منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة البقرة: الآيات من 131-140

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 131-140 Empty
مُساهمةموضوع: سورة البقرة: الآيات من 131-140   سورة البقرة: الآيات من 131-140 Emptyالأربعاء 03 أبريل 2019, 2:08 am

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [١٣١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه قال لإبراهيم أسلم فقال أسلمت، إذن: فمطلوب الحق سبحانه وتعالى من عبده أن يسلم إليه، ولم يقل الحق أسلم إِليّ، لأنها مفهومة، ولم يقل أسلم لربك؛ لأن الإسلام لا يكون إلا لله.     

لأنه هو سبحانه المأمون علينا، على أن إبراهيم عليه السلام قال في رده: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ} [البقرة: 131].     

ومعنى ذلك أنه لن يكون وحده في الكون.     

لأنه إذا أسلم لله الذي سخر له ما في السماوات والأرض، يكون قد انسجم مع الكون المخلوق من الله للإنسان، ومَنْ أكثرُ نضجاً في العقل ممن يُسلم وجهه لله سبحانه، لأنه يكون بذلك قد أسلمه إلى عزيز حكيم قوي لا يُقْهر، قادر لا تنتهي قدرته، غالب لا يُغْلب، رزاق لا يأتي الرزق إلا منه.     

فكأنه أسلم وجهه للخير كله.     

والدين -عند الله سبحانه وتعالى منذ عهد آدم إلى يوم القيامة- هو إسلام الوجه لله.

ولماذا الوجه؟

لأن الوجه أشرف شيء في الإنسان يعتز به ويعتبره سمة من سمات كرامته وعزته، ولذلك فنحن حين نريد منتهى الخضوع لله في الصلاة نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض، وهذا منتهى الخشوع والخضوع أن تضع أشرف ما فيك وهو وجهك على الأرض إعلاناً لخضوعك لله سبحانه وتعالى والله جل جلاله يريد من الإنسان أن يسلم قيادته لله، بأن يجعل اختياراته في الدنيا لما يريده الله تبارك وتعالى، فإذا تحدث لا يكذب، لأن الله يحب الصدق، وإذا كُلِّفَ بشيء يفعله؛ لأن التكليف في صالحنا ولا يستفيد الله منه شيئاً، وإذا قال الله تعالى تَصَدَّقْ بمالك أسرع يتصدق بماله لِيُرَدَّ له أضعافاً مضاعفة في الآخرة وبقدرة الله.     

وهكذا نرى أن الخير كله للإنسان هو أن يجعل مراداته في الحياة الدنيا طبقاً لما أراده الله، وفي هذه الحالة يكون قد انسجم مع الكون كله وتجد أن الكون يخدمه ويعطيه وهو سعيد.     

أما من يُسْلِمُ وجهه لغير الله فقد اعتمد على قوِيّ يمكن أن يَضْعُفَ، وعلى غني يمكن أن يفتقر، وعلى موجود يمكن أن يموت ويصبح لا وجود له، ولذلك فهو في هذه الحالة يتصف بالسفاهة لأنه اعتمد على الضار وترك النافع.



سورة البقرة: الآيات من 131-140 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 09 ديسمبر 2019, 11:12 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 131-140 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 131-140   سورة البقرة: الآيات من 131-140 Emptyالأربعاء 03 أبريل 2019, 2:10 am

وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [١٣٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

عندما تقرأ كلمة "وَصَّى" فاعلم أن الوصية تأتي لحمل الإنسان على شيء نافع في آخر وقت لك في الدنيا؛ لأن آخر ساعات الإنسان في الدنيا إن كان قد عاش فيها يغش الناس جميعاً فساعة يحتضر لا يغش نفسه أبداً ولا يغش أحداً من الناس لماذا؟ لأنه يحس أنه مقبل على الله سبحانه فيقول كلمة الحق.     

النصح أو الوصية هي عظة تحب أن يستمسك بها من تنصحه، وتقولها له مخلصاً في آخر لحظة من لحظات حياته، ولذلك سيأتي الله سبحانه وتعالى ليبين لنا ذلك في قوله: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي } [البقرة: 133].     

وهكذا يريد الله سبحانه أن يبين لنا أن الوصية دائماً تكون لمن تحب، وأن حب الإنسان لأولاده أكيد سواء أكان هذا الإنسان مؤمناً أم كافراً، ونحن لا نتمنى أن يكون في الدنيا من هو أحسن منا إلا أبناؤنا ونعمل على ذلك ليكون لهم الخير كله.     

وصّى إبراهيم بنيه، ويعقوب وصى بنيه، وكانت الوصية {يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ} [البقرة: 132] إذن: فالوصية لم تكن أمراً من عند إبراهيم ولا أمرا من عند يعقوب.     

ولكن كانت أمراً اختاره الله للناس فلم يجد إبراهيم ولا يعقوب أن يوصيا أولادهما إلا بما اختاره الله، فكأن إبراهيم ائتمن الله على نفسه فنفذ التكاليف وائتمنه على أولاده فأراد منهم أن يتمسكوا بما اختاره لهم الله.     

قوله تعالى: {وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ،} [البقرة: 132]، إبراهيم هو الأب الكبير وابنه إسحاق وابن إسحاق يعقوب، ويعقوب هو الأب المباشر لليهود، ويعقوب وصاهم كما يروي لنا القرآن الكريم: {يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 132].     

أنت لا تنهى إنساناً عن أمر إلا إذا كان في إمكانه أن يتجنبه، ولا تأمره به إلا إذا كان في إمكانه أن ينفذه، فهل يملك أولاد يعقوب أن يموتوا وهم مسلمون؟

والموت لا يملكه أحد، إنه يأتي في أي وقت فجأة، ولكن ما دام يعقوب قد وصى بنيه: {لاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 132] فالمعنى لا تفارقوا الإسلام لحظة حتى لا يفاجئكم الموت إلا وأنتم مسلمون.     

والله سبحانه وتعالى أخفى موعد الموت ومكانه وسببه، ليكون هذا إعلاماً به ويتوقعه الناس في أي سن وفي أي مكان وفي أي زمان، ولذلك قد نلتمس العافية في أشياء يكون الموت فيها.

والشاعر يقول:
إن نـام عنـك فـكـل طـب نـافـع أو لم يـنـم فالـطـب مـن أسبـابـه

أي إن لم يكن قد جاء الأجل، فالطب ينفعك ويكون من أسباب الشفاء، أما إذا جاء الأجل فيكون الطب سبباً في الموت، كأن تذهب لإجراء عملية جراحية فتكون سبب موتك، فالإنسان لابد أن يتمسك بالإسلام وبالمنهج ولا يغفل عنه أبداً، حتى لا يأتيه الموت في غفلته فيموت غير مسلم، والعياذ بالله.



سورة البقرة: الآيات من 131-140 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 131-140 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 131-140   سورة البقرة: الآيات من 131-140 Emptyالأربعاء 03 أبريل 2019, 2:13 am

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [١٣٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذا خطاب من يعقوب ينطبق ويمس اليهود المعاصرين لنزول القرآن الكريم، يعقوب قال لأبنائه ماذا تعبدون من بعدي: {قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]..     

هذا إقرار من الأسباط أبناء يعقوب بأنهم مسلمون وأن آباءهم مسلمون، وتأمل دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: {نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ،} [البقرة: 133]، فكأنه لم يحدث بعد موت إبراهيم وحين كان يعقوب يموت لم يحدث أن تغير المعبود وهو الله سبحانه وتعالى الواحد، ولذلك قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: {إِلَـٰهاً وَاحِداً} [البقرة: 133]، وسنأخذ من هذه الآية لقطة تفيدنا في أشياء كثيرة لأن القرآن سيتعرض في قصة إبراهيم أنه تحدث مع أبيه في شئون العقيدة، فقال كما يروي لنا القرآن الكريم: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 74].     

ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلالة إسماعيل ابن إبراهيم، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: أنا سيد ولد آدم).

فإذا كان آزرُ أبو إبراهيم كافراً وعابداً للأصنام، فكيف تصح سلسلة النسب الشريف؟ نقول إنه لو أن القرآن قال "وإذ قال إبراهيم لأبيه" وسكت لكان المعنى أن المخاطب هو أبو إبراهيم، ولكن قول الله: "لأبيه آزر"، جاءت لحكمة.     

لأنه ساعة يذكر اسم الأب يكون ليس الأب ولكن العم، فأنت إذا دخلت منزلاً وقابلك أحد الأطفال تقول له هل أبوك موجود ولا تقول أبوك فلان لأنه معروف بحيث لن يخطئ الطفل فيه، ولكن إذا كنت تقصد العم فإنك تسأل الطفل هل أبوك فلان موجود؟ فأنت في هذه الحالة تقصد العم ولا تقصد الأب، لأن العم في منزلة الأب خصوصاً إذا كان الأب متوفياً.     

إذن قول الحق سبحانه وتعالى: "لأبيه آزر" بذكر الاسم فمعناه لعمه آزر، فإذا قال إنسان هل هناك دليل على ذلك؟ نقول نعم هناك دليل من القرآن في هذه الآية الكريمة: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ،} [البقرة: 133]، والآباء جمع أب، ثم حدد الله تبارك وتعالى الآباء، إبراهيم وهو الجد يطلق عليه أب، وإسماعيل وهو العم يطلق عليه أب وإسحاق وهو أبو يعقوب وجاء إسماعيل قبل إسحاق.     

إذن ففي هذه الآية جمع أب من ثلاثة هم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب الذي حضره الموت وهو ابن إسحاق، ولكن أولاد يعقوب لما خاطبوا أباهم قالوا آباءك ثم جاءوا بأسمائهم بالتحديد، وهم إبراهيم الجد وإسماعيل العم وإسحاق أبو يعقوب، وأطلقوا عليهم جميعاً لقب الأب، فكأن إسماعيل أطلق عليه الأب وهو العم وإبراهيم أُطلق عليه الأب وهو الجَد وإسحاق أُطلق عليه الأب وهو الأب، فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أشرف الناس حسباً ولا فخر).

يقول بعض الناس كيف ذلك ووالد إبراهيم كان غير مسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا سيد ولد آدم).

فإذا قال أحدهم كيف هذا وأبو إبراهيم عليه السلام كان مشركاً عابداً للأصنام، نقول له لم يكن آزر أبا لإبراهيم وإنما كان عمه، ولذلك قال القرآن الكريم "لأبيه آزر" وجاء بالاسم يريد به الأبوة غير الحقيقية، فأبوة إبراهيم وأبوة إسحاق معلومة لأولاد يعقوب، ولكن إسماعيل كان مقيماً في مكة بعيداً عنهم.

فلماذا جاء اسمه بين إبراهيم وإسحاق؟

نقول جاء بالترتيب الزمني لأن إسماعيل أكبر من إسحاق بأربعة عشر عاماً، وكونه وصف الثلاثة بأنهم آباء، إشارة لنا من الله سبحانه وتعالى أن لفظ الأب يُطلق على العم، والله تبارك وتعالى يريدنا أن نتنبه لمعنى كلمة آزر، ويريد أن يلفتنا أيضاً إلى أن تعدُّد البلاغ عن الله لا يعني تعدُّد الآلهة، لذلك قال سبحانه: {إِلَـٰهاً وَاحِداً} [البقرة: 133].



سورة البقرة: الآيات من 131-140 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 131-140 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 131-140   سورة البقرة: الآيات من 131-140 Emptyالأربعاء 03 أبريل 2019, 2:17 am

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١٣٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله تعالى: "خلت" أي انفردت.     

وخلا فلان بفلان أي انفرد به، وخلا المكان من نزيله أي أصبح المكان منفرداً، والنزيل منفرداً ولا علاقة لأحدهما بالآخر، الله تبارك وتعالى يقول: { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [البقرة: 14].     

أي انفردوا هم وشياطينهم ولم يعد في المكان غيرهم؛ ولقد قلنا إن كل حدث لابد أن يكون له مُحْدِثٌ، ولا حدث يوجد بذاته، وكل حدث يحتاج إلى زمان ويحتاج إلى مكان، فإذا قال الحق تبارك وتعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} فمعناه إنه انقضى زمانها وانفرد عن زمانكم.     

والمقصود بقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [البقرة: 134] أي انتهى زمانها، وتلك اسم إشارة لمؤنث مخاطب وأمة هي المشار إليه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولعامة المسلمين، والله سبحانه وتعالى حين يقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ} [البقرة: 134] فكأنها مميزة بوحدة عقيدتها ووحدة إيمانها حتى أصبحت شيئاً واحداً، ولذلك لابد أن يخاطبها بالوحدة، واقرأ قوله تعالى: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 92].     

وتلك هنا إشارة لأمة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، هم جماعة كثيرة لهم عقيدة واحدة.     

وقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134]، أي تلك جماعة على دين واحد تُحاسب عما فعلته كما ستحاسبون أنتم على ما فعلتم، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً، } [النحل: 120].     

وإبراهيم فرد وليس جماعة؟

نقول: نعم إن إبراهيم فرد، ولكن اجتمعت فيه من خصال الخير ومواهب الكمال ما لا يجتمع إلا في أمة.     

وقوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ} [البقرة: 134] يراد بها إفهام اليهود ألا ينسبوا أنفسهم إلى إبراهيم نسباً كاذباً؛ لأن نسب الأنبياء ليس نسباً دموياً أو جنسياً أو انتماء، وإنما نسب منهج واتباع، فكأن الحق يقول لليهود لن ينفعكم أن تكونوا من سلالة إبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب، لأن نسب النبوة هو نسب إيماني فيه اتباع للمنهج والعقيدة، ولا يشفع هذا النسب يوم القيامة لأن لكل واحد عمله.     

قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134]، الكسب يؤخذ على الخير والاكتساب يؤخذ في الشر لأن الشر فيه افتعال.     

إننا لابد أن نلتفت ونتنبه إلى آيات القرآن الكريم، حتى نستطيع أن نرد على أولئك الذين يحاولون الطعن في القرآن، فلا يوجد معنى لآية تهدمها آية أخرى ولكن يوجد عدم فَهْم.     

يأتي بعض المستشرقين ليقول هناك آية في القرآن تؤكد أن الله سبحانه وتعالى يعطي بالأنساب وذلك في قوله جل جلاله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ، } [الطور: 21].     

الأبناء مؤمنون، وقوله تعالى: "ألحقنا بهم ذريتهم" كلمة ألحقنا تأتي عندما تلحق ناقصاً بكامل، فإذا كان الاثنان مؤمنين فكأنك تزيد درجة الأبناء إكراماً لآبائهم المؤمنين، نقول إن الإيمان شيء والعمل بمقتضى الإيمان شيء آخر، الأب والذرية مؤمنون ولكن الآباء تفانوا في العمل والأبناء ربما قصروا قليلاً، ولكن هنا رفع درجة بالنسبة للمؤمنين، أي لابد أن يكون الأب والذرية مؤمنين، ولكن غير المؤمنين مبعدون ليس لهم علاقة بآبائهم انقطعت الصلة بينهم بسبب الإيمان والكفر، فالآباء لهم أعمال حسنة كثيرة، والأبناء لهم أعمال حسنة أقل، ينزل الله الأبناء في الجنة مع آبائهم لأن الإيمان واحد.

وقوله تعالى: "وما ألتناهم" أي أنقصناهم من عملهم من شيء، إذن فالآباء والذرية مأخوذون بإيمانهم، والله بفضله يلحق الأبناء بالآباء.

قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134]، هذه عملية الإيمان في العقيدة، قد يقول البعض إن الله تبارك وتعالى يقول: { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [الطور: 21].     

ويقول سبحانه: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39].     

فكيف يأخذ الأبناء جزاء بدون سعي؟

نقول افهموا النصوص جيداً.

قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} [النجم: 39] تحدد العدل ولكنها لا تحدد الفضل الذي يعطيه الله سبحانه لمن شاء من عباده، وهذا يعطي بلا حساب، ثم مَنْ الذي قال إن هذا ليس من سعيهم؟ إن إلحاق الأبناء المؤمنين بالمنزلة العالية لآبائهم تكريم لعمل الآباء وليس زيادة لعمل الأبناء.     

ولقد روى لنا العلماء أن ولداً كان مؤمناً طائعاً عابداً وأبوه كان مسرفاً على نفسه، فلما مات الأب حزن عليه ابنه، ولكنه رأى أن أباه جالس فوق رأسه ومعه واحدة من الحور العين تؤنسه، فتعجب الابن كيف ينال أبوه هذه المكافأة وقد كان مسرفاً على نفسه فسأله: كيف وصلت لهذه المنزلة؟

فقال الأب أي منزلة، قال الابن أن تكون معك واحدة من الحور العين، فقال الأب وهل فهمت أنها نعيم لي، قال الابن نعم، فقال الأب: لا، أنا عقوبة لها، الله سبحانه وتعالى يقول: { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58].     

إذن أنت في الآخرة ستفرح بفضل الله ورحمته أكثر من فرحك بعملك الصالح، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يُدْخِلَ الجنة أحداً عَمَلُه، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته).

ربما يأتي أحد ويقول الصلاة على الميت ما هو القصد الشرعي منها، إن كانت تفيده فستكون الفائدة زيادة على عمله، وإن لم تكن تعطيه أكثر من عمله فما فائدتها؟

نقول ما دام الشرع كلّفنا بها فلها فائدة.     

وهل تظن أن الصلاة على الميت ليست من عمله؟

هي داخلة في عمله لأنه مؤمن وإيمانه هو الذي دفعك للصلاة عليه، والذي تدعو له بالخير وبالرحمة وبالمغفرة ويتقبلها الله.

أيُقال إنه أخذ غير عمله؟

لا إنك لم تدع له إلا بعد أن أصابك الخير منه، ولكنك لا تدعو مثلاً لإنسان أخذ بيدك إلى خمَّارة أو إلى فاحشة أو إلى منكر، بل تدعو لمن أعطاك خيراً فإن استجاب الله لك فهو من عمله.     

الله سبحانه وتعالى يقول إن ما كان يعمله من سبقكم من الأمم لا تُسْأَلون عنه، وإن كنتم تَدَّعون إن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً نقول لكم أنتم لن تُسْألوا عما كان يعمل إبراهيم ولكن عليكم أنفسكم، السؤال يكون عن عملكم.



سورة البقرة: الآيات من 131-140 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 131-140 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 131-140   سورة البقرة: الآيات من 131-140 Emptyالأربعاء 03 أبريل 2019, 2:19 am

وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [١٣٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

عندما تأتي -قالوا- فمعناها أن الذين قالوا جماعة، الذين قالوا هم اليهود والنصارى.     

ولكن كلا منهم قال قولاً مختلفاً عن الآخر، قالت اليهود كونوا هوداً.

وقالت النصارى كونوا نصارى..     

ونحن عندنا عناصر ثلاثة: اليهود والنصارى والمشركون.     

ويقابل كل هؤلاء المؤمنون، {وَقَالُواْ كُونُواْ} [البقرة: 135].

مَنْ المقصود بالخطاب؟

المؤمنين، أو قد يكون المعنى وقالت اليهود للمؤمنين والمشركين والنصارى كونوا هوداً، وقالت النصارى لليهود والمشركين والمؤمنين كونوا نصارى، لأن كل واحد منهما لا يرى الخير إلا في نفسه، ولكن الإسلام جاء وأخذ من اليهودية موسى وتوراته الصحيحة، وأخذ من المسيحية عيسى وإنجيله الصحيح، وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.     

ومعنى ذلك أن الإسلام أخذ وحدة الصفقة الإيمانية المعقودة بين الله سبحانه وبين كل مؤمن، ولذلك تجد في القرآن الكريم قوله تعالى: { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ، } [البقرة: 285].     

ونلاحظ أن المشركين لم يدخلوا في القول لأنهم ليسوا أهل كتاب.     

قوله تعالى: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [البقرة: 135]، أي رد عليهم، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنني سأكون تابعاً لدين إبراهيم وهو الحنيفية، وهم لا يمكن أن يخالفوا في إبراهيم فاليهود اعتبروه نبياً من أنبيائهم، والنصارى اعتبروه نبياً من أنبيائهم ولم ينفوا عنه النبوة ولكن كلا منهم أراد أن ينسبه لنفسه.     

ما معنى حنيفاً؟

إن الاشتقاقات اللفظية لابد أن يكون لها علاقة بالمعنى اللغوي، الحنف ميل في القدمين أن تميل قدم إلى أخرى، هو تقوس في القدمين فتميل القدم اليمنى إلى اليسار أو اليسرى إلى اليمين هذا هو الحنف.

ولكن كيف يؤتي بلفظ يدل على العوج ويجعله رمزاً للصراط المستقيم؟.     

لقد قلنا إن الرسل لا يأتون إلا عندما تعم الغفلة منهج الله، لأنه ما دام وجد من أتباع الرسول من يدعو إلى منهجه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يكون هناك خير.     

النفس البشرية لها ألوان، فهناك النفس اللوامة تصنع شراً مرة فيأتي من داخل النفس ما يستنكر هذا الشر فتعود إلى الخير، ولكن هناك النفس الأمارة بالسوء وهي التي لا تعيش إلا في الشر تأمر به وتغري الآخرين بفعله، إذا فسد المجتمع وأصبحت النفوس أمارة بالسوء ينطبق عليها قول الحق سبحانه: { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ، } [المائدة: 79].     

تتدخل السماء برسول يعالج اعوجاج المجتمع، ولكن الله تبارك وتعالى وضع عنصر الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.     

قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [آل عمران: 110].     

إذن فقد ائتمن الله تبارك وتعالى أمة محمد على المنهج، وما دام فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلن يأتي رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم.     

نعود إلى قوله تعالى حنيفاً، قلنا إن الحنف هو الاعوجاج، ونقول إن الاعوجاج عن المعوج اعتدال، والرسل لا يأتون إلا بعد اعوجاج كامل في المجتمع، ليصرفوا الناس عن الاعوجاج القائم فيميلون إلى الاعتدال، لأن مخالفة الاعوجاج اعتدال، وقوله تعالى: "حنيفاً" تذكرنا بنعمة الله على الوجود كله لأنه يصحح غفلة البشر عن منهج الله ويأخذ الناس من الاعوجاج الموجود إلى الاعتدال، والهداية عند اليهود والنصارى مفهومها تحقيق شهوات نفوسهم لأن بشراً يهدي بشراً، والله سبحانه وتعالى قال: {وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ،} [البقرة: 120].     

ولقد تعايش رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مع اليهود ولكنهم حاربوه ولم يرضوا عنه، وإبراهيم عليه السلام كان مؤمناً حقاً ولم يكن مشركاً.


قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [١٣٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه الآية الكريمة تعطينا تفسيراً لقوله تعالى: { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } [البقرة: 135]، إيمان بالله وحده لا شريك له، إيمان بما أنزل إلينا وهو القرآن وما أنزل لإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى أي التوراة وما أوتي عيسى أي الإنجيل وما أوتي النبيون بالإجمال، فالبلاغ الصحيح عن الله منذ عهد آدم حتى الآن هو وحدة العقيدة بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ووحدة الكون بأن الله هو الخالق وهو المدبر وكل شيء يخرج عن الألوهية لله الواحد الأحد، وأن كل شيء يخرج عن ذلك يكون من تحريف الديانات السابقة هو افتراء على الله سبحانه لا نقبله.    

قوله تعالى: {قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] وهو القرآن الكريم.    

ولا يمكن أن يعطف عليه ما يصطدم معه، ولذلك فإن ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط هذه ملة إبراهيم، وهذا يؤكد لنا أن ملة إبراهيم من وحي الله إليه، والرسالات كلها كما قلنا تدعو لعبادة الله الواحد الأحد الذي لا شريك له.    

وقوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، أي أن إبراهيم كان مسلماً وكل الأنبياء كانوا مسلمين وكل ما يخالف ذلك من صنع البشر، ومعنى الإسلام أن هناك مسلماً ومسلماً إليه هو الله عز وجل.    

ونحن نسلم له في العبودية -سبحانه- وفي اتباع منهجه، والإنسان لا يسلم وجهه إلا لمن هو أقدر منه وأعلم منه وأقوى منه ولمن لا هوى له، فإن تشككت في أحد العناصر فإسلامك ليس حقيقة وإنما تخيل، وأنت لا تسلم زمامك لله سبحانه وتعالى إلا وأنت متأكد أن قدراته سبحانه فوق قدرات المخلوقين جميعاً، وأنه سبحانه غني عن العالمين، ولذلك فإنه غير محتاج إلى ما في يدك بل هو يعطيك جل جلاله من الخير والنعم ولا يوجد إلا الوجود الأعلى لتسلم وجهك له.

فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [١٣٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نقول إن السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة لهذه الآية، هل لِما آمنا به مثل حتى يؤمنوا به؟

إنك لكي تؤمن لابد أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.

فهل إذا قالها أحدٌ بعدك يكون قال ما قلته أم مثل ما قلته؟

يكون قال مثل ما قلت.    

أي إنني حين أعلن إيماني وآخذ الشهادة التي قلتها أنت أكون قد قلت مثلها لأن ما نطقت به لا يفارقك أنت، ولكني إذا صنعت شيئاً وقلت لغيري اصنع مثله، هو سيصنع شيئاً جديداً ولن يصنع ما صنعته أنا.

نفس الشيء حين تقول لي: تصدق بمثل ما تصدق به فلان، لن تكون الصدقة هي نفس المال بل تكون مثله.    

نقول لمن يردد هذا الكلام: إنك لم تفهم المعنى إيمانهم أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإيمان غيرهم أن يقولوا مثل هذه العبارة أي أن يعلنوا إيمانهم مثلنا بالله ورسوله، فالمثل هنا يرتبط بالشهادة وكل من آمن بالإسلام نطق بالشهادتين مثل من سبقوه في الإيمان.    

فالمثلية هنا في العبارة وإيمانهم هو أن يقولوا مثل ما قلنا.    

يقول الحق تبارك وتعالى: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ} [البقرة: 137] أي اهتدوا إلى الحق، {وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: 137] وتولوا يعني أعرضوا.    

وشقاق يعني خلافاً معكم وخلافاً مع بعضهم البعض؛ فلكل منهم وجهة نظر يدعيها، وهداية اخترعها، حتى إذا التقوا في الكفر فلن يلتقوا في أسباب الكفر كل واحد اتخذ سبباً ولذلك اختلفوا، والشقاق من المشقة والنزاع والمشاجرة، والشق هو الفرقة بين شيئين.    

وقوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ} [البقرة: 137] أي لا تلتفت إلى معاركهم ولا إلى حوارهم فالله يكفيك بكل الوسائل عمن سواه واقرأ قوله سبحانه: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } [الزمر: 36].    

الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا حاول اليهود والنصارى والمنافقون أن يكيدوا لك ويؤذوك والمؤمنين، فالله سبحانه وتعالى يكفيك لأنه عليم سميع بصير لا يخفى عليه شيء، ولقد حاول اليهود قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة وحاولوا إيذاءه بالسحر فأبطل الله كيدهم وأظهر ما خفي منه وأطلع رسوله عليه، فمهما استخدموا من وسائل ظاهرة أو خفية فسيكفيك الله شرها ولذلك قال تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} [البقرة: 137]، أي سميع بما يقال، عليم بما يدبرونه.    

بل يعلم ما في صدورهم قبل أن ينطقوا به، فلا تعتقد أن شيئاً يفوت على الله سبحانه أو يفلت منه.    

إن كل حركة قبل أن تحدث يعلمها سبحانه، وكل كيد قبل أن يتم هو محبطه.    

فإذا كان الله سبحانه وتعالى معك فماذا تخشى؟ وممن تخاف؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يصل إليك؟.    

وأنت معك خالق هذا الكون ومدبره الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض، عليم بكل ما سيحدث حتى يوم القيامة وبعد يوم القيامة، وما دام معك القوي الذي لا يضعف أبداً والحي الذي لا يموت أبداً والعليم بكل شيء فلا تخشى أحداً لأنك في أمان الله سبحانه.

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [١٣٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ما هي الصبغة؟

الصبغة هي إدخال لون على شيء بحيث يغيره بلون آخر، تصبغ الشيء أحمر أو أزرق أو أي لون تختاره.    

والصبغ ينفذ في المصبوغ خاصة إذا كان المصبوغ له شعيرات مسام كالقطن أو الصوف، ولذلك فإن الألياف الصناعية لا يمكن أن تصبغ لماذا؟ لأن شعرة القطن أو الصوف أشبه بالأنبوبة في تركيبها.    

وإذا جئنا بقنديل من الزيت ووضعنا فيه فتيلاً من القطن بحيث يكون رأس الفتيل في الزيت ثم تشعله من أعلاه نجد أن الزيت يسري في الأنابيب ويشعل الفتيل، فإذا جربنا هذا في الألياف الصناعية فلا يمكن أن يسري فيها الزيت وإنما النار تأكل الألياف لأنه ليس فيها أنابيب شعرية كالقطن والصوف، ولذلك تجد الألياف الصناعية سهلة في الغسيل لأن العرق لا يدخل في مسامها بينما الملابس القطنية تحتاج لجهد كبير لأن مسامها مشبعة بالعرق والتراب.    

إذن الصبغة لابد أن تتدخل مادتها في مسام القماش، أما الطلاء فهو مختلف.    

إنه طبقة خارجية تستطيع أن تزيلها، ولذلك فإن الذين يفتون في طلاء الأظافر بالنسبة للسيدات ويقولون إنه مثل الحناء نقول لهم لا، الحناء صبغة تتخلل المادة الحية وتبقى حتى يذهب الجلد بها أي لا تستطيع أن تزيلها عندما تريد، ولكن الطلاء يمكن أن تزيله في أي وقت ولو بعد إتمامه بلحظات، إذن فطلاء الأظافر ليس صبغة.    

قوله سبحانه: {صِبْغَةَ ٱللَّهِ} [البقرة: 138] فكأن الإيمان بالله وملة إبراهيم وما أنزل الله على رسله هي الصبغة الإلهية التي تتغلغل في الجسد البشري.

ولماذا كلمة صبغة؟

حتى نعرف أن الإيمان يتخلل جسدك كله، إنه ليس صبغة من خارج جسمك ولكنها صبغة جعلها الله في خلايا القلب موجودة فيه ساعة الخلق، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

فكأن الإيمان صبغة موجودة بالفطرة، إنها صبغة الله، فإن كان أبواه مسلمين ظل على الفطرة.    

وإن كان أبواه من اليهود أو النصارى يهودانه أو ينصرانه أي يأخذانه ويضعانه في ماء ويقولون صبغناه بماء المعمودية، هذا هو معنى صبغة الله.    

ويريد الحق سبحانه أن يبين لنا ذلك بأن يجعل من آيات قدرته اختلاف ألواننا، هذا الاختلاف في اللون من صبغة الله، اختلاف ألوان البشر ليس طلاء وإنما في ذات التكوين، فيكون هذا أبيض وهذا أسمر وهذا أصفر وهذا أحمر، هذه هي صبغة الله، وما يفعلونه من تعميد للطفل لا يعطي صبغة.    

لأن الإيمان والدين لا يأتي من خارج الإنسان وإنما يأتي من داخله، ولذلك فإن الإيمان يهز كل أعضاء الجسد البشري.    

واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [الزمر: 23].    

هذا هو التأثير الذي يضعه الله في القلوب، أمر داخلي وليس خارجيا، أما إيمان غير المسلمين فهو طلاء خارجي وليس صبغة لأنهم تركوا صبغة الله، ونقول لهم: لا.    

هذا الطلاء من عندكم أنتم، أما ديننا فهو صبغة الله، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً،} [البقرة: 138]، استفهام لا يمكن أن يكذبوه ولكن الجواب يأتي على وفق ما يريده السائل سبحانه من أنه لا يوجد من هو أحسن من الله صبغة.    

وقوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} [البقرة: 138] أي مطيعون لأوامره والعابد هو من يطيع أوامر الله ويجتنب ما نهى عنه.    

والأوامر دائماً تأتي بأمر فيه مشقة يطلب منك أن تفعله والنهي يأتي عن أمر محبب إلى نفسك هناك مشقة أن تتركه، ذلك أن الإنسان يريد النفع العاجل، النفع السطحي، والله سبحانه وتعالى يوجهنا إلى النفع الحقيقي، النفع العاجل يعطيك لذة عاجلة ويمنحك نعيماً دائماً في الآخرة وتمتعاً بقدرات الله سبحانه وتعالى، وأنت حين تسمع المؤذن ولا تقوم للصلاة لأنها ثقيلة على نفسك قد أعطيت نفسك لذة عاجلة كأن تشغل نفسك بالحديث مع شخص أو بلعب الطاولة أو بغير ذلك، وتترك ذلك النفع الحقيقي الذي يقودك إلى الجنة، ولذلك قال الله سبحانه: { إِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ، } [البقرة: 45-46].    

إذن العبادة أمر ونهي، أمر يشق على نفسك فتستثقله، ونهي عن شيء محبب إلى نفسك يعطيك لذة عاجلة ولذلك تريد أن تفعله، إذن فقوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} [البقرة: 138]، أي مطيعون لأوامره لأننا آمنا بالآمر إلهاً ورباً يعبد، فإذا آمنت حبَّب الله إليك فعل الأشياء التي كنت تستثقلها وسهل عليك الامتناع عن الأشياء التي تحبها لأنها تعطيك لذة عاجلة، هذه هي صبغة الله التي تعطينا العبادة، واقرأ قوله تبارك وتعالى: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } [الحجرات: 7].    

وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى بصبغة الإيمان يحبب إلينا الخير ويجعلنا نبغض الشر، لا عن رياء ونفاق خارج النفس كالطلاء ولكن كالصبغة التي تتخلل الشيء وتصبح هي وهو شيئاً واحداً لا يفترقان.

قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ [١٣٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تحديد الأمر بِقُلْ إيقاظ لمهمة التكليف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى حين يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام -قل- كان يكفي أن يقول ما يريده سبحانه، فأنت إذا قلت لابنك اذهب إلى أخيك وقل له أبوك يأمرك بكذا فيذهب الولد ويقول هذا الكلام دون أن يقول كلمة قل، ولكن خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بكلمة قل تلفتنا إلى أن هذا الأمر ليس من عنده ولكنه من عند الله سبحانه، ومهمة الرسول هي البلاغ.    

إن تكرار كلمة "قل" في الآيات هي نسبة الكلام المقول إلى عظمة قائله الأول وهو الله تبارك وتعالى، فالكلام ليس من عند رسول الله ولكن قائله هو الله جل جلاله.    

قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} [البقرة: 139]، المحاجة معناها حوار بالحجة، كل من المتحاورين يأتي بالحجة التي تؤيد رأيه أو وجهة نظره، وإذا قرأت قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ،} [البقرة: 258].    

أي قال كل منهما حجته، ولابد أن يكونا خصمين كل منهما يعاند رأيه الرأي الآخر وكل يحاول أن يأتي بالحجة التي تثبت صدق كلامه فيرد عليه خصمه بالحجة التي تهدم هذا الكلام وهكذا.    

قوله تعالى: {أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} [البقرة: 139]، وما دام الله رب الجميع كان من المنطق أن نلتقي لأنه ربي وربكم حظنا منه سواء، ولكن ما دامت قد قامت الحجة بيننا فأحدنا على باطل، واقرأ قوله سبحانه: {وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 16].    

والمحاجة لا يمكن أن تقوم بين حق وحق وإنما تقوم بين حق وباطل وبين باطل وباطل، لأن هناك حقاً واحداً ولكن هناك مائة طريق إلى الباطل، فما دامت المحاجة قد قامت بيننا وبينكم ونحن على حق فلابد أنكم على باطل، وليحسم الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة ويمنع الجدل والجدال قال سبحانه: {وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [البقرة: 139].

أي لا نريد جدلاً لأن الجدل لن يفيد شيئاً، نحن لنا أعمالنا وأنتم لكم أعمالكم وكل عمل سيجازى صاحبه عليه بمدى إخلاصه لله، ونحن أخلصنا العبادة لله وحدة وأنتم اتجهتم بعبادتكم إلى ما تحبه أهواؤكم.    

إن الله سبحانه وتعالى الذي هو ربنا وربكم لا يفضل أحداً على أحد إلا بالعمل الصالح المخلص لوجه الله، ولذلك فنحن نضع الإخلاص أولاً وقد يكون العمل واحداً أمام الناس، هذا يأخذ به ثواباً وذلك يأخذ به وزراً وعذاباً فالمهم هو أن يكون العمل خالصاً لله.    

قد يقول إنسان إن الإخلاص في العمل والعمل مكانه القلب، وما دام الإنسان لا يؤذي أحداً ولا يفعل منكراً فليس من الضروري أن يصلي ما دامت النية خالصة، نقول إن المسألة ليست نيات فقط ولكنها أعمال ونيات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات).    

فلابد من عمل بعد النية، لأن النية تنتفع بها وحدك والعمل يعود على الناس، فإذا كان في نيتك أن تتصدق وتصدقت انتفع الفقراء بمالك، ولكن إذا لم يكن في نيتك فعل الخير وفعلته لتحصل على سمعة أو لترضي بشراً انتفع الفقراء بمالك ولن تنتفع أنت بثواب هذا المال، والله سبحانه وتعالى يريد أن يقترن عملك بنية الإخلاص لله، والعمل حركة في الحياة.     

والنية هي التي تعطي الثواب لصاحبه أو تمنع عنه الثواب ولذلك يقول الله جل جلاله: { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].    

فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتصدق، والفقير سينتفع بالصدقة سواء كانت نيتك أن يقال عنك رجل الخير المتصدق، أو أن يقال عنك رجل البر والتقوى أو أن تخفي صدقتك، فالعمل يُفْعل فينتفع به الناس سواء أردت أم لم ترد.    

أنت إذا قررت أن تبني عمارة، النية هنا هي التملك.     

ولكن انتفع ألوف الناس بهذا العمل ابتداء من الذي باع لك قطعة الأرض والذي أعد لك الرسم الهندسي وعمال الحفر والذي وضع الأساس ومن قام بالبناء وغيرهم وغيرهم، هؤلاء انتفعوا من عملك برزق لهم، سواء أكان في بالك الله أم لم يكن في بالك الله فقد انتفعوا.     

إذن فكل عمل فيه نفع للناس أردت أو لم ترد، ولكن الله لا يجزي على الأعمال بإطلاقها وإنما يجزي على النيات بإخلاصها، فإن كان عملك خالصاً لله جزاك الله عليه، وإن كان عملك لهدف آخر فلا جزاء لك عند الله لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك.    

 إن الذين يتعجبون من أن إنساناً كافراً قدم كشفاً هاماً للبشرية، ولكنه لم يكن مؤمناً بالله، يتعجبون أيعذب في النار؟ نقول نعم لأنه عمل وليس في قلبه الله، ولذلك يجازى في الحياة الدنيا، فتقام له التماثيل ويطلق اسمه على الميادين ويخلد اسمه في الدنيا التي عمل من أجلها، ولكن ما دام ليس في نيته الله فلا جزاء له عند الله.  

أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [١٤٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

اليهود والنصارى ادعوا أن الأنبياء السابقين لموسى وعيسى كانوا يهوداً أو نصارى.     

فاليهود ادعوا أنهم كانوا يهوداً، والنصارى ادعوا أنهم كانوا نصارى، الله سبحانه وتعالى يرد عليهم بقوله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ} [البقرة: 140].    

والسؤال هنا لا يوجد له إلا رد واحد؛ لأنهم لن يستطيعوا أن يقولوا نحن أعلم من الله، وقلنا إنه إذا طرح سؤال في القرآن الكريم فلابد أن يكون جوابه مؤيداً بما يريده الحق سبحانه وتعالى ولا يوجد له إلا جواب واحد، ولذلك فإن قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ} [البقرة: 140] والله لاشك أعلم وهذا واقع.     

إذن فكأن الله بالسؤال قد أخبر عن القضية، ولكن يلاحظ في هذه الآية الكريمة ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وفي ذكر إسماعيل دائماً مع إسحاق ويعقوب يدل على وحدة البلاغ الإيماني عن الله؛ لأن إسماعيل كان في أمَّة العرب وإسحاق ويعقوب كانا في بني إسرائيل.    

 والحق سبحانه وتعالى يتحدث عن وحدة المصدر الإيماني لخلقه؛ لأنه لا علاقة أن يكون إسماعيل للعرب وإسحاق لغير العرب بوحدة المنهج الإلهي.     

ولذلك تقرأ قول الحق تعالى: {قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].    

والله الذي بعث إسماعيل هو الله الذي بعث إسحاق إله واحد أحد، وما دام الإله واحداً فالمنهج الإيماني لابد أن يكون واحداً، فإذا حدث خلاف فالخلاف من البشر الذين يحرفون المنهج ليحققوا شهوات ومكاسب لهم، وكل نفس لها ما كسبت فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يضيف إليكم شيئاً في الآخرة، إن كانوا مؤمنين فلن ينفعكم أن تكفروا وأن تقولوا نحن ننتسب إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، وإن كانوا غير ذلك فلا يضركم شيئاً.



سورة البقرة: الآيات من 131-140 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة البقرة: الآيات من 131-140
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة: الآيات من 16-20
» سورة البقرة: الآيات من 116-120
» سورة البقرة: الآيات من 191-195
» سورة البقرة: الآيات من 271-280
» سورة البقرة: الآيات من 06-10

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: البقرة-
انتقل الى: