منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة النساء الآيات من 011-015

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 011-015   سورة النساء الآيات من 011-015 Emptyالأحد 28 أبريل 2019, 4:50 am

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [١١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونعم الرب خالقنا؛ إنه يوصينا في أولادنا، سبحانه رب العرش العظيم، كأننا عند ربنا أحب منا عند أبائنا.

وقوله الكريم: {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ} [النساء: 11] توضح أنه رحيم بنا ومحب لنا.

ومادة الوصية إذا ما استقرأناها في القرآن نجد -بالاستقراء- أن مادة الوصية مصحوبة بالباء، فقال سبحانه: {ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].     

وقال سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً} [الشورى: 13].     

وقال الحق أيضاً: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ} [لقمان: 14].     

كل هذه الآيات جاءت الوصية فيها مصحوبة بالباء التي تأتي للإلصاق.            

لكن عندما وصّى الآباء على الأبناء قال: {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ} [النساء: 11] فكأن الوصية مغروسة ومثبتة في الأولاد، فكلما رأيت الظرف وهو الولد ذكرت الوصية.            

وما هي الوصية؟      

إنها: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْن} [النساء: 11] وقلنا من قبل: إن الحق قال: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ} [النساء: 7].     

ولم يحدد النصيب بعد هذه الآية مباشرة إلا بعد ما جاء بحكاية اليتامى وتحذير الناس من أكل مال اليتيم، لماذا؟      

لأن ذلك يربي في النفس الاشتياق للحكم، وحين تستشرف النفس إلى تفصيل الحكم، ويأتي الحكم بعد طلب النفس له، فإنه يتمكن منها.            

الشيء حين تطلبه النفس تكون مهيأة لاستقباله، لكن حينما يعرض الأمر بدون طلب، فالنفس تقبله مرة وتعرض عنه مرة أخرى.            

ونلحظ ذلك في مناسبة تحديد أنصبة الميراث.            

فقد قال الحق سبحانه أولاً: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ} [النساء: 7].     

وعرض بعد ذلك أمر القسمة ورعاية اليتامى والمساكين وأولي القُربى، ثم يأتي الأمر والحكم برعاية مال اليتيم والتحذير من نهبه، وبعد ذلك يقول: {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُم} [النساء: 11] ويأتي البند الأول في الوصية{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ولماذا لم يقل "للأنثيين مثل حظ الذكر".            

أو "للأنثى نصف حظ الذكر"، هذه معان يمكن أن تعبر عن المطلوب.            

لقد أراد الله أن يكون المقياس، أو المكيال هو حظ الأنثى، ويكون حظ الرجل هنا منسوباً إلى الأنثى، لأنه لو قال: "للأنثى نصف حظ الرجل" لكان المقياس هو الرجل، لكنه سبحانه جعل المقياس للأنثى فقال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].     

والذين يقولون: هذا أول ظلم يصيب المرأة، نريد المساواة.            

نقول لهم: انظروا إلى العدالة هنا.            

فالذكر مطلوب له زوجة ينفق عليها، والأنثى مطلوب لها ذكر ينفق عليها، إذن فنصف حظ الذكر يكفيها إن عاشت دون زواج، وإن تزوجت فإن النصف الذي يخصها سيبقى لها، وسيكون لها زوج يعولها.            

إذن فأيهما أكثر حظاً في القسمة؟      

إنها الأنثى.            

ولذلك جعلها الله الأصل والمقياس حينما قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فهل في هذا القول جور أو فيه محاباة للمرأة؟      

إن في هذا القول محاباة للمرأة؛ لأنه أولاً جعل نصيبها المكيال الذي يُرد إليه الأمر؛ لأن الرجل المطلوب منه أن ينفق على الأنثى، وهي مطلوب لها زوج ينفق عليها.            

إذن فما تأخذه من نصف حظ الذكر يكون خالصاً لها، وكان يجب أن تقولوا: لماذا حابى الله المرأة؟      

لقد حابى الله المرأة لأنها عرض، فَصَانَها، فإن لم تتزوج تجد ما تنفقه، وإن تزوجت فهذا فضل من الله، ثم يقول الحق: {فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَك} [النساء: 11].     

وأنا أريد أن نستجمع الذهن هنا جيداً لنتعرف تماماً على مراد الحق ومسالك القرآن في تنبيه الأذهان لاستقبال كلام الله.            

فقد كرم الله الإنسان بالعقل، والعقل لا بد له من رياضة.            

ومعنى الرياضة هو التدريب على حل المسائل، وإن طرأت مشكلات هيأ نفسه لها بالحل، وأن يملك القدرة على الاستنباط والتقييم، كل هذه من مهام العقل.            

فيأتي الحق في أهم شيء يتعلق بالإنسان وهو الدين، والدليل إلى الدين وحافظ منهجه هو القرآن، فيجعل للعقل مهمة إبداعية.            

إنه -سبحانه- لا يأتي بالنصوص كمواد القانون في الجنايات أو الجنح، ولكنه يعطي في مكان ما جُزْءاً من الحكم، ويترك بقية القانون لتتضح معالمه في موقع آخر من القرآن بجزئية أخرى، لأنه يريد أن يوضح لنا أن المنهج الإلهي كمنهج واحد متكامل، وأنه ينقلك من شيء إلى شيء، ويستكمل حكماً في أكثر من موقع بالقرآن.            

وذلك حتى تتعرف على المنهج ككل.            

وأنك إذا كنت بصدد شيء فلا تظن أن هذا الشيء بمفرده هو المنهج، ولكن هناك أشياء ستأتي استطراداً تتداخل مع الشيء الذي تبحث عن حكم الله فيه، مثال ذلك: مسألة اليتيم التي تتداخل مع أحكام الميراث.            

وهذه الآية تعطينا مثل هذه المسألة لماذا؟      

لأن الله يريد لك يا صاحب العقل الدربة في الإطار الذي يضم الحياة كلها.            

وما يهمك أولاً هو دينك، فلتعمل عقلك فيه، فإذا أعملت عقلك في الدين أعطيت عقلك النشاط ليعمل في المجال الآخر.            

لكن إذا غرق ذهنك في أي أمر جزئي فهذا قد يبعد بك عن الإطار العام لتنشغل بالتفاصيل عن الهدف العام.            

وأولادنا من الممكن أن يعلمونا من تجربة من ألعابهم، فالطفل يلعب مع أقرانه "الاستغماية"، ويختبىء كل قرين في مكان، ويبحث الطفل عن أقرانه.            

ونحن نلعب أيضاً مع أولادنا لعبة إخفاء شيء ما في يد ونطبق أيدينا ونترك الإبن يخمن بالحدس في أي يد يكون الشيء، إنها دربة للعقل على الاستنباط، فإن كان الولد سريع البديهة قوي الملاحظة ويمتلىء بالذكاء، فهو يرى يَدَيْ والده ليقارن أي يد ترتعش قليلاً، أو أي ليست طبيعية في طريقة إطباق الأب لها فيختارها، وينتصر بذلك ذكاء الولد، وهذه عملية ترويض للطفل على الاستنباط والفهم، وبذلك تعلم الطفل ألا يأخذ المسائل ضربة لازب بدون فكر ولا دُربة.            

والحق سبحانه أراد أن تكون أحكامه موزعة في المواقع المختلفة، ولننظر إلى قوله: {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] أي أنه إن لم ينجب المورث ذكراً وكان له أكثر من اثنتين فلهن ثلثا ما ترك.            

أما لو كان معهن ذكر، فالواحدة منهن ستأخذ نصف نصيب الذكر، وإن كانت الوارثة بنتاً واحدة، فالآية تعطيها النصف من الميراث{وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ} [النساء: 11] وبقي شيء لم يأت الله له بحكم، وهو أن يكون المورث قد ترك ابنتين.            

وهنا نجد أن الحق قد ضمن للاثنتين في إطار الثلاث بنات أو أكثر أخذ الثلثين من التركة، هكذا قال العلماء، ولماذا لم ينص على ذلك بوضوح؟      

لقد ترك هذه المهمة للعقل، فالبنت حينما ترث مع الذكر تأخذ ثلث التركة، وعندما تكون مع ابنة أخرى دون ذكر، تأخذ الثلث.            

فإذا كانت مع الذكر وهو القائم بمسئولية الكدح تأخذ الثلث، ولذلك فمن المنطقي أن تأخذ كل أنثى الثلث إن كان المورث قد ترك ابنتين.            

وهناك شيء آخر، لتعرف أن القرآن يأتي كله كمنهج متماسك، فهناك آية أخرى في سورة النساء تناقش جزئية من هذا الأمر ليترك للعقل فرصة العمل والبحث، يقول سبحانه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].     

لقد جاء الحق هنا بأختي المورث وأوضح أن لهما الثلثين من التركة إن لم يكن للمورث ولد -ابن أو بنت- فإذا كان للأختين الثلثان، فأيهما ألصق بالمورث، البنتان أم الأختان؟      

إن ابنتي المورث ألصق به من أختيه، ولذلك فللبنتين الثلثان، فالإبنة إن كانت مع أخيها فستأخذ الثلث، وإن كانت قد ورثت بمفردها فستأخذ النصف.            

وإن كانت الوارثات من البنات أكثر من اثنتين فسيأخذن الثلثين، وإن كانتا اثنتين فستأخذ كل منهما الثلث، لماذا؟      

لأن الله أعطى الأختين ثلثي ما ترك المورث إن لم يكن له أولاد.            

ومن العجيب أنه جاء بالجمع في الآية الأولى الخاصة بتوريث البنات، وجاء بالمثنى في الآية التي تورث الأخوات، لنأخذ المثنى هناك -في آية توريث الأخوات- لينسحب على الجمع هنا، ونأخذ الجمع هنا -في آية توريث البنات- لينسحب على المثنى هناك.            

لقد أراد الحق أن يجعل للعقل مهمة البحث والاستقصاء والاستنباط وذلك حتى نأخذ الأحكام بعشق وحسن فهم، وعندما يقول سبحانه: {يَسْتَفْتُونَكَ} [النساء: 176] فمعنى يستفتونك أي يطلبون منك الفتوى، وهذا دليل على أن المؤمن الذي سأل وطلب الفتيا قد عشق التكليف، فهو يحب أن يعرف حكم الله، حتى فيما لم يبدأ الله به الحكم.            

وقد سأل المؤمنون الأوائل وطلبوا الفتيا عشقاً في التكليف: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ} [النساء: 176] والكلالة مأخوذة من الإكليل وهو ما يحيط بالرأس، والكلالة هي القرابة التي تحيط بالإنسان وليست من أصله ولا من فصله.

{إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].

وهذه الآية تكمل الآية الأولى.

ونعود إلى تفصيل الآية الأولى التي نحن بصدد خواطرنا الإيمانية عنها: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ} [النساء: 11].     

ومعنى ذلك أن المورث إن لم يكن له الأولاد فللأم الثلث، والأب له الثلثان، فإن كان للمورث إخوة أشقاء أو لأب أو لأم فللأم السدس حسب النص القرآني{فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، وذلك بعد أن تنفذ وصية المورث، ويؤدِّي الدَّيْن الذي عليه.            

والوصية هنا مقدمة على الدين؛ لأن الدين له مُطالب، فهو يستطيع المطالبة بدينه، أما الوصية فليس لها مطالب، وقد قدمها الحق للعناية بها حتى لا نهملها.            

ويذيل الحق هذه الآية: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 11].     

فإياك أن تحدد الأنصباء على قدر ما تظن من النفعية في الآباء أو من النفعية في الأبناء، فالنفعية في الآباء تتضح عندما يقول الإنسان: "لقد رباني أبي وهو الذي صنع لي فرص المستقبل".            

والنفعية في الأبناء تتضح عندما يقول الإنسان: إن أبي راحل وأبنائي هم الذين سيحملون ذكري واسمي والحياة مقبلة عليهم.            

فيوضح الحق: إياك أن تحكم بمثل هذا الحكم؛ فليس لك شأن بهذا الأمر: {لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء: 11].     

وما دمت لا تدري أيهم أقرب لك نفعاً فالتزم حكم الله الذي يعلم المصلحة وتوجيهها في الأنصبة كما يجب أن تكون.

ونحن حين نسمع: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 11] أو نسمع: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيما} [النساء: 106] فنحن نسمعها في إطار أن الله لا يتغير، وما دام كان في الأزل عليماً حكيماً وغفوراً رحيماً فهو لا يزال كذلك إلى الأبد.            

فالأغيار لا تأتي إلى الله، وثبت له العلم والحكمة والخبرة والمغفرة والرحمة أزلاً وهو غير متغير، وهذه صفات ثابتة لا تتغير.            

لذلك فعندما تقرأ: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 11] أو: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 106]، فالمسلم منا يقول بينه وبين نفسه: ولا يزال كذلك.            

والحق يقول من بعد ذلك: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 011-015   سورة النساء الآيات من 011-015 Emptyالأحد 28 أبريل 2019, 5:02 am

وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [١٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والآيات تسير في إيضاح حق الذكر مثل حظ الأنثيين؛ وهذه عدالة؛ لأن الرجل حين تموت امرأته قد يتزوج حتى يبني حياته، والمرأة حين يموت زوجها فإنها تأخذ ميراثها منه وهي عرضة أن تتزوج وتكون مسئولة من الزوج الجديد.            

إن المسألة كما أرادها الله تحقق العدالة الكاملة.            

والكلالة -كما قلنا- أنه ليس للمتوفي والد أو ولد، أي لا أصل له ولا فصل متفرع منه.            

فإذا كان للرجل الكلالة أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء بالثلث، وذلك أيضاً من بعد الوصية التي يوصى بها أو دين.            

ولماذا يتم تقرير هذا الأمر؟      

لنرجع مرة أخرى إلى آية الكلالة التي جاءت في آخر سورة النساء.

إن الحق يقول فيها: {فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].     

في الآية الأولى التي نحن بصددها يكون للواحد من الإخوة سدس ما ترك إذا انفرد، فإذا كان معه غيره فهم شركاء في الثلث.            

هذا إذا كانوا إخوة من الأم.            

أما الآية التي يختص بها الحق الأختين بالثلثين من التركة إذا لم يكن معهما ما يعصبهما من الذكور فهي في الإخوة الأشقاء أو الأب، هكذا يفصل القرآن ويوضح بدقة مطلقة.            

وماذا يعني قوله الحق: {غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيم} [النساء: 12]؟      

إنه سبحانه يريد إقامة العدل، فلا ضرر لأحد على الإطلاق في تطبيق شرع الله؛ لأن الضرر إنما يأتي من الأهواء التي تفسد قسمة الله.            

فقد يكون هناك مَنْ يرغب ألا يرث العم من بنات أخيه الشقيق، أو لأب، أو يريد آخر ألا يُدْخل أولاد الإخوة الذكور أشقاء أو لأب في ميراث العمة أو بنات العم الشقيق أو لأب، لمثل هؤلاء من أصحاب الهوى نقول: إن الغرم على قدر الغنم، بالله لو أنك مت وتركت بنات ولهن عمّ، أليس مطلوباً من العم أن يربي البنات؟      

فلماذا يجبر الحق العم على رعاية بنات أخيه إن توفي الأخ ولم يترك شيئاً؟      

لذلك يجب أن تلتفت إلى حقيقة الأمر عندما يأتي نصيب للعم في الميراث.            

وعلينا أن نعرف أن الغرم أمامه الغنم.            

وقلنا: إن القرآن الكريم يجب أن يؤخذ جميعه فيما يتعلق بالأحكام، فإذا كان في سورة النساء هذه يقول الحق سبحانه وتعالى في آخر آية منها: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].     

فما الفرق بين الكلالة حين يجعل الله للمنفردة النصف وللاثنتين الثلثين، وبين الكلالة التي يجعل الله فيها للمنفرد السدس، ويجعل للأكثر من فرد الاشتراك في الثلث دون تمييز للذكر على الأنثى؟      

لابد أن نفرق بين كلالة وكلالة.            

هما متحدتان في أنه لا أصل ولا فرع للمتوفي.            

والمسألة هنا تتعلق بالإخوة.            

ونقول: إن الإخوة لها مصادر متعددة.            

هذه المصادر إما إخوة من أب وأم، وإما أخوة لأب، وإما إخوة لأم.            

فإذا كان أخ شقيق أو لأب فهو من العصبة الأصلية، وهما المعنيان في الآية 176 من السورة نفسها.            

وبذلك تكون آية السدس والثلث التي نحن بصددها الآن متعلقة بالإخوة لأم.            

إذن فالكلالة إما أن يكون الوارث أخاً لأم فقط، وإما أن يكون أخاً لأب، أو أخاً لأب وأم.          

فالحكمان لذلك مختلفان؛ لأن موضع كل منهما مختلف عن الآخر.            

وإلا لو أن مستشرقاً قرأ هذه الآية وقرأ الآية الأخرى وكلتاهما متعلقتان بميراث الكلالة، وأراد هذا المستشرق أن يبحث عن شيء يطعن به ديننا ويطعن به القرآن لقال -والعياذ بالله- القرآن متضارب، فهو مرة يقول: للكلالة السدس، ومرة يقول: الثلث، ومرة أخرى النصف، ومرة أخرى الثلثان، ومرة للذكر مثل حظ الأنثيين!

ونرد على من يقول ذلك: أنت لم تلاحظ المقصود الفعلي والواقعي للكلالة؛ لذلك فأنت تفهم شيئاً وتغيب عنك أشياء.            

والحق قال: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] ولنا أن نلاحظ أن في كل توريث هذه "البعدية" أي أن التوريث لا يتأتى إلا من بعد الوصية الواجبة النفاذ والدَّيْن.        

ولنا أن نسأل: أيهما ينفذ أولاً، الوصية أم الدين؟      

والإجابة: لا شك أنه الدين؛ لأن الدين إلزام بحق في الذمة، والوصية تطوع، فكيف تقدم الوصية - وهي التطوع - على الدين، وهو للإلزام في الذمة.            

وعندما يقول: {غَيْرَ مُضَآرٍّ} [النساء: 12] لابد أن نعرف جيداً أن شرع الله لن يضر أحداً، وما المقصود بذلك؟      

المقصود به الموصي، ففي بعض الأحيان يكون المورِّث كارهاً لبعض المستحقين لحقهم في ميراثه، فيأتي ليوصي بمنع توريثهم أو تقليل الأنصباء، أو يأتي لواحد بعيد يريد أن يعطيه شيئاً من الميراث ولا يعطي لمَنْ يكرهه من أهله وأقاربه المستحقين في ميراثه، فيقر لذلك الإنسان بدين، فإذا ما أقر له بدين حتى وإن كان مستغرقاً للتركة كلها، فهو يأخذ الدين وبذلك يترك الورثة بلا ميراث.            

وهذا يحدث في الحياة ونراه، فبعض من الناس أعطاهم الله البنات ولم يعطهم الله ولداً ذكراً يعصِّبهم، فيقول الواحد من هؤلاء لنفسه: إن الأعمام ستدخل، وأبناء الأعمام سيدخلون في ميراثي، فيريد أن يوزع التركة على بناته فقط، فيكتب ديناً على نفسه للبنات.            

ونقول لهذا الإنسان: لا تجحف، أنت نظرت إلى أن هؤلاء يرثون منك، ولكن يجب أن تنظر إلى الطرف المقابل وهو أنك إذا مت ولم تترك لبناتك شيئاً وهن لا عصبة لهن، فمَنْ المسئول عنهن؟      

إنهم الأعمام، فالغرم هنا مقابل الغنم، ولماذا تطلب البنات الأعمام أمام القضاء ليأخذن النفقة منهم في حالة وفاة الأب دون أن يترك له ثروة.            

فكيف تمنع عن إخوتك ما قرره الله لهم؟      

وهناك بعض من الناس يرغب الواحد منهم ألا يعطي عمومته أو إخوته لأي سبب من الأسباب، فماذا يفعل؟      

إنه يضع الوصية؛ لذلك حدد الإسلام الوصية بمقدار الثلث، حتى لا تحدث مضارة للورثة.            

وقد حاول البعض من هؤلاء الناس أن يدّعوا كذباً، أن هناك ديناً عليهم، والدين مستغرق للتركة حتى لا يأخذ الأقارب شيئاً.            

والإنسان في هذا الموقف عليه أن يعرف أنه واقف في كل لحظة في الحياة أو الممات أمام الله، وكل إنسان أمين على نفسه.            

لذلك قال الحق سبحانه: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 11].     

والحق يلفتنا ألا نضر أحداً بأي تصرف؛ لأنها توصية من الله لكل ما يتعلق بالحكم توريثاً ووصية وأداء دين، كل ذلك توصية من الله، والتوصية ليست من مخلوق لمخلوق، ولكنها من الله؛ لذلك ففيها إلزام وفرض، فسبحانه القائل: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً} [الشورى: 13].     

والوصية هنا افتراض، ومثل ذلك يقول الحق: {وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151].     

وما دامت التوصية تأتي من المالك الأعلى، فمعنى ذلك أنها افتراض، ويذيل الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد تناولها بالخواطر الإيمانية: {وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيم} [النساء: 12] أي إياكم أن تتصرفوا تصرفاً قد يقره ويمضيه القضاء، ولكنه لا يبرئكم أمام الله؛ لأنه قد قام على باطل.            

مثال ذلك: هناك إنسان يموت وعليه دَيْنٌ، عندئذ يجب تسديد الدَّين، لكن أن يكتب الرجل دَيناً على نفسه غير حقيقي ليحرم بعضاً من أقاربه من الميراث فعليه أن يعرف أن الله عليم بالنوايا التي وراء التصرفات.            

فإن عمَّيتم أيها البشر على قضاء الأرض، فلن تعموا على قضاء السماء.            

وهذه مسألة تحتاج إلى علم يتغلغل في النوايا، إذن فمسألة القضاء هذه هي خلاف بين البشر والبشر، ولكن مسألة الديانة وما يفترضه الحق، فهو موضوع بين الرب وبين عبيده، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث شريف: "إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إليّ، فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمَنْ قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها".

إن الرسول يعلمنا أنه بشر، أي أنه لا يملك علم الغيب ومداخل المسائل، وعندما يرفع المسلمون إليه قضاياهم فقد يكون أحدهم أكثر قدرة على الفصاحة وذلاقة اللسان، ويستطيع أن يقلب الباطل حقاً، والآخر قليل الحيلة، فيحكم النبي بمقتضى البيِّنة القضائية، ولكن الأمر الواقع يتنافى مع تسلسل الحق؛ لذلك يعلمنا أنه بشر، وأننا حين نختصم إليه يجب ألا يستخدم واحد منا ذلاقة اللسان في أخذ ما ليس له؛ لأنه حتى لو أخذ شيئاً ليس له بحكم من الرسول صلى الله عليه وسلم، فليعلم أنه يأخذ قطعة من الجحيم.            

إذن فمعنى ذلك أنه يجب علينا أن نحذر في الأمور، فلا نُعَمِّي ولا نأخذ شيئاً بسلطان القضاء ونهمل مسألة الديانة.            

فالأمور التي تتعلق بالدِّين لا يجوز للمؤمن المساس بها، إياكم أن تظنوا أن حكم أي حاكم يحلل حراماً أو يحرم حلالاً، لا.            

فالحلال بيّن، والحرام بيّن، والقاضي عليه أن يحكم بالبينات الواضحة.            

ومثال على ذلك: هب أنك اقترضت من واحد ألفاً من الجنيهات، وأخذ عليك صكاً، ثم جاء المقترض وسدد ما عليه من قرض وقال لمَنْ اقترض منه: "عندما تذهب إلى منزلك أرجو أن ترسل لي الصك" ثم سبق قضاء الله، وقال أهل الميت: "إن الصك عندنا" واحتكموا إلى القضاء ليأخذوا الدَّين.            

هنا يحكم القضاء بضرورة تسديد الدين مرة أخرى، لكن حكم الدِّين في ذلك يختلف، فالرجل قد سدد الدين ولا يصح أبداً أن يأخذ الورثة الدَّين مرة أخرى إذا علموا أن مورِّثهم حصل على دينه.            

ولذلك يقول لنا الحق: {وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيم} [النساء: 12] حتى نفرق بين الديانة وبين القضاء.   

والحق يقول لنا: إنه: {حَلِيم} [النساء: 12] فإياك أن تغتر بأن واحداً حدث منه ذلك، ولم ينتقم الله منه في الدنيا، فعدم انتقام الله منه في الدنيا لا يدلّ على أنه تَصَرَّفَ حلالاً، لكن هذا حلم من الله وإمهال وإرجاء ولكنَّ هناك عقاباً في الآخرة.            

وبعد بيان هذه الأمور يقول الحق سبحانه وتعالى: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ...}.



سورة النساء الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 011-015   سورة النساء الآيات من 011-015 Emptyالأحد 28 أبريل 2019, 5:14 am

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [١٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الأحكام المتقدمة والأمور السابقة كلها حدود الله، وحين يحدّ الله حدوداً، أي يمنع أن يلتبس حق بحق، أو أن يلتبس حق بباطل؛ فهو الذي يضع الحدود وهو الذي فصل حقوقاً عن حقوق.      

ونحن عندما نقوم بفصل حقوق عن حقوق في البيوت والأراضي فنحن نضع حدوداً واضحة، ومعنى "حد" أي فاصل بين حقين بحيث لا يأخذ أحد ما ليس له من آخر.            

والحدود التي نصنعها نحن والتي قد لا يتنبه إليها كثير من الناس، هي نوعان: نوع لا يتعدى بالبناء، فعندما يريد واحد أن يبني، فالأول يبني على الأرض التي هي حق له، ويكون الجداران ملتصقين بعضهما ببعض.            

وعندما يزرع فلاح بجانب فلاح آخر فكل فلاح يزرع في أرضه وبين القطعتين حد، وهذا يحدث في النفع.            

لكن لنفترض أن فلاحاً يريد أن يزرع أرزاً، وجاره لن يزرع أرزاً، فالذي لن يزرع الأرز قد تأخذ أرضه مياهاً زائدة، فالمياه تصلح للأرز وقد تفسد غيره، ولذلك يكون الحكم هنا أن يقيم زارع الأرز حداً اسمه "حد الجيرة" ليمنع الضرر، وهو ليس "حد الملكية" فزارع الأرز هنا ينقص من زراعته مسافة مترين، ويصنع بهما حد الجيرة، حتى لا تتعدى المياه التي يُروى بها الأرز إلى أرض الجار.            

إنه حد يمنع الضرر، وهو يختلف عن الحد الذي يمنع التملك.            

إذن فمن ناحية حماية الإنسان لنفسه من أن يوقع الضرر بالآخرين عليه أن ينتبه إلى المقولة الواضحة: "لا تجعل حقك عند آخر حدك، بل اجعل حقك في الانتفاع بعيداً عن حدك"، وهذا في الملكية.            

وذلك إذا كان انتفاعك بما تملكه كله سيضر بجارك.            

وكذلك يعاملنا الله، ويقول في الأوامر: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229].    

وفي النواهي يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187].     

أي أنك إذا ما تلقيت أمراً، فلا تتعد هذا الأمر، وهذه هي الملكية، وإذا ما تلقيت نهياً فلا تقرب الأمر المنهي عنه.            

مثال ذلك النهي عن الخمر، فالحق لا يقول: "لا تشرب الخمر"، وإنما يقول: {إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90].     

أي لا تذهب إلى المكان الذي توجد فيه من الأصل، كن في جانب وهذه الأشياء في جانب آخر. 

ولذلك قلنا في قصة أكل آدم من الشجرة: أقال الحق: "لا تأكلا من الشجرة"؟      

أم قال ولا تقربا هذه الشجرة؟      

سبحانه قال: {وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ} [الأعراف: 19].     

وهذا حد اسمه "حد عدم المضارة" إنه أمر بعدم الاقتراب حتى لا يصاب الإنسان بشهوة أو رغبة الأكل من الشجرة.            

وكذلك مجالس الخمر لأنها قد تغريك.            

ففي الأوامر يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وهذا ما يتعلق بالملكية.            

وفي النواهي يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الحديث: "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مُشْتَبِهات لا يعلمها كثير من الناس فمَنْ اتقى المشبّهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومَنْ وقع في المشبَّهات وقع في الحرام، كراع يرعى حول الحمى يُوشك أن يُواقِعَه، ألا وإن لكل ملك حِمى، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلَحتْ صَلَحَ الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".            

لذلك تجنب حدود الله.

مثال ذلك قول الحق: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي ٱلْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187].     

إن الحق يأمر المعتكف بالمسجد أنه عندما تأتي له زوجة لتناقشه في أمر ما فعلى المؤمن أن يمتثل لأمر الله بعدم مباشرة الزوجة في المسجد.            

ولا يجعل المسائل قريبة من المباشرة، لأن ذلك من حدود الله.            

وسبحانه يقول: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187].     

وهنا في مسائل الميراث يقول الحق: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ} [النساء: 13].     

وكان يكفي أن يقول الحق -من بعد بيان الحدود-: {وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ} [النساء: 13] ولكنه قال: {وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 13] وذلك لبيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع حدوداً من عنده لما حل، وأن يضع حدوداً لما حرم.            

وهذا تفويض من الله لرسوله في أنه يُشرِّع؛ لذلك فلا تقل في كل شيء: "أريد الحكم من القرآن".            

ونرى مَنْ يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه حرام حرمناه.            

هؤلاء لم يلتفتوا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مفوض في التشريع وهو القائل: {وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ} [الحشر: 7].     

إنه صلى الله عليه وسلم مفوض من الله، وهؤلاء الذين ينادون بالاحتكام إلى القرآن فحسب يريدون أن يشككوا في سنة رسول الله، إنهم يحتكمون إلى كتاب الله، وينسون أو يتجاهلون أن في الكتاب الكريم تفويضاً من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشرع.            

هم يقولون: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه.            

وقولهم لمثل هذا الكلام دليل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقول، لأنهم لو لم يقولوا لقلنا: يا رسول الله لقد قلت: روى المقدام بن معدي كرب قال: حرم النبي صلى الله عليه وسلم "أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي وغيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله".      

فكيف يا سيدي يا رسول الله ذلك، ولم يقل أحد هذا الكلام؟      

إذن فقولهم الأحمق دليل على صدق الرسول فيما أخبر.            

ويسخرهم الحق، فينطقون بمثل هذا القول لنستدل من قول خصوم النبي على صدق كلام النبي.

والحق يقول: {وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [النساء: 13] والذي يطيع الله ورسوله في الدنيا هو مَنْ أخذ التكليف وطبقه ويكون الجزاء هو دخول الجنة في الآخرة.            

لكن إدخال الجنة هل هو منهج الدين، أو هو الجزاء على الدين؟      

إنه الجزاء على الدين، وموضوع الدين هو السلوك في الدنيا، ومَنْ يسير على منهج الله في الدنيا يدخل الجنة في الآخرة، فالآخرة ليست موضوع الدين، لكن موضوع الدين هو الدنيا، فعندما تريد أن تعزل الدنيا عن الدين نقول لك: لم تجعل للدين موضوعاً، إياك أن تقول: موضوع الدين هو الآخرة لأن الآخرة هي دار الجزاء، وفي حياتنا نأخذ هذا المثل: هل الامتحان موضوع المناهج، أو أن المناهج يقرأها الطالب طوال السنة، وهي موضوع الامتحان؟      

إن المناهج التي يدرسها الطالب هي موضوع الامتحان، وكذلك فالدنيا هي موضوع الدِّين، والآخرة هي جزاء لمَنْ نجح ولمَنْ رسب في الموضوع؛ لذلك فإياكم أن تقولوا: دنيا ودين، فلا يوجد فصل بين الدنيا والدين؛ لأن الدنيا هي موضوع الدين.            

فالدنيا ُتُقابلها الآخرة والدين لهما.            

الدنيا مزرعة والآخرة محصدة.            

بهذا نرد على من يقول: إن الدنيا منفصلة عن الدين.            

ومَنْ يطع الله ورسوله يدخله جنة واحدة أوجنتين أو جنات، وهل دلالة "مَنْ" للواحد؟      

لا، إن "مَنْ" تدل على الواحد، وتدل على المثنى وتدل على الجمع، مثال ذلك نقول: جاء مَنْ لقيته أمس ونقول أيضاً: جاء مَنْ لقيتهما أمس، وتقول ثالثاً: جاء مَنْ لقيتهم أمس.             إذن فـ"مَنْ" صالحة للمفرد والمثنى والجمع.            

والحق هنا لا يتكلم عن فرد هنا أو جمع.            

كما قلنا في أول الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].     

على الرغم من أن القياس أن تقول: "إياك أعبد وإياك أستعين".            

لكن قال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ليوضح لنا أن المؤمنين كلهم وحدة واحدة في العبادة.            

وهناك مَنْ يقول إذا دلت: (مَنْ) على المفرد فقد لحظنا لفظها، وإذا دلت على المثنى أو الجمع فقد لحظنا معناها.            

ولمَنْ يقول ذلك نقول: إن هذا الكلام غير محقق علمياً؛ لأن لفظ "مَنْ" لم يقل أحد إنه للمفرد.

بل إنها موضوعة للمفرد والمثنى والجمع.            

فلا تقل: استعمل لفظ "مَنْ" مراعاة للفظ أو مراعاة للمعنى، لأن لفظ "مَنْ" موضوع لمعان ثلاثة هي المفرد والمثنى والجمع.            

وقد سألني أخ كريم في جلسة من الجلسات: لماذا يقول الحق سبحانه في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46].     

فقلت له: إن سورة الرحمن استهلها الحق سبحانه وتعالى: {ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ} [الرحمن: 1-3].     

وبعد ذلك قال الحق: {خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [الرحمن: 14-15].     

وقال سبحانه: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ} [الرحمن: 31].     

وقال تعالى: {يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33].     

إذن فمَنْ خاف مقام ربه، هو من الجن أو من الإنس، إن كان من الجن فله جنة، وإن كان من الإنس فله جنة أخرى.            

إذن فمَنْ خاف مقام ربه فله جنتان.            

وهناك مَنْ يقول جنتان لكل واحد من الإنس والجن، لأن الله لا يعاني من أزمة أماكن، فحين شاء أزلاً أن يخلق خلقاً أحصاهم عداً من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، وعامل الكل على أنه مؤمن مطيع، وأنشأ لكل واحد مكانه في الجنة، وعامل سبحانه الكل على أنه عاصٍ، وأنشأ له مقعداً في النار، وذلك حتى لا يفهم أحد أن المسألة هي أزمة أماكن.            

فإذا دخل صاحب الجنة جنته، بقيت جنة الكافر التي كانت معدة له على فرض أنه مؤمن؛ لذلك يقول الحق: {وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72].     

فيرث المؤمنون ما كان قد أعد لغيرهم لو آمنوا.            

إذن فالمعاني نجدها صواباً عند أي أسلوب من أساليب القرآن.            

وهنا يقول الحق: {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} [النساء: 13] ويجب أن نفهم أن النهر هو الشق الذي يسيل فيه الماء وليس هو الماء، الحق يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} [النساء: 13] فأين تجري الأنهار؟      

أتجري الأنهار تحت زروعها، أم تحت بنيانها؟      

ونعرف أن الزروع هي التي تحتاج إلى مياه، ونحن نريد أن نبعد المياه عن المباني كيف؟      

ولكن ليس هناك شيء مستحيل على الله؛ لأنها تصميمات ربانية.            

فالخلق قد تشق نهراً، ونجد من بعد ذلك النشع يضرب في المباني، لكن تصميمات الحق بطلاقة القدرة؛ تكون فيه الجنات تجري من تحتها مياه الأنهار، ولا يحدث منها نشع، سواء من تحت أبنية الجنات أو من تحت زروعها والذي يقبل على أسلوب ربه ويسأله أن يفيض عليه ويلهمه، فهو -سبحانه- يعطيه ويمنحه فالحق مرة يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} [النساء: 13] ومرة أخرى يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} [التوبة: 100] فهذا ممكن وذاك ممكن: فقوله -سبحانه-: {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} [التوبة: 100] قد يشير إلى أن الأنهار تكون آتية من موقع آخر وتجري وتمر من تحت الجنات.            

لا.            

هي تجري منها أيضاً يقول اللهتعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} [النساء: 13] حتى لا يظن أحد أن هناك من يستطيع أن يسد عنك المياه من أعلى.            

إنها أنهار ذاتية.            

وعندما نقرأ أن الأنهار تجري من تحت الجنات بما فيها ومَنْ فيها من قصور فقد يقول قائل: ألا أستطيع أن آخذ من هذه وأنا مهندس أضع تصميمات مباني الدنيا وآخذ من قول الحق إنه من الممكن أن تقيم مباني تجري من تحتها الأنهار؟      

وبالفعل أخذ البشر هذا الأمر اللافت.            

نحن نقيم القناطر وهي مبانٍ وتجري من تحتها الأنهار، وعندما تكون المواصفات صحيحة في الطوب والأسمنت إلى آخر المواصفات فلا نشع يحدث ولا خلخلة في المبنى.            

فالخلل الذي يحدث في المباني عندنا، إنما يأتي من آثر الخيانة في التناول.            

ومن الممكن أن تجري الأنهار تحت قصور الجنة.            

التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.            

ألاَ يوحي ذلك للمهندس المسلم أن يحيا في هذه اللفتة الإلهية ويأخذ منها علماً ويستطيع أن يقيم مباني تجري من تحتها الأنهار؟      

لو تنبهت إلى ذلك إيمانية مهندس وأخذ يتعلم عن ربه كيفية أداء العمل.            

لفعل ذلك بتوفيق الله.            

ولنتكلم على مصر التي تعاني من أزمة إسكان، ونجد أن المساحة المائية تأخذ قدراً كبيراً من الأرض، سواء أكانت النيل، أم الفروع التي تأخذ من النيل، وكذلك الترع الصغيرة وكذلك الطرق فلو أن هناك هندسة إيمانية لاستغلت المساحات والمسطحات المعطلة، نقيم عليها مباني تسع مرافق الدولة كلها، ويتم إنجاز المباني فوق الطرق وفوق المياه وفوق المصارف.        

وليس معنى ذلك أن نبني كل الأماكن حتى تصير مسدودة بالمباني، ولكن نبني الثلث، ونترك فراغاً مقدار الثلثين حتى لا نفسد المنظر، ولا نتعدى على أرض خضراء مزروعة، إنها إيحاءات إيمانية على المهندس المسلم أن يفكر فيها.            

إن بلداً كالقاهرة تحتاج إلى مرافق مختلفة متنوعة، ونستطيع أن نبني على الفراغات سواء أكانت فراغات في مساحات النيل شرط مراعاة الفراغات والزروع اللازمة لجمال البيئة وتنقيتها من التلوث.            

أم نبني المرافق تحت الأرض، ولن تكون هناك أزمات للإسكان أو المرافق، هذا بالإضافة إلى الانتفاع بالصحراء في هذا المجال.            

والحق يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [النساء: 13] صحيح أن الجنة ستكون نعيماً ليس على قدر تصورك ولكن على قدر كمال وجمال قدرة الحق، فالنعيم الذي يتنعم فيه الإنسان يكون على قدر التصور في معطيات النعيم، وقلنا قديماً: إن عمدة إحدى القرى قال: أريد أن أبني مضيفة وحجرة للتليفون، ومصطبة نفرشها.            

هذا هو النعيم في تصور العمدة.            

ونحن في الحياة نخاف أن نترك النعيم بالموت أو يتركنا النعيم.            

لكن كيف يكون النعيم عند صانع كل التصورات وهو الحق سبحانه وتعالى؟      

لذلك تكون جنات النعيم دائمة، فلا أنت تموت ولا هي تذهب.            

والخلود هنا له معنى واضح إنه بقاء لا فناء بعده: {وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيم} [النساء: 13] وما هو "الفوز"؟      

إنه النصر، إنه الغلبة، إنه النجاح، إنه الظفر بالمطلوب.            

فإذا كان فوزنا في الدنيا يعطينا جائزة نفرح بها، فالفرح قد يستمر مدة الدنيا التي يملكها الواحد منا، فما بالنا بالفوز الذي يأتي في الآخرة وهو فوز الخلود في جنة من صنع ربنا، أليس ذلك فوزاً عظيماً؟      

إننا إذا كنا نفرح في الدنيا بالفوز في أمور جزئية فما بالنا بالفوز الذي يمنحه الحق ويليق بعظمته سبحانه وتعالى، ولو قسنا فوز الدنيا بفوز الآخرة لوجدنا فوز الآخرة له مطلق العظمة، ومهما ضحى المؤمن في سبيل الآخرة، فهناك فوز يعوض كل التضحيات، ويسمو على كل هذا.

وإذا قال قائل: ألم يكن من الأفضل أن يقول: ذلك الفوز الأعظم نقول له: إنك سطحي الفهم لأنه لو قال ذلك لكان فوز الدنيا عظيماً، لأن الأعظم يقابله العظيم، والعظيم يقابله الحقير فحين يقول الحق عن فوز الآخرة: إنه عظيم، فمعنى ذلك أن فوز الدنيا حقير، والتعبير عن فوز الآخرة هو تعبير من الحق سبحانه.

وبعد ذلك يأتي الحق بالمقابل: فيقول: {وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ...}.



سورة النساء الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 011-015   سورة النساء الآيات من 011-015 Emptyالأحد 28 أبريل 2019, 7:44 am

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [١٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وسبحانه قال من قبل: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ} [النساء: 14] والحدود إما أن تبين الأوامر وحدها وإما أن تبين النواهي وحدها.

فهي شاملة أن يطيعها الطائع أو يعصيها العاصي.

فإن كنت تطيع فلك جزاء الطاعة وتأخذ الجنات والخلود والفوز العظيم.

لكن ماذا عمَّنْ يعصي؟

إن له المقابل، وهذا هو موقفه وجزاؤه أنَّ له العذاب.

{وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14].

هنا نجد "ناراً" واحدة، وهناك نجد "جنات".

هذا ملحظ أول، وإذا كنا منتبهين ونقبل على كتاب الله، ونعرف أن المتكلم هو الله، فإننا نجد الملحظ الثاني وهو خلود للمؤمنين في الجنات، أما الكافر فسيدخل النار.

ولم يقل الحق: نيراناً، ولم يقل الحق أيضاً: "خالدين" لماذا؟

لأن المؤمنين سيكونون في الجنة على سرر مُتقابلين، ويتزاورون، وكل واحد يستمتع بكل الجنان، وأيضاً إن المرء إذا كان له من عمله الصالح الكثير وقصّر أولاده الذين اشتركوا معه في الإيمان، فإن الحق -سبحانه- يلحق به ذريته ويكون هو وذريته في النعيم والجنان كرامة له.

فتكون الجنان مع بعضها وهذا أدعى للأُنْس.

ولكن الموقف يختلف مع الكافر، فلن يلحق الله به أحداً وكل واحد سيأخذ ناره، وحتى لا يأنسوا مع بعضهم وهم في النار، فالأنس لن يطولوه أيضاً، فكل واحد في ناره تماماً مثل الحبس المنفرد في زنزانة.

ولن يأنس واحد منهم بمعذب آخر.

إذن فهناك "جنات" و "نار" و "خالدين" و "خالداً"، وكل استخدام للكلمة له معنى.

والطائع له جنات يأتنس فيها بذريته وإخوته أهل الإيمان ويكونون خالدين جميعاً في الجنات، أما العاصي فهو في النار وحده خالداً{وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14]. 

إن العذاب يكون مرة أليماً، ومثال ذلك أن يؤلم واحد عدوه فيتجلد عدوه حتى لا يرى شماتة الذي يعذبه.

ويقول الشاعر:
وتجلدي للشامتــين أريهـمـو
أني لِرَيْبِ الدهر لا أتضعضع

فيكتم الألم عن خصمه، لكن هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهناك إهانة في النفس، فعذاب الله يجمع الألم والإهانة، إياك أن تفهم أن هناك مَنْ يقدر على أن يتجلد كما يتجلد البشر عند وقوع العذاب في الدنيا - إن عذاب الآخرة مهين ومذل للنفس في آن واحد.

وهكذا نجد أن المرحلة الأولى من سورة النساء عالجت وحدة الإنسان أباً، ووحدته أماً، وعالجت كيف بث الله منهما رجالاً كثيراً ونساء.

وعالجت السورة أيضاً ما يطرأ مما يجري به قدر الله في بعض خلقه بأن يتركوا أيتاماً ضعافاً، وأنّه سبحانه أراد استبقاء الحياة الكريمة للنفس الإنسانية؛ لذلك طلب أن نصنع الخير والمودة مع اليتامى، ووضع أسلوب التعامل الإيماني معهم، وأن نكون أوصياء قائمين بالعدالة والإرادة الحسنة العفيفة لأموالهم، إلى أن يبلغوا سن الرشد فيتسلموها.

وأيضاً عالجت السورة أمراً آخر وهو استبقاء الحياة الكريمة للنساء والأطفال ضمن النسيج الاجتماعي.

ذلك أن العرب كانوا يمنعون النساء من الميراث، ويمنعون -كذلك- من الميراث مَنْ لم يطعن برمح ولم يضرب بخنجر أو سيف ولم يشترك في رد عدوان.

فأراد الله سبحانه لهذه الفئة الذليلة المضطهدة أن تأخذ حقها ليعيش العنصران في كرامة ويستبقيا الحياة في عزة وهمة وفي قوة، فشرع الحقُ نصيباً محدداً للنساء يختلف عن نصيب الرجال مما قل أو كثر، وبعد ذلك استطرد ليتكلم عن الحقوق في المواريث.

وأوضح سبحانه الحدود التي شرعها لهذا الأمر، فمَنْ كان يريد جنات الله فليطع الله ورسوله فيما حدّ من حدود.

ومَنْ استغنى عن هذه الجنات فليعص الله ليكون خالداً في النار.

إذن فالحياة الإنسانية هبة من الله لعباده، ومن كرمه سبحانه أن أوجد لها -قبل أن يوجدها- ما يقيم أود الحياة الكريمة لذلك الإنسان المكرم، فوفد الإنسان على الخير، ولم يفد الخير على الإنسان، أي أنّ الحق سبحانه لم يخلق الإنسان أولاً ثم صنع له من بعد ذلك الشمس والقمر والأرض والعناصر.

لا، لقد خلق الله هذه العناصر التي تخدم الإنسان أولاً وأعدها لاستقبال الطارق الجديد -الإنسان- الذي اختاره سبحانه ليكون خليفة في الأرض.

فالخير في الأرض الذي نستبقي به الحياة سبق وجود الإنسان، وهذه عناية من الحق الرحمن بمخلوقه المكرم وهو الإنسان.

وجعل الله للإنسان وسيلة للتكاثر وربطها بعملية الإمتاع، وهذه الوسيلة في التكاثر تختلف عن وسائل التكاثر في الزروع والحيوانات، فوسيلة التكاثر في كل الكائنات هي لحفظ النوع فقط. 

وأراد -سبحانه وتعالى- أن يكون الإمتاع مصاحباً لوسيلة التكاثر الإنساني، ذلك أن المشقَّات التي يتطلبها النسل كثيرة، فلا بد أن يجعل الله في عملية التكاثر متعة تغري الإنسان.

وأراد الحق سبحانه بذلك أن يأتي بالضعاف ليجعل منهم حياة قوية.

ويوصينا الحق باليتيم من البشر، وقد يقول قائل: ما دام الحق سبحانه وتعالى يوصينا حتى ننشئ من اليتيم إنساناً قوياً وأن نحسن إلى اليتيم، فلماذا أراد الله أن يموت والد اليتيم؟.

نقول: جعل الحق هذا الأمر حتى لا تكون حياة الإنسان ضربة لازب على الله، إنه يخلق الإنسان بعمر محدد معروف له سبحانه ومجهول للإنسان، فالإنسان قد يموت جنيناً أو طفلاً أو صبياً أو رجلاً أو هرماً، بل نحن نجد في الحياة إنساناً هرماً ما زال يحيا بيننا ويموت حفيد حفيده، لماذا؟.

لأن الله أراد أن يستر قضية الموت عن الناس، فلا معرفة للإنسان بالعمر الذي سوف يحياه ولا بزمان الموت، ولا مكان الموت، حتى يكون الإنسان منا دائماً على استعداد أن يموت في أي لحظة.

وما دام الإنسان يعيش مستعداً لأن يموت في أي لحظة، فعليه أن يستحي أن يلقي الله على معصية.

وأيضاً لنعلم أن المنهج الإيماني؛ منهج يجعل المؤمنين جميعاً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، فإذا مات رجل وترك طفلاً يتيماً، ووجد هذا اليتيم آباء من المجتمع الإيماني، فإن المنهج الإيماني يستقر في قلب اليتيم اطمئناناً ويقيناً.

ومن حكمة الموت ألا يفتن أحد في أبيه أو في الأسباب الممنوحة من الله للآباء، بل نكون جميعاً موصولين بالله.

وما دام الحق سبحانه قد وضع لنا الأسباب لاستبقاء الحياة، ووضع لنا أسلوب السعي في الأرض لتستبقي الحياة بالحركة فيها، فقد وضع أيضاً الوسيلة الكريمة لاستبقاء النوع وجعل من حركة الأصل ما يعود على الفرع، فلم يُغر الله الإنسان وحده بالحركة لنفسه، ولكن أغراه أن يتحرك في الحياة حركة تسعه وتسع مَنْ يعول، ويوضح الحق للإنسان: أن حركتك في الأرض ستنفع أولادك أيضاً.

ولذلك أوجد الله سبحانه في نفس كل واحد غريزة الحنان والحب.

ونحن نرى هذه الغريزة كآية من آيات الله متمكنة في نفوس الآباء.

ولهذا يسعى الأب في الحياة ليستفيد هو وأولاده.

والذي يتحرك حركة واسعة في الحياة قد يأتي عليه زمان يكفيه عائد حركته بقية عمره؛ لأنه تحرك بهمة وإخلاص؛ وأفاء الله عليه الرزق الوفير، وقد يتحرك رجل لمدة عشرين عاماً أو يزيد ويضمن لنفسه ولأولاده من بعده الثروة الوفيرة، وهناك مَنْ يكد ويتعب في الحياة ويكسب رزقاً يكفيه ويكفي الأبناء والأحفاد.

وهكذا نجد الذين يتحركون لا يستفيدون وحدهم فقط، ولكن المجتمع يستفيد أيضاً.

وتشاء حكمة الله العالية بأن يفتت الثروة بقوانين الميراث لتنتشر الثروة وتتوزع بين الأبناء فتشيع في المجتمع، وهذا اسمه التفتيت الانسيابي.

كأن نجد واحداً يملك مائة فدان وله عدد من الأبناء والبنات.

وبعد وفاة الرجل يرث الأبناء والبنات كل تركته، وهكذا تتفتت الثروة بين الأبناء تفتيتاً انسيابياً وليس بالتوزيع القهري الذي يُنشئ الحقد والعداوة، ويريد الحق أن نحترم حركة المتحرك، وأن تعود له حركة حياته ولمَنْ يعول فقال سبحانه: {إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد: 36]. 

هو سبحانه لا يقول لأي واحد: هات المال الذي وهبته لك.

وقلت سابقاً: إنه سبحانه وتعالى يحنن عبداً على عبد فيقول: {مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 11]. 

إن الله سبحانه يحترم حركة العبد، ويحترم ما ملك العبد بعرقه، ويوصي الحق العبد الغني: إن أخاك العبد الفقير في حاجة، فأقرضني -أنا الله- بإعطائك الصدقة أو الزكاة لأخيك الفقير. 

ولم يقل للعبد الغني: أقرض أخاك، ولكنه قال أقرضني.

لماذا لأنه سبحانه هو الذي استدعى الخلق إلى الوجود، وهو المتكفل برزقهم جميعاً، المؤمن منهم والكافر.

ولذلك ضمن الرزق للجميع وأمر الأسباب بأن تستجيب حتى للكافر، لأنه سبحانه هو الذي استدعاه للوجود.

وسبحانه وضع هذا التوريث، ليصنع التفتيت الانسيابي للملكية حتى لا يأتي التفتيت القسري الذي يجعل بعضاً من الأبناء وقد نشأوا في نعمة وأخذوا من مسائل الحياة ما يريدون، وعندما يأتي عليهم هذا التفتيت القسري، يصبحون من المساكين الذين فاجأتهم الأحداث القسرية بالحرمان، فهم لم يستعدوا لهذا الفقر المفاجئ.

لكن عندما يأتي التفتيت الانسيابي فكل واحد يعد نفسه لما يستقبله، وبذاتية راضية وبقدرة على الحركة، ولذلك قال الحق: {إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد: 36].

إنه سبحانه لا يقول: أنا الذي ملّكتك هذا المال، ولا أنا الذي رزقتك هذا الرزق، مع أنه -سبحانه- هو الذي ملّكك ورزقك هذا المال حقاً ولكنه يوضح لك حقك في الحركة، فيقول بعد ذلك: {إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد:37]. 

ولو ألح عليك فأنت تبخل بها لأنك جنيتها بتعب وعرق.

ولكن ما الفرق بين إنسان لم يُسرف على نفسه، بل عاش معتدلاً، ثم أبقى شيئاً لأولاده؛ والذي جاء بدخله كله وبدَّدَه فيما حرَّمه الله وأسرف على نفسه في المُخدرات وغيرها، ما الفرق بين هذا وذاك؟.

الفرق هو احترام الحق سبحانه لأثر حركة الإنسان في الحياة، لذلك يوضح: أنا لا أسألكم أموالكم، لأني إن سألتكم أموالكم فقد تبخلون، لأن مالكم عائد من أعمالكم.

ويقول الحق: {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد: 37] وإذا ظهر وخرج الضغن في المجتمع فالويل للمجتمع كله؛ ولذلك نجد أن كل حركة من هذه الحركات القسرية ينشأ منها بروز الضغن في المجتمع كله، وساعة يبرز الضغن في المجتمع، انتهى كل شيء جميل.

ولذلك وضع الحق أسس ووسائل استبقاء الحياة الكريمة.

وضع أسساً للضعيف بما يحميه، وكذلك للنساء اللاتي كن محرومات من الميراث قبل الإسلام، وجعل الحق -سبحانه وتعالى- لتوريث الأطفال والأبناء والنساء حدوداً: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ} [النساء: 13] وإياكم أن تتعدوا هذه الحدود؛ لأن الإنسان إذا ما تعدى هذه الحدود، فلا بد أن يكون من أهل النار -والعياذ بالله- فقد وضع الله تلك القواعد لاستبقاء حياتك وحياة من تعول.  

وهناك لون آخر من الاستبقاء، هو استبقاء النوع، لأن للإنسان عمراً محدوداً في الحياة وسينتهي؛ لذلك يجب أن يستبقي الإنسان النوع في غيره، كيف؟

نحن نتزوج كي يرزقنا الله بالذرية والبنين والحفدة وتستمر حلقات، وهذا استبقاء للنوع الإنساني.

والحق يريد أن يكون الاستبقاء للنوع كريماً؛ لذلك يأمرنا الحق -سبحانه- أن نستبقي النوع بأن نختار له الوعاء الطاهر، فإياك أن تستبقي نوعاً من وعاءٍ خبيثٍ نجسٍ، اختلطت فيه مياه أناس متعددين، فلا يدري أحد لمَنْ ينسب الولد فيصير مضيعاً في الكون، مجهول النسب فأوضح الله للإنسان أن يختار لنفسه الوعاء النظيف ليستبقي النوع بكرامة.

والحصول على الأوعية النظيفة يكون بالزواج، فيختار الرجل أنثى عفيفة ذات دين وترضي به زوجاً أمام أعين الناس جميعاً، ويصير معروفاً للجميع أن هذه امرأة هذا، وهذا زوجها، دخوله وخروجه غير ممقوت أو موقوت.

وما ينشأ من الذرية بعد ذلك يكون قطعاً منسوباً إليه.

ويخجل الإنسان أن يكون ابنه مهيناً أو عارياً أو جائعاً أو غير معترف به؛ لذلك يحاول الأب أن يجعل من ابنه إنساناً مستوفياً لكل حقوقه مرفوع الرأس غير مهين، لا يقدحه واحد فَيَسُبُّهُ وينال منه قائلاً: جئت من أين؟

أو مَنْ أبوك؟

فلا يعيش الطفل كسير الجناح ذليلاً طوال عمره.

فأراد سبحانه استبقاء النوع برابطة تكون على عين الجميع، وأن تكون هذه الرابطة على الطريق الشرعي.

ومن العجيب أننا نجد هذه المسألة ذات آثار واضحة في الكون، فالتي تحاول أن تزيل أثر جريمتها يجبرها الحنان الطبيعي كأم ألا تلقي ابنها الوليد في البحر بل أمام مسجد؛ فالطفل مربوط بحنان أمه ولكن الحنان غير شرعي ولذلك ترمي الأم الزانية بطفلها أمام المسجد حتى يلتقطه واحد من الناس الطيبين، فالزانية نفسها تعرف أنه لا يدخل المسجد إلا إنسان طيب قد يحن على الوليد ويأخذ هذا الطفل ويصير مأموناً عليه.

وهي لا تلقي بوليدها عند خمارة أو دار سينما، ولكن دائماً تضعه عند أبواب المساجد، فالحنان يدفعها إلى وضع الطفل غير الشرعي في مثل هذا المكان؛ لأنها تخاف عليه، لذلك تلفه وتضعه في أحلى الملابس، وإن كانت غنية فإنها تضع معه بعضاً من المال؛ لأن الحنان يدفعها إلى ذلك، والحياء من الذنب هو الذي يجعلها تتخلص من هذا الطفل.

إنها -كما قلنا- تحتاط بأن تضعه في مكان يدخله أناس طيبون فيعثر عليه رجل طيب، يأخذه ويكون مأموناً عليه.

إذن فحتى الفاسق المنحرف عن دين الله يحتمي في دين الله؛ وهذا شيء عجيب.

والله يريد أن يبني بقاء النوع على النظافة والطهر والعفاف ولا يريد لجراثيم المفاسد أن توجد في البيوت؛ لذلك يشرع العلاقة بين الرجل والمرأة لتكون زواجاً أمام أعين الناس.

ويأخذ الرجل المرأة بكلمة الله.

وأضرب هذا المثل: نحن نجد الرجل الذي يحيا في بيت مطل على الشارع وله ابنة وسيمة والشباب يدورون حولها - ولو عرف الرجل أن شاباً يجيء ويتعمد لينظر إلى ابنته فماذا يكون موقف الرجل من الشاب؟

إن الرجل قد يسلط عليه مَنْ يضربه أو يبلغ ضده الشرطة ويغلي الرجل بالغيظ والغَيْرة.

وما موقف الرجل نفسه عندما تدق الباب أسرة شاب طيب يطلبون الزواج من ابنته؟

يفرح الرجل ويسأل الابنة عن رأيها، ويبارك للأم ويأتي بالمشروبات ويوجه الدعوات لحفل عقد القرآن، فما الفرق بين الموقفين؟

لماذا يغضب الأب من الشاب الذي يتلصص؟

لأن هذا الشاب يريد أن يأخذ البنت بغير حق الله، أما الشاب الذي جاء ليأخذ الابنة زوجة بحق الله وبكلمة الله فالأب يفرح به وينزل الأمر عليه برداً وسلاماً.

وبعد ذلك يتسامى الأمر، ويتم الزفاف ويزور الأب ابنته صباح الزفاف ويرغب أن يرى السعادة على وجهها.

إن الفارق بين الموقفين هو ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء فإنهن عَوانٌ في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله".

وما دام الله هو الذي خلق الرجل والمرأة وشرع أن يجتمعا وتكون كلمة الشاب: "أريد أن أتزوج ابنتك" برداً وسلاماً على قلب الأب، ويكون الفرح والاحتفال الكبير؛ لأن هذه مسألة عفاف وطهر.

والله يريد أن يجعل استبقاء النوع الإنساني استبقاءً نظيفاً لا يُخجل أن تجيء منه ولادة، ولا يخجل منه المولود نفسه، ولا يُذَم في المجتمع أبداً، إذا استبقينا النوع بهذا الشكل؛ فهذا هو الاستبقاء الجميل للنوع.

واستبقاء النوع هو الذي تأتي من أجله العملية الجنسية وأراد الله أن يشرعها حلالاً على علم الناس ويعرفها الجميع.

وقد سألني سائل وأنا في الجزائر: لماذا تقوم العلاقة بين الرجل والمرأة على كلمات نحو: "زوجتك موكلتي، أو تقول هي زوجتك نفسي" ويقبل الرجل، وتنكسر العلاقة بكلمة "أنت طالق"؟

وأجبته: لماذا يستبيح الرجل لنفسه أن يمتلك بضع الزوجة بكلمتين؟

ويستكثر أن تخرج من عصمته بكلمتين؟

فكما جاءت بكلمة تذهب بكلمة.

إن الحق سبحانه وتعالى كما استبقى الحياة بالعناصر التي تقدَّمت، يريد أن يستبقي النوع بالعناصر التي تأتي، وأوضح لنا أن كل كائن يتكاثر لا بد له من إخصاب، الإخصاب يعني أن يأتي الحيوان المنوي من الذكر لبويضة الأنثى كي ينشأ التكاثر، والتكاثر في غير الإنسان يتم بعملية قسرية.

ففي الحيوانات نرى الأنثى وهي تجأر بالصوت العالي عندما تنزل البويضة في رحمها كالبقرة مثلاً، حتى يقول الناس جميعاً: إن البقرة تطلب الإخصاب، وعندما يذهب بها صاحبها إلى الفحل ليخصبها تهدأ، ولا تُمَكِّنْ فحلاً آخر منها من بعد ذلك، وهكذا يتم حفظ النوع في الحيوانات.

أما في النباتات؛ فالأنثى يتم تلقيحها ولو على بعد أميال.

ونحن نعرف بعضاً من ذكور النبات وإناثها مثل ذكر النخل والجميز، لكننا لا نعرف التفريق بين ذكورة وأنوثة بعض النباتات، وقد يعرفها المتخصصون فقط، وبعض النباتات تكون الذكورة والأنوثة في عود واحد كالذرة مثلاً؛ فالأنوثة توجد في "الشراشيب" التي توجد في "كوز" الذرة، وعناصر الذكورة توجد في السنبلة التي يحركها الهواء كي تنزل لتخصب الأنوثة، وكذلك القمح.

وهناك أنواع من النباتات لا نعرف ذكورتها! بالله أيوجد أحدٌ عنده ذكر مانجو أو ذكر برتقال؟

إذن هناك أشياء كثيرة لا نعرفها، لكن لا بد من أن تتلاقح إخصاباً لينشأ التكاثر، فيوضح ربنا: اطمئنوا أنا جعلت الرياح حاملة لوسائل اللقاح، يأخذ الريح اللواقح إلى النباتات، والنبات الذي يكون تحت مستوى الريح يسخر الله له أنواعاً من الحشرات غذاؤها في مكانٍ مخصوصٍ من النبات وله لون يجذبها، حشرة يجذبها اللون الأحمر، وحشرة يجذبها اللون الأبيض؛ لأن الحشرة تذهب للذكورة فيعلق بها حيوان الذكورة، فتذهب إلى الأنثى المتبرجة بالزينة، وهذه العملية تحدث ولا ندري عنها شيئاً.

مَنْ الذي يلقح؟

مَنْ الذي يعلمها؟

إنه الله القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، فاستبقى لنا الأنواع غريزياً وقسرياً، بدون أن نعرف عن الكثير منها شيئاً، حتى المطر لا يمكن أن ينزل إلا إذا حدث عملية تلقيح.

ولذلك يقول الحق: {وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22]. 

إذن الحق قد استبقى لك أيها الإنسان أنواع مقومات حياتك بما لا تدريه، وجعل هذه المسائل قسرية بحيث يؤدي كل كائن وظيفته وتنتهي المسألة، لكن حين كان لك اختيار، وتوجد مشقات كثيرة في الإنجاب وحفظ النوع، فقد قرن -سبحانه- حفظ النوع بالمتعة، وإياك أن تعزل حفظ النوع عن المتعة، فإن أخذت المتعة وحدها فقد أخذت الفرع وتركت الأصل، فلابد أن تفعلها لحفظ النوع المحسوب عليك.

إذن فإياك أن تلقي حيوانك المنوي إلا في وعاء نظيف، محسوب لك وحدك كي لا تنشأ أمراض خبيثة تفتك بك وبغيرك، ولكيلا ينشأ جيل مطموس النسب، ولكيلا يكون مهيناً ولا مدنساً في حياته؛ فإياكم أن تأخذوا قضية حفظ النوع منفصلة عن المتعة فيها.

ولذلك -فسبحانه- سيتكلم عن المرأة عندما تتصل بامرأة بالسحاق، أو الرجل يكتفي بالرجل باللواط للمتعة، أو رجل ينتفع بامرأة على غير ما شرع الله.

فعندما تنتفع امرأة مع امرأة، وينتفع الرجل بالرجل للاستمتاع، نقول لها: أنت أيتها المرأة أخذتِ المتعة وتركتِ حفظ النوع، وأنت يا رجل أخذت المتعة وتركت حفظ النوع، والحق يريد لك أن تأخذ المتعة وحفظ النوع معا.

فيوضح سبحانه أنه لا بد أن تكون المتعة في ضوء منهج الله.

واسمعوا قول الله: {وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَاحِشَةَ...}.



سورة النساء الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 011-015   سورة النساء الآيات من 011-015 Emptyالأحد 28 أبريل 2019, 7:46 am

وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [١٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و{وَٱللاَّتِي} اسم موصول لجماعة الإناث، وأنا أرى أن ذلك خاص باكتفاء المرأة بالمرأة. 

وماذا يقصد بقوله: {فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً} [النساء: 15]؟

إنه سبحانه يقصد به حماية الأعراض، فلا يلغ كل واحد في عرض الآخر، بل لا بد أن يضع لها الحق احتياطاً قوياً، لأن الأعراض ستجرح، ولماذا "أربعة" في الشهادة؟

لأنهما اثنتان تستمتعان ببعضهما، ومطلوب أن يشهد على كل واحدة اثنان فيكونوا أربعة، وإذا حدث هذا ورأينا وعرفنا وتأكدنا، ماذا نفعل؟

قال سبحانه: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ} [النساء: 15] أي احجزوهن واحبسوهن عن الحركة، ولا تجعلوا لهن وسيلة التقاء إلى أن يتوفاهن الموت{أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15] وقد جعل الله.

والذين يقولون: إن هذه المسألة خاصة بعملية بين رجل وامرأة، نقول له: إن كلمة "واللاتي" هذه اسم موصول لجماعة الإناث، أما إذا كان هذا بين ذكر وذكر.

ففي هذه الحالة يقول الحق: {وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً} [النساء: 16]. 

الآية هنا تختص بلقاء رجل مع رجل، ولذلك تكون المسألة الأولى تخص المرأة مع المرأة، ولماذا يكون العقاب في مسألة لقاء المرأة بالمرأة طلباً للمتعة هو الإمساك في البيوت حتى يتوفاهن الموت؟

لأن هذا شر ووباء يجب أن يحاصر، فهذا الشر معناه الإفساد التام، لأن المرأة ليست محجوبة عن المرأة؛ فلأن تحبس المرأة حتى تموت خير من أن تتعود على الفاحشة.

ونحن لا نعرف ما الذي سوف يحدث من أضرار، والعلم ما زال قاصراً، فالذي خلق هو الذي شرع أن يلتقي الرجل بالمرأة في إطار الزواج وما يجب فيه من المهر والشهود، وسبحانه أعد المرأة لاستقبال، وأعد الرجل للإرسال، وهذا أمر طبيعي، فإذا دخل إرسال على استقبال ليس له، فالتشويش يحدث.

وإن لم يكن اللقاء على الطريقة الشرعية التي قررها مَنْ خلقنا فلا بد أن يحدث أمر خاطئ ومضر، ونحن عندما نصل سلكاً كهربائياً بسلك آخر من النوع نفسه.

أي سالب مع سالب أو موجب مع موجب تشب الحرائق، ونقول: "حدث ماس كهربائي"، أي أن التوصيلة الكهربائية كانت خاطئة.

فإذا كانت التوصيلة الكهربائية الخاطئة في قليل من الأسلاك قد حدث ما حدث منها من الأضرار، أفلا تكون التوصيلة الخاطئة في العلاقات الجنسية مضرة في البشر؟

إنني أقول هذا الكلام ليُسَجَّل، لأن العلم سيكشف -إن متأخراً أو متقدماً- أن لله سراً، وحين يتخصص رجل بامرأة بمنهج الله "زوجني.

وتقول له زوجتك" فإن الحق يجعل اللقاء طبيعياً.

أما إن حدث اختلاف في الإرسال والاستقبال فلسوف يحدث ماس صاعق ضار، وهذه هي الحرائق في المجتمع.

أكرر هذا الكلام ليسجل وليقال في الأجيال القادمة: إن الذين من قبلنا قد اهتدوا إلى نفحة من نفحات الله، ولم يركنوا إلى الكسل، بل هداهم الإيمان إلى أن يكونوا موصولين بالله، ففطنوا إلى نفحات الله.

والحق هو القائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ} [فصلت: 53]. 

فإذا كنا قد اهتدينا إلى معرفة أن اتصال سلك صحيح بسلك صحيح فالكهرباء تعطي نوراً جميلاً.

أما إذا حدث خطأ في الاتصال، فالماس يحدث وتنتج منه حرائق، كذلك في العلاقة البشرية، لأن المسألة ذكورة وأنوثة.

والحق سبحانه القائل: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]. 

فإذا كان النور الجميل يحدث من الاتصال الصحيح بين الموجب والسالب في غير الإنسان، وتحدث الحرائق إن كان الاتصال خاطئاً، فما بالنا بالإنسان؟

وفي بعض رحلاتنا في الخارج، سألنا بعض الناس: لماذا عَدَّدتم للرجل نساءً، ولم تُعدِّدُوا رجالاً للمرأة؟ 

هم يريدون أن يثيروا حفيظة المرأة وسُخطها على دين الله؛ حتى تقول المرأة السَّاذجة -متمردة على دينها-: "ليس في هذا الدين عدالة"؛ لذلك سألت مَنْ سألوني: أعندكم أماكن يستريح فيها الشباب المُتَحَلِّل جنسياً؟

فكان الجواب: نعم في بعض الولايات هناك مثل هذه الأماكن.

قلت: بماذا احتطتم لصحة الناس؟

قالوا: بالكشف الطبي الدَّوري المفاجئ.

قلت: لماذا؟

قالوا: حتى نعزل المُصابة بأي مرض.

قلت: أيحدث ذلك مع كل رجل وامرأة متزوجين؟

قالوا: لا.

قلت: لماذا؟  

فسكتوا ولم يُجيبوا، فقلت: لأن الواقع أن الحياة الزوجية للمرأة مع رجل واحد تكون المرأة وعاء للرجل وحده لا ينشأ منها أمراض، ولكن المرض ينشأ حين يتعدَّد ماء الرجال في المكان الواحد.

إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يستبقي النوع بقاءً نظيفاً؛ لذلك قال: {وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15]. 

والمقصود بـ "نسائكم" هنا المُسلمات، لأننا لا نشرع لغيرنا، لأنهم غير مؤمنين بالله، وطلب الشهادة يكون من أربعة من المسلمين، لأن المسلم يعرف قيمة العرض والعدالة.

وإن شهدوا فليحدث حكم الله بالحبس في البيوت.

وقد عرفنا ذلك فيما يسمى في العصر الحديث بالحجر الصحي الذي نضع فيه أصحاب المرض المُعْدِي.

وهناك فرق بين مَنْ أُصِبْن بـ "مرض مُعْدٍ" ومَنْ أُصِبْنَ بـ "العطب والفضيحة".

فإذا كنا نعزل أصحاب المرض المُعدي فكيف لا نعزل اللاتي أُصِبْنَ بالعطب والفضيحة؛ لذلك يقول الحق: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15] أي أن تظل كل منهما في العزل إلى أن يأتي لكل منهن ملك الموت.

وحدثتنا كتب التشريع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمل الآية على أنها تختص بزنَى يقع بين رجل وامرأة وليس بين امرأتين.

عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خذوا عني خذوا عني: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".

ثم جاء التشريع بعد ذلك فصفَّى قضية الحدود إلى أن البكر بالبكر جلد، والثيب بالثيب رجم.

وبعض من الناس يقول: إن الرجم لم يرد بالقرآن.

نرد فنقول: ومَنْ قال: إن التشريع جاء فقط بالقرآن؟

لقد جاء القرآن معجزة ومنهجاً للأصول، وكما قلنا من قبل: إن الحق قال: {وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]. 

وبعد ذلك نتناول المسألة: حين يوجد نص ملزم بحكم، قد نفهم الحكم من النص وقد لا نفهمه، فإذا فهمنا فله تطبيق عملي في السيرة النبوية.

فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بالنص فقط ولكن جاء بالعمل نفسه، فالأسوة تكون بالفعل في إقامة الحد؛ لأن الفعل أقوى من النص، فالنص قد يوجد ولا يطبق لسبب كالنَّسْخ للحكم مثلاً، أما الفعل فإنه تطبيق، وقد رجم الرسول ماعزا والغامدية ورجم اليهودي واليهودية عندما جاءوا يطلبون تعديل حكم الرجم الوارد بالتوراة.

إذن فالفعل من الرسول أقوى من النص وخصوصاً أن الرسول مشرع أيضاً.

وقال واحد مرة: إن الرجم لمَنْ تزوج، فماذا نفعل برجل متزوج قد زنَى بفتاة بكر؟

والحكم هنا: يُرجم الرجل وتجلد الفتاة، فإن اتفقا في الحالة، فهما يأخذان حكماً واحداً.   

وإن اختلفا فكل واحد منهما يأخذ الحكم الذي يناسبه.

وحينما تكلم الحق عن الحد في الإماء -المملوكات- قال: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ} [النساء: 25]. 

ويفهم من ذلك الجلد فقط، لأن الرجم لا يمكن أن نقوم بتقسيمه إلى نصفين، فالأمة تأخذ في الحد نصف الحرة، لأن الحرة البكر في الزنَى تجلد مائة جلدة، والأمَة تجلد خمسين جلدة.

وما دام للأمَة نصف حد المحصنة، فلا يأتي -إذن- حد إلا فيما ينصَّف، والرجم لا ينصَّف، والدليل أصبح نهائياً من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرع وليس مستنبطاً، وقد رجم رسول الله.

ولماذا تأخذ الأمَةُ نصف عقاب الحرة؟

لأن الإماء مهدورات الكرامة، أما الحرائر فلا.

ولذلك فهند امرأة أبي سفيان قالت: أوَ تزني الحرة؟

قالت ذلك وهي في عنف جاهليتها.

أي أن الزنَى ليس من شيمة الحرائر، أما الأَمَةُ فمهدورة الكرامة نظراً لأنه مُجترأ عليها وليست عرض أحد.

لذلك فعليها نصف عقاب المحصنات، وقد تساءل بعضهم عن وضع الأمة المتزوجة التي زنت، والرجم ليس له نصف.

نقول: الرجم فقد للحياة فلا نصف معه، إذن فنصف ما على المحصنات من العذاب، والعذاب هو الذي يؤلم.

ونستشهد على ذلك بآية لنبين الرأي القاطع بأن العذاب شيء، والقتل وإزهاق الحياة شيء آخر، ونجد هذه الآية هي قول الحق على لسان سليمان عليه السلام حينما تفقد الطير ولم يجد الهدهد: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} [النمل: 21]. 

إذن، فالعذاب غير الذبح، وكذلك يكون العذاب غير الرجم. فالذي يحتج به البعض ممن يريدون إحداث ضجة بأنه لا يوجد رجم؛ لأن الأمة عليها نصف ما على المحصنات، والرجم ليس فيه تنصيف نقول له: إن ما تستشهد به باطل؛ لأن الله فرق بين العذاب وبين الذبح، فقال على لسان سليمان: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} [النساء: 21] فإذا كان العذاب غير إزهاق الروح بالذبح، والعذاب أيضاً غير إزهاق الروح بالرجم.

إذن فلا يصح أن يحاول أحد الإفلات من النص وفهمه على غير حقيقته ولنناقش الأمر بالعقل: حين يعتدي إنسان على بكر، فما دائرة الهجوم على العرض في البكر؟

إنها أضيق من دائرة الهجوم على الثيب؛ لأن الثيب تكون متزوجة غالباً، فقصارى ما في البكر أن الاعتداء يكون على عرضها وعرض الأب والأخ.

أما الثيب فالاعتداء يكون على عرض الزوج أيضاً، وهكذا تكون دائرة الاعتداء أكبر، إنه اعتداء على عرض الأب والأم.

والإخوة والأعمام مثل البكر، وزاد على ذلك الزوج والأبناء المتسلسلون.

فإذا كان الآباء والأمهات طبقة وتنتهي، فالأبناء طبقة تستديم؛ لذلك يستديم العار.

واستدامة العار لا يصح أن تكون مساوية لرقعة ليس فيها هذا الاتساع، فإن سوينا بين الاثنين بالجلد فهذا يعني أن القائم بالحكم لم يلحظ اتساع جرح العرض.

إن جرح العرض في البكر محصور وقد ينتهي لأنه يكون في معاصرين كالأب والأم والإخوة، لكن ما رأيك أيها القائم بالحكم في الثيب المتزوجة ولها أولاد يتناسلون؟

إنها رقعة متسعة، فهل يساوي الله - وهو العادل - بين ثيب وبكر بجلد فقط؟

إن هذا لا يتأتى أبداً.

إذن فالمسألة يجب أن تؤخذ مما صفّاه رسول الله وهو المشرِّع الثاني الذي امتاز لا بالفهم في النص فقط، ولكن لأن له حق التشريع فيما لم يرد فيه نص! فسنأخذ بما عمله وقد رجم رسول الله فعلاً، وانتهى إلى أن هذا الحكم قد أصبح نهائياً، الثيب بالثيب هو الرجم، والبكر بالبكر هو الجلد، وبكر وثيب كل منهما يأخذ حكمه، ويكون الحكم منطبقاً تماماً، وبذلك نضمن طهارة حفظ النوع؛ لأن حفظ النوع هو أمر أساسي في الحياة باستبقاء حياة الفرد واستبقاء نوعه، فاستبقاء حياة الفرد بأن نحافظ عليه، ونحسن تربيته ونطعمه حلالاً، ونحفظ النوع بالمحافظة على طهارة المخالطة.

والحق سبحانه وتعالى يمد خلقه حين يغفلون عن منهج الله بما يلفتهم إلى المنهج من غير المؤمنين بمنهج الله، ويأتينا بالدليل من غير المؤمنين بمنهج الله، فيثبت لك بأن المنهج سليم.

ولقد تعرضنا لذلك من قبل مراراً ونكررها حتى تثبت في أذهان الناس قال الحق: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]. 

فلا يقولن قائل: إن القرآن أخبر بشيء لم يحدث لأن الإسلام لم يطبق ولم يظهر على الأديان كلها.

ونرد عليه: لو فهمت أن الله قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] وأضاف سبحانه: {وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، {وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ} [غافر: 14] كما جاء في موقع آخر من القرآن الكريم، لقد أوضح الحق أن الإسلام يظهر ويتجلى مع وجود كاره له وهو الكافر والمشرك.

ولم يقل سبحانه: إن الإسلام سيمنع وجود أي كافر أو مشرك.

وكيف يكره الكفار والمشركون إظهار الله للإسلام؟

إنهم لا يدينون بدين الإسلام؛ لذلك يحزنهم أن يظهر الإسلام على بقية الأديان.

وهل يظهر الإسلام على الأديان بأن يسيطر عليها ويبطل تلك الأديان؟

لا.

إنه هو سبحانه يوضح بالقرآن والسنة كما يوضح لأهل الأديان الأخرى: بأنكم ستضطرون وتضغط عليكم أحداث الدنيا وتجارب الحياة فلا تجدون مخلصاً لكم مما أنتم فيه إلا أن تطبقوا حكماً من حكم الإسلام الذي تكرهونه.

وحين تضغط الحياة على الخصم أن ينفذ رأي خصمه فهذا دليل على قوة الحجة، وهذا هو الإظهار على الدين كله ولو كره الكافرون والمشركون، وهذا قد حدث في زماننا، فقد روعت أمة الحضارة الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1981 بما يثبت صدق الإسلام في أنه حين ضمن ووضع للمخالطات التي تبقي النوع نظاماً، وهو التعاقد العلني والزواج المشروع، فالحق قد ضمن صحة الخلق.

لكن الحضارة الأمريكية لم تنتبه إلى عظمة قانون الحق سبحانه فَرُوِّعت بظهور مرض جديد يسمى "الإيدز" و "إيدز" مأخوذة من بدايات حروف ثلاث كلمات: حرف "A"، وحرف "I" و، "D".

ومعنى اسم المرض بالترجمة العربية الصحيحة "نقص مناعي مكتسب" والوسيلة الأولى للإصابة به هي المخالطة الشاذة، ونشأت من هذه المخالطات الشاذة فيروسات، هذه الفيروسات ما زال العلماء يدرسون تكوينها، وهي تفرز سموماً وتسبب آلاماً لا حصر لها، وإلى الآن يعيش أهل الحضارة الغربية هول الفزع والهلع من هذا المرض.

ومن العجيب أن هذه الفيروسات تأتي من كل المخالطات الشاذة سواء أكانت بين رجل ورجل، أو بين رجل وامرأة على غير ما شرع الله.

لقد جعل الحق سبحانه وتعالى عناصر الزواج "إيجاباً" و "قبولاً" و "علانية" إنه جعل من الزواج علاقة واضحة محسوبة أمام الناس، هذا هو النظام الرباني للزواج الذي جعل في التركيب الكيميائي للنفس البشرية "استقبالاً" و "إرسالاً".

والبشر حين يستخدمون الكهرباء، فالسلك الموجب والسلك السالب -كما قلنا- يعطيان نوراً في حالة استخدامهما بأسلوب طبيعي، لكن لو حدث خلل في استخدام هذه الأسلاك فالذي يحدث هو ماس كهربائي تنتج منه حرائق.

وكذلك الذكورة والأنوثة حين يجمعها الله بمنطق الإيجاب والقبول العلني على مبدأ الإسلام، فإن التكوين الكيميائي الطبيعي للنفس البشرية التي ترسل، والنفس البشرية التي تستقبل تعطي نوراً وهو أمر طبيعي.

وأوضحنا من قبل أن الإنسان حين يجد شاباً ينظر إلى إحدى محارمه، فهو يتغير وينفعل ويتمنى الفتك به، لكن إن جاء هذا الشاب بطريق الله المشروع وقال والد الشاب لوالد الفتاة: "أنا أريد خطبة ابنتك لابني" فالموقف يتغير وتنفرج الأسارير ويقام الفرح.

إنها كلمة الله التي أثرت في التكوين الكيميائي للنفس وتصنع كل هذا الإشراق والبِشر، وإعلان مثل هذه الأحداث بالطبول والأنوار والزينات هو دليل واضح على أن هناك حاجة قد عملت وأحدثت في النفس البشرية مفعولها الذي أراده الله من الاتصال بالطريق النظيف الشريف العفيف.

فكل اتصال عن غير هذا الطريق الشريف والعفيف لابد أن ينشأ عنه خلل في التكوين الإنساني يؤدي إلى أوبئة نفسية وصحية قد لا يستطيع الإنسان دفعها مثل ما هو كائن الآن.

وعلى هذا فيكون قول الحق سبحانه: {وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15]. 

وكانت هذه مرحلة أولية إلى أن طبق الرسول إقامة الحد.

ويقول الحق: {وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 011-015
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 006-010
» سورة النساء الآيات من 086-090
» سورة النساء الآيات من 166-170
» سورة النساء الآيات من 091-100
» سورة النساء الآيات من 171-176

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: النساء-
انتقل الى: