الوطنيـــة والوطــــن أمان وأمن
مـحـمــد بن فنخـــــور العبــــدلي
غفر الله له ولوالديـه وللمسلمين
الوطنية والوطن أمان وأمن Ce-aia10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار بنهجهم إلى يوم الدين.

وبعد:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ظنّوا عليّ كرام.

قال أحدهم:
الوطنية شعور بالانتماء بالقول والعمل للجماعة والوطن, فالوطني هو الذي يقدم المصالح العامة على مصالحه الفردية, أو يرعاهما معا, يعني الإحساس بهموم الآخرين، والعمل على تحقيق مصالح الناس, والانشغال بهمومهم, وحل قضاياهم, والدفاع عنهم ضد أي عدوان خارجي, ومن ثم فإن التأصيل الشرعي للوطنية يتمثل في دعوة الإسلام للاهتمام بمصالح المسلمين, وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

الأحد الثاني عشر من شهر محرم من العام 1440هـ سوف يصادف يوماً جميلاً ألا وهو توحيد هذه البلاد وجَعْلِها تحت حُكْمٍ واحد، بعد أن كانت قبائل متناحرة، وعصابات متقاتلة، الحاج لا يأمن على نفسه إن أراد الحج، وطالب الرزق لا يأمن على نفسه إن أراد طلب رزقه، والمسافر لا يأمن على نفسه إن أراد السفر، فقد كانت هذه البلاد لا تعرف للأمن اسماً، فقيض الله لهذه البلاد المقدسة بقدسية حرميها المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز طيَّب الله ثراه فجعلها كيانا واحدا، وقبيلة واحدة، وأرضاً واحدة، أخذ ذلك منه وقتاً وجهداً ومالاً وأَنْفُساً كثيرة، فتغير اتجاه الناس من القتل والنهب والتناحر، إلى البناء والتطوير والإنتاج، فأصبحت أيادي الأمس المتقاطعة، اليوم متصافحة تسعى لرقي هذا البلد وأهله.

عباد الله:
إن الإنسان بلا وطن هو كيان بلا روح، والإنسان بلا وطن هو جسد بلا إحساس، إن الفاقد للوطن هو بالضرورة فاقد للأمن والاستقرار، والفاقد للأمن والاستقرار لابد أنه فاقد للاطمئنان، الوطن بلا أمن واستقرار هو غابــة يعيش فيــها القـوي، ويهان فيها الضعيف، كما كان سالف هذه البلاد، ونحمد الله على الأمن الذي نعيشه في بلادنا أدام الله أمنها واستقرارها، فأين المرجفون الإرهابيون المنتحرون من نعمة الأمن التي هم الآن يفتقدونها.

حب الوطن:
كحب النفس، والمال، لأن الحب بشكل عام غريزة بشرية لا يمكن أن ننفك عنها، قال أحدهم: سمعت أعرابياً يقول: (إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه)، وقيل ثلاث خصال في ثلاث أصناف من الحيوان: الإبل تحن إلى أوطانها، وإن كان عهدها بها بعيداً، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدباً، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعاً، ولما أشتاق النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة محل مولده ومنشئه أنزل الله عليه (إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد) أي إلى مكة، وفي الأثر قَدِم أُصيل الغفاري على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقالت له عائشة كيف تركت مكة؟ قال: أخضرت جنباتها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق أذخرها، وانتشر سلمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك يا أُصيل لا تُحْزٍّنْي)، لاحظوا اشتياق النبي صلى الله عليه وسلم إليها فهي موطنه الأول، فألفة الموطن الأول، والحنين إليه، مركوزة في الفطر.

وإليه يشير قول الشاعر:
وكم من منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل.

جاءت في عصورنا المتأخرة وطنية مقيتة، وطنية لا تنظر إلى المسلمين نظرةً شاملة بل وطنية حزبية تريد أن تقسم الأمة إلى أمم، فأصبحنا نسمع بالأمتين العربية والإسلامية، وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل انقسمت كل أمة على نفسها فإذا بالأمة العربية أصبحت أمماً على عدد دولهم، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ولكنه شد وامتد حتى أطلت الإقليمية في البلد الواحد، فهذه وطنية مقيتة مغلفة مبنية على الحزبية أو القبلية أو الفكرية أو ما شذ من الآراء والأفكار المدمرة، فنحمد الله أن وطنيتنا في بلدنا هذا ومنذ أن أسسها الملك عبد العزيز رحمه الله ومن بعده أبنائه رحم الله من مات ووفق من بقي منهم: مبنية على طاعة الله عز وجل وحبه، ونشر الدين الصحيح السليم من خلال الدعوة إلى الله، ومن خلال المناهج العلمية المبنية على أسس شرعية سليمة، فالحمد لله وطنية بلادنا، كوطنية السلف الصالح لربهم ودينهم وبلدهم الإسلامي، ونريد لوطنيتنا ولبلدنا المسلم أن تبقى مادامت السماوات والأرض.

الوطنية لها مفهوم شرعي، ولها مفهوم وثني، فالمفهوم الشرعي هو حب الانتماء، والدفاع عن الأملاك، والأوطان، فهذا أمر مشروع وهذا نهج بلادنا والحمد لله.

الوطنية ليست شعارات، أو احتفالات، أو تهاني، أو تبريكات، أو لوحات، أو ملصقات، أو منشورات، الوطنية أكبر وأعظم وأجل من ذلك، فالوطنية الحقيقية هي حب الخير للوطن وأهله، والعمل على إيجاد هذا الخير والمحافظة عليه، والعمل على دوامه واستمراره، الوطنية شعور بالانتماء لهذه الأرض، وهذا المجتمع الذي نعيش فيه, وبذل كل ما هو غالي ونفيس للدفاع عن أرضه، وتقديم كل ما هو مفيد للدين والوطن، الوطنية تكون بتربية الأبناء تربية صالحة حتى يكونوا أفراداً نافعين لدينهم ووطنهم، الوطنية تكون عن طريق المعلم الذي يقف بين طلابه يغرس فيهم حب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه والمحافظة على مقدراته، الوطنية تكون بالمحافظة على ثروات الوطن، الوطنية تكون من خلال الإنتاج والعمل بإخلاص وأمانة، وعدم التكاسل أو التلاعب أو التحايل، الوطنية تكون بتنمية مبدأ الشكر لله على نعمة الأمن الذي نعيشه، وعلى رغد العيش، وأن عدم الشكر مدعاة لزوال النعم، فالحمد لله على نعمة الأمن والإيمان.

الذي يفحط عليه أن يراجع وطنيته، الذي يسرق مقدرات الوطن وينهب أمواله عليه أن يراجع وطنيته، الذي يخرب الممتلكات العامة ويدمرها ولا يحافظ عليها عليه أن يراجع وطنيته، الذي يسرق الدولة ويتلاعب بالمشاريع عليه أن يراجع وطنيته، الموظف الذي يعقد المراجع ولا ينجز عمله عليه أن يراجع وطنيته، الذي يقدم أقربائه وأحبابه وأصدقائه ومن تربطه بهم مصالح ويجعلهم على مفاصل الدولة بلا مبرر قانوني أو نظامي أو شرعي عليه أن يراجع وطنيته، الذي ينظر للشعب على أنه طبقات ومستويات عليه أن يراجع وطنيته والقائمة تطول.

الوطنية الحقة أن نجعل الوطن في قلوبنا، ونعمل على رقيه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا وسلوكيا، وقبل ذلك كله دينيا سلفيا على منهج النبوة، الوطني يجعل نصب عينيه وطنه الذي وُلِدَ وعاش وترعرع على ترابه، ونهل من خيراته وارتوى من مائه فيحافظ عليه.

اللهم أدم علينا الأمن والأمان واكفنا شر الأشرار أولى الإرهاب والانتحار.

كتبه
محمد فنخور العبدلي
@ALFANKOR
القريـــــات