منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة هود الآيات من 116-120

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

سورة هود الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: سورة هود الآيات من 116-120   سورة هود الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:53 am

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة "لولا" هنا تحضيضية، والتحضيض إنما يكون حثاً لفعلٍ لم يأت زمنه، فإن كان الزمن قد انتهى ولا يمكن استدراك الفعل فيه، تكون "لولا" للتحسر والتأسف.

وفي سورة يونس يقول الحق -سبحانه-: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ)يونس: 98).

وذكَّرهم بالآيات.

ونحن قد علمنا أن "لولا" لها استعمالان في اللغة، فهي إن دخلت على جملة اسمية، فهي تدل على امتناع لوجود، كقول إنسان لآخر: "لولا أن أباك فلاناً لضربتك على ما أذنبت" وتسمى "لولا" في هذه الحالة "حرف امتناع لوجود".

وإذا دخلت "لولا" على جملة فعلية، فهي أداة تحضيض، وتحميس، وحث المخاطب على أن يفعل شيئاً، مثلما تشجِّع طالباً على المذاكرة، فتقول له: "لولا ذاكرت بجد واجتهاد في العام الماضي لما نجحت ووصلت إلى هذه السنة الدراسية".

وفي هذا تحميس له على بذل مزيد من الجهد، أما إذا قلت لراسب: "لولا ذاكرت لما رسبت" فهذا توبيخ وتأسيف له على ما فات، وشحن طاقته لما هو آت؛ لأن الزمن قد فات وانتهى وقت المذاكرة؛ لذلك تكون "لولا" - هنا - للتقريع والتوبيخ.

والحق -سبحانه وتعالى- يرشدنا إلى أن بقية الأشياء هي التي ثبتت أمام أحداث الزمن، فأحداث الزمن تأتي لتطوح بالشيء التافه أولاً، ثم بما دونه ثم بما دونه، ويبقى الشيء القوي؛ لأنه ثابت على أحداث الزمن؛ وبقية الأشياء دائماً خيرها.

والحق -سبحانه- قد بيَّن لنا أنه قد أهلك الأمم التي سبقت؛ لأنه لم توجد فئة منهم تنهى عن الفساد في الأرض، وجاء الإهلاك لامتناع من يقاوم الفساد بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وضرب الحق -سبحانه- لنا المثل بالبقية في كل شيء، وأنها هي التي تبقى أمام الأحداث، ففي قصة شعيب عليه السلام يقول الحق -سبحانه-: (يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (هود: 84-86).

ومعنى ذلك أن نقص المكيال أو الميزان قد يزيد التاجر ما عنده، ولكنه لا يلتفت إلى ما هو مدخور.

ولذلك قال شعيب عليه السلام: (وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ) (هود: 85).

فأنت إن نظرت إلى شيء قد ذهب، فامتلك القدرة على أن تحقق فيه بالفهم، لتجده مدخراً لك باقياً.

ولنا المثل في موقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حينما سألها عن شاة أُهديت له، وكانت تعرف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب من الشاة كتفها، فتصدقت بكل الشاة إلا جزءاً من كتفها، فلمَّا سألها: ما فعلت بالشاة قالت: ذهبت كلها إلا كتفها.

هكذا نظرت عائشة -رضي الله عنها- هذا المنظور الواقعي؛ بأن الباقي من الشاة هو كتفها فقط، وأنها تصدقت بباقي الشاة، ويلفتها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفتة إيمان ويقين، ويقول لها: "بقي كلها إلا كتفها".

هكذا نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما بقي من الشاة من خير.

ويؤيد ذلك حديث قاله -صلى الله عليه وسلم-: "وهل لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت".

ويلفتنا القرآن الكريم إلى المنظور، وإلى المدخور، فيقول الحق -سبحانه-: (ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً) (الكهف: 46).

ويصف الحق -سبحانه- هذا المدخور بقوله: (ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف: 46).

وفي آية أخرى يقول -سبحانه-: (وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً) (مريم: 76).

إذن: لابد أن تنظر إلى الباقيات في الأشياء؛ لأنها هي التي يُعوَّل عليها.

ويلفتنا الحق -سبحانه- إلى ذلك في أكثر من موضع من القرآن الكريم، فيقول تعالى: (وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) (الأعلى: 17).

ويقول -سبحانه-: (وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) (القصص: 60).

إذن: فإياك أن تنظر إلى الذاهب، ولكن انظر إلى الباقي.

وإذا عضَّتِ الإنسان الأحداث في أي شيء، نجد أن سطحي الإيمان يفزع مما ذهب، ونجد راسخ الإيمان شاكراً لله تعالى على ما بقي.

وها هو ذا سيدنا عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- حينما جُرحت ساقه جرحاً شديداً، وهو في الطريق إلى الشام، ولحظة أن وصل إلى قصر الخلافة قال الأطباء: لابد من التخدير لنقطع الساق المريضة، فقال: والله ما أحب أن أغفل عن ربي طرفة عين.

وكان هذا القول يعني أن تجرى له جراحة بتر الساق دون مخدر، فلمَّا قُطعت الساق، وأرادوا أن يأخذوها ليدفنوها؛ لتسبقه إلى الجنة إن شاء الله؛ قال: ابعثوا بها، فجاءوا بها إليه، فأمسكها بيده وقال: اللهم إن كنت قد ابتليت في عضو؛ فقد عافيت في أعضاء.

هكذا نظر المؤمن إلى ما بقي.

وحين يتكلم القرآن الكريم عن مراتب ومراقي الإيمان يقول مرة: (فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ) (غافر: 40).

ويقول عن أناس آخرين: (أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ) (البقرة: 157).

والجنة باقية بإبقاء الله لها، ولكن رحمة الله باقية ببقاء الله، وهكذا تكون درجة الرحمة أرقى من درجة الجنة.

وهكذا تجد في كل أمر ما يسمى بالباقيات.

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ) (هود: 116).

أي: لولا أن كان في الناس بقية من الخير وبقية من الإيمان، وبقية من اليقين، وكانوا ينهون عن الفساد في الأرض، لولا هم لخسف الله الأرض بمن عليها.

والبقايا في كل الأشياء هي نتيجة الاختيار، والاختبار؛ مصداقاً لقول الحق -سبحانه-: (فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ) (الرعد: 17).

وفي العصر الحديث نقول: "البقاء للأصلح".

إذن: فالحق -سبحانه- إنما يحفظ الحياة بهؤلاء الذين ينهون عن الفساد في الأرض؛ لأنهم يعملون على ضوء منهج الله، وهذا المنهج لا يزيد ملكاً لله، ولا يزيد صفة من صفات الكمال لله، لأنه -سبحانه- خلق الكون بكل صفات الكمال فيه، ومنهجه -سبحانه- إنما يُصلح حركة الحياة، وحركة الأحياء.

وهكذا يعود منهج السماء بالخير على مخلوقات الله، لا على الله الذي كوَّن الكون بكماله.

واقرأ إن شئت قول الحق -سبحانه-: (وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ) (الرحمن: 7-8).

فكما رفع الحق -سبحانه- السماء بلا عمد، وجعل الأمور مستقرة متوازنة؛ فلكم أن تعدلوا في الكون في الأمور الاختيارية بميزان دقيق؛ لأن اعوجاج الميزان إنما يفسد حركة الحياة.

ومن اعوجاج الميزان أن يأخذ العاطل خير الكادح، ويرى الناس العاطل، وهو يحيا في ترفٍ من سرقة خير الكادح، فيفعلون مثله، فيصير الأمر إلى انتشار الفساد.

وينزوي أصحاب المواهب، فلا يعمل الواحد منهم أكثر من قدر حاجته؛ لأن ثمرة عمله إن زادت فهي غير مصونة بالعدالة.

وهكذا تفسد حركة الحياة، وتختل الموازين، وتتخلف المجتمعات عن ركب الحياة.

والحق -سبحانه وتعالى- يقول: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ) (هود: 116).

وشاء الحق -سبحانه- أن يجعل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأمم بشرط أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر.

قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ) (آل عمران: 110).

وجعلها الحق -سبحانه- الأمة الخاتمة، لأنه لا رسالة بعد رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد كانت الرسالات قبلها تأتي بعد أن يتقلص الخير في المجتمعات، وفي النفوس.

فقد وضع الحق -سبحانه- المنهج لأول الخلق في النفس الإنسانية، وكانت المناعة ذاتية في الإنسان، إن ارتكب ذنباً فهو يتوب ويرجع بعد أن يلوم نفسه، ولكن قد يستقر أمره على المعصية، وتختفي منه "النفس اللوَّامة"، ويستسلم للنفس الأمَّارة بالسوء، فيجد من المجتمع من يقوِّمه، فإذا ما فسد المجتمع، فالسماء تتدخل بإرسال الرسل، إلا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أمَّنها الحق -سبحانه- أنه سيظل فيها إلى أن تقوم الساعة من يدعو إلى الخير، ومن يأمر بالمعروف، ومن ينهى عن المنكر؛ ولذلك لن يوجد أنبياء بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ولذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأكيداً لهذا المعنى: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".

والعَالِم: هو كل من يعلم حكماً من أحكام الله -سبحانه-، وعليه أن يبلغه إلى الناس.

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "نضَّر الله وجه امرىءٍ سمع مقالتي فوعاها، وأدَّاها إلى من لم يسمعها، فرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع".

ويقول الحق -سبحانه-: (أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) (هود: 116).

وقد أنجى الحق -سبحانه- بعضاً ممن نهوا عن الفساد في الأرض.

ونرى أمثلة على ذلك في القرية التي كانت حاضرة البحر، وكانت تأتيهم حيتانهم شُرعاً يوم السبت الذي حرموا فيه الصيد على أنفسهم، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم.

ويقول الحق -سبحانه-: (وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) (الأعراف: 164-165).

هكذا أنجى الله -سبحانه- الذي نهوا عن السوء في تلك القرية، وقد نرى في بعض المجتمعات عنصرين: الأول: أنه لا يوجد طائفة تنهى عن الفساد.

والعنصر الثاني: أن ينفتح على المجتمع باب الترف على مصراعيه، وفي انفتاح باب الترف على مصراعيه مذلَّة للبشر؛ لأنك قد تجد إنساناً لا تترفه إمكاناته؛ فيزيد هذه الإمكانات بالرشوة والسرقة والغصب.

وكل ذلك إنما ينشأ لأن الإنسان يرى مترفين يتنعمون بنعيم لا تؤهله إمكاناته أن يتنعم به.

ويقول الحق -سبحانه وتعالى- عن إهلاك مثل هذه المجتمعات: (وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا) (الإسراء: 16).

وبعض الناس يفهمون هذه الآية الكريمة على غير وجهها؛ فهم يفهمون الفسق على أنه نتيجة لأمر من الله -سبحانه وتعالى- والحقيقة أنهم إنما قد خالفوا أمر الله؛ لأن الحق -سبحانه- يقول: (وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ) (البينة: 5).

أي: أن الحق -سبحانه- أمر المترفين أن يتبعوا منهج الله، لكنهم خالفوا المنهج الإلهي مختارين؛ ففسقوا عن أمر ربهم.

وفي الآية الكريمة -التي نحن بصدد خواطرنا عنها-: (وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ) (هود: 116).

وقوله -سبحانه-: (ظلموا) تبين أن مادة الترف التي عاشوا فيها جاءت من الظلم، وأخذ حقوق الناس وامتصاص دماء الكادحين.

ومادة (ترف) تعني النعمة يتنعم بها الإنسان.

ومنها: أَترف، وأُترف، وكلمة "أترف" أي: أطغته النعمة، وأنسته المنعم -سبحانه-.

وأترف، أي: مد الله له في النعمة ليأخذه أخذ عزيز مقتدر.

والحق -سبحانه- يقول: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) (الأنعام: 44).

فمن يمسك عدوه ليرفعه؛ فلا يظنن أنه يدلِّله، ولكنه يرفعه ليلقيه من علٍ، فيزداد ويعظم ألمه.

وكان الله -سبحانه- قد أعطى أمثال هؤلاء نعمة؛ ليطغوا.

ولنا أن ننتبه إلى كلمة "الفتح" التي تجعل النفس منشرحة، وعلينا أن ننتبه إلى المتعلق بها، أهو فتح عليك، أم فتح لك؟

إن فُتح عليك؛ فافهم أن النعمة جاءت لتطغيك، ولكن إن فُتح لك، فهذا تيسير منه -سبحانه-، فهو القائل: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً) (الفتح: 1).

وهؤلاء الذين يحدثنا الحق -سبحانه- عنهم في هذه الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها-؛ قد فتح الله -سبحانه- عليهم أبواب الضر؛ لأنهم غفلوا عنه.

ويُنهي الحق -سبحانه- الآية الكريمة بقوله: (وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) (هود: 116).

أي: كانوا يقطعون ما كان يجب أن يوصل؛ وهو اتباع منهج السماء؛ لأن كلمة (مجرمين) مأخوذة من مادة "جرم" وتعني: "قطع"، وقطع اتباع منهج السماء؛ والغفلة عن الإيمان بالخالق -سبحانه-، والاستغراق في الترف الذي حققوه لأنفسهم بظلم الغير، وأخذ نتيجة عرق وجهد الغير.

ويقول الحق -سبحانه- من بعد ذلك: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ...).



سورة هود الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

سورة هود الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 116-120   سورة هود الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:55 am

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وساعة تقرأ أو تسمع (ما كان) يتطرق إلى ذهنك: ما كان ينبغي.

ومثال ذلك: هو قولنا: "ما كان يصح لفلان أن يفعل كذا".

وقولنا هذا يعني أن فلاناً قد فعل أمراً لا ينبغي أن يصدر منه.

وهناك فرق بين نفي الوجود؛ ونفي انبغاء الوجود.

والحق -سبحانه- يقول: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ) (يس: 69).

وهذا لا يعني أن طبيعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- جامدة، ولا يستطيع -معاذ الله- أن يتذوق المعاني الجميلة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- جُبل على الرحمة؛ وقد قال فيه الحق -سبحانه-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159).

ولهذا نفهم قوله الحق: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ) (يس: 69).

أي: أن الحق -سبحانه- لم يشأ له ان يكون شاعراً.

وهكذا نفهم أن هناك فرقاً بين "نفي الوجود" وبين "نفي انبغاء الوجود".

والحق -سبحانه- يقول هنا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ) (هود: 117).

أي: لا يتأتى، ويستحيل أن يهلك الله القرى بظلم؛ لأن مراد الظالم أن يأخذ حق الغير لينتفع به؛ ولا يوجد عند الناس ما يزيد الله شيئاً؛ لأنه -سبحانه- واهب كل شيء؛ لذلك فالظلم غير وارد على الإطلاق في العلاقة بين الخالق -سبحانه- وبين البشر.

وحين يورد الحق -سبحانه- كلمة "القرى" -وهي أماكن السكن- فلنعلم أن المراد هو "المكين"، مثل قول الحق -سبحانه-: (وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ) (الأعراف: 163).

وقوله الحق أيضاً: (وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا) (يوسف: 82).

والحق -سبحانه- في مثل هاتين الآيتين؛ وكذلك الآية التي نتناولها الآن بهذه الخواطر إنما يسأل عن المكين.

والله -سبحانه- يقول هنا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ) (هود: 117).
أي: أنه مُنزَّه عن أن يهلكهم بمجاوزة حَدٍّ، لكن له أن يهلكهم بعدل؛ لأن العدل ميزان، فإن كان الوزن ناقصاً كان الخسران، ومن العدل العقاب، وإن كان الوزن مستوفياً كان الثواب.

وفي مجالنا البشري؛ لحظة أن نأخذ الظالم بالعقوبة؛ فنحن نتعبه فعلاً؛ لكننا نريح كل المظلومين؛ وهذه هي العدالة فعلاً.

ومن خطأ التقنينات الوضعية البشرية هو ذلك التراخي في إنفاذ الحقوق في التقاضي؛ فقد تحدث الجريمة اليوم؛ ولا يصدر الحكم بعقاب المجرم إلا بعد عشر سنوات، واتساع المسافة بين ارتكاب الجريمة وبين توقيع العقوبة؛ إنما هو واحد من أخطاء التقنينات الوضعية؛ ففي هذا تراخٍ في إنفاذ حقوق التقاضي؛ لأن اتساع المسافة بين ارتكاب الجريمة وبين توقيع العقوبة؛ إنما يضعف الإحساس ببشاعة الجريمة.

ولذلك حرص المشرع الإسلامي على ألا تطول المسافة الزمنية بين وقوع الجريمة وبين إنزال العقوبة، فعقاب المجرم في حُمُوَّة وجود الأثر النفسي عند المجتمع؛ يجعل المجتمع راضياً بعقاب المجرم، ويذكِّر الجميع ببشاعة ما ارتكب؛ ويوازن بين الجريمة وبين عقوبتها.

ويقول الحق -سبحانه- هنا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117).

وفي آية أخرى يقول الحق -سبحانه-: (لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (الأنعام: 131).

إذن: لابد من إزاحة الغفلة أولاً، وقد أزاح الله -سبحانه- الغفلة عنا بإرسال الرسل وبالبيان وبالنذر؛ حتى لا تكون هناك عقوبة إلا على جريمة سبق التشريع لها.

وهكذا أعطانا الله -سبحانه وتعالى- البيان اللازم لإدارة الحياة، ثم جاء من بعد ذلك الأمر بضرورة الإصلاح: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117).

والإصلاح في الكون هو استقبال ما خلق الله -سبحانه- لنا في الكون من ضروريات لننتفع بها، وقد كفانا الله ضروريات الحياة؛ وأمرنا أن نأخذ بالأسباب لنطور بالابتكارات وسائل الترف في الحياة.

وضروريات الحياة من طعام وماء وهواء موجودة في الكون، والتزاوج متاح بوجود الذكر والأنثى في الكائنات المخلوقة، أما ما نصنعه نحن من تجويد لأساليب الحياة ورفاهيتها فهذا هو الإصلاح المطلوب منا.

وسبق أن قلنا: إن المصلح هو الذي يترك الصالح على صلاحه، أو يزيده صلاحاً يؤدي إلى ترفه وإلى راحته، وإلى الوصول إلى الغاية بأقل مجهود في أقل وقت.

والقرى التي يصلح أهلها؛ لا يهلكها الله؛ لأن الإصلاح إما أن يكون قد جاء نتيجة اتباع منهج نزل من؛ فتوازنت به حركة الإنسان مع حركة الكون، ولم تتعاند الحركات؛ بل تتساند وتتعاضد، ويتواجد المجتمع المنشود.

وإما أن هؤلاء الناس لم يؤمنوا بمنهج سماوي، ولكنهم اهتدوا إلى أسلوب عمل يريحهم، مثل الأمم الملحدة التي اهتدت إلى شيء ينظم حياتهم؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لم يمنع العقل البشري أن يصل إلى وضع قانون يريح الناس.

لكن هذا العقل لا يصل إلى هذا القانون إلا بعد أن يرهق البشر من المتاعب والمصاعب، أما المنهج السماوي فقد شاء به الله -سبحانه- أن يقي الناس أنفسهم من التعب، فلا تعضهم الأحداث.

وهكذا نجد القوانين الوضعية وهي تعالج بعض الداءات التي يعاني منها البشر، لا تعطي عائد الكمال الاجتماعي، أما قوانين السماء فهي تقي البشر من البداية فلا يقعون فيما يؤلمهم.

وهكذا نفهم قول الحق -سبحانه-: (وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117).

لأنهم إما أن يكونوا متبعين لمنهج سماوي، وإما أن يكونوا غير متبعين لمنهج سماوي، لكنهم يصلحون أنفسهم.

إذن: فالحق -سبحانه وتعالى- لا يهلك القرى لأنها كافرة؛ بل يبقيها كافرة ما دامت تضع القوانين التي تنظم حقوق وواجبات أفرادها؛ وإن دفعت ثمن ذلك من تعاسة وآلام.

ولكن على المؤمن أن يعلن لهم منهج الله؛ فإن أقبلوا عليه ففي ذلك سعادتهم، وإن لم يقبلوا؛ فعلى المؤمنين أن يكتفوا من هؤلاء الكافرين بعدم معارضة المنهج الإيماني.

ولذلك نجد -في البلاد التي فتحها الإسلام- أناساً بَقَوْا على دينهم؛ لأن الإسلام لم يدخل أي بلد لحمل الناس على أن يكونوا مسلمين، بل جاء الإسلام بالدليل المقنع مع القوة التي تحمي حق الإنسان في اختيار عقيدته.

يقول الله جَلَّ علاه: (لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).

فإذا كانت بعض المجتمعات غير مؤمنة بالله، ومُصْلِحة؛ فالحق -سبحانه- لا يهلكها بل يعطيهم ما يستحقونه في الحياة الدنيا؛ لأنه -سبحانه- القائل: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (الشورى: 20).

ويقول الحق -سبحانه- من بعد ذلك: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً...).



سورة هود الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

سورة هود الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 116-120   سورة هود الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:55 am

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونحن نعلم أن الإنسان قد طرأ على هذا الكون بعد أن خلق الله -سبحانه- في هذا الكون كل مقومات الحياة؛ المسخرة بأمر الله لهذا الإنسان؛ ليمارس مهمة الخلافة في الأرض؛ ولم تتأبَّ تلك الكائنات على خدمة الإنسان، سواء أكان مؤمناً أم كافراً؛ لأن الحق -سبحانه- هو الذي استدعى الإنسان إلى الوجود، وما دام قد استدعاه؛ فهو -سبحانه- لن يضن عليه بمقومات هذا الوجود؛ من بقاء حياة، وبقاء نوع.

وهذا هو عطاء الربوبية الذي كفله الله -سبحانه- لكل البشر: مؤمنهم وكافرهم، وهو عطاء يختلف عن عطاء الألوهية المتمثل في المنهج الإيماني: "افعل" و "لا تفعل".

ومن يأخذ عطاء الألوهية مع عطاء الربوبية فهو من سعداء الدنيا والآخرة.

إذن: فقدرة الله -سبحانه- قد أرغمت الكون - دون الإنسان - أن يؤدي مهمته، وكان من الممكن أن يجعل البشر أمة واحدة مهتدية لا تخرج عن نظام أراده الله -سبحانه وتعالى- كما لم تخرج الشمس أو القمر أو الهواء أو أي من الكائنات الأخرى المسخَّرة عن إرادته.

لأن الحق - تبارك وتعالى - أثبت لنفسه طلاقة القدرة في تسخير أجناس لمراده؛ بحيث لا تخرج عنه، وذلك يثبت لله -سبحانه- القدرة ولا يثبت له المحبوبية.

أما الذي يثبت له المحبوبية فهو أن يخلق خَلْقاً؛ ويعطيهم في تكوينهم اختياراً.

ويجعل هذا الاختيار كلَّ واحدٍ فيهم صالحاً أن يطيع، وصالحاً أن يعصي، فلا يذهب إلى الإيمان والطاعة إلا لمحبوبية الله -تعالى وهكذا نعلم أن الكون المسخَّر المقهور قد كشف لنا سَيَّال القدرة، والجنس الذي وهبه الله الاختيار إن أطاع فهو يكشف لنا سيال المحبوبية.

والحق -سبحانه- هو القائل: (فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29).

ولكن أيُترك الإنسان حتى يأتي له الغرور في أنه يملك الاختيار دائماً؟

لا.       

فمع كونك مختاراً إياك أن تغتر بهذا الاختيار؛ لأن في طيِّك قهراً، وما دام في طيك قهر فعليك أن تتأدب؛ ولا تتوهَّم أنك مختار في أن تؤمن بالله أو لا تؤمن؛ ولا تتوهم أنك مُنفلت من قبضة الله -تعالى - فهو يملك زمامك في القهريات التي تحفظ لك حياتك مثل: الحيوان والنبات والجماد، ولكنه -سبحانه- ميَّزك بالعقل.

وخطأ الإنسان دائماً أنه قد يعطي الأسماء معاني ضد مسمياتها، فكلمة "العقل" مأخوذة من "عقل" وتعني: "ربط"؛ فلا تجمح بعقلك في غير المطلوب منه؛ لأن مهمة العقل أن يكبح جماحك.

وتذكر دائماً: في قبضة من أنت؛ وفي زمام من أنت؛ وفي أي الأمور أنت مقهور؟

وما دُمْتَ مقهوراً في أشياء فاختر أن تكون مقهوراً لمنهج الله -سبحانه- واحفظ أدبك مع الله، واعلم أنه قد وهبك كل وجودك سواء ما أنت مختار فيه أو مقهور عليه.

وانظر إلى من سلبهم الحق -سبحانه- بعض ما كانوا يظنون أنها أمور ذاتية فيهم، فتجد من كان يحرك قدمه غير قادر على تحريكها، أو يحاول أن يرفع يده فلا يستطيع.

ولو كانت مثل هذه الأمور ذاتية في الإنسان لما عَصَتْه، وهذا دليل على أنها أمور موهوبة من الله، وإنْ شاء أخذها، فهو -سبحانه- يأخذها ليؤدِّب صاحبها.

وما دام الإنسان بهذا الشكل، فليقُل لنفسه: إياك أن تَغترَّ بأن الله جعل فيك زاوية اختيار، وتذكّر أنك على أساس من هذه الزاوية تتلقَّى التكليف من الله بـ"افعل"، و"لا تفعل"؛ لأن معنى "افعل كذا": أنك صالحٌ ألاّ تفعل؛ ومعنى "لا تفعل كذا": أنك صالحٌ أنْ تفعل؛ لأن لديك منطقة اختيار؛ ولكن لديك في زواياك الأخرى منطقة قَهْرٍ وتسخير، فتأدَّبْ في منطقة الاختيار، كما تأدبت في منطقة الاضطرار والقهر.

وقد وصف الحق -سبحانه- الإنسان بأنه كنود، قال تعالى: (إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (العاديات: 6).

لإن الإنسان لا يتذكر أحياناً أن مهمة عقله الأولى هي أن يعقل حدوده، وأن يقول لنفسه: ما دامت الحيوانية فيَّ مقهورة، وما دامت الجمادية فيَّ مقهورة؛ فَلأكُنْ مؤدباً مع ربي، وأجعل منطقة الاختيار على مراد منهج الله.

وأنت إنْ أردتَ أن تضع إحصائية لـ "افعل" ولا "تفعل" لوجدت ما لم يَرِدْ فيه تكليف بـ "افعل" و"لا تفعل" لا يقل عن خمسة وتسعين في المائة من حركة الحياة، وهو المباح.

وأنزل الله -سبحانه- التكليف لتنضبط به حركة حياتك كلها - إنْ جعلت التكليف هو مرادك - وهو لن يأخذ أكثر من خمسة في المائة من حركة الحياة، ويعود خير ذلك عليك.

فساعة يقول لك التكليف: عليك أن تزكِّي عن مالك، فلابد لك من أن تقدِّر المقابل، لأنك إن افتقرتَ واحتجْتَ؛ سيأتيك من زكاة الآخرين ما يلبِّي احتياجاتك، فمن "افعل" التي تلتزم بها ويلتزم بها غيرك تأتي الثمرة التي تسدُّ عجز أي ضعف في المجتمع الإيماني بالتراحم المتبادل النابع عن اليقين بالمنهج.

وحين يقول لك التكليف: لا تعتدِ على حُرمات الغير، فهو يقيِّد حريتك في ظاهر الأمر، لكنه يحمي حُرماتك من أن يعتدي عليها الغير، وحين تتعقل أوامر التكليف كلها ستجدها لصالحك؛ سواء أكان الأمر بـ"افعل" أو"لا تفعل".

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) (هود: 118).

و"لو" تفيد الامتناع.

أي: أن الله -تعالى - لم يجعل الناس أمة واحدة، بل جعلهم مختلفين.

وقد حاول بعض من الذين يريدون أن يدخلوا على الإسلام بنقد ما، فقالوا: ألاَ تتعارض هذه الآية مع قول الله: (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ) (البقرة: 213).

وظن أصحاب هذا القول أن البشر لم يلتفتوا إلى خالقهم من البداية؛ ثم بعث الله الأنبياء ليلفتهم إلى المنهج.

ونقول لهؤلاء: لا.

فقد ضمن الحق -سبحانه- للناس قُوتَهم وقوام حياتهم، وكذلك ضمن لهم المنهج الإيماني منذ أن أمر آدم وزوجه بالهبوط إلى الأرض لممارسة مهمة الخلافة فيها، وقال الله -سبحانه-: (فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ) (طه: 123).

ولو استقصى هؤلاء الآيات التي تعالج هذا الأمر، وهي ثلاث آيات؛ فهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) (هود: 118).

وفي الآية التي ظنوا أنها تتعارض مع الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها- يقول -سبحانه-: (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (البقرة: 213).

وهكذا نعرف أن الحق -سبحانه وتعالى- أنزل المنهج مع آدم -عليه السلام- ثم طرأتْ الغفلة؛ فاختلف الناس، فبعث الله الأنبياء ليحكموا فيما اختلف فيه الناس.

إذن: فقول الله -تعالى: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) (هود: 118).

يعني أنه -سبحانه- لو شاء لجعل الناس كلهم على هداية؛ لأنه بعد أن خلقهم؛ وأنزلهم إلى الأرض؛ وأنزل لهم المنهج؛ كانوا على هداية، ولكن بحكم خاصية الاختيار التي منحها الله لهم، اختلفوا.

ثم يقول الحق -سبحانه-: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود: 118).

أي: أنهم سيظلون على الخلاف.

ويأتي الحق -سبحانه وتعالى- في الآية التالية بالاستثناء فيقول: (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ...).



سورة هود الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

سورة هود الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 116-120   سورة هود الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:56 am

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: أن الحق -سبحانه- قد خَلَقَ الخَلْق للرحمة والاختلاف.

وساعة نرى "اسم إشارة" أو "ضميراً" عائداً على كلام متقدِّم، فنحن ننظر ماذا تقدم.

والمتقدم هنا: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) (هود: 118-119).

والحق -سبحانه وتعالى- حين تكلم عن خلق الإنسان قال: (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56).

ومعنى العبادة هو طاعة الله -سبحانه- في "افعل" و"لا تفعل" وهذا هو المراد الشرعي من العبادة؛ ولكن المرادات الاجتماعية تحكَّمتْ فيها خاصية الاختيار، فحدث الاختلاف، ونشأ هذا الاختلاف عن تعدُّد الأهواء.

فلو أن هَوَانَا كان واحداً؛ لما اختلفنا، ولكنّا نختلف نتيجة لاختلاف الأهواء، فهذا هواه يميني؛ وذاك هواه يساري؛ وثالث هواه شيوعيٌّ؛ ورابع هواه رأسماليّ؛ وخامس هواه وجوديّ، وكل واحد له هوى.

ولذلك قال الحق -سبحانه-: (وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ((المؤمنون: 71).

ولم يكن العالم ليستقيم؛ لو اتبع الله -سبحانه- أهواء البشر المختلفة، ولكن أحوال هذا العالم يمكن أن تستقيم؛ إذا صدرتْ حركته الاختيارية عن هوًى واحد؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به".

وفي حياتنا اليومية نلاحظ أن الأعمال التي تسير بها حركة الحياة وبدون أن ينزل تكليف فيها؛ نجد فيها اختلافاً لا محالة؛ لأن الحق -سبحانه وتعالى- لو شاء لخلقنا كلنا عباقرة في كل مناحي الحياة؛ أو يخلقنا كلنا شعراء أو أطباء أو فلاسفة.

ولو شاء -سبحانه- ذلك فمن سيقوم بالأعمال الأخرى؟

فلو أننا كنا كلنا أطباء فمن يقوم بأعمال الزراعة وغيرها؟

ولو كنا جميعاً مهندسين؛ فمن يقوم بأعمال التجارة وغيرها؟

وقد شاء الحق -سبحانه- أن يجعل مواهبنا مختلفة ليرتبط العالم ببعضه ارتباط تكاملٍ وضرورة؛ لا ارتباط تفضُّل.

ولذلك يقول الحق -سبحانه-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) (الزخرف: 32).

وهكذا نعرف أن رفع الدرجات لا يعني تلك النظرة الحمقاء الرعناء، والتي تدعي أن في ذلك التقسيم رفعة للغنى وتقليلاً لشأن الفقير؛ لأن الواقع يؤكد أن كل إنسان هو مرفوع في جهة بسبب ما يُحسنه فيها؛ ومرفوع عليه في جهة أخرى بسبب ما لا يُحسنه ويُحسنه غيره، وغيره مكمل له.

وهكذا يتبادل البشر ما يحققه اختلاف مواهبهم، واختلاف المواهب هي مقومات التلاحم.

ولذلك قلنا: إن مجموع سمات ومواهب كل إنسان إنما يتساوى مع مجموع سمات ومواهب كل إنسان آخر، ولا تفاضل إلا بالتقوى؛ وقيمة كل امرىء ما يُحسنه.

وقد ترى صاحب السيارة الفارهة وهو يرجو عامل إصلاح السيارات الذي يرتدي ملابس رثة ومتسخة؛ ليصلح له سيارته؛ فيقول له العامل: لا وقت عندي لإصلاح سيارتك؛ فيلحّ صاحب السيارة الفارهة بالرجاء؛ فيرضى العامل ويرق قلبه لحال هذا الرجل صاحب السيارة الفارهة ويذهب لإصلاحها.

لذلك أقول: إذا نظرتَ لمن هو دونك في أي مظهر من مظاهر الحياة؛ فلا تغترَّ بما تفوقتَ وتميزتَ به عليه؛ ولكن قُلْ لنفسك: لابد أن هذا الإنسان متفوق في مجال ما.

ونحن نعلم أن الله -سبحانه وتعالى- ليس له أبناء ليميز واحداً بكامل المواهب، ويترك آخر دون موهبة.

ولذلك يقول الحق -سبحانه- هنا: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود: 118-119).

وإن كان الاختلاف في المقدرات والمنهج؛ فهذا ما يولِّد الكفر أو الإيمان، ولنا أن نعرف أن الكفر له رسالة؛ بل هو لازم ليستشعر المؤمن حلاوة الإيمان.

ولو لم يكن للكفر وظيفة لما خلقه الله.

وقد قلت قديماً: إن الكفر يعاون الإيمان؛ مثلما يعاوِن الألم العافية، فلولا الألم لما جئنا بالطبيب ليشخِّص الداء، ويصفَ الدواء الشافي بإذن الله.

ولذلك نقول: الألم رسول العافية.

والحق -سبحانه- يقول هنا: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) (هود: 118-119).

وأنت إن دقَّقت النظر في الاختلاف لوجدته عين الوفاق.

ومثال ذلك: اختلاف أبنائك فيما يحبونه من ألوان الطعام، فتجد ابناً يفضِّل صدر الدجاجة، وآخر يفضل الجزء الأسفل منها "الوَرِك"، وتضحك أنت لهذا الاختلاف، لأنه اختلاف في ظاهر الأمر، ولكن باطنه وِفَاق، لو اتفقنا جميعاً في الأمزجة لوجدنا التعاند والتعارض؛ وهذا ما ينتشر بين أبناء المهنة الواحدة.

ولمن يسأل: هل الخلق للاختلاف أم الخلق للرحمة؟

نقول: إن الخلق للاختلاف والرحمة معاً، لأن الجهة مُنفكَّة.

ثم يقول -سبحانه- في نفس الآية: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود: 119).

والحق -سبحانه- قد علم أزلاً بمن يختار الإيمان ومن يختار الكفر، وهذا من صفات العلم الأزليّ لله -سبحانه وتعالى- ولذلك قال -سبحانه-: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي: علم -سبحانه- مَنْ مِنْ عباده سيختار أن يعمل في الدنيا عملَ أهل النار، ومن سيختار أن يعمل عملَ أهل الجنة؛ لسبْق علمه الأزليّ بمرادات عباده واختياراتهم.

وسبق أن ضربنا مثلاً -ولله المثل الأعلى- بعميد الكلية الذي يعلن للأساتذة ضرورة ترشيح المتفوقين في كل قسم؛ لأن هناك جوائز في انتظارهم، فيرشح كل أستاذ أسماء المتفوقين الذين لمسَ فيهم النبوغ والإخلاص للعلم، ويطلب العميد من أساتذة من خارج جامعته أن يضعوا امتحانات مفاجئة لمجموع الطلاب؛ ويُفاجأ العميد بتفوق الطلبة الذين لمس فيهم أساتذتهم النبوغ والإخلاص للعلم، وهنا يتحقق العميد من صدق تنبؤ الأساتذة الذين يعملون تحت قيادته.

ولكن قد تحدث مفاجأة: أن يتخلف واحد من هؤلاء الطلبة لمرض أصابه أو طارىء يطرأ عليه من تعب أعصاب أو إرهاق أو غير ذلك؛ وبهذا يختلّ تقدير أستاذه؛ لكن تقدير الحق -سبحانه- مُنزَّه عن الخطأ، وما عَلِمه أزلاً فهو مُحقَّق لا محالة؛ لذلك بيَّن لنا أنه عِلْم أزليّ، ويتحدى الكافر به أن يغيره.

وكلنا يعرف أن الحق -سبحانه- أنزل قوله الكريم: (تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد: 1).

وسمعها أبو لهب ولم يتحدها بإعلان الإيمان - ولو نفاقاً.

وقول الحق: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) تبيِّن لنا أن الحق -سبحانه- إنْ قال شيئاً فهو قد تَمَّ بالفعل؛ فلا رادَّ لمشيئته، أما نحن فعلينا أن نسبق كل وعد بعمل سنقوم به بقول: (إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ) (الكهف: 24).

لأن الحق يقول لنا: (وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ) (الكهف: 23-24).

وفي هذا احترامٌ لوضعنا البشري، وإيمانٌ بغلبة القهر، ومعرفة لحقيقة أننا من الأغيار؛ لأن كل حدث من الأحداث يتطلب فاعلاً؛ ومفعولاً يقع عليه الفعل؛ ومكاناً؛ وزماناً؛ وسبباً؛ ولا أحدَ مِنَّا يملك أيَّ واحد من تلك العناصر.

فإن قُلْتَ: (إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ) تكون قد عصمتَ نفسك من أن تكون كاذباً، أو أن تَعِدَ بما لا تستطيع، لكن إذا كان مَنْ يقول هو مالك كل شيء، ولا قوة تخرجه عَمَّا قال، فهو وحده القادر على أن ينفِّذ ما يقول.

ولذلك قلنا: إن كل فعل يُنسب إلى الله -تعالى - يتجرد عن الزمن؛ فلا نقول: "فعل ماضٍ" أو "فعل سيحدث في المستقبل" أو "فعل مضارع"؛ لأن تلك الأمور إنما تُقاسُ بها أفعال البشر، لكن أفعال الله -سبحانه- لا تقاس بنفس المقياس، ف-سبحانه- حين يقرر أمراً فنحن نأخذه على أساس أنه قد وقع بالفعل.

والحق -سبحانه- يقول: (أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل: 1).

وقوله -سبحانه-: (أَتَىٰ) بمعنى: تَقرَّر الأمر ولم يُنفَّذ -بعد- فلا تتعجَّلوه؛ وهذا هو تحدِّي القيومية القاهرة، ولا توجد قوة قادرة على أن تمنع وقوع أمر شاءه الله -سبحانه وتعالى- فهو يحكم فيما يملك، ولا مُنَازِع له -سبحانه- وقوله الحق: (لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود: 119).

فسببه أن الإنس والجن هما الثقلان المكلَّفان.

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ...).



سورة هود الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

سورة هود الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 116-120   سورة هود الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:57 am

وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وساعة ترى التنوين في قوله الحق (وَكُـلاًّ) فاعلمْ أن المقصود هو قصة كل رسول جاء بها الحق -سبحانه- في القرآن الكريم.

وحين يتكلم الحق -سبحانه وتعالى- عن فعل قد أحدثه؛ فلنا أنْ ننظر: هل هذا الفعل مأخوذ من صفة له -سبحانه- أم مأخوذ من اسم موجود؟

فيحقّ لنا أن نأخذ الاسم ونأخذ الفعل مثل قوله -تعالى: (خَلَقَكُمْ) (النحل: 70).

نعلم منه أنه -سبحانه- خالق، ولكن إنْ جاء فعل ليس له أصل في أسماء الله الحسنى، فإياك أنْ تشتقَّ من الفعل اسماً لله.

ومثال ذلك قوله -سبحانه-: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ) (هود: 120).

والذي يقصُّ هنا هو الله -سبحانه- لكن لا أحد في إمكانه أن يقول: إن الله قصَّاص، مثلما لا يحق لأحد أن يقول: إن الله ماكر، رغم أن الله -سبحانه- قد قال: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).

وكذلك لا يصح لأحد أن يقول: الله المخادع، رغم أن الحق -سبحانه- قد قال: (إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) (النساء: 142).

وهكذا نتعلم أدب الحديث عن الله المتصف بكل صفات الكمال والجلال؛ وأن نكتفي بقول: إن مثل هذا الفعل جاء للمشاكلة ما دام ليس له وجود ضمن أسماء الله الحسنى.

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ) (هود: 120).

و"أنباء" جمع "نبأ"، وهو الخبر العظيم الذي له أهمية، والذي يختلف به الحال عند العلم به، وأخبار الرسل -عليهم السلام- تتناثر لقَطاتٍ مختلفة عَبْرَ سور القرآن الكريم، موضحة ما جاء به كل رسول معالجاً الداء الذي عانى منه قومه، وكذلك ما عاناه كل رسول من عَنَت القوم المبعوث لهم، وجاء ذكر تلك الأنباء في القرآن لتثبيت فؤاد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الرسول سيصادف في الدعوة المتاعب والصعاب.

وقد ذكر القرآن بعضاً من تلك المواقف، يقول الحق -سبحانه-: (وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ) (البقرة: 214).

ويقول الحق -سبحانه- مصوِّراً حال المؤمنين: (إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ) (الأحزاب: 10).

ومثل هذه المواقف تقتضي تثبيت الفؤاد؛ بمعنى تسكينه على منطق اليقين الإيماني بربٍّ أرسله رسولاً ليبلِّغ منهجاً، وما كان الله -سبحانه- ليرسل رسولاً ليبلِّغ منهجاً ثم يُسلمه لأعدائه.

فإذا ما ذكر له أخبار الرسل والصعاب التي تعرضوا لها تهون عليه المصاعب التي يتعرض لها، ويثبت فؤاده.

و"الفؤاد" هو ما نقول عنه: "القلب"، وهو وعاء العقائد، بمعنى أن المخ يستقبل من الحواس -وسائل الإدراكات من عين ترى، ومن أذن تسمع، ومن أنف يشُم، ومن فَمٍ يستطعم، ومن كفٍّ تلمس- فتتولد المعلومات التي يصنفها المخ، ويرتبها كقضايا عقلية.

ويناقش المخ تلك القضايا العقلية إلى أن تصح القضية العقلية صحة لا يأتي بعدها ما ينقضها، فيسقطها المخ في الفؤاد لتصير عقيدة؛ لا تطفو بعدها إلى العقل لتُناقش من جديد؛ ولذلك يسمونها "عقيدة" - من العقدة - فلا تتذبذب بعد ذلك.

إذن: فالفؤاد هو الوعاء القابل للقضايا التي انتهى المخ من تمحيصها تمحيصاً وصل فيه إلى الحق، وأسقطها على القلب ليدير حركة الحياة على مُقْتضاها.

وعلى سبيل المثال: نجد الشاب الذي يفكر في مستقبله، فيدرس مزايا وعيوب المهن المختلفة ليختار منها التخصص الذي يتناسب مع مواهبه؛ وأحلامه، ثم يدرس المحسَّات التي استقبلها بحواسه ليُمحِّصها بعقله؛ وما ينتهي إليه عقله يسقطه في قلبه؛ ليصير عقيدة يدير بها حركة حياته.

مثال هذا: أنه قد استقر في وجدان الناس وعقولهم أن النار مُحْرقة، ولكن من أين جاء هذا اليقين في أن النار محرقة؟

نقول: جاء من أمر حسي بأن شاهد الناس أن مَنْ مسَّته النار أحرقته.

لابد -إذن- أن يكون القلب ثابتاً؛ غير مذبذب.

ولذلك يقول الحق -سبحانه-: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود: 120).

لأن الفؤاد هو الوعاء الذي من مهمته أن يكون مستعداً لاستقبال كلمة الحق؛ وليقبل تنبيه الذكرى، وجلال الموعظة، وكمال الوارد من الحق -سبحانه- وما يأتي من الحق -سبحانه- هو الحق أيضاً، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يطرأ عليه تغيير.

وحق الحق ينبوع العقيدة الذي ستصدر عنه طاعة التكليف، ولابد أن يكون الإنسان على ثقة من حكمة المكلِّف قبل أن يُقبِلَ على التكليف؛ لذلك لزم أن يأتي الدليل على وجود الحق -سبحانه- وهو قمة الوجود الأعلى - قبل أن تأتي الموعظة، ويكون الإيمان بالوجود الأعلى الذي لا يتغير ولا تطرأ عليه الأغيار هو السابق لمجيء تلك الموعظة.

لأن الموعظة قد تتطلب من الإنسان شيئاً يكره أن يلتزم به، وهي هنا صادرة من الحق -سبحانه- الذي خلق، ولا يمكن أن يغش أو يخدع مخلوقاته، ويحملها لك رسول منه -سبحانه- وقد تكره الموعظة إن صدرت عن إنسان مثلك؛ لأنه لن يَعِظك إلا بكمال يتميز به ليعدد نقصاً فيك، وإن لم يكن الواعظ يتمتع بالكمال الذي يعظ به؛ بالموعوظ سيردُّ على الواعظ قائلاً: فَلْتعِظْ نفسك أولاً.

ولذلك نجد قول الحق -سبحانه-: (كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 3).

لأن الواعظ الذي يَعِظُ بما لا يطبقه على نفسه يعطي الحجة للموعوظ ليرفض الموعظة؛ وليقول لنفسه: "لو كان في هذا الأمر خير لطبَّقه على نفسه".

وهكذا بيَّنت الآية الكريمة موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- كمُثَبَّتٍ، وأيضاً موقف المؤمنين برسالته كمذكَّرين من الرسول بأنهم سيتعرضون للمتاعب؛ متاعب مشقة التكليف التي سيعاني منها مَنْ لا يأخذ التكليف بعمق الفهم.

فقد يرى بعض المكلَّفين -مثلاً- أن الأمر بغَضِّ الطَّرْف حرمانٌ من شهوة طارئة ولا يَسْبر غورَ الفهم بأن في غَضِّ الطَّرْف أمراً لكافة المؤمنين أن يغضوا الطرف عن محارمه، وقد يرى في الزكاة أنها أخْذٌ من ماله، ولا يَسْبر غور الفهم بأن في الزكاة تأميناً له إنْ مرَّت عليه الأغيار وصار فقيراً؛ عندئذ سيقدم له المجتمع الإيماني التأمين الاجتماعي الذي يحميه وعياله من مَغبَّة السؤال.

وعمق الفهم أمر مطلوب؛ لأن الحق -سبحانه- هو القائل: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ) (النساء: 82).

لأنك حين تتدبر المعاني ستعلم أن التكليف هو تشريف لك؛ وستقول لنفسك: "ما كلفني الله إلا لخير نفسي؛ وإن ظهر أنه لخير الناس".

ومن المتاعب أيضاً ما يلقاه المؤمنون من عنت المستفيدين من الفساد؛ هؤلاء الذين يعيشون على الانتفاع من المفاسد، ويواجهون كل من يريد أن يقضي على الفساد؛ لأن الفساد في الأرض لا يعيش إلا إذا وُجِد منتفعٌ بهذا الفساد؛ والمنتفع بالفساد يكره ويعلن الخصومة لكلِّ مقاومٍ له.

إذن: فموقف خصوم النبي -صلى الله عليه وسلم- موقف طبيعي لصالحهم، ولكنهم -لحمقهم- حددوا الصالح بمصالحهم الآنية في الحياة الدنيا؛ ولم ينظروا إلى عاقبة ما يؤول إليه أمرهم في الآخرة نعيماً أو عذاباً.

ولو أنهم امتلكوا البصيرة؛ لعرفوا أن من مصلحتهم أن يوجد مَنْ يُقوِّمهم حتى لا يقدموا لأنفسهم شراً يوجد لهم في الآخرة.

ولو أنهم فَطِنوا؛ لعلموا أن الرسول كما جاء لصلاح المستضعفين المستغلين بالفساد؛ جاء أيضاً لصالحهم، ولو أنهم كانوا على شيء من التعقل؛ لكانوا من أنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولكان من الواجب عليهم كلما حدثتهم أنفسهم بالسعي إلى الفساد؛ وسمعوا من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما ينتظرهم نتيجة لهذا الفساد؛ أن يتبعوه وأن يشكروه؛ لأنه خلَّصهم من طاقة الشر الموجودة فيهم.

وهنا يوضح الحق -سبحانه- لرسوله: أنت لست بدعاً من الرسل، وكل رسول تعرَّض للمتاعب مثلما تتعرض أنت لمثلها، وأنت الرسول الخاتم، ولأن الدين الذي جئتَ به لن يأتي بعده دين آخر؛ لذلك لابد أن تتركز المتاعب كلها معك؛ فكُنْ على ثقة تماماً أنك مُصادِفٌ للمتاعب.

ولذلك نثبِّت فؤادك بما نقصُّه عليك من أنباء الرسل؛ لأن هذا الفؤاد هو الذي سيستقبل الحقائق الإيمانية من قمة "لا إله إلا الله" إلى أن يكون ذكرى تذكّرك والمؤمنين معك.

وهكذا بيَّنتْ الآية موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- كمثَّبت؛ وموقف المؤمنين كمذكَّرين من الرسول؛ لأنهم سيتعرضون للمتاعب أيضاً.

ونحن نعرف جميعاً ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأنصار حين بايعوه في العقبة على نصرته، وقالوا: إنْ نحن وفينا بما عاهدناك عليه؛ فماذا يكون لنا؟

ولم يَقُلْ لهم -صلى الله عليه وسلم-: "ستملكون الدنيا، وستصبحون سادة الفُرْس والروم"، بل قال لهم: "لكم الجنة".

لأنه -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن منهم مَنْ سيموت قبل أن تتحقق تلك الانتصارات؛ لذلك وعدهم بالقَدْر المشترك الذي يتساوى فيه مَنْ يموت بعد إعلانه للإيمان، وبين مَنْ سيعيش ليشهد تلك الانتصارات.

وهكذا تبينا كيف تضمَّنت الآية الكريمة تثبيت فؤاد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وكيفية إعداد هذا الفؤاد لاستقبال الحق والموعظة وذكرى المؤمنين معه.

هذا هو الطرف الأول، فماذا عن الطرف الثاني؛ الطرف المكذِّب للرسول؟

كان ولابد أن يتكلم الحق -سبحانه- هنا عن المكذِّبين للرسول؛ لأن استدعاء المعاني يجعل النفس قابلة للسماع عن الطرف الآخر.

وما دام الحق -سبحانه- قد تكلم عن تثبيت وعاء الاستقبال، والموعظة، وتذكير المؤمنين؛ لحظة أن تخور منهم العزائم، فلابد -إذن- أن يتكلم -سبحانه- عن القسم الآخر؛ وهو القسم المكذِّب، فيوضح -سبحانه- لرسوله أن له أن يتحداهم ولا يتهيَّب.

يقول الحق -سبحانه-: (وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ...).



سورة هود الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة هود الآيات من 116-120
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: هـود-
انتقل الى: