باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام
29- عَنْ أَبِي موسى رضي اللّهُ عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَالَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟» قَالَ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟» قُلْتُ: لاَ. قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ حِلَّ» فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي. فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ. فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ. فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ. فَهذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ. فَبهِ فَائْتَمُّوا. فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَـذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}. وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ.
الفائدة الأولى: الحديث فيه دلالة على جواز الحوالة على إحرام الغير، و جواز الإحرام من غير تغيير النسك.
الفائدة الثانية: الحديث فيه دلالة على جواز تغيير النسك.
الفائدة الثالثة: الحديث فيه دلالة على فضل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (من حيث انه من أهل العلم من الصحابة رضوان الله عليهم، وكذلك لأنه توقف في الفتيا لمّا قدم من يظن أنه أعلم منه، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
الفائدة الرابعة: الحديث فيه دلالة على صرف عمر رضي الله عنه للناس عن التمتع، و قد اُختُلف في ذلك فقيل:
* أنه نهى عن فسخ الحج إلى العمرة وليس بشكل عام.
* أنه نهى عن التمتع مطلقا.
* أنه كره أن يترفهوا بين العمرة والحج.
* أنه كره ذلك كراهة تنزيه ترغيبا في حج الإفراد.
باب جواز التمتّع
30- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا بِعُسْفَانَ. فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَنْهَى عَنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْكَ. فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ. فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ، أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعاً.
ورواه البخاري أيضاً من حديث مروان بن الحكم .
ورواه مسلم أيضاَ من حديث عبدالله بن شقيق .
وعند مسلم من حديث أَبِي ذَرَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً. وفي رواية : لاَ تَصْلُحُ الْمُتْعَتَانِ إِلاَّ لَنَا خَاصَّةً. يَعْنِي مُتْعَةَ النساء ومتعة الحج.
31- عن عِمْرَانَ بْنُِ حُصَيْنٍ قال : نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللّهِ . وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ. قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ، بَعْدُ، مَا شَاءَ.
وفي رواية لمسلم : وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ. فَتُرِكْتُ. ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ .
الفائدة الأولى: حديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه فيه نهي عثمان رضي الله عنه عن المتعة (نهي تنزيه من أجل الترغيب في الإفراد كما فعل عمر رضي الله عنه).
الفائدة الثانية: ردُّ علي على عثمان رضي الله عنهما و بيان ما عنده في مسألة المتعة في الحج يؤخذ منه أنه ينبغي للعالم أن يشيع ما عنده من العلم و يظهره إذا رأى ما يخالف النص.
الفائدة الثالثة: سكوت عثمان رضي الله عنه عن فعل علي رضي الله عنه و قوله حينما عارضه فيه دلالة على أن المجتهد لا يُلزِم المجتهد الآخر بتقليده و رأيه.
الفائدة الرابعة: الأحاديث فيها دلالة على وجود الخلاف في المسائل الفرعية بين الصحابة رضي الله عنهم، و دخول الاجتهاد بينهم و إنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص (وهو الإحالة على فعل الرسول صلى الله عليه وسلم و عمله).
الفائدة الخامسة: حديث عمران رضي الله عنه فيه دلالة على جواز نسخ القرآن للقرآن.
الفائدة السادسة: قول عمران بن حصين رضي الله عنه فيه دلالة على أن المرجع عند النزاع هو الكتاب والسنة لا آراء الرجال.
باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام
في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله
32- عن عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ. وَأَهْدَى. فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَبَدَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ. فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ. ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً، فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» وَطَافَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ. فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ. ثُمَّ خَبَّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ. ثُمَّ رَكَعَ، حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ، رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ. فَأَتَى الصَّفَا فَطافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ. ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ. فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ. وَفَعَلَ، مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ.
وفي رواية : وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وفي رواية لمسلم : أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ مُفْرَداً , وَفِي رِوَايَةِ : أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَداً.
وورد نحو هذا الحديث عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها , وهو عند البخاري معلَّقاً .
*** هذا الحديث تقدمت أغلب مباحثه في حديث جابر و عائشة رضي الله عنهما ***
فائدة الحديث : للحاج المتمتع، الذي لم يجد هديا، سواء كان عادم الهدي لعدم المال الذي يشتري به الهدي أو لأنه لم يجد هديا يباع أو نحو ذلك من صور العدم فله أن يصوم ثلاثة أيام في الحج، واختُلف متى يجوز له البدء بها فقيل بعد الاحرام بالحج يعني لو احرم يوم التروية للحج بدأ معه الصوم وأما قبل فلا , والصواب أنه يبدأ بها مع إحرامه للعمرة، و أما السبعة فإنه يصومها إذا رجع إلى أهله و بلدته .
باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاجّ المفرد
33- عن حَفْصَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي. وَقَلَّدْتُ هَدْيِي. فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ».
وفي رواية : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. قَالَتْ حَفْصَةُ: .....
الفائدة الأولى: الحديث يدل على مشروعية تلبيد الرأس وكذلك تقليد الهدي وهو ماكانوا يفعلونه فيقلدون مايهدونه للحرم فيجعلون على رقبتها حبلاً أو وبراً وربما قلدوها نعالاً ونحو ذلك علامة على أنها مهداة للحرم فلا يتعرض لها أحد.
الفائدة الثانية: القارن لا يحل من إحرامه حتى ينحر هديه و ذلك يوم النحر.
الفائدة الثالثة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع فيه دلالة على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ متمتعات إلا عائشة رضي الله عنها (حيث كانت متمتعة في الأصل ولكن لعذرها أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقران ).
و رواية هذا الحديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين أزواجه حتى في هذا.
باب بيان جواز التحلل بالإِحصار وجواز القران
34- عن عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِراً. وَقالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاَّ وَاحِدٌ. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ. فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ سَبْعاً. وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، سَبْعاً. لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَرَأَى أَنَّهُ مُجْزِىءٌ عَنْهُ. وَأَهْدَى.
وفي رواية : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى ابْتَاعَ بِقُدَيْدٍ هَدْياً. ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافَاً وَاحِداً بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ، يَوْمَ النَّحْرِ.
وفي رواية للبخاري قال : إنْ حُبِس أحدُكم عنِ الحجِّ طاف بالبيتِ وبالصَّفا والمَرْوةِ ثمَّ حلَّ من كلِّ شيءٍ حتى يَحُجَّ عاماً قابِلاً فيُهدِي أو يصومُ إن لم يَجِدْ هَدْياً .
الفائدة الأولى: الحديث فيه بيان ما يفعله المُحْصَر حين منعه (سواء منعه عدو أو غيره) من الوصول إلى بيت الله الحرام (حاجّا كان أو معتمرا ) فإن أُحصر ذبح هديه وحلق رأسه وأحلّ وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية حين منعه كفار قريش , وهو الموافق لقول الله تعالى ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )
الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن الصحابة كانوا يستعملون القياس و يحتجون به (فابن عمر رضي الله عنهما ألحق الحج بالعمرة إذ أنه لا فرق بينهما، فقال : " مَا أَمْرُهُمَا إِلاَّ وَاحِدٌ. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ " و هذا القياس يسمى ( الإلحاق بنفي الفارق ) و هو عند الأصوليين من أقوى الأقيسة.
الفائدة الثالثة: الحديث دليل على جواز إدخال الحج على العمرة (وبه قال جمهور العلماء).
الفائدة الرابعة: الحديث دليل على أن القارن ليس له إلا طواف واحد و سعي واحد و أنه لا يحل حتى ينحر هديه.
الفائدة الخامسة: رواية البخاري دلت على أن من أهلَّ بالحج و حُبِسَ عنه فإنه يحوله إلى عمرة(كمن أهل بالحج و لم يدرك الوقوف بعرفة مثلا)
باب في الإِفراد والقران بالحج والعمرة
35- أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ النََِّيَّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعاً.
فائدة الحديث: الحديث نص صريح و دليل قاطع على أن النبي صلى الله عليه و سلم حج قارنا.
باب ما يلزم من أحرم بالحج، ثم قدم مكة، من الطواف والسعي
36- عَنْ وَبَرَةَ ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ. فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ . فَقَالَ : نَعَمْ , فَقَالَ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : لاَ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ, (وفي رواية : وَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ رَأَيْنَاهُ قَدِ افْتَتَنَتْهُ الدُّنْيَا. فَقَالَ: وَأَيُّنَا لَمْ تَفْتِنْهُ الدُّنْيَا؟) فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ ( وفي رواية : وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ). فِبَقْولِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً ؟
رواه مسلم
الفائدة الأولى: الحديث دليل على مشروعية طواف القدوم للقارن والمفرد (أما المتمتع فإن طوافه طواف عمرة وهو فرض عليه).
الفائدة الثانية: الحديث فيه دلالة على حرص الصحابة على تتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم و إرشاد الناس لذلك.
الفائدة الثالثة: الحديث فيه دلالة على تواضع ابن عمر رضي الله عنهما و حسن رده على من تنقَّص أحداً عنده.
37- عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ. فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً. وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، سَبْعاً. وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
وعند البخاري : وَسَأَلْنا جابرَ بنَ عبدِاللَّهِ فقال: لا يَقرَبَنَّها حتى يَطوفَ بينَ الصَّفا والمَروةِ.
الفائدة الأولى: الحديث دليل على أنه لا يجوز للمعتمر أن يتحلل من عمرته حتى يطوف و يسعى و يحلق.
الفائدة الثانية: حديث الباب و الذي قبله فيهما أنموذج لمرجعية الناس إلى أهل العلم في المسائل الشرعية.
باب ما يلزم، من طاف بالبيت وسعى
من البقاء على الإحرام وترك التحلل
38- عَنْ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قال : قَدْ حَجَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْها، أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ. ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمَّ عُمَرُ، مِثْلُ ذلِكَ. ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ .
39- وعَنْ عَبْدَ اللّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ، كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ تَقُولُ: صَلَّى اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَسَلَّمَ. لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَـهُنَا. وَنَحْنُ، يَوْمَئِذٍ، خِفَافُ الْحَقَائِبِ. قَلِيلٌ ظَهْرُنَا. قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا. فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ. فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا. ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ .
الفائدة الأولى: مشروعية الوضوء للطواف، و هذه مسألة خلافية:
* القول الأول يقول بوجوب الوضوء للطواف (وهذا قول جمهور العلماء، الإمام مالك و الشافعي و أحمد)
واستدلوا بأدلة منها حديث الباب ونوقش بأنه حكاية فعل والفعل لايدل على الوجوب بل على الاستحباب كما هو متقرر في الأصول , واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما " الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام " رواه الترمذي والنسائي , ونوقش بأنه لايصح مرفوعاً بل هو موقوف على ابن عباس وأيضا لايصلح أن يكون نصاً قاطعاً في إيجاب الوضوء فالطواف يختلف عن الصلاة في أشياء كثيرة كالذكر والهيئة والحركة فلا مانع أن يقال أنه يختلف عنها في إيجاب الوضوء .
* القول الثاني: الوضوء للطواف مستحب (سنة) و هو قول الإمام أبو حنيفة و شيخ الإسلام ابن تيمية و مال إليه الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله، و ذلك لعدم وجود دليل وجوب ذلك.
***و خروجا من الخلاف نقول أن الإنسان لا يتعمد الطواف من غير وضوء و لو اضطر لذلك فلا بأس.
الفائدة الثانية: الحديث الثاني دليل على أن من انتهى من عمرته بأن مسح البيت (طاف و سعى )وحلق أو قصَّر ، فإنه يحل.
الفائدة الثالثة: الحديث فيه بيان ماكان عليه الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر و قلة ذات اليد.
باب في متعة الحج
40- عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيَّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ؟ فَرَخَّصَ فِيهَا. وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا. فَقَالَ: هَـذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيْرِ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِيهَا. فَادْخلُوا عَلَيْهَا فَاسْأَلُوهَا. قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا , فَإِذَا امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ. فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا. روه مسلم .
فائدة الحديث: الحديث دليل على جواز اختيار نسك التمتع في الحج وتقدَّم بيان ذلك , وكذا يقال في نهي ابن الزبير رضي الله عنه أنه يحمل على كراهة التنزيه لا التحريم كما هو نهي عمر وعثمان رضي الله عنهما عن المتعة.
باب جواز العمرة في أشهر الحج
41- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ. وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَراً. وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. فَقَدِمَ النَّبِيُّ صيه وسلم لى الله عل وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ، مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلُّهُ».
وفي رواية لمسلم : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
الفائدة الأولى: الحديث فيه بيان ما كان عليه أهل الجاهلية من اعتقادات باطلة، كاعتقادهم بأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، و فيه بيان ما كانوا عليه من التحايل، و ذلك بتقديمهم بعض الشهور و تأخير بعضها، فيحللون و يحرمون ما يريدون.
الفائدة الثانية: الحديث فيه بيان إبطال النبي صلى الله عليه و سلم لمعتقدات أهل الجاهلية، حيث أمر صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يعتمروا في أشهر الحج.
الفائدة الثالثة: الحديث فيه بيان أن من تحلل بعمرة فله الحل كله أي له حلٌّ كامل لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد .
42- عن أَبي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ ، قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ عَنْ ذَلِك. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا. قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَنِمْتُ. فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ. فَقَالَ: اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الأولى: الحديث فيه دليل على جواز نسك التمتع، و فيه رجوع المستفتي لأهل العلم.
الفائدة الثانية: الحديث فيه فرح العالم بموافقة الحق و الاستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعي.
الفائدة الثالثة: في رواية للبخاري قال ابن عباس لأبي جمرة : أقِمْ عندي فأجعلَ لكَ سَهْماً من مالي. قال شعبةُ لأبي جمرة : لمَ؟ فقال: للرُّؤْيا التي رأيتُ». وهذه الرواية فيها مكافأة من يبشر بما يسر به.
باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإِحرام
43- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ. وَسَلَتَ الدَّمَ. وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ. ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ. فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ. رواه مسلم .
الفائدة الأولى: الحديث فيه دليل على إشعار و تقليد الهدي إذا كان إبلا (الأصل في الإشعار و التقليد أن يكون للإبل، أما البقر فقيل أنها تُشْعَر إن كانت لها أسنمة وتُقَلَّد، و قيل أنها تقلد و لا تشعر، و أما الغنم فلا تشعر لعدم تَحَمُّلِها، و اُختُلف في التقليد، و ا لأظهر و الله أعلم أنها تقلد لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة في الصحيحين).
الفائدة الثانية: استدل بحديث الباب من يرى استحباب الإحرام حين الاستواء على الراحلة.
44- وعن ابْنِ جُرَيْجٍ قال : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ : لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ وَلاَ غَيْرُ حَاجَ إِلاَّ حَلَّ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ يَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ ذلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأْخُذُ ذلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
فائدة الحديث: الحديث فيه بيان مذهب ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أن من طاف بالبيت فقد حل، سواء كان هذا الطواف طواف قدوم للحاج أو طواف عمرة للمعتمر.
باب التقصير في العمرة
45- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ. وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ. أَوْ رَأَيْتُهُ يُقَصَّرُ عَنْهُ بِمِشْقَصٍ. وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ.
فائدة الحديث: الحديث فيه دلالة على جواز التقصير.
46- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخاً. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً. إِلاَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَرُحْنَا إِلَى مِنًى، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. رواه مسلم وعند البخاري من حديث أنسٍ رضيَ اللهُ عنه قال «صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ الظهرَ أربعاً والعصرَ بذي الحُليفةِ ركعتيَنَ وسمعتُهم يَصرُخون بهما جميعاً».
الفائدة الأولى:الحديث فيه دلالة على مشروعية رفع الصوت بالتلبية.
الفائدة الثانية: الحديث فيه بيان أن الصحابة أُمِروا أن يجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي أُمِر أن يكون قارنا، و أنهم لم يهلوا بالحج إلا حينما ذهبوا إلى منىً.
الفائدة الثالثة: الحديث فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة الظهر أربع ركعات و العصر بذي الحليفة ركعتين.(هدي الإنسان إن كان ناويا للسفر و لم يخرج من البلدة لا يجمع و لا يقصر، لأن من كان ناويا للسفر فإنه لا يترخَّص بأحكام السفر).
47- وعن أبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنِّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا». رواه مسلم .
الفائدة الأولى: الحديث فيه دلالة على بقاء أنواع النسك من عمرة أو إفراد الحج أو الجمع بين العمرة و الحج إما بنسك القران أو التمتع.
الفائدة الثانية: الحديث فيه إرشاد إلى فعل يكون في آخر الزمان قُبَيْلَ قيام الساعة، وهو بعد نزول عيسى بن مريم عليه السلام، حيث سيهل عليه السلام إلى مكة حاجّاً أو معتمراً أو آتياً بالحج و العمرة جميعاً.
باب بيان عدد عمر النبيّ وزمانهن
48- عن أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ. كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.
وفي رواية : كَمْ حَجَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: حَجَّةً وَاحِدَةً.
49- وعَنْ أَبِي إِسْحَـقَ، أَنَّه سأل زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ. فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً. قَالَ فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَالَ: ذَاتُ الْعُسَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرِ.(1)
(1) الحديث عند مسلم في كتاب الجهاد والسير, باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم , يلي الحديث رقم ( 1812)
وفي رواية : وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً. حَجَّةَ الْوَدَاعِ.
50- وعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ، أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، الْمَسْجِدَ. فَإِذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ. وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ. فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاَتِهِمْ؟ فَقَالَ: بِدْعَةٌ. فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَـنِ كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَ: أَرْبَعَ عُمَرٍ. إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ وَنَرُدَّ عَلَيْهِ. وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ فِي الْحُجْرَةِ. فَقَالَ عُرْوَةُ: أَلاَ تَسْمَعِينَ، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا يَقُولُ أَبُو عبْدِ الرَّحْمَـنِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ يَقُولُ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ أَرْبَعَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَـنِ. مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللّهِ إِلاَّ وَهُوَ مَعَهُ. وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.
وفي رواية للبخاري : سُئل ابنَ عمرَ رضيَ اللّهُ عنهما عن العُمرةِ قبلَ الحجِّ؟ فقال : لابأسَ. قال عكرمةُ قال ابنُ عمرَ: اعتمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يَحُجَّ .
الفائدة الأولى: حديثي أنس و مجاهد رضي الله عنهما فيهما بيان عدد عمرات النبي صلى الله عليه وسلم و أنها أربع ( عمرة الحديبية، القضاء، الجعرانة، و التي مع حجته صلى الله عليه وسلم). و هناك من جعلها ثلاث بناء على أن الرسول صلى الله عليه وسلم حج مفرداً، و قالوا إن العمرة التي مع الحجة المذكورة في حديث الباب هي العمرة التي أمر بها أصحابه، و منهم من جعلها عمرتان ، فألغى عمرة الحديبية لكونه صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى مكة،وكذلك ألغى العمرة التي مع حجته صلى الله عليه وسلم.
*** والصواب و المعتمد أنها أربع عُمَر بنص الحديث كما تقدَّم.
الفائدة الثانية: الأحاديث فيها بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع.(و أما قبل هجرته صلى الله عليه وسلم فاُختُلِف هل حج صلى الله عليه وسلم حجة واحدة كما قال أبو إسحاق السبيعي في حديث الباب، أو حجتين كما قال غيره).
الفائدة الثالثة: اعتمار الرسول صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج فيه بيان جواز ذلك، لا كما كان يعتقد المشركون و أنه من أفجر الفجور.
الفائدة الرابعة: حديث أنس رضي الله عنه فيه بيان صحة قول جمهور العلماء، و أنه لا يجب قضاء النسك على من صُدَّ عن البيت (خلافا للحنفية)، ووجه ذلك حينما صُدَّ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه عن البيت في عمرة الحديبية لم يأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بالقضاء , وأيضاً عدد من كان معه في عمرة القضاء أقل بكثير من عمرة الحديبية ولو كان القضاء واجباً لم يتخلف أحد.
الفائدة الخامسة: حديث مجاهد رضي الله عنه فيه دلالة على أن الصحابي الجليل الكثير الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحوال النبي صلى الله عليه وسلم و أنه قد يدخله الوهم و النسيان لأنه غير معصوم , وهكذا يقال في الفضلاء والعلماء حينما يخطئون بعد اجتهاد وتتبع للدليل .
الفائدة السادسة: الحديث فيه حسن الرد و الأدب و التلطف في المسائل العلمية.
باب فضل العمرة في رمضان
51- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاِمْرأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهَا أُمُّ سِنَانٍ: «مَا مَنَعَكِ أَنْ تَكُونِي حَجَجْتِ مَعَنَا؟» قَالَتْ: نَاضِحَانِ كَانَا لأَبِي فُلاَنٍ (زَوْجِهَا) حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَكَانَ الآخَرُ يَسْقِيَ عَلَيْهِ غُلاَمُنَا. قَالَ: «فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً. أَوْ حَجَّةً مَعِي».
الفائدة الأولى: الحديث فيه بيان أفضلية العمرة في رمضان، و أن ثوابها كثواب الحج أو الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم.(وليس في الحديث دلالة على إجزاء العمرة في رمضان عن حج الفرض)
*** يقول ابن الجوزي رحمه الله في هذا الحديث: ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب و خلوص القصد.
الفائدة الثانية: إن قيل أيهما أفضل، العمرة في رمضان لحديث الباب، أو العمرة في ذي القعدة لاعتمار النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ذي القعدة ؟
الصواب أن العمرة في رمضان أفضل و بلا شك، فحديث الباب نص في بيان الأفضلية ومن القواعد الأصولية أن القول مقدَّم على الفعل لأن الفعل يعتريه السبب والعذر.
*** فإن قيل لماذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم الاعتمار في رمضان و اعتمر في ذي القعدة ؟
الجواب على هذا السؤال فيه عدة أقوال:
* قيل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من اعتقادات باطلة، و ذلك باعتقادهم أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.
* وقيل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان بعبادات أخرى أهم من العمرة.
* وقيل :لأن النبي صلى الله عليه وسلم خشي المشقة على أمَّته.
* وقيل أن هذا من قبيل ترك النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الأعمال وهو يحبها خشية أن تُفرَض على أمته، فلا يريد صلى الله عليه وسلم الإشقاق عليهم.
باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية
السفلى ودخول بلدة من طريق غير التي خرج منها
52- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ، وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ. وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ، دَخَلَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى.
53- وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وَخَرَجَ مِنْ أسْفَلِهَا.
وفي رواية : رَسُولَ اللّهِ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ.
الفائدة الأولى: استحباب دخول مكة من حيث دخل النبي صلى الله عليه وسلم (من الثنية العليا كَداء)وهي الحجون الخروج من حيث خرج عليه الصلاة والسلام (الثنية السفلى كُدى)وهي بالقرب من باب شبيكة وهذا قول جمهور العلماء. و القول الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك مصادفة و لم يتقصده و ليس من السنة فعل ذلك، و نقول أن الإنسان إن تيسر له ذلك فهو أفضل و لا يتكلف في التتبع.
الفائدة الثانية: دخول النبي صلى الله عليه وسلم من موضع و خروجه من موضع آخر اُختُلِف في سببه فقيل:
* ليتبرك به أهل الطريقين.
* ليدعو لأهل الطريقين.
* ليشهد له الطريقان بالأعمال الصالحة.
* ليغيض المنافقين في الطريقين معاً.