أخذ جزء من بنكرياس الخنزير وزراعته في إنسان
أخذ جزء من بنكرياس الخنزير وزراعته في إنسان Untit407
السؤال:
داء البول السكري ينشأ عن نقص مادة الأنسولين من غدة خاصة بالبطن تسمى البنكرياس، ويسبب هذا المرض بمرور الوقت حدوث مضاعفات عديدة للمريض من بينها الفشل الكلوي وهبوط القلب والشلل والعمى وضعف الدورة الدموية بالأطراف مما ينتج عنه غرغرينا تستلزم إجراء عملية بتر لإحدى الساقين أو كليهما، ومعظم تلك المُضاعفات يصعب منع حدوثها مع أساليب العلاج المُتَّبعة حاليًا، وهناك طائفة من مرضى السكر يتعرضون لخطر الموت عند عدم علاجهم بالحقن بالأنسولين، وفي محاولة علاج هذا المرض لم يكن مُتاحًا لدى الأطباء سوى استخدام مادة الأنسولين المُستخرجة من غُدَّة البنكرياس لحيوان الخنزير؛ لأنها شديدة الشَّبه بالمادة التي يكونها البنكرياس البشري بخلاف المادة المستخرجة من بنكرياس الأبقار.

ساهم استخدام هذه المادة لعدة سنوات في تخفيف مُعاناة مرضى السكر إلا أن هذه الطريقة لا تُلبي احتياجات الجسم بدقة وتجرى الأبحاث للتوصل إلى السبيل الأمثل لعلاج هذا المرض منها نقل البنكرياس من حديثي الوفاة وزراعة البنكرياس عن طريق نقل الخلايا المتخصصة من البنكرياس والتي تقوم بإفراز مادة الأنسولين، وكانت تلك التجارب على الحيوان، وأتت بنتائج مُرضية عُرضَت في مؤتمرات علمية عالمية، ونقول يمكننا الآن بدء تطبيق هذه الطريقة على متطوعين من مرضى السكر بعد إحاطتهم علمًا بتفاصيل هذا الأسلوب الجديد في العلاج، وعلى ذلك سوف يتم أخذ الخلايا المتخصصة في إفراز الأنسولين من غدة بنكرياس حيوان الخنزير، ولملاءمتها للمواصفات الخاصة المطلوبة.

برجاء التكرم بالإفادة عن مشروعية هذا العمل الطبي الذي يمكن أن يسهم في تخفيف المعاناة عن آلاف المرضى في مصر والعالم من وجهة نظر الدين الإسلامي.

الجواب:
فضيلة الدكتور نصر فريد واصل
التداوي بالمُحَرَّمَاتِ ومنها أجزاء الخنزير:
قد اختلفت فيه كلمة الفقهاء؛ فمنهم مَنْ حَرَّمَ ذلك، ومنهم مَنْ أباحه عند الضرورة بشرطين:
أحدهما:
أن يتعيَّن التداوي والنقل بالمُحَرَّم بمعرفة طبيب مسلم خبير بمهنة الطب معروف بالصدق والأمانة والتدين.

الثاني:
ألَّا يوجد دواء من غير المُحَرَّم ليكون التداوي بالمُحَرَّم، ولا يكون القصد من تناوله التحايل لتعاطي المُحَرَّم، وألَّا يتجاوز قدر الضرورة؛ لأن الأساس في هذه الإباحة الضرورة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 173).

و"الضرورة تُقَدَّرُ بقدرها"، ونحن نرى أنه لا مانع من ذلك شرعًا إذا دعت الحاجة المَاسَّة والضرورة القُصوى إلى ذلك ولا يوجد بديلٌ للمُحَرَّم، والذي يُقَدِّرُ ذلك هم الخبراء المختصون العُدُول الثقات؛ لأن الأمر في هذه الحالة يندرج تحت قوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام: 119).

أمَّا بالنسبة لنقل الأعضاء:
فيرى جمهور الفقهاء أنه يجوز نقل عضو من أعضاء الميت أو الحيوان إلى جسم إنسانٍ حيٍّ إذا كان هذا النقل يؤدي إلى منفعة الإنسان المنقول إليه هذا العضو منفعةً ضروريةً لا يوجد بديل لها، وأن يحكم بذلك الطبيب المختص الثقة؛ لأن الأطباء هم سادة الموقف في مثل هذه الحالات، وهم المسؤولون مسؤوليةً تامَّةً أمام الله تعالى وأمام مَنْ يملك مُحاسبتهم على أعمالهم من رجال الطب والقانون أو غيرهم.

وهذا الرأي هو الذي نُرَجِّحُهُ، وإنما قلنا بجواز ذلك بناءً على القاعدة الفقهية المشهورة وهي: أن "الضَّرر الأشد يزال بالضَّرر الأخف"، والضَّرر الأشَدُّ هنا يتمثل في بقاء الإنسان الحي عُرضةً للمرض الشديد والهلاك المُتوقّع، والضّرر الأخف هنا يتمثل في أخذ شيءٍ من أجزاء الميت أو الحيوان الحي لعلاج الإنسان الحي.

وبناءً على ذلك وفي موضوع السؤال وهو أخذ هذه الأجزاء من غدة بنكرياس الخنزير ونقلها للإنسان الحي نقول:
أولاً:
القيام بهذه التجارب على المرضى إذا كانت تسبب هلاكهم لا يجوز إجراؤها عليهم؛ لأنهم لا يملكون حياتهم؛ لأن الحياة ملكٌ لله سبحانه وتعالى.

ثانيًا:
إذا كان يمكن أخذ هذه الخلايا من الحيوان الطاهر -كالأبقار المشار إليها في السؤال أو غيرها- يكون أفضل؛ لأن الحيوانات النجسة كالخنزير لا يجوز اللجوء إليها إلا عند الضرورة القصوى إذا تعيَّنت، ولا تصح في وجود الأجزاء الطاهرة المُبَاحَة.

ثالثًا:
إذا كانت ضرورة مُلِحَّة في أخذها من حيوان الخنزير فإنها تكون ضرورة يجوز العمل بها؛ لأن زرع عضوٍ من حيوانٍ كالخنزير في جسم إنسانٍ مسلمٍ يعتبر من الضرورات عند عدم وجود الحلال، فالأصل ألَّا يكون ذلك إلا عند الضرورات، وللضرورة أحكامها، على أن يُراعَى بأن "ما أبيح للضرورة يُقَدَّرُ بقدرها"، وأن يُقَرِّرَ ذلك الثِّقاتُ العُدُولُ من أطباء المسلمين كما سبق بيانه.

وقد يُقال:
بأنَّ الخنزير نَجِسٌ؛ فكيف يجوز إدخال جزءٍ نجسٍ في جسد مسلم؟

ونقول:
إنَّ الممنوع شرعًا هو حمل النَّجاسة في الظاهر، أما في داخل الجسم فلا دليل على منعه؛ إذ الداخل محل النجاسات من الدم والبول والغائط، والإنسان يُصَلّي ويقرأ القرآن ويطوف بالبيت الحرام، والنَّجاسة في جوفه ولا تضرُّهُ شيئًا؛ إذ لا تَعَلُّقَ لأحكام النَّجاسة بما في داخل الجسم.
ومِمَّا ذُكِرَ يُعْلَمُ الجَوَابُ عن السُّؤَالِ.
واللهُ سبحانهُ وتعالى أعْلَمْ.