أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: عبد الله بن رواحة - يا نفس، الا تقتلي تموتي الخميس 25 مايو 2017, 1:53 am | |
| عبد الله بن رواحة - يا نفس، الا تقتلي تموتي ========================= عندما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس مستخفياً من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشارف مكة، يبايع اثني عشر نقيباً من الأنصار بيعة العقبة الأولى..
كان هناك عبد الله بن رواحة واحداً من هؤلاء النقباء، حملة الاسلام الى المدينة، والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله، والاسلام..
وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية، كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين ...
وبعد هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة واستقرارهم بها، كان عبد الله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه..
وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبَيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكاً عليها قبل أن يهاجر الاسلام اليها، والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة، فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام..
في حين مضى عبد الله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرة منيرة، أفسدت على ابن أبَيّ أكثر مناوراته، وشلّت حركة دهائه..!!
وكان ابن رواحة رضي الله عنه، كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيرا.. وكان شاعرا، ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..
ومنذ أسلم، وضع مقدرته الشعرية في خدمة الاسلام..
وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..
جلس عليه السلام يوما مع أصحابه، وأقبل عبد الله بن رواحة..
فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كيف تقول الشعر اذا أردت أن نقول"..؟
فأجاب عبد الله: "أنظر في ذاك ثم أقول"..
ومضى على البديهة ينشد: يا هاشم الخير ان الله فضّلكم على البريّة فضلا ما له غير اني تفرّست فيك الخير أعرفه فراسة خالفتهم في الذي نظروا ولو سألت أو استنصرت بعضهمو في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصروا فثّبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فسُرَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورضي وقال له: "وإياك، فثّبَّت الله"..
وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء..
كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه: يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام ان لاقينا ان الذين قد بغوا علينا اذا أرادوا فتنة آلينا
وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..
وحزن الشاعر المكثر، حين تنزل الآية الكريمة: (والشعراء يتبعهم الغاوون)..
ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيرًا، وانتصروا من بعد ما ظلموا..)
وحين يضطر الاسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه، يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر..
وجاعلاً شعاره دوماً هذه الكلمات من شعره وقصيده: "يا نفس إلا تقتلي تموتي"..
وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة: خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا، فكل الخير في رسوله..
وجاءت غزوة مؤتة.. وكان عبد الله بن رواحة ثالث الأمراء، كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجعفر..
ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..
وقف ينشد ويقول: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا أو طعنة بيدي حرّان مجهرة بحربة تنفد الأحشاء والكبدا حتى يقال اذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غاز، وقد رشدا
أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أو طعنة رمح، تنقله الى عالم الشهداء والظافرين..!!
وتحرّك الجيش الى مؤتة، وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل، اذ رأوا صفوفا لا آخر لها، وأعداد نفوق الحصر والحساب..!!
ونظر المسلمون الى عددهم القليل، فوجموا..
وقال بعضهم: "فلنبعث الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نخبره بعدد عدوِّنا، فإمَّا أن يمدَّنا بالرجال، وإمَّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..
بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار، وقال لهم: "يا قوم.. إنّا والله، ما نقاتل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به.. فانطلقوا.. فإنما هي إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة"..
وهتف المسلمون الأقلون عدداً، الأكثرون إيماناً..
هتفوا قائلين: "قد والله صدق ابن رواحة"..
ومضى الجيش الى غايته، يلاقي بعدده القليل مائتي ألف، حشدهم الروم للقتال الضاري الرهيب..
والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..
وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيداً مجيداً..
وتلاه الأمير الثاني جعفر بن أبي طالب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..
وتلاه ثالث الأمراء عبد الله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر..
وكان القتال قد بلغ ضراوته، وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب، الذي حشده هرقل..
وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي، كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..
أمَّا الآن، وقد صار أميراً للجيش ومسؤولاً عن حياته، فقد بدا أمام ضراوة الروم، وكأنما مرَّت به لمسة تردد وتهيّب، لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..
أقسمت يا نفس لتنزلنّه مالي أراك تكرهين الجنّة؟ يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنّت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت
يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه الى الشهادة: زيداً وجعفر..
"ان تفعلي فعلهما هديت".
انطلق يعصف بالروم عصفاً..
ولولا أن الكتاب قد سبق بأن يكون موعده مع الجنة، لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة..
لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة الى الله، فصعد إليه شهيداً..
هوى جسده، فصعدت إلى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..
وتحققت أغلى أمانيه: حتى يقال اذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غار، وقد رشدا
نعم يا ابن رواحة.. يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!
وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس مع أصحابه في المدينة، يحادثهم ويحادثونه..
وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة، صمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!
وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال: "أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً. ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيداً"..
وصمت قليلاً ثم استأنف كلماته قائلاً: "ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها، حتى قتل شهيداً"..
ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل، مطمئن، مشتاق..
ثم قال: "لقد رُفِعُوا إلى الجنة"..!!
أيّة رحلة مجيدة كانت..
وأي اتفاق سعيد كان..
لقد خرجوا إلى الغزو معاً..
وكانت خير تحيّة توجَّه إلى ذكراهم الخالدة، كلمات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد رُفِعُوا إلى الجنة"..!! |
|