منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة يونس الآيات من 071-075

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: سورة يونس الآيات من 071-075   سورة يونس الآيات من 071-075 Emptyالإثنين 14 أكتوبر 2019, 12:10 am

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ولقائل أن يقول: ولماذا جاء الله سبحانه هنا بخبر نوح -عليه السلام- ولم يأت بخبر آدم -عليه السلام- أو إدريس -عليه السلام- وهُمَا من الرسل السابقين على نوح عليه السلام؟

ومن هنا جاءت الشبهة في أن آدم لم يكن رسولاً.

لأن البعض قد ظن أن الرسول يجب أن يحمل رسالته إلى جماعة موجودة من البشر، ولم يفطن هؤلاء البعض إلى أن الرسول إنما يُرْسَل لنفسه أولاً.

وإذا كان آدم -عليه السلام- أول الخلق فهو مُرسَل لنفسه، ثم يبلِّغ من سوف يأتي بعده من أبنائه.

وقد أعطى الله سبحانه وتعالى التجربة لآدم -عليه السلام- في الجنة، فكان هناك أمر، وكان هناك نهي هو (وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ) (البقرة: 35).

وحَذَّره من الشيطان، ثم وقع آدم عليه السلام في إغواء الشيطان، وأنزله الله تعالى إلى الأرض واجتباه، وتاب عليه، ومعه تجربته، فإن خالف أمر ربه فسوف يقع عليه العقاب، وحذره من اتباع الشيطان حتى لا يخرج عن طاعة الله تعالى إذن: فقد أعطاه الحق سبحانه المنهج، وأمره أن يباشر مهمته في الأرض؛ في نفسه أولاً، ثم يبلغه لمن بعده.

وكما علَّمه الحق سبحانه الأسماء كلها، علَّم آدم الأسماء لأبنائه فتكلموا: وكما نقل إليهم آدم الأسماء نقل لهم المنهج، وقد علمه الحق سبحانه الأسماء؛ ليعمر الدنيا، وعلَّمه المنهج؛ ليحسن العمل في الدنيا؛ ليصل إلى حسن جزاء الآخرة.

واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: (وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) (طه: 121).

ويتبعها الحق سبحانه بقوله تعالى: (ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ) (طه: 122).

ومعنى الاجتباء: هو الاصطفاء بالرسالة لنفسه أولاً، ثم لمن بعده بعد ذلك، والحق سبحانه هو القائل: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى) (البقرة: 38).

والهدى: هو المنهج المنزَّل على آدم عليه السلام، والرسالة ليست إلا بلاغ منهج وهدى من الله سبحانه للخلق.

وإذا كان الحق سبحانه وتعالى هو القائل: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 15).

فالسابقون لنوح -عليه السلام- هم من أبلغهم آدم عليه السلام، والدليل هو ما جاء من خبر ابني آدم في قول الحق سبحانه: (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً) (المائدة: 27).

وهما قد قدَّما القربان إلى الله تعالى إذن: فخبر الألوهية موجود عند ابني آدم بدليل قول الحق سبحانه: (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27).

إذن: فهم قد أقروا بوجود الله تعالى، وأيضا عرفوا النهي؛ لأنه في إحدى الآيتين قال: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ) (المائدة: 28).

إذن: فالذين جاءوا بعد آدم -عليه السلام- عرفوا الإله الواحد، وعلموا المنهج.

إذن: فالذين يقولون: إن آدم -عليه السلام- لم يكن رسولاً، نقول لهم: افهموا عن الله جيداً، كان يجب أن تقولوا: هذه مسألة لا نفهم فيها، وكان عليهم أن يسألوا أهل الذِّكْر ليفهموا عنهم أن آدم -عليه السلام- رسول، وأن من أولاده قابيل وهابيل، وقد تكلما في التقوى.

أما لماذا جاء الحق سبحانه هنا بالحديث عن نوح، عليه السلام، فلنا أن نعلم أن آدم عليه السلام هو الإنسان الأول، وأنه قد نقل لأولاده المنهج المُبلَّغ له، ودلَّهم على ما ينفعهم، ثم طال الزمن ونشأت الغفلة، فجاء إدريس عليه السلام، ثم تبعته الغفلة، إلى أن جاء نوح عليه السلام وهنا يأتي لنا الحق سبحانه بخبر نوح -عليه السلام- في قوله: (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) (يونس: 71).والنبأ: هو الخبر الهام الذي يلفت الذهن، وهو الأمر الظاهر الواضح.

والحق سبحانه يقول: (عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ * ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) (النبأ: 1-3).

إذن: فالنبأ هو الخبر الهام المُلْفِت، وقد جاء هنا خبر نوح -عليه السلام- الذي يُبلِّغ قومه أي: يخاطبهم، وهو قد شهد لنفسه أنه رسول يبلِّغ منهجاً.

وكلمة "قَوْمِ" لا تطلق في اللغة إلا على الرجال، يوضح القرآن ذلك في قوله الحق سبحانه: (لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ) (الحجرات: 11).

إذن: فالقوم هم الرجال، والمرأة إنما يُبنى أمرها على السر، والحركة في الدنيا للرجل، وقد شرحنا ذلك في حديث الحق سبحانه لآدم -عليه السلام- عن إبليس، فقال تعالى: (إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) (طه: 117).

ولأن الخطاب لآدم فقد قال الحق سبحانه: (فَتَشْقَىٰ) (طه: 117).

ولم يقل: فتشقيا؛ مما يدل على أن المرأة لا شأن لها بالأعمال التي خارج البيت والتي تتطلب مشقة، فالمرأة تقرُّ في البيت؛ لتحتضن الأبناء، وتُهيِّىء السكن للرجل بما فيها من حنان وعاطفة وقرار واستقرار.

أما القيام والحركة فللرجل.

والحق سبحانه يقول: (فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) (طه: 117).

إذن: فالكدح للرجل ومتطلبه القيام لا القعود.

ثم يقول الحق سبحانه على لسان نوح -عليه السلام-: (يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي) (يونس: 71).

وهنا يُحنِّن نوح قومه بإضافات التحنن، أي: جاء بالإضافة التي تُشْعِر المخاطبين بأنه منهم وهم منه، وأنه لا يمكن أن يغشهم فهم أهله، مثل قول النائب الذي يخطب في أهل دائرته الانتخابية: "أهلي وعشيرتي وناخبيّ" وكلها اسمها إضافة تحنن.

وكذلك مثل قول لقمان لابنه: (يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13).

وقوله: (يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان: 16).

وقوله: (يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ) (لقمان: 17).

وهذا إضافات التحنن وفيها إيناس للسامع أن يقرب ويستجيب للحق.

(يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي) (يونس: 71).

و"الكاف والياء والراء" تأتي لمعنيين: الأول: كبر السن، وهي: كبر يكبر.

والثاني: العظمة والتعظيم، إلا أن التعظيم يأتي ليبيِّن أنه أمر صعب على النفس، مثل قول الحق سبحانه: (.. كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) (الكهف: 5).

أي: أن هذه الكلمة التي خرجت من أقوالهم أمر صعب وشاق، وهي قولهم: (.. قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً) (الكهف: 4).

وهذه الكلمة إنما تعظم على المؤمن، وهي مسألة صعبة لا يمكن قبولها فلا يوجد مؤمن قادر على أن يقبل ادعاء خلق من خلق الله تعالى أن له سبحانه ولداً.

ومرة تكون العظمة من جهة أخرى، مثل قول الحق سبحانه: (كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) (الشورى: 13).

أي: عَظُم على المشركين، وصَعُب على أنفسهم، وشَقَّ عليهم ما تدعوهم إليه من أن الإله هو واحد أحد، ولا سلطان إلا له سبحانه وهكذا، إن كانت الكلمة مناقضة للإيمان فهي تكبر عند المؤمنين، وإن كانت الكلمة تدعو الكافرين إلى الإيمان فهي تشق عليهم.

وهنا يأتي على لسان سيدنا نوح عليه السلام: (إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي) (يونس: 71).

ونحن نعلم أن سيدنا نوحاً -عليه السلام- مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.

أي: أن حياته طالت كثيراً بين قومه، كما أن تقريعه للكافرين جعله ثقيلاً عليهم.

أو أن: (كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي) (يونس: 71).

تعني: أنه حمَّلهم ما لا يطيقون؛ لأن نوحاً -عليه السلام- أراد أن يُخرجهم عما ألفوا من عبادة الأصنام، فشقَّ عليهم ذلك.



سورة يونس الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 071-075   سورة يونس الآيات من 071-075 Emptyالإثنين 14 أكتوبر 2019, 12:12 am

تابع تفسير الآية (71)


إذن: فمبدأ عبادة الإله الواحد يصعب عليهم.

أو أن الأصل في الواعظ أو المبلِّغ أن يكون على مستوى القيام وهم قعود، وكان سيدنا عيسى عليه السلام يتكلم مع الحواريين وهو واقف، والوقوف إشعار بأن مجهود الهدى يقع على سيدنا عيسى -عليه السلام- بينما يقعد الحواريون ليستمعوا له في راحة.

إذن: فقول الحق سبحانه: (إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي) (يونس: 71).

أي: إن صعب عليكم ما أدعوكم إليه.

ويصح أن نأخذها من ناحية طول الوعظ والتكرار في ألف سنة إلا خمسين عاماً، أو أن مقامي كبر عليكم، بمعنى: أننا انقسمنا إلى قسمين؛ لأن المنهج الذي أدعو إليه لا يعجبكم، وكنت أحب أن نكون قسماً واحداً.

وها هو ذا سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- حين أحس أن الخلافة تقتضي أن يُسَمِّي مَنْ يَخْلُفُهُ من بعده، قال له بعض الناس: لماذا لا تُوَلّي علينا عبد الله بن عمر، فقالَ ابن الخطاب: بحسب آل خطاب أنْ يُسأل منهم عن أمَّةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رجل واحد.

ثم أضاف: أعلم أنكم مَلَلْتُم حُكْمي؛ لأني شديد عليكم.

إذن: فقد أحس نوح -عليه السلام- أنه انقسم هو وقومه إلى قسمين: هو قد أخذ جانب الله سبحانه الذي يدعو إلى عبادته، وهم أخذوا جانب الأصنام التي ألفوا عبادتها.

لذلك يقول الحق سبحانه على لسان نوح -عليه السلام-: (فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ) (يونس: 71).

أي: أنني لن أتنازل عن دعوتي، ونلحظ أنك إن قلت: "توكَّلتُ على الله" فقد يعني هذا أنك قد تقول: وعلى فلان، وفلان، وفلان، لكنك إن قلت: (فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ) (يونس: 71).

فأنت قد قصرت توكُّلك على الله فقط.

وهكذا واجه نوح -عليه السلام- قومه، ورصيده في ذلك هو الاعتماد والتوكل على من أرسله سبحانه، ويحاول أن يهديهم، لكنهم لم يستجيبوا، وقال لهم: (فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) (يونس: 71).

ومعنى جمع الأمر: (أي: جمع شتات الآراء كلها في رأي واحد)، أي: اتفقوا يا قوم على رأي واحد، وأنتم لن تضروني.

وجمع أمر الأجيال التي ظل سيدنا نوح -عليه السلام- يحاول هدايتها تحتاج إلى جهد؛ لأن الجيل العقلي ينقسم إلى عشرين سنة.

وقد ظل سيدنا نوح -عليه السلام- يدعو القوم بعدد ما عاش فيهم، أي: ألف سنة إلى خمسين، فكم جيل -إذن- ظل نوح يعالجه؟

إنها أجيال متعددة، ومع ذلك لم يظفر إلا بقدر قليل من المؤمنين بحِمْل سفينة واحدة، ومعهم الحيوانات أيضاً، فضلاً عن أن ابنه خرج -أيضاً- مع القوم الكافرين، وناداه نوح -عليه السلام- ليركب معه وأن يؤمن، فرفض، وآثر أن يظل في جانب الكفر، بما فيه من فناء للقوم الكافرين، وظن أنه قادر على أن يأوي إلى جبل يعصمه من الطوفان، ولم ينظر ابن نوح إلى جندي آخر من جنود الله سبحانه يقف عقبة في سبيل الوصول إلى الجبل، وهو الموج.

إذن: فقول نوح عليه السلام: (فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ) (يونس: 71).

له رصيد إيماني ضمني، فلا يوجد مجير على الله من خلق الله؛ لأن الخلق كله - جماده ونباته وحيوانه - إنما ينصاع لأمر الله تعالى في نصرة نوح -عليه السلام- ولن يتخلف شيء.

هكذا كان توكُّل نوح -عليه السلام- على الله تعالى بما في هذا التوكل من الرصيد الإيماني المتمثل في: (للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ) (المائدة: 120).

و (للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ) (البقرة: 284).

ولن يخرج شيء عن ملكه سبحانه ومن العجيب أنه لم يخرج عن مراد الله في "كن" إلا الإنسان المختار، لم يخرج بطبيعة تكوينه، ولكن الحق سبحانه وهبه من عنده أن يكون مختاراً، ولو لم يهبه الله تعالى أن يكون مختاراً لما استطاع أن يقف، ولكان كل البشر من جنود الحق.

وقد قال نوح -عليه السلام-: (فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ) (يونس: 71).

والإنسان حين يهمه أمر من الأمور يظل متردداً بين خواطر شتى، ويحاول أن يرى ميزات كل خاطر، ويختار أفضلها، وإذا ما جمع الإنسان خواطره كلها من خاطر واحد، فهذا يعني استقراره على رأي واحد، وجمع أمره عليه.

أما إذا كان الأمر متعدد الناس، فكل واحد منهم له رأي، فإن اجتمعوا وقرروا الاتفاق على رأي واحد، فهذا جمعٌ للأمر.

والاتفاق على رأي واحد إنما يختلف باختلاف هويّة المجتمعين، فإن كانوا أهل خير فهم ينزلون بالشر، وإن كانوا أهل شر فهم يصعدون بالشر.

ومثال ذلك: أبناء يعقوب -عليه السلام- حينما حدث بينهم وبين أخيهم من الحسد لمكانة يوسف -عليه السلام- فقالوا: (ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) (يوسف: 9).

أي: أن الاقتراح بقتل يوسف هدفه ألا يلتفت وجه يعقوب وقلبه إلى أحد سواهم، وأتبعوا اقتراحهم بقتل يوسف باقتراح التوبة، فقالوا لبعضهم البعض: (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ) (يوسف: 9).

وهم قد ظنوا أن التوبة إن نفَّذوا القتل ستصبح مقبولة.

وهذا الشر البادي في حديثهم لم يقبله بعضهم في بادىء الأمر؛ لأنهم أبناء نبوّة، وما يزالون هم الأسباط، لا يصعد فيهم الشر، بل ينزل، فقال واحدٌ منهم: لا تقتلوه بل (ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً) (يوسف: 9).

أي: أنه خفَّف المسألة من القتل إلى الطرح أرضاً، وهذه أول درجة في نزول الأخيار عن الشر الأول، وأيضاً تنازلوا عن الشر الثاني، وهو طرحه أرضاً؛ حتى لا يأكله حيوان مفترس، وجاء اقتراح: (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) (يوسف: 10).

ثم أجمعوا أمرهم أخيراً حتى نزل الشر مرة أخرى لاحتمال ورود النجاة.

إذن: فالأخيار حين يجتمعون على شر لابد أن ينزل.

ومثال ذلك: رجل طيب رأى ابنه وهو يُضرَب من آخر، فيفكر للحظة في أن يضرب غريم ابنه بطلقة من (مسدس)، ثم يستبدل هذه الفكرة بفكرة الاكتفاء بضربه ضرباً مبرحاً بالعصا، ثم يتنازل عن ذلك بأن يفكر في صفعه صفعتين، ثم يتنازل عن فكرة الصفع ويفكر في توبيخه، ثم يتنازل عن فكرة التوبيخ ويكتفي بالشكوى لوالده، وهكذا ينزل الشر عند أهل الخير.

أما إن كان الرجل من أهل الشر، فهو يبدأ بفكرة الشكوى لوالد من ضرب ابنه، ثم يرفضها ليصعد شره إلى فكرة أن يصفعه هو، ثم لا ترضيه فكرة الصفع، فيفكر في أن يضربه ضرباً شديداً، ولا ترضيه هذه الفكرة، يقول لنفسه: "سأطلق عليه الرصاص".

 وهكذا يتصاعد الشر من أهل الشر.

وهنا يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا نوح عليه السلام: (فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ) (يونس: 71).

أي: اجتمعوا والزموا رأياً واحداً تحرصون على تنفيذه أنتم وشركاؤكم، وهو ينصحهم رغم أنهم أعداؤه، وكان عليه أن يحرص على اختلافهم، ولكن لأنه واثق من توكله على ربه؛ فهو يعلم أنهم مهما فعلوا فلن يقدروا عليه، ولن ينتصروا على دعوته إلا بالإقدام على إهلاك أنفسهم.

أو أنه مثلما يقول العامة: "أعلى ما في خيولكم اركبوه" أي: أنه يهددهم، ولا يفعل ذلك إلا إذا كان له رصيد من قوة التوكل على الله تعالى ولا يكتفي بذلك بل يضيف: (ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) (يونس: 71).

والغمة: منها الغمام، ومنها الإغماء، أي: فقد الوعي وسَتْر العقل، أي: أنه قال لهم: لا تتبعوا أنفسكم بتبادل الهمسات فيما بينكم بل افعلوا ما يحلو لكم، ولا تحاولوا ستر ما سوف تفعلون.

إن عليكم أن تجتمعوا على رأي واحد أنتم وشركاؤكم الذين تعتمدون عليهم، وتعبدونهم، أو شركاؤكم في الكفر، ولم يأبَهْ نوح -عليه السلام- بتقوية العصبية المضادة له؛ لأنه متوكل على الله فقط.

لذلك يقول: (ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ) (يونس: 71).

أي: أنه يُحفِّزهم على الاجتماع على أمر واحد ومعهم شركاؤهم -سواء من الأصنام التي عبدوها أو من أقرانهم في الكفر- وأن يصمموا على المضيّ في تنفيذ ما اتفقوا عليه.

و"قضى" أي: حكم حكماً، ولكن الحكم على شيء لا يعني الاستمرار بحيث ينفذ، فقد يُقضيَ على إنسان بحكم؛ ويوقف التنفيذ.

لكن قوله: (ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ) يعني: أصدروا حكمكم وسيروا إلى تنفيذ ما قضيتم به.

ثم يقول: (وَلاَ تُنظِرُونَ) أي: لا تمهلوني في تنفيذ ما حكمتم به عليَّ.

والمتأمل للآية الكريمة يجد فيها تحدياً كبيراً، فهو أولاً يطلب أن يجتمعوا على أمر واحد، هم وشركاؤهم، ثم لا يكون على هذا الأمر غُمَّة، ثم اقضوا إليَّ ما اتفقتم عليه من حكم ونفِّذوه ولا تؤجلوه، فهل هناك تحدًّ للخصم أكثر من ذلك؟

لقد كانوا خصوماً معاندين، ظل نوح -عليه السلام- يترفق إليهم ويتحنن لهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وصبر عليهم كل هذا الوقت، ولابد -إذن- من حدوث فاصل قوي، ولهذا كان الترقِّي في التحدي، فدعاهم إلى جمع الأمر ومعهم الشركاء، ثم بإصدار حكمهم عليه وعدم الإبطاء في تنفيذه، كان هذا هو التحدي الذي أخذ يترقى إلى أن وصل إلى قبول تنفيذ الحكم.

والنفسية العربية -على سبيل المثال- حين سامحت، وصبرت، وصفحت في أمر لا علاقة له بمنهج الله، بل بأمر يخص خلافاً على الأرض، تجد الشاعر العربي يقول عن "بني ذُهْل" الذين أتعبوا قوم الشاعر كثيراً، ولكن قومه صفحوا عنهم.

يقول الشاعر:
صَفَحْنا عن بني ذُهْلٍ وقلنا: القومُ إخوانُ
عسى الأيامُ أنْ يرجعـ ـنَ قوماً كالذي كانوا
فلما صَرَّحَ الشرُّ فأمْسَى وهو عريانُ
ولم يبقَ سوى العدوان دِنَّاهم كما دانوا
مَشَيْنا مِشْيةَ الليثِ غَدَا والليثُ غضبانُ
بِضرب فيه توهينٌ وتخضيعٌ وإقرانُ
وطعْن كَفَمِ الزقِّ غَدَا والزِّقُّ مَلآنُ
وفي الشرِّ نجاةٌ حيـ ـن لا يُنجيكَ إحسانُ
وبعضُ الحِلْمِ عند الجهْـ ـلِ للذِّلَّةِ إذعانُ

إذن: فالمناجزة بين نوح -عليه السلام- وقومه اقتضت التشديد، لعل بشريتهم تلين، ولعل جبروتهم يلين، ولعلهم يعلنون الإيمان بالله تعالى، ولكنهم لم يرتدعوا.

لذلك يقول الحق سبحانه على لسان نوح بعد ذلك: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ...).



سورة يونس الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 071-075   سورة يونس الآيات من 071-075 Emptyالإثنين 14 أكتوبر 2019, 12:13 am

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: إن توليتم عن دعوتي لعبادة الإله الحق، فأنا لا أدعوكم إلى مثيل لكم هو أنا، بل أدعوكم إلى من هو فوقي وفوقكم، فأنا لا أريد أن أستولي على السلطة الزمنية منكم، ولا أبحث عن جاهٍ، فالجاه كله لله تعالى والله لا يحتاج إلى جاهٍ منكم لأن جاهه سبحانه ذاتي فيه، ولكن لنمنع جبروتكم وتجبُّركم؛ لتعيشوا على ضوء المنهج الحق؛ لتكون حياتكم صالحة، وكل ذلك لمصلحتكم.

(فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ) (يونس: 72) فهل يُمَالىء نوح -عليه السلام- أعداءه.

إن الإنسان يُمَالىء العدو؛ لأن يخاف أن يوقع به شرّاً، ونوح عليه السلام لا يخافهم؛ لأنه يعتمد على الله تعالى وحده، بل هو يدلُّهم على مواطن القوة فيهم، وهو يعلم أن قوتهم محدودة، وأن شرهم مهما بلغ فهو غير نافذ، وقد لا يكون منهم شر على الإطلاق، فهل هناك نفعٌ سيعود على نوح -عليه السلام- ويُمنَع عنه؟

لا.

لأنه يعلن أنه لا يأخذ أجراً على دعوته.

هم -إذن- لا يقدرون على ضُرِّه، ولا يقدرون على نفعه، وهو لا يريد منهم نفعاً؛ لأن مركزه بإيمانه بالله الذي أرسله مركزٌ قويٌّ.

وهو لا يسألهم أجراً، وكلمة "أجر" تعني: ثمن المنفعة، والأثمان تكون عادة في المعاوضات، إما أن تكون ثمناً للأعيان والذوات، وإما أن تكون ثمناً للمنفعة.

ومثال ذلك: أن إنساناً يرغب في شراء "شقة" في بيت فيذهب إلى رجل يملك بيتاً، ويطلب منه أن يبيع له عدداً من الأسهم بقيمة الشقة.

وهناك آخر يريد أن يستأجر شقة فيذهب إلى صاحب البيت؛ ليدفع له قيمة إيجار شقة في البيت، اي: يدفع له قيمة الانتفاع بالشقة، والأجر لا يُدفع إلا لطلب منفعة مُلِحَّة.

وكان على نوح -عليه السلام- أن يطلب منهم أجراً؛ لأنه يهديهم إلى الحق، هذا في أصول التقييم للأشياء؛ لأنه يقدِّم لهم نفعاً أساسياً، لكنه يعلن أنه لا يطلب أجراً وكأنه يقول: إن عملي كان يجب أن يكون له أجر؛ لأن منفعته تعود عليكم، وكان من الواجب أن آخذ أجراً عليه.

ولكن نوحاً -عليه السلام- تنازل عن الأجر منهم؛ لأنه أراد الأجر الأعلى، فلو أخذ منهم؛ فلسوف يأخذ على قدر إمكاناتهم، ولكن الأجر من الله تعالى هو على قدر إمكانيات الله سبحانه وتعالى، وفارق بين إمكانات المحدود العطاء وهو البشر، ومن له قدرة عطاء لا نهاية لها وهو الله سبحانه وتعالى وهنا يقول: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ) (يونس: 72).

فهذا التولِّي والإِعراض لا يضرُّني ولا ينفعني؛ لأنكم لا تملكون لي ضُرّاً ولا تملكون لي نفعاً؛ لأني لن آخذ منكم أجراً.

ومن العجيب أن كل مواكب الرسل -عليهم السلام- حين يخاطبون أقوامهم يخاطبونهم بهذه العبارة: (مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (ص: 86).

إلا في قصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وقصة موسى عليه السلام، فعن قصة سيدنا إبراهيم يأتي قول الحق سبحانه: (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (الشعراء: 69-74).

ولم يأت الحق سبحانه فيها بشيء عن عدم السؤال عن الأجر.

وأيضاً في قصة سيدنا موسى -عليه السلام- قال الحق سبحانه: (قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ) (الشعراء: 12-17).

وهنا أيضاً لا نجد قولاً لموسى -عليه السلام- في عدم السؤال عن الأجر.

أما هنا في قصة نوح -عليه السلام- فنجد قول الحق سبحانه: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) (يونس: 72).

وكذلك جاء نفس المعنى في قصة هود عليه السلام، حيث يقول الحق سبحانه: (كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 123-127).

وجاء نفس المعنى أيضاً في قوم ثمود، إذ قال الحق سبحانه: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 141-145).

وكذلك جاء نفس القول على لسان لوط عليه السلام، فيقول الحق سبحانه: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 160-164).

ونفس القول جاء على لسان شعيب عليه السلام في قول الحق سبحانه: (كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 176-180).

إذن: فغالبية الموكب الرسالي يأتي على ألسنتهم الكلام عن الأجر: (وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (الشعراء: 164).

فكأن الرسل عليهم السلام يقولون للبشر الذين أرسلوا إليهم: لو أنكم فطنتم إلى حقيقة الأمر لكان من الواجب أن يكون لنا أجر على ما نقدمه لكم من منفعة، لكنَّا لا نريد منكم أنتم أجراً، إنما سنأخذ أجرنا من ربِّ العالمين؛ لأن المنفعة التي نقدمها لكم لا يستطيع بشر أن يقوِّمها، وإنما القادر على تقييمها هو واضع المنهج -سبحانه- ومُنزِله على رسله.

وها هو القرآن الكريم يأتي على لسان رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويقول: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ) (الشورى: 23).

أما لماذا لم تأت مسألة الأجر على لسان سيدنا إبراهيم -عليه السلام- فنحن نعلم أن إبراهيم عليه السلام أول ما دعا؛ دعا عمه، وكان للعم حظ تربية إبراهيم، وله على سيدنا إبراهيم حق الأبوة.

وكذلك سيدنا موسى عليه السلام، فقد دعا فرعون، وفرعون هو الذي قام بتربية موسى، وكانت زوجة فرعون تريده قرة عين لها ولزوجها، حتى إن فرعون فيما بعد قد ذكَّره بذلك، وقال: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (الشعراء: 18).

أما هنا في دعوة سيدنا نوح -عليه السلام- فيأتي قول القرآن على لسان نوح بما يوضِّح الأمر لقوم نوح: فإن توليتم فلا حزن لي، ولا جزع؛ لأنكم لن تصيبوني بضُرٍّ، ولن تمنعوا عني منفعة؛ لأنكم لم تسألوني أن آتي لكم بالهدى لآخذ أجري منكم، ولكن الحق سبحانه هو الذي بعثني، وهو الذي سيعطيني أجري، وقد أمرني سبحانه أن أكون من المسلمين له حَقّاً وصدقاً.

وفي حياتنا نجد أن صديقاً يرسل إلى صديقه عاملاً من عنده ليصلح شيئاً، فهو يأخذ الأجر من المرسل، لا من المرسل إليه، وهذا أمر منطقي وطبيعي.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ...).



سورة يونس الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 071-075   سورة يونس الآيات من 071-075 Emptyالإثنين 14 أكتوبر 2019, 12:14 am

فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكأن الأمر الذي وقع من الحق سبحانه نتيجة عدائهم للإيمان كان من الممكن أن يشمله؛ لأنه لا يقال: نجَّيتُك من كذا إلا إذا كان الأمر الذي نجيتك منه، توشك أن تقع فيه، وكان هذا بالفعل هو الحال مع الطوفان، فالحق سبحانه يقول: (فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً) (القمر: 11-12).

ومن المتوقع أن تشرب الأرض ماء المطر، لكن الذي حدث أن المطر انهمر من السماء والأرض أيضاً تفجَّرتْ بالماء؛ ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يقول: (فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر: 12).

أي: أن ذلك الأمر كان مقدَّراً؛ حتى لا يقولن أحد: إن هذه المسألة ظاهرة طبيعية.

لا إنه أمر مُقدَّر، وقد كانت السفينة موجودة بصناعة من نوح عليه السلام؛ لأن الحق سبحانه قد أمره بذلك في قوله تعالى في سورة هود: (وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) (هود: 37).

ويقول الحق سبحانه في الآية التي بعدها: (وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) (هود: 38).

ويركب نوح -عليه السلام- السفينة، ويركب معه من آمن بالله تعالى، وما حملوا معهم من الطير والحيوان من كُلِّ نوع اثنين ذكراً وأنثى.

وقول الحق سبحانه: (فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ) (يونس: 73).

يوحي أن الذي صعد إلى السفينة هم العقلاء من البشر، فكيف نفهم مسألة صعود الحيوانات والطيور إلى السفينة؟

نقول: إن الأصل في وجود هذه الحيوانات وتلك الطيور أنها مُسخَّرة لخدمة الإنسان، وكان لابد أن توجد في السفينة؛ لأنها ككائنات مسخّرة تسبِّح الله، وتعبد الحق سبحانه، فكيف يكون علمها فوق علم العقلاء الذين كفر بعضهم، ثم أليس من الكائنات المسخَّرة ذلك الغراب الذي علَّم "قابيل" كيف يواري سوأة أخيه؟      

إنه طائر، لكنه علم ما لم يعلمه الإنسان! والحق سبحانه هو القائل: (فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ) (المائدة: 31).

ثم يقول الحق سبحانه في الآية التي نحن بصددها الآن: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ) (يونس: 73).

وكلمة "الفُلْك" من الألفاظ التي تطلق على المفرد، وتطلق على الجماعة.

وقول الحق سبحانه: (فَنَجَّيْنَاهُ) نعلم منه أن الفعل من الله تعالى، وهو سبحانه حين يتحدث عن أي فعل له، فالكلام عن الفعل يأتي مثل قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

ولكنه حين يتحدث عن ذاته، فهو يأتي بكلمة تؤكد الوحدانية وتكون بضمير الإفراد مثل: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ) (طه: 14).

وهنا يقول الحق سبحانه: (فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ) (يونس: 73).

كلمة "أنجى" للتعددية، وكلمة "نَجَّى" تدل على أن هناك معالجة شديدة للإنجاء، وعلى أن الفعل يتكرر.

وقول الحق سبحانه: (وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ) (يونس: 73).

تعني: أن الخليفة هو من يجيء بعد سابق، وكلمة "الخليفة" تأتي مرة للأعلى، مثل الحال هنا حيث جعل الصالح خليفة للصالح، فبعد أن أنجى الله سبحانه العناصر المؤمنة في السفينة، أغرق الباقين.

إذن: فالصالحون على ظهر السفينة أنجبوا الصالحين من بعدهم.

ومرة تأتي كلمة "الخليفة" للأقل، مثل قول الحق سبحانه: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ) (مريم: 59).

فهنا تكون كلمة الخليفة موحية بالمكانة الأقل، وهناك معيار وضعه الحق سبحانه لتقييم الخليفة، هو قول الحق سبحانه: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس: 14).

ولأن الإنسان مخيَّر بين الإيمان والكفر، فسوف يَلْقَى مكانته على ضوء ما يختار.

ويقول الحق سبحانه: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (النور: 55).

إذن: فالخليفة إما أن يكون خليفة لصالحٍ، وإما أن يكون صالحاً يَخْلُفُ فاسداً.

وهنا يقول الحق سبحانه: (وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا) (يونس: 73).

والآيات -كما قلنا من قبل- إما آيات الاعتبار التي تهدي إلى الإيمان بالقوة الخالقة، وهي آيات الكون كلها، فكل شيء في الكون يدلُّكَ على أن هذا الكون مخلوق على هيئة ولغاية، بدليل أن الأشياء في هذا الكون تنتظم انتظاماً حكيماً.

وإذا أردت أن تعرف دقة هذا الخلق، فانظر إلى ما ليدك فيه دَخْلٌ، وما ليس ليدك فيه دخل؛ ستجد كل ما ليس ليدك فيه دخل على درجة هائلة من الاستقامة، والحق سبحانه يقول: (لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: 40).

أما ما ليدك فيه دخل، فاختيارنا حين يتدخل فهو قد يفسد الأشياء.

وهكذا رأينا أن الآيات الكونية تلفت إلى وجود الخالق سبحانه وهي مناط الاستدلال العقلي على وجود الإله، أو أن الآيات هي الأمور العجيبة التي جاءت على أيدي الرسل -عليهم السلام- لتقنع الناس بأنهم صادقون في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى ثم هناك آيات القرآن الكريم التي يقول فيها الحق سبحانه: (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ) (آل عمران: 7).

وهي الآيات التي تحمل المنهج.

وحين يقول الحق سبحانه: (وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا) (يونس: 73).

فهو يعلِّمنا أنه أغرق من كذَّبوا بالآيات الكونية ولم يلتفتوا إلى بديع صنعه سبحانه، وحكمة تكوين هذه الآيات، وترتيبها ورتابتها، وهم أيضاً كذَّبوا الآيات المعجزات، وكذلك كذَّبوا بآيات الأحكام التي جاءت بها رسلهم.

وينهي الحق سبحانه وتعالى هذه الآية بقوله: (فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ) (يونس: 73).

والخطاب هنا لكل من يتأتَّى منه النظر، وأوَّلُهم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو أول مُخاطَب بالقرآن.

وأنت حين تقول: "انظر"؛ فأنت تُلْفِت إلى أمر حسِّي، إن وجَّهت نظرك نحوه جاء الإشعاع من المنظور إليه، ليرسم أبعاد الشيء؛ فتراه.

والكلام هنا عن أمور غائبة، فهي أحداث حسية وقعت مرة واحدة ثم صارت خبراً، فإن أخبرك بها مخبر فيكون تصديقك بها على مقدار الثقة فيه.

فمن رأى عصا موسى -عليه السلام- وهي تلقف الحبال التي ألقاها السحرة؛ آمن بها، مثلما آمن من شاهد النار عاجزة عن إحراق إبراهيم عليه السلام، ومن رأى عيسى عليه السلام وهو يُشفي الأكْمَهَ والأبْرص ويُحيي الموتى بإذن الله تعالى، فقد آمن بما رأى، أما من لم ير تلك المعجزات فإيمانه يتوقف على قدر توثيقه لمن أخبر، فإن كان المخبر بذلك هو الله سبحانه وفي القرآن الكريم فإيماننا بتلك المعجزات هو أمر حتمي؛ لأننا آمنا بصدق المبلِّغ عن الله تعالى ونحن نفهم أن الرسالات السابقة على رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، كانت رسالات موقوتة زماناً ومكاناً، لكن الإسلام جاء لينتظم الناس الموجَّه إليهم منذ أن أرسل الله رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى أن تقوم الساعة.

لذلك جاء القرآن آيات باقيات إلى أن تقوم الساعة، وهذا هو السبب في أن القرآن قد جاء معجزة عقلية دائمة يستطيع كل من يدعو إلى منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: محمد رسول من عند الله تعالى، وتلك هي معجزته.

وساعة يقول الحق سبحانه: (فَٱنْظُرْ) فمثلها مثل قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ) (الفيل: 1).

وحادثة الفيل قد حدثت في العام الذي ولد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبطبيعة الحال فسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ير حادثة الفيل، ولكن الذين رأوها هم الذين كانوا يعيشون وقتها، وهذا ما يلفتنا إلى فارق الأداء، فعيونك قد ترى أمراً، وأنذك قد تسمع خبراً، ولكن من الجائز أن تخدعك حواسك، أما الخبر القادم من الله تعالى، وإن كان غائباً عنك الآن وغير مسموع لك فخذه على أنه أقوى من رؤية العين.

ولقائل أن يقول: لماذا لم يقل الحق: "ألم تعلم" وجاء بالقول: (أَلَمْ تَرَ) (الفيل: 1).

وأقول: ليدلنا الله سبحانه على أن العلم المأخوذ من الله تعالى عن أمر غيبي عليك أن تتلقاه بالقبول أكثر من تلقيك لرأي العين.

إذن: (فَٱنْظُرْ) تعني: اعلمْ الأمر وكأنه مُجسَّم أمامك؛ لأنك مؤمن بالله تعالى وكأنك تراه، ومُبلِّغك عن الله سبحانه هو رسول تؤمن برسالته، وكل خبر قادم من الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أن يتسرب إليه الشك، ولكن الشك لا يمكن أن يتسرب إلى المخبر الصادق أبداً.

ولقائل أن يقول: ولماذا لم يقل الحق: "فانظر كيف كان عاقبة الكافرين" بدلاً من قول الحق سبحانه: (فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ) (يونس: 73).

وهنا نقول: إن الحق سبحانه وتعالى قد بيَّن أنه لم يعذِّب قبل أن يُنْذِر، فهو قد أنذر أولاً، ولم يأخذ القوم على جهلهم.

 "فانظر" -كما نعلم- هي خطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشمل أمته أيضاً، وجاء هذا الخبر تسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن صادف من قومك يا محمد ما صادف قوم نوح -عليه السلام- فاعلمْ أن عاقبتهم ستكون كعاقبة قوم نوح.

وفي هذا تحذير وتخويف للمناوئين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ...).



سورة يونس الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 071-075   سورة يونس الآيات من 071-075 Emptyالإثنين 14 أكتوبر 2019, 12:15 am

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة "بعث" هنا تستحق التأمل، فالبعث إنما يكون لشيء كان موجوداً ثم انتهى، فيبعثه الله تعالى وكلمة (بَعَثْنَا) هذه تلفتنا إلى الحق سبحانه أول ما خلق الخلق أعطى المنهج لآدم عليه السلام، وأبلغه آدم لأبنائه، وكل طمس أو تغيير من البشر للمنهج هو إماتة للمنهج.

وحين يرسل الحق سبحانه رسولاً، فهو لا ينشىء منهجاً، بل يبعث ما كان موجوداً، ليذكِّر الفطرة السليمة.

وهذا هو الفرق بين أثر كلمة "البعث" عن كلمة "الإرسال"، فكلمة البعث تشعرك بوجود شيء، ثم انتهاء الشيء، ثم بعث ذلك الشيء من جديد، ومثله مثل البعث في يوم القيامة، فالبشر كانوا يعيشون وسيظلون في تناسل وحياة وموت إلى يوم البعث، ثم يموت كل الخلق ليبعثوا للحساب.

ولم يكن من المعقول أن يخلق الله سبحانه البشر، ويجعل لهم الخلافة في الأرض، ثم يتركهم دون منهج؛ وما دامت الغفلة قد طرأت عليهم من بعد آدم -عليه السلام- جاء البعث للمنهج على ألسنة الرسل المبلِّغين عن الله تعالى وبعد نوح -عليه السلام- بعث الحق سبحانه رسلاً، وهنا يقول الله سبحانه وتعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ) (يونس: 74).

أي: من بعد نوح، فمسألة نوح -عليه السلام- هنا تعني مقدمة الرَّكْب الرسالي؛ لأن نوحاً عليه السلام قد قالوا عنه إنه رسول عامٌّ للناس جميعاً أيضاً، مثله مثل محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو لم يُبعث رسولاً عامّاً للناس جميعاً، بل كان صعوده إلى السفينة هو الذي جعله رسولاً لكل الناس؛ لأن سكان الأرض أيامها كانوا قِلّة.

والحق سبحانه قد أخذ الكافرين بذنبهم وأنجى المؤمنين من الطوفان، وكان الناس قسمين: مؤمنين، وكافرين، وقد صعد المؤمنون إلى السفينة، وأغرق الحق سبحانه الكافرين.

وهكذا صار نوح -عليه السلام- رسولاً عامّاً بخصوصية من بقوا وهم المرسَل إليهم بخصوصية الزمان والمكان.

وهنا يقول الحق سبحانه: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ) (يونس: 74).

فهل قَصَّ الله تعالى كل أخبار الرسل عليهم السلام؟

لا.

لأنه سبحانه وتعالى هو القائل: (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (غافر: 78).

وجاء الحق عز وجل بقصص أولي العزم منهم، مثلما قال سبحانه: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات: 147).

فمن أرسله الله تعالى إلى من هم أقل من مائة ألف، فقد لا يأتي ذكره، ونحن نعلم أن الرسول إنما كان يأتي للأمة المنعزلة؛ لأن العالم كان على طريقة الانعزال، فنحن مثلاً منذ ألف عام لم نكن نعلم بوجود قارة أمريكا، بل ولم نعلم كل القارات والبلاد إلا بعد المسح الجوي في العصر الحديث، وقد توجد مناطق في العالم نعرفها كصورة ولا نعرفها كواقع.

ونحن نعلم أن ذرية آدم -عليه السلام- كانت تعيش على الأرض، ثم انساحت في الأرض؛ لأن الأقوات التي كانت تكفي ذرية آدم على عهده، لم تعد تكفي بعدما اتسعت الذرية، فضاق الرزق في رقعة الأرض التي كانوا عليها، وانساح بعضهم إلى بقية الأرض.

والحق سبحانه هو القائل: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (النساء: 100).

وهكذا انتقل بعض من ذرية آدم -عليه السلام- إلى مواقع الغيث، فالهجرة تكون إلى مواقع المياه؛ لأنها أصل الحياة.

ويلاحظ مؤرِّخو الحضارات أن بعض الحضارات نشأت على جوانب الأنهار والوديان، أما البداوة فكانت تتفرق في الصحارى، مثلهم مثل العرب، وكانوا في الأصل يسكنون عند سد مأرب، وبعد أن تهدم السد وأغرق الأرض، خاف الناس من الفيضان؛ لأن العَدُوَّين اللذين لم يقدر عليهما البشر هما النار والماء.

وحين رأى الناس اندفاع الماء ذهبوا إلى الصحارى، وحفروا الآبار التي أخذوا منها الماء على قَدْر حاجتهم؛ لأنهم عرفوا أنهم ليسوا في قوة المواجهة مع الماء.

وهكذا صارت الانعزالات بين القبائل العربية، ومثلها كانت في بقية الأرض؛ ولذلك اختلفت الداءات باختلاف الأمم؛ ولذلك بعث الحق سبحانه إلى كل أمة نذيراً، وهو سبحانه القائل: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر: 24).

وقصَّ علينا الله سبحانه قصص بعضهم، ولم يقصص قصص البعض الآخر.

يقول الحق سبحانه: (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ) (غافر: 78).

وهنا يقول الحق سبحانه: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ) (يونس: 74).

فهل هؤلاء هم الرسل الذين لم يذكرهم الله؟

لا.

لأن الحق سبحانه أرسل بعد ذلك هوداً إلى قوم عاد، وصالحاً إلى ثمود، وشعيباً إلى مدين، ولم يأت بذكر هؤلاء هنا، بل جاء بعد نوح -عليه السلام- بخبر موسى عليه السلام، وكأنه شاء سبحانه هنا أن يأتي لنا بخبر عيون الرسالات.

وما دام الحق سبحانه قد أرسل رسلاً إلى قوم، فكل قوم كان لهم رسول، وكل رسول بعثه الله تعالى إلى قومه.

وكلمة "قوم" في الآية جمع مضاف، والرسل جمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً، مثلما نقول: هَيَّا اركبوا سياراتكم، والخطاب لكم جميعاً، ويعني: أن يركب كل واحد منكم سيارته.

وجاء كل رسول إلى قومه بالبينات، أي: بالآيات الواضحات الدالة على صدق بلاغهم عن الله تعالى ثم يقول الحق سبحانه في نفس الآية: (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ) (يونس: 74).

أي: أن الناس جميعهم لو آمنوا لانقطع الموكب الرسالي، فموكب إيمان كل البشر لم يستمر، بل جاءت الغفلة، وطبع الله تعالى على قلوب المعتدين.

والطبع -كما نعلم- هو الختم.

ومعنى ذلك أن القلب المختوم لا يُخرج ما بداخله، ولا يُدخل إليه ما هو خارجه؛ فما دام البعض قد عشق الكفر فقد طبع الله سبحانه على هذه القلوب ألاّ يدخلها إيمان، ولا يخرج منها الكفر، والطبع هنا منسوب لله تعالى وبعض الذين يتلمَّسون ثغرات في منهج الله تعالى يقولون: إن سبب كفرهم هو أن الله هو الذي طبع على قلوبهم.

ونقول: التفتوا إلى أنه سبحانه بيَّن أنه قد طبع على قلوب المعتدين، فالاعتداء قد وقع منهم أولاً، ومعنى الاعتداء أنهم لم ينظروا في آيات الله تعالى، وكفروا بما نزل إليهم من منهج، فهم أصحاب السبب في الطبع على القلوب بالاعتداء والإعراض.

وجاء الطبع لتصميمهم على ما عشقوه وألفوه، والحق سبحانه وتعالى هو القائل في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك".

ولله المثل الأعلى، فأنت تقول لمن يَسْدِر في غَيِّه: ما دمت تعشق ذلك الأمر فاشبع به.

ومَثَل هؤلاء الذين طبع الله سبحانه وتعالى على قلوبهم، مثل الذين كذَّبوا من قبل وكانوا معتدين.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَارُونَ...).



سورة يونس الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 071-075   سورة يونس الآيات من 071-075 Emptyالإثنين 14 أكتوبر 2019, 12:19 am

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (٧٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكل من موسى وهارون -عليهما السلام- رسول، وقد أخذ البعث لهما مراحل، والأصل فيها أن الله تعالى قال لموسى -عليه السلام-: (وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ) (طه: 13).

وقال الحق سبحانه وتعالى لموسى -عليه السلام-: (ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ) (طه: 43).

ثم سأل موسى -عليه السلام- ربه سبحانه وتعالى أن يشدَّ عَضُدَه بأخيه، فقال الحق سبحانه وتعالى: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ) (طه: 36).

لأن موسى -عليه السلام- أراد أن يفقه قوله، وقد رجى موسى ربه سبحانه وتعالى بقوله: (وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي) (طه: 27-28).

وبعد ذلك جاء تكليف هارون بالرسالة مع موسى عليه السلام وقال الحق سبحانه: (ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ) (طه: 24).

فالأصل -إذن- كانت رسالة موسى -عليه السلام- ثم ضم الله سبحانه هارون إلى موسى إجابة لسؤال موسى، والدليل على ذلك أن الآيات كلها المبعوثة في تلك الرسالة كانت بيد موسى، وحين يكون موسى هو الرسول، وينضم إليه هارون، لابد -إذن- أن يصبح هارون رسولاً.

ولذلك نجد القرآن معبِّراً عن هذا: (إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ) (طه: 47).

أي: أنهما رسولان من الله.

وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 16).

فهما الاثنان مبعوثان في مهمة واحدة، وليس لكل منهما رسالة منفصلة، بل رسالتهما واحدة لم تتعدد، وإن تعدد المرسل فكانا موسى وهارون.

ومثال ذلك -ولله المثل الأعلى- حين يوفد ملك أو رئيس وفداً إلى ملك آخر، فيقولون: نحن رسل الملك فلان.

وفي رسالة موسى وهارون نجد الأمر البارز في إلقاء الآيات كان لموسى.

ولكن هارون له أيضاً أصالة رسالية؛ لذلك قال الحق سبحانه: (إِنَّا رَسُولاَ) (طه: 47).

ذلك أن فرعون كان متعالياً سَمْجاً رَذْل الخُلُق، فإن تكلم هارون ليشد أزر أخيه، فقد يقول الفرعون: وما دخلك أنت؟

ولكن حين يدخل عليه الاثنان، ويعلنان أنهما رسولان، فإن رد فرعون هارون، فكأنه يرد موسى أيضاً.

أقول ذلك حتى نغلق الباب على من يريد أن يتورك القرآن متسائلاً: ما معنى أن يقول القرآن مرة "رسول" ومرة "رسولا"؟

وفي هذا ردٌّ كافٍ على هؤلاء المتورّكين.

ويقول الحق سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ) (يونس: 75).

والملأ: هم أشراف القوم، ووجوهه وأعيانه والمقرَّبون من صاحب السيادة العليا، ويقال لهم: "ملأ"؛ لأنهم هم الذين يملأون العيون، أي: لا ترى العيون غيرهم.

وفرعون -كما نعلم- لم يصبح فرعوناً إلا بالملا.

لأنهم هم الذين نصَّبوه عليهم، وكان "هامان" مثلاً يدعم فكرة الفرعون، وكان الكهنة يؤكدون أن الفرعون إله.

ولكل فرعون ملأ يصنعونه، والمثل الشعبي في مصر يقول: "قالوا لفرعون من فَرْعَنك، قال: لم أجدا أحداً يردّني".

أي: أنه لم يجد أحداً يقول له: تَعقَّلْ.

ولو وجد من يقول له ذلك لما تفرعن.

والآيات التي بعث بها الله سبحانه إلى فرعون وملئه مع موسى وهارون من المعجزات الدالة على صدق نبوة موسى وهارون - عليهما السلام، وفيها ما يُلْفِت إلى صدق البلاغ عن الله.

أو أن الآيات هي المنهج الذي يثبت وجود الخالق الأعلى، لكن فرعون وملأه استكبروا.

والاستكبار: هو طلب الكبر، مثلها مثل "استخرج" أي: طلب الإخراج، ومثل "استفهم" أي: طلب الفهم.

ومن يطلب الكبر إنما يفتعل ذلك؛ لأنه يعلم أن مقوماته لا تعطيه هذا الكبر.

وينهي الحق سبحانه هذه الآية بقوله: (.. وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ) (يونس: 75).

وشرُّ الإجرام هو ما يتعدى إلى النفس، فقد يكون من المقبول أن يتعدى إجرام الإنسان إلى أعدائه، أما أن يتعدى الإجرام إلى النفس فهذا أمر لا مندوحة له، وإجرام فرعون وملئه أودى بهم إلى جهنم خالدين مخلدين فيها ملعونين، وفي عذاب عظيم ومهين.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا...).



سورة يونس الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة يونس الآيات من 071-075
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة يونس الآيات من 011-015
» سورة يونس الآيات من 091-095
» سورة يونس الآيات من 016-020
» سورة يونس الآيات من 096-100
» سورة يونس الآيات من 021-025

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: يونس-
انتقل الى: