| التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 6:10 am | |
| كسوة الكعبة المشرفة
المقدمة
الحمد لله الذي أمرنا بشكر النعم، ووعد الشاكرين بمزيد من النعم وفضله العميم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :
فإن أفضل البلاد وخير البقاع على وجه المعمورة بلد الله الحرام مكة المكرمة مهبط الوحي ويليها في الفضل والمكانة والقداسة مهاجر رسول الله طيبة مدينة رسول الله .
فالحمد لمن جعل الكعبة قبلة المسلمين وصير حرمها ملاذًا للخائفين ، والكعبة المعظمة بيت الله على ظهر هذه الأرض ، وهي أول بيت وضعه الرب الكريم لعباده المؤمنين .
فلم تنل بقعة في الدنيا كلها على مر الأيام والعصور من الحب والاحترام والتقديس ما نالته الكعبة المشرفة ، وما أجمع العرب في الجاهلية والإسلام على تقديس شيء مثل تقديسهم للكعبة المشرفة ، فإلى الكعبة المعظمة يتوجه المسلمون من أنحاء العالم المترامي حين يقومون بأداء فريضتهم المكتوبة أو حين يتهجدون ويركعون ويسجدون ، وإليها تحن قلوبهم وتهفو أفئدتهم ليأتوها حاجين أو معتمرين .
ونرى آناء الليل وأطراف النهار حولها القائمين والعاكفين والطائفين والركع السجود والداعين والمبتهلين ، لا تنقطع مواكبهم ولا تتوقف مسيرتهم على مدى ساعات الليل والنهار ولم تفقد قط كل هذه المعاني في جميع عصورها حتى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن شاء الله .
ومن بعض مظاهر هذه المعاني كسوة الكعبة التي عني بها الناس منذ القدم حتى جاء الإسلام فكانت العناية أجل وأعظم .
وكسوة الكعبة المشرفة مذ بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة المشرفة مرت بأطوار مختلفة ، فلم تكن الكسوة كما نراها اليوم، وذلك لارتباط تطورها بعوامل اجتماعية وعوامل اقتصادية ، غير أن الوازع المشترك بين كل من كساها هو التقديس والإجلال لهذا البيت المبارك والتقرب إلى الله تعالى حتى في عصور الشرك قبل الإسلام .
وقد تعرض لموضوع الكسوة الشريفة كل من ألف في تاريخ مكة المكرمة والكعبة المعظمة ، وألف بعضهم تآليف مستقلة فيها ، بين مختصر ومطول ، إلا أن لكل مؤلِّف أسلوبًا يختص به ، ولكل مؤلَّف ميزات وخصائص ينفرد بها ، ولذا أردت أن أدلو بدلوي المتواضع في هذا المضمار ، ولعلي آتي بشيء جديد في الموضوع مع تهذيب وترتيب ما كتب في الكسوة حسب بضاعتي المزجاة .
وكنت أحسب أن الذين كتبوا في هذا الباب لم يتركوا شيئًا للآخر ، ولكني لما شمرت عن ساعد الجد وبدأت أتقلب بين المصادر رأيت أن بعض جوانب الموضوع لم تعط حقها من البحث في الكتب المؤلفة في ذلك ، وهو جانب الحفلات التي كانت تقام في مصر عند انتهاء صنع الكسوة وأثناء توديعها من القاهرة إلى الديار المقدسة بصحبة المحمل، والحفلات التي كانت تقام في ميناء جدة عند وصولها إليها ، ثم حفلات تقام في شوارع جدة ، وحفلات رسمية تقام عند وصولها إلى مكة المكرمة وحفلات بمناسبة زيارة أمير مكة للكسوة والمحمل أيام حكومة الهاشميين في مكة المكرمة وغير ذلك ، وجانب آخر وهو تسليم الكسوة لسادن بيت الله الحرام في العهود السابقة وفي العهد السعودي، والمنكرات والبدع التي تحدث في الحفلات وكيف استطاعت الحكومة السعودية إزالة هذه المنكرات إلى غير ذلك من المباحث ، كالتصرف في الكسوة القديمة والتبرك بالكسوة، وكيف توقف مجيء الكسوة من مصر ، وكيف أنشيء المصنع للكسوة الشريفة ، وكيف تطور المصنع إلى ما صار عليه الآن .
وفي الصفحات الآتية أستعرض المراحل التي مرت بها كسوة الكعبة المعظمة ، لنعلم بذلك ما في نفوس بني آدم من الاحترام والإكبار نحو هذا البيت العتيق .
وقد قسمت بحثي إلى مدخل وسبعة أبواب، وخاتمة وتحت كل باب عدة فصول : • أما المدخل : فذكرت فيه معنى الكسوة لغة ، ومعناها المراد هنا في هذا البحث . • الباب الأول : في بيان مراحل الكسوة( ) في العصور المختلفة. وفيه اثنا عشر فصلاً . - الفصل الأول : أول من كسا الكعبة مطلقًا . - الفصل الثاني : أول من كسا الكعبة الديباج . - الفصل الثالث : كسوة قريش . - الفصل الرابع : الكسوة في عهد النبي . - الفصل الخامس: الكسوة في عهد الخلفاء الراشدين. - الفصل السادس : الكسوة في عهد بني أمية . - الفصل السابع : الكسوة في عهد العباسيين . - الفصل الثامن: الكسوة في عصر المماليك والشراكسة. - الفصل التاسع : الكسوة من مصر وكيف توقفت عنها. - الفصل العاشر : الكسوة في عهد سعود الكبير . - الفصل الحادي عشر: الكسوة في عهد الملك حسين ابن علي. - الفصل الثاني عشر : كسوة الكعبة الداخلية ، وتاريخها ، ولونها . • الباب الثاني : في المحمل . وفيه اثنا عشر فصلاً . - الفصل الأول : في تعريف المحمل وتاريخه . - الفصل الثاني : في مراسم حمل الكسوة الشريفة . - الفصل الثالث : في بدء الاحتفال بالمحمل والكسوة في القاهرة. - الفصل الرابع : في أوقات الاحتفال بالكسوة في القاهرة. - الفصل الخامس : في ذكر بعض الاحتفالات في القاهرة بالكسوة والمحمل . - الفصل السادس : في سفر المحمل وركبه من القاهرة . - الفصل السابع : الاحتفالات التي كانت تقام عند وصول الكسوة إلى ميناء جدة . - الفصل الثامن : الاحتفال بالكسوة والمحمل في مدينة جدة . - الفصل التاسع : في بدء الاحتفالات بدخول كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة وكيف كانت . - الفصل العاشر : الاحتفالات بمناسبة زيارة ملك الحجاز للمحمل قبل العهد السعودي . - الفصل الحادي عشر : في ذكر بعض احتفالات قصيرة للكسوة بمكة المكرمة وفيه حفلة للكسوة بدون محمل أيضًا. - الفصل الثاني عشر : الاحتفالات بمناسبة وداع المحمل المصري عند رجوعه إلى القاهرة . • الباب الثالث : حوادث مهمة في تاريخ الكسوة . وفيه أربعة فصول : - الفصل الأول : كيفية توقف المحمل المصري والشامي . - الفصل الثاني : انقطاع الحج المصري والشامي . - الفصل الثالث : عودة العهد السعودي الثاني وما جرى بين الحكومتين المصرية والسعودية في موضوع المحمل والكسوة . - الفصل الرابع : حادثة المحمل . • الباب الرابع : الاحتفال بالكسوة في العهد السعودي الثاني. وفيه فصلان : - الفصل الأول : الاحتفال بالكسوة في العهد السعودي الثاني . - الفصل الثاني : حفلة أخرى في العهد السعودي بمناسبة الانتهاء من صنع الكسوة . • الباب الخامس : تسليم الكسوة الجديدة لسادن بيت الله الحرام ، وفي ثلاثة فصول : - الفصل الأول : أين ولمن تُسلم الكسوة الجديدة في عهود مختلفة . - الفصل الثاني : في ذكر عدة احتفالات سُلمت فيها الكسوة للسادن في منـزله تسليمًا حقيقيًا . - الفصل الثالث : في ذكر عدة احتفالات سلمت فيها الكسوة للسادن في المصنع تسليمًا رمزيًا . • الباب السادس :بحوث تتعلق بالكسوة . وفيه ثمانية فصول: - الفصل الأول : في الإشهاد الشرعي بتسليم الكسوة للسادن قبل العهد السعودي . - الفصل الثاني : في الإشهاد الشرعي بتسليم الكسوة في العهد السعودي . - الفصل الثالث : اليوم الذي تكسى فيه الكعبة . - الفصل الرابع: ألوان الكسوة وأنواعها في العصور المختلفة ومن متى استقر اللون الأسود ، وكيف اختير ذلك. - الفصل الخامس : تفسير الكلمات الغريبة الواردة في الكسوة . - الفصل السادس: ذكر إحرام الكعبة وبيان الحكمة في ذلك. - الفصل السابع : وصف كسوة الكعبة المشرفة ، أجزاءها الرئيسية الثلاثة وماتشمل عليها هذه الأجزاء من الآيات والكتابات الأخرى . - الفصل الثامن : ذكر مصنع الكسوة وبيان سبب إنشائه . • الباب السابع في بحوث فقهية وغيرها وفيه ثلاثة فصول : - الفصل الأول : في أوَّليات كسوة الكعبة المعظمة ومايتعلق بها وقد سبقني بعض من كتب في الكسوة إلى هذا البحث ولكن باختصار شديد،وإني قد بذلت مافي وسعي محاولاً استيعاب هذا الموضوع، وسيلاحظ القارئ ذلك في الكتاب إن شاء الله. - الفصل الثاني : حكم التبرك بكسوة الكعبة المشرفة . - الفصل الثالث : حكم التصرف في الكسوة . الخاتمة : ذكرت فيها سبب الكتابة في هذا الموضوع ، وكيف جاءت هذه الفكرة ثم ذكرت خلاصة أهم ماجاء فيه من المباحث، وكيف آلت صناعة الكسوة إلى مكة المكرمة بجوار صاحب الكسوة ، والتي ظلت قرونا طويلة تصنع خارج مكة المكرمة في بلدان مختلفة .
وفي الختام أحمد الله تعالى وأشكره وهو المستحق للحمد دائمًا الذي أعانني على إعداد هذا البحث القيم ويسر لي إكماله، وأخيرًا فإنه اعترافًا بالفضل لذويه أرى من الواجب أن أتقدم بالشكر الجزيل لمعالي فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله ابن حميد رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حفظه الله سابقًا ، ورئيس مجلس الشورى حاليًا ، حيث فتح لي آفاقًا جديدة في الموضوع ، وألمح إلي بعض المصادر المهمة في ذلك .
وأقدم شكري الجزيل لجميع منسوبي مكتبة الحرم المكي الشريف في أقسامها المختلفة وأخص بالذكر سعادة مدير مكتبة الحرم المكي الشريف وزملائي في قسم المخطوطات ، فقد كان لتعاون جميعهم أثر كبير في إنجاز هذا البحث ، وليعلم القارئ بأني بذلت قصارى جهدي في إعداد هذا البحث ، واستفرغت فيه الطاقة ، وليعذر القارئ العالم من خطأ متأت عن ذهول أو سبق قلم أو انزلاق نظر ، وليقدم النصح ، فالنصيحة الأخوية مقبولة وصاحبها مأجور ومشكور.
جزى الله خيرًا من تأمـل صنعتي وقابل ما فيها من السهو بالعفو وأصلح ما أخطأت فيـه بفضـله وفطنته وأستغفر الله من سهوي
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه / عبد القيوم عبد رب النبي بمكة المكرمة شرفها الله وكرمها في 9/7/1422هـ
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 6:25 am | |
| مدخل
الكسوة لغة :
الكِسْوَةُ والكُسْوة بكسر الكاف وضمها :
اللباس ، واحدة الكُسَا ، يقال : كسوتُ فلانًا أكسوه كِسوةً إذا ألبستَه ثوبًا أو ثيابًا فاكتسى ، واكتسى فلان إذا لبس الكُسْوة ، ويقال : اكتَسَتِ الأرض بالنبات إذا تغطت به ، والكُسَا : جمع الكِسْوة. وكَسَى فلان يكسي إذا اكتسى ، وقيل : كَسِيَ إذا لبس الكُِسْوَة ، واكتستِ الأرض : تَمَّ نَبَاتُها والتف حتى كأنها لَبِسَتْه ( ) .
والكسوة : ما يتخذ من الثياب للستر والحلية والجمع : كُسا .
والكسوة في هذا البحث : هي ما تُكسى به الكعبة المشرفة ، وهو اللباس الّذي يُغَطَّى به ظاهر جُدران الكعبة الأربعة .
الباب الأول في بيان مراحل الكسوة في العصور المختلفة
وفيه اثنا عشر فصلاً
. اختلفت الروايات حول أول من كساها ، وقد دارت الروايات حول إسماعيل عليه السلام ، وعدنان بن أد ، وهو الجد الأعلى للرسول ، وأسعد الحميري ، وهو تبع أبو كرب الحميري ملك اليمن .
وفيما يلي أسرد الروايات التي وردت في هذا الباب ، مع ترجيح ما ترجح لدي بالأدلة : أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال : بلغنا أن تبعًا أول من كسا الكعبة الوصائل( )، فسترت بها ، قال ابن جريج : وقد زعم بعض علمائنا إسماعيل ، والله أعلم بالصواب ( ) .
وجاء في كتاب سمي بأخبار مكة لمؤلف مجهول في رواية طويلة ، وفيها : وأول من كسا البيت إبراهيم ، ثم كساها إسماعيل بإشارة من زوجته الثانية الحميرية في قصة طويلة ، إلا أننا لا نعتمد على هذه الرواية لجهالة المؤلف ولمخالفة هذه الرواية لجميع الروايات في هذا الباب ، ويبدو من قراءة الكتاب أن مؤلفه شيعي ( ) .
وروى الأزرقي بطريقه عن أبي هريرة عن النبي أنه نهى عن سب أسعد الحميري وهو تبع ، وكان هو أول من كسا الكعبة( ) ، وذكر هذه الرواية ابن الجوزي أيضًا( ) .
وذكر الأزرقي أيضًا عن محمد بن إسحاق قال : بلغني عن غير واحد من أهل العلم أن أول من كسا الكعبة كسوة كاملة تبع ، وهو أسعد ، أري في النوم أن يكسوها فكساها الأنطاع، ثم أري أن يكسوها، فكساها الوصائل ، ثياب حبرة من عصب اليمن ، وجعل لها بابًا يغلق ، وقال أسعد في ذلك : وكسونا البيت الذي حرم الله مـلاءً معضدًا وبرودًا وأقمنا به من الشهر عشــرًا وجـعلنا لبابـه إقليــدا وخرجنـا منه نـؤم سـهيلاً قـد رفعنـا لواءنا معقودا( )
وروى الأزرقي أيضًا بسنده عن ابن جريج أنه كان يقول : أول من كسا الكعبة كسوة كاملة تبع ، كساها العصب ،وجعل لها بابًا يغلق ( ) .
وروى أبو هلال العسكري بسنده عن حزام بن هشام عن أبيه قال: نهى رسول الله أن يسب أسعد الحميري ، وهو تبع ، وقال : إنه أول من كسا البيت، وهو أول من جعل للبيت مفتاحًا( ) .
وأقام الحافظ فصلاً في الفتح في معرفة بدء كسوة البيت ، ثم قال : روى الفاكهي من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول : زعموا أن النبي نهى عن سب أسعد ، وكان أول من كسى البيت الوصائل ، رواه الواقدي عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعًا . أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عنه ، ومن وجه آخر عن عمر موقوفًا ، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : فذكر ما ذكرته من مصنفه في أول هذا البحث ، ثم ذكر وحكى الزبير بن بكار عن بعض علمائهم أن عدنان أول من وضع أنصاب الحرم ، وأول من كسا الكعبة أو كُسيت في زمنه ، وحكى البلاذري أن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أد ( ) . وقال البلاذري : ويقال : إن أول من كسى الكعبة عدنان، كساها أنطاع الأدم( ) .
وهذه الروايات منقطعة وبعضها متصلة ولكنها ضعيفة لاتهام بعض رواتها بالكذب .
وفي مستدرك الحاكم حديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وهذا الحديث يؤيد الرواية التي تقول : إن أول من كسا الكعبة هو تبع الحميري ، والحديث ما رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه قال : أقبل تبع يريد الكعبة ، حتى إذا كان بكراع الغميم بعث الله عليه ريحًا لا يكاد القائم يقوم إلا بمشقة ، ويذهب القائم ثم يقعد، فيصرع ، وقامت عليه ، ولقوا منها عناءً ، ودعا تبع حبْريه فسألهما: ما هذا الذي بُعث عليّ ؟ قالا : أتؤمنّا ؟ قال : أنتم آمنون . قال : فإنك تريد بيتًا يمنعه الله من أراده ، قال: فماذا يذهب هذا عني ؟ قالا : تجرد في ثوبين ، ثم تقول : لبيك لبيك ، ثم تدخل فتطوف بذلك البيت ، ولا تهيج أحدًا من أهله . قال : فإن أجمعتُ على هذا ، ذهبت هذه الريح عني؟ قالا : نعم ، فتجرد ثم لبى . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم ، قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي أيضًا ( ) .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : بلغنا أن تبعًا سار إلى الكعبة وهو يريد هدمها، فذكر بنحو ما قدمنا من مستدرك الحاكم ، وزاد فيه : فقال : فعاهد الله تبع لئن تُكْشَفَنّ عنه تلك الظلمة ليعظمن الكعبة ، وليكسونّها ، فكشف الله تلك الظلمة، فسار تبع حتى إذا بلغ أنصاب الحرم ، نزل عن دابته ، ثم خلع نعليه تعظيمًا للحرم وتوبة مما أراد، قال : حتى دخل مكة راجلاً حافيًا ، فطاف بالبيت وكسا الكعبة الوصائل ، فَسُترَت بها ، ثم أنزل ثقله ومطبخه في شعب عبد الله بن عامر ابن كريم ... وجاء في آخر هذا البلاغ : وقد زعم بعض علمائنا أن أول من كسا الكعبة إسماعيل النبي ، والله أعلم ( ) .
ورواية عبد الرزاق هذه وإن كانت منقطعة إلا أنه يستأنس بها بعد رواية المستدرك الصحيحة التي تقدمت ، ومن المعقول جدًا أن تبعًا بعد أن أجلى عنه الله سبحانه ما كان فيه من العناء والمشقة ؛ وقر في قلبه قداسة البيت وعظمته مما جعله يكسوها بالوصائل . والله أعلم .
وذكر الأزرقي هذه القصة بتفاصيل أكثر في كتابه فقال : ... وأما تبع الثالث الذي أراد هدم البيت فإنما كان أول زمان قريش ، قال : وكان سبب خروجه ومسيره إليه : أنّ قومًا من هذيل من بني لحيان جاؤوا ، فقالوا له : إن بمكة بيتًا يعظمه العرب جميعًا ، وتفد إليه، وتنحر عنده وتحجه وتعتمره ، وإن قريشًا تليه فقد حازت شرفه وذكره ، وأنت أولى أن يكون ذلك البيت لك ، وشرفه وذكره لك ، فلو سرت إليه وخربته وبنيت عندك بيتًا ثم صرفت حاج العرب إليه كنت أحق منهم ، قال : فأجمع السير إليه ثم قال الأزرقي : حدثني جدي ، حدثني سفيان بن عيينة ، عن موسى بن أبي عيسى المديني ، قال : لما كان تبع بالدُّفّ من جُمْدان بين أَمَجٍ وعُسْفان دفّت لهم دوابهم ، وأظلمت عليهم الأرض ، فدعا أحبارًا كانوا معه من أهل الكتاب ، فسألهم فقالوا : هل هممت لهذا البيت بشيء ؟ قال: أردت أن أهدمه ، قال (قالوا:) فانو له خيرًا أن تكسوه ، وتنحر عنده ، ففعل . فانجلت عنهم الظلمة وإنما سمي الدف من أجل ذلك ، ثم رجع إلى حديث ابن إسحاق ، قال : فسار حتى إذا كان بالدف من جمدان بين أمج وعسفان ، دفت بهم الأرض ، وغشيهم ظلمة شديدة وريح ، فدعا أحبارًا كانوا معه من أهل الكتاب ، فسألهم فقالوا : هل هممت لهذا البيت بسوء ؟ فأخبرهم بما قال لهم الهذليون ، وبما أراد أن يفعل ، فقالت الأحبار : ما أرادوا إلا هلاكك وهلاك قومك ، إن هذا بيت الله الحرام ، ولم يرده أحد بسوء قط إلا هلك، قال : فما الحيلة ؟ قالوا : تنو له خيرًا ؛ أن تعظمه وتكسوه وتنحر عنده وتحسن إلى أهله ، ففعل ، فانجلت عنهم الظلمة ، وسكنت الريح ، وانطلقت بهم ركابهم ودوابهم ، فأمر تبع بالهذليين ، فضربت أعناقهم وصلبهم ، وإنما فعلوا ذلك حسدًا لقريش على ولايتهم البيت ، ثم سار تبع حتى قدم مكة ، فكان سلاحه بقُعَيقِعان، فيقال : بذلك سمى قعيقعان ، وكانت خيله بأجياد ، ويقال : إنما سُميت أجياد أجيادًا بجياد خيل تبع ، وكانت مطابخه بالشعب الذي يقال له : شعب عبد الله بن عامر بن كريز ، فلذلك سمي الشعب : المطابخ ، فأقام بمكة أيامًا ينحر في كل يوم مائة بدنة ، لا يرزأ هو ولا أحد ممن في عسكره منها شيئًا ، يردها الناس فيأخذون منها حاجتهم ، ثم يقع الطير فتأكل ، ثم تنتابها السباع إذا أمست، لا يصد عنها شيء من الأشياء إنسان ولا طائر ، ولا سبع ، يفعل ذلك كل يوم مقامه أجمع ، ثم كسى البيت كسوة كاملة كساه العصب ، وجعل له بابًا يغلق بضبة( ) فارسية .
قال ابن جريج : كان تبع أول من كسا البيت كسوة كاملة، أري في المنام أن يكسوها فكساها الأنطاع ، ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل ؛ ثياب حبرة من عصب اليمن ، وجعل لها بابًا يغلق ، ولم يكن يغلق قبل ذلك ، وقال تبع في ذلك وفي مسيره شعرًا( ) .
وهذا الشعر قد ذكرناه من موضع آخر من تاريخ مكة للأزرقي( ) .
وقال ابن قتيبة : أول من كساه الأنطاع والبرود اليمانية أسعد أبو كرب الحميري ( ) .
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن سرد الروايات في أول من كسا الكعبة : فحصلنا في أول من كساها مطلقًا على ثلاثة أقوال : إسماعيل ، وعدنان ، وتبع ، وهو أسعد المذكور في الرواية الأولى .. ويجمع بين الأقوال الثلاثة إن كانت ثابتة بأن إسماعيل أول من كساها مطلقًا ، وأما تبع فأول من كساها ما ذكر.
وأما عدنان فلعله أول من كساها بعد إسماعيل ، وقال الحافظ أيضًا : ولا تعارض بين ما روي عنه (أي تبع) أي تبعًا أنه كساها الأنطاع والوصائل ؛ لأن الأزرقي حكى في كتاب مكة (تاريخ مكة) أي تبعًا أري في المنام أن يكسو الكعبة فكساها الأنطاع ، ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل ...( ) .
هكذا حاول الحافظ ابن حجر أن يوفق بين الروايات المختلفة على طريقة المحدثين .
وقد ذكر العلامة أحمد عبد الغفور عطار في كتابه: " أن الشيء الذي اتفق عليه كتاب السير والمؤرخون أن أسعد ملك حمير هو أول من كسا الكعبة بعد أن زار مكة ودخلها دخول الطائفين"( ) .
وقال محمد طاهر الكردي : وقد اختلفوا في أول من كساها ، فقيل: إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وقيل : عدنان ابن أد ، وقيل : تبع الحميري ، وهذا القول الأخير هو الشائع وهو ما نذهب نحن إليه أيضًا ، ثم ذكر تعليله لترجيح هذا القول ، فقال : إن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام لما بنى الكعبة مع ابنه إسماعيل بناه بالرضم حجارة بعضها فوق بعض بدون جص ولا نورة، ولم يجعل لها سقفًا ولا بابًا يفتح ويغلق ، بل جعل في جهتها الشرقية مكانًا مفتوحًا علامة على الباب ، وعلى أنه وجه الكعبة ، وكذلك لم يجعل عليها كسوة ، والسبب في ذلك أولاً : لم يؤمر بذلك ، ثانيًا : من أين يأتي بالقماش أو الجلد أو الخسف (الخصف) الكثير في ذلك الزمن الذي لم يكن بمكة كلها سوى قبيلة من جرهم هذا ما نراه . والله أعلم . فالشيء في ابتداء الأمر يقع على الفطرة ، ثم يأخذ في التحسين تدريجيًا شيئًا فشيئًا ، هذا هو سنة الكون ، والقصد من تغطية الكعبة بالكسوة تكريمها وتجميلها .
ثم قال : إن ما عللنا لإبراهيم عليه السلام من عدم وضعه الكسوة على البيت نعلله أيضًا لابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، ونعلله أيضًا لعدنان بن أد ، فإن مكة في تلك العصور الغابرة كانت قليلة السكان لا يرد إليها سوى قليل من المأكولات واللوازم الضرورية من جهة اليمن ، فمن أين لهم القماش أو الحصير الكثير الكافي لستر الكعبة ، إذن فالقول القائل بأن تبع الحميري هو أول من كسا البيت هو القول الأصح ( ) .
وقد تأثر تبع الحميري بزيارته هذه للكعبة تأثرًا بليغًا ، ولذا أوصى قبل أن يغادر مكة وقبل أن يرحل إلى بلاده اليمن ولاة مكة من قبل جرهم بالعناية بالكعبة ، وأمرهم بتطهيرها وأن لا يقربوها دمًا ولا ميتة ( ).
وبعد أن أوصاهم عاد إلى بلاده ، ومات بها ، ولا ننسى مدى أثر زيارته لمكة المكرمة ، وما صحبها من نتائج أدت في النهاية إلى تركه هو وقومه عبادة الأصنام ( ) .
وقد عني بعض الناس على اختلاف طبقاتهم بكسوة الكعبة تأسيًا بتبع ، وأخذوا يهدون إليها الأكسية المختلفة فتتجمع لدى سدنة البيت وولاته من جرهم وخزاعة، فيحتفظون بها ، فإذا بلي ثوب أبدلوه بثوب جديد آخر من خزانة الكعبة دون أن ينزعوا الثوب القديم( ) ، مما أدى إلى تراكم الأثواب على الكعبة المشرفة واستمر الحال على ذلك إلى أن ساد مكة قصي بن كلاب ، الجد الرابع للرسول ، وكان من سادة العرب، فكانت لـه الحجابة والرفادة ، والسقاية ، والندوة ، واللواء ، والقيادة ، فولي أمر الكعبة ومكة ، وصار له فيها ملكًا كبيرًا .
يقول أحمد عبد الغفور عطار : ومن أهم أعماله النظر في كسوة الكعبة المشرفة حيث عرض على القبائل المشاركة في إعدادها عن طريق الرفادة ، وبذلك سنحت الظروف للقبائل العربية في المساهمة في ذلك العمل العظيم( )، وسيأتي بعد قليل تحت عنوان : كسوة قريش . * * *
الفصل الثاني أول من كسا الكعبة الديباج (الحرير)
اختلفت الروايات في أول من كسا الكعبة الديباج كما اختلفت في أول من كساها مطلقًا ، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الأسلمي قال:أخبرني هشام بن عروة أن عبد الله ابن الزبير أول من كسا الكعبة الديباج( )، وهذه الرواية أخرجها الأزرقي أيضًا في تاريخ مكة ( ) .
وفي رواية في مصنفه عن ابن جريج قال : وأخبرني غير واحد أن النبي كساها القباطي والحبرات وأبو بكر وعمر ،وعثمان، وأن أول من كساها الديباج عبد الملك ابن مروان ، وأن من أدركها من الفقهاء قالوا : أصاب، ما نعلم لها من كسوة أوفق لها منه ( ) . وقال الحافظ ابن حجر : وروى الفاكهي في كتاب مكة من طريق مسعر عن جسرة قال:أصاب خالد بن جعفر بن كلاب لطيمة( ) في الجاهلية فيها نمط من ديباج فأرسل به إلى الكعبة فنيط عليها ، فعلى هذا هو أول من كسا الكعبة الديباج( ) .
وأخرج الدارقطني " أن أول من كسا الديباج نُتَيْلة بنت جَنَاب والدة العباس بن عبد المطلب ، كانت أضلت العباس صغيرًا ، فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج"( ).
وذكر الزبير بن بكار أنها أضلت ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فردَّه عليها رجل من جذام ، فكست الكعبة ثيابًا بيضًا( ). وحمل الحافظ هذا على تعدد القصة.
وروى العسكري بسنده عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي ربيعة ، عن أبيه قال: كُسي البيت في الجاهلية الأنطاع ، ثم كساه النبي الثياب اليمانية ، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج ديباجًا ، والصحيح أن أول من كساه الديباج ابن الزبير ، وقيل : يزيد بن معاوية ، وقيل : عبد الملك ( ) .
وحكى الأزرقي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كساها كسوتين كسوة عمر القباطي ، وكسوة ديباج( ) .
وأخرج الواقدي عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة، عن أبيه قال: كُسي البيت في الجاهلية الأنطاع ، ثم كساها النبي الثياب اليماني، ثم كساها عمر وعثمان القباطي ، ثم كساها الحجاج الديباج. ويقال: أول من كساه الديباج يزيد بن معاوية ، ويقال : ابن الزبير . ويقال : عبد الملك بن مروان ( ) .
وقد ذكر غالب هذه الروايات الحافظ في الفتح ، وقال : "وحصلنا في أول من كساها الديباج على ستة أقوال : خالد أو نتيلة أو معاوية أو يزيد أو ابن الزبير أو الحجاج ، ويجمع بينها بأن كسوة خالد ونتيلة لم تشملها كلها ، وإنما كان فيما كساها شيء من الديباج . وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته ، فصادف ذلك خلافة ابنه يزيد ، وأما ابن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارتها فأوليته بذلك الاعتبار لكن لم يداوم على كسوتها الديباج ، فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك فكأنه أول من داوم على كسوتها الديباج في كل سنة . وقول ابن جريج : أول من كساها ذلك عبد الملك يوافق القول الأخير، فإن الحجاج إنما كساها بأمر عبد الملك. انتهى " ( ) . * * *
الفصل الثالث كسوة قريش
سبق أن ذكرت أن الناس بدأوا يعتنون بكسوة الكعبة تأسيًا بتبع ، واستمر الحال على ذلك إلى أن ساد مكة المكرمة قصي بن كلاب الجد الرابع للرسول وكان من سادة العرب ، فكانت له الحماية والرفادة والسقاية ، والندوة ، واللواء والقيادة . الخ .
ومن أهم أعماله النظر في أمر كسوة الكعبة المشرفة ، حيث عرض على القبائل المشاركة في إعدادها عن طريق الرفادة وبذلك سنحت الظروف للقبائل العربية في المساهمة في ذلك العمل العظيم .
روى الأزرقي بسنده عن ابن أبي مليكة قال : بلغني أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كُسى شتى،كانت البدنة تجلل الحبرة والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن،وكان هذا يهدى للكعبة سوى جلال البدن هدايا(هذا ما )من كُسى شتى ، خز وحبرة، وأنماط فيعلق ، فتكسى منه الكعبة ، ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة،فإذا بلي منها شيء أخلق عليها مكانه ثوب آخر،ولا ينـزع مما عليها شيء من ذلك، وكان يُهدى إليها خلوق ومجمر، وكانت تطيب بذلك في بطنها من خارجها( ).
وروى الأزرقي أيضًا عن ابن أبي مليكة قال : كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة ، فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها من عهد قصي بن كلاب حتى نشأ أبو ربيعة ابن المغيرة بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم ، وكان يختلف إلى اليمن يتجر بها فأثرى في المال ، فقال لقريش : أنا أكسو وحدي الكعبة سنة ، وجميع قريش سنة ، فكان يفعل ذلك حتى مات ، يأتي بالحبرة الجيدة من الجند (موضع باليمن ) فيكسوها الكعبة ، فسَمَّتْه قريش العدل؛ لأنه عدل فعله قريش كلها فسموه إلى اليوم العدل ، ويقال لولده بنو العدل( ) .
وهذه الرواية تدل دلالة صريحة أن قريشًا كانت تكسو الكعبة كل سنة وتوارثوا هذا العمل حتى بعث النبي والكعبة مكسوة بالكسوة .
ولم تكن كسوة قريش نوعًا خاصًا من الثياب ، فقد روى الواقدي عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت رضي الله عنه أنها قالت : رأيت قبل أن ألد زيدًا على الكعبة مطارف خز أخضر ، وأصفر ، وكرار ، وأكسية من أكسية الأعراب وشقاق شعر .
وعن عمر بن الحكم السلمي قال: نذرت أمي بدنة ..وفي هذا الخبر والنبي يومئذ بمكة لم يهاجر فنظرت إلى البيت يومئذ وعليه كسى شتى من وصائل وأنطاع وكرار ، وخز ونمارق عراقية أي ميسانية ، كل هذا قد رأيته عليه( ) .
استمرت قريش بعد وفاة زعيمها قصي بن كلاب على نفس المنهج الذي رسمه لها في أمر كسوة الكعبة المشرفة حيث رأت أن ذلك واجبًا عليها ينبغي القيام به خير قيام فضلاً عن أن ذلك يزيد جمال الكعبة وعظمتها بين الأمم ، فيزيد احترامها ويرتفع شأنها وكان لنظام الرفادة في كسوة الكعبة أثره البالغ في تخفيف عبء النفقات عن كاهل قريش ، كذلك أصبحت جميع القبائل تشعر بالمسؤولية تجاه الكعبة وحرمتها وتعظيمها وبالتالي احترام ولاتها .
وقَسّم قصي بن كلاب قبيل وفاته أمور مكة بين ولديه عبد الدار وعبد مناف ، فأعطى عبد الدار الحجابة والندوة واللواء ، وأعطى عبدمناف السقاية والرفادة والقيادة .
وقد ظلت في يدهم حتى فتح مكة فتولاها المسلمون بأنفسهم سوى الحجابة( ) فقد بقيت في يد بني عبد الدار بعد ذلك واستمرت طوال العصور الإسلامية وحتى الوقت الحاضر والمعروفين لدى أهل مكة والمسلمين جميعًا بآل الشيبي ( ) . * * *
الفصل الرابع الكسوة في عهد النبي
لم يكن في وسع النبي ولا في قدرة أصحابه المسلمين أن يكسوا الكعبة التي كانت تحت سيطرة المشركين قبل فتح مكة ، وكانوا لا يتركون المسلمين ورسولهم الكريم أن يقوموا بالعبادة بين يدي الكعبة ، بل كانوا يعذبون المسلمين بصنوف من العذاب وبلغ من اضطهادهم للمسلمين مبلغًا لم يؤثر في تاريخ الديانات إلا نادرًا . فمن الطبيعي أنهم لم يكسوا الكعبة في هذه الفترة ، ولم يشاركوا في كسوتها ، وكانت الكسوة خلال هذه السنوات مما يقدمه غير المسلمين الممنوعين من دخول مكة ، فلما فتح الله مكة على يد رسوله الكريم الرؤوف الرحيم لم يغير الكسوة ، بل تركها على حالها .
ثم جاءت امرأة عام الفتح إلى الكعبة بمجمر تريد تجميرها وتبخيرها، وبينما هي تجمرها طارت شرارة إلى الكسوة التي كساها بها المشركون فاحترقت ، فعريت الكعبة ، فقام المسلمون بكسوها ، ومنذ ذلك اليوم أي يوم فتح مكة إلى يومنا هذا تفرد المسلمون بكسوة الكعبة المعظمة زادها الله شرفًا وتعظيمًا .
لم أعثر على حديث مرفوع صحيح أو حسن ولا على أثر من آثار الصحابة يدل دلالة صريحة على أن النبي كسا الكعبة بنفسه أو أمر بكسوتها في عهده.
والذي رواه العسكري في الأوائل وذكره الحافظ أيضًا في الفتح عن الواقدي عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال : كسي البيت في الجاهلية الأنطاع ثم كساه رسول الله الثياب اليمانية ، ثم كساه عمر وعثمان القباطي ثم كساه الحجاج الديباج( ). فهذه الرواية مع كونها مرسلة،ضعيفة لضعف الواقدي .
وقال الحافظ أيضًا : وروى الفاكهي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال : " لما كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الكعبة فاحترقت ثيابها، وكانت كسوة المشركين فكساها المسلمون بعد ذلك ، ففي مرسل سعيد هذا إشارة وتلميح إلى أنه من الممكن أن يكون رسول الله أمر بكسوتها بعد هذا الاحتراق ، وزاد على هذا ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي،باب أين ركز النبي الراية يــوم الفتح من قول عروة بن الزبير الطويل وفيه يقول سعد بن عبادة : يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة...فلما مر رسول الله بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ما قال ؟ قال : كذا وكذا . فقال : كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ، ويوم تكسى فيه الكعبة " الحديث( ) . قال الحافظ في شرحه تعليقًا على قوله : ويوم تكسى فيه الكعبة: قيل: إن قريشًا كانوا يكسون الكعبة في رمضان، فصادف ذلك اليوم ، أو المراد باليوم الزمان كما قال يوم الفتح، فأشار النبي إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام ووقع ذلك ( ) .
فلو نظرنا إلى قـول النبي المذكور في معرض الرد على قول سعد بن عبادة : اليوم تستحل الكعبة . فقال : ليس الأمر كما زعم سعد، بل الكعبة تعظم اليوم وتكرم وتكسى في هذا اليوم كما كانت تكسى سابقًا مع مصادفة احتراقها نتوقع أن يكون النبي كساها أو أمر بكسوتها .
وأخرج الأزرقي عن محمد بن يحيى بن إبراهيم ، عن محمد بن أبي يحيى ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : كسى النبي الكعبة ، وكساها أبو بكر وعمر( ). والرواية مرسلة ولكن يستأنس بها مع ما سبق من الأحاديث والآثار والقرائن . والله أعلم .
ويذكر الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار قصة فتح مكة مع ما أعقبها من غزوة حنين ثم محاصرة الطائف ، ثم عودته مع أصحابه إلى الجعرانة واعتمارهم منها ثم عودتهم إلى المدينة المنورة ، ثم يقول : وفي هذه الظروف لم يَكسُ الرسول الكعبة ، ولم يرو أحد أنه كساها وإنما رويت حادثة المرأة التي جاءت تجمر الكعبة ، فاحترقت الكسوة وكساها المسلمون ، والمسلمون أيام فتح مكة لم يكونوا ليصنعوا شيئًا من تلقاء أنفسهم ، بل هم ينتظرون في كل أمر من أمور دينهم ودنياهم وبخاصة فيما يتصل بالكعبة والمسجد الحرام أمر رسول الله ، وطبيعي أن ينتظروا أمره في كسوة الكعبة بعد احتراقها . فإذا ذكر المؤرخون أن المسلمين كسوا الكعبة بعد احتراق كسوتها فإنما هم كسوها بأمر رسول الله ، وليس من تلقاء أنفسهم ، فهم لا يعرفون رأي الإسلام فيما يصنعون ، فهم حريون بانتظار ما يأمر به رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام .
وثابت أن الكعبة كسيت عام الفتح بعد احتراق كسوتها ، ونحن نرى أن الرسول هو الذي كساها هذه الكسوة .
ومعروف أن الكعبة كانت تكسى غير مرة في السنة ، وطبيعي أن الكسوة في عهد النبي بأمره ، وكانت مستمرة في حياته ، وطبيعي أنها كُسيت في السنة التاسعة وفي السنة العاشرة التي كانت فيها حجة الوداع، وإن لم يذكر ذلك المؤرخون . والذي نراه أن رسول الله كسا الكعبة منذ عام الفتح حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى... ( ) .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:04 am | |
| الفصل الخامس الكسوة في عهد الخلفاء الراشدين
لما ولي أبو بكر الخلافة بعد رسول الله ، كان من جملة أعماله الجليلة الكثيرة أن قام بكسوة الكعبة المعظمة بالقُباطي .
فقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : وأخبرني غير واحد أن النبي كساها بالقُباطي والحبرات، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ( ) .
وذكر الأزرقي في تاريخ مكة عن حبيب بن أبي ثابت قال: كسى النبي الكعبة وكساها أبو بكر وعمر ( ) .
ولما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعهد منه كسا الكعبة بالقباطي .
فقد روى الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال : كانت على الكعبة كسا كثيرة من كسوة أهل الجاهلية من الأنطاع ، والأكسية ، والكرار ، والأنماط ، وكانت ركامًا بعضها فوق بعض ، فلما كسيت في الإسلام من بيت المال ، كان يخفف عنها الشيء بعد الشيء ، وكانت تكسى في خلافة عمر ، وعثمان رضي الله عنهما القُباطي ، يؤتى به من مصر ، غير أن عثمان رضي الله عنه كساها سنة برودًا يمانية ، أمر بعملها عامله على اليمن يعلى بن منبه فكان أول من ظاهر لها كسوتين( ) .
وروى الأزرقي أيضًا عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينـزع كسوة الكعبة في كل سنة فيقسمها على الحاج فيستظلون بها على السمر ( ) بمكة ( ) .
وروى أبو هلال العسكري عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال: كُسي البيت في الجاهلية الأنطاع ، ثم كساه النبي الثياب اليمانية ، ثم كساه عمر وعثمان القباطي الخ ( ) .
ولم يؤثر عن الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب رضي عنه أنه كسا الكعبة ، وليس ذلك تقصيرًا منه ، بل كان مشغولاً بالحروب التي أجبر على خوضها من أجل ضمان وحدة المسلمين .
يقول يوسف بن أحمد"ولم يذكر التاريخ شيئًا عن علي بن أبي طالب كرم وجهه، ولعل حروبه في تمهيد أمر الدولة قد شغلته عن ذلك( )".
ويزيد الكردي على ذلك ويقول :" ولهذا السبب نفسه لم يحج رضي الله عنه بالناس بعد الخلافة أيضًا " ( ) .
وكان ابن عمر رضي الله عنه يكسو الكعبة من ماله في عهد الخلفاء الراشدين، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه فقال : كان ابن عمر يجلل بدنته قبل أن تكسى الكعبة الحلل والأنماط والقباطي ، ثم ينـزعها قبل أن ينحرها ، فيرسل بها إلى خزانة الكعبة كسوة الكعبة ، فلما كُسيت الكعبة ترك ذلك( ) .
وروى الإمام مالك أن عبد الله بن عمر كان يُجلل بدنه القُباطي والأنماط ، ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها ( ) .
وأخرج الأزرقي بإسناده عن نافع ، قال : كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحبرة الجيدة ، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها ، فإذا كان يوم النحر نزعها ، ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان ، فناطها على الكعبة ( ) .
وأخرج أيضًا بعد قليل بلفظ : كان ابن عمر يجلل بدنه بالأنماط ، فإذا نحرها بعث بالأنماط إلى الحجبة ، فجعلوها على الكعبة قبل أن تكسى الكعبة ( )، يعني قبل أن تكسى من بيت المال .
ويبدو من تَتَبُّع الروايات أن فعل ابن عمر هذا وهو إكساء الكعبة كان في بداية عهد الخلفاء ، ثم لما جرى عمل الخلفاء في كسوة الكعبة من بيت المال لم يبق لابن عمر حاجة لكسوة الكعبة ، فقد روى مالك في الموطأ أنه سأل عبد الله بن دينار : ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال بدنه حيث كسيت هذه الكسوة ؟ فقال : كان يتصدق بها ( ) . وأول من كسا الكعبة من بيت المال هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
يقول أحمد عبد الغفور العطار : "وكان من مآثر سيدنا عمر وأولياته عمل الدواوين وضبط أمور الدولة التي جد فيها كثير مما لم يكن معروفًا في عهد صاحبيه ، وكان من هذه الأعمال الجديدة أن تكون كسوة الكعبة من بيت مال المسلمين، ومن ذلك الحين صارت نفقات الكسوة على الحكومة إلا في سنوات معدودات كان يكسوها أفراد من الموسرين أو من ذوي المناصب الرفيعة أو حكام بعض الدول الإسلامية .
ومن أوليات أمير المؤمنين أنه كتب إلى مصر (أي إلى عامله بمصر) التي دخلت في عهده في الإسلام أن تحاك الكسوة في مصر ، ثم ترسل إلى مكة ، وكانت من القباطي ، وكانت الكسوة القديمة تنزع لترتدي الكعبة حلتها الجديدة ، فيوزع عمر الكسوة القديمة على الحجاج" ( ) .
ويقول أيضًا : " فلما تولى سيدنا عثمان بن عفان الخلافة بعد عمر رضي الله عنهما سار على سنة سلفه العظيم عمر ، فكانت نفقات الكسوة من بيت المال مما يحاك في مصر ، وكان أول من قرر للكعبة كسوتين ، الأولى بالديباج يوم التروية ، وهو يوم الثامن من ذي الحجة، والأخرى بالقباطي يوم السابع والعشرين من رمضان" ( ) .
وعمل سيدنا عمر هذا وبعده عمل سيدنا عثمان رضي الله عنهما من تصنيع كسوة الكعبة من بيت المال يؤيده قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما سألتها أم علقمة : أنكسو الكعبة ؟ فقالت : الأمراء يكفونكم ولكن طهرنه أنتن بالطيب . أخرجه عبد الرزاق في مصنفه( ) .
وأخرج الأزرقي قول عائشة هذا بلفظ : كسوة البيت على الأمراء( ) .
وقول عائشة رضي الله عنها هذا ؛ إذا قلنا إنه غير مدرك بالرأي فهو في حكم المرفوع ، وإن قلنا إنه مدرك بالرأي فهو من اجتهاداتها الحسنة .
* * *
الفصل السادس الكسوة في عهد بني أمية
انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عام 41هـ بعد أن تنازل لـه وبايعه سيدنا الحسن بن الإمام علي رضي الله عنهما ليحقن دماء المسلمين ، وبذلك تحقق ما أخبر به الرسول : ( إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيميتن )( ) فتفرد بحكم المسلمين معاوية رضي الله عنه ، فدانت لـه كل أقطارهم ، وازدحم بيت المال بالأموال، وازدهرت الدولة الإسلامية في شتى المجالات، واتسعت رقعتها ، وازداد ثراؤها ، فاهتم الخليفة معاوية رضي الله عنه بأمر الكسوة اهتمامًا بالغًا ، حيث يسر الله لـه المال الوفير ، وبقيت الكسوة من مهام الدولة ينفق عليها من بيت مال المسلمين حيث سنه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فتبعه من جاؤوا بعده ، فاتخذ معاوية رضي الله عنه للكعبة كسوتين اقتداء بسيدنا عثمان رضي الله عنه إلا أنه غير تاريخ إلباس الكسوة ، فجعل الكسوة الأولى من الديباج وكانت تُلبس يوم عاشوراء والثانية من القباطي ، وتكسى بها في آخر شهر رمضان المبارك ، وزاد معاوية رضي الله عنه في خدمة الكعبة ، فأجرى له الطيب وخصص العبيد لخدمتها ، وهو أول من فعل ذلك في الإسلام ، وكان يبعث بالطيب مرتين ، مرة في شهر رجب ، والأخرى في موسم الحج ، وأجرى الزيت أيضًا لقناديل المسجد الحرام من بيت المال( ) .
وجاء بعد موت الخليفة معاوية ابنه يزيد عام 60هـ وبقي في الحكم إلى أن توفي سنة64 فقام بكسوة الكعبة المعظمة بالديباج الخسرواني ، وكذلك كان يفعل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه ، فقد أخرج الأزرقي من طريق الواقدي عن أبي جعفر محمد بن علي قال : كان الناس يهدون إلى الكعبة كسوة ، ويهدون إليها البدن ، عليها الحبرات ، فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة ، فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني ، فلما كان ابن الزبير اتبع أثره فكان يبعث إلى مصعب ابن الزبير بالكسوة كل سنة ، فكانت تكسى يوم عاشوراء ( ) .
ويقول باسلامة بعد أن ذكر الرواية المتقدمة : وهذه الرواية تدل على أن يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير كانا يكسوان الكعبة الديباج المصنوع في خراسان ، وذلك خلافًا لما عمله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتبعه الخليفة عثمان رضي الله عنه ، كما جاء في الرواية المتقدمة ، والظاهر أنهم كانوا ينظرون إلى المصلحة ، فإن كان ما يحاك بمصر أجود مما يحاك بخراسان أتوا بالكسوة من مصر ، وإذا كان ما يحاك بخراسان أجود أتوا بها منها ، وهذا دليل على جواز عمل الكسوة في أي محل كان ( ) .
ويقول المؤذن : إن عثمان رضي الله عنه زاد بلدًا آخر ، وهو اليمن، حيث كان يبعث إلى عامله فيها لإعدادها هناك ، ثم قال : كانوا يفعلون ذلك لما تقتضيه المصلحة العامة وما تقتضيه الجودة .. ولظروف أخرى مثل بعد المسافات ، وتأمين الطرق والفتن ، والاضطرابات والمنازعات السياسية وغير ذلك مما أدى جواز صناعة الكسوة في أي مكان( ) .
وذكر الكردي ممن كسوا الكعبة في عصر بني أمية من الخلفاء والأمراء :
1 معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه .
2 عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، قلت : وعبد الله بن الزبير ليس من بني أمية ، ولكن خلافته تخللت في عهد خلافة بني أمية وذلك من سنة 64هـ وإلى سنة 73هـ وذكر الكردي أنه لما فرغ من بناء الكعبة المشرفة سنة أربع وستين خلقها من داخلها وخارجها ، ومن أعلاها إلى أسفلها وكساها القُباطي ، وقيل : الديباج الخسرواني ...( ) .
3 يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، كساها الديباج الخسرواني أيضًا،وذكر أنه أخدم العبيد للكعبة كما أخدمهم أبوه معاوية رضي الله عنه.
4 الحجاج بن يوسف الثقفي ، كساها الديباج الخسرواني أيضًا، ونقل عن صاحب المحمل والحج قال : ولعله فعل ذلك تكفيرًا عما أتاه من رميها بالمنجنيق في قتاله ابن الزبير .
5 عبد الملك بن مروان ، ونقل الكردي عن الأزرقي قال : كان يبعث به أي بالديباج كل سنة من الشام ، فيمر به على المدينة ، فينشر يومًا في مسجد رسول الله على الأساطين ها هنا وها هنا ، ثم يطوى، ويبعث به إلى مكة .
6 هشام بن عبد الملك ، ونقل عن صاحب المحمل قال: "كساها هشام ديباجًا غليظًا ، وأغلب كسوة من كان قبله من متاع اليمن ، قال : وقال الماوردي : وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كانت على أهل ( نجران ) في جزيتهم والديباج من فوقها" ( ) .
* * *
الفصل السابع الكسوة في عهد العباسيين
انتقلت الخلافة من بني أمية إلى بني العباس عام 132هـ، وذلك بتولي أبي العباس السفاح عرش الخلافة ، وهو عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ، وهو أول خلفاء بني العباس ، وقد قدر الله لهذه الدولة العباسية أن تعيش مدة طويلة أكثر من خمسة قرون وذلك من سنة 132هـ إلى سنة 656هـ ، وخلفاء بني العباس في خلال فترة حكمهم الطويل لم يقصروا في خدمة الكعبة المعظمة وكسوتها ، بل اهتموا اهتمامًا كبيرًا في ذلك .
يقول أحمد العطار : "وخلال مدة حكمهم كانت عنايتهم بالكسوة عظيمة إلى حد بعيد، ولم نفتقد هذه العناية عند من سبقوهم ، ولكن تطور فن النسج ، والحياكة ، والصبغ ، والتلوين ، والتطريز والطلاء بماء الذهب والفضة جعل الخلف يصلون إلى ما لم يصل إليه السلف الذين رجحوا في الإيمان والإخلاص لله ولرسوله وللمؤمنين ودينهم الحق عن غيرهم " .
وبلغ من اهتمام الخلفاء العباسيين بالكسوة أن يبحثوا عن خير من يحسنون صناعة النسيج والحياكة ، فوجدوا ( تنيس ) المدينة المصرية التي اشتهرت في المنسوجات الثمينة الرائعة شهرة عظيمة ، فوقع اختيارهم عليها ، وصنعوا بها الكسوة الفاخرة من الحرير الأسود على أيدي أمهر الحاكة والنساجين .
وكانت قرية ( تُونَة ) من أعمال مدينة ( تنيس ) مشهورة بما اشتهرت به مدينة( تنيس ) ، فكانت الكسوة تصنع بها أيضًا( ) .
وكما ذكرت أن عصر خلافة العباسيين طال أكثر من خسمة قرون وقد تناوب على عرش الخلافة في هذه المدة الطويلة (132656هـ) سبعة وثلاثون خليفة ، كلهم اهتموا بالكعبة وبكسوتها ، كل حسب طاقته والظروف المهيأة لـه . فلو تتبعنا تاريخ الكسوة في هذه الفترة الطويلة بالتفصيل من المراجع المختلفة يطول بنا البحث ، فلذا أكتفي بذكره من كتاب (المحمل والحج) ليوسف بن أحمد مع بعض الاختصار،مع ذكر بعض المصادر للبحث في الآخر :
يقول صاحب ( المحمل والحج ) : وفي سنة 159هـ أمر المهدي بصنع كسوة من القباطي للكعبة ، شاهدها الفاكهي ، وقال عنها : ورأيت كسوة من قباطي مصر ، مكتوبًا عليها : (بسم الله ، بركة من الله، مما أمر به عبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين أصلحه الله محمد بن سليمان أن يصنع في طراز تنيس كسوة الكعبة على يد الخطاب بن مسلمة عامله سنة تسع وخمسين ومائة ( نقله من المقريزي ) .
" وفي سنة 160هـ نزع المهدي الكسوة التي كانت على الكعبة ، وكساها كسوة جديدة ، وذلك لأن حجبة الكعبة أنهوا إليه أنهم يخافون على الكعبة أن تهدم لكثرة ما عليها من الكسوة ، فأمر أن يكشف عنها ما عليها من الكسوة ، حتى بقيت مجردة ، ثم طلى البيت كله بالخلوق بالغالية والمسك والعنبر( ) .. ثم أفرغ عليها المهدي ثلاث كسى من قباطي ، وخز ، وديباج ، كما قسم المهدي في هذه السنة أموالاً كثيرة على أهل الحرمين من دنانير ودراهم وثياب( ) " .
ونقل عن الفاكهي: رأيت أيضًا كسوة لهارون الرشيد من قباطي مصر مكتوب عليها ( بسم الله بركة من الله للخليفة الرشيد عبد الله هارون أمير المؤمنين أكرمه الله مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل في طراز تونة سنة تسعين ومائة ) .
وذكر عن الفاكهي أيضًا أنه رأى كسوة لهارون الرشيد سنة إحدى وتسعين ومائة أمر الفضل بن الربيع مولاه بصنعته في طراز شطا كسوة الكعبة ( نقله من المقريزي أيضًا ) .
ونقل عن الفاكهي أيضًا أنه قال : "رأيت كسوة مما يلي الركن الغربي يعني من الكعبة مكتوبًا عليها : ( مما أمر به السري بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجروي يأمر الفضل ابن سهل ذي الرياستين وطاهر بن الحسين سنة سبع وتسعين ومائة ( نقله من المقريزي أيضًا ) . ثم إن المأمون بن هارون الرشيد أمر أن تكسى الكعبة ثلاث مرات .
فتكسى الديباج الأحمر يوم التروية ، والقباطي أول رجب ، والديباج الأبيض في 27 رمضان ، ابتدأه المأمون سنة 206 هـ حين قالوا لـه : الديباج الأحمر يتخرق قبل الكسوة الثانية ، فسأل مبارك الطبري مولاه ،وهو على بريد مكة وصوافيها عن أحسن ما تكون فيه الكعبة ؟ فقال له : في الديباج الأبيض، ففعله ، وذكر أن في سنة 200هـ قدم مكة (حسين بن حسن الأفطسي الطالبي ) ففعله وملكها ، ودخل الكعبة وجردها من جميع الكسى ، وأخذ جميع ما كان عليها( ) ، وكساها ثوبين رقيقين من قز ، أحدهما أصفر ، والآخر أبيض ، كان أبو السرايا بعث بهما إليها .
ثم رفع إلى جعفر المتوكل على الله في سنة 240 أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس وتمسحهم بالكعبة ، فزادها إزارين مع الإزار الأول ، فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض ، ثم جعل الإزار فوقه في كل شهرين إزار.
ثم في سنة 243 أمر المتوكل بإذالة القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكعبة .
ونقل عن الماوردي قال:ثم كسا المتوكل أساطينه الديباج،وقد عُدت الكساوي التي كسيت بها الكعبة من سنة 200هـ إلى سنة 244هـ فإذا هي (170) ثوبًا .
ثم عاد الخلفاء العباسيون ببغداد إلى شعارهم الأسود ، فألبسوا الكعبة الديباج الأسود ( ) .
وذكر خلفاء مصر من الفاطميين أن كسوا الكعبة البياض أيام إمارة أبي الحسن جعفر من السليمانيين سنة 381هـ( ) .
ثم نقل عن المسبحي في حوادث سنة 384 : وفي ذي القعدة ورد يحيى بن اليمان من (تنيس) و(دمياط) و( الفرما) بهديته ، وهي أسفاط وتخوت وصناديق مال وخيل وبغال وحمير وثلاث مظال وكسوتان للكعبة.
ثم ذكر : وفي سنة 397هـ كسا ( الحاكم بأمر الله ) الكعبة القباطي البيض ، وبعث مالاً لأهل الحرمين .
وفي سنة 423 بعث ( الظاهر لإعزاز دين الله ) بكسوة الكعبة ، فكسيت .
ثم ذكر أن في سنة 455 دخل ( علي بن محمد بن علي ) أبو كامل الصليحي إلى مكة وملكها ، واستعمل الجميل مع أهلها ... وكان متواضعًا ، وكسا البيت الحرام بثياب بيض من الحرير الصيني ، ورُد حلي البيت إليه ، وكان بنو الحسن قد أخذوها وحملوها إلى اليمن ، فابتاعها الصليحي منهم وأعادها ، ونقل هذا من ابن الأثير وغيره .
وفي نفس السنة ورد إلى مكة إنسان أعجمي يعرف بسالار من جهة جلال الدولة ملكشاه ، ودخل وهو على بغلة بمركب ذهب ، وعلى رأسه عمامة سوداء وبين يديه الطبول والبوقات ، ومعه للبيت كسوة ديباج أصفر ، وعليها اسم ( محمود بن سبكتكين ) وهي من استعماله ، وكانت مودعة بنيسابور من عهد ( محمود ) المذكور عند إنسان يعرف بأبي القاسم الدهقان ، فأخذها الوزير نظام الملك ، وأنفذها مع المذكور (نقلاً عن النجوم الزاهرة) .
وفي سنة 532 كسا الحبرات الشيخ أبو القاسم رامشت صاحب الرباط المشهور بالمسجد الحرام ( نقلاً من مرآة الحرمين ) ( ) .
وقال : ثم إن الناصر لدين الله أبا العباس أحمد كسا الكعبة في آخر أيامه الديباج الأسود ، وكانت تكسى الديباج الأبيض من زمن المأمون ، وكسيت في زمنه أيضًا كسوة خضراء ، ثم كسوة سوداء ( ) .
انتهت خلافة بني العباس سنة 656هـ ، وقد ضعفت في آخر أيامها، يقول أحمد العطار: " في أيام المقتفي الخليفة العباسي (530-555هـ) كانت الخلافة العباسية ضعيفة وعرضة للفتن على الدوام ، ولم تكن لديهم القدرة على الاستمرار في صنع الكسوة ، فكان يقوم به غيرهم أحيانًا ، ولم يكونوا من الأمراء والحكام ، بل كان منهم من أفراد الأمة الموسرين ، ثم ذكر نقلاً من البداية والنهاية من حوادث سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة، وفيها كسا الكعبة رجل من التجار يقال له "راشت" (وهو رامشت أبو القاسم المتقدم) الفارسي بثمانية عشر عشر ألف دينار، وذلك لأنها لم تأتها كسوة في هذا العام لأجل اختلاف الملوك ، ثم ذكر كسوة شيخ الحرم المكي منصور بن منعة البغدادي التي كـانت سنة 643هـ ، إلى أن قال العطار : ومرت سنوات عجاف بالكسوة حتى دالت دولة بني العباس سنة 656هـ،فبادر الملك المظفر ملك اليمن بكسوة الكعبة سنة 659هـ" ( ).
* * *
الفصل الثامن كسوة الكعبة في عصر المماليك والشراكسة
في كتاب ( المحمل والحج ) وفي سنة 666هـ كسا الكعبة السلطان الظاهر ( بيبرس البندقداري ) وعمل لبابها مفتاحًا ، وسيَّر قافلة الحج من البر بدلاً عن صحراء ( عيذاب ) ولما حج في سنة 667هـ غسل الكعبة بيده بماء الورد ، وقد رؤي بباب الكعبة محرمًا يأخذ بأيدي ضعفاء الرعية ليصعدوا ، وعمل الستور والديباج للكعبة وللحجرة النبوية( ).
وذكر الكردي الذين كسو الكعبة في عصر المماليك والشراكسة مرقمين من رقم (35) إلى (49) حيث قال : قال صاحب المحمل والحج نقلاً من كتاب ابن إياس ، وفي سنة" 922هـ أرسل السلطان قانصوه الغوري الكسوة والصدقات لأهل مكة والمدينة على يد الطواشي (مرهف) ولم يحج أحد من المصريين قاطبة بسبب فتنة ابن عثمان انتهى"( ).
ويلاحظ أن الدولة المملوكية لم تتقاعس في أمر الكسوة الشريفة مع أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة ، وقد استطاعت بذل شتى الطرق لإخراج الكسوة من مصر حتى تصل إلى مكة المكرمة في موعدها المعتاد ، ولم تمض أيام بعد هذا حتى وقعت الحرب بين الغوري آخر سلطان الدولة المملوكية وبين ابن عثمان في موقع (مرج دابق) انتهت بهزيمة السلطان الغوري وبوفاته في تلك المعركة انتهت الدولة المملوكية من مصر ، ودخـلت مصر في حظيرة الدولة العثمانية في نهاية ذي الحجة سـنة 922هـ( ) .
وبعد استيلاء الدولة العثمانية على مصر اختصت بإرسال كسوة الكعبة الداخلية وكسوة الحجرة النبوية الشريفة من مقرها باستنبول ، واختصت مصر بإرسال كسوة الكعبة الخارجية من أوقاف الكعبة بمصر( ).
واختصر العطار هذا العصر حيث قال : وفي سنة 661 كسا الكعبة الملك ظاهر بيبرس البندقداري (620 أو 625 – 676هـ) وهو أحد أعاظم سلاطين المماليك وحارب الصليبيين وهزمهم هزائم منكرة ، وأخذ ملوك اليمن وملوك مصر يتعاقبون على كسوة الكعبة ، مرة أولئك ومرة هؤلاء، إلا أن الملك المظفر اليمني كسا الكعبة بضع سنوات دراكًا (أي متتابعة ) ثم كان التعاقب حتى تفردت مصر بالكسوة ( ) .
وقال الكردي بعد أن ذكر رقم (50) من الذين كسوا الكعبة : ولا يخفى على المطلع في كتابنا عند كلامنا على كسوة الكعبة أننا تركنا تعداد من كساها بعد رقم (50) أي من بعد إرسال السلطان سليم الكسوة اكتفاء بما تقدم وبما سنذكره الآن ، ونحب أن ننبه القارئ الكريم أن لا يظن أن عدد كسوة الكعبة المشرفة يكون بعدد من كساها ؛ كلا بل إن كل ملك وسلطان يكسوها كل عام مدة بقائه في الحكم ، فعلى هذا يكون كل منهم يكسوها مرارًا عديدة ..( ) .
* * *
الفصل التاسع في الكسوة من مصر وكيف توقفت عنها في سنة (750هـ)
وقف الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر بن قلاوون ثلاث قرى من مصر على أن تصنع من ريعها كسوة الكعبة والحجرة النبوية( ) ، وذكر إبراهيم رفعت باشا أن في سنة (751هـ) أراد الملك المجاهد أن ينـزع كسوة الكعبة التي باسم المصريين ، ويكسوها كسوة من عنده ، تكون باسمه ، فأخبر صاحب مكة المصريين، فقبضوا عليه ( ) .
وبعد هذا استقلت مصر بإعداد كسوة الكعبة وإرسالها كل سنة من وقف الملك الصالح إسماعيل .
ويقول العطار تعليقًا على ما سبق : وتحديد سنة (750) بأنها السنة التي وقف فيها الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر ثلاث القرى لصنع الكسوة الشريفة من ريعها مخالف كل المخالفة للحقيقة والتاريخ ، فالواقف رحمه الله قد توفي قبل سنة (750هـ) بأربع سنوات( ) .
قلت : وهو كما قال العطار ، وقد ذكر الحسيني أيضًا في ذيل العبر وفاة الملك الصالح إسماعيل سنة ست وأربعين وسبعمائة( ) .
فمن سنة 750هـ أو قبلها بأربع سنوات حسب رأي العطار استمرت سلاطين مصر ترسل كسوة الكعبة في كل عام، وكانوا يرسلونها عند تجدد كل سلطان مع الكسوة السوداء التي تكسى من ظاهر البيت الشريف كسوة حمراء لداخل البيت الشريف ، وكسوة خضراء للحجرة الشريفة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مكتوب على كل من الكسوة السوداء والحمراء والخضراء : لا إله إلا الله محمد رسول الله دالات في قلب دالات ( ) .
يقول باسلامة نقلاً عن الفاسي : لم يكسها أحد من الملوك بعد ذلك أي بعد الوقف المذكور إلا أخوه الملك الناصر حسن ، إلا أن كسوته لم تكن لظاهر الكعبة ، وإنما هي لباطنها وهو الكسوة التي في جوفها الآن ... وكان أرسل السلطان حسن بهذه الكسوة في سنة (761هـ) وبلغني أنه كان في جوف الكعبة قبلها كسوة للملك المظفر صاحب اليمن ، والملك المظفر أول من كسا الكعبة من الملوك بعد انقضاء دولة بني العباس من بغداد( ) .
ويقول إبراهيم رفعت باشا : وكسوة الكعبة من سنة (750) من الوقف الذي وقفه الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر بن قلاوون على كسوة الكعبة كل سنة ، وعلي كسوة الحجرة النبوية والمنبر النبوي في كل خمس سنين مرة ، وهذا الوقف عبارة عن ثلاث قرى : بيسوس ، وسندبيس ، وأبي الغيط من قرى القليوبية اشتراها من بيت المال ، ووقفها على كسوة الكعبة والحجرة وقد اشترى السلطان سليمان بن السلطان سليم خان عدة قرى بمصر أضافها إلى القرى التي وقفها على الكسوة الملك الصالح ، وهذه القرى هي:1سلكه 2سروبجنجة،3قريش الحجر، 4مايل وكوم رحان، 5-بجام، 6منيـة النصارى،7بطاليا، ولم تزل موقوفة على ذلك حتى حل وقفها محمد علي باشا في أوائل القرن الثالث عشر الهجري ، وتعهدت الحكومة بصنع الكسوة من مالها العام ، ولا يزال دأبها الآن( ) . ثم ذكر نص الوقفية .
ويقول العلامة باسلامة معلقًا على حل محمد علي باشا هذا الوقف: كان هذا العمل من محمد علي باشا الخديوي السابق تعديًا على ذلك الوقف العظيم الذي مكث يدر إيراده على كسوة الكعبة المعظمة والحجرة الشريفة بحسب شرط واقفه نحو أربعمائة سنة ، حيث بعمله ذلك جعل الكعبة المعظمة والحجرة النبوية عالة على الحكومة المصرية بعد أن سلبها حقهما الشرعي ، وقد كانا في غني عن ذلك بأوقافهما المذكورة التي يكفي من إيرادها جزء بسيط لعمل كسوة الكعبة سنويًا وعمل كسوة الحجرة النبوية وخلافها في كل خمسة عشرة سنة مرة ، حيث إن كسوة الكعبة الخارجية لا تتكلف أكثر من أربعة آلاف جنيه سنويًا ، ثم ذكر تفاصيل ذلك ، وتفاصيل إيراد الوقوف المذكورة ، ثم قال : قلنا : إنه يكفي لصنع كسوتي الكعبة والحجرة النبوية أقل من عشر إيرادها ، وقال أيضًا : وبذلك صار بعد أن حل محمد علي باشا خديوي مصر تلك الأوقاف ، وأدخلها في خزينة الحكومة المصرية لا تكسى الكعبة من داخلها ولا الحجرة النبوية إلا تبرعًا ممن يتولى السلطنة من آل عثمان ، ثم ترك ذلك من زمن بعيد ، وبقيت كسوة الكعبة من داخلها وكسوة الحجرة النبوية من خارجها منذ كساها السلطان عبد العزيز خان ، حتى الآن لم تجدد ، وسبب كل ذلك هو حل الأوقاف المذكورة ، فلو بقيت أوقاف الكسوة على حكمها جارية ، بحسب شروط واقفها .. لما وقع مما وقع من امتناع الحكومة المصرية عن عمل الكسوة وإرسالها في أوقاتها حسب شرط الواقف في العصر الحاضر حيث لا مبرر لهذا الامتناع ، إلا لكونها ترى أن ذلك هو تبرع وتفضل منها على الكعبة المعظمة والحجرة النبوية ، وأنه لها الحق في منع ذلك التفضل متى شاءت ، وشاء لها الهوى ؛ لأن حل الوقف المذكور كان مبناه على منع إرسال الكسوة المذكورة متى أرادت حكومة مصر منعها ، وفعلاً حصل هذا الامتناع منها في زمن حكومة الشريف الحسين بن علي بن عون ، وفي حكومة جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود الحالية، وذلك على قاعدة أن المتبرع لا يجبر على إنفاذ تبرعه لكونه بطبيعة الحال حر في تبرعه ، إن شاء أنفذه ، وإن شاء منعه ، وهذه الحادثة هي من ضمن الحوادث المؤلمة التي أصيب بها الإسلام من المنتسبين إليه ( ) .
ويقول أبو القاسم زين العابدين : ويمكن تفسير هذا العمل بشيئين لا ثالث لهما : أولاً: أن الحاكم المصري رأى أن هذه الأموال أكثر من حاجة كسوة الكعبة ، وأن هذا الوقف يقيده ، فأراد أن يطلق يده في الأموال الموقوفة مع التزامه بكسوة الكعبة ، وفعلاً قد كانت الكعبة تكسى من مصر بعد ذلك .
ثانيًا : أن يكون هذا العمل تمهيدًا لإلغاء الكسوة ، وهذا مستبعد، وكيفما كان الأمر فإن كسوة الكعبة قد أصبحت منحة من مصر ولم تكن حقًا كما هو الشأن عند وجود الوقوف ( ) .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:15 am | |
| الفصل العاشر الكسوة في عهد سعود الكبير
في اليوم الرابع من شهر المحرم سنة 1218هـ دخل الإمام سعود الكبير بن الإمام عبد العزيز مكة المكرمة حرسها الله في عهد أبيه ، ولم يدرك الحج ولا حفل كسوة الكعبة ، ولكنه علم ما يصحب الكسوة من بدع . فكتب إلى السلطان سليم الثالث يطلب إليه منع قدوم المحمل المصري والمحمل الشامي مصحوبين بالطبول والزمور ؛ لأن ذلك من البدع التي يجب منعها ، وقال : عليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس ، فإن ذلك ليس من الدين في شيء ، فامتنع مجيء الكسوة من سنة 1221إلى 1227هـ حيث انتهى الحكم السعودي بعدها من الحجاز وعاد حكم العثمانيين .
وانقطعت الكسوة سبع سنوات ، فكان الإمام سعود الكبير يتولى كسوة الكعبة كساها سنة 1221هـ ، من القز الأحمر ، ثم كساها فيما تلاها من أعوام بالديباج الأسود والقيلان الأسود ، وجعل إزار الكسوة وستارة باب الكعبة من الحرير الطبيعي الأحمر المطرز بالذهب والفضة . ثم استرد العثمانيون حكم الحجاز من سعود الكبير عام 1227 فعادت الكسوة من مصر كما كانت ترد من قبل( ) .
الفصل الحادي عشر كسوة الكعبة في عهد الملك حسين بن علي
وبعد أن استرد العثمانيون حكم الحجاز عام 1227هـ عادت الكسوة من مصر كما كانت ترد من قبل ، فلما تولى الشريف الحسين بن علي حكم الحجاز بأمر السلطان العثماني عبد الحميد سنة 1328هـ استمرت مصر بإرسال الكسوة دون انقطاع ، فلما قامت الحرب العظمى الأولى بين ألمانيا وبريطانيا وحلفائها سنة 1332هـ لم تدخل تركيا إلى جانب ألمانيا، فجاءت الكسوة من مصر في موعدها .
ثم دخلت تركيا مع ألمانيا في الحرب سنة 1333هـ ، فخشيت الحكومة التركية دخولها في الحرب مع ألمانيا ضد بريطانيا ، أن يحول دون أن ترسل مصر الكسوة في موعدها ؛ لأن مصر كانت خاضعة لبريطانيا ، فلذا صنعت الحكومة التركية في الآستانة كسوة فاخرة آية في الروعة والجمال بكل توابعها وصنعت أيضًا كسوة لداخل الكعبة أيضًا كما صنعت كسوة ثالثة للحجرة الشريفة أيضًا وأرسلتها برًا بالسكة الحديدية إلى المدينة المنورة ،فوصلت إليها قبل الحج سنة 1333هـ إلا أن بريطانيا لم تحل دون إرسال مصر للكسوة ، فأرسلت مصر كسوة الكعبة في موعدها ، فحفظت ما أرسلتها الحكومة التركية في مستودع المسجد النبوي واستمرت مصر في إرسال الكسوة في موعدها دون أن تتأثر بالحرب ، وذلك من سنة 1333هـ إلى سنة 1340هـ،ولم تتدخل بريطانيا في أمر الكسوة بل ساعدت أيام الحرب في إيصالها إلى جدة لأجل التقرب إلى العالم الإسلامي ضـد الحكومة التركية وإرضاء للملك الحسين بن علي( ) .
وبعد سنة 1340هـ وقع خلاف بين الحكومة المصرية وبين ملك الحجاز الشريف الحسين بن علي سنة 1341هـ وذلك لما وصل المحمل المصري في باخرة خاصة إلي جدة يصحب معه كسوة الكعبة وحنطة الجراية وحرس المحمل وبعثة طبية ، فسمح الملك حسين بنـزو ل الكسوة وبعثتها وكل من أراد الحج من ركابها ، ومنع البعثة الطبية الإضافية من دخولها إلى مكة لأسباب سياسية ، فأبى المسئولون المصريون إنزال الكسوة إلا إذا نزلت البعثة الطبية الإضافية ، وتعند المصريون ، مع أن الملك سمح للجميع بالنـزول حتى أعضاء البعثة الطبية الإضافية أيضًا بصفة الحجاج لا بصفة كونهم أعضاء البعثة الطبية ( ) ، ولكنهم لم يرضوا ، وتعندوا وأعادوا الباخرة إلي السويس مع ما فيها ، وفيها الكسوة ، وذلك في آخر ذي القعدة، ولم يبق لموعد الكسوة الجديدة التي تكسى بها الكعبة إلا تسعة أيام ، فأصاب القلق والهم الملك حسين ، وشارك معه في القلق أهل مكة والشيبيون أيضًا .
ولكنه استطاع إنقاذ نفسه بتوفيق من الله تعالى من الحرج أمام حجاج بيت الله الحرام فتذكر الكسوة التي كانت أرسلتها الدولة العثمانية عام 1333هـ وكانت محفوظة في مستودعات المسجد النبوي ، فأصدر أوامره إلى أمير المدينة بأن يرسل إليه تلك الكسوة ، وبالفعل تم نقلها بسرعة فائقة إلى ميناء رابغ ثم إلى ميناء جدة ، فمكة المكرمة فوصلت الكسوة المحفوظة في نفس اليوم الذي كانت تكسى فيه الكعبة المشرفة، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وكسيت بها الكعبة ، وبذلك اندهشت الحكومة المصرية التي كانت تتعمد وضع الشريف حسين في وضع حرج( ).
وفي العام التالي سنة 1342هـ جهز الشريف حسين كسوة الكعبة من القيلان ، تم نسجها في العراق تحسبًا للظروف الغير ملائمة ، فربما تمنع مصر إرسال الكسوة في هذه السنة أيضًا ، ولكن مصر أرسلتها في موعدها ، فحفظت الكسوة العراقية القيلانية في مستودع الحرم المكي الشريف ( ) .
وفي عام 1343هـ نشبت الحرب بين الشريف حسين وبين جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، فاستولى جلالة الملك عبدالعزيز على مكة المكرمة فامتنعت الحكومة المصرية عن إرسال كسوة الكعبة العائدة لعام 1343هـ فكساها جلالة الملك عبد العزيز ذلك العام (الكسوة العراقية القيلانية) المحفوظة في مستودع الحرم المكي( ) ، ويقال إنه كساها هذا العام 1343هـ كسوة من صنع الإحساء بنجد( ) .
وفي 20جمادى الآخرة عام 1344هـ انتهت الحرب وانضمت الحجاز إلى الدولة السعودية إلا أن الحكومة المصرية أرسلت الكسوة في شهر ذي الحجة باسم الملك فؤاد الأول، وكسيت بها الكعبة المشرفة .
وهذه الكسوة التي جاءت من الحكومة المصرية جاءت مع المحمل( ) وصحبه جنود مصريون مسلحون وضباط وقائد وفرقة من الموسيقى ، وهم كانوا يعرفون أن الملك عبد العزيز وأعوانه لا يرضون بهذا( ) ، ولكن الملك عبد العزيز لم يُرد أن يحدث أزمة ، ولذا سمح للقوة العسكرية أن تنـزل ووصل ركب المحمل المصري مع توابعه المعروفة من جدة إلى مكة بكل ترحاب وإيناس ونزل في مكانه المعتاد ، وقد زاره جلالة الملك مع أولاده وبعض حاشيته في نزله ، ولكنه توجس منه الحيفة ، وقد حدث ما
توقعه الملك عبد العزيز بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة ،وهي ما سميت بحادثة المحمل( ). وكانت العلاقات بين الحكومة المصرية والحكومة السعودية متوترة من الأول ، ولم تعترف الحكومة المصرية بالحكومة السعودية بعدُ ، فحدثت حادثة المحمل فزاد الطين بلة، وتوترت العلاقات بينهما توترًا شديدًا بحيث امتنعت مصر من إرسال الكسوة سنة 1345هـ ( ) .
* * * الفصل الثاني عشر في بيان كسوة الكعبة الداخلية ، وتاريخها ولونها
تبين مما تقدم أنّ الكسوة الخارجية لها تاريخ قديم جدًا وقد قيل إنّ إسماعيل بن إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام أوّل من كسا الكعبة واستمر ذلك من عهده إلى عهد الجاهلية قبل الإسلام ثم في عصر الرسول والخلفاء الراشدين ثم العصر الأموي والعباسي والمملوكي والعثماني إلى يومنا هذا ، والكسوة مظهر من مظاهر التعظيم لبيت الله الحرام .
وقد تقدم من حديث عروة بن الزبير الطويل وفيه : كذب ( أي أخطأ ) سعد ، ولكن هذا يوم يُعَظِّم الله فيه الكعبة ، ويوم تكسى فيه الكعبة ، ولذلك نجد أن كل من تعرض من المؤرخين لتاريخ الكعبة المعظمة تعرض لذكر الكسوة الخارجية بينما لانجد أي ذكر للكسوة الداخلية لا في العصر الجاهلي ولا في صدر الإسلام ولا في عصور الخلفاء الراشدين والأمويين ، وأوّل إشاره تشير إلى وجودها نجدها في العصر العباسي ، وبالتحديد في عصر ابن جبير صاحب الرحلة(سنة 579) حيث ذكر في كتابه فقال: وسقف البيت مجلل بكساء من الحرير الملون ، وظاهر الكعبة كلها من الأربعة الجوانب مكسو بستور من الحرير الأخضر .. ( ) ولم نعلم بداية وجود الكسوة الداخلية بالتحديد .
ولو تتبعنا تاريخ الكسوة الداخلية من أول ماعرفنا وجودها إلى يومنا هذا نجد أنها كانت تغير على فترات متباعدة ويبدو أن السبب في ذلك أن الكسوة الداخلية وضعها غير وضع الكسوة الخارجية التي تكون كل سنة وأحيانًا مرتين أو ثلاث مرات في السنة الواحدة .
يقول الدكتور محمد الخزيم : ولعل هذا يرجع إلى أنّ الكسوة الداخلية محفوظة داخل الكعبة ، لاتتعرض لعوامل التعرية ، فلا يصل إليها الغبار أو التراب ولا المطر ولا الشمس ، فهي لاتبلى إلاّ بعد مرور زمن طويل عليها، ومن ثم فلا تكسى الكعبة من داخلها إلاّ على فترات متباعدة جدًا، وبمناسبة تولى ملك أو سلطان عرش دولته ( ) .
وقد ذكر الفاسي وابن إياس إشارات إلى هذه الكسوة الداخلية في فترات في كتابيهما .
وقد رتب الدكتور الدقن كلاهما في كتابه بأسلوب مفهوم ولذا فأنا أنقل مايلي من كتابه بنصه مع ذكر المصادر الأصلية أيضًا فيقول : نجد إشارة إلى تلك الكسوة الداخلية التي كساها الملك المظفر صاحب اليمن سنة (659هـ) أي بعد سقوط الدولة العَبّاسيّة ، والتي ظلت داخل الكعبة أكثر من مائة سنة إلى أن كسا الكعبة من الداخل الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون سنة (761هـ) ، وقد ظلت كسوة الناصر حسن في داخل الكعبة إلى أن كان عهد السلطان الأشرف برسباي ، فـأمر بإزالتها وكسا جوف الكعبة كسوة حمراء جديدة سنة (826هـ) ، بالإضافة إلى الكسوة الخارجية السوداء ، وقد جاء الركب المصري يحمل الكسوتين إلى الكعبة المشرفة تحت إمارة المقر الأشرف الزينبي عبد الباسط ناظر الجيوش المصرية ( ) .
وقال أيضًا : استمرت كسوة الأشرف برسباي الداخلية إلى سنة 848هـ حيث أرسل سلطان العجم شاه روخ مرزا كسوة داخلية للكعبة بعد أن استأذن السلطان الظاهر جقمق ، فكسيت بها مع كسوة الأشرف برسباي ، وظلت الكسوتان في جوف الكعبة إلى أن أمر السلطان الظاهر جقمق بأن ينـزع هاتين الكسوتين من داخل الكعبة المشرفة ، وتكسى بكسـوة جديدة له ، وكـان ذلك في رمـضان سنة (856هـ ) ( ) .
وقال القطب النهرواني : استمرت سلاطين مصر من بعده ترسل كسوة الكعبة في كل عام ، وكانوا يرسلون عند تجدد كل سلطان مع الكسوة السود (السودآء) التي تكسى من جانب البيت الشريف كسوة لداخل البيت الشريف .. ( ) .
وذكر الدكتور الدقن أن الملك الناصر " أبا سعيد خشقدم" الذي اعتلى عرش مصر في رمضان سنة (865هـ) كسا الكعبة كسوة داخلية في أول ولايته كالمعتاد ( ) .
وذكر ابن فهد في حوادث سنة (883هـ) وفي يوم الأربعاء حمل إلى المسجد الحرام كسوة الكعبة الشريفة التي تكساها من داخلها ، أرسل بها سلطان الحرمين ومصر والشام الملك الأشرف أبو النصر قايتباي فنُشِرت بالمسجد ، ثم حملت إلى جوف الكعبة ، وشرع في تعليقها في محلها ..( ) .
يقول الدكتور الدقن تعليقًا على ماسبق : وكانت هذه آخر كسوة داخلية للكعبة المشرفة عثرت عليها فيما قرأت من كتابات المؤرخين في العصر المملوكي ( ) .
ثم قال : أمّا في العصر العثماني فلم أجد فيما قرأت من كتابات المؤرخين مايفيد أنّ أحدًا قد كسا الكعبة من داخلها قبل سليمان المشرع، فقد أبلغ هذا السلطان بأن ريع القرى الموقوفة على كسوة الكعبة منذ عهد الملك الصالح إسماعيل لم يعد يقوم بتكاليف كسوة الكعبة كل عام ، فاشترى سبع قرى أخرى بمصر ، وضمها إلى الوقف السابق ، وخصَّص جزءًا من فائض إيرادها لعمل كسوة داخلية للكعبة المشرفة مرة كل خمسة عشر عامًا ( ) .
ثم استطرد قائلاً : والجدير بالذكر أنه على الرغم من الوقف الذي خصصه السلطان سليمان المشرع لعمل الكسوة الخارجية كل عام والكسوة الداخلية والكساوى الأخرى كل خمسة عشر عاما – على الرغم من ذلك فإن سلاطين آل عثمان قد اختصوا أنفسهم بإرسال كسوة داخلية للكعبة وكسوة للحجرة النبوية الشريفة كلما اعتلى سلطان جديد عرش الدولة العثمانية بالإضافة إلى التي ترسل من مصر كل خمسة عشر عامًا وقد عهد إلى مصر مهمة صناعة قماش تلك الكسوة السلطانية كلما تولى سلطان جديد عرش الدولة العثمانية . وظلت مصر تقوم بصناعة قماش الكسوتين الداخلية والخارجية إلى عام 1118هـ ، حيث أمر السلطان أحمد الثالث بن محمد الرابع بحياكة كسوة الكعبة الداخلية التي ترسل من قبل السلطان عام توليته الملك في استانبول فصنعت فيها، وأرسلت في العام التالي إلى مكة المكرمة عن طريق مصر ، ومنذ ذلك الوقت اختصت استانبول بحياكة الكسوة الداخلية للكعبة ، واستمر سلاطين آل عثمان في إرسالها على النحو المذكور إلى عهد السلطان عبدالعزيز بن السلطان محمود الثاني ، حيث انقطعت الدولة العثمانية عن إرسال الكسوة الداخلية للكعبة المشرفة .
وبقيت الكسوة التي أرسلها السلطان عبد العزيز عند توليته عام 1277هـ حتى بسط الملك عبدالعزيز آل سعود سلطانه على الحجاز ( ) . والمعروف أن جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله ضم مكة إلى دولته في 17/3/1343هـ الموافق 15/10/1924م ( ) .
وفي عهده استمرت الكعبة مكسوة بالكسوة القديمة الداخلية التي أرسلها السلطان عبد العزيز بن السلطان محمود الثاني عام 1277هـ إلى سنة 1355هـ وفي هذه السنة تم استبدال تلك الكسوة بكسوة أخرى أرسلها سلطان البهرة بالهند فقد ذكرت جريدة أم القرى أنّه تم في الساعة الرابعة من يوم أمس الخميس بحضور حضرة صاحب الجلالة الملك المعظيم وسمو ولي عهده وسمو الأمير فيصل وبعض أمراء الأسرة المالكة تعليق كسوة داخلية تامَّة للكعبة المطهرة في احتفال مهيب ، وقد علمنا أنّ الكسوة المذكوره وصلت هدية من قبل حضرة السيد طاهر سيف الدين إمام الإسماعيلية ،والكسوة المذكورة من الحرير الخالص ، ولونها أحمر ، ومنقوش عليها باللون الأبيض الشهادتين وآيات قرآنية كثيرة ( ) . وبعد هذه الكسوة الداخلية أمر جلالة الملك بصنع كسوة جديدة (أي داخلية) وتم تركيبها عام 1363هـ ( ) .
وظلت هذه الكسوة حتى أمر الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله بصنع كسوة داخلية جديدة بمصنع الكسوة بأم الجود بمكة المكرمة ، وتم تركيبها عام 1403هـ في عهد الملك فهد حفظه الله .
واستبدلت في عام 1408هـ بكسوة أخرى جديدة صنعت أيضًا بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بأم الجود وأخيرًا وبعد أن تم ترميم الكعبة المعظمة ترميمًا شاملاً في عهد خادم الحرمين الشريفين استبدلت الكسوة القديمة بأخرى جديدة ، وكان ذلك عام 1417هـ ( ) .
* * *
الباب الثاني في المحمل
وفيه اثنا عشر فصلاً
منمنة الواسطي يصف فيها موكب المحمل الشامي في القرن الخامس الهجري من كتاب " المحمل " لإبراهيم حلمي ص :304
الفصل الأول في تعريف المحمل وتاريخه المحمل : أعواد من خشب على شكل الهودج ، شكله مربع ذو سقف يأخذ في الارتفاع من الجانب إلى الوسط الذي فيه قائم ينتهي بهلال ، وفي العادة يسدل على ذلك الهيكل الخشبي كسوة قد تكون من الحرير ، وقد تكون من غيره ، يوضع أثناء السفر على ظهر جمل( ) .
هذا الذي ذكره صاحب مرآة الحرمين تعريف لماهية المحمل ومقوماته وشكله الظاهر ولا يراد هذا المعنى حينما يطلق هذا اللفظ ، بل المراد به كما ذكره الدكتور منير العجلان : المحمل من العادات أو (المراسم ) المشهورة التي كانت تبرز في موسم الحج من كل عام ، والمحمل: جمل ينصب عليه (هودج) ويزين بأنواع الزينة ، يجعلونه في مقدمة الركب ، إلى قافلة الحجاج ، ويحيطونه بكل مظاهر الحفاوة والتكريم ، كأنه رمز حي للحج ، وربما جعلوا خلفه فرقة موسيقيين تضرب على آلاتها النحاسية وتنفخ في الأبواق وتقرع الطبول زيادة في التعظيم ... والتجسيم ...( ) ويقول علي بن الحسين السليمان : يراد بالمحمل الجمل أو الجمال التي تحمل كسوة الكعبة ويضم (المحمل) مع قافلة الحجاج ركب الحجاج( ) .
ويقول السيد عبد المجيد بكر : المحمل أطلق قديمًا علي الجمل الذي يحمل الهدايا إلى الكعبة المشرفة ويرى البعض أن المحمل يعود إلى فترة تاريخية بعيدة ، ترجع إلى بداية الإسلام، فلقد سيَّر الرسول محملاً بالهدايا إلى الكعبة المعظمة ، وتكرر رسم المحمل فيما دُوِّن عن الحج ، كالمحمل العراقي ، والمحمل اليمني ، والمحمل الشامي ، ومحمل نظام حيدر آباد بالهند .
ومحمل سلطان الفور بالسودان ، وكان محمله يأتي إلى مصر، ومعه الريش والصمغ وغيرهما من خيرات بلاده ، فيباع ، وحصيلة ثمنها هي نقود الصُّرة ، ثم يستطرد الحج ( ) إلى الحرمين مع الركب المصري ، ومن المحامل محمل آل سعود ، ومحمل ابن رشيد، كلها كانت تحمل الهدايا إلى الحرمين الشريفين( ) .
وفي عهد المماليك أطلق المحمل على الجمال التي تحمل كسوة الكعبة المعظمة ، وانضم المحمل إلى قافلة الحجاج ، ويخضع لأمير الحج المصري ( ).
ويقول صاحب الحج قبل مائة سنة عن المحمل : نظرًا لمخاطر الطريق يلجأون من سحيق الزمان إلى إرسال قوافل الحجاج كل سنة إلى مكة والمدينة المنورة لمناسبة زمن الحج بحيث تكون قوافل كبيرة جدًا ، ويحميها خفر قوي ، ويسير على رأسها محمل ، ويقول أيضًا : وباسم المحمل كان يسمى من قبل البعير الذي كانت أسرة النبي تقوم عليه بفريضة الحج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، وفيما بعد أخذوا يطلقون هذا الاسم على خيام مزينة ببالغ الغنى محمولة باحتفال خاص على جمال معدة خصيصًا لها ( ) .
ويصف المستشرق (ك سنوك هور خرونيه ) المحمل بقوله: هو الاسم الفعلي لكل تلك الحاملة التي يسافر فيها المرء على الجمل ، وتبدو بأشكال مختلفة بحسب تجهيزها وبعض العامة يطلقون عليها اسم شقدف أو هودج أو ساحلة ، وهذه التعبيرات هي من اللغة الدارجة التي تستعمل في هذا المقام ، لقد استعملت كلمة محمل منذ عدة قرون لترمز إلى الصناديق المزركشة بالحلي ، والتي تحوي كسوة الكعبة المشرفة والحجرة النبوية التي يرسلها خلفاء المسلمين سنويًا في أثناء موسم الحج، وهذه العادة قديمة في مكة ، كان يقوم بها الحكام المسلمون كرمز لنيل الشرف بحصولهم على زمام السلطة في المدينة المقدسة ، وقد اعتاد هؤلاء أن يرفعوا علم الخلافة على جبل عرفات أثناء الوقوف بها ، غير أن تعدد السلاطين وتقسيم مملكة الإسلام قد أدى إلى تكاثر هذه الأعلام ، وقد وردت إشارات تاريخية إلى أن نزاعات وخصومات كثيرة كانت تقع بين أمراء العالم الإسلامي حول نصب هذه الأعلام، ومن تكون له مرتبة الشرف الأولى في رفعها( ) .
ويستطرد قائلاً : وعلى أي حال فقد كانت شهرة المحمل واسعة حتى على المستوى الشعبي فقد اعتاد الناس في أحياء جدة أن يضعوا محملاً حتى في الأعياد الشعبية ، فكل حي له يوم خاص، ينظم فيه محملاً يفوق كل المحامل في الأحياء الأخرى المعايدة ، ومهما يكن من أمر فإن المحمل مؤشر يرمز إلى سلطة حامي( ) مكة والمدافع عنها والذين ينافسونه في هذا السبيل( ) .
وقال أيضًا : ومنذ عهد أبي نمي تأصلت عادة خدمة المحمل من قبل الأشراف لهذا الهيكل الرمزي ، فقد كانوا يرتحلون لمقابلته، حيث يتسلمون من أمراء الحج الذين يرافقون المحمل ، لباس الشرف (الخلعة) الذي يشهد لهم على رضا حامي الديار المقدسة عنهم ، وقد كان أمراء الحج في بعض الأحيان يطلبون من الأشراف الضعاف إبداء الاحترام والتقدير بصورة مهينة ، وربما استعملت مثل هذه الأمور لإنهاء سلطة من لا يرضون عنه من هؤلاء ، ويمكن القول إن المحامل قد استعملت لعدة قرون بمنـزلة بارومتر لقياس الجو السياسي في مكة ، ثم استدل المستشرق بحوادث ووقائع تاريخية على ما ادعاه .
والمحمل الذي تصاحبه الكسوة كان يعظم تعظيمًا بالغًا من قبل حاكم مكة يقول القلقشندي : ومن عادة أمير مكة أنه إذا وصل المحمل إلى ظاهر مكة خرج لملاقاته ، فإذا وافاه ترجل عن فرسه ، وأتى الجمل الحامل للمحمل، فقلب خف يده اليمنى ،وقَبَّله خدمة لصاحب مصر...( ).
ويقول الدكتور علي الخربوطي : وقد بلغ من إكبار ملوك دولة المماليك للمحمل أنهم أمروا جميع حكام البلاد التي يمر عليها في طريقه بأن يقبلوا خف جمل المحمل عند استقباله، واستمر أمراء مكة يقبلونه حتى أعفاهم مـن ذلك السلطان جقمق في سنة 843هـ ( ) . وقال الغازي : وذكر صاحب درر الفرائد : أن المحامل التي اعتادت أن ترد من الأقاليم إلى الحجاز أربعة :العراقي ، والمصري، والشامي ، واليمني . وحج في بعض السنين الحلبيون بمحمل ، وحج آخرون بمحامل في سنين مختلفة ( ) .
وذكر الدكتور ريتشارد مورتيل محملاً آخر وهو محمل إيلخاني أو محمل الإيلخانيين ( ) . وذكر الغازي أيضًا : أن المحمل العراقي كان أجل المحامل في وقته ، لأن الخلافة الإسلامية كانت في مدينة بغداد عاصمة العراق، وكان معول أقاليم الإسلام على ما يصدر منها ويرد إليها، والولايات والأمور الدينية والدنيوية إنما تنشأ منها ، ويخبر بها عنها، ولقد اعتنى أبو سعيد بن خدابنده بأمر حاج العراق عناية تامة ... ثم قال : ولما تقلص ظل الخلافة عن العراق وآل الأمر إلى الملوك المتغلبين من الأمراء والأعيان ضعف شأن المحمل العراقي ، فكان يستهتر بركبه العربان ، وكثيرًا ما اعتدوا عليه ... إلى أن ذكر : ثم صار المحمل العراقي يجيء مرة وينقطع أخرى إلى القرن التاسع الهجري( ) .
وقال الغازي عن تاريخ المحمل اليماني : قال العصامي في تاريخه : وفي سنة 963كان ابتداء حدوث المحمل اليماني ، والمُحْدث لـه الوزير مصطفى النشار المتولي على اليمن من جهة السلطان سليمان خان ، فجعله كالمحملين ، ومعه خلعة من جانب السلطنة فَبَرز مولانا الشريف أبي نمي لملاقات الخلعة إلى بركة الماجن ، ثم وصل هو والأمير والمحمل إلي أن حاذى الشريف داره فدخلها ، وتوجه الأمير ونزل عند سفح الجبل الذي على يمين الداخل إلى مكة من ثنية الحجون ، ولم يزل كذلك إلى أن بطلت الخلعة والمحمل من سنة تسع وأربعين وألف وذلك لسبب وقوع الفتن القوية واشتغال الدولة العثمانية بقتال أعداء الله وإعلاء كلمته العلية . انتهى( ) .
وقال الغازي عن المحمل الرومي : قال في خلاصة الكلام وفي سنة 923أرسل الأمير مصلح بيك بمحمل رومي ( ) .
وقال الغازي أيضًا : لم يعلم تاريخ حدوث المحمل الشامي ، وجاء في درر الفرائد ما يدل على أن سفره إلى الحجاز قبل سفر المحمل الرومي إليه إذ في الدرر أن في سنة919 هـ تسابق المحمل الشامي والمحمل المصري فسبق الشامي فشق ذلك على المصريين فعقروا جمل المحمل الشامي ... إلى أن ذكر : وما زال المحمل الشامي يرد إلى مكة والمدينة صحبة أميره والحجاج والجنود الشاهانية والموسيقى السلطانية والذخيرة الكافية إلى أن قامت الحرب الكبرى في سنة الموافق 1914م فإن الأتراك شغلوا عن إرساله منذ دخلوا الحرب بجانب دول الاتفاق( ) .
ثم ذكر المحمل المصري ، فقال : قالوا : إن المحمل المصري يرجع تاريخه إلى تاريخ إرساله للحجاز إلى عهد شجرة الدر سنة 648هـ إلى أن قال : والمحمل المصري من قديم الزمان تصحبه كسوة الكعبة ، وما يلزم الحرمين والصدقات التي توزع على فقرائها لذلك كان في مقدمة المحامل ، وكان أميره مُقَدَّمًا في الرتبة والمنـزلة ..( )
ويقول البتنوني : ذهب بعض المؤرخين إلى أن المحمل يبتدئ تاريخه من سنة 645هـ . وقالوا : إنه الهودج الذي ركبت فيه شجرة الدر ملكة مصر في حجها في هذه السنة ، وصار بعدها يسير سنويًا أمام قافلة الحاج ، وليس فيه من أحد ، لأن مكان الملوك لا يجلس فيه غيرهم( ) .
ويقول إبراهيم باشا : جاء في كتاب( الكنـز المدفون ) للسيوطي: إن أول من أحدث المحامل في طريق مكة شرفها الله الحجاج بن يوسف الثقفي( ). وقال البتنوني : والذي أراه أن المحمل قديم جدًا ، وربما كان قبل الإسلام، وكان يطلق على الجمل الذي يحمل الهدايا إلى الكعبة المكرمة ، وقد سيَّر رسول الله محملاً إلى مكة بهداياه إلى البيت المعظم( ) .
وقال بعد أن ذكر بعض المحامل : وعليه فمحمل شجرة الدر ربما كان يسير أمامها حاملاً الهدايا التي أخذتها معها للبيت المكرم في هودج مزين بأبهى زينة ، وغاية ما هناك أنها عنيت به ، ورتبت له كثيرًا من الخدم والحشم ، ومن ثم صار عادة تقوم بها ملوك مصر كل سنة( ) .
ويبدو أن نسبة مبدأ المحمل إلى شجرة الدر بسبب عنايتها البالغة بمحملها حيث لم يسبق لها مثيل في التاريخ وإلا فتاريخ المحامل أقدم منها كما تقدم ، وشجرة الدر هي زوجة السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب ، فلما أرادت أداء فريضة الحج أعد لها زوجها هذا المحمل بهذه الأبهة خشية عليها من أخطار الطريق واللصوص من العربان ، فجهز لها قافلة كبيرة فيها الخدم والجنود حرس محملها لحمايتها تليق بمكانتها ، وعمل لها احتفالاً كبيرًا بهذه المناسبة . ومع مرور الأيام أصبحت تلك عادة سار عليها الملوك والحكام كل عام مع خلوه من الركاب لما تقدم أن مكان الملوك لا يجلس فيه غيرهم .
ثم استغل المحمل في حمل كسوة الكعبة المشرفة فيما بعد، وبدأوا يطلقون لفظ المحمل على الجمل الذي يحمل عليه الهدايا والكساوي والأموال اللازمة لمصاريف الحج والزيارة ، وما يوزع منها على فقراء ومحتاجي الحرمين الشريفين .
يقول سيد عبد المجيد بكر : وكان يحتفل بالمحمل قبل خروجه من القاهرة إلى مكة ، وذلك بدورته دورتين بمدينة القاهرة ، الدورة الأولى في شهر رجب ، وتعني إعلان أمن الطريق للراغبين في الحج، أما الدورة الثانية فكانت في شوال قبل خروج الموكب بعدة أيام ، واتبع هذا التقليد من سنة 675هـ 1276م في حكم الظاهر بيبرس ، وكان يتقدم المحمل في دورته بالقاهرة قبل سفر أمير الحج ، ويقام حفل بهيج وسيأتي تفاصيله يحضره السلطان ، وكبار رجال الدولة،وكما كان يحتفل بالمحمل في الذهاب توديعًا لـه يحتفل بعودة المحمل بسلامة الوصول( ). ويذكر ابن بطوطة هذه المناسبة بقوله : ( ذكر يوم المحمل بمصر ): وهو يوم دوران الجمل يوم مشهود ، وكيفية ترتيبهم فيه أنه يركب فيه القضاة الأربعة ووكيل بيت المال ، والمحتسب، وقد ذكرنا جميعهم ، ويركب معهم أعلام الفقهاء وأمناء الرؤساء وأرباب الدولة ، ويقصدون جميعًا باب القلعة دار الملك الناصر فيخرج إليهم المحمل على جمل ، وأمامه الأمير المُعَيَّن لسفر الحجاز في تلك السنة ، ومعه عسكره والسقاؤن على جمالهم ، ويجتمع لذلك أصناف الناس من رجال ونساء ، ثم يطوفون بالمحمل ، وجميع من ذكرنا معه بمدينتي القاهرة ومصر ، والحداة يحدون أمامهم ، ويكون ذلك في رجب ، فعند ذلك تهيج العزمات ، وتنبعث الأشواق ، وتتحرك البواعث ويلقي الله تعالى العزيمة على الحج في قلب من يشاء من عباده ، فيأخذون في التأهب والاستعداد( ) .
يقول السيوطي : كان المحمل أول الأمر عبارة عن (حمولة جمل ) تتضمن هدايا وكسوة الكعبة ، ثم نما المحمل نموًا عظيمًا ، حتى بلغ ثقله قناطير مقنطرة ، استعمل لنقلها عشرون جملاً وصار انتقال المحمل مع قافلة الحاج إلى مكة من مصر عبارة عن انتقال مجتمع بأكمله ، معه الأمراء والجند والأئمة والمؤذنون والأدلاء والحجاج ورجال الإدارة والمؤنة( ). * * *
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:23 am | |
| الفصل الثاني مراسم حمل الكسوة الشريفة
تحدثنا المصادر التي تبحث عن تاريخ كسوة الكعبة المعظمة أن الكسوة الشريفة كانت تحمل من مراكز قوة الخليفة أو السلطان في بغداد أو القاهرة مركز الخلافة العباسية أو الخلافة الفاطمية ، وسواء كانت من هنا أو هناك فإنها موضع اهتمام كل خليفة وسلطان ووال على مر السنين، وقد خصصت مصانع كبيرة تقوم بنسج الكسوة على مدار السنة تُعرف باسم دار الكسوة .
وبعد أن يتم نسج الكسوة كانت تحمل إلى الكعبة قبل موسم الحج وسط مراسيم بهيجة خاصة بحامل من الخشب ، يطلق عليه اسم المحمل وقد تقدم تعريف المحمل لغة واصطلاحًا في الصفحات السابقة وعدد المحامل التي كانت ترد إلى مكة المكرمة والمحمل المصري من قديم الزمان تصحبه كسوة الكعبة وما يلزم الحرمين والصدقات التي توزعها على فقرائها ، لذلك كان في مقدمة المحامل ، وكان أميره مقدمًا في الرتبة والمنـزلة على بقية أمراء المحامل ، وكانت تقام للمحمل المصري عدة احتفالات في أماكن متعددة ، وفيما يأتي تاريخ هذه الحفلات وأماكن إقامتها وكيفيتها وغير ذلك من التفاصيل .
* * * الفصل الثالث بدء الاحتفال بالمحمل والكسوة في القاهرة
الاحتفال بالكسوة والمحمل من الأمور التي أحدثت في العصور المتأخرة ، لم يكن عند سلف هذه الأمة ، ولا وجود له في القرون المفضلة، وهو من محدثات عام 675هـ .
وقد أمر الملك الظاهر بيبرس ملك مصر لأول مرة أن يطوفوا بالمحمل وبكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة ، وذلك سنة 675هـ وكان يومًا مشهودًا ، ثم استمر الحال على ذلك إلى العهد السعودي فأوقف ، وهذه هفوة منه ، والله يعفو عنه ، وإلا هو من أعاظم ملوك المسلمين ، يقول الزركلي : وكان بيبرس تولى سلطنة مصر والشام سنة 658هـ وكان شجاعًا جبارًا ؛ وله الوقائع الهائلة مع التتار والأفرنج (الصليبيين) وله الفتوحات العظيمة ، ويقول الكردي : وهو الذي أمر بإراقة الخمور وإبطال المفسدات ، وإسقاط المكوس ، وكانت لـه صدقات كثيرة ، وكان يرتب في أول رمضان مطابخ لأنواع الأطعمة للفقراء والمساكين ، وقد عمر في القاهرة مسجدًا عرف بجامع بيبرس ، وله أعمال جليلة وذكر حسن ( ) .
وهذا الاحتفال كان يقام في القاهرة فقط من التاريخ المذكور ولا وجود له في جدة ولا في مكة إلى سنة 1309هـ .
يقول الكردي : وأما في مكة المكرمة فما كانوا يجرون لها احتفالاً رسميًا إلى سنة إعلان الدستور (وذلك سنة 1309هـ) ففيها أمر خديوي مصر عباس حلمي باشا بأن يُجْرَى لها احتفال رسمي عند دخولها في مكة المكرمة ، فمن سنتها عندما يدخل المحمل مكة تدخل الكسوة معه باحتفال المحمل إلى أن تصل للتكية المصرية ( ) .
ولم يكتفوا بحفلة القاهرة ومكة المكرمة ، بل بدأوا يتوسعون فيها فأجروا لها احتفالات أخرى ، احتفالاً عند وصول المحمل والكسوة إلى ميناء جدة ، واحتفالاً في شوارع جدة واحتفالاً عند وصوله إلى مكة المكرمة ، واحتفالاً بمناسبة زيارة ملك الحجاز الهاشمي للمحمل والكسوة عند مجيئه واحتفالاً آخر بمناسبة زيارة الملك لـه عند سفره إلى القاهرة لوداعه ، ولم تذكر هذه الاحتفالات بالاستيعاب في الكتب المؤلفة عن الكسوة الشريفة ، وتعرضت لها الجرائد القديمة ، مثل (القبلة) و( الفلاح) و(أم القرى) وغيرها ، وأنا أورد بعض النماذج لها من هذه المصادر المختلفة لنرى ما تصاحب هذه الاحتفالات من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان .
وبسبب هذه المنكرات التي كانت ترتكب في هذه الحفلات منعت الحكومة السعودية مجيء المحمل وتجريد الكسوة من المحمل ، وسيأتي تفاصيل ذلك في الصفحات الآتية .
* * * الفصل الرابع أوقات الاحتفال بكسوة الكعبة في القاهرة
يقول المؤذن : جرت العادة قديمًا بمصر بإقامة احتفالين ، الأول في يوم 27 من شهر شوال بمناسبة الانتهاء من صناعة الكسوة الشريفة وتوابعها ، وكسوة مقام سيدنا إبراهيم ، والثاني في يوم 13شهر ذي القعدة بمناسبة سفر المحمل والكسوتين إلى مكة المكرمة .
وكان ذلك يتم كل سنة باتفاق بين نظارة الداخلية والمالية على اليوم الذي يتم فيه الاحتفال ، ومن ثم يصدق عليه الخديوي حيث تعطل فيه المصالح الحكومية ودواوينها ، وينشر ذلك بالجرائد الرسمية ، كما تخبر نظارة الداخلية نظارة الحربية ومحافظ العاصمة بذلك ، ليكون الضباط ، والجند ، ورجال الشرطة على استعداد تام للاحتفال بذلك اليوم ، وترسل المحافظة إلى العلماء والأعيان وكبار التجار بطاقات الدعوة لحضور ذلك الاحتفال ( ) .
* * * الفصل الخامس في ذكر بعض الاحتفالات في القاهرة بالكسوة والمحمل
يقول البتنوني : والمحمل يعمل لـه يوم خروجه من مصر احتفال كبير ، من أيام الدولة الأيوبية ، وهذا الاحتفال الآن لـه يوم مشهود بالقاهرة ، تمشي فيه الجنود الراكبة والبيادة (المشاة) وحرس المحمل وركبه وخدمته من ضوئية وعكامة ، يتقدمهم أمير الحج الذي يعينه الجناب العالي الخديوي سنويًا ، وهو من الباشوات العسكريين في الغالب ، وبعد أن يدور المحمل دورته المعتادة في ميدان القلعة يمر على المصطبة ، وهي المكان المعد لجلوس الجناب العالي الخديوي يوم هذا الاحتفال ، ومعه رجال حكومته السنية من الوزراء الفخام والعلماء الأعلام وكبار وذوات العاصمة ، وهناك يأتي حضرة مأمور الكسوة الشريفة ، وبيده زمام جمل المحمل ، فيستلمه الجناب العالي منه ، ويسلمه إلى أمير الحج ، وعندها تضرب المدافع، ويسير الموكب تتقدمه أشاير السادة الصوفية ، ثم الجنود ، ثم جمل المحمل يتقدمه أمير الحاج، ويتلوه المحاملي ، والجمالة ثم الفرايحية (الطبالون) على جمالهم ، ويستمر هذا الموكب سائرًا إلى المحجر فالدرب الأحمر ، ويمر من بوابة المؤيد ، فالغورية ، فالنحاسين ، فباب النصر ، فالعباسية ، وهنالك يتفرق الموكب ، وينزل ركب المحمل إلى خيامهم التي تكون ضربت لهم في فضاء العباسية ، وينصب المحمل في وسط ساحتها ليزوره من يريد التبرك به حتى إذا كان يوم السفر إلى السويس نقلوه مع أدواتهم وذخائرهم إلى وابور المحمل الذي يكون متهيئًا في محطة العباسية ، وبعد الشحنة يسير بهم على بركة الله إلى السويس ، ومنها يبحر إلى جدة، ثم يقصد مكة برًا ، وهنالك تسلم الكسوة إلى حضرة الشيبي القائم بسدانة الكعبة بإشهاد شرعي يحضره العلماء والكبراء ، فتبقى في منزله إلى صباح يوم عيد النحر فيؤتى بها على أعناق الرجال وتعلق على الكعبة بعد إنزال الكسوة القديمة ( ) .
وأدرك أحد هذه المواكب في عصر (محمد علي ) المستشرق الرحالة الانجليزي (ادوارد وليم لين) فقال بعد مشاهدته : عقب العيد السابق ذكره بيومين أو ثلاثة تقريبًا (عيد الفطر) تحمل الكسوة المرسلة سنويًا مع قافلة الحجاج الكبرى في موكب يسير من القلعة حيث تصنع على نفقة السلطان إلى مسجد الحسين لتخاط أقسامها معًا ، وتبطن استعدادًا للحج القريب ، والكسوة ديباج أسود غليظ تغطيه نقوش لآيات قرآنية الخ .. ثم يقول المستشرق : وإني أكتب الآن عن موكب الكسوة بعد عودتي من مشاهدته في السادس من شهر شوال عام 1249هـ الموافق 15 فبراير 1834م .
فقال : أخذت مجلسي بعد شروق الشمس في دكان كتبي الباشا في شارع المدينة الرئيسي مقابل سوق خان الخليلي تقريبًا ، وكان هذا الدكان وكل دكاكين الشارع تقريبًا مزدحمة بأشخاص جذبتهم الرغبة في مشاهدة الموكب شيوخًا وشبانًا ، والمصريون من كل طبقة ومركز وسن يجدون لذة كبيرة في رؤية المشاهدات العامة ، ولكن الشوارع لم تكن مزدحمة الازدحام العادي التي تكون كل منها جانبًا من الكسوة قد مرت محمولة بالمكان الذي اتخذت فيه مركزي ، فوضع كل قسم من الحبال التي تربط بها على حمار ، ولم تكن الحمير مزينة إطلاقًا ولا مسرجة بإتقان .
بعد هذا قدم حوالي عشرين رجلاً في ثياب رثة يحملون على أكتافهم إطارًا طويلاً من الخشب امتد عليه الحزام أي الشريط السابق ذكره ، ثم بدأ يذكر تفاصيل أجزاء الكسوة ( ).
وذكر عبد الله النديم في جريدة ( الأستاذ) تحت عنوان (الكسوة الشريفة ) بتاريخ 22 شوال سنة 1310هـ فقال : احتفل ليلة السبت في ديوان محافظة مصر احتفالاً جليلاً دعي إليه العلماء والأمراء وأرباب الطرق وكثير من الوجهاء والأعيان سرورًا بإنجاز كسوة مقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ، وقـد بلغت مصاريفها (1700جنيهًا ) وفي الصباح انتظم الموكب مركبًا من فرق العساكر الخيالة والمشاة والمدفعية ، وكان الوزراء الكرام يتقدمهم صاحب الدولة (رياض باشا) نائبًا عن الحضرة الخديوية قد اجتمعوا في سقيفة المنشية ، يصحبهم لفيف من العلماء الأعلام في مقدمتهم صاحب السماحة والفضيلة شيخنا الأستاذ (الأنبابي) وفي مقدمة رجال الطرق وأصحاب الأشاير صاحب السماحة والسيادة السيد (توفيق أفندي البكري الصديقي) وسماحة قاضي أفندي مصر أي أن هؤلاء الأعلام وجدوا مع النظار الكرام بالملابس الرسمية في مقدمة من وجد معهم من العلماء والأشياخ ، ومن ساحة المنشية سار الموكب حتى دخل مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه ، وقد هرع الناس إلى الشوارع التي مر بها حتى لم يبق في مصر أحد ممن يميلون لرؤية هذا الموكب المنيف إلا وقف له ..( ) .
تقول جريدة الأهرام : إن حضرة صاحب العظمة سلطان مصر رأى أن يزيد طلعة المحمل في هذا العام أبّهة وجلالاً ، لأنها الحفلة الأولى على عهد حكمه الميمون الطالع ، فعقد النية على أن يرأس هذه الحفلة وأن يشترك في ذلك حضرات أصحاب السمو الأمراء وحضرة صاحب الدولة الرئيس وحضرات أصحاب المعالي زملائه الوزراء وحضرات المستشارين ووكلاء الوزارات وحضرات العلماء وكبار الموظفين الملكيين والعسكريين وجمهور من نخبة الأعيان والتجار مرتدين جميعًا الكسى الرسمية وحاملين وساماتهم .
وبالفعل ركب عظمته صباح يوم الخميس 23 ذي القعدة بموكب حافل مهيب من قصر عابدين إلى ميدان محمد علي لابسًا حُلته الرسمية وأوسمته ، وقد أطلق 21 مدفعًا تكريمًا لعظمته عند تشريفه إلى ذلك الميدان حيث جرى لتشييع المحمل احتفال قل نظيره في السنوات الماضية ، ولما انقضت المراسم المعتادة آب عظمته إلى قصر عابدين فأطلق له 21 مدفعًا وقت انصرافه .
هذا وقد ضمت وزارة الحربية المصرية موسيقى المحمل المصري جوقة جديدة مؤلفة من 14جنديًا انتقتهم من الجنود القدماء الذين أتموا مدة خدمتهم وتمرنوا على الموسيقى ، وبمناسبة الاحتفال بسفر المحمل المصري عطلت وزارات الحكومة وسائر الدواوين الأميرية في القاهرة يوم الخميس 23 ذي القعدة ، وفي السويس يوم السبت 25 منه ... ( )
ومن حفلات المحمل والكسوة في القاهرة احتفال رائع ذكره إبراهيم رفعت باشا ، وقد سجل فيما ذكره معلومات وملحوظات دقيقة .
يقول : في يوم 27 شوال سنة 1318هـ ( 16فبراير سنة 1901م) احتفل في القاهرة بكسوة الكعبة المشرفة بالطريقة الآتية:
في يوم 26 شوال أتي بالمحمل من مقره بوزارة المالية ونقل داخل صناديق على عجلة إلى (وكالة الست) بالجمالية حسب المعتاد من قديم ونقل جزء من كسوة الكعبة مع أحزمتها الحريرية المزركشة بالقصب من مصنعها بالخرنفش إلى المصطبة بميدان صلاح الدين المعروف بميدان القلعة أو ميدان محمد علي وفي عصر هذا اليوم احتفل رسميًا بنقل كسوة مقام الخليل إبراهيم عليه السلام ، والجزء الباقي من كسوة الكعبة من مصنعها بالخرنفش إلى ميدان صلاح الدين السابق ، وكان نقل الكسوة على أكتاف الحمالين يحيط بها رجال الشرطة ويتقدمها قسم من الجيش ما بين راجل وراكب معهم الموسيقى تصدح بالأنغام المطربة ويصحبه أرباب المزمار البلدي المعينون للسفر بصحبة المحمل ، وكذلك تقدم الكسوة مدير مصنعها مأمور الكسوة ممتطيًا جواده مرتديًا لباسه الرسمي بذلة التشريفة الكبرى وعلى يديه المبسوطتين كيس مفتاح الكعبة ، ويتلو كسوة الكعبة كسوة مقام الخليل محمولة على الأكتاف أيضًا ، وسار الموكب بهذا النظام من المصنع إلى ( سبيل كتخدا) القريب من النحاسين حيث التقى به المحمل بكسوته الخضراء المعتادة آتيًا من ( وكالة الست ) بالجمالية على ظهر جمل ، فسار وراء كسوة المقام وسار الموكب كله إلى النحاسين فالغورية فباب زويلة (بوابة المتولي) فالدرب الأحمر فالتبانة فالمحجر ، فميدان صلاح الدين حيث أقيم هناك الاحتفال فوضع المحمل مع الكسوة في المحل المقابل لردهة (لصالة) الاستقبال حتى الصباح ووضعت كسوة المقام وسط الردهة المذكورة التي زينت جدرها بقطع من كسوة الكعبة وأحزمتها القصبية وكيس مفتاح الكعبة وستارة بابها، وباب التوبة ، ووضع حول كسوة المقام أربع ماثلاث (شمعدانات) من الفضة أحضرت من جامع القلعة ، ووضع بحجرة المحافظ التي بالجهة الغربية من ردهة الاستقبال أربع قطع يقال لها (كرداشيات) زينت بها جدر الحجرة، وقد أحيت المحافظة الليلة المعقبة لهذا اليوم بتلاوة آي القرآن الكريم وإنشاد المنشدين في مكان شرقي مكان الاحتفال ودعت العلماء والكبراء والأعيان لمشاركتها في إحياء الليلة ، ومنهم من دعته لتناول طعام العشاء قبل الغروب ، ومنهم من دعي للإحياء بعد صلاة العشاء فحسب كما أنها دعت مشايخ الطرق من الرفاعية والسعدية والأحمدية والإبراهيمية والبيومية والقادرية والشاذلية للسير أمام المحمل والكسوتين وللمشاركة في إحياء هذه الليلة التي أنفق فيها مائة جنيه مصري ، واستمرت الحفلة إلى ما بعد نصف الليل حيث جمعت قطع الكسوة التي في الردهة وفي حجرة المحافظة مع كسوة المقام ، ووضع كل ذلك مع المحمل في المكان المقابل لردهة الاستقبال .
وفي صباح هذه الليلة احتفل بالكسوة والمحمل احتفالاً فخمًا في ميدان صلاح الدين حضره سمو الخديوي والوزارء والعلماء والأعيان ، وأطلق للخديوي ساعة حضوره واحد وعشرون مدفعًا وصدحت الموسيقى بسلامه ثلاثًا أعقبها الضباط والعساكر والحضور في كل مرة بالهتاف لسموه (أفند مز جوق يشا) (يعيش أفندينا طويلاً) وكان الخديوي والحضور ساعة ذلك رافعي أيديهم إلى جباههم بالسلام ثم استراح جنابه مع الحضور قليلاً في بهو (صالة) الاستقبال مشاهدًا دورات المحمل السبع المعتادة في الفناء الواسع الذي أمام البهو وكان يقود جمل المحمل مدير مصنع الكسوة الذي قدم المقود إلى سمو الخديوي فقبله وناوله قاضي القضاة فقبله أيضًا مع بعض الحضور ثم أعاده إلى المأمور الذي ينتظر بالمحمل قبالة الجامع المعروف بالمحمودية بالميدان ريثما يتم استعراض الكسوة ، ثم عرضت الكسوة يحملها الخفراء على سموه، وقد وقف خارج الردهة مع الوزراء والحضور ، والخفراء يمرون بها من أمامهم حتى إذا ما انتهت استعرض الجيش ثم أطلق واحد وعشرون مدفعًا إيذانًا بانتهاء الحفلة وانصرف الخديوي والحضور ثم سير بالكسوتين والمحمل إلى مسجد الحسين رضي الله عنه يصحبها رجال الجيش والشرطة وأرباب الطرق وفي المسجد استقبل الكسوتين أمير الحج وأمين الصرة وكانا قد سبقا الناس إلى المسجد وهنالك ضمت بالخياطة قطع الكسوة بعضها إلى بعض ثم نقلت إلى العباسية مع كسوة المقام في صناديقها المعدة لها استعدادًا للسفر بهما إلى الحجاز بعد ، أما المحمل فسير به من المسجد الحسيني إلى مصنع الكسوة بالخرنفش وبقي هنالك إلى صبيحة يوم الاحتفال بخروج المحمل إلى الأقطار الحجازية ، ففي صبيحة هذا اليوم احتفل بنقله من المصنع إلى ميدان صلاح الدين ولكن من طريق سوق السلاح ، وفي ضحوة ذلك اليوم 13ذي القعدة سنة 1318هـ (4مارس سنة 1901م) عمل احتفال بالميدان المذكور كالاحتفال السابق وسلم فيه عبد الله فائق بك مدير مصنع الكسوة زمام المحمل إلى سمو الخديوي وسموه سلمه لأمير الحج حيث قاده محفوفًا برجال الشرطة والجيش وأرباب الطرق إلى العباسية ليسافر من هنالك إلى السويس فمكة مع الكسوتين والروائح العطرية والخرق الجديدة التي تغسل بها الكعبة ( ) . * * * الفصل السادس في ذكر احتفالين بمناسبة تشييع الكسوة والمحمل المصري من القاهرة
تقول جريدة القبلة: احتفل في يوم السبت الماضي بتشييع كسوة الكعبة المشرفة والمحمل المصري احتفالاً شائقًا أقيم في ميدان محمد علي بالقاهرة كالعادة المتبعة في كل سنة وفي صباح السبت14 ذي القعدة ترأس حضرة صاحب الدولة حسين رشدي باشا رئيس وزراء مصر حفلة عرض الكسوة الشريفة في الميدان المذكور بالنيابة عن عظمة سلطان مصر، وكان دولته محفوفًا بزملائه النظار وغيرهم من أكابر العلماء والموظفين ، وسار في هذا الموكب رجال الحامية المصرية ضباطًا وغيرهم من أكابر العلماء والموظفين، وسار في هذا الموكب رجال الحامية المصرية ضباطًا وجنودًا، وأطلقت المدافع المعتادة.
وأقيم احتفال رسمي آخر قبل ذلك بيوم واحد لنقل الكسوة الشريفة من مصنعها في حي الخرنفش إلى ميدان محمد علي ، فكان يتقدم الموكب أرباب الطرق والأشاير ، وبلوكان من جنود المشاة تصحبها موسيقى المشاة العسكرية، ويحرسه جمهور كبير من رجال البوليس مشاة وركبانًا ، حتى إذا وصلت الكسوة إلى منتهى سكة الجمالية تقابلت بالمحمل المصري، وترافقا إلى ميدان محمد علي ، وبقيت الموسيقى معهما في ذلك الميدان إلى ما بعد صلاة العشاء ، وهي ترحب بالذين يفدون لمشاهدتهما من العلماء والأعيان والموظفين ...
وبمناسبة الاحتفال بالكسوة الشريفة أصدرت رئاسة مجلس الوزراء بمصر أمرًا بتعطيل وزارات الحكومة ودوائرها في ذلك اليوم، وكذلك فعلت وزارة الحربية فأمرت بتعطيل جميع دوائرها وأفلامها( ) .
ويذكر إبراهيم باشا بعد ذكر الاحتفال السابق تحت عنوان: (سفر المحمل وركبه من القاهرة إلى جدة ) : وقد وقف القطار بمحطات القاهرة وطوخ ، وبنها ، والزقازيق وأبي حماد ، ونفيشة ، والإسماعيلية ، وفائد ، وقد كان الأهالي ومشايخ الطرق وطلبة المدارس بنين وبنات ينتظرون المحمل في محطات الوقوف ومعهم الموسيقى والمزمار البلدي ، ومما رأيناه من عادات الأهالي إحضارهم أولادهم الرضع ليروا المحمل ، ويلمسوه فيبارك لهم في ذريتهم وكانوا إذا لم يستطيعوا لمسه قذفوا بمناديلهم إلى خدام المحمل بعد أن يضعوا فيها شيئًا من النقود أو يملؤوها باللحوم البيضاء أو الفطير فيأخذ الخدم ذلك منها ، ويردونها إلى أربابها بعد إمرارها على المحمل ..( ) . * * *
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:37 am | |
| الفصل السابع الاحتفالات التي كانت تقام عند وصول المحمل والكسوة إلى ميناء جدة
جاء في جريدة ( القبلة ) : شمس يوم الخميس الماضي أشرقت مع دوي المدافع التي كانت تطلق من كل البوارج الراسية في الثغر تحية لنزول المحمل (أي من السفينة هاردن) وما كاد الزورق الذي يحمله يقترب من الشاطئ حتى أقبل الناس أفواجًا يترقبون وصوله إليهم ، وكان أولياء الأمور قد أعدوا كل وسائل الاحتفال به ، وما هي إلا ساعة حتى أقبل زورق المحمل تحف به الهيبة والوقار ، فحيته البطارية العربية بإطلاق 21 مدفعًا .
ولما وصل المحمل إلى الشاطئ علت أصوات التهليل والتكبير من كل جانب واستعدت الجنود العربية والجنود المصرية لاستقباله ، وكانت مصطفة صفين بغاية النظام والإتقان ، ولما أخرج المحمل إلى البر كان في مقدمة الجماهير العظيمة حضرة صاحب السيادة الشريف محسن بن منصور نائب جلالة سيدنا في جدة ، وسعادة أمير الحج المصري وكبار موظفي جدة وأعيانها ، فنقل المحمل إلى ميدان الجمرك ، وأقبل الحرس ، وأمامهم الموسيقى العسكرية ، فالتفوا حوله ، وأخذ رجال المحمل بإلباس الكسوة الذهبية ( ) المزركشة ، وفي الساعة الرابعة تحرك المحمل بين طلقات مدافع البطارية العربية التي كانت قريبة من الجمرك ، والموسيقى العسكرية تعزف بتحية السلام ، فسار والجنود المصرية تسير أمامه ، ورجال الشرطة العربية تحيط به فاخترق باب المغاربة ، وشارع البغدادي فشارع البوسطة ، فشارع دار الحكومة ، فشارع مخزن الذخائر، فباب مكة ، حتى بلغ الثكنة العسكرية ، وجماهير الناس متقاطرة من كل فج وسط التهليل والتكبير احتفالاً بقدومه ولما بلغ المحمل مضرب خيامه أطلقت البطارية المصرية مدافعها ، وحيته الجنود المصرية التحية العسكرية، وترجل نائب جلالة سيدنا حفظه الله ومن بمعيته من الموظفين والأعيان ، فدخلوا سرادق أمير الحج ، وهنالك أديرت عليهم كؤوس المرطبات ، وتبادلوا عبارات التهنئة والتبريك ( ) .
احتفال آخر للمحمل المصري بميناء جدة : جاء في جريدة القبلة أيضًا :
في صباح يوم السبت (28 ذي القعدة ) نزل المحمل إلى الثغر محمولاً على زورق بخاري ، فلما وصل إلى الساحل ضج الناس بأصوات التهليل والتكبير ، وكانت الجنود العربية، والجنود المصرية مصطفة لاستقباله ، وعند إخراجه إلى المرفأ أطلقت المدافع المعتادة ، وكان في مقدمة الجماهير المجتمعة لاستقباله سيادة الشريف محسن بن منصور قائمقام جدة وسعادة أحمد فطين بك أمير الحج المصري ، وكبار موظفي جدة ووجهائها .
وبعد أن اصطف جنود الحرس في المرفأ حول المحملوأمامهم الموسيقى العسكرية بدئ بإلباسه الثوب الخاص( ) وسط التهليل والتكبير، وكذلك الموسيقي كانت تصدح بألحانها المطربة ، وسار المحمل بعد ذلك بين طلقات المدافع العربية وعزف الموسيقى تحف به جنود المشاة والخيالة ، وجماهير الناس تصحبه وتتبعه من كل فج إلى أن بلغ مضرب خيامه المعدة لـه ، وهنالك أطلقت المدافع المصرية وحيته جنود الحرس التحية العسكرية ، ثم زار سيادة قائمقام جدة سرادق سعادة أمير الحج ، فاستقبل استقبالاً حسنًا ، وأديرت كؤوس المرطبات وتبودلت عبارات التحية والتبريك ( ) .
احتفال ثالث بوصول المحمل إلى ثغر جدة:
جاء في جريدة القبلة . في الساعة السابعة عربية نهار السبت غرة ذي الحجة وصلت الباخرة (بنت كوته) إلى ميناء جدة حاملة المحمل المصري ، وترافقها السفينة الحربية (صوفر) لخفارتها ، فلما دخلت الميناء أطلقت السفينة الحربية مدافع التحية والسلام ، فأجابتها المدافع العربية بمثلها ، وفي الساعة الثانية عشر والنصف من صباح يوم الأحد كانت الجنود العربية ورجال الشرطة والجنود المصرية بموسيقاها مصطفة على أجمل نظام في ساحة المرفأ ، فما لبث المحمل أن وصل محمولاً من الباخرة إلى البر على زورق بخاري ، فضجّ الناس حينئذ بالتهليل والتكبير بين دوي طلقات المدافع المعتادة ، وكان في مقدمة الجماهير التي أتت لاستقبال موكب المحمل حضرة صاحب الكمال الشريف محسن بن منصور قائمقام جدة وسائر كبار رجال الحكومة السنية والوجهاء والأعيان .
وفي تلك الأثناء ابتدأت مراسم إلباس المحمل الثوب الخاص وسط التهليل والتكبير وبعد الانتهاء من ذلك نهض المحمل وسُيّر به إلى مضارب خيامه المعدة له عند الثكنة العسكرية ، وفي مقدمة السائرين معه حضرة صاحب الكمال الشريف محسن وسعادة أمير الحج المصري عبد الرحيم باشا فهمي ، والموسيقى تشف الآذان بألحانها المطربة ، حتى إذا بلغوا مضارب الخيام أطلقت المدافع المصرية وقام الجنود بالتحية العسكرية ، وزار سيادة الشريف محسن سرادق سعادة أمير الحج ، فاستقبل هنالك أحسن استقبال ، وتبودلت عبارات التهنئة والتبريك بحلول هذا الموسم المبارك وأديرت كؤوس المرطبات على الحاضرين ( ) .
* * * الفصل الثامن الاحتفال بالمحمل في مدينة جدة في اليوم الثاني بعد وصوله إليها
ذكر إبراهيم رفعت باشا : احتفل بالمحمل في جدة احتفالاً رسميًا ، فتراصت عساكر الدولة العلية صفين متقابلين معهم الموسيقى وكان عددهم (400) من العساكر النظامية ، و(200) من غير النظامية .. وجيء بالمحمل يتقدمه الأمير وأمين الصرة ، ويحيط به حرسه ، وتضام الكل ، وسار المحمل بين الصفوف يجوب شوارع المدينة جريًا على سنته الماضية ، وكان يومًا مشهودًا ، إذ كان جميع الضباط والموظفين بلباسهم الرسمي ، والموسيقى الدولة وعدد رجالها ثمانون تصدح مع موسيقانا بالأنغام الشجية ، وكنت ترى الوجوه ضاحكة مستبشرة لا تقرأ عليها إلا آيات الفرح والسرور ، وإذا أضفت إلى ذلك منع الزحام بفضل النظام الذي وضعه القائد خالد بك أدركت أن الناس قد بلغ الفرح من نفوسهم مبلغًا عظيمًا .
وقد انتهت الحفلة برجوع المحمل حيث بدأ سيره بعد أن صدحت الموسيقى بالسلام السلطاني فالسلام الخديوي وبعد الهتاف لهما بالعز والبقاء ( ) . الفصل التاسع بدء الاحتفالات بدخول كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة وكيف كانت
قال الكردي بعد أن أشار إلى احتفال كسوة الكعبة بمصر: وأما في مكة المكرمة فما كانوا يجرون لها احتفالاً رسميًا إلى سنة إعلان الدستور في الحكومة العثمانية ، وفي سنة إعلان الدستور (وذلك سنة 1309هـ) أمر خديوي مصر (عباس حلمي باشا) بأن يجرى لها احتفال رسمي عند دخولها في مكة المكرمة ، فمن سنتها عندما يدخل المحمل مكة المكرمة تدخل الكسوة معه باحتفال المحمل إلى أن تصل للتكية المصرية فيدخلونها هناك ، ويبقى المحمل في محله بعد أن يخلعوا ثيابه الرسمية، والجيش يذهب إلى خيامه خارج البلد في حارة الجرول ، وفي اليوم الثاني من الصباح يأتي أمير الحج المصري وأمير الجيش ، وأمين الصرة المصرية ، ومعهم جيوش المحمل خيالة ومشاة ، معهم الموسيقة العسكرية والبلدية يصدحان إلى التكية المصرية ، ويأخذون ثوب الكعبة المشرفة (الكسوة) ويحملونه بصناديقه المحترمة بالتكبير والتهليل والاحترام ويصطف العساكر المشار إليهم خلفه وأمامه ، وكذا معهم من طرف الحكومة السنية طائفة من البوليس والجاندرمة ، والموسيقتان المذكورتان إلى أن يوصلوه إلى بيت صاحب المفتاح الشيبي شيخ السدنة ، فيتقابلهم الفاتحون مع شيخهم ، ويتسلمونها منهم ، ويُجلِّسون أمير الحج المصري وأمين الصرة المصرية وسائر مأموري جيش المحمل المصري بالألبسة الرسمية في بيت مفتاح الكعبة المشرفة عند شيخ السدنة الفاتحين ، ويقدم لهم الشرابات ، ثم تتلى الدعوات الشريفة لمقام الخلافة العظمى ، ثم يقرءون الفاتحة وبه تختم المراسم المعتادة ، ويكتب بذلك إشهاد شرعي باستلام آل الشيبي لكسوة الكعبة الشريفة من مندوب المملكة المصرية ( ) .
الاحتفال الرسمي بمناسبة وصول المحمل المصري إلى مكة المكرمة :
جاء في جريدة ( القبلة ) : وصل ركب المحمل المصري ليلة الأربعاء إلى مكة المكرمة قادمًا من جدة ، وقد عنيت بلدية مكة المكرمة في هذه المرة بإقامة سرادق خاص لاستقباله في ظاهر جرول ، فلما وصل المحمل إلى محل الاستقبال حط رحاله هناك ، وبات سعادة أحمد فطين باشا أمير الحج المصري في ذلك السرادق .
وفي الصباح خرجت حامية مكة المكرمة لاستقباله يتقدمها تلاميذ المدرسة الحربية الهاشمية بأسلحتهم ، وأمامهم الموسيقى العربية ، وقد حضر حفلة الاستقبال فخامة رئيس الوكلاء وسيادة الشريف شرف قائمقام مكة المكرمة ، وكان متوليًا قيادة الحامية العربية حضرة وكيل الحربية الجليلة ، فألبس المحمل كسوته( ) أمام سرادق البلدية ، وأطلقت له المدافع من أمام ثكنة جرول ، ثم مر بموكبه الرسمي من أمام الثكنة قاصدًا مضارب خيامه ، حتى إذا وصل إليها دخل فخامة نائب رئيس الوكلاء وسيادة القائمقام إلى سرادق أمير الحج حيث تبادلوا عبارات التهاني والتبريك ، وأديرت كؤوس المرطبات ، أعاد الله تعالى هذا الموسم على الأمة بالخير والهناء ( ) .
احتفال ثالث بمناسبة وصول المحمل المصري إلى مكة المكرمة :
وفي جريدة ( القبلة ) أيضًا . احتفل في صباح أمس باستقبال ركب المحمل المصري في المكان المعين لاستقباله فيه بظاهر جرول حيث ضربت له السرادقات .
وقد اشتركت في الاحتفال بوصوله حامية مكة المكرمة بموسيقاها العربية يتقدمها تلاميذ المدرسة الحربية الهاشمية بأسلحتهم .
وترأس حفلة الاستقبال حضرة صاحب الجاه والإقبال مولانا نائب رئيس الوكلاء ومعه أصحاب الإقبال الوكلاء الفخام وكبار الأشراف والأعيان . وفي هذا الاحتفال ألبس المحمل كسوته (أي ثوبه الخاص المذهب المزركش) حسب المعتاد وأطلقت لـه المدافع العربية من جهة ثكنة جرول . وبعد انتهاء إلباسه سار المحمل بموكبه إلى مضارب خيامه في مكانها المعلوم ، فلما وصل إليها زار رجال حكومتنا الهاشمية السنية سرادق سعادة عبد الرحيم باشا فهمي أمير الحج المصري حيث تبادلوا عبارات التهاني والتبريك ، وأديرت كؤوس المرطبات ، أعاد الله تعالى هذا الموسم على الأمة ... ( ) .
احتفال آخر بوصول المحمل إلى مكة المكرمة :
جاء في جريدة ( القبلة ) : وصل المحمل المصري في صبيحة أمس الماضي ( الأربعاء ) إلى مكة المكرمة ، فاستقبل استقبالاً رسميًا حافلاً على حسب العادة ، وأطلقت 21 مدفعًا من الثكنة لتحيته ، وقد حضر هذا الاستقبال حضرة صاحب الجاه والإقبال نائب رئيس الوكلاء وحضرة صاحب السمو وكيل الداخلية ... وهيئة بلدية العاصمة ( ) .
احتفال رسمي آخر بوصول المحمل المصري في العاصمة (مكة المكرمة):
جاء في جريدة ( القبلة) أيضًا : في صبيحة الثلاثاء الماضي جرى احتفال رسمي فائق خارج العاصمة لاستقبال المحمل المصري الشريف ، فقد كانت البلدية أعدت هنالك سرادقًا خاصًا لإجراء مراسم الاستقبال الرسمي حفاوة بقدوم المحمل ، وفي صباح ذلك اليوم كان نائب رئيس الوكلاء الفخام وبعض هيئة الوزارة في ذلك السرادق ينتظرون قدوم المحمل ، وقد اصطفت على جانبي السرادق المشار إليه قسم الموسيقى وقسم الهجانة وقسم المشاة والمدفعية من الجند العربي الهاشمي ، فما أقبل موكب المحمل الشريف إلا وخرج نائب رئيس الوكلاء من السرادق لاستقبال أمير الحج ، وحينما وصل الأمير المذكور قرب السرادق صدحت الموسيقى العربية نشيد التحية ، وأدى الجند التحية العسكرية ، وأطلقت المدفعية المدافع أداء لمراسم الاستقبال فكان لذلك منظر جلال ووقار ، وبعد أن استراح أمير الحج بسرادق الاستقبال قليلاً أدير كؤوس المرطبات ، ثم قام أمير الحج وطاف على سائر الجند العربي يرد له التحية ، وبعد ذلك سار هو ونائب رئيس الوكلاء أمام موكب المحمل إلى أن وصل إلى مناخه الخاص ، وعند ذلك تبودلت مراسم الزيارة والحفاوة وعبارات الولاء في سرادق أمير الحج،فكانت كلها مظاهر تبعث على الارتياح، وفي نحو الساعة الثالثة اختتمت المراسم الرسمية المتبادلة ، أعاد الله هذه المراسم على الجميع بالخير والسعادة( ) .
احتفال رسمي حافل آخر عند وصول المحمل إلى العاصمة المقدسة :
جاء في جريدة ( القبلة ) أيضًا : في صبيحة يوم السبت الماضي قدم ( العاصمة ) المحمل المصري بمعيته وتوابعه ، وقد جرى لـه احتفال شائق لاستقباله في جرول حيث نصب سرادق خاص أعدته البلدية لأداء مراسم الاستقبال ، كان به صاحب الجاه والإقبال نائب رئيس الوكلاء الفخام وصاحب الإقبال وكيل الخارجية الجلية ، وقد كانت ثلة من الجند النظامي الهاشمي بموسيقاها إزاء هذا السرادق ، وأقبل مركب المحمل يتقدمه سعادة أمير الحج ، وعلى يمينه ويساره الجند المصري والموسيقى المصرية تصدح بنغماتها الشجية ، فلما وصل المركب إلى السرادق أدى له الجند الهاشمي وموسيقاه مراسم التحية ، وحينئذاك وقف الموكب ، فرد التحية وبادر أمير الحج بالدخول إلى سرادق الاستقبال ، فاستقبله به نائب رئيس الوكلاء ووكيل الخارجية أحسن استقبال ، وبعد تبادل عبارات الوداد والترحاب أديرت كؤوس المرطبات ، وقام أمير الحج فشيع بمثل ما استقبل به ، وسار الموكب حتى وصل إلى مناخه الخاص ، وعند ذاك بادر صاحب الجاه والإقبال نائب رئيس الوكلاء وصاحب الإقبال وكيل الخارجية إلى زيارة أمير الحج في موقعه الخاص ، فأجريت لهما المراسم اللائقة ، وتبودلت بين الجميع كلمات الصداقة والمودة والترحيب ، ثم قاما فشيعا بمثل ما استقبلها به ، وبذلك انتهت المراسم المتبادلة ( ) .
* * * الفصل العاشر الاحتفالات بمناسبة زيارة ملك الحجاز الهاشمي للمحمل قبل العهد السعودي
ومن جملة الاحتفالات التي كانت تقام قبل العهد السعودي سنويًا احتفال بمناسبة زيارة ملك الحجاز الهاشمي للمحمل المصري الذي كان بمعيته كسوة الكعبة المعظمة ، وذكرت مجلة القبلة مناسبة من هذه المناسبات وأنا أذكر منها بنصها :
تفضل حضرة صاحب الجلالة الهاشمية مليكنا المعظم ، فزار في صباح هذا اليوم معسكر المحمل المصري زيارته الرسمية كالعادة السنوية المتبعة من قبل ، فما وافت الساعة الواحدة صباحًا حتى كان الموكب الملوكي السامي متهيئًا للمسير من القصر الهاشمي العالي ، وقد امتطى جلالته جيادًا من أكرم جياد الجزيرة العربية ، وركب بمعية جلالته سمو الأمير عبد الله بن محمد ، وبين يدي جلالته رجال القصر العالي ، ومن خلفه الحرس الخاص من الهجانة والفرسان وموسيقى الديوان العالي ، فلما بلغ جلالته مضارب خيام المحمل كانت حاميته من كل الأسلحة والمراتب واقفة لأخذ السلام الملوكي ، فالجنود المشاة مصطفون على جانبي ممر جلالته بأسلحتهم ، وفي الطرفين قسم الفرسان والمدفعية والرشاشات كلها واقفة بأتم نظام ، وفي مقدمة الجميع سعادة أمير الحج ، وكبار ضباطه وحضرة ذي الجاه والإقبال وكيل الحربية الجليلة ، وعند دخول جلالته في مدخل مضارب الخيام أطلقت المدافع إجلالاً وتعظيمًا ، وصدحت الموسيقى بالسلام الملوكي الهاشمي ، وأدت الجند بكل أنواعها رسم التعظيم ، وخرج سعادة أمير الحج المصري لاستقبال جلالته ، ثم سار بين يديه الكريمتين إلى أن استقر بجلالته المقام في سرادق إمارة الحج ، وهنالك أديرت كؤوس المرطبات والقهوة ثم وقف سعادة أمير الحج بين يدي حضرة صاحب الجلالة الهاشمية ، وألقى خطبة بليغة رفع فيها آيات الشكر للعرش الهاشمي الأسمى ، وللحكومة العربية السنية على ما لقيه موكب الحج المصري في هذا العام من صنوف الترحيب والتسهيل وأنواع العناية والرعاية التي هي غاية الغايات ، والتي هي فوق كل مأمول ، وقال: إن كل حرس المحمل وأفراد الحج المصري في غاية الصحة والعافية ببركة هذه الديار المقدسة والبيت النبوي الكريم ، ولما انتهى من خطابه أثنى عليه جلالة الملك المعظم ، وذكر أن البلاد تعتقد بأن رعاية ضيوفها وفود بيت الله الحرام من أسمى وظائفها الدينية التي تتقرب بها إلى الله تعالى، وفي نحو الساعة الثانية والنصف نهض جلالته للعودة إلى الديوان الهاشمي العالي ، فمر بين حرس المحمل الواقفين موقف التحية والإجلال والتعظيم ، فأخذ جلالته يحييهم ويؤانسهم ، وقد قال لهم: إنني أهنئكم بما اختاره الله تعالى لكم من القيام بهذا الواجب الديني السامي ، ولا شك أن الله تعالى قد أراد لكم الخير، فجعل علامة رضائه عنكم اختصاصكم بهذا الواجب المقرون بأداء هذه الفريضة المقدسة.
ثم عاد (قد عاد) جلالته بموكبه الفخيم مودعًا بما استقبل من الإعظام والإجلال وسط إطلاق مدافع التحية وترنم الموسيقى بالسلام الملوكي الهاشمي وأداء الجنود من كل الأسلحة واجب الحرمة والتعظيم( ).
احتفال آخر بمناسبة زيارة أمير مكة وواليها وقائد جندها للمحمل ، ذكره إبراهيم باشا:
فقال : في الساعة الثانية العربية نهارًا من يوم 7 ذي الحجة سنة 1318هـ زار صاحب الدولة الشريف عون الرفيق باشا أمير مكة معسكر المحمل في موكب حافل ، وكان راكبًا عربة يجرها جوادان وكان على يساره وكيل الشريف على باشا ، وكـان أمـام العربة 50 فارسًا و150هجانًا و250راجلاً و12موسيقيًا وزمارًا ، وكلهم من أهالي مكة إلا القليل سودانيين وكانوا بلباس عادي يحملون أسلحة من الطراز القديم ، وكان خلف العربة حوالي 15 جوادًا يقودها سواسها، وكان عليها السروج المذهبة المسبل عليها القطيفة المزركشة بالقصب منظر يسر الناظرين .
أما نحن فلدى قرب مجيئه اصطفت عساكرنا صفين متقابلين الموسيقيون أولاً فالفرسان فالمشاة ، واتخذ رجال المدفعية مكانًا مناسبًا لإطلاق المدافع ، ووقف أمير الحج والأمين وموظفوا المحمل في ميمنة العسكر ، وعند وصول الشريف تقدم إليه الأمير والأمين وقَبَّلا يَدَه وطرف السترة (الأتك) وتبعاه راكبًا عربته يسير الهوينا بين الصفين متأملاً زي العساكر معجبًا بشهامتهم وثباتهم مسلمًا عليهم بالإشارة وعند سرادق الأمير نزل من العربة وجلس على أريكة في صدر السرادق ، وساعتئذ قدم الأمير موظفي المحمل فلثموا يده ، ثم أمرهم بالجلوس وبعد زمن يسير قلت للعسكر (صفا) أي راحة ، وتوجهت بالضباط إلى السرادق حيث قبَّلْنَا يَدَ الأمير و(أتكه) كمن سبقنا ، وبعد تناول الشاي والقهوة هَمَّ بالعودة فرجعت بالضباط حيث كانوا أولاً ، وساعة مروره حيى التحية العسكرية ، وصدحت الموسيقى بسلام جلالة السلطان ، وأطلقت المدفعية 21 مدفعًا كما حصل ذلك عند القدوم ( ) .
* * * الفصل الحادي عشر ذكر بعض احتفالات قديمة ومختصرة للكسوة بمكة المكرمة
يقول ابن جبير : في يوم السبت يوم النحر (عام579هـ) سيقت كسوة الكعبة المقدسة من محلة الأمير العراقي إلى مكة على أربعة جمال ، تقدمها القاضي الجديد بكسوة الخليفة السوادية ، والرايات على رأسه ، والطبول تَهرّ (أي تصخب) وراءه ، وابن عم الشيبي محمد بن إسماعيل معها ، لأنه ذكر أن أمر الخليفة نفذ بعزله عن حجابة البيت لهنات اشتهرت عنه، والله يطهر بيته المكرم من يرضى من خدامه بمنه ، وهذا ابن عم المذكور هو أشبه طريقة منه وأمثل حالاً وقد تقدم ذكر ذلك في العزلة الأولى ، فوضعت الكسوة في السطح المكرم أعلى الكعبة ، فلما كان يوم الثلاثاء الثالث عشر من الشهر المبارك المذكور اشتغل الشيبيون بإسبالها خضراء يانعة تقيد الأبصار حسنًا ... ( ) .
احتفالات للمحمل بمكة المكرمة ذكرها الغازي مختصرًا :
وذكر الغازي في تاريخه فقال : وفي سنة 1337هـ وصل المحمل المصري ، ومعه (297) عسكري و(110)خدم المحمل و(365)حاجًا ، واستقبلته الحكومة استقبالاً رسميًا( ) . وقال أيضًا : وفي 3 ذي الحجة 1338هـ وصل المحمل المصري إلى مكة المكرمة ، فاستقبل استقبالاً حافلاً على حسب العادة،وأطلقت (21) مدفعًا من التكية (أي التكية المصرية) لتحيته ( ) .
وذكر أيضًا أن في ذي الحجة 1340هـ قدم مكة المكرمة المحمل المصري بمعيته وتوابعه ، وقد جرى لـه احتفال شائق باستقباله في جرول لأداء مراسم الاستقبال( ) .
ويبدو أن في مكة كان يقام احتفال أكبر مما ذكرنا ، فقد صور مصور مجهول الهوية المحمل محمولاً عبر شوارع مكة المكرمة على ظهر جمل ، وفيه كسوة الكعبة المشرفة ووجدت هذه الصورة في ملف مصور في ذكر الحرب العالمية الأولى (1333- 1337هـ) ( ) إلا أني لم أجد تفاصيل هذا الاحتفال فيما لدي من المصادر . ومن الاحتفالات التي كانت تقام قبل العهد السعودي احتفال بمناسبة زيارة ملك الحجاز الهاشمي للمحمل المصري عند عودته وسفره إلى مصر بعد موسم الحج ، وفيما يلي أذكر بعض المناسبات من هذا النوع .
* * * الفصل الثاني عشر الاحتفالات بمناسبة وداع المحمل المصري عند رجوعه إلى القاهرة
جاء في ( القبلة ) : تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ، فزار معسكر المحمل المصري مساء أمس زيارة خصوصية بمناسبة العزيمة على سفره مع سائر الحجاج المصريين في هذا اليوم إلى جدة ، فهرع سعادة أمير الحج المصري وضباطه لاستقبال جلالة الملك المعظم ، وأجريت لقدوم جلالته المراسم العسكرية والاحترامات اللائقة ، وقد لبث جلالته في سرادق سعادة أمير الحج مدة ، ثم عاد بموكبه الفخيم إلى الديوان الهاشمي العالي( ) .
وكما كانت تقام حفلة عند وصول المحمل المصري إلى العاصمة (مكة المكرمة ) كانت تقام حفلة أخرى لوداعه بعد الحج كل عام في عهد الهاشمية .
وأذكر فيما يلي مناسبتين من هذا النوع : حفلة لوداع المحمل المصري من العاصمة :
جاء في جريدة ( القبلة ) : أجرى الاحتفال الرسمي لوداع ركب المحمل بالصورة اللائقة به ، وخرج لتشييعه ممثلو الحكومة الهاشمية وجماهير الاعيان والوجهاء ، وأطلقت المدافع تحية واحترامًا .
أعاد الله تعالى هذا الموسم القدسي بالخيرات والبركات على البلاد والعباد إنه أكرم مسؤول ( ) .
احتفال آخر لوداع المحمل المصري :
وذكرت ( القبلة ) أيضًا : في صبيحة أمس جرى احتفال رسمي بخروج المحمل المصري من المسجد المكي الشريف ، فبعد أن ألبس المحمل حلله الفاخرة داخل المسجد ، أخرج بحفلة حافلة ، وشيع بهيئة خَدَمَة المسجد يحملون المباخر التي تعطر روائح طيبها الأرجاء ، وكان يرأس هذه الحفلة صاحب السمو الملكي الأمير (زيد) المعظم ، وعلى رأس خدمة المسجد ناظر الحرم المكي الشريف ، فشيعت هذه الهيئة المحمل من المسجد بحفاوة تامة إلى أن حمل على جمله الخاص ، وعند ذاك مسك صاحب السمو الملكي الأمير ( زيد ) المعظم بزمام جمل المحمل ، وهو محمول عليه، فدَوَّرَهُ ثلاثًا أمام الصفا ، ومن بين يديه خدمة المسجد بمباخرهم ، ثم بعد ذلك سلمه سموه إلى مأموري المحمل الخصوصيين ، فسار المحمل بعد ذلك بموكبه ، وعند سيره كانت ثلة من الجند الهاشمي واقفة ، فأدت له التحية العسكرية وهكذا سار مخترقًا الشارع العام بجنده وموسيقاه وكلما مرت ثلة من الشرطة أدت له التحية العسكرية ، والخلاصة أن الاحتفال بخروج المحمل كان بالغًا الغاية في الأبهة والفخامة والهيبة والوقار . انتهى ( ) .
حفلة بكسوة الكعبة بدون المحمل :
من المعروف أن الكسوة الشريفة كانت تأتي من مصر بمعية المحمل المصري ، فكانت تقام لهما الحفلات في جدة وفي مكة ، وكذا في مصر ، وقد ذكرنا فيما سبق بعض الحفلات في هذه الأماكن ، وقد انفردت الكسوة بحفلة بهيجة في سنة من السنوات ولم يكن المحمل معها في تلك السنة ، ففي عام 1341هـ حينما عاد المحمل المصري بما معه من الكسوة الشريفة من ميناء جدة لاختلاف بين حكومة مصر وحكومة الحجاز جُلبت كسوة محفوظة في مستودع المسجد النبوي بطريق ميناء رابغ إلى جدة ، وقد حفظت لنا جريدة القبلة وقائع هذه الحفلة ، فجاء فيها .
وصلت كسوة الكعبة المشرفة من المدينة المنورة إلى جدة يوم الخميس الماضي ، وقد جرى هنالك استقبال رسمي واستقبال عسكري ، فأطلقت لها المدافع من ثكنة جدة ، ومشت أمامها الجنود النظامية ورجال العسكرية والموسيقى ، وقد اشترك في ذلك الاحتفال هيئة حكومة جدة وجميع أهلها، فكان ذلك اليوم عندهم يومًا مشهودًا ، وفي يوم الجمعة الثالث عشر منه وصلت إلى العاصمة وفي صباح يومنا هذا صار الاحتفال بها رسميًا كالمعتاد ، فحملت من دار صاحب الإقبال فاتح بيت الله الحرام الشيخ عبد القادر الشيبي ، فمشى معها هو وسدنة الكعبة ، ومشت الموسيقى أمامها على مشهد من الألوف المؤلفة من الحجاج والأهالي ، حتى وصلوا بها إلى المسجد الحرام فوضعوها إزاء الكعبة الشريفة ، وجرى إكساء البيت بها في محفل عظيم من الألوف المؤلفة من الأهالي والحجاج الذين علا ضجيجهم وهتافهم حينذاك بالدعاء والابتهال إلي الله سبحانه وتعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين... ( ) . * * *
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:52 am | |
| الباب الثالث حوادث مهمة في تاريخ الكسوة
وفيه أربعة فصول
الفصل الأول كيفية توقف المحمل المصري والشامي
لاحظنا في الاحتفالات السابقة في مصر وفي مكة البدع والخرافات والموسيقيات والمزامير والطبول التي تصاحب المحمل الـمُحَمَّل بالكسوة الشريفة . فمن الطبيعي جدًا أن لا مكان لمثل هذه الاحتفالات في حكومة أنشأت على أساس كتاب الله وسنة رسوله .
ولذا نجد أن الإمام سعود الكبير أول ما دخل مكة واستقر فيها كتب إلى مصدر المحامل بمنع قدومها.
جاء في كتاب ( الكعبة والكسوة ) :
في اليوم الرابع من شهر المحرم سنة 1218هـ(1803م) دخل الإمام سعود الكبير ابن الإمام عبد العزيز مكة المكرمة حرسها الله في عهد أبيه ، ولم يدرك الحج ولا حفل كسوة الكعبة ، ولكنه علم ما يصحب الكسوة من بدع ، فأراد منع تكرارها فيما يأتي من الأعوام فكتب إلى السلطان سليم يطلب إليه منع قدوم المحمل المصري والمحمل الشامي مصحوبين بالطبول والزمور، لأن ذلك من البدع التي يجب منعها .
ونص الكتاب : من سعود بن عبد العزيز السعود إلى سليم
أما بعد : فقد دخلت مكة في اليوم الرابع من محرم سنة 1218هـ، وأمنت أهلها مع أرواحهم وأموالهم بعد ما هدمت ما هناك من أشياء وثنية ،وألغيت الضرائب إلا ما كان منها حقًا، وأثبت القاضي الذي وليته أنت طبقًا للشرع ، فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس ، فإن ذلك ليس من الدين في شيء ، وعليك رحمة الله وبركاته( ) .
ويقول الدكتور منير العجلان : " ومن المعروف أن السلفيين وخاصة الحنابلة منهم كانوا ضد هذه الطقوس المبتدعة ، التي لا تخلو من شيء من المظاهر الوثنية ، وقد تشدد الإمام سعود الكبير في منع المحمل العثماني من دخول مكة بأبهته المعهودة وحاشيته الموسيقية وحرسه المسلح، وعد ذلك مخالفًا للشرع ..." ( ) .
وبعد أن دخل مكة الإمام سعود بن عبد العزيز آل سعود لم يلبث بمكة إلا يسيرًا ، وأقام عليها واليًا من طرفه ، وعاد إلى نجد ، فإذا الوالي من قبل الحكومة العثمانية الذي كان قد هرب من مكة عند دخول سعود الكبير عاد إليها وتسلم زمام الأمر فيها ، وأخرج واليه (أي والي سعود الكبير) . ولكن سعود الكبير عاد بعد ذلك إلى الحجاز ، واستولى على مكة مرة ثانية وذلك سنة 1221هـ .
وقال السباعي : "وحج في هذا العام 1221هـ المحمل الشامي والمصري ، فاعترض السعوديون على أمر المحامل ، ونبهوا على أمرائها ألا يعودوا بعد عامهم هذا" ( ) .
وقال أيضًا : وفي موسم هذا العام 1221هـ وافت المحامل على جري عادتها ، وقد أرسل أمير الحج الشامي كتبه بأنه قادم في الطريق، فأعاد السعوديون إليه الكتب يمنعونه من دخول مكة ، فعاد من خلال الطريق .
وأما المحمل المصري فإنه وصل دون أن يتقدمه خبر ، فهجم السعوديون عليه وأحرقوه( ) .
وذكر الجبرتي هذا الخبر بتفاصيل أكثر فقال :"في شهر جمادى الآخرة سنة 1221هـ في يوم الخميس ثالث عشرة وصلت قافلة من السويس وصحبتها المحمل ، فأدخلوه ، وشقوا به من المدينة ، وخلفه طبل وزمر ، وأمامه أكابر العسكر وأولاد الباشا ومصطفى جاويش المتسفر عليه ، ولقد أخبرني مصطفى جاويش المذكور أنه لما ذهب إلى مكة ، وكان الوهابي حضر إلى الحج واجتمع به ، فقال لـه الوهابي : ما هذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها بينكم يشير بذلك القول إلى المحمل ، فقال لـه : جرت العادة من قديم الزمان بها يجعلونها علامة وإشارة لاجتماع الحجاج ، فقال : لا تفعلوا ذلك ، ولا تأتوا بها بعد هذه المرة ، وإن أتيتم بها مرة أخرى فإني أكسره " . انتهى( ) .
ويؤكد الخبر السابق ما ذكره الجبرتي في مكان آخر فقال : "وفي صفر سنة 1222هـ وصل حجاج المغاربة إلى مصر من طريق البر ، وأخبروا أنهم حجوا وقضوا مناسكهم ، وأن مسعود ( ) الوهابي وصل إلى مكة بجيش كثيف ، وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار، وأحضر مصطفى جاويش أمير الركب المصري ، وقال لـه : ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات : المحمل، فقال : هو إشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم ، فقال . لا تأت بذلك بعد هذا العام وإن أتيت به أحرقته ، وأنه هدم القباب ( ) ... " .
* * * الفصل الثاني انقطاع الحج المصري والشامي
وفي عام 1223هـ انقطع الحج المصري والشامي ، واتهمت الحكومة المصرية والشامية الحكومة الحجازية بأنها تمنع الناس عن الحج ، مع أن الحكومة الحجازية لم تمنع الناس عن الحج ، وقد دافع الجبرتي عن الحكومة الحجازية فـقال: من الحوادث العامة في ذي الحجة سنة 1223هـ : انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج ، والحال ليس كذلك ، فإنه لم يمنع أحدًا يأتي إلى الحج على الطريقة المشروعة ، وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع ، مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة ، وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله ، ولم يتعرض لهم أحد بشيء ( ) .
وقال السباعي : كانت المحامل قد منعت في عهد السعوديين الأول،فلما عاد الحكم إلى العثمانيين في هذا العهد استؤنف المحمل الشامي والمصري مسيرهما إلى مكة ( ).ولم أطلع على خبر المحمل الرومي ... وكان المحملان يستقبلان في جدة استقبالاً رسميًا واستمرت مصر في إرسال الكسوة دون أن تتأثر بالحرب العظمى الأولى إلى سنة 1430هـ.
تقدم أن في عام 1341هـ لما لم يسمح الشريف حسين ابن علي بنـزول البعثة الطبية المصرية الإضافية أبى المسئولون المصريون إنزال الكسوة ، فأعادوا الباخرة إلى السويس مع ما فيها وفيها الكسوة الشريفة أيضًا ، فكسى الشريف الكعبة بالكسوة التي كانت محفوظة في المدينة المنورة من صنع تركيا ، ثم أرسلت مصر الكسوة عام 1342هـ وامتنعت عام 1343هـ فكسى الشريف الكعبة بكسوة صنعت في الإحساء .
* * * الفصل الثالث عودة العهد السعودي الثاني وما جرى بين الحكومة المصرية والسعودية وكيف عادت الكسوة والمحمل
وفي 20جمادى الآخرة عام 1344هـ انضمت الحجاز بما فيها مكة المكرمة إلى الدولة السعودية وفي هذه السنة أرسل جلالة الملك عبد العزيز برقية إلى حكومة مصر ، وتكلم فيها عن حالة الأمن في الحجاز ، ثم ذكر جلالة الملك فيها أنه يقابل المحمل وركب المحمل على الرحب والسعة ، ويرحب بهم الترحيب اللائق بمقامهم ، وبمصر وبأهل مصر وبمَلك مصْرَ ، ويسمح بدخول البعثات الطبية كلها .. وتكلم عن الموسيقى والدخان وذكر أنه يلفت نظر الحكومة المصرية إلى ما سيذكره في شأنهما ، ويرجو الموافقة عليه حفظًا لأواصر الصداقة والود، وقال عن الموسيقى إنها ولو كانت مُسَلِّيَة للجند ومُنَظِّمَة لسيرهم ، فإنها تلهي عن ذكر الله في البلاد التي أوجدها الله لذكره ، وقال : إنه يقبل مجيئها لغاية جدة فقط( ) ، ويبدو أنه قبل هذه البرقية أرسل رسالة قريبة من هذه البرقية ، طلب فيها تجريد حرس المحمل من السلاح ومنع انتقال الموسيقى المصاحبة للمحمل كما هو ظاهر من جواب الأستاذ محمد ماضي أبو العزايم المصري ، ونص جوابه( ) : ( نشرت بعض الصحف أن الحكومة المصرية بلغها أن ملك الحجاز وسلطان نجد يمنع انتقال الموسيقى المصاحبة للمحمل من جدة إلى مكة ويطلب تجريد حرس المحمل من السلاح في الأراضي المقدسة مع حمل الكسوة من غير احتفال من جدة إلى مكة .
وأن الحكومة تهتم بهذا الأمر ونحن حيال ذلك نقول إن مثل هذه الأخبار وإن صحت لا يهتم بها فإن مكة بلد الله وسكان بيته المكرم وأن الحج فريضة علي كل مسلم بالغ مستطيع . ومن فرائض الحج (الإحرام) وهو التجرد من المخيط إجلالا للبيت كما فرضت الشريعة ولما كان القادم إلى مكة يجب عليه أن يتجرد من محيط الملابس ومخيطها وأن يكون أشعث أغبر إقرارًا بأنه عبد قدم على بيت سيده ومولاه ، ونحن نرى الداخل على ملك من الخلق يلبس لـه لباسًا رسميًا بحيث لو لبس غيره لكان مخالفًا لآداب الزيارة مستهينًا بالملك ودخول مكة بالموسيقى وبالسلاح ينافي العبودية لرب البيت في جواره فالمتعين شرعًا الرجوع إلى آداب الشريعة في مثل هذه المشاهد ، ولو أن نص الواقف إرسال المحمل بقوة عسكرية وموسيقى فإن شروط الواقف لا تنفذ إذا كانت تخالف آداب العبد لربه في جوار بيته . وإنا لنشكر الإمام عبد العزيز آل سعود ملك الحجاز على رعايته تلك الآداب الفاضلة . فإن الإنسان إذا خالف آداب حاكم من الخلق يرمى بسوء الأدب فكيف إذا خالف الآداب مع أحكم الحاكمين واعتقادي أن الحكومة المصرية يسرها جدًا أن يكون في الحجاز ملك يعظم البيت ويراعي حرمة آدابه فإن أجمل اللباس يلبسه القادم على البيت هو لباس الذلة والاحتقار والتواضع والانكسار . والحكومة المصرية أحرص على قلوب الأمة من أن تفتح عليها بابًا يظن منه تأخير المحمل أو حقوق أهل الحجاز . فإن الحج فريضة لا يسقط إلا بفقد الاستطاعة أو بمرض مقعد ، واعتقادنا في ملك الحجاز وسلطان نجد العناية بمناسك الحج واللطف والرحمة بكل وافد على بيت الله مع الحرص على رعاية آداب الشريعة المطهرة . (محمد ماضي أبو العزايم) .
وجاء موسم الحج لعام 1344هـ ، ووصل المحمل المصري يحمل الكسوة ، ولكن صحبها جنود مصريون مسلحون وضباط وقائد ، ولم يُرد الملك أن يحدث أزمة بمنعه بعد وصوله ، فسمح للقوة العسكرية بالنـزول ، ولكن توجس منها الخيفة ، وقد حدث ما حدث في حج تلك السنة بمنى من البعثة المصرية المسلحة المصاحبة للمحمل ولطف الله سبحانه وتعالى بحجاج بيته المعظم من شر تلك الحادثة ( ) بفضله وبفضل ما استعمله جلالة الملك عبد العزيز من الحكمة والمخاطرة بنفسه في تلك الليلة التي هي ليلة الموقف بعرفة 9 ذي الحجة سنة 1344هـ وكان حجاج بيت الله تعالى مكتظين بين منى وعرفات ، وكانت مقذوفات حرس المحمل من مدافع ورشاشات وبنادق تمطر نيرانها هنا وهناك ، والحمد لله على لطفه في تلك الليلة ( ) .
فلو نظرنا إلى ما جاء في جريدة ( أم القرى ) نقلاً من جرائد مصر وما حدث في حج تلك السنة من حوادث مؤلمة في منى من قبل حرس المحمل المصري تبين التناقض ، وما كان يضمر الحرس من النية السيئة إن لم تكن الحادثة حادثة وقت غير مدبرة من الأول . والله أعلم .
* * * الفصل الرابع حادثة المحمل بمنى
تقدم أن ركب المحمل المصري لما وصل مكة المكرمة نزل في مكانه المعتاد وقد زاره الملك مع بعض أولاده وحاشيته، ثم سار المحمل من مكانه مساء الاثنين من ذي الحجة قاصدًا منى وعرفات ، وكان يحيط به بعض نفر من حرس جلالة الملك يمنعون الناس من المرور في طريق المحمل ، لئلا يتعرض المحمل ومن معه لسوء ، وليكون رجال المحمل في راحة من زحام الناس ، فسار المحمل بكل راحة وهناء حتى بلغ آخر منى حيث كانت خيام حجاج أهل نجد ، وكانوا أكثر الحجاج عددًا في ذلك العام ، فرأى عربان نجد أمامهم ( المحمل) القادم مع الركب المصري على جمل يتهادى بين الجموع ، تحيط به موسيقاه وعساكره ودباباته ، وإذ ذاك لم يسمع الناس إلا أصوات الأبواق تتصاعد من رجال ركب المحمل ، وهذه كان ينكرها أهل نجد ، ولا يعرفونها ، ولم يكن أحد يعلم سببًا لصوت البوق في ذلك المكان ، وما درى غير الذين يفهمون إشارة الأبواق ماذا كان يراد من تلك الأصوات ، وماذا فهم الجند منها ، لأنها كانت تضرب مشعرة الجند بأوامر تتعلق بالموقف .
فلما سمع البدو من النجديين هذه الأصوات وكانوا في خيام بالقرب من طريق المحمل أقبلوا إلى جهة المحمل ، وأنكروا ضرب الأبواق في ساعة من ساعات العبادة ، وفي مشعر من المشاعر الحرم ، فردهم رجال الحرس الملكي الخاص بعنف وشدة ، فلم ينتهوا وكان ذلك قريبًا من خيمة جلالة الملك نفسه ، فأوصل الجند الخبر إليه فأمر نجله الأمير فيصل بالسير إلى محل المحمل ليمنع أي اعتداء عليه ، فسارع سموه إليه من غير أن يأخذ قوة معه ، فلما وصل المكان وجد بعض البدو يتنابزون ألفاظ السباب ويتبادلونها ، وتجاوز بعضهم إلى رمي الحرس ببعض الحجارة ، فطلب من رجال المحمل أن لا يتجاوزوا موقعهم ، وانكفأ على البدو يعرفهم بنفسه ، ويمنعهم عن تعرض المحمل ويطاردهم بمن معه من حرسه ، وطلب من جلالة والده مزيدًا من الحرس فأرسل أكبر أنجاله الأمير سعود لنجدة أخيه بقوة من الجند وبينما هما يحاولان تهدئة الموقف وإذا أمير الحج المصري ( محمود عزمي باشا ) أمر بنصب المدافع والرشاشات وإطلاق نيرانها على الجموع يمنة ويسرة تقتل وتجرح الآمنين ، وما هي إلا لمحات والناس يقبلون ويهرعون نحو مخرج النار ملبين ومهللين ، وكثير منهم ما كانوا يعلمون عن الخبر شيئًا ، وكانت الفتنة في البداية صغيرة في طور السباب والشتائم ، فلم يشعر الناس إلا والنار تقذف فعظم الشر ، وكان قوة المحمل لا يزيد عددها عن الأربعمائة جندي وعدد الذين كانوا هدفًا لنيران حرس المحمل لا يقلون عن التسعين ألفًا من الحجاج النجديين وكلهم كانوا أولو بأس شديد ، وقد قتلت النيران بعضهم ، ولم يبق عليهم إلا أن يقابلوا الشر بالشر مثله .
وفي تلك الموقف المحرج المزعج سمع جلالة الملك أصوات البنادق والمدافع فاستعاذ بالله وخرج لساعته من سرادقه نحو النار ، والنار ترمي بشررها في ذلك الليل المظلم البهيم ، ولم يفكر في أهله وأطفاله ، ولم يفكر بمملكته وخرج ليحمي المحمل وليحمي الحجيج ، وتبعه أولاده وإخوانه وأولاد إخوانه ، وكل من يدلي إليه بقرابة أو نسب مشى بهم إلى حيث النيران تطلق ، فلم يقترب من المحمل إلا وقد أناخ عليه من كل جمع من الإخوان ركب يسائرون أمره ، وأخبروه أن قتلاهم يضرجون بدمائهم ، فتأثر إذ ذاك تأثرًا بليغًا ، وتوجه إلى الإخوان وقال . أذكركم الله وهذا الموقف ، أذكركم دينكم، أذكركم حميتكم الإسلامية وشيمتكم العربية أن حجاج بيت الله ضيوفنا ، وهم في وجوهنا فلا تمد إليهم يد بأذى .
إنني سأقف أمام ركب هذا المحمل ، واعلموا أنه لا تمد يد إليه بسوء وفي (هذا العنق) دم يجري ، سمع الإخوان هذا الكلام ، وكانت النار تكاد تخرج من أنوفهم ، فكان ذلك النداء بردًا وسلامًا ، وحملوا سيوفهم وكروا على المجتمعين حول المحمل يردونهم بسيوفهم .
لم يكن بعد أن سمع الإخوان كلام إمامهم ونداءه غير دقائق حتى رجع كل منهم إلى مكانه وقد وتر من وتر منهم ، وقتل من قتل منهم ، ولم يصب أحد من جند المحمل غير رجل أصيب بحجر في أنفه ، وأصابت يد جندي آخر برصاصة طائشة ، أما من أهل نجد فقتل منهم خمسة وعشرين بين رجل وامرأة وطفل وقتل من الإبل أربعون بعيرًا ، وهكذا هدأت الفتنة ( ) .
وقال الزركلي بعد أن هدأت الفتنة : أمر جلالة الملك ابنه فيصلاً أن يتولى إحاطة الجنود المصريين بجنود سعوديين يحرسونهم من أن يتعرض لهم أحد حتى تتم مناسك الحج ، وقال أيضًا . وبعدما انقضى الحج أرسل معهم الأمير مشاري ابن سعود بن جلوي ، وثلة من الجند السعوديين تحرسهم إلى جدة وسافروا منها إلى مصر آمنين( ) .
فلما كان عام 1345هـ وحان وقت مجيء الكسوة من مصر منعت الحكومة المصرية إرسال الكسوة المعتادة للكعبة المعظمة مع عموم العوائد مثل الحنطة والصرور وما شاكل ذلك التي هي من أوقاف أصحاب الخير على أهل الحرمين منذ مئات السنين ولم تملك منها الحكومة المصرية شيئًا سوى النظارة عليها بسبب أنها الحاكمة على البلاد ، ولم تخبر الحكومة المصرية الحكومة السعودية بذلك إلا في غرة ذي الحجة .
وما عملوا ذلك إلا ليوقعوا جلالة الملك في حرج شديد . ولكن الله سبحانه وتعالى أعانه واستطاع بمساعدة رجاله المخلصين إعداد كسوة في خلال عشرة أيام ، فصنعت من الجوخ الأسود الفاخر مبطنًا بالقلع المتين ، وركبت عليها الستارة والأحزمة المطرزة بأسلاك الفضة المطلية بالذهب ، وفي رواية . بالذهب الفضي المموه بالذهب مع ستارة الباب (البرقع) ، ولم يأت اليوم الموعود إلا والكعبة لابسة تلك الكسوة التي عملت ونسجت في بضعة أيام ( ) .
وبهذا السبب عزم جلالة الملك عبد العزيز بإنشاء معمل ومصنع لكسوة الكعبة حتى يُبْعد كسوة الكعبة من سياسة الحكومة المصرية وذلك في مستهل شهر محرم الحرام سنة 1346هـ ( ) .
* * * الباب الرابع الاحتفالات بالكسوة في العهد السعودي الثاني
وفيه فصلان الفصل الأول في بيان الاحتفال بالكسوة في العهد السعودي الثاني
لا شك أن تجهيز كسوة الكعبة المعظمة وإلباسها الكسوة الجديدة من المناسبات الدينية التي لا تقل أهمية وفرحًا وسرورًا من الأفراح بالأعياد والزواجات وقدوم الضيوف الكبار وغيرها . فالاحتفال بهذه المناسبات بما يتناسب وقداسة الحرم في حدود التعاليم الإسلامية لا تمنعه الحكومة السعودية التي قامت على أساس الكتاب والسنة . وإنما الممنوع الأغاني والطبول والزمور والموسيقات وغير ذلك من اللهو الملهي عن ذكر الله .
ولذا نرى في بعض المصادر أن الحكومة السعودية كانت تستقبل الكسوة التي كانت تأتي من مصر قبل أن تنقطع منها بمراسم واحتفالات معتادة ، وكذا تحتفل احتفالاً مناسبًا أثناء تسليمها لآل الشيبي بعيدة كل البعد من البدع والخرافات والملاهي التي تلهي عن ذكر الله ، بل احتفالها بهذه المناسبة احتفال وقار يتناسب وقدسية المكان ، احتفال شكر لله تعالى بأن وفقهم لخدمة بيته المكرم . وقد أقامت الحكومة السعودية احتفالاً كبيرًا حينما صنعت الكسوة الأولى في مصنعها الجديد بمكة المكرمة وأنا أذكر وقائع هذا الاحتفال من جريدة أم القرى .
تحت عنوان ( الاحتفال بالكسوة )( ) : يذكر القراء أن جلالة الملك المعظم أيده الله أسس معملاً في مكة المكرمة لحياكة كسوة الكعبة المعظمة ، وأن العمل بدأ في هذا المعمل في أوائل شهر رجب المنصرم ، فجد العمال إلى أن تم نسج الكسوة في منتصف شهر ذي القعدة وكان أن سبق فأصدر جلالة الملك أمره السامي بنسج الحزام والباب وتطريزهما في الهند على حساب جلالته الخاص فوصلت هذه إلى مكة المكرمة في أواخر القعدة أيضًا .
وفي يوم الخميس الموافق 4 ذي الحجة أقيمت حفلة شاهي في الديوان العالي بجياد للاحتفال بالكسوة المشار إليها دعي إليها مئات من حجاج بيت الله الحرام ومن الأعيان والأشراف والأهلين على اختلاف طبقاتهم .
وفي الساعة العاشرة من اليوم المذكور اصطفت الجنود على جانبي الطريق ، ووقفت الشرطة في مدخل البناء ، وبدأ المدعوون يصلون زرافات ووحدانًا في مقدمتهم سمو السلطان والسيد أحمد السنوسي الكبير، وحمد باشا الباسل وعبد الرحمن بك عزام من أعضاء المجلس النيابي المصري ، وأعضاء الوفد اليماني ، والأستاذ الشيخ محمد كامل قصاب والشيخ عبد الرحمن القصيبي ، وبعض أمراء البحرين ، وفريق من زعماء الهند ورجالاتها المعروفين ، وغيرهم . وقد ضاقت القاعة الكبرى على سعتها فبلغ عدد الجماهير التي اجتمعت ما يقارب الألف نسمة هذا عدا عن الجماهير العظيمة التي اجتمعت في خارج البناء .
وفي الساعة العاشرة والدقيقة 45 شرف موكب صاحب الجلالة الملك المعظم فأصحاب السمو الملكي الأمير محمد والأمير عبد الله أخوة جلالة الملك ، والأمير فيصل النائب العام ، وأمراء الأسرة المالكة فخف لاستقبال جلالته على باب البناء أركان الحكومة ورؤساؤها ، وحيته الجنود والشرطة ، ثم سار جلالته توا إلى القاعة ، فوقف المجتمعون إجلالاً وتعظيمًا فحياهم جلالته بتحية الإسلام وجلس في المكان الخاص وبعد أن استراح جلالته قليلاً وقف الشيخ إبراهيم بن معمر رئيس الديوان الخاص وافتتح الحفلة بأمر من جلالة الملك فألقى الكلمة الآتية : صاحب الجلالة المعظم .. سادتي وإخواني .. أحييكم بتحية الإسلام وأرحب بمقدمكم الميمون وأقدم لكم جزيل الشكر ووافر الثناء على تلبيتكم لهذه الدعوة .
أيها السادة : إن هذه الحفلة التي تقام ابتهاجًا بصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة في عهد صاحب الجلالة مليكنا المحبوب حفلة لأشرف عمل قام في الحجاز على يد الإمام عبد العزيز لخدمة البيت المعظم كما أن هذا العمل ليس أول بركات جلالة الملك في هذه البلاد الطاهرة بل هو إحدى حلقات سلسة من الأعمال الدينية والدنيوية النافعة لا أراني في حاجة إلى تعدادها فهي ماثلة للعيان ولا خير بعد عيان ومن شاهد استغنى عن البرهان .
وسيتلوها إن شاء الله من ضروب الإصلاح ما هو أعظم وأفخم حتى تكون هذه البلاد في عهده الزاهي مزدانة بكل ما تقر به عين الإسلام ويبهج نفوس المسلمين .
ثم ألقى الأديب الشيخ أحمد الغزاوي خطابًا أبان فيه الإصلاحات الجمة التي تمت في الحجاز على يدي جلالة الملك المعظم في هذه المدة القصيرة ، وأشار إلى الأعمال العظيمة التي يرجى أن تتم فيما بعد ، ثم تلاه الشيخ إسماعيل الغزاوي من زعماء الهند فأتى على ذكر حالة الحجاز في العهد السابق ، وما كانت عليه من اختلال في الأمن ، ومن انتشار البدع والخرافات ثم استطرد إلى الحالة الحاضرة ، وأشار إلى الأمن المستتب والإصلاحات الجمة التي تمت في عهد جلالة الملك المعظم .
ومن ثم بحث في مسألة الكسوة وكيفية صنعها في هذا العام فقال: إن جلالة الملك عهد إليّ بجلب نساجين من الهند لحياكة الكسوة في مكة المكرمة ، فأوصيت على بعض نماذج في كل من بلدة بنارس وفندددن خان ، وغجر نواله ،وبغيره ، من بلدان الهند( ) وبعد الفحص والتدقيق وقع اختيارنا على أنموذج بنارس ، فانتخبنا منهم العمال الذين صنعوا الكسوة في معمل مكة المكرمة ، واشترينا حريرًا أبيضًا من جهات كشمير لهذا الغرض ، وأما أمر التوشية فقد أوصينا على صنع نماذج منها في كل من بلدة لاهور ، ودهلي ، وكشمير ووقع اختيارنا على انموذج دهلي ، فكان صنع الحزام وسجف( ) الكعبة الموشية من نصيب الدهلويين .
وبحث أيضًا في فوائد معمل الحياكة الذي أسس في مكة المكرمة وما يرجى من تأسيسه من خير وفوائد للحجاز ، ودعى لجلالة الملك بطول البقاء .
وبعد الانتهاء من الخطابات بوشر بعرض الكسوة الشريفة والحزام والسجف على الحاضرين ، وقد نالت استحسان الجميع لمتانتها وحسن صنعها والعناية بحياكتها .
ثم شرف جلالة الملك وتبعه المدعوون إلى المقصف الكبير الذي أعد في شقة المؤتمر العليا ، فجلس جلالته في رأس الخوان ، وعن يمينه وشماله كبار الرجال المدعوين ، فبقية المدعوين ، وكانت السفرة تحتوي على ما لذ وطاب من فواكه وحلويات وشاهي وحليب وغيرها ومنظمة تنظيمًا بديعًا وقد كان جلالة الملك خلال ذلك يحدث المدعوين بأحاديثه العذبة الطريفة .
ثم ألقى عبد الرحمن بك عزام عضو المجلس النيابي بمصر كلمة فقال: يا صاحب الجلالة . إن سعادة الملوك قائمة على رضاء الخالق وعلى جلب قلوب الرعية ومحبتها ، وقد احتجبت الملوك عن الشعوب خوفًا منها ، وأقامت حولها نطاقًا من الحرس يحول دون اختلاطهما معًا .
إن الملوك في إبان عهد تأسيس الدولة ، وفي إبان سطوتهم تحتجب عن شعوبها أنفة وكبرياء ، وعندما تخور قواهم وتضعف سلطتهم يحتجبون عن الشعب خوفًا من غضبه ، ولكنهم اليوم في الغرب يختلطون بالشعب خوفًا من الشعب .
أما أنتم فيا صاحب الجلالة فإنكم تظهرون للشعب وتختلطون بالشعب في عز سطوتكم لا خوفًا من الشعب ولا رهبًا، وإنما تبعًا لما جاء به الإسلام . وقد أحييتم بذلك سنة يشكركم عليها المسلمون ، ويتمنون أن يقتدي الملوك الآخرون بجلالتكم في هذه السنة الحسنة الطيبة . ومما لا شك فيه أن هذه السنة ستعود بالإسلام إلى عهده القديم الزاهر ، وبالعرب إلى مجدهم التليد العظيم. يا صاحب الجلالة .
إن الدولة التي أسستموها في جزيرة العرب قائمة على الدين ، والدين أس الدولة لا سيما في جزيرة العرب وبين العرب التي لا يمكن أن تقوم إلا بالدين . وليس من شك في أن الدولة التي أسستموها في جزيرة العرب يحميها الدين ، وتمدها من الجهة الأخرى العصبية القومية لهي دولة قوية الشكيمة، عزيزة الجانب وإننا نعد هذه الدولة الفتية في جزيرة العرب وثباتها بدء عهد خلاص العرب والمسلمين وتحريرهم من ربقة الذل والاستعباد .
نعم إن جزيرة العرب هذه الأمة الخشنة هي التي ستحمل الرسالة مرة ثانية للأمم المتمدنة المتحضرة لتنقذها من هاوية الضلالة والانحطاط . ومهما يكن من اختلاف بين المسلمين في وجهات النظر فإن هذه الآمال السياسية التي تتغلغل في صدور العرب والمسلمين تلقى على عاتق هذه الدولة الفتية التي يرأسها جلالتكم .
من أجل ذلك ، لو حدث بيننا خلاف بسيط وفرضنا أن الجانب الآخر على حق فيما يدعيه لوجب أن نسلم لجلالتكم بكل شيء لأن فيكم آمال المسلمين ، وآمال العرب ، ولأن هذه الجزيرة جزيرة العرب التي يبلغ سكانها العشرة ملايين هي التي ستحقق هذه الأماني وهذه الآمال. نحن نتمنى أن تعود المياه إلى مجاريها ، فيكون لمصر نصيبها مرة ثانية في عمل الكسوة ، ولن يكون اختلاف النظر في هذه المسألة سببا للتباعد بين مصر والحجاز قط ، وماذا نطمع من شقاقنا سوى تحكيم للغريب فينا . يا صاحب الجلالة : أنا معروف بأنني رجل الشعب أختلط معه ، وأمتزج بأفراده ، وأنا أدرى الناس بروح الشعب المصري ونفسيته ، فثقوا بأن هذا الاختلاف البسيط لم يؤثر قط على الحب الذي يحمله المصريون لجلالتكم ، وثقوا بأن المصريين مسرورون مغتبطون بمواقفكم الشريفة وأعمالكم الجليلة .
نحن سعداء جدًا ، لأننا شاهدنا لأول مرة في التاريخ أن الحجاز يحيك كسوة الكعبة ، ولو أن في ذلك غضاضة علينا نحن المصريين . نحن سعداء ومسرورون ؛ لأن هذا العمل أثبت أن العرب يستطيعون أن يقوموا في مدة سنة ما عجز عنه غيرهم من القيام به في سنين ، وأعلمت الدول أن الأمة العربية جسم واحد وأن كل عضو فيها يمكنه أن يقوم مقام الآخر ، وأنهم شركاء في السراء والضراء .
فأجابه جلالة الملك شاكرًا عواطفه وعواطف إخوانه ثم قال أيده الله :
أحب أن أقول كلمة إجمالية ولكنها بسيطة لأنني لست عالمًا ولا درست في المدارس ، وقد أمضيت الشطر الأكبر من حياتي في النضال وفي الحرب ، ولذلك فسيكون كلامي بسيط للغاية ، هو كلام العرب الأصلي لا تزويق فيه ولا مواربة .
إن المسلمين على خير ما تمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله وإنني لا أعترض على الفروع ما دامت لا تخالف النصوص.
أنا أرغب في أن يجتمع المسلمون ويقررون ويتفقون على ما جاء في الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح ، وأنا أعاهدهم على أنني أكون أول من يقوم بتنفيذ تلك المقررات الموافقة للكتاب والسنة . أنا لا أقبل هوادة في أمور الدين . أما في الأمور السياسية فالأمر هين والاتفاق سهل . فإنني أحب أن أصافح يد كل مسلم . كل عربي وأحب أن أصافح كل واحد إلا اثنين . من يسعى إلى إدخال الفساد إلى بلادي وبين شعبي. ومن يعمل على الانتقاص من ديني وشرفي . ففي هذه الأمور لا أقبل فيها الجدل ولا أقبل فيها هوادة .
أنا عبد مملوك والعبد المملوك مفروض عليه رضاء مولاه ، ولذلك فأنا مفروض علي العمل بما يرضي الباري جل وعلا الذي هو مالكي . إني لا أحب أن أفرق بين أحد وأحب أن أرى المسلمين يدًا واحدة .
ثم أفاض جلالة الملك في موضوع محافظته على الدين وأنه الأساس الذي يستند عليه في جميع أعماله ودعى المسلمين للاستمساك بما جاء به الرسول ؛ لأنه لا فلاح لهم إلا بذلك .
وبعد الانتهاء من ذلك غادر جلالته الديوان العالي فشيع كما استقبل بالحفاوة والتكريم ، وخرج المدعوون وهم يلهجون بشكر جلالة المليك العربي واهتمامه بهذه الديار المقدسة التي بقيت مهملة منذ أحقاب عديدة ( ) .
* * *
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 8:07 am | |
| الفصل الثاني الاحتفال بمناسبة الانتهاء من صنع الكسوة( )
احتفل في سبعة ذي الحجة في الساعة الثانية صباحًا في دار الكسوة الشريفة بنشر ستائر الكعبة المعظمة التي قام بنسجها الصناع الهنود الذين صدر الأمر الملوكي بجلبهم لأجل نساجة هذه الشقق الحريرية المطرزة بالقصب التي تلقى على الكعبة الشريفة كل سنة . وكان يرأس هذا الاحتفال صاحب السمو الملكي الأمير فيصل نائب جلالة الملك المعظم .
فلما اكتمل عقد الاجتماع ابتدأت إدارة معمل الكسوة بعرض هذه المنسوجات الفاخرة فشاهد الحاضرون منها ما يبهر الأنظار في دقة الصنعة وجودة النسيج ، و...الرونق ، وحسن النقش ، وكيفية بروز الآيات الكريمة كأنها مكتوبة باليد بأبدع أقلام الخطاطين ، فلم يبق أحد في ذلك المجلس إلا وأعجب بما رأى ، وحَمِدَ هذه الهبة الملوكية التي أسست في البلد الأمين معملاً كهذا يتم فيه من هذا الطراز الباهر الصنع ما تفخر به الصناعة الإسلامية ، ومما يحسن وقعه أن هذا المعمل شرع ينسج من البسط البديعة غير ما هو مخصص بالكعبة والمسجد الحرام ، وإنه يؤمل في السنين القادمة أن يكون محصول هذه الصناعة عظيمة وتروج بها حركة أخذ وعطاء بين الحجاج تعود إلى أهالي مكة بالفوائد ؛ عدى كون كثيرين من الصناع هم من أهالي مكة الذين تعلموا على أيدي الأساتذة الذين استجلبهم جلالة الملك من الهند.
وعند الانتهاء من عرض الكسوة ألقى الأديب الشيخ أحمد الغزاوي الخطبة التالية :
سلام على ابن الأكرمين الذي اعتلى أرائك أمـجاد ولا زال (فيصلاً) على خير من يرجو به الشعب نجحه
ومن رق أخلاقًا وراق تجمــلا على شبل (ذي الناجين) نائبه الذي تراه بجلبات المكــــارم أولا
يا صاحب السمو : في هذا البلد الحرام والشهر الحرام وعلى قيد خطوات من البيت العتيق يحتفل سموكم باسم صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها جلالة الملك المفدى ( عبد العزيز الأول ) بكسوة الكعبة المشرفة التي كان من أسباب تباهينا ودواعي ابتهاجنا أن تمكنت حكومة جلالة الملك من نسجها بين ظهرانينا وكتب علي طرازها اسم جلالته الكريم افتخارًا بقيامه بهذا الواجب العظيم الذي هو أجدر به وأحرى بتأديته وأولى بشرفه الخالد ، لقد شعر الحجاز بما في هذه الخدمة الكبرى من شرف ومجد وافتخار ، ووجد أبناءه من رعاية صاحب الجلالة أيده الله وعناية سموكم ما شجعهم على الإقبال والانخراط في سلك العمال الذين يداومون في هذا المعمل الذي هو الوحيد في بابه منذ انبلج فجر التاريخ وأخذوا يوجهون اهتمامهم ويستعملون مواهبهم في إدراك أسرار هذه الصناعة المجيدة المفيدة وقد قطعوا شوطًا جيدًا في إتقانها وسيصلون إن شاء الله في القريب العاجل إلى الغاية المنشودة كما تؤمل حكومة جلالة الملك الساهر على مصالح رعاياه وتقدمهم في كل وجهة من نواحي الحياة العلمية النافعة، وسيكون لهذه الدار التي أطلق عليها .دار الكسوة والصناعة. أثر كريم وذكر دائم تتناقله الأجيال المقبلة وتعترف لمؤسسها العظيم بالفضل الذي أسداه إلى أمته وستؤتي أكلها مرتين بإذن الله بتطريز الكسوة الشريفة وتوابعها من البراقع والأستار وإخراج ما تدعو الضرورة إليه من أنواع البسط والمفروشات فتدر أخلاف الرزق على البلاد وتحرك الأيدي إلى العمل وتبعث في نفوس الكثيرين من طبقات الشعب روح اليقظة والتنافس في الأعمال الصناعية المهمة التي هي إحدى دعائم النهضات الكبرى في العالم المتمدن بل المحور الذي تدور عليه حياة الأمم في جميع العصور ولا سيما في القرن العشرين.
هذه المنة الخالدة لن يكون أثرها قاصرًا على هذا البلد الأمين وحده، وإنما هي بذرة صالحة أورقت ثم أزهرت وستتفرع أغصانها في جميع البلدان العربية التي تظلها الراية السعودية المحبوبة وكأني أنظر إلى المستقبل القريب وثمار هذا الغرس دانية القطوف ، مستعذبة الورود ، والألسن منطلقة بالثناء العاطر لجلالة الملك الذي يجب أن ينعت بحق (المصلح الأكبر لبلاد العرب ) الذي قيضه الله تعالى لانتشال قومه من وهدات الجهل والكسل والانحطاط ، إلى معارج العلم والعمل والنشاط . فباسم الشعب العربي خاصة والأمم الإسلامية عامة نرفع لجلالة الملك المعظم عظيم الشكر والإجلال والتهاني بإنشاء الكسوة الشريفة بجوار الكعبة المطهرة في عهده الزاهر ، ونسأل الله تعالى أن يطيل بقاءه قرة عين للموحدين وأن يحفظ سموكم وأصحاب السمو الأمراء ذخرًا للعرب والمسلمين بمنه وكرمه .
وفي صباح يوم عيد الأضحى (الأحد) رفعت الكسوة القديمة عن الكعبة المعظمة ووضعت الكسوة الجديدة مكانها . جعله الله عام خير وفلاح ( ) .
* * * الباب الخامس في بيان تسليم الكسوة الجديدة لسادن بيت الله الحرام
وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول في بيان أين ولمن تُسَلَّم الكسوة الجديدة في عهود مختلفة
الكسوة وتوابعها من الحبال وغيرها تسلم إلى الشيبي سادن الكعبة من قديم الزمان وباستعراض تاريخ الكسوة تبين أن الأمر استمر على ذلك في جميع الأعصار احترامًا لآل الشيبي ، وهذا حق شرعي ثابت لهم من يوم أن أكرمهم الله تعالى بهذه المكرمة بتسليم النبي مفتاح الكعبة لجدهم الأعلى يوم فتح مكة ، وقال : خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لاينـزعها منكم إلا ظالم( ) ، فقد أخرج الأزرقي بإسناده عن نافع قال : كان ابن عمر يجلل بدنه بالأنماط ، فإذا نحرها بعث بالأنماط إلى الحجبة ، فجعلوها على الكعبة قبل أن تكسى الكعبة( )، وأخرج الفاكهي أيضًا بإسناده عن ابن عمر أنه كان يكسو بُدْنَه القباطي والحبرات يوم يقلدها ، فإذا كان يوم النحر نزعها ، ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان ، فناطها على الكعبة ( ) .
ويقول إبراهيم رفعت باشا : والكسوة وتوابعها تسلم إلى الشيبي سادن الكعبة بعد أن تصل مكة بمقتضى إشهاد شرعي يحضره العلماء والكبراء ، ويحفظها في بيته القريب من الصفا، حتى إذا ما كان صباح يوم النحر ، والحجاج بمنى ألبستها الكعبة ، وتثبت عليها بواسطة حلقات من النحاس الأصفر في دائرة الكعبة العلوي وفي الشاذروان ( ) .
ويقول في موضع آخر : ومن وقت أن يتسلمها (أي المحملي) تكون (أي الكسوة ) في عهدته إلى أن يسلمها بمكة إلى الشيخ الشيبي أمين مفتاح الكعبة ، ويأخذ منه صكًا بالتسليم ( ) .
وذكر البتنوني احتفالاً لمحمل الكسوة ، ويقول في آخره : وهنالك (أي في مكة المكرمة ) تسلم الكسوة إلى حضرة الشيبي القائم بسدانة الكعبة بإشهاد شرعي يحضره العلماء والكبراء ، فتبقى في منـزله إلى صباح يوم عيد النحر ، فيؤتى بها على أعناق الرجال ، وتعلق على الكعبة بعد إنزال الكسوة القديمة( ) .
ويقول السنجاري : وترد (أي الكسوة) في كل سنة مع الأمير المصري من وقف بمصر ويأتي ذكر ذلك فيستلمها فاتح البيت ، ويرفعها إلى بيته ، ويلبسها الكعبة في يوم عيد النحر( ) .
وجاء في جريدة القبلة أن في عام 1341هـ استرجعت الكسوة مع المحمل من جدة إلى القاهرة ، وذلك بسبب الخلاف الذي حدث بين حكومة مصر وحكومة حجاز ، فجلبت الكسوة المحفوظة في مستودع المسجد النبوي التي أرسلتها الدولة العثمانية عام 1333هـ ووصلت هذه الكسوة إلى العاصمة يوم الجمعة الثالث عشر ذي الحجة ، فوضعوها في بيت الشيبي سادن البيت ، ثم صباح يوم الاثنين حُملت من دار فاتح البيت الشيخ عبد القادر لإلباس الكعبة بها انتهى بالمعنى ( ) .
وهذه الكسوة ما جاءت من الخارج بل جلبت من الداخل، ومع ذلك وضعوها في بيت الشيبي ثم حملوها منه ، وهذه الحادثة تدل أيضًا أن تسليم الكسوة الجديدة تكون لسادن البيت وفي بيته ، ويوم الإلباس تحمل الكسوة من بيته والله أعلم .
هـذا وقد تتبعت جريدة أم القرى الرسمية من البداية إلى عام 1381هـ فوجدت مناسبات واحتفالات بمناسبة تسليم الكسوة إلى سادن بيت الله الحرام في بيته المسمى بدار المفتاح ، وكانت الكسوة تأتي من مصر في هذه الفترة ما عدا من عام 1346هـ إلى عام 1354هـ ، فكانت تصنع بمكة المكرمة في مصنع خاص بها ، ولم تذكر المصادر تسليم الكسوة أين كانت تتم في هذه الفترة ، وهي فترة تسع سنوات ، أما قبل هذه الفترة ففي عام 1341هـ جُلبت الكسوة من المدينة المنورة وسُلّمت للشيبي سادن البيت في داره كما تقدم قبل قليل ، وفي عام 1342هـ جاءت الكسوة من الحكومة المصرية ، ولم تذكر المصادر مكان تسليمها للشيبي ، وفي عام 1343هـ لم تأت الكسوة من مصر ، وألبست الكعبة كسوة قديمة كانت محفوظة في مستودع الحرم ، ولم تذكر لنا المصادر معلومات عن تسليمها للشيبي ، ولا مكان تسليمها ، وفي عام 1344هـ جاءت الكسوة من مصر ، والمصادر ساكتة عن تسليمها للشيبي ومكان تسليمها ، أما في عام 1345هـ فمنعت الحكومة المصرية إرسالها من مصر ، ولم تخبر الحكومة السعودية إلا قبيل موعد إلباس الكسوة الجديدة ، فصنعت بمكة في خلال عدة أيام ولم يوجد ذكر تسليمها للشيبي في بيته .
أما بعد إعادتها من مصر بعد تحسن العلاقات بين الدولتين من عام 1355هـ إلى عام 1380هـ فكانت تُسلم الكسوة لسادن البيت في بيته (دار المفتاح) وسط احتفال مناسب يقام في بيته بهذه المناسبة .
وكسوة عام 1380هـ آخر كسوة جاءت من مصر ، وبعدها انقطع مجيئها من مصر ، وأول كسوة صنعت في مكة المكرمة بعد انقطاعها من مصر كسوة عام 1381هـ ، وهذه الكسوة أيضًا سُلمت للسادن من آل الشيبي في بيته وجيء بها من بيت الشيبي في شارع المنصور يوم إلباسها إلى الكعبة المعظمة كما سيأتي .
أما من بعد سنة 1381هـ إلى سنة 1400هـ فلم أعثر على مصدر يحدد مكان تسليم الكسوة للسادن وهل كان التسليم في هذه الفترة حقيقيًا بحيث يستلم السادن الكسوة الكاملة ، ويحتفظ بها في بيته إلى يوم إلباسها أم كان رمزيًا فقط كما هو حال التسليم عام1400هـ وما بعده إلى يومنا هذا .
والتسليم الرمزي عبارة عن استلام كيس المفتاح وجزء من الحزام في المصنع ، أما بقية الكسوة الشريفة فتبقى في المصنع ، فتؤتى بها منه يوم إلباسها على الكعبة .
وقد تبين من تتبع المصادر وسرد الحفلات ومناسبات تسليم الكسوة الشريفة أن الكسوة الشريفة لما كانت تأتي من مصر كانت بعثة الشرف المصرية متمثلة في أميرها تقوم بتسليمها إلى سادن بيت الله الحرام في بيته (دار المفتاح ) وبعدما انقطعت من مصر ، وبدأت تصنع في مكة المكرمة من عام 1381هـ في مصنعها الخاص ، كان وزير الحج والأوقاف في المملكة العربية السعودية يقوم بتسليمها إلى السادن نيابة عن الدولة ، واستمر ذلك إلى عام 1413هـ ، وفي عام 1414هـ صدر التوجيه الكريم باعتماد ضم مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ، ومن تلك السنة يقوم بتسليم الكسوة الشريفة نيابة عن الدولة معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف( ) .
وفيما يلي أذكر عدة احتفالات ذكرت بمناسبة تسليم الكسوة الكاملة لسادن بيت الله الحرام من آل الشيبي في بيته (دار المفتاح) كما سأذكر بعض المناسبات للتسليم الرمزي الذي كان يتم في المصنع في السنوات الأخيرة .
الفصل الثاني في ذكر عدة احتفالات سلمت فيها الكسوة للسادن في منـزله تسليمًا حقيقيًا
في دار سادن بيت الله الحرام احتفل بعد ظهر يوم الخميس الماضي في دار الشيخ محمد الشيبي سادن بيت الله الحرام بتسليم كسوة الكعبة ، وقد حضر هذا الاحتفال مندوبوا الحكومة المصرية وهم أعضاء بعثة الشرف حضرات الأستاذ محمد بسيوني رئيس مجلس الشيوخ المصري بصفته رئيسًا للبعثة وعضوية صاحب العزة الدكتور فريد رفاعي بك مدير مصلحة الثقافة والنشر، والدكتور عبد الخالق سليم عضو مجلس الشيوخ وقد حضر مندوبو الحكومة المحلية وهم حضرة صاحب السعادة السيد عبد الوهاب مدير الأوقاف والشيخ محمد الشيبي سادن بيت الله الحرام والسيد هاشم رئيس هيئة الحرم ، وقد تبودلت الخطب المناسبة للمقام بين الفريقين ، وعمل بذلك محضر رسمي وقعه الجميع ، ثم انصرف حضرات مندوبي الحكومة المصرية مشيعين بمثل ما قوبلوا به من الحفاوة والإكرام( ).
قلت : وهذه الكسوة هي أول كسوة جاءت من مصر بعد أن انقطعت عدة سنوات وذلك من سنة 1345هـ إلى سنة 1354هـ .
ولذلك يقول الأستاذ محمود بسيوني رئيس بعثة الشرف المصرية سنة 1355هـ أثناء الخطبة التي ألقاها بعد تسليم الكسوة إلى المسئولين : فإن من أكبر بواعث غبطتي أن يكون لي الحظ السامي بأداء فريضة الحج أميرًا لركب الحجاج المصريين على إثر توطيد العلاقات بين المملكتين المصرية والعربية السعودية والعودة إلى سابق العهد بإرسال الحكومة المصرية الكسوة الشريفة إلى الكعبة المكرمة جارية في ذلك على السنة التي استنها ملوك مصر وسلاطينها وولاتها من أجيال بعيدة مما جعلها تقليدًا إسلاميًا جليلاً ... ( ) .
الاحتفال بتسليم الكسوة في دار المفتاح (دار سادن بيت الله الحرام):
جرى في صبيحة يوم السبت الماضي الاحتفال بتسليم كسوة الكعبة في دار المفتاح (دار سادن بيت الله الحرام ) حسب المعتاد ، فقد اجتمع مندوبو حكومة جلالة الملك وهم الشيخ عبد الرؤوف الصبان مدير الأوقاف ، والشيخ محمد الشيبي رئيس سدنة بيت الله الحرام ، والسيد هاشم رئيس هيئة الحرم مع مندوب الحكومة المصرية ، وهم سعادة الفريق محمد حيدر باشا رئيس بعثة الشرف المصرية،واللواء محمد نديم باشا وكيل رئيس بعثة الشرف،والأستاذ أحمد كمال كريم بك عضو البعثة والأستاذ محمد شلبي طوبار أمين الكسوة،وبعد مراجعة المحاضر المختصة بالتسليم بين الفريقين جرى التسليم بين المندوبين حسب المراسم المعتادة( ). تسليم الكسوة الشريفة إلى سادن البيت في داره دار المفتاح :
جاء في صحيفة (أم القرى) بعد كلام تحت عنوان ( أمير الحج المصري وبعثة الشرف المصرية ) : وبعد أن استقر بهذه البعثة المقام في مكة المكرمة سلمت إلى فضيلة الشيخ محمد الشيبي رئيس سدنة بيت الله الحرام في دار مفتاح الكعبة كسوة الكعبة المشرفة لهذا العام في حفلة رسمية حسب التقاليد المتبعة( ).
تسليم كسوة الكعبة لسادن الكعبة في بيت مفتاح الكعبة :
جاء في ( أم القرى ) تحت عنوان ( بعثة الشرف المصرية) بعد ذكر أسماء أعضائها : ولقد احتفل بهذه البعثة الكريمة احتفالات رسمية شائقة حسب التقاليد المتبعة في جدة كما استقبلت في مكة أيضًا استقبالاً كريمًا من رجال الحكومة وإدارة الأوقاف وهيئة الحرم وسادن الكعبة المشرفة ، وقد سلمت كسوة الكعبة المشرفة إلى فاتح بيت الله الحرام في بيت مفتاح الكعبة بالمراسم المعتادة ( ) .
أول كسوة سعودية بعد إعادة المصنع تُسلم للشيبي في بيته بشارع المنصور :
تم في الساعة العاشرة وخمس وخمسين دقيقة في عصر يوم الأربعاء تسليم كسوة الكعبة المشرفة إلى آل الشيبي سدنة بيت الله الحرام ، وقد قام بتسليم الكسوة معالي الأستاذ حسين عرب وزير الحج والأوقاف إلى الشيخ أمين الشيبي وتمت مراسم التسليم بدار آل الشيبي بشارع المنصور ، حضر الاحتفال بهذه المناسبة آل الشيبي وعدد من رجال الإذاعة العراقية ورجال الصحافة .
وقد ارتجل معالي الأستاذ حسين عرب وزير الحج والأوقاف بهذه المناسبة كلمة قال فيها :
في هذه اللحظة السعيدة التي أتشرف فيها نيابة عن جلالة الملك المعظم بتسليمي كسوة الكعبة المشرفة التي أمر بصنعها خادم الحرمين الشريفين يسرني أن أعلن أن هذه الكسوة قد صنعت في مكة ، وبأيدي وطنية سعودية ، وسوف تصنع هذه الكسوة مستقبلاً في مكة المكرمة بأيدي وطنية سعودية ، وأرجو الله أن يوفق جلالة الملك المعظم ويوفقنا جميعًا لما فيه خيره ورضاه والسلام عليكم ( ) . * * * الفصل الثالث في ذكر عدة احتفالات سُلمت فيها الكسوة للسادن في المصنع تسليمًا رمزيًا :
تشرف معالي الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع وزير الحج والأوقاف مساء أمس بتسليم ثوب الكعبة المشرفة الجديد إلى الشيخ طه الشيبي سادن بيت الله الحرام ، وقال معاليه :
قد جرت العادة أن يقوم وزير الحج والأوقاف نيابة عن الدولة في مثل هذا اليوم من كل عام بتسليم الكسوة الشريفة للكعبة المشرفة إلى سدنة بيت الله الحرام .
وقال معاليه أيضًا : إن التسليم يتم بصورة رمزية ، وهي عبارة عن كيس المفتاح وجزء من الحزام حتى يتم التسليم والقيام بتلبيس الكعبة في اليوم المحدد لها( ).
معالي وزير الحج يسلم كسوة الكعبة المشرفة إلى سادن بيت الله الحرام:
جاء في (مجلة التضامن) : كعادة وزارة الحج والأوقاف في كل موسم حج تجري احتفالاً سنويًا لتسليم كسوة الكعبةالمشرفة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام ففي مساء 27 ذي القعدة سنة 1407هـ تم تسليم كسوة الكعبة المشرفة ..
وقد بدئ الحفل الديني الكبير بتسليم كسوة الكعبة المشرفة من يد معالي وزير الحج والأوقاف الأستاذ عبد الوهاب أحمد عبد الواسع إلى كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عاصم الشيبي ، ثم ألقى معالي الوزير خطابًا قال فيه: جرت العادة في كل عام في مثل هذا الوقت أن يتم تسليم كسوة الكعبة الشريفة إلى سادن بيت الله الحرام ، أو بالأصح أن يسلم كسوة المفتاح إلى سادن بيت الله الحرام( ) .
تسليم الكسوة الشريفة لكبير سدنة بيت الله الحرام :
يقوم الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف محمد بن عبد الله السبيل مساء اليوم الثلاثاء غرة شهر ذي الحجة بتسليم كسوة الكعبة المشرفة الجديدة لكبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبد العزيز الشيبي ، وذلك بمقر مصنع كسوة الكعبة المشرفة بأم الجود بمكة المكرمة( ). الشيخ السبيل يسلم كسوة الكعبة لسادن بيت الله الحرام :
جاء في جريدة عكاظ : كسوة الكعبة المشرفة والتي يتم صناعتها بالكامل بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بأم الجود بمكة المكرمة تم تسليمها مساء أمس الأحد لسدنة بيت الله الحرام ، حيث قام الشيخ محمد بن عبدالله السبيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف بتسليم الكسوة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الشيبي كبير سدنة بيت الله الحرام( ).
* * *
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 4:11 pm | |
| الباب السادس في بحوث تتعلق بالكسوة
وفيه ثمانية فصول
الفصل الأول في الإشهاد الشرعي بتسليم الكسوة الشريفة للسادن قبل العهد السعودي
جرت العادة قديمًا بكتابة إشهاد شرعي بتسليم الكسوة بكاملها من مأمور تشغيلها إلى المحاملي ( من في عهدته المحمل والكسوة ) ليوصلها إلى البلد الحرام ، ويذكر في هذا الإشهاد أجزاء الكسوة وأوصافها ، وكان يحضر هذا الإشهاد نائب من قبل سماحة قاضي مصر ، وأمير الحج لتلك السنة وغيرهم من الشهود ويشهد فيه المحاملي على نفسه أنه قبض واستلم من مأمور تشغيل الكسوة جميع أجزاء كسوة الكعبة .
وعند وصولها إلى مكة المكرمة تنقل إلى دار سادن الكعبة من آل الشيبي ، وتسلم له وفق إشهاد شرعي مماثل بحضور أمير الحج وأمير الجيش وأمين الصرة والمحاملي المصري ، ثم تحفظ الكسوة في دار آل الشيبي حتى صباح الثامن من ذي الحجة هذا ما كان من أمر التسليم في العهد المصري.
وهذا نص للإشهاد الشرعي بتسليم الكسوة الشريفة ( ) .
هذا نص إشهاد شرعي حرر في سنة 1321هـ بمحكمة مصر الكبرى الشرعية في يوم الثلاثاء 15 ذي القعدة سنة 1321هـ الموافق 2 فبراير سنة 1904م أذن فضيلتلو ( ) قاضي أفندي مصر حالاً لحضرة الشيخ محمد ناجي أحد أعضاء المحكمة المذكورة بسماع ما يأتي ذكره فيه، ولكاتبيه هما الشيخ محمد سعيد ومحمد مصطفى أفندي الكاتب كلاهما بالمحكمة المذكورة بكتابة ما يأتي ذكره فيه ، فلدى حضرة العضو المومى إليه بحضور الكاتبين المذكورين بالمجلس المنعقد بمسجد سيدنا ومولانا الإمام أبي عبد الله الحسين رضي الله تعالى عنه الكائن بمصر المحروسة بالقرب من خان الخليلي والجامع الأزهر بقسم الجمالية في الساعة العاشرة صباحًا من اليوم المرقوم أشهد على نفسه الحاج محمد أحمد المحاملي الساكن بالدرب الأصفر بالقسم المذكور ابن المرحوم أحمد مصطفى بن مصطفى شهوده الإشهاد الشرعي وهو بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعًا أنه قبض واستلم واستوفى ووصل إليه من حضرة عبد الله فائق بك مأمور تشغيل الكسوة الشريفة حالاً الساكن بشارع المحجر بقسم الخليفة بمصر ابن المرحوم إسماعيل بك الحاضر هو معه بهذا المجلس جميع كسوة بيت الله الحرام المشتملة على 8 أحزمة و4 رنوك مركبة على حملين من الثمانية أحمال الآتي ذكرها فيه ، مزركشة الثمانية أحزمة والأربعة رنوك بالمخيش الأبيض والأصفر المطلي بالبندقي الأحمر على الحرير الأسود والأطلس الحرير الأخضر المبطن بالبفت الأبيض والنوار القطن المركبات الثمانية أحزمة المذكورة على ثمانية أحمال حرير أسود مكتوب ومبطن بالبفت الأبيض والنوار القطن ، اثنان من الثمانية أحمال المذكورة ، كل منهما تسعة أثواب ، كل ثوب منها طوله 26 ذراعًا بالذراع البلدي ، طول كل ذراع منها 57 متر وكسر ، واثنان من الثمانية أحمال المذكورة ، كل 8 أثواب من الأثواب المذكورة والأربعة أحمال باقي الثمانية أحمال المذكورة اثنان منها سبعة أثواب ونصف من الأثواب المذكورة ، والاثنان الباقيان كل منها ستة أثواب ونصف من الأثواب المذكورة .
وستارة لبيت الله الحرام المعبر عنها بالبرقع المزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلي بالبندقي الأحمر على الحرير الأسود والأطلس الحرير الأخضر والأحمر المبطنة بالبفت الأبيض والنوار القطن والأطلس الحرير الأخضر بها خمسة شراريب حرير أسود وقصب وكنتير ومخيش وستة أزررة فضة مطلية بالبندقي الأحمر ، و12 شرابة صغيرة حرير أحمر وقصب وكنتير ، و12شمسية مزركشة على الحرير الأحمر .
وكسوة مقام سيدنا ومولانا إبراهيم خليل الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم المبطنة بالبفت الأبيض المزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلي بالبندقي الأحمر على الحرير الأسود والأطلس الحرير الأخضر والأحمر بها أربعة شراريب حرير أسود وقصب وكنتير ومخيش وعشر شمسيات مزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلي بالبندقي الأحمر بها سجق قطن شبكة بقيطان قطن وأزررة شراريب من قطن هندي أحمر وأصفر وبها ترتر أحمر.
وكيس مفتاح بيت الله الحرام المزركش بالمخيش الأصفر المطلي بالبندقي الأحمر على الأطلس الحرير الأخضر به ترتر ملون وكنتير أصفر مبطن بالأطلس الحرير الأخضر به شرابتان قصب وكنتير وقيطان قصب.
وستارة باب سطح بيت الله الحرام المعروف بباب التوبة داخل بيت الله الحرام المزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلي بالبندقي الأحمر على الحرير الأسود والأطلس الأخضر والأحمر المبطنة بالبفت الأبيض والنوار القطن والأطلس الحرير الأخضر بها ترتر .
وستارة باب مقصورة سيدنا ومولانا إبراهيم الخليل المشار إليه المزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلي بالبندقي الأحمر على الحرير الأسود والأخضر والأحمر ، بها خمسة أزررة فضة مطلية بالبندقي الأحمر وعشر شمسيات مزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر على الأطلس الحرير الأحمر ، بها عشرة شراريب صغيرة حرير وقصب المبطنة بالبفت الأبيض والأطلس الحرير الأخضر
وستارة باب منبر الحرم الشريف المكي المزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلي بالبندقي الأحمر على الحرير الأسود والأخضر المبطنة بالبفت الأبيض والنوار القطن والأطلس الحرير الأخضر .
وثلاثة مجاديل أي حبال قطن احتياج تعليق الكسوة الشريفة على بيت الله الحرام .
وإحدى وأربعين عصفورة أي حبل قطن مجدول احتياج الحلق ، وغلايتين من النحاس مغطاتين مملوئتين بماء الورد الباش احتياج غسيل بيت الله الحرام .
حسب المعتاد قبضًا وتسلمًا واستيفاء ووصولا شرعيات ، حسب اعتراف المشهد المذكور بذلك يوم تاريخه بهذا المجلس ، بحضور كل من سعادة إبراهيم رفعت باشا أمير الحج الشريف ، وحضره أحمد زكي بك مدير الأموال المقررة بنظارة المالية المصرية حالاً، وأمين الصرة في هذا العام ، وحضرة السيد محمود الببلاوي شيخ مسجد ومقام سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ومحمد عمر أفندي الكاتب وأمين مخزن مصلحة الكسوة العارف كل منهم للمشهد المذكور عينًا واسمًا ونسبًا وأنه الحاضر بهذا المجلس واتصافه بالأوصاف المعتبرة شرعًا .
وعلى المشهد المذكور الخروج من عهدة ذلك جميعه وتسليمه من له ولاية ذلك بمكة المشرفة حسب المعتاد في ذلك.
صدر ذلك بحضور وشهادة من ذكر أعلاه في يوم الأربعاء سادس عشر القعدة الموافق ثالث فبراير المرقوم . اهـ .
ويعطى لمحرر الأشهاد الذي ينتدبه القاضي ثلاث جنيهات ومائتين وثمانين مليمًا ، منها 880 مليمًا نقدية ، ومائة وأربعين قرشًا ثمن فروة 2و100 قرش ثمن فرجية جوخ . اهـ ( ) .
* * *
الفصل الثاني في الإشهاد الشرعي بتسليم الكسوة في العهد السعودي
وبعد ما أصبحت كسوة الكعبة تنسج وتصنع في مكة المكرمة فقد اختلف عما كان في مصر. يقول المؤذن : عقب الانتهاء من صناعة الكسوة وإعدادها وتجهيزها استعدادًا لنقلها إلى بيت الله الحرام ، يقيم المصنع حفلاً صغيرًا بحضرة كل من وزير الحج والأوقاف ( ) ، وسادن بيت الله الحرام من آل الشيبي وبعد الاطلاع على الكسوة الجديدة وتفقد أجزائها يتم تقديم ورقة مدون عليها أجزاء الكسوة ومحتوياتها ومقاساتها إلى الشيخ الشيبي ، حيث يوقع على استلامها من قبل المصنع ممثلاِ في وزير الحج والأوقاف ، ويختم الحفل بتسليم وزير الحج والأوقاف كيس مفتاح باب الكعبة إلى الشيخ الشيبي رمزًا لاستلام الكسوة الشريفة بكاملها، ومن ثم يقوم المختصون في المصنع فيما بعد بنقلها إلى الحرم الشريف لإسدالها على الكعبة في اليوم المعلوم( ).
الفصل الثالث اليوم الذي تكسى فيه الكعبة
لم يكن الوقت محددًا لإكساء الكعبة بالكسوة الجديدة ، فقد اختلفت الروايات في إكسائها في العصور المختلفة ، ففي عصر الملك تبع الحميري وما بعده إلى ما قبل بني هاشم كانت تكسى الكعبة إذا تمزقت الكسوة الأولى ؛ لأن تبعًا الحميري عند مقدمه إلى مكة كسا كساءين في فترة وجيزة ؛ لأنه أري في النوم أن يكسوها فكسا الأنطاع ، ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل ( ) .
وقد تأثر تبع تأثرًا بليغًا ، فأوصى عند مغادرته مكة ولاة مكة من جرهم وخزاعة بالعناية بالبيت ، فكانوا يعنون بها عناية فائقة على اختلاف طبقاتهم بكسوة الكعبة تأسيًا بتبع ، وأخذوا يهدون إليها الأكسية المختلفة ، فتتجمع لدى السدنة فيحتفظون بها ، فإذا بلي ثوب في أي وقت أبدلوه بثوب جديد من خزانة الكعبة من غير أن ينـزعوا منها الثوب القديم .
وذكر القلقشندي عن ابن أبي مليكة قال : بلغني أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسى شتى ، كانت البدن تجلل الحبر والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن ، وكان يهدى للكعبة هدايا من كُسى شتى سوى جلال البدن ، حبر وخز وأنماط ، فتكسى منه الكعبة ، ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة ، فإذا بلي منها شيء أخلف عليها مكانه ثوبٌ آخر، ولا ينزع مما عليها شيء ( ) .
ولذلك يقول الكردي : في عصر الملك تبع الحميري وما بعده كانت تكسى كلما تمزقت الكسوة الأولى ، سواء كانت من القماش أو الحصير أو الجلود ( ) .
وفي عصر الجاهلية قبيل عصر النبي كانت تكسى يوم عاشوراء ، قبل أن يُفرض رمضان ، وكان يومًا تستر فيه الكعبة ، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله : ( من شاء أن يصومه فليصمه ، ومن شاء أن يتركه فليتركه ) ( ) .
قال الحافظ في شرح الحديث : ويستفاد من الحديث أيضًا معرفة الوقت الذي كانت الكعبة تكسى فيه من كل سنة ، وهو يوم عاشوراء ، وقد تغير ذلك بعد ، فصارت تكسى في يوم النحر ، وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة ، فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه ، ثم صاروا يقطعونها ، فيصير البيت كهيئة المحرم ،فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة الجديدة ( ).
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : كانت الكعبة فيما مضى أنها تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج ، حتى كانت بنو هاشم ، وكانوا يعلقون عليها القميص يوم التروية من الديباج ؛لأن يرى الناس ذلك عليها بهاءًا وجمالاً ، فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار( ).
وبعد عصر الجاهلين الذين كانوا يكسونها يوم عاشوراء تغير الأمر بعض الشيء ، فقد تقدم في هذا البحث في الباب الأوَّل في الفصل الخامس والسادس ما ملخصه : أنّ سيدنا عثمان رضي الله عنه اتخذ للكعبة كسوتين ، الأولى بالديباج يوم التروية ( الثامن من ذي الحجة) والأخرى بالقباطي يوم السابع والعشرين من رمضان ، ثم جاء معاوية رضي الله عنه ، واتخذ للكعبة كسوتين أيضًا اقتداء بسيدنا عثمان رضي الله عنه ، إلا أنه غير تاريخ إلباسها ، فجعل الكسوة الأولى من الديباج ، وكانت تلبس يوم عاشوراء ، والثانية من القباطي ،وتكسى بها في آخر شهر رمضان المبارك . وروى الأزرقي عن جده أنه قال : كانت الكعبة تكسى في كل سنة كسوتين ، كسوة ديباج ، وكسوة قباطي ، فأما الديباج فتكساه يوم التروية فيعلق عليها القميص ويُدَلَّى ولا يخاط ، فإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الإزار ، حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه ، فإذا كان عاشوراء عُلق عليها الإزار ، فوصل بالقميص ، فلا تزال هذه الكسوة الديباج عليها حتى يوم 27 من شهر رمضان ، فتكسى القباطي للفطر ، فلما كانت خلافة المأمون( ) رُفع إليه أن الديباج يبلى ويتخرق قبل أن يبلغ الفطر ، ويرقع حتى يَسْمُج ، فسأل مبارك (أو ابن مبارك) الطبري مولاه وهو يومئذ على بريد مكة وصوافيها ، في أي كسوة الكعبة أحسن ؟ فقال لـه : في البياض ، فأمر بكسوة من ديباج أبيض ، فعلقت سنة ست ومائتين (206) وأرسل بها إلى الكعبة ، فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسى ، الديباج الأحمر يوم التروية ، وتكسى القباطي يوم هلال رجب ، وجعلت كسوة الديباج الأبيض التي أحدثها المأمون يوم سبع وعشرين شهر رمضان للفطر ، فهي تكسى إلى اليوم( ) ثلاث كسى ، ثم رفع إلى المأمون أيضًا أن إزار الديباج الأبيض الذي كساها (الذي يخاط في العاشوراء)( ) يتخرق ويبلى في أيام الحج من مس الحاج قبل أن يُخاط عليها الديباج الأحمر الذي يخاط في العاشوراء ، فبعث بفضل إزار ديباج أبيض تكساه يوم التروية أو يوم السابع (من ذي الحجة) فيستر به ما تخرق من الإزار الذي كسيته للفطر إلى أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر في العاشوراء ( ) .
ثم رفع إلى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس وتمسحهم بالكعبة ، فزاد إزارين مع الإزار الأول ، فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض ، ثم جعل الأزر فوقه ، في كل شهرين إزار ، وذلك في سنة أربعين ومائتين لكسوة سنة إحدى وأربعين ومائتين ، ثم نظر الحَجَبَة، فإذا الإزار الثاني لا يحتاج إليه ، فوضع في تابوت الكعبة ، وكتبوا إلى أمير المؤمنين أن إزارًا واحدًا مع ما أذيل من قُمُصها يجزئها (فخربها تحريف) ( ) فصار يبعث بإزار واحد تكساه بعد ثلاثة أشهر ، ويكون الذيل ثلاثة أشهر ،قال أبو الوليد: ثم أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله بإذالة القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكعبة (الكسوة خطأ )( )في سنة ثلاث وأربعين ومائتين( ).
هذا ما ذكره الأزرقي المتوفى في حدود سنة (250هـ)( ) أو في سنة 244هـ .
وقال ابن عبد ربه المتوفى سنة 328هـ: والبيت كله مستوفى إلا الركن الأسود ، فإن الأستار تفرج منه القامة والنصف ، وإذا دنا وقت الموسم كسي القباطي ، وهو ديباج أبيض خراساني ، فتكون تلك الكسوة ما دام الناس محرمين ، فإذا حلّ الناس وذلك يوم النحر حَلّ البيت ، فكسي الديباج الأحمر الخراساني ، وفي دارات مكتوب فيها...( )
وقال ابن جبير المتوفى سنة 614هـ في رحلته التي كانت إلى الحجاز في سنة 579هـ :
ما تفيد أن الكسوة سيقت إلى الكعبة يوم النحر ، ووضعت في السطح أعلى الكعبة ، ثم كسيت بها الكعبة ، وأسبل عليها يوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وكانت الكسوة في تلك السنة خضراء يانعة تقيد الأبصار حُسنًا ( ).
وقال الفاسي المتوفى سنة 832هـ : والكسوة تكسى في عصرنا هذا يوم النحر من كل سنة إلا أن الكسوة في هذا اليوم تسدل عليها من أعلاها ، ولا تُسبل حتى تصل إلى منتهاها على العادة ، وهي شاذروان الكعبة إلا بعد أيام من النحر ، وذكر أيضًا : أنه في بعض السنين كسيت في رابع ذي الحجة ، وفي بعضها ثالث ذي الحجة ( ) .
وذكر الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 85هـ في شرح حديث عائشةوقد تقدم : وقد تغير ذلك بعد،فصارت تكسي في يوم النحر..( )
هذا مختصر ما مرت الكسوة به من ناحية وقت إكسائها على الكعبة ، وأما في أيامنا هذه فتعلق الكسوة القديمة في أوائل ذي الحجة حين اشتداد زحام الحجاج إلى قريب من النصف ، فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة يكسون الجزء المكشوف ثوبًا أبيض ويسميه العامة إحرام البيت ، ثم في يوم عرفة حينما يخلوا المسجد من الحجاج لكونهم في عرفات يلبسون الكسوة الجديدة ، ويسبلونها إلى قدر النصف ، وتبقى هكذا إلى أن يخف الزحام ، فيسدل إلى آخرها في أواخر ذي الحجة .
هذا وقد عمل الكردي جدولاً في التاريـخ القويـم (4/208) لبيان الأيام التي كانت تكسى فيها الكعبة المعظمة وأنا أذكره هنا للفائدة:
العصور الأيام عصر الملك تبع الحميري ومابعده تكسي الكعبة إذا تمزقت الكسوة الأولى سواء كانت من القماش أو الحصير أو الجلود عصر النبي وما قبله أيام بني هاشم تكسى يوم عاشوراء تكسى يوم التروية ( ثامن ذي الحجة) ويعلق عليها الإزار يوم عاشوراء عصر ابن عمر رضي الله عنه تكسى يوم النحر " عاشر ذي الحجة " عصر معاوية ابن أبي سفيان تكسى يوم عاشوراء ، وفي آخر رمضان عصر المأمون تكسى أول رجب ، وفي 27 رمضان ، وفي يوم التروية من بعد القرن السادس تقريبًا إلى عصرنا الحاضر تكسى مرة واحدة ، وذلك في صباح يوم النحر من كل عام وإلى وقتنا هذا ، وهو سنة 1387هـ والله أعلم بما يكون عليه الحال في المستقبل
الفصل الرابع ألوان الكسوة وأنواعها في العصور المختلفة ومتى استقر اللون الأسود وكيف اختير
لم تكن الكسوة على لون واحد ثابت منذ عرفت الكعبة الكسوة ، بل كانت الألوان مختلفة متعددة كما تعددت أنواع الكسوة نفسها .
تقول فريال داود عبد الخالق في مقال في مجلة ( المورد العراقية ) : أما ألوان هذه الكسوات فكانت تأتي عفوية وبطريق الصدف ، فالأعرابي الذي يقوم بوضع ما يملك من كسوة لا يحدد اللون الذي عملت منه هذه الكسوة ، فقد كانت الكعبة تكسى بكسوات من الوصائل ، وهي ثياب حمر مخططة إلى جانب ذلك تكسى بكسوات صُفر وخُضر حيث تخبرنا أم زيد بن ثابت الأنصاري في الجاهلية أنها رأت على الكعبة مطارق خَزّ خضر وصفر( ).
ثم قال : وعندما عملت الكسوة من نسيج القباطي الأبيض ومن نسيج الديباج فحددت الألوان،فقد شاع استعمال الديباج الأحمر ، ثم استبدل بالديباج الأبيض،وذلك في عهد الخليفة العباسي المأمون ، والظاهر أن الديباج الأبيض يكون أكثر سمكًا ومتانة من الديباج الأحمر ( ).
وروى الأزرقي بسنده عن عمرو بن الحكم السلمي قال : نذرت أمي بدنة تنحرها عند البيت الحرام وجللتها شقتين من شعر ووبر ، فنحرت البدنة ، وسترت الكعبة بالشقتين ، والنبي يومئذ بمكة لم يهاجر ، فأنظر إلى البيت يومئذ ، وعليه كُسا شتى من وصائل وأنطاع ، وكرار ، وخز ، ونمارق عراقية أي ميسانية ، كل هذا قد رأيته عليه ( ) .
يقول القلقشندي بعد أن ذكر بعض الروايات في الأكسية: حاصل الأمر أن الذي كسيته الكعبة الأنطاع ، وحبرات اليمن والبرود والكرار والأنماط والنمارق ومطارق الخز الأخضر والأصفر ، والأكسية وشقاق الشعر والوبر وغير ذلك( ) .
وقد تقدم فيما سبق من المباحث أن الكسوة كانت من البرود اليمانية ، والقباطي المصرية والديباج الخراساني وغير ذلك من الأنواع .
ويقول حامد عباس : ليس هناك تحديد لنوع الكُسا التي علقت على الكعبة في عهد إسماعيل عليه السلام ، لكن قيل : إن عدنان كساها بالأنطاع وكساها تبع الخصف ، ثم رأى أن يكسوها أحسن من ذلك فكساها الملاء والوصائل ، ثم كانت هناك كسا شتى تتجمع على بعضها ، فقد روى الأزرقي أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسا شتى ، كانت البدنة تجلل الحبرة والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن ، وكان هذا يُهدى للكعبة سوى جلال البدن هدايا من كسا شتى : خَزّ، وحبر ، وأنماط( ) .
وقال إبراهيم باشا : وكساها أبو النصر الأستراباذي سنة 466هـ كسوة بيضاء من عمل الهند ( ) .
وجاء في (مجلة المورد) تحت عنوان ( نسيج الكسوة وألوانها) ذكرنا أن الكعبة كانت قد كسيت في الجاهلية بالخصف ، والمعافر ، والملاء ، والوصائل ، والعصب ، والمسوح، والأنطاع ، وهي إما جلود حيوانات كالأنطاع أو من الشعر الغليظ كالمسوح رقيقة كانت كالملاء أو خشنة الملمس كالخصف بالإضافة إلى عدة أنواع من المنسوجات كانت تصنع خصيصًا لعمل كسوة الكعبة قبل الإسلام ، واستمر استعمالها بعد كالقباطي ( ) .
هذا وقد تقدم تحت عنوان (الكسوة في عهد سعود الكبير) أنه كسا الكعبة من القز الأحمر ، ثم كساها بالديباج الأسود ،والقيلان الأسود( ) .
وذكر القلقشندي أن الفاطميين خلفاء مصر في إمارة أبي الحسن جعفر من السليمانيين على مكة في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة كسوا الكعبة البياض ، ثم رفع ( لعله رجع) الأمر في خلفاء بني العباس ببغداد إلى شعارهم من السواد ، فألبسوا الكعبة الديباج الأسود ، ثم جرى ملوك مصر عند استيلائهم على الحجاز على إلباسها السواد( ).
وقال الفاسي : وذكر بعض العلماء حكمة حسنة في سواد كسوة الكعبة ، لأنا روينا عن ابن أبي الضيف مفتي مكة أن بعض شيوخه قال له: يا محمد تدري لم كسا البيت السواد؟ فقال : لا ، قال : كأنه يشير إلى أنه فقد أناسًا كانوا حوله ، فلبس السواد حزنًا عليهم ( ) .
قلت : هذا الذي ذكره الفاسي رحمه الله وعبّر عنه بالحكمة الحسنة ليس بجيد ، لأن البيت ظاهره جماد ، من أين للفاسي رحمه الله أو لمن نقل منه بدون نص من الكتاب والسنة أن البيت فقد أناسًا كانوا حوله ، فلبس السواد حزنًا عليهم ، كما أن البيت لا يلبس ما يلبس بنفسه بل غيره يلبسه .
والصواب في سبب سواد الكسوة هو ما ذكره العلامة العطار في كتابه ، فقال : لم يكن للكسوة لون خاص ، ولا نسيج خاص ، بل كانت من نسيج أو جلد من أي لون كان حتى كسا الخليفة العباسي الناصر لدين الله الديباج الأسود وكان السواد شعار العباسيين ، وتوفي الناصر سنة 622هـ ، وصار لون الكسوة من بعده أسود( ) .
ويقول حامد عباس : وبدأت تكسى الكعبة بالديباج الأسود منذ كساها الناصر لدين الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسي ، وقد بدأ حكمه سنة 575هـ واستمرت إلى يومنا هذا( ) .
وقال أحمد بن محمد الأسدي في تاريخه : وأول من كسا الديباج الأسود الناصر العباسي بعد أن كساها الديباج الأخضر أولاً ، فاستمر الديباج الأسود إلى يومنا هذا( ).
وقال العطار في نهاية هذا البحث : وللكعبة كسوتان : إحداهما من ظاهرها ، ولونها السواد ، وأما الثانية فهي من داخلها ، ولم تكن سوداء ، بل ذات ألوان غير السواد كالأخضر والأحمر ( ) .
ونختم هذا البحث ببيتين من الشعر في سواد كسوة الكعبة لمهلهل الدمياطي :
يروق لي منظر البيت العتيق إذا بدا لطـرفي في الإصباح والطفل كأن حلته السوداء قد نسجت من حبة القلب أو من أسود المقل( ) * * *
الفصل الخامس في تفسير الكلمات الغريبة الواردة في الكسوة
وردت كلمات كثيرة في ذكر أنواع الكسوة ، وغالبها غريبة ، وأنا أنقل تفسيرها من كلام الأديب أحمد عبد الغفور عطار مرتبًا لها على الحروف الأبجدية ، وهي غير مرتبة في كتابه ( ) :
الأنطاع : مفردها نطع (على وزن عنب وعقل وعلم وعمل) : بساط من الجلد . الأنماط : واحدها نمط ، بفتح النون والميم ، وهو ضرب من البسط ، وثوب من صوف ملون ، له خَمْل رقيق يطرح على الهودج . البرود اليمانية : البُرد (على وزن قفل) : كسا مخطط ، وجمعه أبراد وأبْرُد وبُرُود . الحبرات : مفردها حبرة (بفتح الحاء والباء) وهي ما كان من البرود مخططًا ، وهو ثوب من قطن أو كتان كان يصنع باليمن وملاءة من الحرير ، يقال : بُرْد حَبَرٌ على الوصف ، وبُرْد حَبَرة على الإضافة . الخَصَف والخصاف : الأولى بالتحريك ، وهو فتح الأول والثاني، والثاني بكسر الخاء جمع خَصَفَة ، وهي الثوب الغليظ . الديباج : ثوب سداه ولحمته حرير . العَصْب : برود يمانية يعصب غزلها ، أي يجمع ويشد ، ثم يصبغ بعضه ، وينسج مع غير المصبوغ ، فيأتي موشى ، ويقال له : بُرْدٌ عَصْبٌ بالوصف ، وبُرْد عَصْبٍ بالإضافة . القباطي : جمع قُبْطية ، بضم القاف ، وهو ثوب من ثياب مصر، منسوب إلى القبط ، والضم فيها من تعبير النسب، وهذا في الثياب، وأما في الناس فقِبْطِيّ بكسر القاف. القز : الإبريسم أو ضرب منه ، وهو حرير طبيعي من دود القَزّ. القيلان : نسج غليظ . الكرار : مفرده كَر بفتح الكاف:جنس من الثياب ، وبالضم الكساء. المسوح : جمع مِسْح بكسر الميم وسكون السين : وهو ثوب من الشعر غليظ ، ويقال له : البلاس ، ويجمع المسح على أمساح أيضًا . المطارف : مفردها مِطْرف أو مُطْرف ، رداء أو ثوب من خز مربع ذو أعلام . المعافر : في الأصل اسم بلد باليمن ، سميت به الثياب المعافرية التي تصنع فيه . الملاء : جمع مُلاءة بضم الميم في المفرد والجمع ، وهي ثوب لين رقيق نسج واحد وقطعة واحدة . النمارق :مفردها نُمْرُقَة ، وهي الوسادة ، وقيل : البساط، وقيل: الثوب . الوصائل : جمع وصيلة ، وهي ثوب أحمر مخطط يماني .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 4:21 pm | |
| الفصل السادس في ذكر إحرام الكعبة برفع الكسوة وإكساء كساء أبيض والحكمة في ذلك
حينما يشتد الزحام في أوائل ذي الحجة تعلق الكسوة القديمة للكعبة المعظمة إلى قدر النصف ، ثم لما يأتي اليوم السابع من ذي الحجة تُكسى الكعبة في الجزء المكشوف كساء أبيض ، يسمى إحرام الكعبة في هذه الأيام ، ويبدو أن في الخمسينات من القرن الماضي لا تكسى الكساء الأبيض ، بل الكسوة ترفع إلى الأعلي مقلوبة ، والمعروف أن تحت الكسوة السوداء يوجد قماش أبيض ثخين ، فلما ترفع الكسوة إلى الأعلى مقلوبة يظهر القماش الأبيض على الكسوة السوداء ، فهذا هو إحرام الكعبة في السابق ، والله أعلم .
يقول الغازي تحت عنوان " ذكر إحرام الكعبة " : وفي اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة تشمر أستار الكعبة الشريفة إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع صونًا لها من الأيدي أن تنتهبها ، ويسمون ذلك إحرام الكعبة ، وهو يوم مشهود بالحرم الشريف( ) .
وجاء في مجلة المنهل : كنا في عهد الطفولة نسمع الناس يقولون يوم التروية : (أحرمت الكعبة ) ، وهم يعنون أنها عريت من الكسوة القديمة ، وعلق في حائطها الأعلى ثوبها الجديد .. ووضع في محيطها الأدنى ستار من (البفتة) الناصعة البياض ، وكان ذلك لحكمة يجهلها الصغار وأكثر الكبار ، وهي أن لا يمزق الثوب الجديد بأيدي المتمسكين والمتبركين !! وفي تاريخ الطبري المكي : عن ابن خديج قال : كانت الكعبة فيما مضى إنما تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج ، حتى كانت (بنو هاشم) فكانوا يعلقون عليها (القميص) يوم التروية من الديباج لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالاً فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها (الإزار) .
وعن الأزرقي قال : حدثنا جدي قال : كانت الكعبة تكسى في كل سنة كسوتين كسوة ديباج ، وكسوة قباطي ، فأما الديباج فتكساه يوم التروية فيعلق القميص ، ويدلى ، ولا يخاط ، فإذا صدر الناس من (منى) خيط ( القميص ) وترك الإزار حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه ، فإذا كان يوم عاشوراء علق عليها الإزار ، فوصل بالقميص فلا تزال هذه الكسوة...الديباج حتى يوم سبع وعشرين من رمضان تكسى (القباطي) للفطر اهـ .
قلت : والذي عليه العمل الآن هو الكسوة بأكملها قميصًا وإزارًا مرة واحدة مع التعليق لها يوم التروية وإسدالها يوم الإفاضة ، مع التحفظ بمقدار ذراعين أو ثلاثة من أسفلها اتقاء التخريق والتمزيق من الأيدي ، فذلك هو ما كان يسمى بإحرام الكعبة في أذهان العامة والصغار . انتهى من المنهل ( ) .
ويبدو أن عادة ما تسمى إحرام الكعبة قديمة من عدة قرون ، قبل عهد ابن بطوطة الذي حج عام 728هـ وذكر في وصف حجه إحرام الكعبة هذا ، جاء في مجلة المنهل : كنا ونحن أطفال صغار نعتبر أبرز علامات دخول أيام الحج عمليًا متى رأينا الكعبة المشرفة قد شمرت أستارها ، وأحيطت بالبياض ، وتأزرت به من أدناها ، وذلك في يوم 27 ذي القعدة من كل عام ، وكان لذلك رنة فرح ونشوة بالغة ، ويطلق الناس على ذلك (إحرام الكعبة) وما الإحرام إلا للناسكين والملبين والوافدين بقصد الاعتمار أو أداء الفريضة ، وإنما كانت ترفع الكسوة عنها إلى الأعلى اتقاء تمزيقها من أيدي الطائفين واحتفاظًا بالثوب وسلامته ثم تكسى يوم العاشر من ذي الحجة يوم عيد الأضحى ولا يسدل كله ، بل يبقى أيامًا معلقًا بالحبال لنفس الغاية ، وصونًا له من الأيدي التي كانت تحرص على تلمسه وانتزاع بعض الأوصال منه تبركًا وإهداء ، وقرأت في رحلة (ابن بطوطة ) أبو عبد الله محمد بن عبد الله .. وقد حج عام 728هـ أول حجة له ، ثم عام 732هـ في وصفه لما شاهده بمكة المكرمة قوله : ( وفي اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة تشمر أستار الكعبة الشريفة (زادها الله تعظيمًا) إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع صونًا لها من الأيدي أن تنتهبها ، قال : ويسمون ذلك (إحرام الكعبة) وهو يوم مشهود بالحرم الشريف ، ولا تفتح الكعبة المقدسة في ذلك اليوم حتى تنقضي الوقفة بعرفة .
قلت : ومن ذلك يعلم أن (التعبير بإحرام الكعبة) إنما كان قديمًا وقبل عدة قرون وهو لا يعدو أن يكون تشبيهًا لها بالحجاج المحرمين بمناسبة مناسك الحج ، أما أنها لا تفتح بعد 27 القعدة حتى تنقضي الوقفة، فقد يكون ذلك مما كان في عصره قبل ستمائة سنة ونيف ، أما في زماننا هذا فإنها تفتح لغسلها يوم 6 ذي الحجة من كل عام ، ويحضر ذلك الحكام السابقون ، وجلالة الملك حاليًا وعظماء الوفود الإسلامية مما هو مشاهد منذ عرفنا الحياة حتى الآن انتهى من المنهل ( ) .
وقال باسلامة بعد أن نقل كلام عبد ربه المتوفى سنة (328هـ) في ( العقد الفريد) بواسطة الفاسي : فعُلم من وصف ابن عبد ربه أن ثوب الكعبة كان من الديباج الأحمر ، وأنه مكتوب فيه ، وأنه كان يوضع للكعبة في موسم الحج إزار أبيض مثل ما هو جار في العصر الحاضر الذي يسمى إحرام الكعبة ، ثم في يوم النحر تكسى الكعبة كسوتها الجديدة ، فظهر أن هذه القاعدة قديمة منذ أكثر من ألف سنة ، ولم تكن بالمحدثة( ).
وبعضهم أرجع "إحرام الكعبة" إلى عهد المأمون ، يقول عبد الله الكردي : إحرام الكعبة المشرفة : هو إلباسها الإزار الأبيض من أسفلها إلى ما فوق الحجر الأسود بقليل ، ويرجع تاريخ ذلك إلى زمن المأمون ، وعندما ترتدي الكعبة المشرفة إزارها الأبيض يقول الناس : أحرمت الكعبة ، وإحرامها معناه تثبيت أن ذلك اليوم هو السابع من شهر ذي الحجة ، فتحدد بموجبه الوقفة بعرفة ( ) .
وقد ذكر طلحة الشيبي سبب إحرام الكعبة بالتفصيل فقال : إحرامها هو إحاطتها بإزار أبيض من الخارج ، والداعي لهذا العمل أنّ وسائل الإعلام الحالية كانت مفقودة في الأزمان القديمة ، فكانوا يعلنون عن حاجتهم بواسطة شخص يسمى المنادي ينادي في الشوارع ، ويتكرر ذلك النداء في كل شارع ، يقول المنادي مثلاً ثبت لدى المحكمة الشرعية بمكة المكرمة أن يوم الوقوف بعرفات هو يوم الخميس ، فلذلك جرى إعلانه للجميع ، والحاضر يعلم الغائب بذلك والسلام .
ويكرر النداء بقدر الإمكان ، ولما كان من الضروري إعلان الحجاج بطريقة واضحة عن ثبوت يوم الوقوف بعرفات كان سدنة الكعبة المشرفة (آل الشيبي) يطوون عن ثوب الكعبة الخارجي في صباح اليوم السابع من شهر ذي الحجة في كل عام حتى يرتفع الثوب مترين عن الأرض ويثبتون القسم المطوي على الكسوة نفسها بالخياطة أيضًا .
فيكون هذا إعلام للناس بحلول اليوم السابع ، ويقولون بين مظاهر الفرح بهذه المناسبة أحرمت الكعبة ، والغرض من هذا الإحرام حفظ الكسوة من التمزق بسبب الزحام ، وهي إشارة للحجاج ليبدأوا حجهم بالطلوع إلى منى في اليوم التالي الموافق الثامن من شهر ذي الحجة ، وهو يوم التروية حسب السنة النبوية ، ثم يقفون بعرفة في اليوم التاسع (وهكذا كل عام) وهذا الإحرام ينتهي حين تظهرالكعبة في كسوتها الجديدة يوم عيد النحر وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة من كل عام . ولا أعرف متى بدأت عادة الإحرام وهي مستمرة إلى الآن ( ) .
* * *
الفصل السابع في وصف كسوة الكعبة المشرفة
أجزاء الكسوة الخارجية 1- ثوب الكعبة العام ( أحمال الكسوة ) وماكتب عليه .
2- حزام الكعبة ، والكتابات الموجودة عليه .
3- ستارة باب الكعبة المشرفة ( البرقع ) .
أمّا الأوّل " ثوب الكعبة " فيصنع من قماش الحرير الطبيعي الخالص ويصل وزن الحرير بالكسوة إلى(670)كيلو جراما من الحرير الأبيض الذي تتم صباغته داخل مصنع الكسوة باللون الأسود حيث يستهلك (720) كيلو جرامًا من الأصبغة والحوامض اللازمة لذلك ، ويبلغ سمك قماش هذا الثوب مليمترين ويبطن من الداخل بقماش من القطن الأبيض المتين ( ) .
ويقول الدكتور السيد محمد الدقن في كتابه : وتبلغ عدد قطعه (قطع الثوب) (48) قطعة (100سم × 14.5 متر ) ( ) . وفي كتاب " الحرمان الشريفان في عهد خادم الحرمين الشريفين ص: 82: وتتكون الكسوة في الوقت الحالي من (47) طاقة حرير طول كل طاقة منها (14م) ( ) . قلت : يبدو من قوله " في الوقت الحالي " إن في السابق كان كما ذكره الدكتور السيد محمد الدقن والله أعلم .
الكتابة على ثوب الكعبة :
يكتب على ثوب الكعبة باللون الأسود المنسوج بطريقة الجاكارد( ) . 1 – يا الله . 2 – سبحان الله وبحمده . 3 – سبحان الله العظيم . 4 – لا إله إلا الله محمد رسول الله . 5 – ياحنان يامنان .
وكلها مكتوبة على شكل رقم (8) ومتكررة على جميع أجزاء الثوب ، وتتكرر العبارات المرقمة التي تقدمت علىقطع الثوب جميعها ( ) .
ويصف عبيد الله محمد أمين كردي كسوة الكعبة بقوله : تنسج الكسوة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود ، وقد نقش بطريقة (الجاكارد) عبارات : لا إله إلا الله محمد رسول الله – الله جل جلاله – سبحان الله وبحمده – سبحان الله العظيم – ياحنان – يامنان على شكل سبعة متكررة ومتصلة ويبلغ ارتفاع الثوب 14.5 مترًا ، ويوجد في الثلث الأعلى منه حزام الكسوة بعرض 95سم ، كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية وعلى الارتفاع نفسه وتحت الحزام أيضًا توجد 6 آيات من القرآن مكتوبة كل منها داخل إطار منفصل ، وفي الفواصل بينها يوجد شكل قنديل كتب عليه ياحيّ ياقيوم – يارحمن يارحيم – والحمد لله رب العالمين .
وكل ماتحت الحزام مكتوب بالخط الثلث ، ومطرز تطريزًا بارزًا ، ومغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب ، وقد أحدث وضع هذه القطع في العهد السعودي الزاهر ( ) . وقد أشار الدكتور السيد الدقن أيضًا إلى مازيدت في الكسوة السعودية من القطع المزخرفة والآيات القرآنية في الحزام وغيره على الكسوة المصرية( ) .
أما الثاني فهو حزام الكعبة المعظمة
ويقع الحزام في الثلث الأعلى من الثوب بعرض (95سم) كتبت عليه آيات قرآنية بخط الثلث المركب ، محاط بإطار من الزخارف الإسلامية ، والحزام مطرز بتطرير بارز ، ومغطى بسلك فضي مطلي بالذهب ، ويحيط الحزام بالكسوة كلها وبالتالي بالكعبة المشرفة من جوانبها الأربعة ، ويبلغ طول الحزام (47) مترًا وعرضه (95) سم ويتألف من (16) قطعة ، في كل جانب أربع قطع ، أما تحت الحزام فتوجد في كل جانب من جوانب الكعبة المعظمة قطعتان وثلاثة قناديل ماعدا جهة باب الملتزم ، ففيه قطعة واحدة كبيرة تسمى الإهداء ، ليصبح عدد القطع (7) و (12) قنديلاً ، وفي كل ركن من أركان الكعبة المشرفة توجد قطع مربعة تسمى الصَّمّدية وهي سورة الإخلاص ، ويكتب على حزام كسوة الكعبة المشرفة من جهاته الأربعة العديد من الآيات القرآنية الكريمة .
والخلاصه أن الحزام أيضًا قطعة فنية باهرة شديدة الخصوصية ، تحيط بالكعبة من جوانبها، فتلقي على ثوب الكعبة بهاءًا وجمالاً وجلالاً( ).
وقد ذكر العلامة عبد الستار الدهلوي معلومة عن موضع الحزام لم يذكره أكثر المؤرخين الذين كتبوا في كسوة الكعبة ، فقال : وللكسوة السوداء طراز ( يعني الحزام ) فوق ذراع ونصف ، مدور بالكعبة (محيط بالكعبة ) فوق نصف الكعبة الشريفة ، وذلك الطراز علامة لحد بناء قريش في الجاهلية ومافوق ذلك فهو من زيادة ابن الزبير حين بنى الكعبة المشرفة على قواعد إبراهيم ، وألصَقَ بابها الشرقي ملاصقًا بالأرض ، وفتح لها بابا غربيًا مقابلاً مثله ، ثم هَدَم الحَجَّاج مابناه ابن الزبير لكن هَدْمُه كان من جهة الحِجْر أي الميزاب ، وأخرج الحِجْر كما كان في زمن قريش ، ولم ينقص في ارتفاعها مطلقًا ( ) . أمّا الثالث فهو ستارة باب الكعبة
ستارة باب الكعبة المشرفة وتسمى البرقع أيضًا ، هي التي تعلق على باب الكعبة المشرفة من الخارج ، وقد وضعت الستارة المنقوشة لأوّل مرة على باب الكعبة عام (810هـ) واستمر وضعها منذ ذلك التاريخ إلى اليوم ماعدا سنوات ( 816 ، 817 – 818هـ ).
وستارة باب الكعبة كانت تتكون سابقًا من أربع قطع مثل نظيرتها التي كانت تأتي من مصر ، ولكن استحدث في السنوات الأخيرة في الكسوة السعودية قطعة خامسة وسيأتي ماتشمل عليه هذه القطع الخمسة من الآيات وغيرها من الكتابات .
وفي ارتفاع الستارة جاء في كتاب " قصة التوسعة الكبرى " : وارتفاع الستارة ستة أمتار ونصف المتر ،وعرضها ثلاثة أمتار ونصف المتر وتتكون من خمسة قطع تجمع رأسيا ، ثم تبطن بالقماش ( )وبنحوه ذكره عبيد الله محمد أمين كردي في كتابه ( ) .
وذكر الدكتور يوسف في ملحق تاريخ الكعبة المعظمة فقال : وكانت الستارة التي على الباب مصنوعة من الحرير الخالص ، وارتفاعها سبعة أمتار ونصف ،وعرضها أربعة أمتار ( ) .
وقال السيد محمد الدقن : أمّا ستارة الباب فكانت تتكون من أربع قطع مثل نظيرتها في الكسوة المصرية ، ولكن استحدث أخيرًا في الكسوة السعودية في ستارة الباب قطعة خامسة أضيفت إلى الستارة في أسفلها، عليها عبارة الاهداء ، وبتوصيل هذه القطع الخمس تصبح ستارة الباب طولها سبعة أمتار ونصف المتر ،وعرضها أربعة أمتار ( ) .
ولا أدري سبب هذا الاختلاف في ارتفاع ستارة الباب وعرضها، فعبارة السيد الدقن توحي بأن إرتفاع الستارة وعرضها كانا أقل بما هو عليه الآن بعد إضافة القطعة الخامسة إلا أن في المصدرين السابقين الذين يذكران الارتفاع والعرض أقل يوجد تصريح بأن ستارة الباب تتكون من خمس قطع تجمع رأسيًا ، فإشكال الاختلاف باق والله أعلم .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 4:28 pm | |
| الكتابات على ستارة باب الكعبة ([1])د– الركنان الأسفل يمين : ( الله ربي ) ( الله حسبي ) . الأسفليسار : ( الله حسبي ) ( الله ربي ) .القطعة الخامسة : قطعةالإهداءوهي القطعة التي توضِّح مكانوتاريخ صنع الستارة ، واسم خادم الحرمين الشريفين والعبارة المكتوبة عليها هي :صُنِعت هذه الستارة في مكة المكرمة ، وأهداها إلى الكعبة المشرفة خادم الحرمينالشريفين فهد بن عبد العزيز آل سعود ( تقبل الله منه ) .مصنعكسوة الكعبة المشرفة
الفصل الثامنفيذكر مصنع الكسوة وبيان سبب إنشائهإن الاهتمام بكسوة الكعبة مظهر من مظاهرالتبجيل والتعظيم للبيت الحرام ، وتاريخ الكسوة الشريفة جزء من تاريخ الكعبةالمعظمة نفسها ، ولذا لم تقتصر رعاية المملكة العربية السعودية للمشاعر المقدسةعلى أعمال التوسعات رغم ضخامتها وكثرتها ، بل امتدت إلى رعاية كل ما له صلة بهذهالمشاعر المقدسة ولعل أهم ما في هذا الباب وأجله شأنًا هي الكسوة التي تكسى بهاالكعبة كل سنة مرة أو أكثر من مرة كما كانت في السابق والجدير بالذكر أن اهتمام المملكة العربيةالسعودية بصناعة كسوة الكعبة المشرفة يرجع إلى عام 1345هـ ، وذلك عندما توقفتحكومة مصر عن إرسال الكسوة بعد حادثة المحمل الشهيرة في العام السابق([2]). عندئذ أمر جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وقد فوجئ بعدم وصول الكسوة المصرية بصنع كسوة للكعبةالمعظمة على وجه السرعة فصنعت هذه الكسوة في بضعة أيام من الجوخ الأسود الفاخر المبطنبالقلع المتين ، كما عمل حزام الكعبة بآلة التطريز، وكتبت عليه الآيات القرآنيةبالقصب الفضي المموه بالذهب كما تم زركشة البرقع حسب المعهود ، وانتهى كل ذلك فيمدة زمنية وجيزة وقياسية،وكسيت الكعبة المعظمة في موعدها أي اليوم العاشر من ذيالحجة سنة 1345هـ .هذا ما حصل فجأة ، ولكن الله سبحانهوتعالي وفق المسؤولين بأن هيأوا لبيته المعظم هذه الكسوة بهذه السرعة الفائقة ،ومن هذا الإحراج من الحكومة المصرية تنبه المسؤولون لإنشاء مصنع خاص للكسوةالشريفة، فأصدر جلالة الملك عبد العزيز أوامره لإنشاء دار خاصة لصناعة الكسوة فيمستهل شهر محرم من العام التالي أي عام 1346هـ وكلف وزيره للمالية آنذاك الشيخ عبدالله السليمان الحمدان لهذه المهمة .وفيما يلي ننقل تفاصيل إنشاءالمصنع من " الرحاب الطاهرة "([3]) ، فجاء في هذه النشرة بعد التمهيد المختصر :فقام وزير المالية بإنشاء تلك الداربمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة على مساحة من الأرضتبلغ نحو 1500 مترمربع، وأخذ العمال يعملون في بنائها بغاية السرعة فتمت عمارتها في نحو ستة الأشهرالأولى من عام 1346هـ ، فكانت هذه الدار أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفةبالحجاز منذ كسيت الكعبة في العصر الجاهلي إلى العصر الحاضر ، وأثناء سير العمل فيبناء الدار كانت الحكومة السعودية تقوم من جانب آخر ببذل الجهود لتوفير الإمكاناتاللازمة للبدء في صنع الكسوة فور الانتهاء من عمارة دار الكسوة ، تلك العناصرالضرورية التي تتألف من المواد الخام اللازمة لصنع الكسوة من حرير ومواد الصباغةاللازمة ، ومن الأنوال التي ينسج عليهاالقماش اللازم لصنع الكسوة وقبل كل ذلك وبعده العمال الفنيون اللازمون للعمل فيشتى مراحل صنع الكسوة من صباغة الحرير إلى نسجه إلى عمل الزركشة بالأسلاك الفضية الملبسةبالذهب .وللحقيقة والتاريخ فإن الحكومة السعوديةعلى الرغم من أن هذه العناصر الثلاثة الأساسية التي يجب توافرها لصنع الكسوة لميكن أي منها موجودًا لدى المملكة على الرغم من ذلك فقد بذلت الحكومة السعوديةجهودًا خارقة في سبيل توفيرها في الوقت المناسب حتى يتسنى لها صنع الكسوة للكعبةقبل حلول الموسم .ففي أول رجب من السنة نفسها 1346هـ وصلمن الهند إلى مكة المكرمة اثنا عشر نولاً يدويًا ، وأصناف الحرير المطلوبة ، وموادالصباغة اللازمة والعمال الفنيون اللازمون وكان عددهم ستين عاملاً ، منهم أربعونمن المعلمين النساجين والمطرزين (الذين يجيدون فن الزركشة على الأقمشة) ، وعشرونمن العمال المساعدين ، وعندما تم وصولهم إلى مكة المكرمة ، نصبت الأنوال ووزعتالأعمال وسار العمل على قدم وساق في صنع الكسوة وزركشتها حتى تمكنوا من إنجازها معنهاية شهر ذي القعدة 1346هـ والجدير بالذكر أن تلك الكسوة صنعت علىغرار الكسوة المصرية فكانت على أحسن صورة من حسن الحياكة وإتقان الصناعة وإبداعالتطريز ، فكانت ستائر الكعبة (الأحمال) من الحرير الأسود المكتوب فيه بأصل النسيجعلى شكل رقم (8) لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وفي أسفل التجويفة كتب "يا الله " وفي الضلع الأيمن من أعلى الرقم (8) كتب " جل جلاله "وكذلك في أعلى الضلع الأيسر .أما الحزام فكان عرضه مثل عرض الحزامالذي كان يعمل في مصر مطرزًا بالقصب المموه بالذهب ، والكتابات التي عليه بخط رائعبديع من عمل الرسام الفني بوزارة المالية السعودية والخطاط محمد أديب أفندي ، أماتلك الكتابات التي كتبت علي الحزام فهي الآيات القرآنية التي كانت تكتب على الكسوةالمصرية نفسها في جميع جهاتها باستثناء الجهة الشمالية التي بها الميزاب والمقابلةلحجر إسماعيل عليه السلام فقد كتب على حزام تلك الجهة العبارة التالية "هذه الكسوة صنعت في مكة المباركة المعظمة بأمر خادم الحرمين الشريفين جلالة الملكالإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعوديةأيده الله تعالى بنصره سنة 1346هـ على صاحبها أفضل التحية وأتم التسليم " .وأما البرقع (ستارة باب الكعبة المعظمة) فقد صنع أيضًا على غرار البرقع الذي كان يرسل مع الكسوة المصرية حيث زركش بأسلاكالفضة الملبسة بالذهب وكتبت عليه الآيات القرآنية والعبارات نفسها التي كانت تكتبعلى برقع الكسوة المصرية وذلك باستثناء المستطيلات الأربع التي تتوسط البرقع التيكان يكتب عليها عبارة الإهداء في الكسوة المصرية ، فقد كتب عليها في الكسوةالسعودية قوله تعالى : ثم أضيفت في ذيل ذلك البرقع دائرتان صغيرتانمكتوب في داخلها عبارة صنع بمكة المكرمة سنة كذا .وقد كسيت الكعبة المعظمة في تلك السنةبهذه الكسوة التي تعد أول كسوة للكعبة تصنع في مكة المكرمة ، وبهذه المناسبة فقدحاز مدير مصنع الكسوة الأول الشيخ عبد الرحمن مظهر جائزة سنية من حكومة المملكةالعربية السعودية وشهادة تقدير على جهوده الخارقة في إنجاز تلك الكسوة .وفي عام 1347هـ عين مدير جديد لدارالكسوة بمكة المكرمة ، وهو الحاج محمد خان الذي اشترطت عليه الحكومة السعودية أنيقوم بتعليم العمال السعوديين فن النسيج والتطريز وصنوف الحياكة فبذل هذا الرجلجهدًا مشكورًا في هذا المجال حتى أن الكسوة التي كسيت بها الكعبة المعظمة سنة1352هـ كانت مصنوعة بأيدي العمال الوطنيين ، وفي تلك السنة تم تعيين مدير جديدلدار الكسوة ، وهو الشيخ أحمد سالم الجوهري الذي ظل مديرًا لها إلى سنة 1355هـ .وقد ظلت دار الكسوة بأجياد تقوم بصناعةالكسوة الشريفة منذ تشغيلها سنة 1346هـ إلى أن تم التفاهم والاتفاق بين الحكومتينالمصرية والسعوديةسنة 1355هـ،وعندئذ استأنفت مصر إرسال الكسوة سنويًا إلى الكعبةالمعظمة واستمر ذلك حتى موسم عام 1381هـ، ومنذ ذلك التاريخ توقفت مصر عن إرسالالكسوة الشريفة وقامت السعودية بإعادة فتح وتشغيل مصنع الكسوة في مكان جديد بجرولبجوار منـزل وزير المالية الأسبق عبد الله السليمان بمكة المكرمة في عام 1382هـ ،وقد ظل هذا المصنع يقوم بصنع الكسوة الشريفة إلى عام 1397هـ حيث نقل العمل فيالكسوة إلى المصنع الجديد الذي تم بناؤه في أم الجود بمكة المكرمة ولا زالت الكسوةالشريفة تصنع به إلى يومنا هذا .مصنع الكسوة الجديد بأمالجود : ورغبة من حكومة المملكة العربية السعودية في تطوير صنع الكسوة والوصول بهاإلى أعلى درجات الجودة والدقة والإتقان أمر الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله في عام 1392هـ ببناء مصنع جديد للكسوة الشريفة فبنى هذا المصنع علىطراز حديث وزود بأحدث الآلات الميكانيكية في النسيج الآلي بالإضافة إلى الأنوالاليدوية ودواليب لف الغزل على البكر وأجهزة الصباغة وغيرها من المعدات والأدواتاللازمة لصناعة الكسوة وزركشتها وقد تم افتتاح هذا المصنع الجديد في يوم السبت 7من ربيع الثاني سنة 1397هـ في عهد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله .ويضم هذا المصنع أقسامًا مختلفة لتنفيذمراحل صناعة الكسوة ابتداء بصباغة غزل الحرير ، ومرورًا بعمليات النسيج ، وانتهاءبعمليات الزركشة ، كما يقوم المصنع أيضًا بصنع الحنابل (السجاد القطني) التيتحتاجها مساجد المملكة العربية السعودية كما أن قسم التطريز يقوم بجانب زركشةالكسوة الشريفة بزركشة أعلام الدولة ويضم هذا المصنع حوالي 160عاملاً بالإضافة إلىالجهاز الإداري للمصنع .وتنسجالكسوة المشرفة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود ، وقد نقش عليه بطريقةالجاكار عبارات (لا إله إلا الله محمد رسول الله الله جل جلاله سبحان اللهوبحمده سبحان الله العظيم ) ويبلغارتفاع الثوب 14 مترًا ويوجد في الثلث الأعلى من هذا الارتفاع حزام الكسوة بعرض95سم كتب عليه آيات قرآنية بالخط الثلث المركب محاطًا بإطار من الزخارف الإسلامية، ويطرز الحزام بتطريز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب ، ويحيط الحزام بالكسوة كلهاويبلغ طوله 47 مترًا ، وينسج من 16 قطعة ، كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورةالإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية ، وعلى الارتفاعنفسه وتحت الحزام أيضًا توجد 6 آيات من القرآن الكريم مكتوب كل منها داخل إطارمنفصل وفي الفواصل بينها يوجد شكل قنديل كتب عليه (يا حي يا قيوم) أو (يا رحمن يارحيم) أو (الحمد لله رب العالمين) وكل ما تحت الحزام مكتوب عليه بالخط الثلثالمركب ومطرزًا تطريزًا بارزًا ، ومغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وقد أحدث وضعهذه القطع في العهد السعودي . أما ستارة باب الكعبة فمصنوعة من القماش الحريرالأسود نفسه وارتفاعها سبعة أمتار ونصف المتر ، وعرضها أربعة آمتار مكتوب عليهاآيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرزة تطريزًا إسلاميًا مغطى بأسلاك الفضة المطليةبالذهب ، وتبطن الكسوة كلها بقماش خام متين بما في ذلك الستارة ، وتتكون من 5 قطع، أربع منها تغطي كل واحدة منها وجهًا من وجوه الكعبة والخامسة الستارة التي توضععلى الباب ، ويتم تجميع هذه القطع على الكعبة نفسها بعد خلع الثوب القديم([4]).· انتاجالمصنع :ومنذبدئه في مرحلته الثانية عام 1382هـ ، ومصنع كسوة الكعبة المشرفة يتبع إداريًاوماليًا وزارة الحج والأوقاف ، حتى وافق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز (15/7/1414هـ يناير 1994م) على ضم مصنع الكسوة إلى الرئاسة العامة لشؤونالمسجد الحرام والمسجد النبوي ، وهي هيئة مستقلة تتضح تخصصاتها من أسمها ، أماانتاج المصنع ، فقد تنوع بعد أن كان مقتصرًا على إنتاج ثوب الكعبة فقط وبالنسيجاليدوي ، وحاليًا وبعد تطوير المصنع ، وإدخال آلات النسج الحديثة أصبح إنتاجالمصنع يشتمل على :1– عمل ثوب الكعبة بكل دقة واتقان ، ويشمل ستارة الباب ، وهو العمل الرئيس .2– عمل الستارة الداخلية للكعبة بنفس الدقة والإتقان .3– عمل ستارة خاصة للحجرة النبوية الشريفة بدرجة عالية من الجودة.4– عمل قماش حرير أسود سادة لصناعة الحزام والهدايا المطرزة .5– عمل قماش أبيض وأخضر سادة لبطانة ثوب الكعبة وستارتها.6– عمل ثوب احتياطي كامل .7– أعلام المملكة العربية السعودية ، طبقًا لنظام العلم بالمملكة ، وطبقًاللمواصفات الموضوعة من قبل الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس.ويمثل تطريز الأعلام نمطًاآخر في استخدام آلات التطريز الآلية ، التي يتميز انتاجها بالدقة والإتقان .· إنتاجالهدايا المذهبة :كان مصنع كسوة الكعبةالمشرفة ينتج قليلاً من الهدايا الصغيرة الحجم (الله حسبي) ، ( الله ربي ) ، (الله جل جلاله ) وكانت تطرز جميعها بالقصب . وقد توقف انتاج هذا النوع عام 1395هـ، وأصبح الانتاج نماذجمن بعض الهدايا ا لتي ينسخها مصنع كسوة الكعبة المشرفةفيما بعد على إنتاج الهداياعلى ماهو مماثل لما يعلق فوق الكعبة من القطع التالية : · الحمد لله رب العالمين .· يارحمن يارحيم .· ياحي ياقيوم .· قطع كبيرة مشابهة لماتحت الحزام .وقد تضاعف إنتاج الهدايا بنسبة كبيرة كلعدة أعوام ، حتى أن انتاج عام 1409هـ من الهدايا يعتبر مقارنة بانتاج 1400هـمضاعفًا بنسبة 500% ، حيث تم إنتاج (500) هدية ، منها (100) قطعة مماثلة لما تحتالحزام ، وهو رقم يماثل في إنتاجه ثلاثة أحزمة كاملة من حزام الكعبة المشرفة ،وذلك لتغطية مايقدم لضيوف المملكة ([5]) ([6]).* * * وانظر أيضًا كتابكسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ ص : 234 – 237 مع بعض الاختلاف .([2] ) انظر ص : 147 في الفصل الرابع من الباب الثالث من هذا البحث.([3]) الرحابالطاهرة ، نشرة من إعداد وزارة الإعلام ، الشؤون الإعلامية ، الإعلام الداخلي ،الطبعة الأولى ، سنة 1414هـ -1993م .([4]) الرحابالطاهرة ص : 50 – 56 .([5]) قصة التوسعة الكبرى ص : 125 –126 .(2) ومن أرادأن يعرف عن المصنع معلومات أكثر من هذا أو تفاصيل مصاريف الكسوة فليرجع إلى كتاب (مصنع كسوة الكعبة المشرفة ) إعداد الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجدالنبوي طبع سنة 1409هـ، وكذا إلى كتاب (رعاية الحرمين الشريفين ) لفضيلة الشيخمحمد بن عبد الله السبيل ، و(مجلة التضامن الإسلامي) سنة 42 مجلد 7 محرم سنة1408هـ1987م . |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 4:55 pm | |
| الباب السابع في بحوث فقهية وغيرها
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول أوليات كسوة الكعبة المعظمة مع ما يتعلق بها ( )
• أوّل من كسا الكعبة مطلقا إسماعيل بن إبراهيم عليهما وعلى نبينا السلام( ).
• أوّل من كسا الكعبة كسوةً كاملةً تُبّع الحميري وهو أسعد بن معديكرب ( ) .
• أوّل من كسا الكعبة الديباج والحرير قبل الإسلام من الرجال خالد ابن جعفر بن كلاب ( ) .
• أوّل من كسا الكعبة الديباج والحرير قبل الإسلام من النساء نتيلة بنت جناب قاله الدارقطني ( ) .
• أوّل من كسا الكعبة بالديباج في الإسلام / قيل : هو عبد الله بن الزبير وقيل : هو عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقيل : يزيد بن معاوية، وقيل الحجاج وقيل غير ذلك(من غير تحديد لون الديباج)( ).
• أوّل من كسا الكعبة بالديباج الأسود / الناصر لدين الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسي ( ) .
• أوّل سنة كسيت الكعبة بالديباج الأسود واستمرت حتى الآن هي سنة 575هـ ( ) .
• أوّل امرأة في التاريخ كست الكعبة وحدها ، هي نُتَيْلة بنت جناب (بالجيم) زوج عبد المطلب وأمّ العباس ( ) .
• أوّل من تفرد بكسوة الكعبة من الأفراد أبو ربيعة بن المغيرة بن عبدالله جَدّ الشاعر عمر بن أبي ربيعة ( ) .
• أوّل حريق وقع في الكسوة عام الفتح بيد امرأة كانت تجمر الكعبة، وفي أثناء ذلك طارت شرارة إلى الكسوة التي كساها بها المشركون فاحترقت فعريت الكعبة( ) .
• أوّل صحابي كان يكسو الكعبة من ماله ، هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، فكان يسلم شيبة بن عثمان سادن الكعبة القباطي من صنع مصر والحبرة من صنع اليمن ليكسو بهما الكعبة ( ) .
• أوّل من كسا الكعبة ثلاث كسوات فوق بعضها البعض ســنة160هـ هو الخليفة العباسي المهدي ( ) .
• أوّل من كسى الكعبة ثلاث كسوات ثلاث مرات في أوقات مختلفة في السنة في عهد الخليفة العباسي المأمون وذلك في سنة 206هـ الأولى من الديباج الأحمر وتكساها يوم التروية ، والثانية من القباطي وتكساها في غرة رجب ، والثالثة من الديباج الأبيض، وتكساها في (27) من شهر رمضان المبارك ( ) .
• أوّل من كسا الكعبة من الملوك بعد انقضاء دولة بني العباس من بغداد هو الملك المظفر يوسف صاحب اليمن وذلك سنة 659هـ ( ) .
• أوّل من كسا الكعبة من ملوك مصر بعد زوال الدولة العباسية هو السلطان الظاهر بيبرس البندقداري عام 661هـ ( ) .
• أوّل من أمَرَ بتطويف المحمل وكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة ، هو الملك الظاهر بيبرس ملك مصر ( ) .
• أوّل سنة طِِيف بالمحمل وكسوة الكعبة بأمر الملك الظاهر بيبرس هي سنة 675هـ ( ) .
• أوّل سنة تغير طراز (حزام) كسوة الكعبة من حرير أبيض إلى حرير أصفر سنة 797هـ ( ) .
• أوّل من بَدَأ بالطراز المذهب السلطان سليم خان من آل عثمان ( ) .
• أوّل من أحدَثَ المحمل اليماني هو الوزير مصطفى باشا المعروف بالنَّشَّار المتولي على اليمن من جهة السلطان سليمان خان ( ) .
• أوّل سنة أُحدِث المحمل اليماني هي سنة 963هـ ( ) .
• أوّل من أمَرَ بالاحتفال الرسمي في مكة المكرمة عند دخول المحمل وفيه كسوة الكعبة المعظمة هو خديوي مصر عباس حلمي باشا ( ) .
• أوّل سنة بَدَأ الاحتفال الرسمي لدخول المحمل والكسوة الشريفة إلى مكة المكرمة هي سنة 1309هـ ( ) .
• أوّل من كسا الكعبة بكسوة صنعت بمكة المكرمة بمعمل الكسوة هو جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وذلك عام 1346هـ ( ) .
• أوّل من وقف ثلاث قرى من مصر لصنع كسوة الكعبة هو الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر ابن قلاوون ( ) .
• أوّل من وقف سبع قرى أخرى من قرى مصر لمصاريف كسوة الكعبة وضمها إلى القرى الثلاث السابقة هو السلطان سليمان بن سليم العثماني ( ) .
• أوّل سنة وقف فيها ثلاث قرى لصنع كسوة الكعبة المشرفة هو سنة 750هـ ( ) . • أوّل من حَلّ وقف كسوة الكعبة هو محمد علي باشا حينما تولى حكم مصر ( ) .
• أوّل كسوة صُنِعت في مكة المكرمة في مصنعها بجياد في نهاية سنة 1346هـ ( ) .
• أوّل مصنع تم بناءه في مكة المكرمـة بجياد في أواسط ســنة 1346هـ( ) .
• أوّل خطاط ورسام الّذي كتب على حزام كسوة الكعبة هو محمد أديب آفندي( ) .
• أوّل مدير لمصنع كسوة الكعبة هو الشيخ عبد الرحمن مظهر من علماء الهند( ) .
• أوّل من نال جائزة وشهادة تقدير بسبب إنجاز كسوة الكعبة بالاتقان والسرعة هو المدير الأول للمصنع الشيخ عبد الرحمن مظهر ( ) .
• أوّل كسوة كسيت الكعبة المعظمة مصنوعة بالكامل بأيدي العمال الوطنيين كسوة عام 1352هـ ( ) .
• أوّل مدير لمصنع كسوة الكعبة اشترطت عليه الحكومة السعودية أن يقوم بتعليم العمال السعوديين فَنّ النسيج والتطريز وصنوف الحياكة هو الحاج محمد خان من الهند ( ).
• أوّل مدير سعودي تم تعيينه لمصنع الكسوة هو الشيخ أحمد سالم الجوهري ( ) .
• أوّل سنة تم فيها تعيين مدير سعودي لمصنع كسوة الكعبة هو سنة 1352هـ( ) .
• أوّل كسوة صنعت في مكة المكرمة في أقصر مدة ( أي في خمسة أو ستة أيام) هو كسوة عام 1345هـ ( ) .
• أوّل كسوة أرسلت مصر بعد التوقف دام إحدى عشر سنة كسوة عام 1356هـ ( ) .
• أوّل كسوة صنعت في مصنع الكسوة بجرول بعد توقفها من مصر في المرة الثانية كسوة عام 1382هـ ( ) .
• أوّل سنة نُقل فيها عمل الكسوة في المصنع الجديد بأم الجود هو سنة 1397هـ 7 ربيع الثاني ( ) .
• أوّل كسوة داخلية للكعبة المشرفة كسيت من انتاج مصنع الكسوة بمكة المكرمة هو عام 1363هـ ( ) .
• أوّل من جعل الكسوة من بيت مال المسلمين هو الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ( ) .
• أوّل من كتب إلى مصر أن تحاك كسوة الكعبة هناك ، ثم ترسل إلى مكة المكرمة هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا ( ).
• أوّل من اختار مدينة " تنيس " من المدن المصرية لصنع كسوة الكعبة لشهرتها في المنسوجات الثمينة خلفاءُ بني العَبّاس ( ) .
• أوّل ستارة باب الكعبة المنقوشة وضعت على باب الكعبة كانت سنة 810هـ ( ) .
• أوّل كسوة صُنعت بالأيدي عدا الحزام كسوة عام 1345هـ ( ) .
• أوّل من قَرَّر للكعبة كسوتين ، الأولى بالديباج يوم التروية ، والأخرى بالقباطي يوم السابع والعشرين من رمضان ، هو الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه( ) .
• أوّل من أمر بتجريد الكعبة من كُسا الجاهلية حتى لايكون مِمّامسه المشركون شيء هو معاوية بن سفيان رضي الله عنه ( ) .
• أوّل من باشر عمليًا بتجريد الكعبة من كُسا الجاهلية هو شيبة بن عثمان ( ) .
• أوّل من أبطل قدوم المحمل ( وفيه كسوة الكعبة ) إلى مكة المكرمة هو جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ( ) .
* * *
الفصل الثاني حكم التبرك بالكسوة الشريفة
التبرك من البركة ، ومن معاني البركة : النماء والزيادة ، جاء في كتاب جمهرة اللغة : يقال : لا بارك الله فيه أي لا نَمَّاه ( ) ، وفي معجم مقاييس اللغة : قال الخليل : البركة من الزيادة والنماء ( ) .
ومن معاني البركة : السعادة ، قال الفراء : البركات السعادة( ) . وفسر ابن الأثير قوله : فحنكه وبركه عليه أي دعا له بالبركة ( ) .
والتبرك مصدر تَبَرَّك يتبرّك تبركًا ، وهو طلب البركة ، والتبرك بالشيء طلب البركة بواسطته ، فقد جاء في بعض كتب اللغة : تبركت به أي تيمنت به ( ) .
واليمن : البركة ، وتيمنت به : تبركت ، وقال ابن الأثير : وقد تكرر ذكر ( اليمن) في الحديث ، وهو البركة ، وضده الشؤم .
ويبدو من البحث في معاني البركة لغة وفي استعمالاتها في القرآن أن التبرك هو طلب البركة، والتبرك بالشيء طلب البركة بواسطته، والبركة في القرآن والسنة : ثبوت الخير ودوامه أو كثرة الخير وزيادته أو اجتماعهما معًا يقول الدكتور ناصر الجديع بعد أن بحث معنى البركة بحثًا مستفيضًا : فيمكن أن نقول : بأن معنى التبرك بشيء ما : طلب حصول الخير بمقارنة ذلك وملابسته ، ثم قال : ولكن هل يجوز فعل هذا التبرك مطلقًا ؟
والجواب : بالنفي ، حيث إن الشارع الحكيم قد أبان الأمور والأشياء التي يستحب أو يجب طلب البركة منها والتماس كثرة الخير عن طريقها ، وخاصة أن طلب الخير والحرص عليه مما يحث عليه ديننا الحنيف.
وما عدا تلك الأشياء فلا يجوز التبرك به ، لأن ما ليس بمشروع في الدين فهو ممنوع .. ثم قال : والخلاصة: أن التبرك مشروع في الإسلام، ولكن ليس مشروعًا على الإطلاق، بل منه ما هو ممنوع ( ) .
وبعد هذا التمهيد المختصر أعود إلى أصل الموضوع الذي أريد بيان حكمه ، وهو التبرك بالكسوة الشريفة وتعليق الكسوة مبروزة على الجدران والتزين بها هو عادة تكون بدافع التبرك بها ، فهل يجوز التبرك بالكسوة الشريفة بأي شكل من أشكال التبرك ، فقد بحثت حسب المقدور فما وجدت نصًا صريحًا من السلف في القرون المفضلة تبركوا بكسوة الكعبة ، وقد حمل الأستاذ إبراهيم حلمي ما قام به سيدنا عمر بن الخطاب من تقسيم الكسوة القديمة على الحجاج على التبرك ، فقال : يتبرك العديد من المسلمين في جميع مشارق الأرض ومغاربها بكسوة الكعبة المشرفة ، ثم قال : ومسألة التبرك بقطع من كسوة الكعبة المشرفة ليست وليدة العصور الحديثة أو القريبة العهد منها ، بل هي قديمة منذ عهد الفاروق (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ، فكان ينـزع كسوة الكعبة المشرفة كل سنة ، ويستبدل بها أخرى جديدة ، ويُقسم الأولى بين الحجاج( )
قلت : لا دليل في عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا على التبرك بالكسوة الشريفة ، ولم ينقل الأستاذ إبراهيم حلمي لفظه بتمامه ، وقد تقدم لفظه في بحث " الكسوة في عهد الخلفاء الراشدين "( ) .
ولفظه كما جاء في أخبار مكة: "كان (عمر بن الخطاب) ينـزع كسوة البيت في كل سنة ، فيقسمها على الحجاج فيستظلون بها على السمر بمكة"( ). والعلة واضحة في هذا اللفظ ، وهي الاستظلال على السمر بمكة ، وليست التبرك بها ، ولفظ شيبة بن عثمان الذي ذكره الأزرقي أقرب إلى ما استدل به الأستاذ إبراهيم حلمي ، وهو في رواية ابن أبي مليكة الطويلة التي ذكرها الأزرقي ، وفيها : ... فرأيت شيبة جردها ، حتى لم يبق عليها شيئًا مما كان عليها ، وخلق جدرانها كلها وطيبها ، ثم كساها تلك الكسوة التي بعث بها معاوية إليها ، وقسم الثياب التي كانت عليها بين أهل مكة ، وكان ابن عباس رضي الله عنه حاضرًا بالمسجد الحرام وهم يجردونها، قال: فما رأيته أنكر ذلك ، ولا كرهه( ) .
ففي هذه الرواية لم تذكر العلة التي ذكرت في الرواية السابقة ، إلا أن الروايات الأخرى تدل على أن أهل مكة كانوا يلبسون تلك الثياب ، لا يحتفظون للتبرك ، فقد أخرج الأزرقي عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق ، وفي هذه الرواية : فكان شيبة يكسو تلك الثياب ، فرأى على امرأة حائض ثوبًا من كسوة الكعبة ، فرفعه شيبة، فأمسك ما بقي من الكسوة حتى هلكت يعني الثياب ( ) . وعمل شيبة بن عثمان هذا كان من رأيه ، ثم بعد ذلك سأل عائشة رضي الله عنها فقال : يا أم المؤمنين ، يجتمع عليها الثياب فيكثر ، فنعمد إلى بيار فنحفرها ونعمقها ، فيدفن فيها ثياب الكعبة لكي لا تلبسها الحائض، قالت عائشة: ما أصبت، وبئسما صنعت، لا تعد لذلك، فإنّ ثياب الكعبة إذا نزعت عنها لا يضرها من لبسها من حائض أو جنب، ولكن بعها ( ).
فلم يبق دليل على التبرك بالكسوة الشريفة بعمل شيبة بن عثمان أيضًا.
فالذين كانوا يتولون قسمة الكسوة الشريفة إذ ذاك يقصدون بها سد حاجة الفقراء المحتاجين إلى الاكتساء بها ونحوه، لا يقصدون أن يتبركوا بها. والله أعلم.
وكما تقدم بأني لم أجد نصًا من السلف بجواز التبرك بالكسوة الشريفة ، وقد ذكروا في طيب الكعبة ، فقال عز الدين بن جماعة : قال الشافعية : لا يجوز أخذ شيء من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره ، ومن أخذ شيئًا من ذلك لزم رده إليها ، فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذ ( ).
وذكر عن الإمام أحمد من رواية المروذي قال: لا يأخذ من طيب البيت شيئًا فإن أراد أن يستشفي فليأت من عنده فليلزقه على البيت ثم يأخذ ( ).
فقد جوز الشافعية التبرك بالطيب الذي لزق بالكعبة ثواني معدودة، فمن باب أولى جواز التبرك عندهم بالكسوة التي لزقت بالكعبة سنة كاملة ، وكذا يقال فيما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله بالاستشفاء بالطيب الذي لزق بالكعبة ثواني معدودة والله أعلم .
إلا أن الذين جوزوا التبرك والاستشفاء بطيب الكعبة لم يأتوا بدليل من الكتاب والسنة ولا من عمل الصحابة والتابعين، هذا وقد كثرت في زماننا هذا الخرافات والبدع ، فالتساهل في هذه المسائل تجر العوام إلى محظورات، فالمنع من التبرك بالطيب والكسوة أولى سدًا للذرائع ومنعًا للجهال في الوقوع في المنكرات. والله أعلم.
وقد أفتى سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمة الله عليه بمنع التبرك بالكسوة، فقال في فتواه: ... أما في زماننا هذا زمن الخرافات زمن الغلو والتبرك بغير الله الذي هو الواقع الآن في كسوة الكعبة ، فنجدهم يبيعون القطعة الصغيرة منها بالثمن الكثير على الحاج الغريب لأجل التبرك بها ، وهذا لا يجوز ، وتمكينهم من ذلك لا يجوز شرعًا، بل هو من معاونتهم على الإثم والعدوان .. ( ) .
ثم ذكر رحمه الله عن استحقاق آل الشيبي للكسوة القديمة ، فقال : أما موضوع الكسوة القديمة للكعبة المشرفة فإنه ليس لآل الشيبي في هذه الكسوة حق من حيث الشرع ، لكن حيث كان الولاة المتقدمون قد عودوهم إعطاءهم إياها ، وكانوا متشوفين لذلك ، ولهم مكانة لسدانتهم لهذا البيت المطهر ، فينبغي للإمام وفقه الله أن يعوضهم عنها من بيت المال ما يراه كافيًا لتطييب نفوسهم ، ولا يدفع الكسوة إليهم لما يفضي إليه ذلك من بيعها المنتهي إلى حصولها في أيدي الجهلة المتعلقين بها على وجه التبرك والتمسح بها الذي لا تجيزه الشريعة ، لكن تحفظ تلك الكسوة في مكان مصون تحت أيدي حفاظ لها أمناء ولو تلف بأرضة أو غيرها فإن ذلك لا يضر شرعًا ، وأكثر ما فيه أنه فوات جزء من المال ، وارتكاب ذلك أسهل من ارتكاب ما يجر العوام والجهال إلى ما هو محظور شرعًا ، وفي ذلك حراسة لعقائد الناس ( ).
وقد رأيت أمرًا ملكيًا حول هذا الموضوع ، لعله صدر بعد هذه الفتوى ، جاء في جريدة البلاد: "تعويض آل الشيبي بقيمة ثوب الكعبة بعد منع بيعه "
صدر أمر ملكي كريم بمنع بيع قصاصات ثوب الكعبة المنتزع كما هي العادة ، وأن تقوم هيئة الأمر بالمعروف بنـزع الثوب، وتسليمه لإدارة الأوقاف، ليتم حفظه هناك، وأن تصرف لآل الشيبي التعويض الكامل عن قيمة الكساء المنتزع ( ).
* * * الفصل الثالث حكم التصرف في كسوة الكعبة
من المعلوم شرعًا والمعروف لدى الجميع أن سدانة البيت حق شرعي ثابت لآل الشيبي منذ أن قال الرسول : خذوها يا بني أبي طلحة، خذوا ما أعطاكم الله ورسوله تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، هم الذين يحتفظون بمفتاحها ويتوارثون كسوتها، وقد جرت العادة منذ صدر الإسلام أن الكسوة الجديدة تسلم لهم، وهم الذين يقومون بإلباس الكعبة بالكسوة الجديدة، وهم الذين ينـزعون الكسوة القديمة بعد إلباسها الجديدة وكانوا يتصرفون في القديمة، وقد روى الأزرقي عن ابن أبي نجيح قوله: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينـزع كسوة البيت في كل سنة، فيقسمها علي الحجاج فيستظلون بها على السمر بمكة( ).
وفي رواية أخرجها الأزرقي أيضًا عن ابن أبي مليكة يقول: كانت على الكعبة كسى كثيرة من كسوة أهل الجاهلية من الأنطاع والأكسية والكرار والأنماط ، فكانت ركامًا بعضها فوق بعض ، فلما كسيت في الإسلام من بيت المال كان يخفف عنها الشيء بعد الشيء ، وكانت تكسى في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي يؤتى به من مصر، غير أن عثمان رضي الله عنه كساها سنة برودًا يمانية أمر بعملها عامله على اليمن يعلى بن منبه ، فكان أول من ظاهر لها كسوتين ، فلما كان معاوية كساها الديباج مع القباطي ، فقال شيبة بن عثمان : لو طرح عنها ما عليها من كسى الجاهلية فخفف عنها حتى لا يكون مما مسه المشركون شيء لنجاستهم ، فكتب في ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام ، فكتب إليه أن جردها ، وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة ، قال : فرأيت شيبة جردها ، حتى لم يترك عليها شيئًا مما كان عليها ، وخلق جدرانها كلها وطيبها ، ثم كساها تلك الكسوة التي بعث بها معاوية إليها ، وقسم الثياب التي كانت عليها على أهل مكة ، وكان ابن عباس حاضرًا في المسجد الحرام وهم يجردونها ، قال : فما رأيته أنكر ذلك ولا كرهه ( ) .
هذه الرواية تدل على أن آل الشيبي السدنة لم يكونوا يستفيدون من الكسوة القديمة بالبيع ، بل كانوا يقسمونها على أهل مكة ، والذين كانوا يأخذونها يستفيدون منها ارتداء واستظلالاً ، والشيبيون لم يتقاضوا من الناس أجرة ، ولم يكن أي مانع وقتئذ بالارتداء والاستظلال لعدم وجود الآيات ولفظ الجلالة ، كما هو الحال الآن ، وقد اختلف الحال الآن مما قبله ؛ لأن كسوة الكعبة الآن لا يخلو جزء منها إلا ومكتوب عليه اسم الجلالة أو آية من الآيات القرآنية أو بعضها ، فلا يقال بجواز استعمالها في الأشياء المهانة ، والله أعلم .
وذكر الحافظ ابن حجر عن الفاكهي من كتابه (كتاب مكة) من طريق علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي شيبة الحجبي فقال : يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع عندنا فتكثر ، فننزعها ونحفر بئارًا فنعمقها وندفنها لكي لا تلبسها الحائض والجنب ، قالت : بئسما صنعت ، ولكن بعها ، فاجعل ثمنها في سبيل الله وفي المساكين ، فإنها إذا نزعت عنها لم يضر من لبسها من حائض أو جنب ، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن ، فتباع له فيضعها حيث أمرته( ) .
وهذه الرواية أخرجها الأزرقي أيضًا( ) . وأخرج نحوها عن ابن عباس أيضًا ( ) .
وقال الباجوري من الشافعية ، ويحرم أخذ طيب الكعبة ، فمن أراد التبرك بذلك مسحها بطيب نفسه ثم أخذه ، وأما سترته (أي كسوته ) فإن كانت من بيت المال فللإمام أن يصرفها مصارف بيت المال بيعًا أو إعطاء أو نحو ذلك لئلا تتلف بالبلى وإن كانت موقوفة تعين بيعها وصرفها في مصالح الكعبة ، وإن كانت ملكًا للكعبة بأن ملكها مالكها للكعبة فلقيمها ما يراه ، وإن وقف لها شيء على أن تؤخذ من ريعه ، فإن شرط الواقف فيها شيئًا من بيع أو إعطاء أو نحو ذلك اتبع، وإن لم يشترط فيها شيئًا فللناظر بيعها وصرف ثمنها في كسوة أخرى ، فإن شرط الواقف تجديدها كل عام ولم يشترط فيها شيئًا اتبعت العادة الجارية في زمن الواقف العالم بها ، كما هو الواقع الآن بمصر ، فإن الواقف لها وهو شجرة الدر على ما قيل ( ) لم يشترط فيها شيئًا وشرط تجديدها كل عام مع علمه بأن بني شيبة يأخذونها فلهم أخذها على الراجح ويجوز لمن أخذها لبسها ولو جنبًا وحائضًا ولا يحرم تنجيسها( ) .
وقال ابن جماعة : قال أبو الفضل بن عبدان من الشافعية: لا يجوز قطع شيء من أستار الكعبة ، ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه ولا وضعه بين أوراق المصحف ، ومن حمل شيئًا منه لزمه رده بخلاف ما يتوهمه العامة يشترون من بني شيبة( ) .
وقال أبو عمرو بن الصلاح : الأمر فيها (في الكسوة) إلى الإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعًا أو إعطاء ، واحتج بما رواه الأزرقي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينـزع كسوة الكعبة كل سنة فيقسمها على الحجاج ( ) .
ونقل عن الإمام أحمد من رواية المروذي قوله : ثياب الكعبة يتصدق بها . وفي موضع آخر : قد كان شيبة يتصدق بخلقان الكعبة.
وحكي عنه صاحب التلخيص: أنه يجوز بيعها إذا خلقت. والله أعلم( ).
وقال الطبري بعد أن نقل من الأزرقي قول عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم: فيما تقدم من الأحاديث دلالة على جواز لبس ثياب الكعبة لذي الحاجة ، وللمشتري لها ممن يجوز له بيعها ، وللناظر في أمرها البيع وصرف الثمن لما ذكرته عائشة إلا أن تحتاج إلى عمارة فصرفه فيها أولى ، وله أيضًا قسمتها فيمن يراه على ما دل عليه حديث عمر الأول ، ثم ذكر عن ابن الصلاح قوله الذي تقدم قبل قليل ، ونقل عن الحليمي قوله : لا ينبغي أن يؤخذ من كسوة الكعبة شيء.
ثم قال : قلت : والأمر فيه عندي على ما تقدم ، ويؤيد ما ذكرناه عن عمر وعائشة وأم سلمة ، ويحمل على المحتاجين ، وإن كان ظاهر اللفظ يعم جميع الحاج( ) .
قال قطب الدين النهرواني الحنفي : ومذهب علمائنا رضي الله عنهم في ذلك رجوع أمره إلى السلطان ؛ وقال الإمام فخر الدين قاضي خان رحمه الله في كتاب الوقف من فتواه : ديباج الكعبة إذا صارت خلقًا يبيعه السلطان ، ويستعين به في أمر الكعبة ؛ لأن الولاية فيه للسلطان لا لغيره ، وقال الإمام أبو بكر الحدادي : لا يجوز قطع شيء من الكعبة ولا بيعه ولا شراؤه ، ولا وضعه بين أوراق المصحف ، ومن حمل شيئًا من ذلك فعليه رده ، ولا عبرة بما يتوهمه الناس أنهم يشترون ذلك من بني شيبة، فإنهم لا يملكونه ، فقد روي عن ابن عباس وعائشة أنهما قالا : ببيع ذلك ؟ ويجعل ثمنه في سبيل الله تعالى( ) .
ونقل عن القرطبي من المالكية : كسوة الكعبة حبس عليها كحصرها وقناديلها فلا يملكها أحد ، وقال الزركشي من علماء الشافعية في قواعده عن ابن عبدان : أمنع من بيع كسوة الكعبة. وأوجب رد من حمل منها شيئًا .
ثم قال القطب النهرواني : والذي يظهر لي أن كسوة الكعبة المشرفة إن كانت من قبل السلطان من بيت مال المسلمين فأمرها راجع لمن يعطيها من قبله ، لمن شاء من الشيبيين أو غيرهم ، وإن كانت من أوقاف السلطان وغيره ، فأمرها راجع إلى شرط الواقف فيها ، فهي لمن عينها لهم، وإن جهل شرط الواقف فيها عمل بما جرت به العوائد السابقة كما هو الحكم في سائر الأوقاف ، وكسوة الكعبة الشريفة الآن من أوقاف السلاطين ، ولم يعلم شروط الواقف فيها ، وقد جرت عادة بني شيبة أنهم يأخذون لنفسهم الكسوة العتيقة بعد وصول الكسوة الجديدة فيُبَقَّون على عاداتهم فيها ( ) .
وقال علي بن عبد القادر الطبري : وكل من الكسوتين (الداخلي والخارجي) إذا نُزع يستحقه بنو شيبة ، كما أفتى بذلك جم غفير من علمائنا المتأخرين وغيرهم من الحنفية ، وهي مستحقة لهم شرعًا كاستحقاقهم السدانة ، ومراعاة الأكبر فالأكبر عرف لهم لا ينظر إليه شرعًا ، كما صرح به العلماء( ).
ويقول محمد صالح الشيبي : قال الزهري والفاكهي : ويؤخذ من السنة ومما أفتت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن كسوة الكعبة المعظمة من زمن النبي إذا نزعت من فوق الكعبة تعطى إلى السدنة ، وكان شيبة لا يعلم جواز التصرف حتى استفتى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فأفتته ببيعها والتصرف في ثمنها وجواز لبسها للحائض والجنب فأخذ يتصرف فيها.
وأما قول أم المؤمنين ببيعها والتصدق بثمنها ظاهر ؛ لأن كل شخص إذا استغنى عن شيء وفي بقائه إتلاف له يؤمر ببيعه ، والتصدق بثمنه أفضل من إتلافه ، وهذا لا يدل على عدم جواز أكل السدنة من ثمن الكسوة ، بل الأفضل للإنسان أن يبدأ بنفسه ثم بما يليه ، والصدقة بيد قابضها ، فكيف وأن الكسوة هي حق من حقوق السدنة . انتهى( ) .
وقال أيضًا بعد أن نقل قول عائشة من فتح الباري : قال ابن بطال: والذي يظهر جواز قسمة الكسوة العتيقة ، إذ في بقائها تعريض لإتلافها ، ولا جمال في كسوة عتيقة مطوية ، ثم قال : ويحتمل أن يكون القصد منه منفعة أهل الكعبة وسدنتها( ) .
ونقل الشيبي عن العلامة قطب الدين الحنفي قوله: والذي يظهر لي أن الكسوة يعمل فيها بما جرت به العوائد السالفة إذا جهل شرط الواقف وكسوة الكعبة الآن من أوقاف السلاطين، ولا يعلم شرط الواقف فيها، وقد جرت عادة بني شيبة أنهم يأخذون لأنفسهم الكسوة العتيقة بعد وصول الكسوة الجديدة فيبقون على حالهم وعادتهم فيها.
وهذا أعظم دليل على جواز التصرف في بيع كسوة الكعبة وانتفاع السدنة بثمنها خصوصًا في هذه الأزمنة التي تقوم فيها الكسوة ببعض نفقاتهم ( ).
قلت: لم أر في قول قطب الدين ما ذهب إليه المؤلف الشيبي من تجويز بيعها وانتفاع السدنة بثمنها. والله أعلم.
وقال حسن بن عبد القادر الشيبي: أما حكم كسوة الكعبة المعظمة فهو أنه يجوز بيع الكسوة العتيقة بما أفتت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وأفتى به كثير من العلماء ، وأن التصرف فيها للسدنة حجبة الكعبة المعظمة فاتحيها بني شيبة ، وهم خدمتها وسدنتها بموجب ما ورد في النصوص الشرعية وأفتى به العلماء اتباعًا لما أثبتهم وأيدهم عليه والصحابة والقرابة والتابعون بأن كل ما يزيل (يزال) ويخرج من الكعبة بيت الله الحرام هو لسدنتها بني أبي طلحة الشيبيين الذين هم من زمنه إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى وبيدهم المفتاح مادة ومعنى ، فهي خصوصية في حقهم وما ورد في النصوص الفقهية في خصوص المساجد والمعابد أن كل ما زاد فيها هو لخدمتها .
وثالثًا من حيث إن الكسوة الشريفة للكعبة المعظمة وقف من أوقاف السلاطين كما مر ، وأن العادة التي تداولت وجرت فيه شرطه هو أن حجبة الكعبة المعظمة بني شيبة يأخذون الكسوة العتيقة لأنفسهم ويقتسمونها بينهم بالسوية ذكورًا وإناثًا وأطفالاً ، وأن المولود منهم في يومه يستحق كما يستحق الشيخ منهم ، ويجعلون لأسنهم أي شيخهم سهمين كما هي عادتهم في تقسيم الهدايا من الزوار بينهم ، وإلى يومنا هذا هذه عاداتهم ، والقضاء بما جرت به العادة بالمعلوم أمر معمول عليه في الشريعة في أبواب متعددة من أبواب الفقه تشهد له مسائل كثيرة . انتهى( ) .
قال عبد الكريم الأحمد آبادي : قال في السراج الوهاج : لا يجوز قطع شيء من كسوة الكعبة ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه ولا وضعه بين أوراق المصحف ، ومن حمل شيئًا من ذلك فعليه رده ولا عبرة بما يتهمونه الناس أنهم يشترونه من بني شيبة فإنهم لا يملكونه .
ونقل عن تتمة الفتاوى عن محمد في سترة الكعبة يعطى منها إنسان، فإن كان شيء له ثمن (يأخذه، وإن لم يكن له ثمن فلا بأس به ) ( ).
وقال ابن ظهيرة: يجوز بيع ثياب الكعبة عندنا إذا استغنت عنه، وقال به جماعة من فقهاء الشافعية وغيرهم، ويجوز الشراء من بني شيبة، لأن الأمر مفوض إليهم من قبل الإمام، نص عليه الطرسوسي من أصحابنا في شرح منظومته ووافقه السبكي من الشافعية ، ثم قال : وعليه عمل الناس ( ) .
وقال الفاسي : إن العلماء اختلفوا في جواز بيع كسوة الكعبة ، فنقل جواز ذلك عن عائشة وابن عباس وجماعة من الفقهاء الشافعية وغيرهم، ومنع من ذلك ابن القاضي وابن عبدان من الشافعية، وذكر الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي الشافعي في قواعده أنه لا يتردد في جواز ذلك الآن لأجل وقف الإمام ضيعة معينة على أن يصرف ريعها في كسوة الكعبة، والوقف بعد استقرار هذه العادة والعلم بها فينـزل لفظ الواقف عليها، قال: وهذا ظاهر لا يعارضه المنقول المتقدم( ).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة الخميس 28 أكتوبر 2010, 5:07 pm | |
|
خاتمــــة
تم بحمد الله وتوفيقه ما أردت كتابته عن الكسوة الشريفة وتاريخها، وحسبي أنني استفرغت وسعي وجهدي في إعداده ، ولا أدعي بأنني بحثت موضوع الكسوة من جميع جوانبه ، لأن هذا الموضوع طويل ومتشعب ، وأما ما تطرقت للحديث عنه فهو ما ألمح إلي به معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي آنذاك ورئيس مجلس الشوري حاليًا ، فله الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في كتابتي في هذا الموضوع
وقد أحببت أن أختم بحثي هذا منوهًابأمور ، أهمها :
[b]1 – أنني أطلت في بعض أبحاث الكتاب ،لعدم وجودها أو وجودها باختصار شديد في الكتب التي تكلمت عن هذا الموضوع ، وذلك بتتبعي وإدامة النظر في ما جاء في الصحف والدوريات القديمة التي غصت بتلك الأخبار، فكان لزامًا علي أن أؤرخ لتلك الحقبة من تاريخ الكسوة .
2 – مما أطلت مباحثه هو موضوع ( المحمل) الذي كان يأتي من مصر ، فقد تبين لك أيها القارئ تلك البدع والمنكرات التي ظلت ترتكب باسم الدين قرونًا طويلة ، يشارك فيها عوام الناس وخواصهم من المدنيين والعسكريين ومن العلماء والمفتين ، ومشايخ الصوفية ، وقد تسربت هذه البدع مع لمحمل من القاهرة إلى جدة ، ومنها إلى مكة المكرمة ، واستمر الحال على ما عليه([1]) إلى أن ضم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود مكة المكرمة إلى دولته ، وذلك في 17/5/1343هـ بعد موسم الحج ، وقد كان هذا الموضوع شاغله الأكبر ، إذ حاول بشتى الوسائل أن يقنع المسؤولين بمصر بتجريد المحمل من السلاح ، ومنع الموسيقى المصاحبة له خاصة من جدة إلى مكة المكرمة ، وقد رحبت الصحف المصرية بموقف الملك عبد العزيز ، فاطمأن إلى حد ما أنه سيلبون ما طلب منهم ، إلا أنه في حج عام 1344هـ وصل المحمل يصحبه جنود وضباط مصريون مسلحون حسب العادة ، من غير إعلام للحكومة السعودية ، ولم يُرِدْ جلالة الملك آنذاك أن يحدث أزمة بمنعه بعد وصوله ، فسمح للقوة بالنـزول ، وحدث ما حدث من حادثة المحمل المعروفة ، ولطف الله ووقى الحجاج شر فتنة هذه السنة فامتنعت الحكومة المصرية بعدها عن إرسال الكسوة إلى سنة 1355هـ ، ثم لما عادت بإرسالها بعد المفاوضات أرسلت الكسوة من غير محمل ، ومن غير أي بدعة ومنكر ، فلله الحمد على ذلك . فانظر يا رعاك الله ! كيف استطاع جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله بفضل حنكته وذكائه في معالجة الأمور أن يقضي على منكرات وبدع وخرافات تعوَّد الناس عليها من عشرات ، بل من مئات السنين وذلك في وقت قصير جدًا.
كما استطاع توحيد الإمامة في الحرم المكي الشريف وهدم القباب ومنع البناء على القبور وغيرها من الأمور التي تدل على حكمته البالغة ، وعظمته رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ، ووفق أبناءه البررة بالمضي قدمًا على نهجه .
[b]3 – لقد مر بك أيها القارئ خلال مباحث الكتاب كيف كانت تأتي كسوة الكعبة من خارج المملكة ، وأنه أوقفت الأوقاف الكثيرة لها، بل أوقفت قرىبكاملها ؛ وذلك لتأمين تكاليف صناعة كسوة الكعبة وما يلازمها من بخور وعطور وغيرها كانت تأتي إلى مكة المكرمة ، بينما اليوم وفي عهد الحكومة السعودية تصنع كسوة الكعبة بأيدي سعودية ، وفي مصانع سعودية ، وبتكاليف من حكومة السعودية ، وهذا غيض من فيض مما تصرفه المملكة العربية السعودية على خدمة الحرمين الشريفين ، وهذا إن دل فإنما يدل على تحمل المملكة لهذه المسؤولية العظيمة ، والقيام بها على أكمل وجه.
4 – ومن خلال مباحث الكتاب نجد ذلك التطور الكبير في صناعة كسوة الكعبة بعدما كانت تكسى بأنطاع وأنماط وبرود يمانية والحبرات وغيرها - مما فصلته في مباحث الكتاب- كانت تقدم للكعبة المشرفة ، إلى أن أصبح قماشًا مصنعًا ، يحاك في دول مختلفة ويقدم إلى الكعبة المشرفة لتلبسها في يوم معين . ثم ها هي الآن تصنع في مصنع خصص لها بمكة المكرمة تنتجه سنويًا بأيدي مهرة، وبآلات حديثة ، لتكون من أبدع الكساوى التي صنعت على الإطلاق.
[b]هذا ما أحببت التنويه به سائلاً المولى عز وجل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم ، فإن كان صوابًا فمنه وحده لا شريك له ، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله له . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وكتبه د. عبد القيوم بن عبد رب النبي[/b][/b][/b] [b][b][/b][/b] |
|
| |
| التاريخ الكبير لكسوة الكعبة المشرفة | |
|