ يُونُسَ وَفِي الرَّعْدِ مع طَه فَلِلْعَدِّ أَكِّدِ وَفِي سُورَةِ الفُرقَانِ ثُمَّة سَجْدة كَذَا في الحدِيدِ افْهمْهُ فَهْم مُؤيَّدِ
وقالوا في المعنى:
فَلَهُمْ مَقالاتٌ عَليْهَا أَرْبعة قَدْ حُصِّلَتْ لِلْفارسِ الطَّعَّانِ
وَهي اسْتقرَّ وقَدْ عَلاَ وَكذلِكَ ارتَفَع مَا فِيهِ مِنْ نُكْرانِ
وَكَذاكَ قَدْ صَعَد الذِي هُوَ رَابِعٌ بِتمَامِ أمْرٍ مِنْ حِمَى الرَّحمَانِ
والصعود إلى العرش هو حركة انتقال من وضع إلى وضع لم يَكُنْ فيه.
وهكذا نجد أن المعاني التي تتمشَّى مع الاستواء في عُرْفنا البشري لا تتناسب مع كمال الله.
 واختلف العلماء: قال واحد منهم: "سآخذ اللفظ كما قاله الله”.
ونردُّ على هذا بسؤال: وهل يمكنك أن تُغَيِّبَ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).
طبعاً، لا أحدَ يستطيع ذلك، وعليك أن تأخذ كل فَهْمٍ لشيء يخصُّ الذات العَلية في إطار: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).
ولذلك نجد أهل الدِّقة يقولون: "الاستواء معلوم، والكَيْف مجهول، والسؤال عنه بدعة”.
فنحن نعلم معنى الاستواء؛ ولكن كيفية استواء الله مجهولةٌ بالنسبة لنا، والسؤال عن الكيفية بدعة؛ لأن المعاصرين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسألوا عن تلك الكيفية، رغم أنهم سألوا عن كثير من الأمور.
وهناك آيات متعددة تبدأ بقول الحق سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ) (البقرة: 189).
وكان السؤال وارداً بالنسبة لهم؛ لكنهم بملكتهم العربية الفطرية قد فَهِموا الاستواء كشيء يناسب الله، فلم يسألوا عنه.
 وجاء السؤال من المتأخرين الذين تمحَّكوا، فقال واحد: سآخذ الألفاظ بمعناها؛ فإن قال: إن له صعوداً؛ فهو يصعد، وإنْ قال: إن له استواء فهو يستوي.
ولِمَنْ قال ذلك نردُّ عليه: إن ما تقوله صالحٌ للأغيار، ولا يليق أن تقول ذلك عن الذي يُغيِّر ولا يتغيَّر.
وإذا سألتَ عن معنى كلمة "استواء" فهو "استتب له الأمر”.
وهل كان الأمر غير مستتب له سبحانه؟
ونقول: نحن نعلم أن لله سبحانه وتعالى صفات متعددة، وهذه الصفات كانت موجودة قبل أن يخلق الله الخَلْق والكون؛ فسبحانه موصوفٌ أنه خالق قبل أنْ يخلق الخَلْق، ومُعِزٌّ قبل أن يخلق مَنْ يُعزّه، ومُذِلّ قبل أنْ يخلق مَنْ يُذِلّه، وله سبحانه صفاتُ الكمال المُطْلق.
وبهذه الصفات خلق الخلق، يقول الحق: (رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) (طه: 50).
وكذا نؤمن بأن صفة الخَلْق كانت في ذاته قبل أن يخلق خَلْقه، وحين خلق سبحانه السماوات والأرض أبرز الصفة التي كانت موجودة فيه وليس لها مُتعلِّق؛ فأوجد هو سبحانه المُتعلِّق، وهكذا استتبَّ له الأمر سبحانه إذن: إذا ذُكِر استواءُ الله، فهذا يعني تمامَ المُرَاد له، فصار للصفات التي كانت فيه، وليس لها مُتعلِّق أو مَقْدُور؛ مُتعلِّق ومَقْدور.
وإذا وُجِدَتْ هذه الصفة في البشر مثل بلقيس التي وصفها سبحانه: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل: 23).
فهي تختلف عن صِفَة الله؛ لأنها لم تجلس على العرش إلا بعد أن خلقها الله، ولا يستتب الأمر لملك أو ملكة إلا بمتاعب ومعارك، وقد ينشغل هذا الشخص في معارك وحروب، ثم يستتبّ له الأمر.
وهكذا يختلف استواءُ الله عن استواءِ خَلْق الله، وإذا ذُكر استواء الله على العرش؛ فنحن نُنزِّه الله عن كل استواء يناسب البشر، ونقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).
واستواؤه هو تمام الأمر له، لأن أمره صادر، وعند تحقيق أمره في توقيته المراد له يكون تمام الأمر، وتمام الأمر استواؤه، أما كلمة "العرش" فنحن نجدها في القرآن بالنسبة لله.
إما مُضَافاً لاسم ظاهر: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ) (الحاقة: 17).
وإما مُضَافاً للضمير المخاطب أو الغائب: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ) (هود: 7).
وإما مضافاً للتنسيب: (فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء: 7).
ويقول الحق سبحانه في نفس الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ..) (الرعد: 2).
والتسخير هو طلب المُسخِّر من المُسخَّر أن يكون كما أراده تسخيراً، بحيث لا تكون له رغبة، ولا رَأْي، ولا هَوَى، والتسخير ضِدُّه الاختيار.
 والكائن المُسخَّر لا اختيارَ له، أما الكائن الذي له اختيار فهو إنْ شاء فعل، وإنْ شاء لم يفعل.
وقُلْنا قديماً: إن الحق سبحانه قد خَيَّرَ الإنسان: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
وبذلك قَبِل الإنسان أداء الأمانة وَقْتَ أدائها؛ لا وَقْتَ تحمُّلها، ووقت الأداء غير وقت التحمُّل، وضربتُ المَثَل بمَنْ يقول لصديقه "عندي ألف جنيه؛ وأخاف أنْ يضيعوا مِنِّي؛ فاحفظهم لي معك؛ وحين أحتاجهم اعْطِهمْ لي”.
ويقول الصديق: "هَاتِ النقود وسأُعطِيها لك وقت أنْ تطلبها”.
والصديق صادقٌ وقت تحمُّل الأمانة؛ لكن ظروفاً تمرُّ عليه، فيتصرَّف في هذه الأمانة؛ وحين يطلبها صاحبها؛ قد يعجز حامل الأمانة عن رَدِّها، وهو بذلك ضَمِنَ نفسه وقت التحمُّل؛ لكنه لم يضمن نفسه وقت الأداء.
وكان من الواجب عليه أن يقول لصديقه لحظةَ أنْ طلب منه ذلك: "أرجوك، ابتعد عنِّي لأنِّي لا أضمن نفسي وَقْت الأداء”.
وقد أَبَتِ السماء والأرض والجبال تحمُّل الأمانة وَقْت عَرْضِها؛ وقَبِلتْ كل منهم التسخير؛ فلا الجبال ولا السماوات ولا الأرض لها قدرة الاختيار، ولا هَوى لأيٍّ منها في هذه القدرة؛ مثلها في ذلك مثل كل أجناس الكون ما عدا الإنسان؛ ولم نجد فساداً في الأرض قد نشأ من ناحية المُسخَّرات.
 أما الإنسان فقد قَبِل تحمُّل الأمانة؛ لأن له عقلاً يُفكِّر ويختار؛ ومن الاختيار ونتيجة للهوى جاء الفساد في الكون، ولو أقبل الإنسان على العمل وكأنه مُسخَّر خاضع لمنهج الله؛ لاستقام عمل الإنسان مِثْلما يستقيم عَمَلُ كل الكائنات المُسخَّرة بأمر الله.
فإنْ أردتم أن تستقيمَ أموركم فيما لكم فيه اختيار، فطبِّقوا قول الحق سبحانه: (أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ *وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ) (الرحمن: 8-9).
وانظروا ماذا يطلب الحق منكم في منهجه، فإنْ نفَّذتم المنهج تَسْتقِمْ أموركم، كما استقامتْ الكائنات المُسخَّرة.
 ولا يأتي الخَلَل إلا من أننا نحن البشر نقوم ببعض الأعمال باختيارنا، وتكون مخالفة لمنهج المُشرِّع، أما إذا كنا نؤدي أعمالنا ونضع نُصْب أعيننا قول الحق سبحانه: (أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ) (الرحمن: 8).
فلسوف تكون أعمالنا مُطابِقة لمنهج الله، وسنجد في أعمالنا ما يَسرُّنا مثل سرورنا حين نجد الأفلاك منتظمة بدقة وحساب.
 إذن: فالفساد لا يأتي إلا من الاختيار غير المُرْتجي لمنهج مَنْ خلق فينا الاختيار، وإن كنت تريد أن تكون مختاراً؛ فعليك أن تلتزم بمنهج مَنْ خيَّرك.
ولذلك نجد الصالحين من خَلْق الله قد ساروا على منهج ربهم؛ والتزموا باختيار مراد ربهم فيما لهم فيه اختيار؛ فصاروا وكأنهم مُسخَّرون لمُرَادات الله.
وهؤلاء يسمُّونهم "العباد" لا "العبيد"؛ فكل مملوك لله من العبيد؛ آمن به أو كفر؛ أطاع أو عصى؛ أما العباد فَهُمْ مَنْ جعلوا مرادات الله هي اختيارهم، يقول تعالى: (وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً) (الفرقان: 63).
هؤلاء هم مَنِ اتجهوا بالاختيار إلى ما يختاره لهم الله.
ونجد الحق سبحانه يقول في الملائكة: (عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء: 26-27).
وإذا ما التزم العبد بمنهج ربه في حال الاختيار؛ فهو لا يتساوى مع الملائكة فقط، بل قد يسمو عنهم؛ لأنهم مَقْهورون بالتسخير؛ بينما تتمتع أنت بالاختيار؛ وآثرْتَ منهج ربك.
 ويقول الحق سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى) (لقمان: 29).
ولحظةَ تجد التنوين مثل "كلٌّ" فهذه يعني كُلاّ من السابق.
أي: الشمس والقمر.
أما الجَرْي إلى أَجَلٍ مُسمّى؛ فيقتضي مِنَّا أن نفهم معنى الجَرْي؛ وهو تقليل الزمن عن المسافة.
 فحين تريد الوصول إلى مكان مُعيَّن فقد تمشي الهُوَيْنا؛ لِتَصِلَ في ساعة زمن، وقد تجري لتقطع نفس المسافة في نصف ساعة؛ والجَرْي بطبيعة الحال ملحوظ مِمَّن يراك.
 لكن: هل يرى أحدنا الشمس وهي تجري؟
لا.  
لأنها تجري في ذاتها؛ ويُسمَّى هذا النوع من الجري "جري انسيابي”.
أي: لا تدركه بالعين المجردة، وهناك ما يُسمّى "انتقال قفزي"، وهناك ما يُسمّى "انتقال انسيابي”.
وانظر إلى عقارب الساعة؛ ستجد عقربَ الثَّواني أسرعَ من عقرب الدقائق الذي يبدو ساكناً رغم أنه يتحرك؛ وأنت ترى حركة عقرب الثواني؛ لأنها تتم قَفْزاً؛ بينما لا ترى حركة عقرب الدقائق؛ لأنه يتحرك تِبَعاً لدورة هادئة من التروس داخل الساعة؛ وكل جزئية في حركة التُّرْس الخاص بعقرب الدقائق تتأثر بحركة تُرْس عقرب الثَّواني؛ والحركة القفزية لعقرب الثواني تتحول إلى حركة انسيابية في عقرب الدقائق.
 وحركة كل من العقربين تتحول إلى حركة أكثر انسيابية في عقرب الساعات، وهذا يعني أن كل جزئية من الزمن فيها جزئية من الحركة.
 وحتى في النمو بالنسبة للإنسان أو الحيوان أو النبات، تجد عملية النمو غير ظاهرة لك؛ لأن الكائن الذي ينمو إنما ينمو بقدر بسيط غير ملحوظ، وهذا القدر البسيط شائع في اليوم كله. وإن أردتَ أن تعرف هذه المسألة أكثر، انظر إلى الظل، وأنت ترى الظل واضحاً ساعةََ سطوع الشمس، ثم ينحسر الظل بانحسار الشمس.
 واقرأ قول الحق سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً) (الفرقان: 45).
أي: أن الظل متحرك وغير ثابت، وكل جزئية من الزمن تؤثر في حركة الشمس، فيتأثر بها الظل.
 وهكذا يجب أن نُفرِّق بين الحركة القفزية والحركة الانسيابية، وحين تقدمنا في العلم نجدهم يقولون: "سنزيد من الحركة الانسيابية عن الحركات القفزية”.
وهنا يقول الحق سبحانه: (وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى..) (الرعد: 2).
والأجل هو المدة المحدودة للشيء؛ وهي محدودة زمناً إنْ أردنا ظرف الزمان؛ أو محدودة بالمسافة إن أردنا المكان.
والمقصود هنا بالأجل؛ إما الأجل النهائي لوجود الشمس والقمر؛ ثم إذا انشقتْ السماء كُوِّرتْ الشمس، وانكدرت النجوم.
أو: أن المقصود هنا بالأجل هو للتعبير عن عملها اليومي.
وقد عرفنا أن هناك مطالع متعددة للشمس، وعلى الرغم من أن المشرق له جهة عامة واحدة؛ لكن المطالع مختلفة، بدليل أن قدماء المصريين أقاموا في بعض المعابد طاقاتٍ وفتحاتٍ في البناء.
فتطلع الشمس كُلَّ يوم من أحد هذه الطاقات؛ فكل يوم توجد لها منزلة مختلفة عن اليوم السابق، وتظل تقطعها، ثم تعود مرة أخرى، وتفعل ذلك إلى أجل مُسمّى أي يومياً.
 ونُسمِّي نحن تلك المنازل "البروج" كبرج الحَمَل؛ والجَدي؛ والثور؛ والأسد؛ والسنبلة؛ والقوس؛ والحوت؛ ونحن نرصد هذه الأبراج كوسيلة لمعرفة أحوال الطقس من حرارة، وبرودة، ومطر، وغير ذلك، ذلك أن كُلَّ برج له زمن، ويمكن تعريف أحوال الجو خلال هذا الزمن بدقة.
 ولكن بعضاً من تصرفات الإنسان تفسد عملية التحديد الدقيق في الكون، مثلما يشعل البعض الحرائق في الغابات؛ فتحرق النار الأكسوجين الذي يحتاجه البشر والحيوانات للتنفس، ويحاول الغلاف الجوي أن يتوازن، فيشُدّ كميات من الهواء من منطقة أخرى، فيختلّ ميزان الطقس لأيام.
 وكذلك يفسد الجو من التجارب الذرية التي تُجريها الدول أعضاء النادي الذري؛ تلك التجارب التي تقوم بتفريغ الهواء، فتجعل الطقس غَيْرَ مُسْتقر وغير منضبط؛ وهذا ما يفسد استخدامنا للأبراج كوسيلة لمعرفة تقلُّبات الطقس.
 وقد أوجز الشاعر تلك الأبراج في قوله:
حَملَ الثورُ جَوْزةَ السَّرطَانِ ورَعَى الليْثُ سُنْبلَ المِيزَان
عَقْرب القَوْس جَدْي دَلْو وحُوت مَا عَرفْنَا مِنْ أُمةِ السُّرْيَانِ
ويتابع الحق سبحانه في نفس الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد: 2).
وسبحانه قد أوضح من أول الآية مسألة رَفْع السماوات بغير عَمَدٍ، واستوائه على العرش، وتسخير الشمس والقمر، وكيف يجري كُلُّ شيء لأجل مُسمّى.
وكُلُّ ذلك يتطلب تدبيراً للأمر بعد أن أبرز القدرة؛ ثم يصون ذلك كله، فكما قَدَّر فخلق، فهو يُدبِّر بقيوميته، فهو القائم على كل شيء، وسبحانه كل يوم هو في شَأْن.
وأقول هذا المثل لأوضح -لا لأُشبِّه فسبحانه مُنَزَّه عن التشبيه- ونحن نقول: فلان فكَّر أولاً ثم دبَّر، والتفكير هو العملية التي تبحث فيها عن الشيء لإخراج المطلوب منه؛ كأن تأتي بقليل من حبوب القمح لتفركه بيدك لتخرج القمحة من قشرته.
هذا هو التفكير الذي يطلب منك أن تبحث وتُنقِّب إلى أن تصل إلى لُبِّ الأشياء.
 والتدبُّر يقتضي ألاَّ تقتنع بما هداك إليه فكرك في نفس اللحظة، ولكن أن تُمحِّص الأمر لترى ماذا سينتج عن تنفيذ ما وصل إليه فكرك؟
فربما ما فكرتَ فيه يُسعِفك ويُعينك في لحظتِكَ الحالية؛ لكنه سيأتي لك بعَطَبٍ بعد قليل.
والمَثَلُ الذي أضربه على مثل هذه الحالة دائماً هو اختراع المُبيدات الحشرية؛ ولم يَفْطِنوا إلى أن هذه المبيدات لا تقتل الحشرات الضارة وحدها، بل تُسمِّم الطيور التي كانت تفيد الفلاح.
ووصل الأمر إلى حَدِّ تحريم استخدام هذه المبيدات؛ وجاء هذا التحريم ممن تفاخروا من قَبْل على كل شعوب الأرض باختراعهم لتلك المبيدات، فقد فَطِنوا إلى أنَّ ما جاءهم من خَير عن طريق تلك المبيدات هو أقلُّ بكثير من الضُّرِّ الذي وقع بسببها.
 وهذا يعني أنهم لم يتدبروا اختراعهم لتلك المبيدات؛ فقاموا بتصنيعها لفائدة عاجلة، دون أن يلتفتوا إلى الخطورة الآجلة، وكان لابد لهم أن يتدبروا الأمر، لأن التدبُّر معناه النظر في دُبُر الأشياء.
 والحق سبحانه هو القائل: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ) (محمد: 24).
أي: لا تنظر إلى واجهة الآية فقط، بل انظر في أعماقها، ولذلك يقول لنا سيدنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "ثَوِّروا القرآن”.
أي: استخرجوا منه الكنوز بالتدبُّر؛ لأن التدبر يحمي من حماقة التفكر، والمثل البسيط المتكرر في بيوتنا هو أننا نغسل أفواهنا بعد تناول الطعام ونتمضمض مِمَّا بَقِي في الفم من بقايا.
 ونجد من بين هذه البقايا بعضاً من "الفتافيت الصلبة بعض الشيء"، ثم نغسل حوض المياه بتيار متدفق من ماء الصنبور، ونُفَاجأ بعد فترة من الزمن بانسداد ماسورة الصرف الخاصة بالحوض؛ وحين يفتح السباك ماسورة الصرف هذه يجدها مليئة برواسب من بقايا الأطعمة.
وأنت حين تمضمضتَ لم تلتفت إلا لنظافة الفَمِ من البقايا، ولم تتدبر أمر تلك البقايا، ولو أنك تدبرتَ ذلك لَقُمْتَ بتركيب ماسورة صرف للحوض أكبر من الماسورة التقليدية الضيقة؛ ولَجعلْتَ صندوق الطرد الخاص بالحوض أكبر من الحجم المعتاد والمُجهَّز لصرف المياه فقط.
وهكذا نرى أن الفكر يحثُّك على أن تبحث عن مطلوب لك؛ ولكن عليك أن تنظر وتُدقِّق: هل يحقق لك ما يقترحه عليك فكرك؛ ما يفيدك أم ما يضرك؟
هذا هو التدبُّر، وهو ما نُسمِّيه صيانة الأشياء.
ويتابع الحق سبحانه في نفس الآية: (يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد: 2).
وتفصيل الآيات يعني أنه جعل لكل أمر حُكْماً مناسباً له.
ودائماً أقول لمن يسألني عن فتوى؛ ويُلِحّ أن تتوافق الفتوى مع مراده: "نحن لا نُفصِّل الفتوى من أجل هواك؛ لأن ما عندي هي فتاوى جاهزة؛ وعليك أن تضبط مقاسك أنت على الفتوى، لا أن نُفصِّل لك الفتوى على هواك”.
أقول ذلك؛ لأن المسألة ليست حياة تنتهي إلى العَدَم، ولكن هناك حياة أخرى تُحاسب فيها على كل تصرُّف، فالحق سبحانه هو القائل:
(وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً) (الفرقان: 23).
وهو القائل سبحانه أيضاً جَلَّ وعلا: (كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ) (إبراهيم: 18).
ولذلك فعليك أن تُقبِل على كل عمل وأنت مُوقِن بأن هذا العمل لا ينتهي بتركك للحياة الدنيا، ولكن لكل عمل آثاره في حياة باقية، وإذا كانت الدنيا تحمل لك راحة موقوتة أو تعباً موقوتاً، فالراحة في الآخرة باقية أبداً؛ والتعب فيها غير مَوْقوت.
 ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْض...).



سورة الرعد الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الرعد الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 01-05   سورة الرعد الآيات من 01-05 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 2:16 am

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ويتابع الحق سبحانه سَرْد آياته الكونية في هذه الآية: (مَدَّ ٱلأَرْضَ..) (الرعد: 3).
يعني أنها موجودة أمامك ومُمْتدة، وبعض الناس يفهمون المَدَّ بمعنى البسط، ونقول: إن البَسْطَ تابع للمَدِّ.
 ولذلك وقف بعض العلماء وقالوا: ومن قال إن الأرض كُرَويّة؟
إن الحق سبحانه قال: إنها مبسوطة، وهو سبحانه الذي قال: إنه قد مَدَّ الأرض.
وقلتُ لهؤلاء العلماء: فَلْنفهم كلمة المَدِّ أولاً، وَلنْفهَمْ أيضاً كلمة "الأرض" وهي التي تقف عليها أنت وغيرك، وتعيش عليها الكائنات، وتمتد شمالاً إلى القُطْب الشمالي، وجنوباً إلى القُطْب الجنوبي، أيّاً ما كُنْت في أيِّ موقع فهي مَمْدودة شرقاً وغرباً.
ومعنى: (مَدَّ ٱلأَرْضَ..) (الرعد: 3).
تعني أنك إنْ وقفتَ في مكان وتقدمتَ منه؛ تجد الأرض ممدودة أمامك؛ ولا توجد حَافّة تنتهي لها، ولو أنها كانت مبسوطة لَكانَ لها نهاية، ولكانت على شكل مُثلّث أو مُربع أو مستطيل؛ ولكانَ لها حافة؛ ولوجدنا مَنْ يسير إلى تلك الحافة، هو يقول: "لقد وصلتُ لحافة الأرض؛ وأمامي الفراغ" ولم يحدث أنْ قال ذلك واحد من البشر.
وإذا ما سار إنسان على خط الاستواء مثلاً؛ فسيظل ماشياً على اليابسة أو راكباً لمركب تقطع به البحر أو المحيط ليصل إلى نفس النقطة التي بدأ منها سَيْره.
وهكذا نجد الأرض ممدودة غير محدودة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الأرض مُكوَّرة، بحيث إذا مشيت مُتتبِّعاً أيَّ خط من خطوط العرض أو خطوط الطول لانتهتْ إلى النقطة التي بدأت منها سَيْركَ.
وكان هذا هو الدليل الذي يقدمه العلماء على كروية الأرض؛ قبل أن يخترعوا فكرة التصوير من خارج الغلاف الجوي.
ونأخذ من قول الحق سبحانه: (وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ..) (الرعد: 3).
معنًى آخر هو ضرورة أن ينظر الإنسانُ في هذا الامتداد؛ ومَنْ تضيق به الحياة في مكان يُمكنه أن يرحلَ إلى مكان آخر، فأرضُ الله واسعة، والحق سبحانه هو القائل: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) (النساء: 97).
ونعلم أن فساد العالم في زمننا إنما ينشأ من فساد السياسات وزيادة الاضطرابات، وذلك واحد من نتائج تعويق مَدِّ الأرض، فساعة يحاول إنسان أن يترك حدود موطنه؛ يجد الحراسات والعوائق عند حدود البلاد المجاورة، وتناسَى الجميع قَوْل الحق سبحانه: (وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: 10).
فسبحانه قد سَخَّر الأرض وأخضعها للأنام كل الأنام، وإذا لم يتحقق هذا المبدأ القرآني؛ سيظل العالم في صراع؛ وستظلُّ بعض من البلاد في حاجة للبشر، وبعض من البلاد في ضِيق من الرزق؛ لزيادة السكان عن إمكانات الأرض التي يعيشون عليها.
وستظل هناك أرض بلا رجال؛ ورجال بلا أرض، نتيجة للحواجز المصطنعة بين البلاد.
وحتى تُحل هذه القضية -في الأمم المتحدة- لابد من تطبيق المبدأ القرآني: (وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: 10).
ومَنْ تضيق به الأرض التي نشأ فيها فليسمح له بالهجرة.
 ويتابع سبحانه في نفس الآية: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً..) (الرعد: 3).
والرواسي هي جمع "رَاسٍ" وهو الشيء الثابت.
 وسبحانه يقول: (وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا) (النازعات: 32).
وهكذا جاء الحق بالحكم الذي شاء أن تكون عليه الجبال، وفي آية أخرى يأتينا الله بعلة كونها رواسي؛ فيقول: (وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ) (الأنبياء: 31).
أي: لا تضطرب بكم الأرض، ولو كانت الأرض مخلوقة على هيئة الثبات؛ لما احتجْنَا إلى الجبال الرواسي كي تُثبِّتها، ولكن الأرض مخلوقة متحركة، وهي عُرْضة للاضطراب، ولولا الجبال الرواسي لَمَادتْ الأرض.
 ولسائل أن يقول: ولكننا نقطع الآن الجبال، ونأخذ الجرانيت من جبل لِنُزيِّن به أرضية بعض المناطق؛ ونقطع الرخام من جبل آخر لنصنع منه حماماتٍ وأحواضاً ودرجات السلالم، ونقتطع بعض أحجار أنواع معينة من الجبال؛ لنستخلص اليورانيوم منها؟
ونقول: انظر إلى حكمة الحق تبارك وتعالى حين خلق؛ وحكمته حين دَبَّر، فهذه الأرض لها محيط؛ ولها مركز؛ ولها أقطار، وكلما اقتربتْ من مركز الأرض فالقطر يَقِلّ.
 ومثال هذا هو البطيخة؛ فأنت إن استخلصتَ القشرة الخارجية لها يكون لديْكَ كرة من القشرة الخضراء؛ وكرة أخرى من مُكوِّنات البطيخة التي نأكلها، ولو استخلصتَ كرة أخرى من مكونات الألياف الحمراء التي تتكون منها البطيخة، لصار عندك كرة أخرى، ولصار قُطْر الكرة الجديدة أصغر بطبيعة الحال من الكرة الخضراء.
وكلما استخلصتَ كُريّات أخرى من مُكوِّنات البطيخة؛ صَغُرَتْ الأقطار؛ لأنك تقترب من مركز الدائرة، والمحيط الأخضر الذي يحيط بالبطيخة وهو القشرة؛ يشبه المحيط الذي يوجد على الكرة الأرضية؛ وهذه القشرة التي توجد حول الكرة الأرضية صُلْبة؛ أما ما بداخل الأرض وجَوْفها؛ فهو مُكوَّن من أشياء ومواد متعددة، منها ما هو سائل ومنها ما هو صَلْب.
 وكلما اقتربنا من مركز الأرض؛ وجدنا ارتفاعاً في درجة الحرارة؛ وتدلُّنا على ذلك كُتَل الحُمَم التي تخرج فوَّارة من فُوَّهات البراكين؛ وهي حُمَم ذات حرارة مرتفعة للغاية؛ وهي حُمَم مُحْرِقة.
وقد شاء الحق سبحانه أن يجعل بطن الأرض سائلاً، رحمةً بنا؛ ذلك أننا حين نبني بيوتاً؛ أو نقتطع أحجاراً من الجبال؛ أو نستخدم مُكوِّنات الجبال في أي غرض؛ إنما ننقل بعضاً من مُكوِّنات الأرض من موقع إلى آخر.
وحين ينتقل ثقل من مكان على سطح الأرض إلى مكان آخر؛ فالسائل الذي في باطن الأرض ينتقل من المنطقة التي زاد عليها الثقل إلى المنطقة التي خَفَّ من فوقها الثقل ليتحقق التوازن، ولو لم يحدث ذلك لَتسَاقطتْ العمارات الشاهقة التي نراها أثناء دوران الأرض.
والمَثَلُ الذي يُوضِّح ذلك أنك لو وضعتَ قطعة من العجين على سطح بطيخة أو كرة، وجعلت البطيخة أو الكرة في حالة دوران لَطردتْ الكرة أو البطيخة قطعة العجين من على سطحها.
وقد شرح العلماء في "علم الحركة" ذلك فقالوا: إن كل شيء مستدير يتحرك؛ إنما تنشأ عن حركته عملية اسمها الطرد الذاتي؛ لأن قطعة العجين أو أيَّ شيء نضعه على شيء مستدير يتحرك تكون له كثافة وثقل على المنطقة التي يوجد فيها، ويصل هذا الثقل إلى المركز، ولكي تستمر الحركة الدائرية متوازنة لابد أن يطرد الشيء المستدير ما فوقه من ثُقْل زائد.
 ولذلك شاء الحق سبحانه أن يجعل نِصْفي الكرة الأرضية من أي موقع تتخيله، متساوياً في الوزن مع النصف الآخر، ومهما أخذتَ من مواد ونقلتَها من موقع إلى آخر، فالوزن يتعادل نتيجة لحركة السوائل التي في بطن الأرض.
 وهذا يدلُّ على عظمة الخالق الذي خلق بتدبير دقيق، ويكفي أن ننظر إلى عظمة الحق الذي لم يجعل الجبال رواسيَ ليمنع الأرض من أنْ تميدَ بنا، بل جعل في الجبال والصحاري ما استنجدنا به حين ضاقت الأرض بنا؛ فذهبنا إلى الجبال؛ لنستخرج منها المواد الخام؛ ونُصدِّرها؛ ثم نشتري بثمنها القمح.
ونرى من حولنا الصحاري حيث كان المقيمون فيها يلهثون قديماً من العطش، ولا يجدون شجرة يستظلون بها؛ فيُفجِّر فيها الحق آبار البترول.
وهكذا نرى أن كل قطاع من الأرض فيه خير مُسَاوٍ لأي قطاع آخر من الأرض، وجعل الله لكل أمر زمناً يمكن للبشر أن يستفيدوا من هذا الأمر في ذلك الزمن.
 ولذلك نجد الحق سبحانه يقول في الجبال: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ) (فصلت: 9-10).
أي: أنه سبحانه بارك في الجبال، وهي جزء من الأرض، وشاء أن يُقدِّر الأقواتَ في الجبال والأرض؛ ويكفي أن نعلم أن المطر حين يتساقط من السماء على الجبال؛ فيحمل المطر بعضاً من الطَّمْي من على أسطُح تلك الجبال، فتتجدد خُصوبة الأرض.
ولو كانت الجبال هَشَّة لذابتْ الجبال من عدد قليل من مراتِ سقوط المطر، ولَذابتْ القشرة الخِصْبة التي تُغذِّي النبات حين نزرعه في الأرض.
 ولكنه سبحانه شاء أنْ تمُرَّ الظروف الجوية باختلافها وتنوُّعها في تتابع يُوفِّر من الحرارة والرطوبة ما يجعل الأرض تتشقق؛ فيصير سطح الجبال الصّلْبة هَشَّاً لينزل مع المطر؛ ولِيُغذِّي الأرض بالخُصوبة من أجل أن يستمر استبقاء الحياة بإنتاج ما نحتاجه من نباتات مزروعة.
 ونلحظ قوله سبحانه في نفس الآية: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً..) (الرعد: 3).
وهنا يجمع الحق بين الرواسي وهي الثوابت، وبين الأنهار وهي التي تحمل الماء السائل، وهذا جَمْعٌ بين الأضداد.
والنهر يُطلق على ما يحمل المياه العَذْبة؛ أما البحر فهو المُكوَّن من الماء المالح، وأنت إذا استعرضت أنهار الدنيا كلها؛ ستجد أن مجاريها تصبُّ في البحار، وهذا دليل على أن منسوب النهر أعلى دائماً من منسوب البحر، ولو كان الأمر بالعكس؛ لَطَغى ماء البحر على مياه النهر، ولَمَا استطعنا أن نشرب أو نزرع.
ولذلك شاء الحق سبحانه أن يجعل الماء العذب هو الأعلى؛ لأن له مهمة يُؤدِّيها قبل أن يصُبَّ في البحر.
أقول ذلك حتى نعلم الحكمة في قول الحق سبحانه: (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ) (الرحمن: 20).
ومن العجيب أن البرزخ الذي يفصل بين النهر والبحر يكون انسيابياً، يتدرج نزول مياه النهر في مياه البحر بما يُحقِّق سهولة في هذا الانتقال، ومن العجيب أيضاً أنك إنْ حفرتَ عند شاطئ البحر قد تعثر على الماء العذب.
ولذلك حين نزور العريش نجد شاطئاً باسم شاطئ النخيل؛ ونحن نعلم أن النخيل يحتاج إلى الماء العَذْب، وكأن الحق سبحانه قد جعل في هذا النخيل خاصية استخلاص الماء العَذْب من هذا المكان الذي يوجد على البحر؛ وقد تكون له جداول عذبة.
 فسبحانه القائل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ) (الزمر: 21).
ونحن في الريف نجد من يحفر بئراً ويكون ماؤه عَذْباً؛ وآخر يحفر بئراً ويكون ماؤه مالحاً.
وهذا دليل على أن الماء في بطن الأرض غير مختلط، بل لكل ماء مسارب تختلف باختلاف نوعية المياه.
 ويُرتِّب الحق سبحانه في نفس الآية مجيء الثمرات كنتيجة على وجود الثابت -الجبال- كمصدر للغِرْيَن وخصوبة الأرض، وعلى وجود الأنهار التي تحمل الماء اللازم للري، وهكذا يكون مجيء الثمرات أمراً طبيعياً.
والثمرة كما نعلم هي الغاية من أي زرع.
وفي نفس الآية يواصل الحق ذكر عطائه، فيقول سبحانه: (وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ..) (الرعد: 3).
ويستعمل البعض كلمة "زوج" ويراد به شيئان كقولنا "زوج أحذية" مع أن التعبير الدقيق يقتضي أن نقول "زوجان من الأحذية" كتوصيف لفردة حذاء يُمْنى وفردة حذاء يُسْرى؛ لأن كلمة "زوج" مفرد، وتستخدم في الشيء الذي له مثْل؛ ولذلك نجد العدد الفردي والعدد الزوجي؛ والعدد الزوجي مُفْرد له مثيل؛ وفي الإنسان هو الذكر والأنثى.
وسبحانه القائل: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) (الذاريات: 49).
ويخطئ الناس أيضاً في فهم كلمة التوأم، ويظنون أنها تعني الاثنين اللذين يولدان معاً، ولكن المعنى الدقيق للتوأم وهو الفرد الذي يُولَد مع آخر، ويقال لاثنين معاً "التوأمان”.
وهنا يقول الحق سبحانه: (وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ..) (الرعد: 3).
ولم يخلق الحق سبحانه أيَّ شيء إلا وشاء له أن يتكاثر، مصداقاً لقول الحق سبحانه: (سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ) (يس: 36).
وكُلُّ تكاثر إنما يحتاج إلى زوجين، وكنا نعتقد قديماً أن التكاثر يحدث فقط في النبات؛ مثلما نُلقِّح النخلة بالذَّكَر، وفي الحيوان يخصب الفَحْل الأنثى، ثم كشف لنا العلم بعد ذلك أن الكهرباء - على سبيل المثال لا الحصر - تتكون من سالب وموجب وغير ذلك كثير، وكل ما قدمه العلم من كشوف يؤيد صِدْقه سبحانه: (سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا) (يس: 36).
ويتابع سبحانه في نفس الآية: (يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ..) (الرعد: 3).
أي: أن تأتي الظُّلْمة على النهار فتُغطيه؛ وهو القائل في موقع آخر من القرآن: (فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً) (الإسراء: 12).
وذلك تحقيقاً لمشيئته التي قالها: (وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً) (الفرقان: 62).
وإنْ سأل سائل: هل الليل هو الذي خُلِقَ أولاً أم النهار؟
أقول: نحن نرى الآن الليل والنهار، كُلٌّ منهما يُؤدِّي مُهِمَّته في نصفٍ ما في الكرة الأرضية، وكل منهما يخلف الآخر، ولابد أن الأمر كذلك من أول الخلق.
 فإنْ كان سبحانه قد أوجد الأرض مبسوطة وفي مواجهتها الشمس، لَكان النهار هو الأسبق في الخَلْق، وإنْ كان قد خلق الشمس غير مواجهة للأرض؛ يكون الليل هو الذي سبق النهار في الخَلْق.
 ويوضح الحق سبحانه هذا الأمر قليلاً في سورة يس حين يقول: (لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: 40).
وكان العرب قديماً يظنُّون أن الليل هو الذي سبق النهار في الخَلْق؛ لأنهم كانوا يُؤرِّخون الشهور بالقمر؛ فيدخل الشهر بليله لا بنهاره، ونحن نعلم أن رمضان يأتينا بأول ليلة فيه.
وقد أوضح الحق سبحانه لهم على قَدْر معارفهم، ثم ثبت لنا أن الليل والنهار قد وُجِدا في وقت واحد بعد أن وضحتْ لنا أن صورة الأرض كروية، وأنه سبحانه قد خلقها كذلك، فما واجه الشمس كان نهاراً؛ وما غابتْ عنه الشمس كان ليلاً، ويخلف كل منهما الآخر.
وهكذا وضَّح لنا أنهما موجودان في آنٍ واحد.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: (إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد: 3).
أي: أن على الإنسان مسئولية التفكُّر فيما يراه من حوله ليصل إلى لُبِّ الحقائق.
ويقول سبحانه بعد ذلك: (وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ...).



سورة الرعد الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الرعد الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 01-05   سورة الرعد الآيات من 01-05 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 2:18 am

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه الآية جاءت بشيء من التفصيل لقول الحق سبحانه في أواخر سورة يوسف: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف: 105).وتلك آية تنضم إلى قوله تعالى: (رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (الرعد: 2).
وتنضم إلى: (يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ) (الرعد: 2).
وتنضم إلى قوله سبحانه: (وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ) (الرعد: 3).
وحين نتأمل قول الحق سبحانه: (وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ..) (الرعد: 4).
نجد أننا لا نستطيع أن نعرفها بأنها التي يعيش عليها أمثالنا؛ تلك هي الأرض، ولو أردنا تعريفها لأبهمناها، فهي أوضح من أن تُعَرّف.
 وكلمة "قِطَع" تدلُّ أول ما تدلُّ على "كل" ينقسم إلى أجزاء، وهذا الكُلُّ هو جنس جامع للكلية؛ وفيه خصوصية تمييز قطع عن قطع.
وأنت تسمع كلام العلماء عن وجود مناطق من الأرض تُسمّى حزام القمح، ومناطق أخرى تُسمَّى حزام الموز؛ ومناطق حارة؛ وأخرى باردة.
وقول الحق سبحانه: (قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ..) (الرعد: 4).
هو قول يدل على الإعجاز؛ فعلى الرغم من أنها متجاورات إلا أن كلاً منها تناسب الطقس الذي توجد فيه؛ فزراعة الذرة تحتاج مناخاً مُعيناً؛ وكذلك زراعة الموز.
 وهكذا تجد كل منطقة مناسبة لما تنتجه، فالأرض ليست عجينة واحدة استطراقية، لا بل هي تربة مناسبة للجو الذي توجد به.
ومن العجيب أن فيها الأسرار التي يحتاجها الإنسان؛ هذا السيد الذي تخدمه كل الكائنات، فليست الأرض سائلة في التماثل؛ بل تختلف بما يناسب الظروف، فهناك قطعة سبخة لا تنبت؛ وأخرى خصبة تنبت.
بل وتختلف الخصوبة من موقع إلى آخر؛ ومن قطعة إلى أخرى؛ فثمرة الجوافة من شجرة معينة في منطقة معينة تختلف عن ثمرة الجوافة من شجرة في منطقة أخرى؛ والقمح في منطقة معينة يختلف عن القمح في منطقة أخرى؛ ويقال لك "إنه قمح فلان”.
ويحدث ذلك رغم أن الأرض تُسْقَى بماء واحد.
ويقول العلماء البعيدون عن منطق السماء: "إن السبب في الاختلاف هو عملية الاختيار والانتخاب”.
وكأنهم لا يعرفون أن الاختيار يتطلب مُخْتاراً، وأن يكون له عقل يُفكِّر به ليختار، وكذلك الانتخاب فهل البُذَيْرات تملك عقلاً تُفكِّر به وتختار؟
طبعاً لا.
ويقولون: إن النبات يتغذَّى بالخاصية الشعرية، ونعلم أن الأنابيب الشعرية التي نراها في المعامل تكون من الزجاج الرفيع؛ وإذا وضعناها في حوض ماء، فالماء يرتفع فيها على مستوى الإناء.
وإنْ صدَّقْنا العلماء في ذلك، فُكيف نصدِّقهم في أن شجرة ما تأخذ ماءً من الشجرة الأخرى؛ وتنتج كل منهما نفس الثمار؛ لكن ثمار شجرة تختلف عن الأخرى في الطَّعْم؟
ونقول: إن كل شجرة تأخذ من الأرض ما ينفعها؛ ولذلك تختلف النباتات، ويحدث كل ذلك بقدرة الذي قَدَّر فهدى.
وهكذا نرى الأرض قطعاً متجاورات؛ منها ما يصلح لزراعة تختلف عن زراعة الأرض الأخرى.
وقد يقول بعض من الملاحدة: إن هذا الاختلاف بسبب الطبيعة والبيئة.
وهؤلاء يتجاهلون أن الطبيعة في مجموعها هي الشمس التي تعطي الضوء والحرارة والإشعاع، والقمر أيضاً يعكس بعضاً من الضوء، والنجوم تهدي من يسير في الفَلاَة، وتيارات الهواء تتناوب ولها مسارات ومواعيد.
 ورغم كل ذلك فهناك أرض خِصْبة تنتج، وأرض سبخة لا تنتج، وأرض حمراء؛ وأخرى سوداء، وثالثة رملية، وكلها متجاورة.
لابد إذن من وجود فاعل مختار يأمر هذه أمراً مختلفاً عن تلك.
ويتابع الحق سبحانه في نفس الآية: (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ..) (الرعد: 4).
وجاء الحق سبحانه هنا بالمُرفِّهاتِ أولاً؛ فتحدث عن الفاكهة؛ ثم تحدث عن الزرع الذي منه القُوت الأساسي، ونحن في حياتنا نفعل ذلك؛ فحين تدخل على مائدة أحد الكبار؛ تجد الفاكهة مُعدَّة على أطباق بجانب المائدة الرئيسية التي يُقدَّم عليها الطعام.
ويأتي الحق سبحانه بعد الأعناب والزَّرْع الذي منه القُوت الضروري بالنخيل، وهو الذي ينتج غذاء، وقد يكون التمر الذي ينتجه تَرَفاً يتناوله الإنسان بعد تناول الطعام الضروري.
 وقول الحق سبحانه: (صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ..) (الرعد: 4).
يتطلب مِنَّا أن نعرف ما الصنوان؟
ونجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "العم صِنْو أبيك" أي: أن الصِّنْو هو المِثْل.
وبهذا يكون معنى الصِّنْوان هو المِثْلان.
ونرى ذلك واضحاً في النخيل؛ فنرى أحياناً أصلاً واحداً تخرج منه نخلتان؛ أو ثلاث نخلات؛ وأحياناً يخرج من الأصل الواحد أربع أو خمس نخلات.
 ويُطلق لقب "الصنوان" على الأصل الواحد الذي يتفرع إلى نخلتين أو أكثر؛ فكلمة "صنوان" تصلح للمثنى وللجمع، ولكنها في حالة المثنى تُعامل في الإعراب كالمثنى؛ فيقال "أثمرتْ صنوان" و"رأيت صنوين" أما في حالة الجمع فيقال "رأيت صنواناً" و"مررْتُ بصنوان”.
والمفرد طبعاً هو "صِنْو”.
ويقول سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ..) (الرعد: 4).
ومن العجيب أن كل شجرة تأخذ عَبْر جذورها كمية من الماء والغذاء اللازم لإنتاج ثمارٍ ذات شكل وطَعْم مختلف.
 وهذا ما جعلنا نقول من قَبْل: إن افتراضات العلماء المتخصصين في علوم النبات عن أن النباتات تتغذَّى بخاصية الأنابيب الشعرية هو افتراض غير دقيق.
 فلو كان الأمر كذلك لأخذت الأنابيب الشعرية الخاصية بنبات المواد التي أخذتها الأنابيب الشعرية الخاصة بنبات آخر.
والأمر ليس كذلك، فكل نبات يأخذ من الأرض ما يخصه فقط، ويترك ما عدا ذلك.
ذلك أن الثمار لكل نبات تختلف ولا تتشابه؛ بل إن الشجرة الواحدة تختلف ثمارها من واحدة إلى أخرى.
مثال هذا: هو شجرة المانجو أو النخلة المثمرة، ويمكنك أن تلاحظ نفسك، وسترى أنك تنتقي من ثمار المانجو القادمة من شجرة واحدة ما يعجبك، وترفض غيرها من الثمار، وسترى أنك تنتقي من ثمار البلح القادم من نخلة واحدة ما يروقُ لك؛ وترفض بعضاً من ثمار نفس النخلة.
 وحين تذهب لشراء الفاكهة؛ فأنت تشتري حسب موقفك من الادخار؛ فإنْ كنتَ تحب الادخار فسوف تشتري الفاكهة التي من الدرجة الثانية؛ وإذا كنت تحب أن تستمتع بالطيب من تلك الفاكهة فسوف تشتري من الفاكهة المتميزة.
وأتحدى أنْ يقف واحد أمام قفص للفاكهة، وينتقي الثمار غير الجميلة الشكل والرَّوْنق، بل يحاول كل إنسان أن يأخذ الجميل والطيب من تلك الفاكهة، وحين يدفع ثمن ما اشترى سنجده يدفع النقود الورقية القديمة التي تُوجد في جيبه، وسيحتفظ لنفسه بالنقود الجديدة.
وهذا الموقف يغلب على مواقف أي إنسان، فهو مُقبِل دائماً على رَفْض أخذ السيء؛ وخائف دائماً على التفريط في الحَسَن.
والحق سبحانه يقول: (قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ) (الإسراء: 100).
وأنت لا تجد في الثمار تشابهاً، بل اختلافاً في الطَّعْم من نوع إلى نوع؛ كذلك تجد اختلافاً في طريقة تناولها؛ فلا أحد مِنَّا يأكل البلحة بكاملها، بل نأكل ثمرة البلحة بعد أن نُخرِج منها النواة؛ ونأكل ثمرة التين بأكملها، ونخرج ما في قلب حَبَّة المشمش من بذرة جامدة، ثم نأكل المشمشة من بعد ذلك.
 فكل ثمرة لها نظام خاص؛ وليست مسألة ميكانيكية في عطاء الله لثمار متشابهة؛ بل هناك اختلاف، ويمتد هذا الاختلاف إلى أدقِّ التفاصيل؛ لدرجة أنك حين تتناول قِطْفاً من العنب تجد اختلافاً لبعض من حبَّات العنب عن غيرها.
ونحن لا نُفضِّل بعضاً من الفاكهة على البعض الآخر في الأُكُل فقط، بل نُفضِّل في الصنف الواحد بعضاً من ثماره عن البعض الآخر.
وحين تقرأ: (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ..) (الرعد: 4).
فاعلم أنه لا يوجد شيء أو أمر مُفضّل على إطلاقه، وأمر آخر مفضول على إطلاقه، فما دُمْنَا نُفضِّل بعضه على البعض الآخر؛ فهذا يعني أن كلاً منهما مُفضَّل في ناحية، ومفضول عليه في ناحية أخرى.
والمثل الواضح أمامنا جميعاً أننا حين نجلس إلى مائدة عليها ديك رومي قد تجد يدك تتجه إلى طبق "المخلل" قبل أن تمتدّ يدك إلى الديك الرومي؛ لأن "نفسك" قد طلبتْه أولاً، فلا تَقُلْ: إن هناك شيئا مفضولاً عليه طوال الوقت، أو شيئاً مفضلاً كل الوقت.
وكذلك الناس؛ إياك أن تظن أن هناك إنساناً فاضلاً على إطلاقه؛ وآخر مفضولاً على إطلاقه؛ بل هناك إنسان فاضل في ناحية ومفضول عليه في ناحية أخرى.
والمَثَل: هو صاحب السيارة الفارهة؛ ثم ينفجر إطار سيارته؛ فيتمنى أن يرزقه الله بمَنْ يمرُّ عليه ليقوم بتغيير إطار السيارة؛ فيمرُّ عليه هذا الإنسان صاحب الملابس غير النظيفة بما عليها من شحوم؛ فيكون هذا الإنسان أفضل منه في قدرته على فَكِّ الإطار المنفجر بالإطار السليم الاحتياطي.
وهكذا نشر الله الفضل على الناس ليحتاج بعضهم لبعض؛ ولذلك أقول: حين تجد نفسك فاضلاً في ناحية إياك أنْ تقعَ في الغرور؛ واسأل نفسك: ما الذي يَفْضُل عليك فيه غيرك؟
وتذكر قول الحق سبحانه: (لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ) (الحجرات: 11).
وهكذا شاء الحق سبحانه أن يُوزِّع الفضل بين الناس، ليحتاج كل منهم الآخر، وليتكامل المجتمع.
وكذلك وَزَّع سبحانه الفضل في الأطعمة والفواكه والثمار، وانظر إلى نفسك لحظة أنْ تُقدَّم لك أصناف متعددة من الفاكهة؛ فقد تأخذ ثمرة من الجميز قبل أن تأخذ ثمرة من التفاح؛ فساعة طلبتْ نفسك ثمرة الجميز صارت في تقدير الموازين والتبادل هي الأفضل، وكل إنسان يمكن أن يجد ذلك فيما يَخصُّه أو يُحبه.
والحق سبحانه هو القائل: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد: 8).
ولذلك نجد الإنسان وهو يُلوِّن ويتفنَّن في صناعة الطعام، ويختلف إقبال الأفراد على الأطعمة المُنوَّعة، وقد تجد اثنين يُقبِلان على لحم الدجاج؛ لكن أحدهما يُفضِّل لحم الصدر؛ والآخر يُفَضِّل لحم "الوَرِك"، وتجد ثالثاً يُفضِّل لحم الحمام؛ وتجد رابعاً يفضل تناول السمك.
 بل إنك تجد اختلافاً في طريقة تناول مَنْ يحبون السمك؛ فمنهم مَنْ يحب أكل رأس السمكة، ومنهم مَنْ يحب لحم السمكة نفسها، ولا أحد يملك معرفة السبب في اختلاف الأمزجة في الانجذاب إلى الألوان المختلفة من الأطعمة.
وحين تتأمل تلك المسائل قد يأتي إلى خاطرك قول الحق سبحانه: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ) (البقرة: 28).
والسؤال هنا من الله للتعجُّب؛ والتعجُّب عادة يكون من شيء خَفِي سببه، فهل يَخْفَى سبب على الله ليتعجب؟
طبعاً لا.  
فسبحانه مُنزَّه عن ذلك، وسبحانه يعلم سبب كفر الكافرين؛ لكنه ينكر عليهم أسباب الكفر.
والمثَلُ من حياتنا -ولله المثل الأعلى- فأنت تجد نفسك وأنت تنطق بكلمة "كيف تسُبّ أباك؟" لإنسان يوجه كلمات جارحة لوالده؛ فتتعجب لِتُنكِر ما فعله هذا الإنسان.
وكذلك القول: كيف تكفرون بالله؟
لأن الكفر شيء لا يتأتى من عاقل.
وكان لنا شيخ هو فضيلة العالم أحمد الطويل؛ وكان يحدثنا عن شيخ له حين كان يقرأ قول الحق سبحانه: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ) (البقرة: 28).
كان يقول: إن الخطاب هنا عام لكل إنسان؛ لأن الحق بعدها يأتي بالقضية العامة: (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) (البقرة: 28).
وهذا القول للعموم.
وكان شيخنا يحكي عن شيخه أنه حدَّثهم أن إنساناً كان مُسرِفاً على نفسه؛ ثم انصبَّتْ عليه الهداية مرة واحدة؛ ورآه كل مَنْ حوله وهو مُقْبِل على الله؛ فسألوه عن سبب الهداية، فقال: كنت أجلس في بستان، ثم رَاقَ لي عنقود من العنب؛ فقطفتُ العنقود، وأخذتُ أتأمل فيه؛ فوجدت غِشاءً رقيقاً شفافاً -وهو قشرة حبة العنب- يشِفُّ عما تحته من لحم العنبة الممتلئ بالعصير.
وحين وضعتُ حبة العنب في فمي؛ صارت ماء رطباً، وأخذني العجب من احتفاظ حبة العنب ببرودتها ورطوبتها رغم حرارة جَوِّ شهر بؤونة؛ ثم وجدت بذرة الحبة ولها طَعْم المِسْك؛ فلما غمرني السرور من طَعْم وجمال العنب سمعت هاتفاً يهتف بي: "كيف تكفر بالله وهو خالق العنب؟" فهتفت: آن يا رب أن أُومن بك.
وكل مِنَّا له أن ينظر إلى شيء يعجبه؛ وسيجد الشيء كأنه يقول له: كيف تكفر بالله وهو خالقي؟
وهكذا سنجد كل إنسان وهو مُخاطب بهذه العبارة، لأنه ما من كائن إلا وله شيء يعجبه في الكون.
وهكذا نفهم معنى قول الحق سبحانه: (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ..) (الرعد: 4).
ونجد أي شيء هو فاضل في وقت الحاجة إليه وطلبه؛ وكل شيء مَفْضُول عليه في وقت ما؛ وإنْ كان فاضلاً عند مَنْ يحتاجه.
ونجد أن التفضيل هنا عند الأَكْل.
والأُكل هو ما يُؤكَل؛ لا الآن فقط إنما ما يؤكل الآن أو بعد ذلك وسبحانه القائل: (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ) (البقرة: 265).
وسبحانه يقول أيضاً: (أُكُلُهَا دَآئِمٌ) (الرعد: 35).
وكذلك قال: (تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) (إبراهيم: 25).
وهكذا نجد أن الأُكل مقصود به ما يُؤكل الآن، وما بعد الأكل أيضاً.
 ويُذيل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: (إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الرعد: 4).
وبعض الناس يظنون أن العقل يعني أنْ يمرحَ الإنسان في الأشياء، وأنه يعطي الإنسان الحرية المطلقة، ومثل هذا الظن خاطئ؛ لأن العقل جاء لِيُبصِّر الإنسانَ بعواقب كُلِّ فعل ونتائجه، فيقول للإنسان: "إياكَ أنْ يستهويك الأمر الفلاني لأن عاقبته وخيمة”.
ومن مادة العين والقاف واللام عقل.
ويقال: عقلْتُ البعير.
ومن مهام العقل أنْ يُفرِز الأشياء، وأنْ يفكر فيها ليستخرج المطلوب، وأنْ يتدبر كل أمر، فعمليات العقل هي الاستقبال الإدراكي والبحث فيه لاستخلاص الحقائق والنتائج، وأن يتدبر الإنسان كل أمر كي يتجنب ما فيه من ضرر.
والمثل: هو ما توصَّل إليه بعضٌ من العلماء من اكتشاف لأدوية يستخدمونها لفترة ما، ثم يعلنون عن الاستغناء عنها؛ لأن آثارها الجانبية ضارة جداً؛ وهذا يعني أنهم لم يتدبروا الأمر جيداً؛ وخَطَوْا خطوات إلى ما ليس لهم به كامل العلم.
 وقول الحق سبحانه: (إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الرعد: 4).
نلحظ فيه توجيهاً بالتعاون بين العقول، لتبحث في آيات رَبِّ العقول؛ فلا يأخذ أحد قراراً بعقله فقط؛ بل يسمع أيّ مِنّا لرأي عقل ثانٍ وعقل ثالث ورابع؛ ليستطيع الإنسان تدبُّر ما يمكن أنْ يقع؛ ولتتكاتف العقول في استنباط الحقائق النافعة التي لا يتأتَّى منها ضرر فيما بعد؛ لأن من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم.
 ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ...).



سورة الرعد الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الرعد الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 01-05   سورة الرعد الآيات من 01-05 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 2:19 am

وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والعجب هو أن تُبدي دهشة من شيء لا تعرف سببه، وهذا التعجب لا يتأتَّى من الله؛ لأنه سبحانه يعلم كل شيء، فإذا صدر عجب من الله مثل قوله الحق: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ) (البقرة: 28).
فمعنى هذا أنه سبحانه يُنكِر أن يكفر الإنسان مع قيام الأدلة على الإيمان؛ لكن بعضاً من الناس -رغم ذلك- يكفر بالله.
وقول الحق سبحانه: (وَإِن تَعْجَبْ..) (الرعد: 5).
هو خطاب مُوجَّه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعجّب من أنهم كانوا يُسمُّونه قبل أن يبعثه الله رسولاً بالصادق الأمين؛ وبعد ما جاءت الرسالة قالوا: إنه ساحر كذاب.
فكيف يكون صادقاً أميناً ببشريته وذاتيته؛ ثم إذا أمدّه الحق سبحانه بالمَدَد الرِّسَالي تتهمونه بالكذب؟
ألم يَكُنْ من الأجدر أنْ تقولوا إنه صار أكثر صِدْقاً؟
وهل من المُمْكن أن يكون صادقاً عندكم، ثم يكذب على الله؟
والتعجُّب أيضاً من أنهم أنكروا البعث من بعد الموت، رغم أنه سبحانه أوضح الأدلة على ذلك؛ ولكن المؤمنين وحدهم هم الذين استقبلوا أمر البَحْث بالتصديق؛ بمجرد أن أبلغهم به رسول الله مُبلِّغاً عن ربِّه.
 ونجد الحقَّ سبحانه وتعالى قد احترم فُضُول العقل البشري، فأوضح سبحانه ذلك ونَصَبَ الأدلة عليه؛ وأبلغنا أنه لم يعجز عن الخَلْق الأول؛ لذلك لن يعجز عن البعث.
 فقد جاء بنا سبحانه من عدم، وفي البعث سيأتي بنا من موجود، ومن الغباء إذنْ أن يتشكَّك أحد في البعث، والمُسْرِف على نفسه إنما يُنكِر البعث؛ لأنه لا يقدر على ضبْط النفس؛ ويظن أنه بإنكار البعث لن يَلْقَى المصير الأسود الذي سيلقاه في الآخرة.
ولذلك تجد المسرفين على أنفسهم يحاولون التشكيك في البعث ويأتي الحق سبحانه بتشكيكهم هذا في قَوْل الحق سبحانه: (وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ) (الجاثية: 24).
ولو أن الواحد منهم وضع مسألة البَعْث في يقينه لانصرف عن شهواته، بينما هو يريد أن ينطلق بالشهوات؛ ولذلك نجدهم يقولون: (أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ) (السجدة: 10).
وهم يقصدون بذلك أنهم بعد الموت سيصيرون تراباً، ويعودون إلى الأرض كعناصر وتراب تَذْروه الرياح، فكيف سيأتي بهم الله للبعث، ويُنشئهم من جديد؟
ويقول سبحانه: (قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس: 78-79).
ومن الكافرين مَنْ قال: سنصير تراباً، ثم نختلط بالتربة، ويتم زراعة هذه التربة، فتمتزج عناصرنا بما تنبته الأرض من فواكه وخُضر وأشجار؛ ثم يأكل طفل من الثمرة التي تغذَّتْ بعناصرنا؛ فيصير بعضٌ مِنَّا في مكونات هذا الطفل؛ والقياس يُوضِّح أننا سوف نتناثر؛ فكيف يأتي بنا الله؟
كل ذلك بطبيعة الحال من وسوسة الشيطان ووحيه: (وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ) (الأنعام: 121).
وأقول: لنفترض أن إنساناً قد مرض؛ وأصابه هُزَال، وفقد ثلاثين كيلوجراماً من وزنه، وما نزل من هذا الوزن لابد أنه قد ذهب إلى الأرض كعناصر اختلطتْ بها، ثم جاء طبيب قام بتشخيص الداء وكتب الدواء، وشاء الله لهذا المريض الشفاء واستردَّ وزنه، وعاد مرة أخرى لحالته الطبيعية؛ فهل الثلاثين كيلو جراماً التي استردَّها هي هي نفس الكمية بنوعيتها وخصوصيتها التي سبق أنْ فقدها؟
طبعاً لا.
وهكذا نفهم أن التكوين هو تكوين نسبيّ للعناصر، كذا من الحديد؛ كذا من الصوديوم؛ كذا من المغنسيوم؛ وهكذا.
إذن: فالجزاء في اليوم الآخر عملية عقلية لازمة، يقول الحق: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 28).
ما دام هناك أمر؛ وهناك نهي؛ وهناك منهج واضح يُبيِّن كل شيء.
وإنْ كنت تعجبُ يا محمد من الكفار وما يثيرونه من أقضية، فَلَكَ أنْ تعجب لأنها أمور تستحق العجب.
 والحق سبحانه حين يخاطب الخَلْق فهو يخاطبهم إمَّا في أمر يشكُّون فيه، أو في أمر لا يشكُّ فيه أحد.
والمَثَل من حياتنا - ولله المثل الأعلى- حين تخاطب أنت واحداً في أمر يَشُكُّ هو فيه؛ فأنت تحاول أن تؤكد هذا الأمر بكل الطرق، وهكذا وجدنا بعضاً من الناس ينكرون البعث والحساب؛ ووجدنا الحق سبحانه وتعالى يُذكِّرهم به عبر رسوله ويؤكده لهم.
وأيضاً خاطبهم الحق سبحانه فيما لم يَشكُّوا فيه؛ وهو الموت؛ وقال: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ) (آل عمران: 185).
ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأيت يقيناً أشبه بالشكِّ من يقين الناس بالموت".
فالموت يقين، ولكن لا أحد يحاول التفكير في أنه قادم، وسبحانه يقول: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ) (المؤمنون: 15).
وهذا تأكيد لأمر يُجمع الناس على أنه واقع، لكنهم لغفلتهم عنه بَدَوْا كالمنكرين له، لذلك خاطبهم خطابَ المنكرين، ثم قال بعد ذلك: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) (المؤمنون: 16).
ولم يَقُل: "ولتبعثون" لأن البعث مسألة لا تحتاج إلى تأكيد، وعدم التأكيد هنا آكد من التأكيد، لأن أمر الموت واضح جداً رغم الغفلة عنه، أما البعث فهو واقع لا محالة بحيث لا يحتاج إلى تأكيد.
والمثل من حياتنا -ولله المثل الأعلى- يذهب الإنسان إلى الطبيب؛ فيقول له الطبيب بعد الكشف عليه "اذهب فلن أكتب لك دواء”.
وهذا القول يعني أن هذا الإنسان في تمام الصحة؛ وكأن كتابة الدواء يحمل شبهة أن هناك مرضاً.
وكذلك الحق سبحانه يخاطب الخَلْق في الشيء الذي ينكرونه وعليه دليل واضح؛ فيأتي خطابه لهم بلا تأكيد؛ وهو يوضح بتلك الطريقة أنهم على غير حق في الإنكار، أما الشيء الذي يتأكدون منه وهم غافلون عنه؛ فهو يؤكده لهم؛ كي لا يغفلوا عنه.
وكذلك في القَسَم؛ فنجده سبحانه قد أقسم بالتين والزيتون؛ وأقسم بالقرآن الحكيم؛ وأقسم بغير ذلك، ونجده في مواقع أخرى يقول: (لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) (البلد: 1-3).
والعجيب أنه يأتي بجواب القسم، فيقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: 4).
وقد يقول قائل: كيف يقول: (لاَ أُقْسِمُ) (البلد: 1).
ثم يأتي بجواب القسم؟
وأقول: لقد جاء هنا بقوله: (لاَ أُقْسِمُ) (البلد: 1).
وكأنه يُوضِّح ألاَّ حقَّ لكم في الإنكار؛ ولذلك ما كان يصحّ أنْ أقسم لكم، ولو كنت مُقْسِماً؛ لأقسمتُ بكذا وكذا وكذا.
وسبحانه يقول في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ..) (الرعد: 5).
وهو جَلَّ وعلا يُذكِّرهم بما كان يجب ألاَّ ينسوه؛ فقد خلقهم من تراب؛ وخلق التراب من عدم، وهو القائل: (أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (ق: 15).
إذن: فسبحانه يتعجب من أمر هؤلاء؛ ويزيد من العجب أنهم كذَّبوا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بعد أن جرَّبوا فيه الصدق، ولمسوا منه الأمانة؛ وقالوا عنه ذلك من قبل أن يُبعث؛ وفوق ذلك أنكروا البعث مع قيام الدليل عليه.
ويصفهم الحق سبحانه: (أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ..) (الرعد: 5).
أي: أن هؤلاء المُكذِّبين لك يا محمد والمُنْكِرين للبعث لم يكفروا فقط بالله الذي أوجب التكليف العبادي؛ بل هم يكفرون بالربوبية التي تعطي المؤمن والكافر؛ والطائع والعاصي، وتأتمر بأمرها الأسباب لتستجيب لأيِّ مجتهد يتبع قوانين الاجتهاد، فيأخذ من عطاءات الربوبية؛ وهي عطاءات التشريف التي تضمن الرزق، بينما عطاءات الألوهية؛ هي تكليفاتٌ بالطاعة للأوامر التعبدية؛ الممثلة في "افعل" و"لا تفعل”.
وسبحانه لا يكلف الإنسان إلا بعد أنْ يبلغ الإنسان درجة النضج التي تؤهله؛ لأن ينجب مثيلاً له؛ وقد ترك الحق سبحانه كل إنسان يرتع في خير النعم التي أسبغها سبحانه على البشر، وكان على الإنسان أن يسعى إلى الإيمان فَوْر أن تصله الدعوة من الرسول المُبلِّغ عن الله؛ هذا الرسول المشهود له بالصدق والأمانة.
ولذلك نجد الحق سبحانه وهو يصف المنكرين للإيمان: (أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ..) (الرعد: 5).
ويضيف: (وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ) (الرعد: 5).
والغُّلّ: هو طَوْق الحديد الذي له طرف في كل يد لِيُقيدها؛ وطرف مُعلَّق في الرقبة لِيُقلل من مساحة حركة اليدين، ولمزيد من الإذلال.
وهم أصحاب النار؛ وكلمة "صاحب" تُطلق على مَنْ تعرفه معرفةً تروق كيانك وذاتك؛ فهناك مَنْ تصاحبه؛ وهناك مَنْ تصادقه؛ وهناك مَنْ تُؤاخيه؛ وهناك مَنْ تعرفه معرفة سطحية، ولا تقيم علاقة عميقة معه.
إن المعرفة مراتب، والصحبة تآلف وتجاذب بين اثنين؛ ومَنْ يصاحب النار فهو مَنْ تعشقه النار، ويعشق هو النار، ويجب كل منهما ملازمة الآخر؛ أَلاَ تقول النار لربها يوم القيامة: (هَلْ مِن مَّزِيدٍ) (ق: 30).
أي: أن العذاب نفسه يكون مَشُوقاً أنْ يصلَ إلى العاصي.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ...).



سورة الرعد الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الرعد الآيات من 01-05
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الرعد الآيات من 41-43
» سورة الرعد الآيات من 06-10
» سورة الرعد الآيات من 11-15
» سورة الرعد الآيات من 16-20
» سورة الرعد الآيات من 21-25

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الرعد-
انتقل الى: