ثامناً: علامات صدق مَنْ ادعى أنه المهدي:
1. أن يظهر بعد موت خليفة من خلفاء المسلمين.
2. أن يكون من أهل المدينة.
3. أن يبايع بين الركن والمقام.
4. أن يكون على الصفة التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
5. أن يكون من ولد فاطمة ويثبت نسبه.
6. أن يبعث له بعث من أهل الشام فيخسف بهم.
7. أن يخرج الدجال في زمانه.
ومع كل هذه الأوصاف فلا يلزمنا متابعة المهدي، ولا مبايعته، حتى يظهر أمره ويخسف بالجيش الذي يتتبعه.
قال سفيان الثوري -رحمه الله-:
(وإن مر بك المهدي وأنت في البيت فلا تخرج إليه حتى يجتمع له الناس).
قال العلامة حمود التويجري -رحمه الله-:
(إن المهدي لا يطلب الأمر لنفسه ابتداءً مدعياً أنه المهدي، كما يفعل ذلك المدعون للمهدية كذباً وزوراً، وإنما يأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه، ثم يسميه الناس بعد ذلك بالمهدي، لما يرون من صلاحه وعدله وإزالته للجور والظلم).
فليس في الأحاديث الثابتة ما يدل على أن المهدي سوف يطالب الناس بالإقرار بمهديته، أو يمتحنهم على ذلك ويقهرهم فضلا عن تكفيرهم واستباحة دمائهم، وليس التصديق بأن فلان هو المهدي من أركان الدين حتى يأثم مَنْ لم يصدق.
ومما يدل على أن المهدي لن يطلب الأمر لنفسه، بل إن الناس يقهرونه على هذا ما رواه أبو داود عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ -صلى الله عليه وسلم- وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ"، قال ابن القيم -رحمه الله-: (حديث حسن ومثله مما يجوز أن يقال فيه صحيح).
قالت اللجنة الدائمة:
(لا يجوز لأحد أن يجزم بأن فلان ابن فلان هو المهدي حتى تتوافر العلامات التي بينها النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة وأهمها كونه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً).
وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-:
(أما اعتماد المنامات في إثبات كون فلان هو المهدي فهو مخالف للأدلة الشرعية ولإجماع أهل العلم والإيمان).
وقال الشيخ العلامة حمود التويجري -رحمه الله-:
مَنْ ادعى من المفتونيين أنه المهدي المنتظر ولم يخرج الدَّجال في زمانه، فإنه دجَّال كذَّاب.
ثامناً: موقف الفِرَق من المهدي
اثبت أهل السنة والإيمان المهدي الذي يخرج في آخر الزمان يُصلح الله به البلاد والعباد، وأنكره بعض الجهلة بالدين، وأثبت بعضهم مهدياً مخترعاً وأشهر مَنْ أخترع مهدياً هم الرافضة.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
(وأما الرافضة الإمامية فقالوا أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة سنة فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر ولا أثر وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا مولانا أخرج يا مولانا ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه.
ولقد أحسن مَنْ قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل، فمهديهم لا حقيقة له إلا إن كان الدَّجال هو مَنْ ينتظرون فهم أحق أن يكونوا من أتباعه.
تاسعاً: أقسام مَنْ ادَّعى أنه المهدي وعدد مَنْ ادَّعى المهدية
ويمكن أن نقسم من ادعى أنه المهدي إلى أقسام:
أحدهما: زنديق فاسق له أغراض وأهواء ومنهم:
1. الملحد عبيد الله بن ميمون القداح وكان جده يهودياً من بيت مجوسي فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي -صلى الله عليه وسلم- وملك وتغلَّب واستفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام، وسمى دولته بالفاطمية، واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم فقد أباحوا الخمور والزنا وكانوا يدعون الإلهية وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين فتستروا بالرفض والانتساب كذبا إلى أهل البيت ودانوا بدين أهل الإلحاد وروجوه ولم يزل أمرهم ظاهراً إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ونصر الإسلام بصلاح الدين الأيوبي فاستنقذ الملة الإسلامية منهم وأبادهم وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمانهم.
قال ابن كثير الشافعي -رحمه الله- عن العبيدين حكام الدولة الفاطمية: (.. كتب جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين وشهدوا جميعاً أن ملوك الفاطميين... كفّارٌ فسّاقٌ فجّارٌ ملحدونَ زنادقةٌ معطلون وللإسلام جاحدونَ ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية..).
ورؤي الفقيه عبدالله المالكي عبدالله التبان يبكي بحرقة فقيل له في ذلك فقال: (خشية أن يشك الناس في كفر بني عبيد فيدخلوا النار).
ويقول ياقوت الحموي:
((وهذه المدينة بإفريقية منسوبة إلى المهدي -أي المهدية- وبينها وبين القيروان مرحلتان القيروان في جنوبيها والثياب السوسية المهدوية إليها تنسب وقد اختطها المهدي واختلف في نسبه فأكثر أهل السير الذين لم يدخلوا في رعيتهم وبعض رعيتهم الذين كانوا يخفون أمرهم يزعمون أنه كان ابن يهودي من أهل سلمية الشام وتزوج القداح الذي كان أصل هذه الدعوة بأمه، فرباه إلى أن حضرته الوفاة، ولم يكن له ولد فعهد إليه وعلمه الدعوة وكان اسمه سعيداً، فلما صار الأمر إليه سمي عبيد الله وقال قوم قليلون إنه ولد القداح نفسه في قصص طويلة، انتهى.
2. أحمد بن عبدالله، المعروف بالملثم، ولد في رمضان سنة 658هـ، قال ابن حجر -رحمه الله-: وادعى عام 689هـ دعاوى عريضة من رؤية الله تعالى بالمنام مراراً، وأنه اسري به إلى السموات السبع ثم إلى سدرة المنتهى ثم إلى العرش، وأن الله كلمه وأخبره أنه المهدي، وكان ممن شهد عليه أنه زعم أنه رسول الله).
3. من المعاصرين حسين بن موسى اللحيدي الكويتي؛ ترجع أصوله إلى قبيلة عنزة العدنانية، كان بادي أمره ادعى صلاح نفسه ثم تدرج به الأمر إلى أن زعم فساد المجتمع بأسره.. الأمر الذي دعاه إلى اعتزال الناس حتى صلاة الجماعة بالمساجد، ثم وصل به الحال إلى أن زعم أنه هو جد المهدي المنتظر، ثم تطور الأمر بأن جعل نفسه هو المهدي بعينه.. ولم يقف به الأمر إلى ذلك بل زعم عودة الرسول من موته إلى الحياة بالدنيا! ولم تتوقف سخافاته حتى زعم أنه هو الرسول المبين وأنه يوحى إليه!!
وقد تبعه من رعاع الناس وهمجهم ومن انتكست فطر عقائدهم القلة القليل مستدلين بأدلة يسخر منها جاهل الصبيان.
القسم الثاني: الجاهل بكلام المبلغ عن رب العالمين ومنهم:
1. الحارث بن سريج: خرج على أمير خرسان عام 116هـ، وزعم أنه يدعو إلى الكتاب والسنة، وأنه صاحب الرايات السود، استولى على بعض البلاد، ثم انهزم أمام الجيش الأموي، وهرب إلي بلاد الترك، ثم أمّنه يزيد بن الوليد، فرجع إلى بلاد المسلمين، ثم وقع قتال بين الحارث وحليفه الكرماني، فانهزم أصحاب الحارث، وقتل مع مئة من أصحابه فصلبه الكرماني.
2. ابن تومرت: محمد بن عبدالله البربري ظهر في بمراكش وأظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الذهبي -رحمه الله-: (وكان خشن العيش فقيراً قانعاً باليسير مقتصراً على زي الفقر لا لذة له في مأكل ولا منكح ولا مال ولا في شيء غير رياسة الأمر حتى لقي الله تعالى لكنه دخل والله في الدماء لنيل الرياسة المردية...).
ومن كلام ابن تومرت: (من لم يهاجر إليه ويقاتل معه فإنه حلال الدم والحريم). وقال الذهبي عن سبب انتشار أمره: ووجد جواً خالياً وقوماً لا يدرون الكلام) أي ولم يقابل علماء أجلاء يعرون كذبه ويفضحون أمره.
3. الجونبوري: ولد بشرق الهند وادعى المهدية، وتبعه أناس كثيرون مغترين بزهده وتقشفه كشأنهم وراء كل ناعق، وقال: أن من تبعه فهو مؤمن.
4. محمد بن عبدالله الذي ظهر في عام 1400هـ للهجرة النبوية فدخلوا البيت الحرام وعاثوا فيه فساداً وقتلوا عباد الله وانتهكوا البيت الحرام والشهر الحرام.
القسم الثالث: المتأول
فقد يتأول بعضهم الأحاديث التي جاءت في المهدي وينزلها على نفسه، وهذا من الخطأ.
ومن هؤلاء محمد بن عبدالله بن الحسن بن علي النفس الزكية، كان قواماً صواماً من الصالحين، فظن نفسه المهدي، وبايعه عدد من الناس على ذلك، وقاتل على هذا.
قال ابن كثير -رحمه الله-: (تلقب بالمهدي، طوعاً أن يكون هو المذكور في الأحاديث، فلم يكن به، ولا تم له ما رجاه، ولا ما تمناه، فإنا لله)، لقد دخل في روع محمد النفس الزكية أنه المهدي الموعود، ولم ينتبه أن خروج المهدي له مقدمات كالخسوف بالجيش، ونزول عيسى –عليه السلام-.
تاسعاً: الجمع بين الأحاديث السابقة وبين حديث وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ:
أخرج ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَلا الْمَهْدِيُّ إِلا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ".
ذهب جمع من العلماء على تضعيف هذا الحديث وأنه لا يصح ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي والبيهقي، وقال القرطبي -رحمه الله-: (الأخبار الصحاح قد تواترت على أن المهدي من عترة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز حمله على عيسى، والحديث الذي ورد في أنه (لا مهدي إلا عيسى) غير صحيح وقال الألباني: حديث منكر.
فمثل هذا الحديث الضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تدل على أن المهدي من أبناء فاطمة -رضي الله عنها-.
عاشراً: الفائدة من الإيمان بالمهدي
1. أن نعمل بجد واجتهاد حتى نستحق أن نكون من رجال المهدي فلابد للمهدي من رجال قد استجمعوا شرائط الإيمان يقومون معه على أعداء الله تعالى ولا يكون هذا إلا بالصدق مع الله والعلم الصحيح.
قال الشيخ العلامة حمود التويجري -رحمه الله-: (الإيمان بخروج المهدي في آخر الزمان لا يستلزم الهروب من الواقع وترك الواجب كما قد يتوهم البعض).
2. أن لا نيأس من روح الله ونعلم أن أمر دين الإسلام ظاهر لا محالة.
ونختم بكلمة لسماحة الوالد الشيخ العلامة عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- حيث قال:
(أمر المهدي معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها؛ وهي متواترة تواتراً معنوياً لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها فيه بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمر ثابت وخروجه حق وهو محمد بن عبدالله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن عليّ بن أبي طالب وهذا الإمام رحمة الله -عزوجل- للأمة في آخر الزمان يخرج فيقيم لهم العدل والحق ويمنع الظلم والجور وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهداية وتوفيقاً وإرشاداً للناس.
وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وابن القيم وغيرهما فيها الصحيح والحسن وفيها الضعيف المنجبر وفيها أخبار موضوعة ويكفينا من ذلك ما استقام سنده، والحق أن جمهور أهل العلم -بل هو اتفاق منهم- على ثبوت أمر المهدي وأنه حق، أمَّا مَنْ شَذَّ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يُلتفت إلى كلامه).