منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة هود الآيات من 006-010

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: سورة هود الآيات من 006-010   سورة هود الآيات من 006-010 Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 2:06 am

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وحين يذكر القرآن الكريم لقطة توضح صفة ما، فهو يأتي بما يتعلق بهذه الصفة، وما دام الحق -سبحانه- عليماً بذات الصدور، فهذا علم بالأمور السلبية غير الواضحة، والحق -سبحانه- يعلم الإيجابيات أيضاً، فهو يعلم النية الحسنة أيضاً، ولكن الكلام هنا يخص جماعة يثنون صدورهم.

وجاء في الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها-، وبيَّن أنه عليم بكل شيء.

وقال -سبحانه-: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) (هود: 6).

والدابة: كل ما يدب على الأرض، وتستخدم في العرف الخاص للدلالة على أي كائن يدب على الأرض غير الإنسان.

وفي آية أخرى يقول الحق -سبحانه-: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) (الأنعام: 38).

وذكر الحق -سبحانه وتعالى- عن موسى عليه السلام أنه شُغِل - حينما كُلِّف - بخواطر عن أهله، وتساءل: كيف أذهب لأداء الرسالة وأترك أهلي؟

فأوحى له الله -سبحانه- أن يضرب حجراً فانفلق الحجر عن صخرة، فأمره الحق -سبحانه- أن يضرب الصخرة، فضربها فانفلقت ليخرج له حجر، فضرب الحجر فانشق له عن دودة تلوك شيئاً كأنما تتغذى به، فقال: إن الذي رزق هذه في ظلمات تلك الأحجار كلها لن ينسى أهلي على ظهر الأرض.

ومضى موسى عليه السلام إلى رسالته.

وهذا أمر طبيعي؛ لأن الحق -سبحانه- خالق كل الخلق، ولابد أن يضمن له استبقاء حياة واستبقاء نوع؛ فاستبقاء الحياة بالقوت، واستبقاء النوع بالزواج والمصاهرة.

إذن: فمن ضمن ترتيبات الخلق أن يوفر الحق -سبحانه وتعالى- استبقاء الحياة بالقوت، واستبقاء النوع بالتزاوج.

ولذلك نقول دائماً: يجب أن نفرق بين عطاء الإله وعطاء الرب، فالإله -سبحانه- هو رب الجميع، لكنه إله من آمن به.

وما دام الحق -سبحانه- هو رب الجميع، فالجميع مسئولون منه؛ فالشمس تشرق على المؤمن وعلى الكافر، وقد يستخرج الكافر من الشمس طاقة شمسية وينتفع بها، فلماذا لا يأخذ المؤمن بالأسباب؟

والهواء موجود للمؤمن والكافر؛ لأنه عطاء ربوبية، فإن استفاد الكافر من الهواء ودرسه، واستخدم وخواصه أكثر من المؤمن؛ فعلى المؤمن أن يجدَّ ويكدَّ في الأخذ بالأسباب.

إذن: فهناك عطاء للربوبية يشترك فيه الجميع، لكن عطاء الألوهية إنما يكون في العبادة، وهو يُخرجك من مراداتك إلى مرادات ربك، فحين تطلب منك شهواتك أن تفعل أمراً فيقول لك المنهج: لا.

وفي هذا تحكم منك في الشهوات، وارتقاء في الاختبارات، أما في الأمور الحياتية الدنيا، فعطاء الربوبية لكل كائن ليستبقي حياته.

وهنا يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا) (هود: 6).

وكلمة "على" تفيد أن الرزق حق للدابة، لكنها لم تفرضه هي على الله -سبحانه وتعالى-، ولكنه -سبحانه- قد ألزم نفسه بهذا الحق.

ويقول -سبحانه-: (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) (هود: 6).

ولأنه -سبحانه- هو الذي يرزق الدابة فهو يعلم مستقرها وأين تعيش؛ ليوصل إليها هذا الرزق.

والمستقر: هو مكان الاستقرار، والمستودع: هو مكان الوديعة.

والحق -سبحانه- يُعْلِمنا بذلك ليطمئن كل إنسان أن رزقه يعرف عنوانه، والإنسان لا يعلم عنوان الرزق.

فالرزق يأتي لك من حيث لا تحتسب، لكن السعي إلى الرزق شيء آخر؛ فقد تسعى إلى رزق ليس لك، بل هو رزق لغيرك.

فمثلاً: أنت قد تزرع أرضك قمحاً فيأتي لك سفر للخارج، وتترك قمحك؛ ليأكله غيرك، وتأكل أنت من قمح غيرك.

ولذلك يقول الحق -سبحانه-: (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (هود: 6).

أي: أن كل أمر مكتوب، وهناك فرق بين أن تفعل ما تريد، ولكن لا يحكم إرادتك مكتوب؛ فما يأتي على بالك تفعله، وبين أن تفعل أمراً قد وضعت خطواته في خطة واضحة مكتوبة، ثم تأتي أفعالك وفقاً لما كتبته.

ومن عظمة الخالق -سبحانه- أن كتب كل شيء، ثم يأتي كل ما في الحياة وفق ما كتب.

والدليل على ذلك -على سبيل المثال- أن الله -سبحانه- كان يوحي إلى رسوله بالسورة من القرآن الكريم، وبعد ذلك يُسرِّي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوحي، فيتلو السورة على أصحابه، فمن يستطيع الكتابة فهو يكتب، ومن يحفظ فهو يحفظ.

ثم يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، فيقرأ السورة كما كُتِبَتْ، ويأتي كل نجم من القرآن في مكانه الذي قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته، فكيف كان يحدث ذلك؟

لقد حدث ذلك بما جاء به الحق -سبحانه-، وأبلغه لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ) (الأعلى: 6).

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ...).



سورة هود الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 006-010   سورة هود الآيات من 006-010 Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 2:07 am

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقد تعرض القرآن الكريم لمسألة خلق الأرض والسماء أكثر من مرة.

وقلنا من قبل: إن الحق -سبحانه وتعالى- قد شاء أن يخلق الأرض والسماوات في ستة أيام من أيام الدنيا، وكان من الممكن أن يخلقها في أقل من طرفة عين بكلمة "كن" وعرفنا أن هناك فارقاً بين إيجاد الشيء، وطرح مكونات إيجاد الشيء.

ومثال ذلك -ولله المثل الأعلى- حين يريد الإنسان صنع "الزبادي"، فهو يضع جزءاً من مادة الزبادي -وتسمى "خميرة"- في كمية مناسبة من اللبن الدافىء، وهذه العملية لا تستغرق من الإنسان إلا دقائق، ثم يترك اللبن المخلوط بخميرة الزبادي، وبعد مضي أربع وعشرين ساعة يتحول اللبن المخلوط بالخميرة إلى زبادي بالفعل.

وهذا يحدث بالنسبة لأفعال البشر، فهي أفعال تحتاج إلى علاج، ولكن أفعال الخالق -سبحانه وتعالى- لا علاج فيها؛ لأنها كلها تأتي بكلمة "كن".

أو كما قال بعض العلماء: إن الله شاء أن يجعل خلق الأرض والسماوات في ستة أيام، وقد أخذ بعض المستشرقين من هذه الآية، ومن آيات أخرى مجالاً لمحاولة النيل من القرآن الكريم، وأن يدَّعوا أن فيه تعارضاً، فالحق -سبحانه وتعالى- هنا يقول: (وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (هود: 7).

وجاءوا إلى آية التفصيل وجمعوا ما فيها من أيام، وقالوا: إنها ثمانية أيام، وهي قول الحق -سبحانه-: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ * ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ (
(فصلت: 9-12).

وهنا قال بعض المستشرقين: لو كانت هذه قصة الخلق للأرض والسماوات لطابقت آية الإجمال آية التفصيل.

وقال أحدهم: لنفرض أن عندي عشرة أرادب من القمح، وأعطيت فلاناً خمسة أرادب وفلاناً ثلاثة أرادب، وفلاناً أعطيته إردبين، وبذلك ينفد ما عندي؛ لأن التفصيل مطابق للإجمال.

وادَّعى هذا البعض من المستشرقين أن التفصيل لا يتساوى مع الإجمال.

ولم يفطنوا إلى أن المتكلم هو الله -سبحانه وتعالى-، وهو يكلم أناساً لهم مَلَكَةُ أداءٍ وبيان وبلاغة وفصاحة؛ وقد فهم هؤلاء ما لم يفهمه المستشرقون.

هم فهموا، كأهل فصاحة، أن الحق -سبحانه وتعالى- قد خلق الأرض في يومين، ثم جعل فيها رواسي وبارك فيها، إما في الأرض أو في الجبال، وقدَّر فيها أقواتها، وكل ذلك تتمة للحديث عن الأرض.

ومثال ذلك: حين أسافر إلى الإسكندرية فأنا أصل إلى مدينة طنطا في ساعة -مثلاً- وإلى الإسكندرية في ساعتين، أي: أن ساعة السفر التي وصلت فيها إلى طنطا هي من ضمن ساعتي السفر إلى الإسكندرية.

وكذلك خلق الأرض والرواسي وتقدير القوت، كل ذلك في أربعة أيام متضمنة يَوْمَىْ خَلْق الأرض، ثم جاء خلق السماء في يومين.

ثم يقول الحق -سبحانه-: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ) (هود: 7).

كل هذه المسائل الغيبية لها حجة أساسية، وهي أن الذي أخبر بها هو الصادق، فلا أحد يشك أن الأرض والسماوات مخلوقة، ولا أحد يشك في أن السماوات والأرض أكبر خلقاً من خلق الناس، وليس هناك أحد من البشر ادَّعى أنه خلق الأرض أو خلق السماوات.

وكل المخترعات البشرية نعرف أصحابها، مثل: المصباح الكهربي، والهاتف، والميكروفون، والتليفزيون، والسيارة، وغيرها.

ولكن حين نجيء إلى السماوات والأرض لا نجد أحداً قد ادعى أنه قد خلقها.

وقد أبلغنا الحق -سبحانه- أنه هو الذي خلقها، وهي لمن ادّعاها إلى أن يظهر مُعارِض، ولن يظهر هذا المعارض أبداً.

وكل هذا الخلق من أجل البلاء: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: 7).

أي: ليختبركم أيكم أحسن عملاً، ولكن من الذي يحدد العمل؟

إنه الله -سبحانه وتعالى- وهل الحق -سبحانه- في حاجة إلى أن يختبر مخلوقاته؟

لا.

فالله -سبحانه- يعلم أزلاً كل ما يأتي من الخلق، ولكنه -سبحانه- أراد بالاختبار أن يطابق ما يأتي منهم على ما علمه أزلاً؛ حجة عليهم.

وهكذا فاختبار الحق -سبحانه- لنا اختبار الحجة علينا.

ثم يقول الحق -سبحانه-: (وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) (هود: 7).

وهنا يصور الحق -سبحانه وتعالى- تكذيب المعاندين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم يلقون بالألفاظ على عواهنها من قبل أن تمر على تفكيرهم.

فلو أنهم قد مروا بهذه الكلمات على تفكيرهم؛ لاستحال منطقياً أن يقولوها.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- يخبرهم ببلاغ الحق -سبحانه وتعالى- لهم بأنهم مبعوثون من بعد الموت.

وهذا كلام إخباري بأنهم إن ماتوا -وهم سيموتون لا محالة- سيبعثهم الله -سبحانه-، فما كان منهم إلا أن قالوا: (إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) (هود: 7).

والخبر الذي يقوله لهم هو خبر، فما موقع السحر منه؟

إنهم يعلمون أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل ذلك إلا من نص القرآن الكريم، وهم يقولون عن القرآن الكريم إنه سحر، فكأن النص نفسه من السحر الذي حكموا به على القرآن.

وأوضحنا من قبل أن إبطال قضية السحر في القرآن الكريم دليله منطقي مع القول؛ لأنهم إن كانوا قد ادعوا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أن محمداً -في عُرفهم- قد سحر القوم الذين اتبعوه.

فالساحر له تأثير على المسحور، والمسحور لا دخل له في عملية السحر، فإذا كان محمد قد سحر القوم الذين اتبعوه، فلماذا لم يسحر هؤلاء المنكرين لرسالته؛ بنفس الطريقة التي سحر بها غيرهم؟

وحيث إنهم قد بقوا على ما هم عليه من عناد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا دليل على أن المسألة ليست سحراً، ولو كان الأمر كذلك لسحرهم جميعاً.

وقولهم: (إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) (هود: 7).

يدل على أنه سحر محيط، لا سحر لأناس خاصين، فكلمة (سِحْرٌ مُّبِينٌ) تعني: سحراً محيطاً بكل من يريد سحره.

وبقاء واحد على الكفر دون إيمان برسول الله يدل على أن المسألة ليست سحراً.

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ...).



سورة هود الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 006-010   سورة هود الآيات من 006-010 Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 2:09 am

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وساعة تجد (لَئِنْ) فافهم اللام الأولى التي بعد "و" إنما جاءت؛ لتدل على أن الكلام فيه قسم مؤكد، وإن كان محذوفاً، واكتفى باللام عن القسم، وتقديره: "والله لئن".

والقسم يأتي لتأكيد المقسم عليه بالمقسم به، وتأكيد المقسم عليه إنما يأتي لأن هناك من يشك فيه.

فأنت لا تُقسم لإنسان تلقاه وتقول له: والله لقد كنت عند فلان بالأمس.

إذن: فالقسم يأتي لشك طرأ عند السامع، وأنت لا تقسم ابتداء.

ويأتي القسم على مقدار مراتب الشك، وتأكيداً بأدواته.

والقرآن الكريم يقول هنا: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ) (هود: 8).

فالواو هنا هي واو القسم، وهنا أيضاً شرط، والقسم يحتاج لجواب، والشرط أيضاً يحتاج إلى جواب.

وإذا اجتمع الشرط والقسم فبلاغة الأسلوب تكتفي بجواب واحد، مثلما نقول: "والله إن فعلت كذا لأفعلن معك كذا".

وهكذا يُغْنِي جواب القسم عن جواب الشرط، والمتقدم سواء أكان قسماً أو شرطاً هو الذي يغني جوابه عن الآخر.

مثلما نقول: "والله إن جاء فلان لأكرمته"، فالقسم هنا متقدم، وأغنى جوابه عن جواب الشرط.

وإن قلت: إن جاءك فلان والله لتكرمه، فهنا الشرط هو المتقدم.

والاثنان متحدان، لكن غاية ما هناك أن القسم تأكيد والشرط تأسيس، فإذا تقدم ذو خبر على الاثنين -على الشرط وعلى القسم- نأتي بجواب الشرط فوراً، مثلما نقول: "زيد والله إن جاءك أكرمه"؛ لأن الشرط كما قلنا تأسيس، والقسم تأكيد، ويرجح هنا الشرط، لأن التأسيس أولى من التأكيد.

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ) (هود: 8).

والجواب هنا للقسم، وهو يغني عن جواب الشرط.

أي: أن العذاب يُؤخَّر.

وقد أوعد الحق -سبحانه- الكافرين بمحمد -صلى الله عليه وسلم- بأن يعذبهم، وكان العذاب للأمم السابقة هو عذاب استئصال، منهم من أرسل الله -سبحانه- عليه عاصفة، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أغرقه، ومنهم من خسف به الأرض.

فكأن مهمة الرسل السابقين أن يبلغوا الدعوة، ثم تتلوى السماء تأديب الكافرين بالرسالات.

ولكن الحق -سبحانه وتعالى- قد شاء أن يفضِّل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على الأمم كلها، وأن تعذِّب الكافرين في المعارك.

وحين يتوعدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعذاب، فللعذاب ميلاد، وقد يُؤخَّر ليرى المحيطون بالكافرين الضلال والفساد، فإذا ما وقع عذاب الله -سبحانه- على هؤلاء الكافرين، فلن يحزن عليهم أحد.

وهكذا أراد الله -سبحانه- الإمهال والإملاء ليكون لهما معنى واضح في الحياة، والإملاء للظالم؛ لتزداد مظالمه زيادة تجعل الأمة التي يعيش فيها تكره ظلمه، فإذا وقع عليه عذاب، لا يعطف عليه أحد.

ونحن نعلم أن النفس البشرية بنت المشهد، فحين يُقتل واحد وتمر سنوات على قضيته، ثم يصدر الحكم بإعدامه، فالناس تنسى لذعة القتل الأول، وتعطف على القاتل حين يصدر الحكم بإعدامه.

ولذلك أقول دائماً: إن من دواعي استمرار الجرائم إبطاءات المحاكمة، تلك الإبطاءات التي تجعل عواطف الناس من المجرم؛ لأن مشهد المقتول أولاً قد انتهى من ذاكرتهم.

ولكن لو استحضر الناس -وقت العقوبة- ظرف الجريمة؛ لَفرِحوا بالحكم على القاتل بالقتل.

ولذلك نجد الحق -سبحانه وتعالى- حينما يريد أن يعذب أحداً يقول: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ) (النور: 2).

وذلك ليتم التعذيب أمام المجتمع الذي شقى بإفسادهم وشقى بمظالمهم، فمن يُعتدَى على عرضه، ويرى عذاب المعتدي فهو يُشْفى.

وهنا يبيِّن الحق -سبحانه وتعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: لقد توعدتهم بالعذاب.

ونحن نبطن العذاب بالإمهال لهم، ولكنهم جعلوا من ذلك مناط السخرية والاستهزاء والتهكم، وتساءلوا: أين هو العذاب؟

ونحن نجد القرآن يقول على ألسنتهم: (وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ) (ص: 16).

والقط: هو جزاء العمل، وهو مأخوذ من القط أي: القطع.

والعذاب إنما يتناسب مع الجرم، فإن كانت الجريمة كبيرة فالعذاب كبير، وإن كانت الجريمة صغيرة فالعذاب يكون محدوداً، فكان العذاب موافقاً للجريمة.

ومن العجيب أن منهم من قال: (ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأنفال: 32).

وجاء على ألسنتهم ما أورده القرآن الكريم في قولهم: (أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً ( (الإسراء: 92).

ولا شك أن الإنسان لا يتمنى ولا يرجو أن يقع عليه العذاب، ولكنهم قالوا ذلك تحديا وسخرية واستهزاءً.

وشاء الحق -سبحانه وتعالى- ألا يعذب الكافرين المعاصرين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثلما عذب الكافرين الذين عاصروا الرسالات السابقة؛ لأن الحق -سبحانه وتعالى- هو القائل: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ( (الأنفال: 33).

فضلاً عن أن هناك أناساً منهم ستروا إيمانهم؛ لأنهم لا يملكون القوة التي تمكنهم من مجابهة الكافرين، ولا يملكون القوة ليرحلوا إلى دار الإيمان بالهجرة، وحتمت عليهم ظروفهم أن يعيشوا مع الكافرين.

وهناك في سورة الفتح ما يوضح ذلك، حين قال الحق -سبحانه وتعالى-: (هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (الفتح: 25).

أي: لو تميَّز الكافرون عن المؤمنين لسلّط الحق -سبحانه- العذاب الأليم على الكافرين، لكن لو دخل المسلمون بجيشهم الذي كان في الحديبية على مكة، ودارت هناك معركة، فهذه المعركة ستصيب كل أهل مكة، وفيهم المؤمنون المنثورون بين الكافرين، وهم غير متحيزين في جهة بحيث يوجد المسلمون الضربة للجانب الكافر.

إذن: فلو ضرب المسلمون المقاتلون، لضربوا بعضاً من المؤمنين، وهذا ما لا يريده الحق -سبحانه وتعالى- وهنا يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ) (هود: 8).

والأمة: هي الطائفة أو الجماعة من جنس واحد، مثل أمة الإنس، وأمة الجن، وأمة النمل.       

وغير ذلك من خلق الله.

والحق -سبحانه- هو القائل: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام: 38).

والأمة: طائفة يجمعها نظام واحد وقانون واحد، وأفرادها متساوون في كل شيء، فتكون كل واحدة من هذه الأمم أمة، وهناك الأمة: الطائفة من الزمن.

مثل قول الحق -سبحانه-: (وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ( (يوسف: 45).

أي: أن هذا الذي تذكر بعد فترة من الزمن، وقد تكون الفترة المسماة "أمة"، هي الزمن الذي يتحمل جيلاً من الأجيال.

الأمة -إذن- هي جماعة وطائفة لها جنس يجمعها، ولها تميزات أفرادية، وهي تلتقي في معنى عام.

فأمة الإنسان هي حيوان ناطق مفكر، وهناك قدر عام يجمع كل إنسان، ولكن هناك تفاوتات في المواهب.

ولا توجد نفس بشرية واحدة تملك موهبة الهندسة والطب والتجارة والصيدلة والمحاسبة؛ لأن كل حرفة من تلك الحرف تحتاج إلى دراسة.

ولا يملك إنسان من العمر ما يتيح له التخصص في كل تلك المجالات؛ ولذلك يتخصص كل فرد في مجال؛ ليخدم غيره فيه، وغيره يتخصص في مجال آخر ويخدم الباقين، وهكذا.

وفي هذا تكافل اجتماعي، يشعر فيه كل فرد بـأنه يحتاج للآخرين، وأنه لا يستطيع أن يحيا مستقلاً بذاته عن كل الخلق.

ولو عرف واحد كل الحرف التي في الدنيا، من طب وهندسة وقضاء، وسباكة، ونجارة، وزراعة، وغيرها فلن يسأل عن الباقين؟

لذلك شاء الله -سبحانه وتعالى- أن تلتحم المجتمعات ضرورة وقسراً، لا تفضُّلاً من أحد على أحد.

والذي يكنس الشارع أو يعمل في تنظيف الصرف الصحي لا يفعل ذلك تفضُّلاً، بل يفعل ذلك احتياجاً؛ لأنه يحتاج إلى العمل والرزق؛ لأن جسمه يحتاج إلى الطعام، وإلى الستر بالملابس، وأولاده يطلبون الطعام والمأوى والملبس، ولولا ذلك لما عمل في تلك المهنة.

وإذا أخلص في عمله فالله -سبحانه- يحببه فيها، وإن ارتقت أحواله، يظل في هذا العمل؛ لأنه عشق إتقان مهنته.

ولقد رأيت رجلاً كان يعمل في هذه المهنة، ويحمل الأقذار على كتفه، وحين وسَّع الله عليه، اشترى عربة يجرها حمار ليحمل فيها ما ينزحه من تلك المجاري.

وحين وسَّع الله عليه أكثر، اشترى سيارة فيها ماكينة شفط للقاذورات، وصار يجلس على الكرسي، ويدير "موتور" نزح المجاري لداخل خزان السيارة المخصص لذلك.

إذن: فارتباطات المجتمع لابد أن تنشأ عن حاجة، لا عن تفضُّل؛ لأن التفضل ليس فيه إلزام بالعمل، لكن الحاجة هي التي فيها إلزام بالعمل؛ لتسير حركة الحياة.

ومن يعشق عمله على أي وضع كان، يوفقه  فيه أكثر؛ لأنه احترم قدر  في نفسه، ولم يستنكف، ويعطيه الله -سبحانه- كل الخير من هذا العمل، بقدر حبه للعمل وإخلاصه فيه.

وإن نظرت إلى العظماء في كل مهنة مهما صغرت، فستجد أن تاريخهم بدأ بقبولهم لقدر الله -سبحانه وتعالى- فيهم.

ونحن نعلم أن قيمة كل امرىء فيما يحسنه؛ ولذلك تجد الأمة مكونة من مواهب متكاملة لا متكررة، حتى يحتاج كل إنسان إلى عمل غيره.

ولذلك قال الحق -سبحانه وتعالى-: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ( (الزخرف: 32).

لأن أحداً لا يسخِّر الآخر لعمل إلا إذا كان المسخَّر في حاجة إلى هذا العمل.

ولذلك تجد من يطرق بابك ويسأل: ألا تحتاج إلى سائق؟

ألا تحتاج إلى خادم؟

وصاحب الحاجة هو الذي يعرض نفسه؛ لعله يجد العمل الذي يتقنه.

ولذلك يجب ألا يتصور أهل أي إنسان أنه حين يخدم في أي حرفة من الحرف أنه يخدم المخدوم، لا.       

إنه يخدم حاجة نفسه.

وهكذا تترابط الأمة ارتباط حاجات، لا ارتباط تفضل.

وقد قال الحق -سبحانه وتعالى- عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ( (النحل: 120).

لأن هناك مواهب متعددة قد اجتمعت فيه، وهي مواهب لا تجتمع إلا في أمة من الناس.

وكلمة "أمة" تطلق على الزمن، وتطلق على الجماعة من كل جنس، وتطلق على الرجل الجامع لكل خصال الخير.

وهنا يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ) (هود: 8).

وعادة ما تأتي كلمة (مَّعْدُودَةٍ) لتفيد القلة؛ مثل قول الحق -سبحانه-: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ) (يوسف: 20).

وما دام الثمن بَخْساً فلابد أن تكون الدراهم معدودة.

والسبب في فهمنا لكلمة (مَّعْدُودَةٍ) أنها تفيد القلة، هو أننا لا نُقبل على عَدِّ شيء إلا مظنة أننا قادرون على عَدِّه؛ لأنه قليل، لكن مالا نُقبل على عدِّه فهو الكثير.

ومثال ذلك: أن أحداً لم يعد الرمل، أو النجوم.

ولذلك جاء قول الحق -سبحانه-: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ( (إبراهيم: 34).

و"إن" -كما نعلم- تأتي للشك، ونعم الله -سبحانه- ليست مظنة الحصر.

ورغم أن البشرية قد تقدمت في علوم الإحصاء فهل تفرَّغ أحد ليُحصي نعم الله؟

طبعاً لا.       

وبطبيعة الحال يمكن إحصاء السكان والعاملين في أي مجال أو تخصص.

وقديماً كان القائمون على فتح صناديق النذور ليحسبوا ما فيها، فيضعوا الورق من فئة المائة جنيه معاً، والورق من فئة العشرة جنيهات معاً، وكذلك بقية الفئات من الأوراق المالية، إلى أن يصلوا إلى القروش، فيقوموا بوزن كيلو جرام منها، ويحسبوا كم قرشاً في الكيلو جرام، ويزنوا بعد ذلك بقية القروش؛ ليحسبوا المجموع على حساب عدد القروش التي حصروها في الكيلو جرام الأول.

وقول الحق -سبحانه- هنا: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ) (هود: 8).

كأنهم يتساءلون سخرية واستهزاء: لماذا يتأخر العذاب الذي توعَّدهم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإنسان لا يتشوق إلى ما يؤلمه، ولا يقال مثل هذا الكلام إلا على سبيل التهكم.

ويأتي الرد عليهم بأداة التنبيه، وهي "ألا" أي: تَنبَّهوا إلى هذا الرد.

ويقول الحق -سبحانه وتعالى-: (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) (هود: 8).

وهذا تأكيد أن العذاب سيأتي، ولكن العباد دائماً يعجلون.

والله -سبحانه- لا يعجل بعجلة العباد؛ حتى تبلغ الأمور ما أراد، وكل أمر له وقت وله ميلاد، وسيأتيهم ما كانوا يستعجلون؛ لأن الحق -سبحانه وتعالى- يقول: (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) (هود: 8).

وقد جاء تأكيد وصول العذاب إليهم بأشياء: أولها: "ألا" وهي أداة تنبيه، وكذلك قوله -سبحانه وتعالى-: (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ)، وهذا خبر بأن العذاب آت لا محالة؛ لأن الذي يخبر به هو الله -سبحانه وتعالى- وأيضاً فهذا العذاب: (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) (هود: 8).

أي: أنه عذاب مستمر.

وقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) (هود: 8).

يعني: أنه حل بهم ونزل عليهم، ووقع لهم العذاب الذي استهزأوا به من قبل.

ونحن نعلم أن كلمة (حاق) فعل ماضٍ، والكلام على أمر مستعجل، ويُعبَّر عن الأمر المستعجل بالمضارع؛ لأن الفعل المضارع يدل على الحال أو الاستقبال، فكيف يستعجلون أمراً، ويأتي التعبير عنه بالفعل الماضي؟

ولكن القائل هنا هو الله الحق -سبحانه وتعالى-، والكلام مأخوذ بقانون المتكلم، وكل فعل يُنسَب إلى قوة فاعله، والله -سبحانه- هو قوة القوى.

وقال الحق -سبحانه وتعالى- في موضع آخر من القرآن: (أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ( (النحل: 1).

وكلمة "أتى" في عرفنا اللغوي فعل ماضٍ، أي: أن الكلام جاء من المتكلم بعد وقوع النسبة خارجاً، مثلما نقول: "نجح محمد" فهذا يعني أن النجاح قد حدث بالفعل.

وحين يقول الله -سبحانه-: (أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ) نفهم أن (أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ) نسبة كلامية سبقتها نسبة واقعية.

وقوله -سبحانه- بعد ذلك: (فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) يدل على أن الأمر لم يقع، ولكن المتكلم هنا هو الله -سبحانه وتعالى- والمعنى أن الأمر واقع لا محالة؛ ذلك لأن كل فعل إنما ينسب لقوة الفاعل.

ومثال ذلك من حياتنا -ولله المثل الأعلى- أنك قد ترغب في أن تنقل حقيبة ضخمة وثقيلة، فيقول ابنك الشاب: دعني أحملها لك، وهو يقول ذلك لأنه قادر على أن يحملها في زمن يناسب قوته.

وإن جاءك ابنك الصغير وقال: سأحملها أنا.

فهو لن يحمل الحقيبة إلا في مقدار زمن يناسب قوته، وهي قوة ضعيفة.

إذن: ففي المجال البشري أنت تحكم على الماضي، وقد يكون الحكم صادقاً أو كاذباً، ولكنك بالنسبة لأمر مستقبل، لا تستطيع أن تحكم عليه؛ لأنك لا تملك من المستقبل شيئاً.

أما إذا كان قائل الكلام قادراً على إنفاذ ما يقوله الآن في المستقبل، ولا عائق يعوقه، فاعلم أن الأمر قادم لا محالة.

وهنا نجد الإخبار من الله -سبحانه وتعالى-، ولا شيء في الكون يتأبَّى على الله -سبحانه- وما دام الحق -سبحانه- قد قال إنه أمرٌ قد أتى، فهو آتٍ لا محالة.

ولذلك قال -سبحانه-: (وَحَاقَ بِهِم) (هود: 8).

مع أن السياق في العرف البشري أن يقال: وسيحيق بهم ما كانوا به يستهزئون؛ لأنهم كانوا يستعجلون العذاب.

وجاء قول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَحَاقَ) لأن الأمر بالنسبة له -سبحانه- لن يحول بينه وبين وقوعه أي عائق.

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ...).



سورة هود الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 006-010   سورة هود الآيات من 006-010 Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 2:10 am

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا أيضاً تبدأ الآية الكريمة بقوله -سبحانه-: (وَلَئِنْ) وهذا يعني أن اللام قد سبقت لتدل على القسم، وكأنه يقول: لئن أذقنا الإنسان رحمة، ثم نزعناها منه لوقع في اليأس.

وهنا أيضاً قسم وشرط، والقسم متقدم، فالجواب يكون للقسم.

وكلمة (أَذَقْنَا) توضح أن الإذاقة محلها الأول الفم، ومعناها: تناول الشيء لإدراك طعمه: حلو أو مر، لاذع أوغير لاذع، قلوي أم حامض.

ومن العجيب في دقة التكوين الإنساني أن كل منطقة في اللسان لها طعم تنفعل له، فطرف اللسان ينفعل لطعم معين، ووسط اللسان ينفعل لطعم آخر، وجوانب اللسان تنفعل لطعم ثالث، وهكذا.

كل ذلك في عضو واحد شاء له الحق -سبحانه- هذه الدقة في التركيب.

وكل "حلمة" من مكوِّنات اللسان لها شيء تحس به؛ ولذلك نجد الإنسان يذوق الطعام، فيقول: إن هذا الطعام ينقصه الملح، أو يذوق الحلوى -مثل الكنافة- فيقول: إن السكر المحلاة به مضبوط.

وكذلك حرارة الجسم، يقيس الإنسان حرارته، فإن وجدها سبعة وثلاثين درجة ونصف الدرجة؛ فيقول: إنها حرارة طبيعية.

وإن نقصت حرارة الإنسان عن ذلك يقال: إنه مصاب بالهبوط.

وإن ارتفعت يقال: مصاب بالحمى.

وهذا قياس للحرارة بالجملة لجسم الإنسان، ولها المنافذ الخاصة بها.

ولكن كل عضو في الجسم تلزمه درجة حرارة خاصة به ليؤدي عمله.

فالكبد إن قلَّت درجة حرارته عن أربعين درجة لا يؤدي مهمته.

وجسم الإنسان فيه جوارح متعددة؛ وحرارة العين مثلاً تسع درجات؛ لأنها لو زادت حرارتها عن ذلك لانفجرت العين، وحرارة الأذن ثماني درجات.

وأنت لا تستطيع أن تأتي بأشياء مختلفة الحرارة وتضعها مع بعضها، ولكن الحق -سبحانه وتعالى- شاء ذلك بالنسبة للجسم الإنساني.

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ) (هود: 9).

والذوق هو للإدراك، لا للأكل، فأنت حين تشتري فاكهة يقول لك البائع: "تفضَّل ذُقْ" فتأخذ واحدة منها لتستطيب طعمها.

فالذوق -إذن- هو تناول الشيء لإدراك طعمه.

والنعمة حين يشاء الحق -سبحانه وتعالى- أن تصيب الإنسان، ثم تُنزَع منه، هنا يصاب الإنسان بالقلق أو الحزن أو الهلع، أو اليأس.

والنعمة مهما قلَّت فالإنسان يستطيبها، وإن نُزعت منه فهو يئوس كفور.

واليأس: هو قطع الأمل من حدوث شيء، ولأن الإنسان لا يملك الفعل، ولو كان يقدر عليه لما يئس.

والمؤمن لا ييأس أبداً؛ لأن الله -سبحانه- هو القائل: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).

اليأس -إذن- هو أن تقطع الأمل من أمر مراد لك، ولا تملك الوسائل لتحققه.

والذي ييأس هو الذي ليس له إله يركن إليه؛ لأن  هو الركن الرشيد الشديد، والمؤمن إن فقد شيئاً يقول: "إن الله سيُعوِّضني خيراً منه".

أما الذي لا إيمان له بإله فهو يقول: "إن هذه الصدفة قد لا تتكرر مرة أخرى".

فالإنسان الذي يُسْرَق منه جنيه قد يحزن، ولكن إذا ما كان عنده في المنزل عشرة جنيهات فهو يحزن قليلاً على الجنيه المفقود.

والإنسان لا ييأس إلا عند عدم يقينه بمصدر يرد عليه ما يريده، ولكن حين يؤمن بمصدر يرد عليه ما يريده فلا تجده يائساً قانطاً.

والمؤمن يعلم أن النعمة لها واهب، إن جاءت شكر الله عليها، وإن سُلبت منه، فهو يعلم أن الحق -سبحانه- قد سلبها لحكمة.

والحق -سبحانه وتعالى- يقول هنا: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً) (هود: 9).

ونحن نعلم أن الإنسان مقصود به كل أبناء آدم -عليه السلام- وهم كثيرون، منهم المؤمن، ومنهم الكافر.

وهنا تأتي كلمة "الإنسان" على إطلاقها، ولكن الحق -سبحانه وتعالى- يستثنى المؤمن في موضع آخر حين يقول الحق -سبحانه-: (وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ( (العصر: 1-3).

و"الإنسان" مفرد يدل على الإنسان في كل مدلولاته، ويستثنى من نوع الإنسان من آمن به.

فإن رأيت كلمة إنسان فاعلم أن المراد بالإنسان أفراد الإنسان كلهم.

والإنسان لو عزل نفسه عن منهج  فهو في خسران إلا إذا اتبع منهج الله، فالمنهج يحميه من الزلل، وتسير غرائزه إلى ما أراد الحق -سبحانه- لها.

فقد خلق الحق -سبحانه- الغرائز لمهام أساسية، فغريزة الجوع تجعل الإنسان يطلب الطعام، والعطش أراده الله -سبحانه وتعالى- لينتبه الإنسان إلى طلب الارتواء بالماء.

وغريزة بقاء النوع تدفع الإنسان للزواج، وغريزة حب الاستطلاع هي التي تدفع الإنسان إلى كشف المخترعات.

والحق -سبحانه وتعالى- هو القائل عن الساهين عن استكشاف آيات: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف: 105).

والباحث العلمي التجريبي المعملي ينظر في ظواهر الكون ليستطلع أسرار الكون.

وهناك فارق بين حب الاستطلاع لاكتشاف أسرار الكون، وحب الاستطلاع لأخبار الناس.

إن حب الاستطلاع عموماً هو مدار التقاءات الكون، ولكن الدين والخلق هو الذي يوجه حب الاستطلاع.

إذن: فالقرائن لها مهمة يجب ألاّ تنفلت إلى غيرها، والدين قد جاء ليعلي من الغرائز ويوجهها إلى مهامها.

لذلك نجد الحق -سبحانه وتعالى- يقول: (وَلاَ تَجَسَّسُواْ ( (الحجرات: 12).

أي: لا تتبعوا العورات؛ لأننا لو أبحنا لواحد أن يتتبع عورات الناس؛ لأبحنا لكل الآخرين أن يتتبعوا عوراته.

وحين منع الحق -سبحانه وتعالى- الإنسان من تتبُّع عورات غيره، فهو قد حماه من تتبع عوراته.

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ) (هود: 9).

وكلمة "النزع" تفيد أن الإنسان حريص على ما وهبه له  من خير وصحة وعافية ويُسْر.

وحين تؤخذ منه النعمة فهو يقاوم.

والنزع يعني: استمساك المنزوع منه بالشيء المنزوع.

ولذلك يقول الحق -سبحانه- في سورة آل عمران: (قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ ( (آل عمران: 26).

كأن الموجود في الملك يتشبث به جداً.

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) (هود: 9).

وفي نفس السورة يأتي الاستثناء، فيقول الحق -سبحانه-: (إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (هود: 11).

وسنأتي لها بالخواطر من بعد ذلك.

ويقول الحق -سبحانه وتعالى- في المقابل لمن نُزِعَتْ منه الرحمة واليئوس الكفور: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ...).



سورة هود الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 006-010   سورة هود الآيات من 006-010 Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 2:11 am

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا نجد الضراء هي الموجودة، والنعماء هي التي تطرأ، عكس الحالة الأولى، حيث كانت الرحمة -من خير ويسر- هي الموجودة.

فالنزع في الأولى طرأ على رحمة موجودة، والنعماء طرأت على ضرَّاء موجودة.

وهناك فرق بين نعماء ونعمة، وضراء وضر؛ فالضر هو الشيء الذي يؤلم النفس، والنعمة هي الشيء الذي تتنعم به النفس.

لكن التنعُّم والألم قد يكونان في النفس، ولا ينضح أي منهما على الإنسان، فإن نضح على الإنسان أثر النعمة يقال فيها "نعماء"، وإن نضح عليه أثر من الضر يقال: "ضراء".

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ) (هود: 10).

ولا يفطن من يقول ذلك إلى المُذْهِب الذي أذهبَ السيئات؛ لأن السيئة لا تذهب وحدها.

ولو كان القائل مؤمناً لقال: رفع الله عني السيئات.

لكنه غير مؤمن؛ ولذلك يغرق في فرح كاذب وفخر لا أساس له.

ويصفه الحق -سبحانه وتعالى- بقوله: (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) (هود: 10).

وكأن الفرح بالنعمة أذهله عن المنعم، وعمن نزع منه السيئة.

وأما الفخر، فنحن نعلم أن الفخر هو الاعتداد بالمناقب، وقد تجد إنساناً يتفاخر على إنسان آخر بأن يذكر له مناقب وأمجاداً لا يملكها الآخر.

ونحن نعلم أن التميز لفرد ما يوجد في المجتمع، ولكن أدب الإيمان يفرض ألا يفخر الإنسان بالتميز.

ولذلك نجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر".

وفي أحدى المعارك نجده -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".

وقد اضطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول ذلك؛ لأن الكافرين في تلك المعركة ظنوا أنهم حاصروه هو ومن معه وأنه سوف يهرب، لكنه -صلى الله عليه وسلم- بشجاعته أعلن: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".

وكان أقرب المسلمين إلى مكان الأعداء الكافرين وفي مواجهتهم.

ونحن نجد المتصارعين أو المتنافسين، واحدهم يدخل على الآخر بصوت ضخم ليهز ثقة الطرف الآخر بنفسه.

والفخور إنسان غائب بحجاب الغفلة عن واهب المناقب التي يتفاخر بها، ولو كان مستحضراً لجلال الواهب لتضاءل أمامه، ولو اتجهت بصيرة المتكبر والفخور إلى الحق -سبحانه وتعالى- لتضاءل أمامه، ولردَّ كل شيء إلى الواهب.

ومثال ذلك في القرآن الكريم هو قول الحق -سبحانه- على لسان صاحب موسى عليهما السلام: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ( (الكهف: 82).

وهذا سلوك العابد المتواضع.

أما حال الفخورين اللاهين عن الحق -سبحانه وتعالى-، فقد صوره القرآن في قول قارون: (إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ ( (القصص: 78).

وكان مصيره هو القول الحق: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ ( (القصص: 81).

ولذلك قلنا: إنك تحصِّن كل نعمة عندك بقولك عند رؤيتها: "بسم الله ما شاء الله"؛ لتتذكر أن هذه النعمة لم تأت بجهدك فقط، ولكنها جاءت لك أولاً بمشيئة الله -سبحانه وتعالى-، وذلك لتبقي عين الواهب حارسة للنعمة التي عندك.

أما حين تنسى الواهب فلن يحفظ تلك النعمة لك.

ونحن نلحظ أن الحق -سبحانه وتعالى- لم يمنع الفرح المنبعث عن انشراح الصدر والسرور بنعمة الله بل طلبه منا في قوله -سبحانه-: (قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ ( (يونس: 58).

ولكن الحق -سبحانه- يطلب من المؤمن أن لا يكون الفرح المنبعث لأتفه الأسباب، والملازم له، وإلا كان من الفرحين الذين ذمهم  يقول الحق -سبحانه وتعالى- بعد ذلك: (إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ...).



سورة هود الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة هود الآيات من 006-010
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة هود الآيات من 066-070
» سورة هود الآيات من 071-075
» سورة طه الآيات من 081-085
» سورة سبأ الآيات من 26-30
» سورة يس الآيات من 11-15

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: هـود-
انتقل الى: