أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52775 العمر : 72
| موضوع: إهمالٌ أو خطأٌ طبيٌ في عمليةِ تلقيحٍ صناعي السبت 15 يوليو 2017, 8:30 am | |
| شبكة يسألونك الإسلامية إهمالٌ أو خطأٌ طبيٌ في عمليةِ تلقيحٍ صناعي ======================== يقول السائل: أجرت زوجتي عمليةَ تلقيحٍ صناعيٍ في أحد المراكز الإسرائيلية،وبعد مُضي أكثر من خمسةِ أشهرٍ أبلغنا المركزُ بحدوثِ خطأٍ في عملية التلقيح، حيث لُقحت زوجتي بماءِ رجلٍ آخر، فما الحكم الشرعي في إسقاط الجنين، وقد تجاوز خمسة أشهر من عمره، ولمن يُنسب،وهل نُطالب المركزَ بتعويضٍ، أفيدونا؟
الجـــــــــــواب: للأستاذ الدكتور: حسام الدين عفانة ======== أولاً: حفظُ النَّسل أحدُ مقاصد الشارع الحكيم، وقد ورد في ذلك كثيرٌ من النصوص الشرعية منها: (1) قول الله سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} سورة الرعد آية 38.
(2) ويقول سبحانه وتعالى :{ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } سورة البقرة آية 187 .
(3) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ). رواه البخاري ومسلم وغير ذلك.
ولا شك أن بقاء النوع الإنساني من أهم أغراض الزواج وبقاء النوع الإنساني إنما يكون بدوام التناسل،فلذلك حثَّ الإسلامُ على الزواج وعلى التناسل وبارك الأولاد ذكوراً وإناثاً.
كما أن الإسلام احتاط في باب الأنساب احتياطاً كبيراً،فنَّظم العلاقةَ بين الذكر والأنثى بعقد الزواج، وجعله الأساس الذي ينتج عنه النسل، وهذا من باب التكريم لأصل الانسانِ وهو النطفة كما قال تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} سورة الطارق الآيات 5-7.
وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } سورة الإنسان الآية 2.
وحرم الإسلام الزنا صيانةً للأعراض،وبين أن الأصلَ إثباتُ نسب المولود على فراش الزوجية لوالديه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الولدُ للفراش وللعاهرِ الحَجَر) رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي: ى الله عليه وسلم:( الولد للفراش وللعاهر الحجر )
قال العلماء: العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت والعهر الزنا, ومعنى الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد… وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( الولد للفراش ) فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له، فأتت بولدٍ لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة, سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً ] شرح النووي على صحيح مسلم 4/31.
ثانياً: حدثت نوازل جديدة في مجال الإنجاب بسبب التقدم العلمي في عالم الطب والتكنولوجيا، ومن ذلك التلقيح الصناعي أو ما يُسمى بأطفال الأنابيب، وهذا الأمرُ من أخطر القضايا الطبية المعاصرة، وله آثارٌ كبيرةٌ على الأسرة والمجتمع ، لذا لا بدَّ من الاحتياط الشديد قبل الإقدام على الإنجاب بهذا الأسلوب، وقد منع بعض الفقهاء المعاصرين التلقيحَ الصناعي جملةً وتفصيلاً لما قد يترتب عليه من مفاسد خطيرة، ولكن أكثر الفقهاء المعاصرين وكذا المجامع الفقهيه أجازته بضوابط وشروط لا بدَّ من مراعاتها.
فقد ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي ما يلي: [بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي (أطفال الأنابيب)، وذلك بالإطلاع على البحوث المقدمة والاستماع لشرح الخبراء والأطباء وبعد التداول تبين للمجلس: أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبع: الأولى: أن يجري تلقيحٌ بين نطفةٍ مأخوذةٍ من زوجٍ وبويضةٍ مأخوذةٍ من امرأةٍ ليست زوجته، ثم تزرع اللقيحةُ في رحم زوجته.
الثانية: أن يجري التلقيحُ بين نطفة رجلٍ غير الزوج وبويضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحةُ في رحم الزوجة.
الثالثة: أن يجري تلقيحٌ خارجيٌ بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأةٍ متطوعةٍ بحملها.
الرابعة: أن يجري تلقيحٌ خارجيٌ بين بذرتي رجلٍ أجنبي وبويضة امرأةٍ أجنبية وتزرع اللقيحةُ في رحم الزوجة.
الخامسة: أن يجري تلقيحٌ خارجيٌ بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.
السادسة: أن تُؤخذ نطفةُ من زوجٍ وبويضةٌ من زوجته ويتم التلقيحُ خارجياً ثم تزرع اللقيحةُ في رحم الزوجة.
السابعة: أن تؤخذ بذرةُ الزوج وتحقنُ في الموضع المناسب من مهبلِ زوجته أو رحمها تلقيحاً داخلياً.
وقرر المجمع: أن الطرق الخمسة الأولى كلها محرمةٌ شرعاً وممنوعةٌ منعاً باتاً لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية.
أما الطريقان السادس والسابع: فقد رأى مجلس المجمع أنه لا حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطيات اللازمة ]مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3 ج 1 ص 515-516.
ثالثاً: إن من أشدِّ آثار التلقيح الصناعي خطراً هو اختلاطُ النطف في المختبرات التي تُجري تلك العمليات، فلذلك لا بدَّ من الاقتصار على المراكز الموثوق بها وبالقائمين عليها، وعدم التساهل في ذلك أبداً، لأن التساهل في ذلك ينتج عنه اختلاطُ نطف الزوجين بنطفِ غيرهما، وقد يتمُّ التلقيحُ بنطف الآخرين، مما يؤدي إلى الوقوع في المحرمات الشرعية، فلذا أكَّد قرارُ المجمع الفقهي على المنع من وجود طرفٍ ثالثٍ في عملية التلقيح، كأن يكون السائلُ المنوي من غير الزوج أو تكون البويضةُ من غير الزوجة أو يكون الرحمُ من غير الزوجة، وأن تتمَّ عملية التلقيح فقط في حال قيام الحياة الزوجية.
وقد حدثت مآسٍ كثيرةٌ بسبب عدم التزام بعض المراكز الطبية بهذه الضوابط الشرعية، وما نُشر غيضٌ من فيضٍ، وما خفي أعظم، وسبب ذلك هو ضعفُ الرقابة على هذه المراكز أو انعدامها، بالإضافة إلى موت ضمائر القائمين على هذه المراكز، وتغليب الجانب المادي على الجوانب الانسانية والأخلاقية؟!
والتشديدُ واجبٌ في عملية التلقيح الصناعي من أجل المنع من اختلاط الأنساب، ولا بدَّ للمراكز الطبية المعنية أن تأخذ بأعلى درجات الاحتياط، ولا بدَّ من وجود ضماناتٍ كافيةٍ تمنع إدخالَ طرفٍ ثالثٍ في كل مراحل التلقيح الصناعي، ولابدَّ من وجود قانونٍ أو تعليماتٍ من وزارة الصحة تُنظم هذه العمليات ومراقبتها بشكلٍ فعَّالٍ، ووجود عقوباتٍ رادعةٍ لكل من يتلاعبُ بهذا الأمر الخطير، لأن حفظَ الأنساب من ضرورياتِ الشريعة ومقاصدها الكُلية.
رابعاً: وأما إجهاض هذا الجنين بعد أن صار عمرهُ أكثر من خمسة أشهرٍ، فهو من المحرمات، لأن الأصل هو تحريمُ الإجهاض بعد مضي مئةٍ وعشرين يوماً على الحَمْل باتفاق أهل العلم، لأن الروح تُنفخ في الجنين عند مرور تلك المدة على رأي كثيرٍ من العلماء، لِمَا ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( حدَّثنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصَّادِقُ المصْدُوقُ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيهِ الرُّوحَ، وَيُؤمَرُ بأرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ) رواه البخاريُّ ومسلِمٌ.
ويستثنى من هذا الحكم حالةٌ واحدةٌ فقط، وهي إذا ثبت بتقرير لجنةٍ من الأطباء الثقاتِ أهلِ الاختصاص أن استمرار الحَمْل يُشكِّلُ خطراً مؤكداً على حياة الأم، فحينئذٍ يجوز إسقاطُ الحمل.
ورد في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: [ إذا كان الحَمْلُ قد بلغ مائةً وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطهُ، ولو كان التشخيصُ الطبي يفيد أنه مشوه الخِلقةِ إلا إذا ثبت بتقريرِ لجنةٍ طبيةٍ من الأطباء المختصين أن بقاءَ الحمل فيه خطرٌ مؤكدٌ على حياة الأم، فعندئذٍ يجوز إسقاطهُ سواء كان مشوهاً أم لا دفعاً لأعظم الضررين].
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية ما يلي: [من الضروريات الخمس التي دلَّت عليها نصوصُ الكتاب والسنة دلالةً قاطعةً على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمةُ على لزوم مراعاتها: حفظُ نفسِ الإنسان، وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين، سواء كانت النفسُ حَمْلاً قد نفخ فيه الروح أم كانت مولودة، فلا يجوز الاعتداءُ عليها بإجهاضٍ إن كانت حَمْلاً قد نُفخ فيه الروح أو بإعطائها أدويةً تقضي على حياتها وتجهز عليها، طلباً لراحتها أو راحة من يعولها أو تخليصاً للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات والمشوهين والعاطلين، أو غير ذلك مما يدفع بالناس إلى التخلص لعموم قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح أصبح نفساً، يجب صيانتها والمحافظة عليها].
خامساً: وأما نسبُ هذا الجنين فإنه يُنسب إلى أمه التي ولدته، بعد التأكد أنه ليس من زوجها، وذلك بإجراء فحص البصمة الوراثية (DNA) لدى مركز طبي موثوق به.
وقد ثبت طبياً وعلمياً ومخبرياً أن البصمة الوراثية قرينةٌ قاطعةٌ على تحديد صاحب المني الذي تخلَّق منه الولد، وبالتالي لا يُنسب الولد إلى زوج المرأة، وخاصةً بعد إقرار المركز الطبي بأن التلقيح قد تمَّ بغير ماءِ الزوج.
وهذا الأمران يؤكدان تأكيداً قاطعاً مصدر هذا الجنين، وأنه ليس من زوج المرأة التي ولدته فلا يُنسب إليه.
سادساً: إن ما حصل لهذه الزوجة من التلقيح بغيرِ ماءِ زوجها يوجب رفعَ قضيةٍ في المحاكم المختصة على المركز الطبي الذي قام بذلك، بسبب الإهمال في الاحتياطات لمنع وقوع هذه الجريمة، أو بسببٍ خطأ طبيٍ على أقلِّ تقديرٍ، وفي كلتا الحالتين يتحمل المركزُ الطبي والقائمون عليه المسؤوليةَ عن ذلك، ويحقُّ لهذه المرأة وزوجها المطالبةُ بالتعويض المادي، فمبدأ التعويض عن الضرر الذي لحق بالمريض، مبدأٌ معتبرٌ شرعاً، وهو داخل تحت عموم الأدلة من الكتاب والسُّنَّة، التي دلت على جواز أخذ التعويض المالي.
وخــلاصــة الأمــــر: =========== أن حفظَ النَّسل أحدُ مقاصد الشارع الحكيم. وأن الإسلام احتاط في باب الأنساب احتياطاً كبيراً. وأن التلقيح الصناعي من أخطر القضايا الطبية المعاصرة لما له من آثارٍ كبيرةٍ على الأسرة والمجتمع. وأنه يجوز بضوابط شرعية. وأن من أشدِّ آثار التلقيح الصناعي خطراً هو اختلاطُ النطف في المختبرات. وأنه لابدَّ من الاحتياط الشديد قبل الإقدام على الإنجاب بهذا الأسلوب. وأن إجهاض هذا الجنين بعد أن صار عمرهُ أكثر من خمسة أشهرٍ من المحرَّمات. وأن نسب هذا الجنين إلى أمه التي ولدته ولا ينسب إلى زوجها بعد إجراء فحص البصمة الوراثية. وأنه يحقُّ لهذه المرأة وزوجها المطالبةُ بالتعويض المادي، فمبدأ التعويض عن الضرر الذي لحق بالمريض مبدأٌ معتبرٌ شرعاً وهو داخل في عموم الأدلة من الكتاب والسُّنَّة. والله الهادي إلى سواء السبيل. |
|