منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة النساء الآيات من 051-055

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 051-055   سورة النساء الآيات من 051-055 Emptyالأربعاء 01 مايو 2019, 5:20 pm

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [٥١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله: {أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ} [النساء: 51] يعني عندهم صلة وعلاقة بالسماء وبالرُّسل، وبالكتب المُنزَّلة من السماء على الرُّسل التي تحمل مناهج الله، ولو كانوا أناساً ليس لهم مثل هذا الحظ لكان كلامهم هذا معقولاً لانقطاع أسباب السماء عنهم.

إنما هؤلاء عندهم نصيب من الكتاب، وأولى مهمات الكتب السماوية أن تربط المخلوق بالخالق، وربط المخلوق بالخالق هو ترتيب لقدرات المخلوق وتنميتها؛ لأن أسباب الله في الكون قد تعزّ عليك، وقد تقفر يدك منها.

فإذا لم يكن لك إله تلجأ إليه عند عزوف الأسباب انهرت، وربما فارقت حياتك منتحراً، لكن المؤمن بالله ساعة تمتنع عنه أسبابه يقول: لا تهمني الأسباب، لأن عندي المسبب.

إذن: فالإيمان بالله يعطيك قوة.

والإيمان بالله يقف المؤمنين على أرض صُلبة، فمهما عزّت أسبابك وانتهت فاذكر المسبب.  

وحين تذكر المسبب تجد آفاق حياتك رحبة، فالذين ينتحرون إنما يفعلون ذلك لأن الأسباب ضاقت عليهم، وعلموا أنه لا مناص من أنهم في عذاب.

لكن المؤمن يقول: يا رب، ومجرد أنه يقول: يا رب، فهذا قول يريحه حتى قبل أن يجاب؛ لأنه التفت إلى مسبب الأسباب حين عزّت عليه الأسباب.

وساعة يلتفت إلى مسبب الأسباب عند امتناع الأسباب فهو يأخذ قوة الإيمان من حيث لا يحتسب، إنك بمجرد أنك قلت: يا رب تجد نفسك قد ارتاحت؛ لأنك وصلت كل كيانك بالخالق، وكيانك منه ما هو مقهور لك، ومنه ما هو غير مقهور لك.

والكيان نفسه سيأتي في الآخرة ويشهد على الإنسان.

ستشهد الأرجل والجلود وغيرها من الأبعاض.

لأنها في الدنيا كانت مقهورة لإرادتي، أنا أقول ليدي: افعلي كذا، ولرجلي: اسعي لكذا، وللساني: سب فلاناً، فالله سخر الجوارح وأمرها: يا جوارح أنت خاضعة لإرادة صاحبك في الدنيا.

لكن في يوم القيامة أيكون لي إرادة على جوارحي؟

لا، ستتمرد عليّ جوارحي: {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].

وتقول الجوارح لنا: أنتم استخدمتمونا في الدنيا وحملتمونا أن نفعل أشياء نحن نكرهها، فدعونا اليوم لنشهد، إنها تخرج أسرارها؛ لأن الملك الآن للواحد القهار:

{لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ} [غافر: 16].

انتهت سيطرة الإنسان وليس لأحد غير الله إرادة على الأبعاض.

إذن: فالنصيب من الكتاب هو أول شيء يربط المخلوق بالخالق، فإذا ارتبط المخلوق بالخالق قويت أسبابه، ويستقبل الأحداث بثبات، ويأتيه فرج ربنا، وعندما نقرأ القرآن يجب أن نلتفت إلى اللقطات العقدية فيه، فقد عرفنا مثلاً: أن سيدنا موسى عندما أراد أن يأخذ بني إسرائيل من فرعون ويخرج بهم، وقبل أن يصل بهم إلى البحر تنبه لهم قوم فرعون وجاءوا بجيوشهم، وكان قوم فرعون من ورائهم والبحر من أمامهم، فقال قوم موسى إيماناً بالأسباب: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61].

بالله أأحد يكذِّب هذه المقولة؟!

لا، فماذا قال موسى عليه السلام؟

لم يقل مثلما قال قومه، ولكنه نظر للمُسبب الأعلى فقال بملء فيه: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].

وهل تُكذَّب مقولته؟

لا، لا تُكذب؛ لأنه لم يقل: "كَلاَّ" اعتماداً على أسبابه.

فليس من محيط أسبابه أن يخرج من مثل هذا الموقف، بل قال: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]، هذه ثمرة الإيمان، فلما قال: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]، ماذا قال له الله؟

قال له: {ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ} [الشعراء: 63].

لم يقل له: اهجم عليهم واغلبهم، لا، بل قال: {ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ} [الشعراء: 63]؛ كي يعطي الشيء ونقيضه، ولتعرف أن مرادات الحق سبحانه وتعالى تعطي الشيء ونقيضه، ولا أحد من البشر يقدر أن يصنع مثل ذلك، فلما قال له: اضرب بعصاك البحر، ضرب موسى البحر بالعصا، وكان موسى يعلم قانون الماء استطراقاً وسيولة، لكن ها هي ذي المعجزة تتحقق: {فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ} [الشعراء: 63].

و "الطود" هو الجبل، والجبل فيه صلابة، والماء فيه رخاوة، فكيف انتقلت الرخاوة إلى صلابة؟

إن الماء مهمته الاستطراق، أي لا يمكن أن توجد منطقة منخفضة والماء أعلاها، بل لا بد أن ينفذ منها، وعندما أطاع موسى أمر الله أراد أن يطمئن بأسباب البشر، فأراد أن يضرب البحر كي يعود البحر مثلما كان؛ حتى لا يأتي قوم فرعون وراءه فقال له ربنا: {وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً} [الدخان: 24].

أي: اتركه كما هو على هيئته قارّاً ساكنا؛ لأنني أريد أن يغريهم ما يرون من اليبس في البحر فينزلوا، فأعيد الماء إلى استطراقه وأُطْبِقهُ عليهم، فأكون قد أنجيت وأهلكت بالشيء الواحد.  

يقول الحق: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ} [النساء: 51] وكيف ذلك؟

بعد موقعة أُحد جاء حُيَيّ بن أخطب وكعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق، وأبو رافع.

هؤلاء هم صناديد اليهود، وأخذوا أيضاً سبعين من اليهود معهم ونزلوا على أهل مكة، ونقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله، وبعد ذلك نزل كعب ابن الأشرف -زعيمهم- على أبي سفيان وقال له: نريد أن نتعاهد على أننا نقف أمام محمد.

فقال أبو سفيان: أنت صاحب كتاب، وعندك توراة، وعندك إيمان بالسماء، وعندك رسول، ونحن ليس عندنا هذا، و "محمد" يقول: إنه صاحب كتاب ورسول، إذن فبينكما علاقة الاتصال بالسماء، فما الذي يدرينا أنك متفق معه علينا في هذه الحكاية؟

إننا لا نأمن مكرك، ولن نصدق كلامك هذا إلا إذا جئت لآلهتنا وأقمت مراسم العبادة عندها فسجدتَ لها.

و "الجبت والطاغوت" هما صنمان لقريش، وذهب إليهما اليهود أصحاب التوراة الذين عندهم نصيب من الكتاب وخضعوا لهما، أو "الجبت" هو كل مَنْ يدعو لغير الله سواء أكان شيطاناً أم كاهناً أم ساحراً، فإذا كان هذا هو "الجبت" فـ "الطاغوت" من "طغى" وهو اسم مبالغة وليس "طاغياً"، بل "طاغوت" وهو الذي كلما أطعته في ظلم ارتقى إلى ظلم أكثر.

وسواء أكان الجبت والطاغوت صنمين أم إلهين من الآلهة التي يتبعونها، المهم أن وفد اليهود خضعوا لهم وسجدوا، لكي تصدق قريش عداء اليهود لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وبعد ذلك سأل كعب بن الأشرف أبا سفيان: ماذا فعل محمد معكم؟

قال له: فارَق دين آبائه، وقطع رحمه وتركهم وفرَّ إلى المدينة، ونحن على غير ذلك.

نحن نسقي الحجيج، ونقري الضيف، ونفك العاني -الأسير- ونصل الرحم، ونعمر البيت ونطوف به.

وعظّم أبو سفيان في أفعال قريش!، فقال الذين أوتوا الكتاب -لعداوتهم لمحمد- قالوا لأبي سفيان وقومه: أنتم أهدى من محمد سبيلاً!

ويوضح ربنا: يا محمد انظر لعجائبهم؛ إنهم أوتوا نصيباً من الكتاب، ومع ذلك فعداوتهم لك ووقوفهم أمام دينك وأمام النور الذي جئت به، جعلهم ينسون نصيبهم من الكتاب، ويؤمنون بالجبت والطاغوت؛ وهم القوم أنفسهم الذين كانوا يقولون للعرب قديماً: إنه سيأتي نبي منكم نتبعه ونقتلكم به قتل عاد وإرم.

لكن ها هم أولاء يذهبون ويؤمنون بالطاغوت والجبت، فهل عند مثل هؤلاء شيء من الدين؟  

إن الحق سبحانه يريد أن يطمئن رسول الله بأن هؤلاء انعزلوا عن مدد السماء، فإن نشب بينك وبينهم حرب أو خلاف فاعلم أن الله قد تخلى عنهم لأنهم تركوا النصيب من الكتاب الذي أوتوا.

وإياك أن يأتي في بالك أن هؤلاء أصحاب كتاب.

إن الحق يطمئن رسوله أنه سبحانه قد تخلى عنهم وأن الله ناصرك -يا محمد- فلا يغرنك أنهم أصحاب مال أو أصحاب علم أو أصحاب ثروات، فكل هذا إلى زوال؛ لأن حظهم من السماء قد انقطع؛ ولأن الشرك قد حازهم وملكهم وضمهم إليه وقد جعلوا العداوة لك والانضمام إلى الكفار الذين كانوا يستفتحون عليهم، ببعثك ورسالتك، ثمناً لأن يتركوا الإيمان.

ويقول الحق بعد ذلك: {أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ...}.



سورة النساء الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 051-055   سورة النساء الآيات من 051-055 Emptyالأربعاء 01 مايو 2019, 5:21 pm

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [٥٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله: {أُوْلَـٰئِكَ} [النساء: 52] هي اسم إشارة مكون من "أولاء" التي للجمع، ومن "الكاف" التي هي لخطاب رسول الله، ونحن -المسلمين- في طي خطابه -صلى الله عليه وسلم-، {أُوْلَـٰئِكَ} [النساء: 52] هي للذين أوتوا نصيباً من الكتاب ويؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، أو{أُوْلَـٰئِكَ} [النساء: 52] لكل من اليهود والمشركين، ولنأخذها إشارة لهم جميعاً، في قوله تعالى: {أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ} [النساء: 52] و "اللعن" إما أن يكون "الطرد"، وإما أن يكون "الخزي"، وإما أن يكون "الإهلاك".   

وكيف يُلحق الله الخزي بالكافرين؟

لأنك تجد المد الإسلامي كل يوم يزداد، وهم تتناقص أرضهم: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41].

{أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ} [النساء: 52]، إذن: فالطارد هو الله، فحين يكون الطارد مساوياً للمطرود، ربما صادف مَنْ يعينه، لكن إذا كان الطارد هو الله فلا معين للمطرود: {وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ} [النساء: 52] أي من يطرده ربنا: {فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء: 52]؛ لأن الحق سبحانه وتعالى ما دام قد طرده، فسبحانه يُدخل في رَوع الناس كلهم أن يتخلوا عنه لأي سبب من الأسباب فلا ينصره أحد: {أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء: 52].

ويقول الحق بعد ذلك: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ...}.



سورة النساء الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 051-055   سورة النساء الآيات من 051-055 Emptyالأربعاء 01 مايو 2019, 5:22 pm

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [٥٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وما هي حكاية قوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً} [النساء: 53]؟ إنه -سبحانه- يصفهم بفرط البخل وشدة الشح، أي أنهم -في واقع الأمر- ليس لهم ملك الدنيا وليس لهم -أيضاً- ملك الله؛ فالملك له وحده - جل شأن- يؤتيه مَنْ يشاء وينزعه ممن يشاء ولكنهم لو أعطوا ملك الدنيا وملك الله لبخلوا وضنُّوا بما في أيديهم.

كما جاء في قوله سبحانه: {قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء: 100].

أي: أنكم تخشون الإنفاق حتى لا تقل الأموال عندكم، فلو أخذتم خزائن ربنا فستقولون لو أخذنا منها وأعطينا الناس لقلَّت!

وفحوى العبارة: أن كل هؤلاء سواء أكانوا كفار قريش أم كبراء اليهود، كانوا يحافظون على مكانتهم وأموالهم؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء ليسوي بين الناس، فمَنْ الذي يحزن؟

الذي يحزن هم الذين كانت لهم السيادة لأنهم لا يريدون أن تتساوى الرءوس، وياليتهم عندما أخذوا السيادة جعلوها خيراً للناس، لكنهم لم يفعلوا.

فلو كان لهم الملك والأموال لن يُعطوا للناس نقيراً؛ لأن الإنسان بطبيعته لا ينزل عن جبروته؛ لأن هذا الجبروت يعطيه سلطاناً، وما دام الجبروت أعطاه سلطاناً فلا يلتفت إلى حقيقة الإيمان، فإن خير الخير أن يدوم الخير، فليس فقط أن تكون في خير وسلطة لكن اضمن أنه يدوم، وهذا الدوام ستأخذه بعمر الدنيا وأمدها قليل وعمرك فيها غير مضمون، إذن فدوام الخير هناك في الآخرة: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33].

فأنتم إن كنتم تحرصون على هذا الجاه، وتريدون أن يكون لكم هذا الملك والجاه والعظمة فهل أنتم تعطون الناس من خيركم هذا حتى يكون هناك عذر لكم في الحرص على المال بأن الناس تستفيد منكم؟

فلماذا تريدون أن يديم ربنا عليكم هذه وأنتم في قمة البخل والشح؟

لا يمكن أن يديمها عليكم.

ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الفجر يوضح هذه العملية: {فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ} [الفجر: 15-16].

إذن فالذي عنده نعمة يقول: {رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ} [الفجر: 15]، والذي ليس عنده نعمة يقول: {رَبِّيۤ أَهَانَنِ} [الفجر: 16]، فيقول الحق تعقيباً على القضيتين: {كَلاَّ} [الفجر: 17].

وما دام سبحانه يقول تعقيباً على القضيتين: {كَلاَّ} [الفجر: 17] فمعنى هذا أن كلا الطرفين كاذب؛ فأنت تكذب يا من قلت: إن النعمة التي أخذتها دليل الإكرام، وأنت كذاب أيضاً يا من قلت: عدم المال دليل الإهانة، فلا إعطاء المال دليل الإكرام، ولا سلب المال دليل الإهانة. 

وهي قضية غير صادقة وخاطئة من أساسها.

وقال الحق في حيثيات ذلك: {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ} [الفجر: 17].

أي عندكم المال ولا تكرمون اليتيم، إذن فهذا المال هو حجة عليكم، فهو ليس إكراماً لكم بل سيعذبكم به.

ويضيف سبحانه: {وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ} [الفجر: 18].

فكيف يكون المال -إذن- إكراماً وهو سيأتيك بمصيبة؟

فعدمه أفضل؛ فالمال الذي يوجد عند إنسان ولا يرعى حق الضعفاء فيه هو وبال وشرّ؛ لأن الحق يقول: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180].

فإن بخلت كثيراً فستطوّق بغُل أشد؛ ولذلك عندما يشتد عليه الغُلّ يقول: يا ليتني خففت هذا الغل، والحق يتساءل في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها لماذا يتفقون مع معسكر الشرك، ويتركون النصيب الذي أعطوه من الكتاب، ويذهبون ليقولوا للذين كفروا: أنتم أهدى من محمد سبيلاً مع أنهم يعلمون بحكم ما عندهم من نصيب الكتاب أن محمداً على حق؟

لقد كانوا يحافظون على سيادتهم، ومعسكر الشرك يحافظ على سيادته، ونعلم أن اليهود كانوا في المدينة من أصحاب الثروات، وكانوا يعيشون على الربا، وهم أصحاب الحصون، وأصحاب الزراعات وأصحاب العلم، إذن فقد أخذوا كل عناصر السيادة.

وعندما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزلزلت كل هذه المسائل من تحت أقدامهم، وحزنوا.

وكذلك كفار قريش: كانت لهم السيادة على كل الجزيرة، فلا يستطيع أحد من أي قبيلة في الجزيرة أن يتعرض لقافلة قريش؛ لأن القبائل تخاف من التعرض لهم، ففي موسم الحج تذهب كل القبائل في حضن قريش.

والمهابة المأخوذة لهم جاءت لهم من البيت الحرام الذي حفظه الله ورعاه وهزم مَنْ أراده بسوء وردّ كيده ودمره تدميراً تاماً.

كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 1-5].

وعلّة هذه العملية تأتي في السورة التالية لها، وهي قوله سبحانه: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ} [قريش: 1-2].

فلولا أنه سبحانه جعل هذا البيت لعبادته لانتهى وانتهت منهم السيادة فلا يقدرون أن يذهبوا إلى رحلة الشتاء ولا إلى رحلة الصيف؛ ولذلك يقول سبحانه: {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ} [قريش: 3].

فسبحانه الذي جعل لهم السيادة والعزّ.

وهو: {ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4].

وجاء لهم بثمرات كل شيء، وآمنهم من خوف حين تسير قوافلهم في الشمال وفي الجنوب.

{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ} [النساء: 53] فإذا كان لهم هذا النصيب، فلا يأتون الناس نقيرا أي لا يعطونهم الشيء التافه.

ويقول الحق بعد ذلك: {أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ...}.



سورة النساء الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 051-055   سورة النساء الآيات من 051-055 Emptyالأربعاء 01 مايو 2019, 5:25 pm

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [٥٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والحسد هنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن ربنا قد اصطفاه واختاره للرسالة، ولذلك قال بعض منهم: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]. 

إذن: فالقرآن مقبول في نظرهم، لكن الذي يُحزنهم أنه نزل على محمد، وهذا من تغفيلهم، وهو مثل تغفيل مَنْ قالوا: {ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32].

لقد تمَنَّوا الموت والقتل رمياً بالحجارة من السماء ولم يتمَنَّوا اتباع الحق، وهذا قمة التغفيل الدَّال على أنها عصبية مجنونة، ولذلك يقول الحق: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} [الزخرف: 32].

وسبحانه يؤكد لنا أنه يختص برحمته مَنْ يشاء، فلماذا الحسد إذن؟

إنهم يحسدون الناس أن جاءهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولو أنهم استقبلوا ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- استقبالاً عادلاً بعين الإنصاف لوجدوا أن كل ما جاء به هو كلام جميل.

مَنْ يتبعه تتجمَّل به حياته.

وكان مقتضى من آتاهم الله من فضله علماً من الكتاب أن يبشروا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما دعاهم إلى ذلك نزل عليهم في كتابهم وأن يكونوا أول المصدِّقين به، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، بل كذبوا وصدوا عن سبيله وَفَضَّلوا عليه الكافرين الوثنيين.

فقالوا إنهم أهدى من محمد سبيلاً.

والحق سبحانه وتعالى حين يتفضل على بعض خلقه بخصوصيات يحب سبحانه أن تتعدى الخصوصيات إلى خلق الله؛ لأننا نعرف أن في كل خلق من خلق الله خصوصية مواهب، فإذا ما تفضل المتفضل بموهبته على الخلق تفضل بقية الخلق عليه بمواهبهم، إذن: فقد أخذ مواهب الجميع حين يعطي الجميع.

وهؤلاء قوم آتاهم الله نصيباً فبخلوا وضنّوا، وليتهم ضنّوا على أمر يتعلق بهم، بل على الأمر الذي وصلهم بالإله، وهو أنهم أصحاب كتاب عرفوا عن الله منهجه، وعرفوا عن الله ترتيب مواكب رسله، فيريد الحق سبحانه أن يقول لهم: أنتم أوتيتم نصيباً من الكتاب فلم تؤدوا حقه، وأيضاً أنكم لو ملكتم الملك فإنكم لن تؤدوا حقه، ولن تعطوا أحداً مقدار نقير وهو النقرة على ظهر النواة، ولذلك قال: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً} [النساء: 53].  

إذن: فلا هم في المعنويات والقيم معطون، ولا هم في الماديات معطون، فإذا كانوا قد بخلوا بما عندهم من القيم فهم أولى أن يبلخوا بما عندهم من المادة، وبذلك صاروا قوماً لا خير فيهم أبداً.

ثم يوضح الحق: إذا كان هؤلاء قد أوتوا نصيباً من الكتاب يعرِّفهم سمات الرسول المقبل الخاتم فما الذي منعهم أن يؤمنوا به أولاً ويؤيدوه؟.

لا شك أنه الحسد، على الرغم من أنه -صلى الله عليه وسلم- جاء مصدِّقاً لما معهم، إنهم لا شك حسدوا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والحسد لا يتأتى إلا عن قلب حاقد، قلب متمرد على قسمة الله في خلقه؛ لأن الحسد كما قالوا: هو أن تتمنى زوال نعمة غيرك، ويقابله "الغبطة" وهي أن تتمنى مثل ما لغيرك، فغيرك يظل بنعمة الله عليه، ولكنك تريد مثلها.

وأنت إن أردت مثلها من الله فلا بد أن تغبطه، والحق يقول: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96].

ولذلك يجب أن يكون الناس في عطاء الله غير حاسدين وغير حاقدين، لكن بعض الناس ربما حسدوا غيرهم من الذين يعطيهم الأغنياء رغبة في أن يكون ذلك لهم وحدهم، فإنك إن كان عندك كَمٌّ من المال ثم اتصل بك قوم في حاجة فأعطيتهم منه، ربما قال الآخرون ممن يرغبون في عطائك ويأملون في خيرك: إنك ستنقص مما عندك بقدر ما تُعطي هؤلاء؛ لأن ما عندك محدود، ولكن هنا العطاء ممن لا ينفد ما عنده، إذن: فيعطيك ويعطي الآخرين ولا ينقص مما عنده شيء.

إذن: فالغبطة أمر بديهي عند المؤمن؛ لأنه يعلم أن عطاء الله لواحد لا يمنع أن يعطي الآخر، ولو أعطى سبحانه كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخْيط إذا غُمِس في البحر، وذلك كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيط إذا أُدخل البحر".

{أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَاهُمُ} [النساء: 54]، فالحسد -كما عرفنا- هو: أن يتمنى إنسان زوال نعمة غيره، هذا التمني معناه أنك تكره أن تكون عند غيرك نعمة، ولا تكره أن يكون عند غيرك نعمة إلا إذا كنت متمرداً على مَنْ يعطي النعم.

إن أول خطأ يقع فيه الحاسد هو: ردّه لقدر الله في خلق الله، وثاني ما يصيبه أنه قبل أن ينال المحسود بشرّ منه؛ فقلبه يحترق حقداً.

ولذلك قالوا: الحسد هو الذنب أو الجريمة التي تسبقها عقوبتها؛ لأن كل جريمة تتأخر عقوبتها عنها إلا الحسد، فقبل أن يرتكب الحاسد الحسد تناله العقوبة؛ لأن الحقد يحرق قلبه وربما قال قائل: وما ذنب المحسود؟

ونقول: إن الله جعل في بعض خلقه داء يصيب الناس، والحسد يصيبهم في نعمهم وفي عافيتهم.

وما ذنب المقتول حين يوجه القاتل مسدسه ليقتله به؟

هذه مثل تلك.

فالمسدس نعمة من نعم الله عند إنسان ليحمي نفسه به، وليس له أن يستعمله في باطل.  

وهَبْ أن الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان شيئاً يكره النعمة عند غيره، فلماذا لا يتذكر الإنسان حين يستقبل نعمة عند غيرك أن يقرنها بقوله: (ما شاء الله لا قوة إلا الله).

فلو قارنت كل نعمة عند غيرك بما شاء الله الذي لا قوة إلا به لرددت عن قلبك سم حقدك. 

إنك ساعة ترى نعمة عند غيرك وتقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فأنت تتذكر أن الإنسان لم يعط نفسه أي نعمة.

إنما ربنا هو الذي أعطاه، وسبحانه قادر على كل عطاء، ومن الممكن أن يحسد الإنسان.  

لكن الذي يجد الحسد في نفسه ويريد أن يطفئه، عليه أن يردّ كل شيء إلى الله، وما دام قد ردّ كل شيء إلى الله فقد عمل وقاية لنفسه من أن يكون حاسداً.

ووقاية للنعمة عند غيره من أن تكون محسودة، والحق سبحانه وتعالى بين لنا ذلك في قوله سبحانه: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].

إذن: فمن الممكن أن يمتلئ قلب أي واحد منا بالحقد على نعمة وبعد ذلك يحدث منها حسد، وعلى كل واحد منا أن يمنع نفسه من أن يدخل تيار الحقد على قلبه؛ لأن تيار الحقد يحدث تغييراً كيماوياً في تكوين الإنسان، وهذا التغيُّر الكيماوي هو الذي يسبب التعب للإنسان، وما يدرينا أن هذا التوتر الكيماوي من عند غيره تجعل في نفس الإنسان وفي مادته تفاعلات، وهذه التفاعلات يخرج منها إشعاع يذهب للمحسود فيقتله؟

لأن الحق سبحاه وتعالى يقول: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].

وعندما تستعيذ بالله من شر الحاسد ألاّ يصيبك، قد يصيبك، ولكن استعاذتك من شره تعني أنه إن أصابك فعليك أن تسترجع، فتقول: {إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] وتعلم أن ذلك خير لك؛ فإن أصابك في نعمة فاعلم أن هذه المصيبة فيها خير، فالحاسد إذا أصابك في شيء من نعم الله عليك، فالشر هو أن تُحرم الثواب عليها!!

فالمصاب هو مَنْ حُرِمَ الثواب، فإذا جاءت مصيبة لأي واحد وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم إنك ربي وإنك لا تحب لي إلاّ الخير لأني صنعتك ولم تجر عليّ إلاّ الخير، لكنني قد لا أستطيع أن أفهم ذلك الخير.

إن المسلم إذا صنع ذلك فالله سبحانه وتعالى يبين له فيما بعد أنها كانت خيراً له، فإن أصابه في ولده وقال: مَنْ يدريني لعل ولدي الذي أماته الله كان سيفتنني فأكفر أو أسرق له وآخذ رشوة من أجله.

لكن الله أخذه مني ومنع عني ذلك الشرّ، أو أن النعمة قد تطغيني، وقد تجعلني أتجبر على الناس، وقد تجعلني أتطاول وأعتدي على الخلق، فيقول لي ربنا: امرض قليلاً واهدأ.

وهكذا نرى أن المصاب لا بد أن يتوقع الخير وأن يسترجع وأن يقول: لا بد أنه سيأتيني من الابتلاء خير، وقد يقول قائل: نحن نقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1-5].

نقرأ ونكرر هذه السورة ولم يعذنا الله من شرّ الحاسدين، ويحسدنا الحاسدون أيضاً!

نقول له: أنت لم تفهم معنى قوله: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].

إنك تفهمه على أساس ألا يصيبك حسده، لا، إن حسده قد يصيبك، لكن عليك أن تعرف قدر الله في تلك الإصابة وتقول: يا رب إنك أجريتها عليّ لخير عندك لي.

فإن فعلتَ ذلك فقد كفيت شرّاً.

ونحن نعيش في عالم نرى فيه أنه كلما ارتقت الدنيا في العلم بيّن لنا ربنا آيات في كونه وفي أسرار الوجود تُقرب لنا كثيراً من المعاني؛ فالذين يصنعون الآن أسلحة الفتك والتدمير، كلما يلطف السلاح ويدق ولا يكون داخلاً تحت مرائي البصر كان عنيفاً، ويختلف عن أسلحة الأزمنة القديمة حيث كان الإنسان يرمي آخر بحجر، ثم آخر يرمي بمسدس، ثم صار في قدرة دولة أن تصنع قنبلة ذرية لا ينوب أي فرد منها إلا قدر رأس مسمار لكنها تقتل، إذن: فأسلحة الفتك كلما لطفت -أي دقَّت- عنفت.

ونرى الآن أن الأسلحة كلها بالإشعاع، والإشعاع ليس جِرْماً، وعمل الإشعاع نافذ لكن لا يوجد له جرم، وكما يقول الأطباء: نجري العملية من غير أن نسيل دماً بوساطة الأشعة، ومثال ذلك أشعة الليزر، إذن: فكلما دقّ السلاح كان عنيفاً وفتاكاً.

وهذا مثال يوضح ذلك: لنفرض أنك أردت أن تبني لك قصراً في خلاء، ثم مَرَّ عليك صديق فقال: لماذا لم تضع لنوافذ الدور الأول حديداً؟

تقول له: لماذا؟.

فيقول لك: هنا سباع وذئاب.

فتضع الحديد ليمنع الذئاب، وآخر يمرُّ على قصرك فيقول: إن فتحات الحديد واسعة وهنا توجد ثعابين كثيرة، فتُضيق الحديد.

وثالث يقول: هناك بعوض يلسع ويحمل الميكروبات، فتضع سلكاً على النوافذ.

إذن: فكلما دَقَّ العدو وكان عنيفاً فيحتاج احتياطاً أكبر.

ونحن نعلم أن الميكروب الذي لا يُرى يأتي فيفتك بالناس، فالآفة التي تصيب الناس كلما لطفت، -أي دقَّت وصغرت- عنفت، فلو كانت ضخمة فمن الممكن أن يدفعها الإنسان قليلاً قليلاً، لكن عندما تصل إلى مرتبة من الدقة والصغر، هنا لا يستطيع الإنسان أن يدفعها.

وأفتك الميكروبات هي التي تدِق لدرجة أن الأطباء يقولون عن بعض الأمراض: لا نعرف لها فيروساً؛ بمعنى أن هذا الفيروس المسبِّب للمرض صار دقيقاً جداً حتى عن معايير المجاهر.

إذن: فما الذي يجعلنا نضيق ذرعاً بأن نقدر أن هناك شرارة من ميكروب تخرج من كيماوية الإنسان الحاقد الحاسد الذي تشقيه النعمة عند غيره، وشرارة الميكروب هذه مثل أشعة الليزر تتجه لشيء فتفتك به!!

ما المانع من هذا؟!

إننا نفعل ذلك الآن ونسلط الأشعة على أي شيء، والأشعة هي من أفتك الأسلحة في زماننا، ولماذا لا نصدق أن كيماوية الحاسد عندما تهيج يتكون منها إشعاع يذهب إلى المحسود فيفتك به؟

ومثلها مثل أي نعمة ينعمها ربنا عليك، وبعد ذلك تستعملها في الضرر.

ومثال ذلك الرجل الذي عنده بعض من المال؛ ومع ذلك يغلي حقداً على خصومه.

فيشتري مسدساً أو بندقية ليقتلهم؛ إنه يأخذ النعمة ويجعلها وسائل انتقام، وهذا يأتي من هيجان الغريزة الداخلية المدبرة لانفعالات الإنسان.

إذن: فهؤلاء القوم عندما جاء رسول الله مصدِّقاً بما عندهم، ما الذي منعهم أن يصدقوه؟   
 
لا شك أنهم حسدوه في أن يأخذ هذه النعمة، ونظروا إلى نعمة الرسالة على أنها مزية للرسل، وهل كان ذلك صحيحاً؟

حقاً إنها مزية للرسل ولكنها مع ذلك عملية شاقة عليهم، والناس في كل الأمم -ما عدا الأنبياء- يورثون أولادهم مالهم، أما الأنبياء فلا يورثون أولادهم.

إنهم لم يأتوا ليأخذوا جاهاً، أو ليستعلوا على الناس، بل كلِّفوا بمتاعب جمة.

إذن: فأنتم تنظرون إلى السلطة التي أعطاكم الله إياها في مسألة علم الدين.

وتجعلونها أداة للترف والرفاهية وللعنجهية وللعظمة، وحين يجيء رسول لكي ينفض عنكم ويخلصكم من هذه السيطرة، ماذا تفعلون؟

أنتم تحزنون؛ لأنكم أقمتم لأنفسكم سلطة زمنية ولم تجعلوا أنفسكم في خدمة القيم، وأخذتم عظمة السيطرة فقط، فلما جاء رسول الله يريد أن يزيل عنكم هذه السيطرة قلتم: لا.

لا نتبعه.

فإذا كنتم تحسدون النبي عليه الصلاة والسلام على الرسالة وجعلتموها مسألة يُدَلِّله الله بها أو أنها تعطية سيطرة، فلماذا الحسد على سيدنا محمد وقد أعطى الله سيدنا إبراهيم الملك، وأعطى لداود الملك، وأعطى لسليمان الملك، وأعطى ليوسف الملك، فلماذا الحسد إذن عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يكرم الفرع الثاني من إبراهيم وهو إسماعيل عليه السلام؟

لقد كرم الله سبحانه الفرع الأول في إسحاق وجاء من إسحاق يعقوب، ومن يعقوب يوسف، ثم جاء موسى وهارون ثم داود وسليمان، كل هؤلاء قد كُرِّموا، وعندما يكرم سبحانه الفرع الثاني لإبراهيم وهو ذرية إسماعيل ويرسل منهم رسولاً، تحزنون وتقفون هذا الموقف؟ لماذا لا تنظرون إلى أن إسماعيل وفرعه أتى من ذرية إبراهيم، ولماذا اعتبرتم الرسالة والنبوة نعمة مدللة، ولم تنتبهوا إلى أنها عملية قاسية على الرسول؟

لأن عليه أن يكون النموذج التطبيقي على نفسه وعلى آله، ولا أحد من أهله يتمتع بذلك بل العكس؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنا معشر الأنبياء لا نورث".

ويَحْرِم -صلى الله عليه وسلم- آل بيته من الزكاة.

ويقول -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس".

وهكذا نرى أنه لم يكن يعمل لنفسه ولا لأولاده.

ويتابع الحق: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً} [النساء: 54] و "الكتاب" هو المنهج الذي ينزل من السماء، و "الحكمة" هي الكلام الذي يقوله الرسول مفسراً به منهج الله، ومع ذلك آتاهم الله الملك أيضاً.

فسيدنا يوسف صار أميناً على خزائن الأرض، وأصبح عزيز مصر، وسيدنا داود، وسيدنا سليمان آتاهما الله الملك مع النبوة.

إذن: ففيه نبوة وفيه ملك، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- أعطاه ربنا النبوة ولم يعطه الملك، فما وجه الحسد منكم له؟!.

ثم ماذا كان موقفكم من أنبيائكم الذين أعطاهم الله النبوة والملك؟

يجيب الحق: {فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 051-055   سورة النساء الآيات من 051-055 Emptyالأربعاء 01 مايو 2019, 5:27 pm

فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [٥٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله سبحانه: {فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ} [النساء: 55].

والمقصود الإيمان بما جاء في منهج إبراهيم والرسل الذين جاءوا من بعده الذين آتاهم الله النبوة والملك، أو{فَمِنْهُمْ} [النساء: 55] أي: من أهل الكتاب الذين نتكلم عنهم من آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار مثلاً: {وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ} [النساء: 55] أي: أن منهم من كفر بمنهج الله؛ لذلك يقول سبحانه بعدها: {وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} [النساء: 55] فكأن نتيجة الصدّ عن المنهج أنّه لا يأتي بعده إلا العذاب بجهنم ليصلوا بنارها، وتكون مسعرة عليهم جزاءً على ما فعلوا.

وبعد أن بيَّن الحق سبحانه وتعالى موكب الرسل حينما أرسله الله على تتابع في كونه، جاء ليُذكِّر الناس بالمنهج، فالمنهج هو الأصل الأصيل في مهمة آدم وذريته؛ لأنه سبحانه وتعالى قد قال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ} [طه: 123].

وينقل آدم إلى ذريته معلوماته عن حركة الحياة وعن الحق وعن المنهج.

إلا أن الله قدّر الغفلة في خلقه عن منهجه؛ فهذه المناهج تأتي دائماً ضد شهوات النفس الحمقاء العاجلة، لكن لو نظرت إلى حقيقة المنهج الإلهي فأنت تجده يعطي النفس شهوات لكنها مُعلاة.

مثال ذلك عندما يقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].

وكل واحد عنده أشياء ويحتاج إليها، لكنه يجد أخاه المؤمن يحتاج إليها أكثر منه فيؤثره على نفسه، أهو يفضله عن نفسه؟

لا؛ لكنه يعطي هذا الشيء القليل في الفانية كي يأخذه في الباقية، فأخذ شهوة نفسه لكن بشهوة معلاة، والذي قلنا له: غض طرفك عن محارم غيرك.

ظاهر هذا الأمر أننا نحجبه عن شهوة يشتهيها، لكننا ساعة نحجبك عن شهوة تشتهيها في حرام الفانية، نريد أن نحقق لك شهوة في حلال الخالدة.

فأيهما أعشق للجَمَالِ؟

الذي ينظر بتفحص للمرأة الجميلة وهي تسير، أم الذي الذي يغض عينه عنها؟

الأعشق للجمال هو الذي غضَ بصره.

إن الدين لم يأت إلا ضد النفس الحمقاء التي تريد عاجل الأمر وإن كان تافهاً.

ويوضح له: كن للآجل ومعه؛ لأنه يبقى فلا يتركك ولا تتركه، أما أي شهوة تأخذها في هذه الدنيا فإما أن تتركها وإما أن تتركك، لكن في الآخرة لا تتركها ولا تتركك.

لقد عرف الصالحون الورعون كيف يستفيدون، لكنّ الآخرين هم الحمقى الذين لم يستفيدوا، فالحق سبحانه وتعالى يوضح لنا أن الحسرة تكون لمن أراح نفسه بشهوة عاجلة ثم أعقبها العذاب الآجل المقيم، فهذه هي الخيبة الحقة، فالدنيا دار الأغيار، يأتي للإنسان فيها ما يؤلمه وما يسره، وليس فيها دوام حال أبداً؛ لأنها دنيا الأغيار، وما دامت دنيا الأغيار فيكون كل شيء فيها متغيراً، وما دام كل شيء فيها متغيراً.

إذن: فالذي في نعمة قد يصيبه شيء من الضر، والذي في قوة قد يصيبه شيء من الضعف، والذي في ضعف قد تأتيه قوة، وإلا لو ظل الضعيف ضعيفاً وظل القوي قوياً لما كانت الدنيا أغياراً.

ولذلك يقولون: احذر أن تريد من الله أن يتم عليك نعمته كلها؛ لأنها لو تمت لك النعمة كلها وأنت في دار الأغيار فانتظر الموت؛ فتمام النعمة هو صعود لأعلى منطقة في الجبل وأنت في دار الأغيار، هل تظل على القمة؟

لا، بل لا بد أن تنزل، فإياك أن تُسرَّ عندما تبلغ المسألة ذروتها؛ لأنه سبحانه وتعالى يوضح: إنكم لا بد أن تأخذوا هذه الدنيا على أنها معبر، والذي يتعب الناس أنهم لا يحددون الغاية البعيدة، بل إنهم يحددون الغايات القريبة.

إن من حمق بعض الناس أن يحزن الواحد منهم على فراق حبيب أو قريب له، وخذها بالمنطق: ما غايتنا جميعاً؟

إنها الموت ونعود إلى خالقنا.

وهل عندما نعود إلى خالقنا نحزن؟

لا، بل يجب أن نسر؛ لأننا في الدنيا مع الأسباب، أما بعد أن ننتقل إلى الآخرة فنكون مع المسبب.

ففي الدنيا تكون مع النعمة وستصبح بعد ذلك مع المنعم، فما يحزنك في هذا؟

إن هذا يحزنك ساعة أن كنت مع النعمة ولم تُراع المنعم، لكن لو كنت مع النعمة وراعيت المنعمَ لسررت أنك ذاهب للمنعم.

وإن كانت المسألة هي أن نصل إلى المنعم الحق ونكون في حضانته، فلماذا الحزن إذن؟

ومن الحمق أن بعض الناس لا تعامل الحق سبحانه وتعالى كما يعاملون أنفسهم.

هب أن إنساناً من غايته أن يخرج من أسوان إلى القاهرة، إذن فالقاهرة هي الغاية.

ثم جاء واحد وقال له: سنذهب سيراً على الأقدام، وقال الآخر: سآتي بمطايا حسنة نركبها.

وقال ثالث: سآتي بعربة، وقال رابع: سنسافر بطائرة وقال خامس: سنسافر بصاروخ، إذن فكل وسيلة تقرب من الغاية تكون محمودة، وما دامت غايتنا أن نعود إلى الحق فلماذا نحزن عندما يموت واحد منا؟

أنت -إذن:- تحزن على نفسك ولا تحزن على مَنْ مات، إن الذي يموت بعد أن يرعى حق الله في الدنيا يكون مسروراً لأنه في حضانة الحق ومع المنعم، وأنت مع النعمة الموقوتة إنّه يسخر منك لأنك حزنت، ويقول: انظر إلى الساذج الغافل، كان يريدني أن أبقى مع الأسباب وأترك المسبِّب!

إننا نجد الذين يحزنون على أحبائهم لا يرونهم في المنام أبداً؛ لأن الميت لا تأتي روحه لزيارة مَنْ حزن لأنه ذهب إلى المُنعم، وعلى الناس أن يدركوا الغاية من الوجود بأن تكون مع أسباب الحق في الدنيا ثم تصير مع الحق، والموت هو النقلة التي تنقلك من الأسباب إلى المُسبِّب، فما الذي يحزنك في هذا؟

نحن نقصِّر عليك المسافة، فبدلاً من أن تقابلك عقبات الطريق، وقد تنجح أو لا تنجح، وبعضهم يقول: مات وهو صغير ولم ير الدنيا، نقول لهم: وهل هذه تكون خيراً له أو لا؟

أنت مثلاً كبرت وقد تكون مقترفاً للمعاصي؛ فلعل الله أخذ الصغير حتى لا يعرضه للتجربة، ضع المسألة أمامك واجعلها حقيقة.

عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مرّ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: كيف أصبحت يا حارث؟

فقال: أصبحت مؤمناً حقاً.

قال: "انظر ما تقول؛ فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟

فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغوْن فيها.  

فقال: "يا حارث عرفت فالزم، ثلاثاً".

ولنا العبرة في سيدنا حذيفة -رضي الله عنه- حينما سأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: كيف أصبحت؟

أي: كيف حالك الإيماني؟

قال حذيفة: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي ذهبها ومدرها -أي أن الذهب تساوي مع الحصى، هذه هي مسألة الدنيا- وأضاف حذيفة: وكأني أنظر أهل الجنة في الجنة يُنعمون، وإلى أهل النار في النار يُعذبون.

وساعة لا تغيب عن بال سيدنا الحارث صورة الآخرة، فهو يسير في الحياة مستقيماً، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عرفت فالزم".

الحق سبحانه وتعالى حين يذكر لنا بعض الأحكام يذكر لنا أيضاً خبر بعض الناس الذين يتمردون على الأحكام، ثم يُذكِّرنا بحكاية الجنة والنار؛ ولذلك يقول لنا: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ...}.



سورة النساء الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 051-055
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 041-045
» سورة النساء الآيات من 046-050
» سورة النساء الآيات من 126-130
» سورة النساء الآيات من 131-135
» سورة النساء الآيات من 056-060

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: النساء-
انتقل الى: