منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة آل عمران الآيات من 181-185

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 181-185 Empty
مُساهمةموضوع: سورة آل عمران الآيات من 181-185   سورة آل عمران الآيات من 181-185 Emptyالسبت 27 أبريل 2019, 12:21 am

لَقَدْ سَمعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبيَاءَ بغَيْر حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَريق [١٨١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

رُويَ في سبب نزول هذه الآية الكريمة: قال سعيد بن جُبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- لما نزل قوله تعالى: {مَّن ذَا ٱلَّذي يُقْرضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثيرَةً} [البقرة: 245] قالت اليهود: يا محمد افتقر ربك، فسأل عباده القرض؟

فأنزل الله: {لَّقَدْ سَمعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذينَ قَالُوۤاْ إنَّ ٱللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَآءُ} [آل عمران: 181].

والذين عايشوا الإسلام في المدينة كانوا من اليهود.

واليهود كما نعرف كانوا يَدلون ويفخرون على العالم بأنهم أهل كتاب وعلم ومعرفة، ويدلون على البيئة التي عاشوا فيها أنهم ملوك الاقتصاد كما يقولون الآن عن أنفسهم.

كل من يريد شيئاً يأخذه من اليهود.

وكانوا يبنون الحصون ويأتون بالأسلحة لتدل على القوة.

وجاء الإسلام وأخذ منهم هذه السيادات كلها، ثم تمتعوا بمزايا الإسلام من محافظة على أموالهم وأمنهم وحياتهم.

أكان الإسلام يتركهم هكذا يتمتعون بما يتمتع به المسلمون أمناً واطمئناناً، وسلامة أبدان وسلامة أموال ثم لا يأخذ منهم شيئاً؟

لقد أخذ منهم الإسلام الجزية.

فلم يكن من المقبول أن يدفع المسلم الزكاة ويجلس اليهود في المجتمع الإيماني دون أن يدفعوا تكلفة حمايتهم.

ولذلك أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيدنا أبو بكر الصديق الى اليهود في المكان الذي يتدارسون فيه فعن ابن عباس قال: دخل ابو بكر الصديق بيت المدراس فوجد من يهود ناساً كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر يقال: أشيع، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص، اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله من عند الله قد جاء بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر، إنه إلينا لفقير، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنّا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا.

فغضب أبو بكر -رضي الله عنه- فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدوّ الله فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين.

فذهب فنحاص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما حملك على ما صنعت يا أبا بكر"؟

فقال يا رسول الله: إن عدوّ الله قال قولاً عظيماً، يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه, فجحد فنحاص ذلك وقال: ما قلت ذلك.

فأنزل الله فيما قال فنحاص: {لَّقَدْ سَمعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذينَ قَالُوۤاْ إنَّ ٱللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَآءُ} [آل عمران: 181].

هؤلاء لم يفطنوا إلى سر التعبير الجميل في قوله سبحانه: {مَّن ذَا ٱلَّذي يُقْرضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [الحديد: 11].

فإن هذا القول هو احترام من الحق -سبحانه- لحركة الإنسان في التملك.

لماذا احترم الله حق الإنسان في التملك؟

هو سبحانه يريد أن يُغري المتحرك بزيادة الحركة، ويحمل غير المتحرك على أن يتحرك.

فإن طلب سبحانه شيئاً من هذا المال فهو لا يقول للإنسان: أعطي ما أعطيت لك.

بل كأنه سبحانه يقول: إنني سأحترم عرقك، وسأحترم حركتك، وسأحترم فكرك، وسأحترم جوارحك وطاقاتك وكل ما فيك، فإن أخذتُ منك شيئاً فلن أقول لك أعطني ما أعطيت لك، لكن أقول لك: أقرضها لي؛ وإن أقرضتها فسوف تقرضها لا لأنتفع بها، ولكنها لأخيك.

وقد اقترض من القادر فيما بعد وذلك لك أنت إذا أصابتك الحاجة.

لماذا؟   

لأنني أنا الله الذي استدعيت خلقي إلى الوجود.

وما دمت أنا الله الذي استدعيت الخلق إلى الوجود فأرزاقهم مطلوبة مني.

إن الواحد من البشر عندما يدعو اثنين من أصدقائه فهو يصنع طعاماً يكفي خمسة أو عشرة أشخاص.

وما دام الله هو الذي استدعى الخلق إلى الوجود فهو الذي يكفل لهم الرزق.

وعندما يكفل لهم الرزق فلابد أن يتحركوا.

وعندما يتحركون فهو سبحانه يضمن آثار الحركة، وذلك حتى ينال كلٌ ما يرضيه، أو على الأقل ما يكفيه من الضروريات.

ولذلك عندما جاءت آثار الحركة من المال وتدخل البشر فيها تأميماً وغير ذلك من الإجراءات قلّت الحركة.

لكن الله سبحانه وتعالى يعلم حرص الإنسان على منفعة نفسه فيغريه بذلك حتى يتحرك وسينتفع المجتمع بحركته، سواء قصد الإنسان أو لم يقصد.

إذن فحين يقترض الحق سبحانه وتعالى من بعض خلقه لبعض خلقه، فهو سبحانه لا يتراجع فيما وهب.

بل يقول جل وعلا: {مَّن ذَا ٱلَّذي يُقْرضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَريمٌ} [الحديد: 11].

وأضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى- نحن البشر قد نضطر إلى هذا الموقف؛ فالواحد منا عندما يعطي أبناءه مصروف اليد، فكل ابن يدخر ما يبقى منه، وبعد ذلك يأتي ظرف لبعض الأبناء يتطلب مالاً ليس في مُكنْة الوالد ساعة يأتي الحدث.

فيقول الوالد لأبنائه: أقرضوني ما في "حصّالاتكم"، وسأردها لكم مضاعفة، هو أخذها لأخيهم، لكن لأنه الذي وهب أولاً فلم يرجع في الهبة، لكنه طلبها قرضاً.

وعندما يأتي أول الشهر فهو يرد القرض مضاعفاً، فإن كان ذلك ما يحدث في مجال البشر فما بالنا بما يحدث من الخالق الوهاب لعباده؟.

هو سبحانه يقول: {مَّن ذَا ٱلَّذي يُقْرضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [الحديد: 11].

لكن اليهودي لم يأخذ المسألة بهذا الفهم، لكنه أخذها بغباء المادة فقال: إن الله فقير ونحن أغنياء.

لذلك قال الحق سبحانه: {لَّقَدْ سَمعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذينَ قَالُوۤاْ إنَّ ٱللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} [آل عمران: 181].

ولماذا يكتب الله ذلك وهو العالم بكل شيء؟.

جاء هذا القول ليدل على التوثيق أيضاً، فعندما يأتي هذا الرجل ليقرأ كتابه يوم القيامة يجدها مكتوبة؛ فالكتابة لتوثيق ما يمكن أن يُنكر -بالبناء للمجهول- فإذا كان العلم من الله فقط فالعبد قد يقول: إنك يارب الذي تعاقب.

فلك أن تقول ما تقول.

فإذا ما كان مكتوباً عليهم ليقرأوه.

فهذا توثيق لا يمكن إنكاره.

ولم يفهم ذلك اليهودي أن القرض لله هو تلطف من الحق سبحانه وتعالى واستدرار لحنان الإنسان على الإنسان.

فقد شاء الحق أن يحترم أثر مجهودك وعرقك أيها الإنسان، فإن وصلت إلى شيء من المال فهو مالك.

ولم يقل الله لك: أعط أخاك، فسبحانه وتعالى تلطف مع خلقه يقول: أقرضني؛ ليضمن الإنسان أن ما أعطاه إنما هو عند ملئ.

لكن أدب بني إسرائيل مع الله مفقود، فقد قالوا من قبل: {وَقَالَت ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّه مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْديهمْ وَلُعنُواْ بمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان يُنفقُ كَيْفَ يَشَآءُ} [المائدة: 64].

وسبب ذلك أنه أصابتهم سنة وجدب, وذلك بسبب تكذيبهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. 

قال ابن عباس: "إن الله وسع على اليهود في الدنيا حتى كانوا أكثر الناس مالاً، فلما عصوا الله وكفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وكذبوه ضيّق الله عليهم في زمنه -صلى الله عليه وسلم-، فقال فنحاص بن عازوراء ومن معه من يهود: يد الله مغلولة فأنزل الله هذه الآية.     

إنهم قالوا: السماء بخلت علينا ويد الله مغلولة، فلم تعطنا رزقاً.

هكذا كان اجتراؤهم في الحديث عن الله "يد الله مغلولة" ونعرف أن "الغل" هو ربط اليدين بسلسلة.

وهاهم أولاء يجترئون مرة أخرى فيقولون: "إن الله فقير”.

ويورد الحق سبحانه كل ذلك تسلية لسيدنا محمد حتى إذا ما اجترأوا عليه بكلمة أو على أصحابه باستهزاء، فسبحانه يوضح لرسوله: أنهم لم يصنعوا ذلك معك ولا مع أتباعك، إن هذا هو موقفهم مني أنا, فإذا كان موقفهم وسوء أدبهم وصل بهم إلى أن يجترئوا على الذات المقدسة العليّة، ويقولون: {إنَّ ٱللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَآءُ} [آل عمران: 181] ويقولون: {يَدُ ٱللَّه مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64].

أفتحزن وتأسى على أن يقولوا لك أو لأتباعك أي شيء يسيء إليكم؟

إنها نعمت المواساة من الله لرسوله ونعمت التسلية.

ويضيف الحق: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} [آل عمران: 181].

لماذا يكتب الله ما قالوا مع أن علمه أزلي لا يُنسى؟

{لاَّ يَضلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى} [طه: 52].

لقد جاءت كلمة "سنكتب" حتى لا يؤاخذهم سبحانه وتعالى يوم القيامة بما يقول هو إنهم فعلوه، ولكن بما كتب عليهم وليقرأوه بأنفسهم، وليكون حجة عليهم، كأن الكتابة ليست كما نظن فقط، ولكنها تسجيل للصوت وللأنفاس، ويأتي يوم القيامة ليجد كل إنسان ما فعله مسطوراً: {ٱقْرَأْ كتَٰبَكَ كَفَىٰ بنَفْسكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيباً} [الإسراء: 14].

وهذا القول يدل على أنه ساعة يرى الإنسان ما كتب في الكتاب سيعرف أنه منه، وإذا كنا نحن الآن نسجل على خصومنا أنفاسهم وكلماتهم أتستبعد على من علمنا ذلك أن يسجل الأنفاس والأصوات والحركات بحيث إذا قرأها الإنسان ورآها لا يستطيع أن يكابر فيها أو ينكرها؟     

{سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} [آل عمران: 181] وهم قالوا: {إنَّ ٱللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَآءُ} [آل عمران: 181] وهذا معصية في القمة، وتبجح على الذات العلية، ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا الأنبياء الذين أرسلهم الله لهدايتهم؛ لذلك يقول الحق: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبيَاءَ بغَيْر حَقٍّ} [آل عمران: 181].

وعندما يأتي هذا النبأ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو تسلية له من الحق سبحانه.    

لقد قالوا في ربك يا محمد ما قالوا، وقتلوا الأنبياء إخوانك، فإذا صنعوا معك ما صنعوا فلا تحزن فسوف يُجازَوْن على ما كتبناه عليهم بشهادة أنفسهم، ونقول: ذوقوا عذاب الحريق.   

والحريق يصنع إيلاماً إحساسياً في النفس.

والإحساس يختلف من حاسة إلى أخرى، فمرة يكون الإحساس بالبصر، ومرة بالأذن، ومرة بالشم أو باللمس أو بالذوق.

والذوق هو سيد الأحاسيس، فهو لا يضيع من أحد أبداً، فقد نجد إنساناً أعمى، وآخر أصم، أو شخصاً ثالثاً أصيب بالشلل فلا تستطيع يده أن تلمس، وقد يصاب واحد بزكام مستمر فلا يصبح قادراً على الشم، أما الذوق فهو حاسة لا تختفي من أي إنسان، لذلك أن الذوق أمر من داخل الذات؛ لذلك فهو أبلغ في الإيلام.    

ونجد الحق سبحانه وتعالى يقول: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمنَةً مُّطْمَئنَّةً يَأْتيهَا رزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بأَنْعُم ٱللَّه فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لبَاسَ ٱلْجُوع وَٱلْخَوْف بمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].

انظر إلى التعبير القرآني "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف”.

جاء التعبير بالإذاقة، وجاء بشيء لا يذاق وهو اللباس.

وهل اللباس يذاق؟

لا، لكنه سبحانه يريد أن ينبه الإنسان إلى أن كل الحواس التي فيه تحس، حتى تلك الحاسة المختفية داخل النفس، إنّ ذلك يَشمل كل جزء في الإنسان.

فالإذاقة تحيط بالإنسان في هذا التصوير البياني القرآني الكريم: "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف”.

إذن فهي شدة وقع الإيلام؛ واستيعاب العذاب المؤلم لكل أجزاء الجسم حتى صار الذوق في كل مكان.

{ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَريق} [آل عمران: 181]، والحريق هو النار القوية التي تحرق ومن بعذ ذلك يقول الحق: {ذٰلكَ بمَا قَدَّمَتْ أَيْديكُمْ...}.



سورة آل عمران الآيات من 181-185 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 181-185 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 181-185   سورة آل عمران الآيات من 181-185 Emptyالسبت 27 أبريل 2019, 12:22 am

ذَٰلكَ بمَا قَدَّمَتْ أَيْديكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بظَلَّامٍ للْعَبيد [١٨٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

{ذٰلكَ} [آل عمران: 182] إشارة إلى عذاب الحريق.

والحق سبحانه لم يظلمهم، لكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم.

{بمَا قَدَّمَتْ أَيْديكُمْ} [آل عمران: 182] فهل معنى ذلك أن كل المعاصي من تقديم اليد؟

إن هناك معصية للعين، ومعصية للسان، ومعصية للرجل، ومعصية للقلب، ولا حصر للمعاصي.

فلماذا إذن قال الحق: {بمَا قَدَّمَتْ أَيْديكُمْ} [آل عمران: 182]؟

قال الحق ذلك لأن الأعمال الظاهرة تُمارس عادة باليد؛ فاليد هي الجارحة التي نفعل بها أكثر أمورنا، وعلى ذلك يكون قول الحق: {بمَا قَدَّمَتْ أَيْديكُمْ} [آل عمران: 182] مقصود به: بما قدمتم بأي جارحة من الجوارح.

وبعد ذلك يخبرنا سبحانه: {وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بظَلاَّمٍ لّلْعَبيد} [آل عمران: 182] لقد أذاقهم عذاب الحريق نتيجة ما كتبه عليهم؛ من قول وفعل.

والقول هو الافتراء باللسان حين قالوا: {إنَّ ٱللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَآءُ} [آل عمران: 181].

والفعل هو قتلهم الأنبياء فهم يستحقون ذلك العذاب.

والقضية العامة في الإله وعدالة الإله أنه ليس بظلام للعبيد.

وهنا وقفة لخصوم الإسلام من المستشرقين، هم يقولون: الله يقول في قرآنكم {وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بظَلاَّمٍ لّلْعَبيد} [آل عمران: 182]، وكلمة "ظلام" هي مبالغة في كلمة "ظالم"، ففيه "ظالم" وفيه "ظلاّم"، و"الظَّلاّم" هو الذي يظلم ظلماً قوياً ومتكرراً؛ فـ"ظلاّم" هي صيغة مبالغة في "ظالم”.

وحتى نرد عليهم لابد لنا أن نعرف أن صيغ المبالغة كثيرة، فاللغويون يعرفون أنها: فعّال، فعيل، مفعال، فعول، فَعل، فظلاَّم مثلها مثل قولنا: "أكَّال"، ومثل قولنا: "قتَّال" بدلاً من أن نقول: "قاتل" فالقاتل يكون قد ارتكب جريمة القتل مرة واحدة، لكن الـ"قتَّال" هو من فعل الجريمة مرات كثيرة وصار القتل حرفته.

ومثل ذلك "ناهب"، ويقال لمن صار النهب حرفته: "نَهَّاب" أي أنه إن نهب ينهب كثيراً، ويعدد النهب في الناس.

وهذه تسمى صيغة المبالغة.

وصيغة المبالغة إن وردت في الإثبات أي في الأمر الموجب فهي تثبت الأقل، فعندما يقال: "فلان ظلاّم" فالثابت أنه ظالم أيضاً، لأننا ما دمنا قد أثبتنا المبالغة فإننا نثبت الأقل.

ومثل ذلك نقول: "فلان علاَّم" أو "فلان علاَّمة" فمعنى ذلك أن فلاناً هذا عالم.

ولكن إذا قلنا: "فلان عالم" فلا يثبت ذلك أنه "علاَّمة”.

فصيغة المبالغة ليس معناها "اسم فاعل" فحسب، إنها أيضاً اسم فاعل مبالغ فيه، لأن الحدث يأتي منه قوياً، أو لأن الحدث متكرر منه ومتعدد.

فإذا ما أثبتنا صفة المبالغة فمن باب أولى تثبت صفة غير المبالغة, فإذا ما قال واحد: "فلان أكَّال" فإنه يثبت لنا أنه آكل، هذا في الإثبات.

والأمر يختلف في النفي.

إننا إذا نفينا صفة المبالغة، فلا يستلزم نفي الصفة الأصلية، فإن قلت: "فلان ليس علاَّمة" فقد يكون عالماً.

وهكذا نفهم لأن الإثبات يختلف عن النفي.

فإذا أَثْبَتَّ صفة المبالغة تثبت الصفة التي ليس فيها مبالغة من باب أولى.

أما إذا نفيت صفة المبالغة فلا يستلزم ذلك نفي الصفة الأقل.

والتذييل للآية التي نحن بصددها الآن هو: {وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بظَلاَّمٍ لّلْعَبيد} [آل عمران: 182]. 

يفهم المستشرقون من هذا القول أنه مجرد نفي للمبالغة في الظلم, لكنها لم تنف عنه أنه ظالم ولم يفهم المستشرقون لماذا تكون المبالغة هنا: إن الحق قد قال: إنه ليس بظلام للعبيد، ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد.

ومعنى ذلك أنه ليس بظلام للعبيد من أول آدم إلى أن تقوم الساعة، فلو ظلم كل هؤلاء -والعياذ بالله- لقال إنه ظلام، حتى ولو ظلم كل واحد أيسر ظلم.

لأن الظلم تكرر وذلك بتكرر من ظُلم وهم العبيد، فإن أريد تكثير الحديث فليفطن الغبي منهم إلى أن الله قال: {وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بظَلاَّمٍ لّلْعَبيد} [آل عمران: 182] ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد.  

وإذا كان الظالم لابد أن يكون أقوى من المظلوم، إذن فكل ظلم يتم تكييفه بقوة الظالم.

فلو كان الله قد أباح لنفسه أن يظلم فلن يكون ظالماً؛ لأن عظم قوته لن يجعله ظالماً بل ظَلاَّماً.

فإن أردنا الحدث فيكون ظلاماً، وإن أردنا تكراراً للحدث فيكون ظلاماً.

وحين يحاول بعض المستشرقين أن يستدركوا على قول الحق: {وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بظَلاَّمٍ لّلْعَبيد} [آل عمران: 182] فهذا الاستدراك يدل على عجز في فهم مرامي الألفاظ في اللغة أو أنّ هؤلاء يعلمون مرامي الألفاظ ويحاولون غش الناس الذين لا يملكون رصيداً لغوياً يفهمون به مرامي الألفاظ.

ولكن الله سبحانه وتعالى يُسخر لكتابه من ينبه إلى إظهار إعجازه في آياته.

وبعد أن انتهى الحق من غزوة أُحُد، فهو سبحانه يريد أن يقرر مبادئ يبين فيها معسكرات العداء للإسلام: معسكر أهل الكتاب، ومعسكر مشركي قريش في مكة، ومعسكر المشركين الذين حول المدينة وكانوا يغيرون على المدينة.

فبعد غزوة أُحُد التي صفّت، وربّت، وامتحنت وابتلت، وعرّفت الناس قضايا الدين، أراد الحق بعدها أن يضع المبادئ.

فأوضح القرآن: أن هؤلاء أعداؤكم؛ تذكروهم جيداً، قالوا في ربكم كذا، ويقولون في رسولكم كذا، وقتلوا أنبياءكم.

ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه: {ٱلَّذينَ قَالُوۤاْ إنَّ ٱللَّهَ عَهدَ إلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمنَ لرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتيَنَا بقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ...}.



سورة آل عمران الآيات من 181-185 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 181-185 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 181-185   سورة آل عمران الآيات من 181-185 Emptyالسبت 27 أبريل 2019, 12:23 am

الَّذينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ عَهدَ إلَيْنَا أَلَّا نُؤْمنَ لرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتيَنَا بقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ منْ قَبْلي بالْبَيّنَات وَبالَّذي قُلْتُمْ فَلمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادقينَ [١٨٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هم يدّعون ذلك ويقولون: ربنا قال لنا هذا في التوراة؛ إياكم أن تؤمنوا برسول يأتيكم، حتى يأتيكم بمعجزة مُحسة، هذه المعجزة المُحسّة هي أن يقدم الرسول قرباناً فتنزل نار من السماء تأكله.

هذا كان صحيحاً، وكلنا نسمع قصة قابيل وهابيل: {وَٱتْلُ عَلَيْهمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بٱلْحَقّ إذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ من أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ منَ ٱلآخَر قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ منَ ٱلْمُتَّقينَ * لَئن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لتَقْتُلَني مَآ أَنَاْ ببَاسطٍ يَديَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمينَ} [المائدة: 27-28].

ونريد أن نقبل على القرآن ونتدبر: لماذا جاء هذا اللفظ: "فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر"؟

إن القبول من الله، وهو مسألة سرية عنده، فكيف نعرف نحن أن الله تقبل أو لم يتقبل؟

لابد أنه الله قد جعل للقبول علامة حسية.

ونحن نعرف أن الإنسان قد يعمل عملاً فيقبله الله، ونجد إنساناً آخر قد يعمل عملاً ولا يقبله الله -والعياذ بالله-، فمن الذي أعلمنا أن الله قد قبل عمل إنسان وقربانه، ولم يقبل عمل الآخر وقربانه؟.

وبما أن القبول سر من أسرار الله إذن فلن نعرف علامة القبول إلا إذا كانت شيئاً مُحساً، بدليل قوله: {فَتُقُبّلَ من أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ منَ ٱلآخَر} [المائدة: 27].

وقال الذي لم يتقبل الله قربانه: "لأقتلنك" كأن الذي قبل الله قربانه قد عرف، والذي لم يتقبل الله قربانه قد عرف أيضاً، إذن فلابد أن هناك أمراً حسياً قد حدث.

وقلنا: إن الله كان يخاطب خلقه على قدر رشد عقولهم حساً ومعنى؛ ولذلك كانت معجزاته سبحانه وتعالى للأنبياء السابقين لرسول الله هي من الأمور المُحسة.

فالمعجزة التي آتاها الله لإبراهيم كانت ناراً لا تحرق، وعصا سيدنا موسى تنقلب حية، وسيدنا عيسى عليه السلام يُبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى بإذن الله.

والمعجزة الحسية لها ميزة أنها تقنع الحواس، ولكنها تنتهي بعد أن تقع لمرة واحدة.

لكن المعجزة العقلية التي تناسب رشد الإنسانية، هي المعجزة الباقية، وحتى تظل معجزة باقية فلا يمكن أن تكون حسية.

إذن فعندما تأتي معجزة خالدة لرسول هو خاتم الرسل، والذي سوف تقوم القيامة على المنهج الذي جاء به, هذه المعجزة لابد أن تكون ذات أمد ممتدّ، والامتداد يناقض الحسيّة؛ لأن الحسّية تظل محصورة فيمن رآها، والذي لم يرها لا يقولها ولا يؤمن بها إلا إذا كان على ثقة عظيمة بمن أخبره بها.

وابنا آدم، قابيل وهابيل قرّب كل منهما قرباناً.

و"قُربان" مثلها في اللغة مثل "غفران" و"عُدوان" والقُربان هو شيء أو عمل يتقرب به العبد من الله.

وقبول هذا العمل من البر هو سرّ من أسرار الله.

فما الذي أدرى هؤلاء أن قربان هابيل قد تقبّله الله ولم يتقبّل الله قربان قابيل؟

لابد أن تكون المسألة حسيّة.

ولابد أن قابيل وهابيل قد اختلفا، ولكن القرآن لم يقل لنا على ماذا اختلفا، إنها دعوى أن واحداً منهما مُقرّب إلى الله أكثر، ولكن بأي شكل؟

لم يظهر القرآن لنا ذلك، ولو كانت المسألة مهمة لأظهرها الله لنا في القرآن الكريم، فلا تقل كان الخلاف على زواج أو غير ذلك.

فالذي ظهر لنا من القرآن أن خلافاً قد وقع بينهما أو أنهما قد حكما السماء.

ومبدأ تحكيم السماء لا يستطيع أحد أن ينقضه.

وكان لكل واحد منهم شُبهة.

وعندما قامت الشبهة التي لقابيل ضد الشبهة التي لهابيل، فلا إقناع من صاحب شبهة، ولذلك ذهبا إلى التحكيم.

ونحن في عصرنا الحديث عندما نختلف على شيء فإننا نقول: نجري قرعة.

وذلك حتى لا يرضخ إنسان لهوى إنسان آخر، بل يرضخ الاثنان للقدر، فيكتب كل منهما ورقة ثم يتركان ثالثاً يجذب إحدى الورقتين.

أما هابيل وقابيل فيذكر القرآن الكريم: {وَٱتْلُ عَلَيْهمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بٱلْحَقّ إذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ من أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ منَ ٱلآخَر} [المائدة: 27].

إذن فكل واحد منهما كانت له شبهة، ولا أحد منهما بقادر على إقناع الثاني؛ لذلك قال قابيل بعد أن قبل الله قربان هابيل: "لأقتلنك" فماذا قال هابيل؟.

قال: {إنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ منَ ٱلْمُتَّقينَ} [المائدة: 27].

إذن فالذي يتقبل الله منه القربان هو الذي سيُقْتل.

والذي يملأه الغيظ هو من لم يتقبل الله قربانه، وهو الذي سوف يَقْتُل.

فماذا قال صاحب القربان المقبول: {لَئن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لتَقْتُلَني مَآ أَنَاْ ببَاسطٍ يَديَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمينَ} [المائدة: 28].

إذن فهذا أهل لأن يتقبّل الله قربانه، لأنه متيقظ الضمير بمنهج السماء، وهذه حيثية لتقبل القربان.

وحتى لا نظن أن الآخر "قابيل" كله شر لمجرد أن الشهوة سيطرت عليه، لكن الحق يظهر لنا أن فيه بعض الخير، ودليل ذلك قول الحق: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخيه فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ منَ ٱلْخَاسرينَ} [المائدة: 30].

وهذا القول يدل على أنه تردد، فلا يقال: "طوّعت الماء"، ولكن يقال "طوّعت الحديد"، فكأن الإيمان كان يعارض النفس، إلا أن النفس قد غلبت وطوّعت له قتل أخيه.

وعندما قتل قابيل أخاه وهدأت شرّة الغضب وسُعار الانتقام، رأى أخاه مُلقى في العراء: {فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ في ٱلأَرْض ليُريَهُ كَيْفَ يُوَاري سَوْءَةَ أَخيه قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَاب فَأُوَاريَ سَوْءَةَ أَخي فَأَصْبَحَ منَ ٱلنَّادمينَ} [المائدة: 31].

وعلى هذا النسق قال اليهود: إن الله أوصانا ألا نؤمن برسول إلا بعد أن يأتي بمعجزة من المُحسّات.

لماذا قالوا ذلك؟.

قالوا ذلك لأن معجزة رسول الله الكبرى وهي القرآن الكريم لم تكن من ناحية المحسّات وانتهى عهد الإعجاز بالمحسّات فقط، فرسولنا له معجزات حسية كثيرة، ونظراً لأن هذه ينتهي إعجازها بانقضائها فكان القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة وهو الذي يناسب الرسالة الخاتمة، فهم طلبوا أن تكون المعجزة بالمحسّات حتى يصنعوا لأنفسهم شبه عذر في أنهم لم يؤمنوا، فقالوا ما أورده القرآن: {ٱلَّذينَ قَالُوۤاْ إنَّ ٱللَّهَ عَهدَ إلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمنَ لرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتيَنَا} [آل عمران: 183]... إلخ.

وعلمنا الحق في هذه الآية أن القربان تأكله النار، ومن هذا نستنبط كيف تقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، لكي نفهم أن القرآن لا يوجد به أمر مكرر.

والحق سبحانه يرينا ردوده الإلهية المقنعة الممتعة: {قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مّن قَبْلي بٱلْبَيّنَات وَبٱلَّذي قُلْتُمْ} [آل عمران: 183]... إلخ الآية.

لقد جاءكم رسل قبل رسول الله بالقربان وأكلته النار ومع ذلك كفرتم.

فلو كان كلامكم أيها اليهود صحيحاً، لكنتم آمنتم بالرسل الذين جاءوكم بالقربان الذي أكلته النار.

وهكذا يكشف لنا الحق أنهم يكذبون على أنفسهم ويكذبون على رسول الله، وأنها مجرد "مماحكات" ولجاج وتمادٍ في المنازعة والخصومة.

والحق سبحانه يأمر رسوله أن يسأل: {فَلمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إن كُنتُمْ صَادقينَ} [آل عمران: 183]؟ 

هو سبحانه يريد أن يضع لنا قضية توضح أن عهد المعجزات الحسيّة وحدها قد انتهى، ورُشد الإنسانية وبلوغ العقل مرتبة الكمال قد بدأ؛ لذلك أتى سبحانه بآية عقلية لتظلّ مع المنهج إلى أن تقوم الساعة.

ولو كانت الآية حسّية لاقتصرت على المعاصر الذي شهدها وتركت من يأتي بعده بغير معجزة ولا برهان.

أما مجيء المعجزة عقلية فيستطيع أي واحد مؤمن في عصرنا أن يقول: سيدنا محمد رسول الله وتلك معجزته.

ولكن لو كانت المعجزة حسيّة وكانت قرباناً تأكله النار، فما الذي يصير إليه المؤمن ويستند إليه من بعد ذلك العصر؟

إن الحق يريد أن يعلمنا أن الذي يأتي بالآيات هو سبحانه، وسبحانه لا يأتي بالآيات على وفق أمزجة البشر، ولكنه يأتي بالآيات التي تثبت الدليل؛ لذلك فليس للبشر أن يقترحوا الآية.

هو سبحانه الذي يأتي بالآية، وفيها الدليل.

لماذا؟   

لأن البعض قد قال للرسول: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا منَ ٱلأَرْض يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مّن نَّخيلٍ وَعنَبٍ فَتُفَجّرَ ٱلأَنْهَارَ خلالَهَا تَفْجيراً * أَوْ تُسْقطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كسَفاً أَوْ تَأْتيَ بٱللَّه وَٱلْمَلاۤئكَة قَبيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ في ٱلسَّمَآء وَلَن نُّؤْمنَ لرُقيّكَ حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبّي هَلْ كُنتُ إلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: 90-93].

لقد كانت كل هذه آيات حسيّة طلبوها، والله سبحانه وتعالى يرد على ذلك حين قال لرسوله: إن الذي منعه من إرسال مثل هذه الآيات هو تكذيب الأولين بها: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسلَ بٱلآيَات إلاَّ أَن كَذَّبَ بهَا ٱلأَوَّلُونَ} [الإسراء: 59].

فحتى هؤلاء الذين قالوا: لن نؤمن حتى تأتي بقربان تأكله النار قد جاءهم من قبل من يحمل معجزة القربان الذي تأكله النار، ومع ذلك كذبوا، إذن فالمسألة مماحكة ولجاج في الخصومة. 

ويُسلّي الله رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتسلية الله لرسوله هنا تسلية بالنظير والمثل في الرسل.

كأن الحق يوضح: إن كانوا قد كذبوك فلا تحزن؛ فقد كذبوا من قبلك رسلاً كثيرين، وأنت لست بدعاً من الرسل.



سورة آل عمران الآيات من 181-185 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 181-185 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 181-185   سورة آل عمران الآيات من 181-185 Emptyالسبت 27 أبريل 2019, 12:24 am

فَإنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ منْ قَبْلكَ جَاءُوا بالْبَيّنَات وَالزُّبُر وَالْكتَاب الْمُنير [١٨٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ويتسامى الحق سبحانه وتعالى بروح سيدنا رسول الله إلى مرتبة العلو الذي لا يرقى إليه بشر سواه، فيقول: {قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذي يَقُولُونَ فَإنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ} [الأنعام: 33].     

فالمسألة ليست مسألتك أنت إنهم يعرفون أنك يا محمد صادق لا تكذب أبداً: {وَلَـٰكنَّ ٱلظَّالمينَ بآيَات ٱللَّه يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].

أي هذا الأمر ليس خاصاً بك بل هو راجع إليّ فلا أحد يقول عنك إنك كذّاب هم يكذبونني، الظالمون يجحدون وينكرون آياتي فالحق سبحانه يخاطب رسوله -صلى الله عليه وسلم- هنا للتسلية ويعطيه الأسوة التي تجعله غير حزين مما يفعله اليهود والمكذبون به فيقول: {فَإن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلكَ جَآءُوا بٱلْبَيّنَات وَٱلزُّبُر وَٱلْكتَاب ٱلْمُنير} [آل عمران: 184].  

ونعرف أن الشرط سبب في وجود جوابه.

فإذا كان الجواب لم يأت فالشرط هو الذي يجعله يأتي، وإذا كان الجواب قد حصل قبل الشرط فما الحل؟.

الحق يوضح: إن كذبوك يا محمد فقد كذبوا رسلاً من قبلك.

أي أن "جواب الشرط" قد حصل هنا قبل الشرط وهذه عندما يتلقفها واحد من السطحيين أدعياء الإسلام، أو من المستشرقين الذين لا يفهمون مرامي اللغة فمن الممكن أن يقول: إن الجواب في هذه الآية قد حصل قبل الشرط.

وهنا نرد عليه قائلين: أقوله تعالى: {فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلكَ..} [آل عمران: 184] هو جواب الشرط.      

أم هو دليل الجواب؟

لقد جاء الحق بهذه الآية ليقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإن كذبوك فلا تحزن، فقد سبقك أن كَذّب قوم رسلَهم، إنها علة لجواب الشرط، كأنه يقول: فإن كذبوك فلا تحزن.

إذن فمعنى ذلك أن المذكور ليس هو الجواب، إنما هو الحيثية للجواب {فَإن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلكَ جَآءُوا بٱلْبَيّنَات} [آل عمران: 184]... إلخ.

وعندما نقول: "جاءني فلان بكذا" فقد يكون هو الذي أحضره، وقد يكون هو مجرد صاحب لمن جاء به.

ولنضرب هذا المثل للإيضاح -ولله المثل الأعلى- فلنفترض أن موظفاً أرسله رئيسه بمظروف إلى إنسان آخر، فالموظف هو المصاحب للمظروف.

إذن فالبينات جاءت من الله، لكن هؤلاء الرسل جاءوا مصاحبين ومؤيَّدين بالبينات كي تكون حُجة لهم على صدق بلاغهم عن الله، {فَإن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلكَ جَآءُوا بٱلْبَيّنَات} [آل عمران: 184].

أي جاءوا بالآيات الواضحة الدلالة على المراد.

والآيات قد تكون لفتاً للآيات الكونية، وقد تكون المعجزات.

ونعلم أن كل رسول من الرسل الذين سبقوا سيدنا رسول الله كانت معجزتهم منفصلة عن منهجهم، فالمعجزة شيء وكتاب المنهج شيء آخر.

"صحف إبراهيم" فيها المنهج لكنها ليست هي المعجزة؛ فالمعجزة هي الإحراق بالنار والنجاة، وموسى عليه السلام معجزته العصا وتنقلب حية، وانفلاق البحر، لكن كتاب منهجه هو "التوراة"، وعيسى عليه السلام كتاب منهجه "الإنجيل" ومعجزته العلاج وإحياء الموتى بإذن الله، إذن فقد كانت المعجزة منفصلة عن المنهج، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن معجزته هي عين منهجه، معجزته القرآن، ومنهجه القرآن،        

لماذا؟

لأنه جاء رسولاً يحمل المنهج المكتمل وهو القرآن الكريم، ومع ذلك فهو -صلى الله عليه وسلم- الرسول الخاتم، فلابد أن تظل المعجزة مع المنهج؛ كي تكون حُجة، إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {جَآءُوا بٱلْبَيّنَات} [آل عمران: 184]: أي المعجزات الدالات على صدقهم. 

{وَٱلزُّبُر وَٱلْكتَاب ٱلْمُنير} [آل عمران: 184] أي الكتب التي جاءت بالمنهج، فهم يحتاجون إلى أمرين اثنين: منهج ومعجزة.

و"البينات" هي المعجزة أي الأمور البينة من عند الله وليست من عند أي واحد منهم، ثم جاء "المنهج" في {ٱلزُّبُر وَٱلْكتَاب ٱلْمُنير} [آل عمران: 184].

ومعنى "الزبْر": الكتاب، وما دام الشيء قد كُتب فقد "زبره" أي كَتَبَهُ، وهذا دليل على التوثيق أي مكتوب فلا ينطمس ولا يمحى فالزَّبْر الكتابة، و"الزَّبْرُ" تعني أيضاً الوعظ؛ لأنه يمنع الموعوظ أن يصنع ما عظم أي يمتنع عن الخطأ وإتيان الانحراف، و"الزَّبْرُ" أيضاً تعني العقل؛ لأنه يمنع الإنسان من أنْ يرد موارد التهلكة.

والذين يريدون أن يأخذوا العقل فرصة للانطلاق والانفلات، نقول لهم: افهموا معنى كلمة "العقل"، معنى العقل هو التقييد، فالعقل يقيدك أن تفعل أي أمر دون دراسة عواقبه.     

والعقل من "عَقَلَ" أي ربط، كي يقال هذا، ولا يقال هذا، ويمنع الإنسان أن يفعل الأشياء التي تؤخذ عليه.

و"الزبر" أيضاً: تحجير البئر؛ فعندما نحفر البئر ليخرج الماء، لا نتركه.      

بل نصنع له حافة من الحجر ونبنيه من الداخل بالحجارة.

كي لا يُردم بالتراب وكل معاني الزبر ملتقية، فهو يعني: المكتوبات، والمكتوبات لها وصف، إنّها منيرة، وهذه الإنارة معناها أنها تبين للسالك عقبات الطريق وعراقيله، كي لا يتعثر.

إذن فالحق سبحانه وتعالى يسلّي رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويوضح له: لا تحزن إن كذبوك؛ فقد كذب رسل من قبلك، والرسل جاءوا بالمنهج والمعجزة، وبعد أن يعطي الله للمؤمنين ولرسول الله مناعة ضد ما يذيعه المرجفون من اليهود وضد ما يقولون، وتربية المناعة الإيمانية في النفس تقتضي أن يخبرنا الله على لسان رسوله بما يمكن أن تواجهه الدعوة؛ حتى لا تفجأنا المواجهات ويكشف لنا سبحانه بما سيقولون.

وبما سيفعلونه.

ونحن نفعل ذلك في العالم المادي: إذا خفنا من مرض ما كالكوليرا -مثلاً- ماذا نفعل؟

نأخذ الميكروب نفسه ونُضْعفُه بصورة معينة ثم نحقن به السليم؛ كي نربّي فيه مناعة حتى يستطيع الجسم مقاومة المرض.      

ثم بعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى بقضية إيمانية يجب أن تظل على بال المؤمن دائماً.

هذه القضية: إن هم كذبوك فتكذيبهم لا إلى خلود؛ لأنهم سينتهون بالموت، فالقضية معركتها موقوتة، والحساب أخيراً عند الحق سبحانه.

ولذلك يقول -سبحانه-: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئقَةُ ٱلْمَوْت وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ...}.



سورة آل عمران الآيات من 181-185 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 181-185 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 181-185   سورة آل عمران الآيات من 181-185 Emptyالسبت 27 أبريل 2019, 12:26 am

كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الْمَوْت وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقيَامَة فَمَنْ زُحْزحَ عَن النَّار وَأُدْخلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا مَتَاعُ الْغُرُور [١٨٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ولاحظ أن كلمة "ذائقة" جاءت أيضاً هنا، ونعرف أن هناك "قتلاً" وهناك "موتاً"، فالموت معناه أعم وهو: انتهاء الحياة سواء أكان بنقض البنية مثل القتل، أم بغير نقض البنية مثل خروج الروح وزهوقها حتف الأنف، ولذلك فالعلماء الذين يدققون في الألفاظ يقولون: هذا المقتول لو لم يُقتل، أكان يموت؟

نقول: نعم؛ لأن المقتول ميت بأجله، لكن الذي قتله هل كان يعرف ميعاد الأجل؟

لا.

إذن فهو يُعاقب على ارتكابه جريمة إزهاق الروح، أمّا المقتول فقد كتب الله عليه أن يفارق الحياة بهذا العمل.

إذن فكل نفس ذائقة الموت إما حتف الأنف وإمّا بالقتل.

ولأن الغالب في المقتولين أنهم شهداء، والشهداء أحياء، لكن الكل سيموت.

يقول تعالى: {وَنُفخَ في ٱلصُّور فَصَعقَ مَن في ٱلسَّمَاوَات وَمَن في ٱلأَرْض إلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ} [الزمر: 68].

انظروا إلى دقة العبارة: {وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقيَامَة} [آل عمران: 185] أي إياكم أن تنتظروا نتيجة إيمانكم في هذه الدنيا، لأنكم إن كنتم ستأخذون على إيمانكم ثواباً في الدنيا فهذا زمن زائل ينتهي، فثوابكم على الإيمان لابد أن يكون في الآخرة لكي يكون ثواباً لا ينتهي.

ونعرف ما حدث في بيعة العقبة الثانية؛ حينما أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأنصار عهوداً، قالوا: فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟

لم يقل لهم -صلى الله عليه وسلم- ستنتصرون أو ستملكون الدنيا، بل قال: "الجنة" قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه، فلو وعدهم بأي شيء في الدنيا لقال له أي واحد فطن منهم: ما أهونها، ولذلك عندما قال واحد لصاحبه: أنا أُحبك قدر الدنيا؛ فقال له: وهل أنا تافه عندك لهذه الدرجة؟

فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: إياكم أن تفهموا أن جزاء الإيمان يكون في الدنيا، لأنه لو كان في الدنيا لكان زائلاً ولكان قليلاً كجزاء على الإيمان، لأن الإيمان وصل بغير منتهٍ وهو الله، فلابد أن يكون الجزاء غير منتهٍ وهو الجنة، فقال: {وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ} [آل عمران: 185].

وأخذ أهل اللمح من كلمة "توفون" أن هناك مقدمات؛ لأن معنى "وفيته أجره" أي أعطيته وبقي له حاجة وأكمل له، نعم هو سبحانه يعطيهم حاجات إيمان، ويكفي إشراقة الإيمان في نفس المؤمن، فالجواب لابد أن يكون متمشياً مع منطق من يسمع هذه الآية؛ فقد يموت من يسمعها بعد قليل في معركة، وما دام قد مات في معركة فهو لم ير انتصاراً، ولم ير غنائم ولا أي شي، فماذا يكون نصيبه؟

إنه يأخذ نصيبه يوم القيامة "توفون" فمن نال منها شيئاً في الدنيا بالنصر، بالغنائم، بالزهو الإيماني على أنه انتصر على الكفر فهذا بعض الأجر، إنما الوفاء بكامل الأجر سيكون في الآخرة، لأن كلمة التوفية تفيد أن توفية الأجور وتكميلها يكون في يوم القيامة، وأن ما يكون قبل ذلك فهو بعض الأجور التي يستحقها العاملون.

ويقول الحق: {فَمَن زُحْزحَ عَن ٱلنَّار وَأُدْخلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرأوا إن شئتم: {فَمَن زُحْزحَ عَن ٱلنَّار وَأُدْخلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز}.

وعندما تقول: زحزحت فلاناً، معناها أنه كان متوقفاً برعب، فكيف يحدث ذلك عند النار؟.     

نعرف أن النار سببها المعصية، والمعصية كانت لها جاذبية للعصاة، ويأتي الإيمان ليشدهم فتأخذهم جاذبية المعصية، فكذلك يكون الجزاء بالنار.

إذن فالنار لها جاذبية لأنها ستكون في حالة غيظ.      

ولذلك يقول ربنا: {تَكَادُ تَمَيَّزُ منَ الغَيْظ} [المُلك: 8].

النار تتميز من الغيظ على الكافرين.

وما معنى تميز من الغيظ؟

أما رأيت قدْراً يفور؟

ساعة يفور القدر فإن بعض الفقاقيع تخرج منه وتنفصل عما في القدر، وهذا "تميز" أي تفترق، والإنسان منا عندما يكون في حالة غيظ تخرج منه أشياء كفقاقيع غليان القدر إنه يرغي ويزبد أي اشتد غضبه، هذه الفقاقيع تحرق من يقف أمامها أو يلمسها، وهي من شدة الفوران تميز بعضها وانفصل عن القدر، كذلك النار، ولماذا تميز من الغيظ؟

إنها تميز من الغيظ من الكافرين؛ لأنها أصلها مُسبّحة حامدة شاكرة، وبعد ذلك يقول لها الحق: {هَل ٱمْتَلأَت} [ق: 30] وتقول: {هَلْ من مَّزيدٍ} [ق: 30].

وذلك مما يدل على أن كلمة: "تميز من الغيظ" حقيقة؛ ولذلك يبين لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن النار لها جاذبية، فالنار إنما كانت نتيجة المعصية في الدنيا، والمعصية في الدنيا هي التي تجذب العصاة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الفراش والجنادب يَقعْن فيها وهو يذبّهُنّ عنها، وأنا آخذ بحُجُزكم عن النار وأنتم تَفَلّتُون من يدي".

انظر إلى التشبيه الجميل - حين توقد ناراً في خلاء فأول مظهر هو أن ترى الفراش والهوامّ والبعوض تأتي على النار، ولذلك يقولون: رُبّ نفس عشقت مصرعها.

لقد جاءت تلك الحشرات على أساس أنها جاءت للنور، إننا نرى ذلك عندما نُشعل موقداً في الخلاء فأنت تجد حوله الكثير من هذه الحشرات صرعى، تلك الحشرات عشقت مصرعها، إنها قد جاءت إلى النور ولكن النار أحرقتها، كذلك الإنسان العاصي يعشق مصرعه؛ لأنه لا يعرف أن هذه الشهوة ستدخله النار.

{فَمَن زُحْزحَ عَن ٱلنَّار} [آل عمران: 185] أي أن النار لها جاذبية مثل جاذبية المعصية عندما تأخذ الإنسان، ومجرد الزحزحة عن النار، حتى وإن وقف بينهما لا في النار ولا في الجنة فهذا حسن، فما بالك إنْ زُحزح عن النار وأُدخل الجنة؟

لقد زال منه عطب وأعطى صالحاً.

وهذه حاجة حسنة، وهذا هو السبب في أن النار مضروب على متنها الصراط الذي سنمر عليه.

لماذا؟   

حتى يرى المؤمن النار.      

وهو ماشٍ على الصراط التي لو لم يكن مؤمناً لنزل فيها، فيقول: الحمد لله الذي نجاني من تلك النار.

{فَمَن زُحْزحَ عَن ٱلنَّار وَأُدْخلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] والفوز هو النجاة مما تكره، ولقاء ما تحب، مجرد النجاة مما تكره نعمة، وأن تذهب بعد النجاة مما تكره إلى نعمة، فهذا فوز.

ونلحظ في {زُحْزحَ} أن أحداً غيره قد زحزحه.

نعم لأنّ الله تكرّم عليه أولاً في حياته بفيض الإيمان وهو الذي زحزحه عن النار أيضاً.

ويذيل الحق الآية بقوله تعالى: {وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُور} [آل عمران: 185].

وعندما يصف الحق سبحانه الحياة التي نعرفها بأنها "دنيا" ففي ذلك ما يشير إلى أن هناك حياة توصف بأنها "غير دنيا" وغير الدنيا هي "العليا"، ولذلك يقول الحق في آية أخرى: {وَإنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخرَةَ لَهيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].

أي هي الحياة التي تستحق أن تُسمّى حياة؛ لأن الدنيا لا يقاس زمانها ببدايتها إلى قيام الساعة، لأن تلك الحياة بالنسبة للكون كله، ولكن لكل فرد في الحياة دنيا ليس عمرها كذلك، وإنما دنيا كل فرد هي مقدار حياته فيها.

ومقدار حياته فيها لا يُعلم أهو لحظة أم يوم أم شهر أم قرن.

وقصارى الأمر أنها محدودة حداً خاصاً لكل عمر، وحداً عاماً لكل الأعمار.

والمتعة في الدنيا على قدر حظ الإنسان في المتع، فهي على قدر إمكاناته.

فإذا نظرنا إلى الدنيا بهذا المعيار فإن متاعها يعتبر قليلاً، ولهذا لا يصح ولا يستقيم أن يغتر الإنسان بهذه المتعة متذكراً قول الله: {كَلاَّ إنَّ ٱلإنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ} [العلق: 6-7].

فالغرور إذن أن تلهيك متعة قصيرة الأجل عن متعة عالية لا أمد لانتهائها، فحتى لا يغتر عائش في الدنيا فيلهو بقليلها عن كثير عند الله في الآخرة يجب أن يقارن متعة أجلها محدود وإن طال زمانها بمتعة لا أمد لانتهائها، متعة على قدر إمكاناتك ومتعة على قدر سعة فضل الله؛ لذلك كانت الحياة الدنيا متاع غرور ممن غُرّ بالتافه القليل عن العظيم الجليل.

والله لم يظلم الدنيا فوصفها أنها متاع، ولكن نبهنا إلى أنها ليست المتاع الذي يُغتَرّ به فيلهي عن متاع أبقى، إنه الخلود.

وبعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله ولأتباع رسوله قضية تُنشئ فيهم وتؤكد لهم أن الإيمان وحده خير جزاء للمؤمن، وإن لم يتأت له في الدنيا شيء من النعيم، ولذلك أراد أن يوطنهم على أن الذين يدخلون الإيمان، لا يوطّنون أنفسهم على أن الايمان دائماً منتصر، فلو كان دائماً منتصراً لوطّن كل واحد نفسه عليه ورضيه لأنه يضمن له حياة مطمئنة؛ لذلك كان لابد أن يوضح لهم: أن هناك ابتلاءات.

فالقضية الإيمانية أن تبتلوا، وموقع البلاء في نفوسكم أو في أموالكم، فقال: {لَتُبْلَوُنَّ فيۤ أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ منَ ٱلَّذينَ أُوتُواْ ٱلْكتَابَ من قَبْلكُمْ وَمنَ ٱلَّذينَ...}.



سورة آل عمران الآيات من 181-185 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة آل عمران الآيات من 181-185
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة آل عمران الآيات من 051-055
» سورة آل عمران الآيات من 131-135
» سورة آل عمران الآيات من 056-060
» سورة آل عمران الآيات من 136-140
» سورة آل عمران الآيات من 061-065

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: آل عمران-
انتقل الى: