منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة التوبة الآيات من 126-129

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49273
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 126-129 Empty
مُساهمةموضوع: سورة التوبة الآيات من 126-129   سورة التوبة الآيات من 126-129 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 3:08 pm

أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله الحق: (أَوَلاَ يَرَوْنَ) أي: ألا يستشهد المنافقون تاريخهم مع الإسلام، ويعلمون أنهم يفتنون في كل عام مرة بالمصائب ومرة بالفضيحة، فتجد رسول الله حين يراهم يخرج بعضهم من بين الصفوف ويقول لهم: "اخرج يا فلان فإنك منافق”.

ثم بعد شهور يتكرر الموقف، وهنا يذكرهم الحق سبحانه بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفيهم كل عام مرة أو مرتين.

الأصل في الفتنة أنها امتحان واختبار، وهي ليست مذمومة في ذاتها، لكنها تذم بالنتيجة التي تأتي منها، فالامتحان -أي امتحان- غير مذموم، لكن المذموم هو أن يرسب الإنسان في الامتحان.

إذن: الابتلاء أو الفتنة في ذاتها ليست مذمومة، إنما المذموم أن تأتي النتيجة على غير ما تشتهي، وهم يفتنون حين يرون انتصار المسلمين رغم نفاقهم وكيدهم للمسلمين، وكان يجب أن يعلموا أنهم لن يستطيعوا عرقلة سير الإسلام؛ لأنه منتصر بالله.

وكان يجب أن يعتبروا ويتوبوا لينالوا خير الإسلام، فخيره ممدود رغم أنوفهم، والخسارة لن تكون على الإسلام، وإنما الخسارة على من يكفر به.

ونحن نعلم أن الإسلام بدأ بين الضعفاء إلى أن سار الأقوياء إليه، وتلك سنة الله في الكون، بل إننا نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بدء الرسالة كان مطلوباً منه أن يؤمن بأنه رسول.

وكما تقول أنت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، كان على النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

وسبحانه جل شأنه، الخالق الأكرم، آمن بنفسه أولاً.

بدليل قوله سبحانه: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ) (آل عمران: 18).

فأول شاهد بالألوهية الحقة هو الله، وقد شهد لنفسه، ومعنى ذكر شهادته لنفسه لنا أن نؤمن بأنه سبحانه يزاول قيوميته وطلاقة قدرته بكلمة "كن" وهو عالم أن مخلوقاته تستجيب قطعاً، وكان لابد أن يعلمنا أنه آمن أولاً بأنه الأول، وأنه الإله الحق، بحيث إذا أمر أي كائن أمراً تسخيرياً فلابد أن يحدث هذا الأمر، وسبحانه لا يتهيب أن يأمر؛ لذلك قال لنا: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ) شهادة الذات للذات، وشهدت الملائكة شهادة المشهد وشهد أولو العلم شهادة الاستدلال، وحين يشهد محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه رسول الله فهو يؤمن بأنه رسول، ولو لم يؤمن برسالته لتهيَّب أن يبلغنا بالرسالة، وبعد أن آمن -صلى الله عليه وسلم- أنه رسول من الله جاءه التكليف من الحق: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214).

وظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى الإسلام، ويبلغ آيات الحق إلى أن جاءت آيات الدفاع عن دين الله، وقال الحق: (قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ) (التوبة: 123).

إذن: في البداية كان لابد أن يؤمن أنه رسول، وأن يبلغ الدعوة إلى قريش وسائر الجزيرة، وتعبر دعوته بعد ذلك من الجزيرة إلى الشام، وتتعدى الرسالة الشام بالإعلام وإن لم تتعد بالفعل؛ حتى يأتي أتباعه من الصحابة وينساحوا بالإسلام في كل بقاع الأرض، ولذلك كانت الرمزية في إرسال الكتب: كتاب لفلان وكتاب لفلان وكتاب لفلان؛ ليفهم العالم أن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان والإسلام دعوة متعدية؛ لأنها خالفت دعوات الرسل عليهم السلام، فقد كان كل رسول إنما يعلم أن حدود دعوته هي أمته.

 أما محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد كانت لرسالته مراحل: آمن بذاته أولاً.

ثم دعا الأقربين، ثم من بعد ذلك قريش، ثم أبلغ العرب، ثم الشام، وتعدت الدعوة بالكتب إلى جميع الملوك في العالم، وصارت أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- مؤتمنة على حمل الدعوة ونشرها في أي مكان ومعها حجتها وهي القرآن.

 وشاء الله أن يختم رسول الله الرسالات، وأرسله بالإسلام الذي يغلب الحضارات، رغم أنه -صلى الله عليه وسلم- من أمة أمية لا تعرف شيئاً؛ حتى لا يقال عن الإسلام أنه مجرد وثبة حضارية، وجاء لهم منهج غلب الحضارات المعاصرة له: فارس والروم في وقت واحد.

إذن: فالمسألة كانت مسألة قبيلة، يحكمهم واحد منهم هكذا، دون تمرس بالنظم الاجتماعية، ولم يعرفوا شيئاً قبل الإسلام، بل هم أمة متبدية لا شأن لها بالنظم السياسية أو الاقتصادية، وطن الواحد منهم جمله وخيمته وبضعة أدوات تعينه على الحياة، وتستقر كل جماعة في أي مكان يظهر به العشب ويوجد به الماء، وبعد أن تأكل الأغنام والأنعام العشب، ينتقل العربي مع جماعته إلى مكان آخر، بعد أن ينظر الواحد منهم إلى السماء؛ ليعرف مسار الغمام وأين ستمطر السحب، ثم ينساح هؤلاء بالدعوة بعد ذلك، فلو كان لهم انتماء إلى وطن أو بيت أو مكان لصار الرحيل صعباً عليهم، لكنهم كانوا متمرسين بالسياحة في الأرض.

والآية التي نحن بصددها تكشف ضعف إيمان البعض، ونفاق البعض، فيقول الحق: (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي: كان لابد أن يتوبوا أو يتعظوا ويعلموا أن وقوفهم ضد الإسلام لم ولن يحجب الإسلام وأنهم سينسحقون ويضيعون، فلماذا لا يتذكر كل منهم نفسه، ويرى مصلحته في الإيمان.

ويقول الحق بعد ذلك: (وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ...).



سورة التوبة الآيات من 126-129 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49273
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 126-129 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 126-129   سورة التوبة الآيات من 126-129 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 3:10 pm

وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٢٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ومن قبل جاء قول الحق: (وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً) (التوبة: 124).

أي: أن هؤلاء المنافقين يشعرون بالضيق والحصار، ويخافون أن يتكلموا؛ لأنهم موجودون مع المسلمين، ولكنهم لا يعدمون وسيلة للتعبير عن كفرهم، فيغمز الواحد منهم بعينه، أو يشير إشارة بيده، فإذا ما كانوا قد تساءلوا من قبل بـ (أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً) فقد كان هذا السؤال يتعلق بالتكاليف، أما في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها فليس فيها تكاليف جديدة.

لقد كانوا يريدون أن يقولوا شيئاً، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتكلموا بأفواههم، فتكلموا بأعينهم ونظراتهم، فكأن النظر نفسه كان فيه هذه الكلمة: (هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ)، وهذا قد تراه من واحد يسمع خطبة الخطيب، ولكنه يرى بها أشياء لا تعجبه، فتجده يعبر بانفاعالات وجهه عن عدم رضاه.

إذن: فهناك نظر، وهناك كلام، وهم قد تساءلوا: هل يراكم من أحد؟

ومثلها مثل قولك: ما عندي من مال؟

أي أنك لا تملك بداية ما يقال عنه مال، والقول الكريم أبلغ بالقطع من أن تقول: هل يراكم أحد.

إن قوله الحق: (هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ) دليل على أنهم في خوف من أن يضبطهم أحد، ومن بعد ذلك تجدهم يتسللون خارج دائرة الاستماع للقرآن أو للرسول؛ لأنهم لا يطيقون الاستمرار في الاستماع؛ لأن منطق الحق يلجم الباطل، والواحد منهم غير قادر على أن يؤمن بالحق وغير قادر على إعلان الكفر؛ فينسحبون، وينصرف كل واحد منهم؛ لذلك نجد أن بعضهم قد قال من قبل: (لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ) (فصلت: 26).

وقد قالوا ذلك لأن الكافر أو المنافق قد تأتيه لحظة غفلة عن الباطل، فيتسلل الإيمان إلى قلبه، كما أن المؤمن قد تأتيه لحظة غفلة عن الحق، لكنه يستغفر الله عنها.

وإذا ما أتت للمنافق أو الكافر لحظة غفلة عن كفره أو نفاقه؛ فتأتيه هجمة الإيمان فيخافها، فيقول لمن هم مثله: من الأفضل أن نقول لمن معنا لا تسمعوا هذا القرآن.

لماذا؟

حتى لا يصادف فترة غفلة عن النفاق، فإذا صادف فترة غفلة عن النفاق فمن الممكن أن يدخل الإيمان القلب.

ولذلك قالوا: (لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ)، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل طلبوا من الأتباع ان يلغوا فيه، أي: أن يشوشوا عليه: (وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت: 26).

إذن: لا غلبة لهم مطلقاً إلا بعدم الاستماع إلى القرآن، أو أن يشوشوا عند سماع القرآن؛ حتى لا ينفذ القرآن إلى القلوب.

وهنا يقول الحق سبحانه عن هؤلاء المنافقين: (وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ) كانوا يقولون ذلك؛ لأنهم كمنافقين سبق لهم إعلان الإسلام، وكانوا يدعون أنهم متقدمون في تطبيق أحكام الإيمان، وكانوا يصرون على الوقوف أثناء الصلاة في الصف الأول؛ حتى يدفعوا عن أنفسهم تهمة النفاق، وكما يقول المثل: يكاد المريب أن يقول خذوني.

وينظر بعضهم إلى بعض متسائلين: (هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ) لأنهم لا يطيقون الجلوس إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو إلى المؤمنين.

وينهي الحق الآية: (صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) وذلك نتيجة لانصرافهم نفسيّاً إلى النفاق؛ فيساعدهم سبحانه على ذلك، فما داموا لا يعرفون قيمة الإيمان؛ فليذهبوا بعيداً عنه، فالحق لهم يصرفهم إلا باختيارهم، حتى لا يقول أحد: إن الله هو مصرف القلوب، فما ذنبهم؟

لا.

لقد انصرفوا هم بما خلقه الله فيهم من اختيار، فصرف الله قلوبهم، لماذا؟

لأنهم (قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) أي: لا يفهمون.

والفهم أول مرحلة من مراحل الذات الإنسانية، وهناك فرق بين الفهم والعلم.

فالفهم يعني أنك تملك القدرة على تَفَهُّم ذاتية الأشياء بملكة فيك، لكن العلم يعني أنك قد لا تفهم أنت بذاتك، وإنما يفهم غيرك ويعلمك.

فأنت قد تعلم جزئية لا من عندك وإنما من معلم لك.

ولكن قد يقول قائل: ما داموا لا يفقهون فما ذنبهم؟

ونقول: الذي لا يفهم عليه أن يتقبل التعليم، لكن هؤلاء لم يفهموا ولم يتعلَّموا، وأصروا على عدم قبول العلم.

وبعد ذلك يأتي ختام سورة التوبة.

والسورة بدأت بالقطيعة: (بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ) (التوبة: 1).

ووردت لنا أحوال الكفار والمنافقين وتكاليف الجهاد الشاقة، وأراد الحق أن يختم السورة بما يبرر هذه المشقات المتقدمة، فبيّن لنا: إياكم أن تنفضُّوا عن الرسول أو تغضبوه؛ لأنه وإن جاء لكم ببلاغ فيه أمور شاقة عليكم فخذوا هذه الأمور الشاقة على أنها من حبيب لكم، لا من عدو لكم.

إنك مثلاً إن رأيت عدوّا ضرب ابنك وجرحه، يكون وقع هذا الأمر شديداً عليك؛ لأنه عدو.

لكنك إذا أخذت ابنك للطبيب وقرر الطبيب إجراء جراحة للابن، فأنت تقبل ذلك؛ لتزيل عن ابنك خطراً.

إذن: فهناك فارق بين جرح عدوك لابنك وجرح الطبيب له رغم أن الإيلام قد يكون واحداً.

إذن: لا ترفض الأمور الشاقة عليك لمجرد ورود المشاق عليك، ولكن اعرف أولاً من الذي أجرى المشاق عليك، فإن كان ربك، فربك بك رحيم.

وإن كان الرسول فخذ أوامر الرسول وطبقها؛ لأنها من حبيب يريد لك الخير.

وهنا يقول الحق: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ...).



سورة التوبة الآيات من 126-129 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49273
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 126-129 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 126-129   سورة التوبة الآيات من 126-129 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 3:13 pm

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونلحظ هنا أن الحق قد نسب المجيء هنا للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقل: جئتكم برسول.

وكلنا يعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يأت من عند نفسه، ولم يدع هذا الأمر الجليل لنفسه، ولكن الشحنة الإيمانية تفيد أنه خلق بما يؤهله للرسالة، وبمجرد أن نزل عليه الوحي امتلك اندفاعاً ذاتيّاً لأداء الرسالة، ولم يحتج لمن يدفعه لأداء الرسالة؛ لذلك أراد الحق سبحانه أن يثبت للرسول -صلى الله عليه وسلم- المجيء ذاتيّاً، ولكن هذا المجيء الذاتي ليس من عند محمد -صلى الله عليه وسلم- في البداية، بل هو رسول من عند الله، فأتى الحق سبحانه هنا بكلمة "جاء”.

وكلمة (رَسُولٌ) تدل على أنه ليس من عنده، وكلمة "جاء" تدل على أن الشحنة الإيمانية جعلت لذاته عملا.

فهو -صلى الله عليه وسلم- يعشق الجهاد من أجل الرسالة، ويعشق الكفاح من أجل تحقيق هذه الرسالة.

إذن: لا تنظروا إلى ما جاءكم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- نظرتكم إلى الأمور الشاقة التي تتعبكم، ولكن انظروا ممن جاءت، إن كانت من الأصل الأصيل في إرسال الرسل، فالرب رحيم، خلقكم من عدم وأمدكم من عدم، ويوالي نعمة عليكم حتى وأنتم في معصيته.

فأنت تعصاه ويحب الله سبحانه من يستر عليك، فلا تشكك ولا تتشكك.

وعليك أن تأخذ التكاليف على أنها من حبيب فلا تقل: إنها مشقة.

فأنت -ولله المثل الأعلى- تطلب من ابنك أن يستذكر دروسه، وتراجعها معه قهراً عنه في بعض الأحيان، وأنت قد تمسك بيدي ابنك ليعطيه الطبيب حقنة من الدواء الذي جعله الله سبباً للشفاء.

إذن: فلا تأخذ الأحوال بوارداتها عليك، ولكن خذها بوارداتها ممن قدرها وقضاها؛ وهو الحق سبحانه وتعالى وهنا يقول الحق سبحانه: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) أي: أن الحق سبحانه لم يأت بإنسان غريب عنكم، بل جاء بواحد منكم قادر على التفاهم معكم.

ولقوله الحق: (مِّنْ أَنفُسِكُمْ) معان متعددة، فمرة يكون معناها بـ "من جنسكم"، مثلما قال الحق عن حواء: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (النساء: 1).

أي: خلق حواء من نفس جنس آدم البشري، فلا يقولن أحد: كيف بعث الله لنا بشراً رسولاً؟

لأن الحق أراد الرسول من البشر رحمة بالناس؛ ولذلك يؤكد -صلى الله عليه وسلم- على بشريته أكثر من مرة وفي مواقع كثيرة.

والقرآن يقول: (وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً) (الإسراء: 94).

إذن: فبشرية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تؤخذ على الله، ولكن تؤخذ لله؛ لأنه أرسل واحداً من نفس الجنس؛ ليكون قادراً على أن يتفاهم مع البشر، وتكون الأسوة به سهلة.

ولذلك قال سبحانه: (قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً) (الإسراء: 95).

وقوله الحق: (مِّنْ أَنفُسِكُمْ) أي: من جنس العرب، ولم يأت به من الروم أو من فارس، لكن اختار لكم من هو أعلم بطبائعكم.

أو أن معنى (مِّنْ أَنفُسِكُمْ) أي: من نفس القبيلة التي تنتمون إليها معشر قريش.

أو أن (مِّنْ أَنفُسِكُمْ) تعني: أنكم تعلمون تاريخه، وتعرفون أنه أهل لتحمل أمانة السماء للأرض، كما تحمل أماناتكم من الأرض للأرض؛ ولأن هذا هو سلوكه، فهو قادر على أن يتحمل أمانة السماء للأرض.

ولقد سميتموه الصادق الأمين، والوفي، وكلها مقدمات كانت توحي بضرورة الإيمان به كرسول من عند الله.

وإن كانت سلسلة أعماله معكم تثير فخركم، فمجيئة كرسول إنما يرفع من ذكركم، ويعلي من شأنكم.

فأنتم أهل قريش ومكة ولكم السيادة في البيت الحرام، وقد جاء محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليزيد من رقعة السيادة لكم، فإذا كنتم قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم- سادة البيت، فأنتم بعد بعثته سوف تصيرون سادة العالم.

ويقول الحق سبحانه: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف: 44).

فهو نبي الله للعالم أجمع ومن العرب ومن قريش، وكان يجب أن يفرحوا برسالته وأن يؤيدوها، لكن الله لم يشأ ذلك؛ لأن قريشاً قبيلة قد ألفت السيادة على العرب، وهذا جعل العرب يعملون لها حساباً، وخافت منها كل قبائل العرب في أنحاء الجزيرة العربية، وكانت لها مهابة هائلة؛ لأن كل العرب مضطرون للحج إلى الكعبة، وأثناء الحج تكون القبائل كلها في أرض قريش؛ لذلك كانت كل القبائل ترعى قوافل قريش، ولا تتعرض أي قبيلة لقريش أبداً، فقوافلها تروح وتغدو، جنوباً وشمالا.

ولا تقدر قبيلة أن تقف في مواجهة قريش، أو أن تتعرض لها.

وكل هذه المكانة وتلك المهابة أخذتها قريش من خدمتها لبيت الله الحرام؛ ولذلك شاء الحق ألا يمكن أبرهة من هدم البيت لتظل السيادة لقريش، فلو انهدم البيت الحرام وانصرف الحج إلى اليمن كما كان يريد أبرهة، فمن أين تأتي السيادة لقريش؟

لذلك قال الحق عن أبرهة وقومه: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل: 5).

وأتبعها بقوله: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ) (قريش: 1-2).

وما دام الحق سبحانه قد شاء هذا فيأتي أمره في الآية التالية: (فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: 3-4).

وشاء الحق سبحانه أن يبعث بمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً يدعو أولاً الصناديد، والقبيلة ذات المهابة والمكانة، وأن تكون الصيحة الإيمانية في آذان سادة الجزيرة الذين تهابهم كل القبائل، حتى لا يقال: إن محمداً قد استضعف قلة من الناس وأعلن دعوته بينهم، لا.

بل جاءت دعوته في آذان الصناديد، والسادة، وسفه أحلامهم، وحين رفضوا دعوته هاجر، ثم جاءه الإذن بقتالهم، ولم تأت نصرة الإسلام من السادة، بل آمن به الضعاف أولا.

ثم هاجر إلى المدينة؛ لتأتي منها النصرة.

فلو أن النصرة جاءت من السادة لقالوا: جاءت نصرة الإسلام من قوم ألفوا السيادة، ولما ظهر واحد منهم يقول: إنه رسول؛ أرادوا أن يسودوا به، لا الجزيرة العربية، بل الدنيا كلها، فتكون العصبية لمحمد هي التي خلقت الإيمان بمحمد، والله يريد أن تكون النصرة من الضعيف؛ حتى يفهم الجميع أن الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- هو السبب في العصبية لمحمد.

هكذا نفهم معنى: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ) أي: مرسل من الله و (مِّنْ أَنفُسِكُمْ) بكل ما تعنيه مراحل النفس، وهو مبلغ عن الله، فلم يأت بشيء من عنده، بل كل البلاغ الذي جاء به من ربه، والرب بإقراركم هو الذي خلق لكم ما تنتفعون به من السماوات والأرض.

وسبحانه يقول: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) (الزخرف: 87).ويقول: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) (لقمان: 25).

إذن: فالمخلوق هو الخليفة الإنسان، وما خلقه الله في الكون، إنما خلقه لخدمتكم كلكم، وأنتم تقرون ذلك، فإذا كان الرب قد سبق لكم بهذه النعم، وجاء الرسول الذي جاء لكم من عنده بما يسعدكم، وقد استقبلتم خيره قبل أن يأتي لكم بالتكاليف، واستقبلتم نعمته قبل أن تكونوا مخاطبين له، إذن: فالله الذي أرسل رسوله بالتكاليف والمنهج لكم، لابد أن يكون قد كلف من هو مؤتمن عليكم، وهو -صلى الله عليه وسلم- لم يأت من جنس الملائكة، بل هو بشر مثلكم، فإذا قال لكم: افعلوا كذا وكذا وأنا أسوة لكم في الفعل، فلا تتعجبوا، لكن غبار الكافرين بالله جعلهم يريدون أن يكون الرسول ملكاً، فقال الحق: (وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً) (الإسراء: 94-95).

أي: إن كنتم تريدون مَلَكاً، فالملك له صورة لا ترونها، ولابد أن نجعله ملكاً في صورة بشر؛ ليخاطبكم، إذن: فهل المشكلة مشكلة هيئة وشكل؟

ثم إن الملائكة بحكم الخلق: (لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).

فإذا قال لكم الرسول الملك: أنا أسوة لكم في العمل الصالح، أكانت تصح الأسوة؟

من المؤكد أن بعضنا سيقول: لا.

لن تنفع الأسوة؛ لأنك مَلَك مطبوع على الخير، وليس لك شهوة بطن، ولا شهوة فرج، إذن: فأسوتنا بك لا تصلح.

إذن: فمن رحمته سبحانه بكم أن جعل لكم رسولاً من أنفسكم، ومن قبيلتكم، ومن العرب، لا من فارس أو الروم، وهو يخاطبكم بلغتكم؛ لأنكم أنتم أول آذان تستقبل الدعوة؛ فلابد أن يأتي الرسول بلسانكم، وجاءكم محمد -صلى الله عليه وسلم- بالأنس والألفة؛ لأن من قريش التي لها بطون في كل الجزيرة ولها قرابات، وأنس وألفة بكل العرب، وأنس ثالث أنه من البشر، وجاء به الحق سبحانه فرداً من الأفراد، محكوم له بالصدق والأمانة قبل أن يبلغكم رسالته من الله.

إذن: فإذا جاءكم الرسول بتكليف قد يشق عليكم، فاستصحبوا كل هذه الأشياء؛ لتردوا على أنفسكم: هو بشر وليس مَلَكاً.

هو من العرب وليس من العجم.

هو من قبيلتكم التي نشأ بينكم فيها.

هو من تعرفون سلوكه قبل أن يبلغ عن الله، فما كذب على البشر في حق البشر.

أفيكذب على البشر بحق الله؟

وقرأ عبد الله بن قسيط المكي هذه الآية: (مِّنْ أَنفُسِكُمْ) أي: أنه -صلى الله عليه وسلم- بالمقياس البشري هو من أقدركم وأحسنكم.

ولذلك حينما جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة عن الله، هل انتظرت سيدتنا خديجة -رضي الله عنها- أن يأتي لها بمعجزة؟

هل انتظر أبو بكر أن يأتي له بمعجزة؟

لا.

لم ينتظر أحدهما لأن كلاّ منهما أخذ المعجزة من ناحية تاريخه الماضي.

وحينما قال لخديجة: "يأتيني ويأتيني ويأتيني" وكانت ناضجة التكوين والفكر والعقل، وعلمنا مما قالت لماذا اختار الله له أن يتزوجها وعمره خمسة وعشرون عاماً، وعمرها أربعون سنة، مع أن المألوف أن يحب الإنسان الزواج ممن هي دونه في العمر.

لكن المسألة لم تكن زواجاً بالمعنى المعروف، لكنه زواج لمهمة أسمى مما نعرف، ففي فترة هذا الزواج ستكون الفترة الانتقالية بين البشرية العادية إلى البشرية التي تتلقى من السماء، وهذه فترة تحتاج إلى قلب أم، ووعاء أم تحتضنه وتُربِّت عليه.

فلو كانت فتاة صغيرة وقال لها مثلما قال -صلى الله عليه وسلم- لخديجة لشكت في قواه العقلية، لكن خديجة العاقلة استعرضت القضية استعراضاً عقليّاً بحتاً.

فحين قال لها: أنا أخاف أن يكون الذي يأتيني رئى من الجن.

قالت له: "إنك لتصل الرحم، وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق، والله لا يخزيك الله أبداً”.

إذن: فقد أخذت من مقدمات حياته قبل البعثة ما يدل على صدقه بعد البعثة.

وكذلك أبو بكر -رضي الله عنه-، حينما قالوا له: إن صاحبك يدَّعي أنه رسول.

قال: أهو قالها؟

قالوا: نعم.

قال: إنه رسول من الله لأنه لم يكذب طوال عمره.

وبعد ذلك يقول الحق: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ).

وكلمة (عَزِيزٌ) أي: لا يُنال ولا يقدر عليه أحد، والشيء العزيز أي نادر الوجود.

وقد تقول لإنسان: "قد تكن وزيراً"؛ فيصمت رجاء، لكن إن قلت له: "ستصبح رئيس وزراء" فيقول: هذه مسألة مستعصية وكبيرة عليَّ بعض الشيء.

إذن: فالعزة تأتي لامتناع شيء إما لقدرته، أو عزيز بمعنى نادر، أو يستحيل.

والعزيز: هو الأمر الذي يعز على الناس أن يتداولوه، فيقال: "عز عليّ أن أصل إلى قمة الجبل”.

(عَزِيزٌ عَلَيْهِ) أي: شاق عليه أن يعنتكم بحكم؛ فقلبه رحيم بكم، وهو لا يأتي لكم بالأحكام لكي تشق عليكم، بل تنزل الأحكام من الله لمصلحتكم، فهو نفسه يعز عليه أن يشق عليكم.

ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها".

فإذا كان الرسول صفته أنه من أنفُسكم أو من أنفسَكم أو يحبكم حبّاً يعز عليه أن تكونوا في مشقة.

إذن: فخذوا توجيهاته بحسن الظن وبحسن الرأي فيها، وذلك هو القانون التربوي الذي يجب أن يسود الدنيا كلها.

فقد يقسو والد على ولده بأوامر ونواه: "افعل كذا" و "لا تفعل كذا" لا تذهب إلى المكان الفلاني، ولا تجلس إلى فلان، ولا تسهر خارج المنزل بعد الساعة كذا.

كل هذه أوامر قد تشق على الولد فنقول له: مشقة التكليف ممن صدرت؟

لقد صدرت من أبيك الذي تعرف حبه لك، والذي يشقى ليوفر لك بناء المستقبل، ويتعب؛ لترتاح أنت، فكيف تسمح لنفسك أن تصادق صعاليك يخرجونك عن طاعة أبيك إلى اللهو وإلى الشر.

وانظر إلى والدك الذي تحمل المشقة حتى لا تتحمل أنت المشقة، ويشق عليه أن تتعب فهو أولى بأن تسمع كلامه.

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عزيز عليه مشقتكم، والمشقات أنواع: مشقات في الدنيا تتمثل في التكاليف التي يتطلبها الإيمان، ولكنها تمنع مشقات أخلد في الآخرة؛ لذلك فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يحزن أن ينالكم في الآخرة تعب، وتعب الدنيا موقوت وينتهي، لكن تعب الآخرة هو الذي يرهق حقّاً ويتعب.

ولذلك يقول الحق في تصوير هذه المسألة بقوله: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف: 6).

لماذا؟

لأنك تعرف يا محمد أنهم إن لم ينتهوا فسوف يجدون العنت كله في الآخرة.

أو أن مشقة الآخرة هي التي يجب أن نتلافاها، وأن نتحمل المشقات الزائلة العرضية التي تورد ثماراً.

 فنحن قد نجد الرجل يقول لابنه مثلاً: اخرج إلى الحقل، واحمل السباخ فوق الحمار واحرث وارْو، كل هذه مشقات ستجد لذتها يوم الحصاد، وتعطيك الأرض من خير الله كذا إردب قمحاً أو غير ذلك.

ولو ترك الأب ابنه لكسله فهذه هي المشكلة الأكبر، وحث الأب لابنه على العمل هو دفع لمغبة الضياع.

وقد يأخذ الأب ابنه للطبيب، ويجد الطبيب مشغولاً.

ويرجوه الأب أن يجري للابن جراحة تنجيه وتنقذه من خطر رغم أن الأب يعلم أن الطبيب سيستخدم مع ابنه أدوات جراحية كالمشارط وغيرها، ولكن ليعلم الابن أن هذا المشرط سيمسُّ أباك قبل أن يمسَّك، وعلى ذلك إذا أُمرت بتكليف شاق فانظر مَنْ أمرك؟

أهو ممن تعز عليه ومن تحبه وممن يريد لك الخير؟

إن كان الأمر كذلك؛ فعليك أن تقبل ولا تسيء الظن، ولا تُرهق مَنْ يحبك.

واعلم أن والدك حين يصرفك عن أصدقاء السوء -مثلاً- فهو يرد عنك مصارف الشر؛ لأنك إن اجتهدت في عملك؛ فسوف تحصد النتيجة الطيبة، أما إن اتجهت إلى مصارف الشر فسوف تُشَرّد وتجوع، وسوف تدق باب بيت أبيك.

وعندئذ ستسمع مثلاً عاميّاً يلخص الحكمة التي تقول "من يأكل لقمتي فليسمع كلمتي”.

وهنا يقول الحق: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) ومعنى الحرص: أن يحوطكم بالرعاية؛ حتى لا تقعوا في المشقة الأكبر.

ولذلك قلنا: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد صوَّر هذه المسألة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار -أي أمسككم من خلفكم حتى لا تذهبوا إلى النار- وأنتم تفلتون من يدي".

والحق يُسَرّي عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ) (الكهف: 6).

ويقول الحق أيضاً لرسوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 3).

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس إلى إتقان العمل في الدنيا؛ ليصلوا إلى الجنة في الآخرة؛ لأن كل مؤمن عزيز عليه -صلى الله عليه وسلم- ويخشى أن يُرهَق إنسان واحد في الآخرة، ولذلك قال الحق: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: 3-4).

أي: إياك أن تحزن أنك حريص على أن يؤمنوا؛ لأن الحق سبحانه يقدر أن ينزل عليهم آية تجعل رقابهم خاضعة، ولكن الرب لا يريد رقاباً تخضع؛ وإنما يريد قلوباً تخشع.

 عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) والرأفة والرحمة قد تلتقيان في المعنى العام، ولكن هناك أموراً تسلب مضرّة، وأموراً تجلب منافع.

وسلب المضرّات -دائماً- مُقدّم على جلب المنافع، فحين نواجه عملاً يضر وعملاً ينفع؛ نُقدم على العمل لدرء ما يضر، ثم ننجز العمل النافع.

وساعة يطرأ عليك أمر يضر، وأمر ينفع، وأنت في حال متساوية ولابد أن تدرأ عن نفسك الأمر الضار الذي يخرجك عن الاستواء، ثم تقبل على الأمر الذي يزيد من الارتقاء.

وحتى نقرب هذه المسألة إلى الذهن، سأضرب هذا المثل الحسّي: هَبْ أن واحداً معه حجر يريد أن يضربك به، وآخر يريد أن يقذفك بتفاحة، فهل تنشغل بالتقاط التفاحة أو تنشغل برد الحجر؟

إنك تنشغل أولابدرء الضرر، ثم تقبل على جلب المنفعة.

ومثال آخر: هب أنك ترى إنساناً يغرق أمامك في البحر، فهل توبخه؛ لأنه نزل البحر دون أن يتعلم العوم؟

أم تنقذه أولاً وتدفع الأذى عنه، ثم توبّخه وتعاقبه بعد ذلك جزاء إهماله؟

إنك تنقذه أولاً.

وبذلك تكون قد قدمت الإحسان بدفع المضرة أولاً.

وحتى إن عاقبته فهو يتقبل منك العقاب أو النهر؛ لأن صنيعك أنقذه من الموت.

 والحق يقول: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185).

إذن: فمراحل الفوز أن يُزْحزح الإنسان أولاً عن النار، ففي هذا سلب للمضرَّة، وجلب للمنفعة، وإن ظل الإنسان في موقعه لا هو في الجنة ولا هو في النار؛ فهذا هين أيضاً.

وإن أدخل الجنة فهذا هو الخير كله.

 وإذا كانت هذه هي بعض من خصال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ)، و (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ)، و (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ)، و (بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، فهذه خصال إن استوعبها الإنسان فهو يندفع إلى اتباع هذا الرسول.

وقوله الحق: (بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) نرى فيه الوصف بـ "الرءوف" والرأفة هي سلب ما يضر من الابتلاء والمشقة، و"رحيم" هو الذي يجلب ما ينفع من النعيم والارتقاء.

 وحسبكم من هاتين الصفتين أن الله سبحانه وتعالى وصف رسوله بهذين الوصفين (رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) وقد ثبت أنه سبحانه قد وصف نفسه بقوله سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 7).

إذن: فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يسلك بما عنده، بل يسلك برأفة مستمدة من رأفة العلي الأعلى، وكذلك رحمته -صلى الله عليه وسلم- مستمدة من رحمة العلي الأعلى.

وكأن الحق سبحانه يبيّن لنا أنه أعطى محمداً -صلى الله عليه وسلم- بعضاً من الصفات التي عنده، فكما يبلغكم المشقات في التكاليف، فهو يبلغكم السلامة من المشقات في الرأفة، وترقية المنعمات بالرحمة؛ ولذلك يقول الحق سبحانه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: 82).

ونعلم أن الشفاء إنما يكون من المرض، أي: أن القرآن يسلب المضرة أولا.

ثم يأتي لنا بالمنفعة بعد ذلك وهي الرحمة.

 وقوله الحق: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) هذا القول خلاصته: إن استقبلتم مشقات التكليف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فاعلموا ممن جاءت هذه المشقات، واعلموا أن مجيئه بها إنما هو ليرفع عنكم مشقات أكبر وأخلد؛ لأن مشقات التكليف تنتهي بانتهاء زمن التكليف وهو الدنيا، ثم يذهب المؤمن إلى الجنة ليحيا بلا تكليف، وما يخطر على باله من أشياء، يجده فوراً؛ بدءاً من الطعام والشراب وجميع ما خلقه الله لأهل الجنة من نعيم.

وإن نظرنا إلى متع الدنيا نجد أن من اجتهدوا في حياتهم، يستأجرون من يقوم لهم بالأعمال التي كانوا يقومون بها لأنفسهم؛ فالثري الذي كان يطهو طعامه قبل الثراء، يستأجر طاهياً؛ ليعد له طعامه، والفلاح الذي كان يبني بيته لنفسه، ثم رزقه الله بالرزق الوفير فاستأجر من يبني له، وكل الأعمال التي تسعد الإنسان وكان يقوم بها بنفسه ولنفسه، صار يستأجر من يقوم له بها، فما بالنا بالآخرة حيث تعيش في رضا الله وبأسرار كلمة (كُن).

وهكذا نجد الحق سبحانه وتعالى قد جاء في هذه السورة بمشقات التكليف، والثواب عليها وطمأن المؤمنين بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتميز بكل المواصفات الموحية: من أنه بشر، وأنه حريص عليهم، وأنه لا يكلفهم إلا بالمشقات التي تنجيهم من المشقات الأبدية، وأنه رءوف بهم ورحيم.

فإن استعموا إلى هذه الحيثيات وآمنوا، فأهلاً بهم في معسكر الإيمان، وإن تولوا ولم يسمعوا لهذه الحيثيات ولم يدخل القرآن قلوبهم، فإياك أن تظن - يا رسول الله - أنك منصور بهم؛ لأنك منصور بالله، فإن تولوا عنك وأعرضوا عن الإيمان بالله، وأعرضوا عن الاستماع لك، فاعلم أن ركنك الشديد هو الله، لذلك يختم الحق السورة بقوله: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ...).



سورة التوبة الآيات من 126-129 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49273
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 126-129 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 126-129   سورة التوبة الآيات من 126-129 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 3:14 pm

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ولم يقل الحق لرسوله: "إن تولوا وأعرضوا فاعتقد أن حسبك الله" لا.

بل أعلنها للناس كافة؛ حتى يسمعوها، ولعل في إعلانك لها ما يلفتهم إلى الحقيقة؛ لأنك إن قلتها؛ فلن تقولها إلا وعندك رصيد إيماني بها، وإن فعل أحدهم شيئاً ضدك؛ فسوف يعاقبه الله.

 وحين تعلن: (حَسْبِيَ ٱللَّهُ) بعد أن كذبوك، فالأحداث التي سوف تأتي بعد إعلانك (حَسْبِيَ ٱللَّهُ) ستؤكد أن حسبك في مكانه الصحيح، -ولله المثل الأعلى- أنت تقول: "حسبي نصرة فلان"؛ لأنك تثق في قدرة فلان هذا، ولكن القوة في الحياة أغيار، وحين تقول: (حَسْبِيَ ٱللَّهُ) فلا إله غيره سبحانه، ولا إله آخر يعارضه في هذا أو في غيره.

وقل: (حَسْبِيَ ٱللَّهُ) برصيد (لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ) و (لاۤ إِلَـٰهَ) نفي، و (إِلاَّ هُوَ) إثبات، إذن: ففي هذا القول (لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ) نفي منطقي مع سلب، وإثبات منطقي مع الإيجاب، وهنا نفي أيِّ ألوهية لغير الله، والاستثناء من ذلك هو الله.

 ورحم الله شيخنا عبد الرحمن عزام حين ترجم عن محمد إقبال شاعر باكستان الكبير، فقال:
إنَّما التوحيد إيجابٌ وسلبٌ فيهما للنفسِ عزمٌ ومضاءُ

إيجاب في (إِلاَّ هُوَ)، وسلب في (لاۤ إِلَـٰهَ)، فيهما للنفس عزم ومضاء، أي: هما للنفس قطبا الكهرباء، فاسلب الألوهية من غير الله وأثبتها لله.

والناس -كما نعلم- ثلاثة أقسام: قسم ينكر وجود إله للكون مطلقاً، وهم الملاحدة، وقسم ثان يقول: إن هناك الله الذي يوحده المسلمون؛ لكن له شركاء ينفعوننا عند الله.

وقسم ثالث يقول بوحدانية الله.

 وساعة نقول (لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ) نكون قد أثبتنا الألوهية لله، وأثبتنا أن لا شريك له، وأثبتنا ألا إله غيره، وسبحانه يقول: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) وهذا أمر طبيعي، ويمكن أن نعرفه بالحساب؛ ولذلك جاء بـ (حَسْبِيَ) من الحساب.

واحسبها فلن تجد إلا الله.

وما دام حسبك الله ولا إله إلا هو، فسبحانه يبسط عليك حمايته ونصرته لك، فمن العقل أن تضع نفسك بين يدي رسولك، الذي أبلغك البلاغ الكامل عن الله، وأن تتوكل عليه سبحانه وما دام سبحانه هو حسبك ولا إله إلا هو، والواجب يفرض عليك أن تظل في مَعيَّته سبحانه، ومعيّة الله مرحلتان: الأولى بأخذ الأسباب التي أمدّ بها خلقه، ومعية إيمانك المطلق بأن الأسباب إن عجزت معك، فأنت تلجأ إلى مسبِّب الأسباب الموجود وهو رب الوجود.

وترى -مثلاً- الناس وهي تحتاج إلى المياه؛ لأنها ضرورة للحياة؛ فيذهبون إلى البئر فلا يجدون الماء رغم وجود البئر؛ لأن المياه التي تأتي من جوف الأرض لم تعد تتسرب إليه، ولماذا؟

لأن المخزون من ماء المطر الذي كان يأتي من أعالي الجبال ويتسرب تحت الأرض قد نفد، ولهذا نحتاج إلى مدد من أمطار السماء؛ لتجري إلى المسارب تحت الأرض وتعود المياه إلى البئر.

وإذا جفَّت الآبار المحيطة بنا، هل نيأس؟

لا.

لأن ربنا بيَّن لنا: ارفعوا أيديكم لربكم.

إذن: فنحن إذا استنفدنا الأسباب نطلب من المسبب، ولذلك أتحدى أن يستنفد واحد أسباب الله الممدودة إليه، ويلجأ إلى الله فيرده.

 إن يد الله ممدودة لنا بالأسباب ولا يصح أن يهمل إنسان ولا يأخذ بالأسباب، ويقول: أنا متوكل على الله، إن على الإنسان أن يأخذ أولاً بالأسباب وأن يستنفدها، وبعد ذلك يقول: ليس لي ملجأ إلا أنت سبحانك، واقرأ إن شئت قول الله سبحانه: (أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) (النمل: 62).

والمضطّر: هو من استنفد أسبابه، وليس له إلا الله.

لكن أن يقول إنسان: أنا أدعو الله ليل نهار وأسبِّحُه سبحانه وأقرأ سورة يس مثلاً.

ولا يستجيب الله لدعائي.

ونقول لمثل هذا القائل: أنت لا تدعو عن اضطرار ولم تأخذ بالأسباب، خذ بالأسباب التي خلقها الله، أولا.

ثم ادْعُ بعد ذلك.

ولا تدْعُ إلا إذا استنفدت الأسباب؛ فيجيبك المسبِّب، وبذلك لا تفتن بالأسباب، فحين تمتنع الأسباب؛ تلجأ إلى الله.

ولو كانت الأسباب تعطى كلها لفُتِنَ الإنسان بالأسباب، والحق سبحانه يقول: (كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ) (العلق: 6-7).

لذلك نجد الحق يبيّن دائماً أن كل الأسباب بيده، فنرى من يحرث ويبذر ويروي ويرعى، ثم يقترب الزرع من النضج، وبعد ذلك تأتي موجة حارة تميته، أو ينزل سيل يجرفه.

إذن: خذ بالأسباب واجعل المسبب دائماً في بالك، وهنا يصح توكلك على الله.

وكثير من الناس يخطئ في فهم كلمة "التوكُّل"، وأقول: إن التوكل يعني أن تأخذ، أولا.

أسباب الله التي خلقها سبحانه في كونه، فإن عَزّت الأسباب ولم تصل إلى نتيجة؛ فاتجه إلى الله، مصداقاً لقوله: (أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ).

ونحن ندعو أحياناً عن غير اضطرار ونهمل الأسباب، والمثال تجده في حياتنا حين يقول الابن لأمه: "ادعي لي حتى أنجح" وتجيب الأم الأمية قائلة كلمة بسيطة هي: "ساعد الدعاء بقليل من المذاكرة"، وهي بذلك تدل ابنها على ضرورة الأخذ بالأسباب.

إذن: فمعنى التوكل، أن تستنفد الأسباب التي مدَّتها يد الله إليك.

فإذا استنفدتها؛ إياك أن تيأس؛ لأن لك ربّاً، وهو سبحانه ركن شديد ترجع إليه.

ومثال آخر: إذا كنت سائراً في الشارع ومعك جنيه واحد مثلاً ثم وقع منك أو سُرق، ولا تملك في البيت أو في البنك مليماً واحداً، هنا تغضب وتحزن، أما إن كان في البيت عشرة جنيهات؛ فنسبة الغضب والحزن ستكون قليلة، وإذا كان في البيت عشرة جنيهات وفي البنك مائة جنيه؛ فلن تحزن أو تغضب لضياع الجنيه الواحد.

وهكذا تثق بالمثل عوضاً عن المثل، أفلا تثق بواهب هذا المثل عن عوض المثل؟

إذن: فالتوكل هو أن تعمل الجوارح وتتوكل القلوب.

والكسالى هم من يريدون أن يكون التوكل للجوارح وليس القلوب.

وكان من الممكن أن يغيّر الحق الأسلوب في الآية فيقول: توكلت عليه.

بدلاً من (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) ولكن إن وفقت الفهم عن قوله الحق، ستجد أن الإنسان إن قال: "أنا اعتمدت عليك" فقد تعطف قائلاً: "وعلى فلان وعلى فلان”.

لكن قولك: عليك توكلت لا يمكن أن تعطف من بعدها، وفيها تنزيه لله ولا أحد غيره يتوكل عليه الخلق، مثلما تقول في الفاتحة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي: لا نعبد غيرك، فتكون قد قصرت العبادة عليه سبحانه وتوكلك على الله له رصيد؛ لأن ربك ورب الكون الذي استقبلك، ولا تصل قدرتك إليه، فأنت في الأرض تحرثها، وتبذرها، وترويها، ثم تأخذ من عطاء الله لك؛ فهو ربك، ورب الكون الذي استقبلك، وأصبح هذا الكون مسخراً لك، وأنت لم تكن قادراً على تسخير الكون.

 صحيح أنك قد تُسخِّر الدابة وتربطها وتمتطيها وتحمل عليها السماد مثلاً وكل ذلك مسخر لك وفي قدرتك، وهذا من فضل الله عليك.

ويزيد فضله سبحانه، وترى مخلوقات مُسخَّرة لك، وليست في قدرتك؛ فالشمس مُسخَّرة لك؛ تشرق كل يوم بالدفء وبالحرارة، وكذلك القمر، والغمام، وكل هذه مخلوقات ليس في قدرتك السيطرة عليها، بل سخرها الله لخدمتك.

وربك رب الكون الذي استقبلك سخر لك ما ليس في يدك، وهو سبحانه رب الملكوت الذي يدير كل ذلك وأنت لا تراه، وهو الذي يدير كل هذه الأشياء.

 فلا تنظر إلى ظواهر العطاء فقط، بل انظر إلى مسبِّبات العطاء في ظواهر العطاء، ولا تلتفت إلى ظاهرة إلا لتعرف ما وراء هذه الظاهرة.

وما وراء أي ظاهرة كثير.

 ويقول الحق سبحانه: (وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ) نعم، هو رب الكون الذي استقبلك وسخر لك ما في يدك وما ليس في يدك، وما وراء المرئيات من عالم الملكوت؛ ليدير بكمال قدرته كل شيء، وكل ما في الكون ملك لله.

وله سبحانه العرش العظيم، فما هو العرش؟

نعرف لأول وهلة أن العرش هو السقف، فحين تبني دوراً واحداً تصنع له السقف؛ ليحميك من وهج الشمس والمطر، وإن كانت الأرض رخوة فالمباني تهبط، وبنينا السقوف حتى تحمي الجدران من عوامل التعرية.

وقول الله سبحانه: (ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ) معناها: استواء الأمر استواءً يدخل فيه كل مقدور؛ ولذلك عبر سبحانه عن الملك مثلاً في ملكة سبأ على لسان الهدهد فقال: (إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل: 23).

العرش، إذن، رمز السيطرة، وفي حياتنا -ولله المثل الأعلى- نجد أن الذي يأخذ الملك من واحد قبله يبدأ في تطهير الجيوب المحيطة به ويبحث عن الأنصار؛ ليعيد ترتيب الملك بما يراه مناسباً له؛ حتى تستقر له الأمور، ثم يجلس بعد ذلك على العرش.

إذن: فالجلوس على العرش معناه استتباب الأمر استتباباً نهائياً للمالك الأعلى.

 وسبحانه يقول: (ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (غافر: 7).

وساعة تسمع كلمة "العرش" خذها على أنها رمز لاستتباب الأمر لله، وأن كل شيء دخل في حيِّز قدرته، وفي حيِّز (كن)، كما يستقر الأمر للملك المحَسِّ، فلا يجلس على العرش، ولا يهدأ، إلا إذا استقرت الأمور.

هذا ما نراه في الأمور الدنيوية، فما بالنا باستقرار كل الكون من الأزل لله سبحانه وتعالى؟

يقول الحق سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ) (الأعراف: 54).

أي: أن الأمور قد استتبت له.

وهكذا نجد أن كلمة "الْعَرْشِ" وردت في عروش الدنيا، وفي عرش الله سبحانه، فعروش الدنيا ترمز إلى استتباب الأمر لمن يجلس عليها، والعرش بالنسبة لله رمز للاستتباب أمر الكون كله له سبحانه لا ينغص عليه شيء ولا يخرج من ملكه شيء.

والكون كله، بكل ما فيه مستتب لكلمة "كن" ومخلوق بها وخاضع لسلطان الحق سبحانه وتعالى وهنا يقول الحق: (وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ) ولا يوصف العرش بأنه عظيم إلا وفي أذهان الناس عروش الملوك التي نراها في حياتنا، مثلما قال الهدهد عن ملكة سبأ: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل: 23).

أي: بمقاييس البشر.

 أما قوله تعالى هنا: (وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ) (التوبة: 129).

فهو بمقاييس رب البشر، إنه عرش الخالق العظيم سبحانه وهو فوق التصور البشري؛ لذلك نفهمه في إطار (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).



سورة التوبة الآيات من 126-129 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة التوبة الآيات من 126-129
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة التوبة الآيات من 016-020
» سورة التوبة الآيات من 096-100
» سورة التوبة الآيات من 021-025
» سورة التوبة الآيات من 101-105
» سورة التوبة الآيات من 026-030

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: التوبة-
انتقل الى: