منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 يُوَسُف عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

يُوَسُف عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: يُوَسُف عليه السلام   يُوَسُف عليه السلام Emptyالثلاثاء 12 أكتوبر 2010, 12:50 pm


يُوَسُف عليه السلام

الْجُزْء الْأَوَّل

نُبْذَة:


وُلِد سَيِّدُنَا يُوْسُف وَكَان لَه 11 أَخَا وَكَان أَبُوْه يُحِبُّه كَثِيْرا وَفِي ذَات لَيْلَة رَأَى أَحَد عَشَر كَوْكَبا وَالْشَّمْس وَالْقَمَر لَه سَاجِدِيْن، فَقَص عَلَى وَالِدِه مَا رَأَى فَقَال لَه أَلَّا يَقُصَّهَا عَلَى إِخْوَتِه، وَلَكِن الْشَّيْطَان وَسْوَس لِإِخْوَتِه فَاتَّفَقُوْا عَلَى أَن يُلْقُوْه فِي غَيَابَات الْجُب وَادَّعَوْا أَن الْذِّئْب أَكَلَه، ثُم مَر بِه نَاس مِن الْبَدْو فَأَخَذُوه وَبَاعُوْه بِثَمَن بَخْس وَاشْتَرَاه عَزِيْز مِصْر وَطَلَب مِن زَوْجَتِه أَن تَرْعَاه، وَلَكِنَّهَا أَخَذَت تُرَاوِدُه عَن نَفْسِه فَأَبَى فَكَادَت لَه وَدَخَل الْسِّجْن، ثُم أَظْهَر الْلَّه بَرَاءَتَه وَخَرَج مِن الْسِّجْن ، وَاسْتَعْمَلَه الْمَلِك عَلَى شُئِون الْغِذَاء الَّتِي أَحْسَن إِدَارَتَهَا فِي سَنَوَات الْقَحْط، ثُم اجْتَمَع شَمْلَه مَع إِخْوَتِه وَوَالِدَيْه وَخَرُّوا لَه سُجَّدا وَتَحَقَّقَت رُؤْيَاه.

سِيْرَتِه:

قَبْل أَن نَبْدَأ بِقِصَّة يُوَسُف عَلَيْه الْسَّلَام، نَوَد الْإِشَارَة لِعِدَّة أُمُوْر. أَوَّلُهَا اخْتِلَاف طَرِيْقَة رِوَايَة قُصَّة يُوَسُف عَلَيْه الْسَّلَام فِي الْقُرْآَن الْكَرِيْم عَن بَقِيَّة قِصَص الْأَنْبِيَاء، فَجَاءَت قِصَص الْأَنْبِيَاء فِي عِدَّة سُوَر، بَيْنَمَا جَاءَت قِصَّة يُوْسُف كَامِلَة فِي سُوْرَة وَاحِدَة.

قَال تَعَالَى فِي سُوْرَة (يُوَسُف):
نَحْن نَقُص عَلَيْك أَحْسَن الْقَصَص بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْك هـذَا الْقُرْآَن وَإِن كُنْت مِن قَبْلِه لَمِن الْغَافِلِيْن (3) (يُوَسُف) وَاخْتَلَف الْعُلَمَاء لَم سُمِّيَت هَذِه الْقِصَّة أَحْسَن الْقَصَص؟ قِيَل إِنَّهَا تَنْفَرِد مِن بَيْن قَصَص الْقُرْآَن باحْتِوَائِهَا عَلَى عَالَم كَامِل مَن الْعِبَر وَالْحُكْم.. وَقِيْل لِأَن يُوَسُف تَجَاوُز عَن إِخْوَتِه وَصَبَر عَلَيْهِم وَعَفَا عَنْهُم..

وَقِيْل لِأَن فِيْهَا ذِكْر الْأَنْبِيَاء وَالْصَّالِحِيْن، وَالْعِفَّة وَالْغَوَايَة، وَسِيَر الْمُلُوْك وَالْمَمَالِك، وَالْرِّجَال وَالْنِّسَاء، وَحِيْل الْنِّسَاء وَمَكْرَهُن، وَفِيْهَا ذِكْر الْتَّوْحِيْد وَالْفِقْه، وَتَعْبِيْر الْرُّؤْيَا وَتَفْسِيْرُهَا، فَهِي سُوْرَة غُنْيَة بِالْمُشَاهَد وَالِانْفِعَالَات.. وَقِيْل: إِنَّهَا سُمِّيَت أَحْسَن الْقَصَص لِأَن مَآَل مَن كَانُوْا فِيْهَا جَمِيْعا كَان إِلَى الْسَّعَادَة.

وَمَع تَقْدِيْرِنَا لِهَذِه الْأَسْبَاب كُلّهَا.. نَعْتَقِد أَن ثُمَّة سَبَبَا مُهِمّا يُمَيِّز هَذِه الْقِصَّة.. إِنَّهَا تَمْضِي فِي خَط وَاحِد مُنْذ الْبِدَايِة إِلَى الْنِّهَايَة.. يَلْتَحِم مَضْمُوْنِهَا وَشَكْلَهَا، وَيُفْضِي بِك لَإِحْسَاس عَمِيْق بِقَهْر الْلَّه وَغَلَبَتْه وَنَفَاذ أَحْكَامِه رَغْم وُقُوْف الْبَشَر ضِدّهَا. (وَالْلَّه غَالِب عَلَى أَمْرِه) هَذَا مَا تُثْبِتُه قُصَّة يُوَسُف بِشَكْل حَاسِم، لَا يَنْفِي حَسَمَه أَنَّه تَم بِنُعُوْمَة وَإِعْجَاز.

لِنَمْضِي الْآَن بِقِصَّة يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام-
وَلِنَقَسْمُهَا لِعَدَد مِن الْفُصُول وَالْمَشَاهِد لِيَسْهُل عَلَيْنَا تَتَّبِع الْأَحْدَاث.


الْمَشْهَد الْأَوَّل مِن فَصَل طُفُوْلَه يُوَسُف:

ذَهَب يُوْسُف الْصَّبِي الْصَّغِيْر لِأَبِيْه، وَحَكَى لَه عَن رُؤْيَا رَآَهَا. أَخْبَرَه بِأَنَّه رَأَى فِي الْمَنَام أَحَد عَشَر كَوْكَبا وَالْشَّمْس وَالْقَمَر سَاجِدِيْن لَه. اسْتَمَع الْأَب إِلَى رُؤْيَا ابْنَه وَحَذَّرَه أَن يَحَكَيَهَا لِأُخُوَّتِه. فَلَقَد أَدْرَك يَعْقُوْب -عَلَيْه الْسَّلَام- بِحَدْسِه وَبَصِيْرَتِه أَن وَرَاء هَذِه الْرُّؤْيَة شَأْنَا عَظِيْما لِهَذَا الْغُلَام.

لِذَلِك نَصَحَه بِأَن لَا يَقُص رُؤْيَاه عَلَى إِخْوَتِه خَشْيَة أَن يَسْتْشُعُوّرا مَا وَرَاءَهَا لأَخِيْهُم الْصَّغِيْر -غَيْر الْشَّقِيق، حَيَث تَزَوَّج يَعْقُوْب مِن امْرَأَة ثَانِيَة أَنْجَبَت لَه يُوْسُف وَشَقِيَقُه- فَيَجِد الْشَّيْطَان مِن هَذَا ثَغْرَة فِي نُفُوْسِهِم، فَتَمْتَلِئ نُفُوْسِهِم بِالْحِقْد، فيَدَّبِّرُوا لَه أَمْرَا يَسُوْؤُه. اسْتَجَاب يُوَسُف لِتَّحْذِيْر أَبِيْه.. لَم يُحْدِث أُخُوَّتُه بِمَا رَأَى، وَأَغْلَب الْظَّن أَنَّهُم كَانُوْا يَكْرَهُوْنَه إِلَى الْحَد الَّذِي يَصْعُب فِيْه أَن يَطْمَئِن إِلَيْهِم وَيَحْكِي لَهُم دَخَائِلَه الْخَاصَّة وَأَحْلَامِه.

الْمَشْهَد الْثَّانِي:

اجْتَمَع أُخْوَة يُوَسُف يَتَحَدَّثُوْن فِي أَمْرِه.

(إِذ قَالُوْا لَيُوْسُف وَأَخُوْه أَحَب إِلَى أَبِيْنَا مِنَّا وَنَحْن عُصْبَة إِن أَبَانَا لَفِي ضَلَال مُّبِيْن) أَي نَحْن مَجْمُوْعَة قَوِّيَّة تَدْفَع وَتَنْفَع، فَأْبُوْنَا مُخْطِئ فِي تَفْضِيْل هَذَيْن الْصَّبِيَّيْن عَلَى مَجْمُوْعَة مِن الْرِّجَال الْنَّافِعِين! فَاقْتَرَح أَحَدُهُم حَلَّا لِلْمَوْضُوْع: (اقْتُلُوا يُوَسُف أَو اطْرَحُوْه أَرْضا).

إِنَّه الْحِقْد وَتُدْخَل الْشَّيْطَان الَّذِي ضَخْم حَب أَبِيْهِم لِيُوَسُف وَإِيْثَارُه عَلَيْهِم حَتَّى جَعَلَه يُوَازِي الْقَتْل. أَكْبَر جَرَائِم الْأَرْض قَاطِبَة بَعْد الْشِّرْك بِالْلَّه. وَطَرَحَه فِي أَرْض بَعِيْدَة نَائِيَة مُرَادِف لِلْقَتْل، لِأَنَّه سَيَمُوْت هُنَاك لَا مَحَالَه. وَلِمَاذَا هَذَا كُلِّه؟! حَتَّى لَا يَرَاه أَبُوْه فَيَنسَاه فَيُوَجَّه حُبِّه كُلِّه لَهُم. وَمَن ثُم يَتُوْبُوْن عَن جَرِيْمَتَهُم (وَتَكُوْنُوْا مِن بَعْدِه قَوْما صَالِحِيِن).

قَال قَائِل مِّنْهُم -حَرَّك الْلَّه أَعْمَاقِه بِشَفَقَة خَفِيَّة، أَو أَثَار الْلَّه فِي أَعْمَاقِه رُعْبَا مِن الْقَتْل: مَا الْدَّاعِي لِقَتْلِه؟ إِن كُنْتُم تُرِيْدُوْن الْخَلَاص مِنْه، فلَنلقَه فِي بِئْر تَمُر عَلَيْهَا الْقَوَافِل.. سَتَلْتَقَطُه قَافِلَة وَتَرْحَل بِه بَعِيْدَا.. سَيَخْتَفِي عَن وَجْه أَبِيْه.. وَيَتَحَقَّق غَرَضِنَا مِن إِبْعَادِه.
انْهَزَمَت فِكْرَة الْقَتْل، وَاخْتِيَرَت فِكْرَة الْنَّفْي وَالْإِبْعَاد. نَفْهَم مِن هَذَا أَن الْأُخُوَّة، رَغْم شَرِّهِم وَحَسَدُهُم، كَان فِي قُلُوْبِهِم، أَو فِي قُلُوْب بَعْضِهِم، بَعْض خَيْر لَم يَمُت بَعْد.

الْمَشْهَد الثَّالِث:

تُوَجَّه الْأَبْنَاء لِأَبِيْهِم يَطْلُبُوْن مِنْه الْسَّمَاح لِيُوَسُف بِمُرَافَقَتِهِم.

دَار الْحِوَار بَيْنَهُم وَبَيْن أَبِيْهِم بِنُعُوْمَة وِعْتاب خَفِي، وَإِثَارَة لِلْمَشَاعِر.. مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوَسُف ..؟ أَيُمْكِن أَن يَكُوْن يُوَسُف أَخَانَا، وَأَنْت تَخَاف عَلَيْه مِن بَيْنِنَا وَلَا تُسْتَأَمَنَنا عَلَيْه، وَنَحْن نَحْبَه وَنَنْصَح لَه وَنَرْعَاه؟ لِمَاذَا لَا تُرْسِلُه مَعَنَا يَرْتَع وَيَلْعَب؟

وِرْدَا عَلَى الْعِتَاب الِاسْتِنْكَارِي الْأَوَّل جَعَل يَعْقُوْب عَلَيْه الْسَّلَام يَنْفِي -بِطَرِيْقَة غَيْر مُبَاشِرَة- أَنَّه لَا يَأْمَنُهُم عَلَيْه، وَيُعَلِّل احْتِجَازَه مَعَه بِقِلَّة صَبَّرَه عَلَى فِرَاقِه وَخَوْفِه عَلَيْه مِن الْذِّئَاب: قَال إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِه وَأَخَاف أَن يَأْكُلَه الْذِّئْب وَأَنْتُم عَنْه غَافِلُوْن .

فِفَنَدُوا فِكْرَة الْذِّئْب الَّذِي يَخَاف أَبُوْه أَن يَأْكُلَه.. نَحْن عَشْرَة مِن الْرِّجَال.. فَهَل نُغْفِل عَنْه وَنَحْن كَثْرَة؟ نَكُوْن خَاسِرِيْن غَيْر أَهْل لِلْرُّجُوْلَة لَو وَقَع ذَلِك.. لَن يَأْكُلُه الْذِّئْب وَلَا دَاعِي لِلْخَوْف عَلَيْه. وَافَق الْأَب تَحْت ضَغْط أَبْنَائِه.. لِيَتَحَقّق قُدِّر الْلَّه وَتُتِم الْقِصَّة كَمَا تَقْتَضِي مَشِيْئَتِه!

الْمَشْهَد الْرَّابِع:

خَرَج الْأُخُوَّة وَمَعَهُم يُوَسُف، وَأَخَذُوه لِلّصَّحْرَاء.

اخْتَارُوْا بِئْرا لَا يَنْقَطِع عَنْهَا مُرُوْر الْقَوَافِل وَحَمَلُوْه وَهَمُّوا بِإِلْقَائِه فِي الْبِئْر.. وَأَوْحَى الْلَّه إِلَى يُوَسُف أَنَّه نَاج فَلَا يَخَاف.. وَأَنَّه سَيُلَقَاهُم بَعْد يَوْمِهِم هَذَا وُيُنَبِّئُهُم بِمَا فَعَلُوْه.


الْمَشْهَد الْخَامِس:

عِنْد الْعِشَاء جَاء الْأَبْنَاء بَاكِيْن لِيِحَكُوا لِأَبِيْهِم قِصَّة الْذِّئْب الْمَزْعُوْمَة.

أَخْبَرُوْه بِأَنَّهُم ذَهَبُوْا يَسْتَبِقُوْن، فَجَاء ذِئْب عَلَى غَفْلَة، وَأَكْل يُوَسُف. لَقَد أَلْهَاهُم الْحِقْد الْفَائِر عَن سَبَّك الْكَذَبَة، فَلَو كَانُوْا أَهْدَأ أَعْصَابَا مَا فَعَلُوْهَا مِن الْمِرّة الْأُوْلَى الَّتِي يَأْذَن لَهُم فِيْهَا يَعْقُوْب بِاصْطِحَاب يُوَسُف مَعَهُم! وَلَكِنَّهُم كَانُوْا مُعَجَّلَيْن لَا يَصْبِرُوْن، يَخْشَوْن أَلَا تُوَاتِيْهِم الْفُرْصَة مُرَّة أُخْرَى.

كَذَلِك كَان الْتِقَاطِهِم لِحِكَايَة الْذِّئْب دِلِيّلَا عَلَى الْتَّسَرُّع، وَقَد كَان أَبُوَهُم يُحَذِّرُهُم مِنْهَا أَمْس، وَهُم يَنْفُونَهَا. فَلَم يَكُن مَن الْمُسَتسَاغ أَن يَذْهَبُوْا فِي الْصَّبَاح لِيَتْرُكُوْا يُوَسُف لِلْذِّئْب الَّذِي حِذْرَهُم أَبُوَهُم مِنْه أَمْس! وَبِمِثْل هَذَا الْتَّسَرُّع جَاءُوَا عَلَى قَمِيْصِه بِدَم كَذِب لَطِخُوَّه بِه فِي غَيْر إِتْقَان وَنَسُوا فِي انْفِعَالِهِم أَن يُمَزَّقُوا قَمِيْص يُوَسُف..

جَاءُوَا بِالْقَمِيْص كَمَا هُو سَلِيْمَا، وَلَكِن مَلَطَّخا بِالْدَّم.. وَانْتَهَى كَلَامِهِم بِدَلِيْل قَوِي عَلَى كَذِبِهِم حِيْن قَالُوْا: (وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لِّنَا وَلَو كُنَّا صَادِقِين) أَي وَمَا أَنْت بِمُطْمَئِن لِمَا نَقُوْلُه، وَلَو كَان هُو الْصِّدْق، لِأَنَّك تَشْك فِيْنَا وَلَا تَطْمِئِن لِمَا نَقُوْلُه.

أَدْرَك يَعْقُوْب مِن دَلَائِل الْحَال وَمِن نِدَاء قَلْبُه وَمَن الْأُكْذُوبَة الْوَاضِحَة، أَن يُوَسُف لَم يَأْكُلْه الْذِّئْب، وَأَنَّهُم دَبَّرُوا لَه مَكِيْدَة مَا، وَأَنَّهُم يُلَفِّقُون لَه قُصَّة لَم تَقَع، فَوَاجْهِهُم بِأَن نُفُوْسِهِم قَد حَسُنَت لَهُم أَمْرا مُنْكَرا وَذَلَّلَتْه وَيَسَّرْت لَهُم ارْتِكَابِه؛ وَأَنَّه سَيَصْبِر مُتَحَمِّلِا مُتَجَمِّلَا لَا يَجْزَع وَلَا يَفْزَع وَلَا يَشْكُو، مُسْتَعِيْنا بِالْلَّه عَلَى مَا يُلَفِقُونَه مِن حِيَل وَأَكَاذِيْب: قَال بَل سَوَّلَت لَكُم أَنْفُسُكُم أَمْرا فَصَبْر جَمِيْل وَاللَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُوْن

الْمَشْهَد الْأَخِير مِن الْفَصْل الْأَوَّل مِن حَيَاة سَيِّدِنَا يَوْسُف عَلَيْه الْسَّلَام:

أَثْنَاء وُجُوْد يُوَسُف بِالْبِئْر

مُرّت عَلَيْه قَافِلَة.. قَافِلَة فِي طَرِيْقِهَا إِلَى مِصْر.. قَافِلَة كَبِيْرَة.. سَارَت طَوْيِلا حَتَّى سُمِّيَت سَيَّارَة.. تَوَقَّفُوا لِلْتَّزّوُّد بِالْمَاء.. وَأَرْسَلُوْا أَحَدُهُم لِلْبِئْر فَأَدْلَى الْدَّلْو فِيْه.. تَعَلَّق يُوْسُف بِه.. ظَن مَن دَلِاه أَنَّه امْتَلَأ بِالْمَاء فَسَحَبَه.. فَفَرِح بِمَا رَأَى.. رَأَى غُلَاما مُتَعَلِّقَا بِالدَّلْو.. فَسَرَى عَلَى يُوَسُف حُكْم الْأَشْيَاء الْمَفْقُوْدَة الَّتِي يَلْتَقِطُهَا أَحَد.. يَصِيْر عَبْدِا لِمَن الْتَقَطَه.. هَكَذَا كَان قَانُوُن ذَلِك الْزَّمَان الْبَعِيد.


فَرِح بِه مَن وَجَدَه فِي الْبِدَايَة، ثُم زُهْد فِيْه حِيْن فِكْر فِي هَمُّه وَمَسْئُوْلِيَّتِه، وَزَهِد فِيْه لِأَنَّه وَجَدَه صَبِيا صَغِيْرا.. وَعَزْم عَلَى الْتَّخَلُّص مِنْه لَدَى وُصُوْلِه إِلَى مِصْر.. وَلَم يَكَد يَصِل إِلَى مِصْر حَتَّى بَاعَه فِي سُوْق الْرَّقِيْق بِثَمَن زَهِيْد، دَرَاهِم مَعْدُوْدَة. وَمِن هُنَاك اشْتَرَاه رَجُل تَبْدُو عَلَيْه الْأَهَمِّيَّة.

انْتَهَت الْمِحْنَة الْأُوْلَى فِي حَيَاة هَذَا الْنَّبِي الْكَرِيْم، لبْتَدأ الْمِحْنَة الْثَّانِيَة، وَالْفَصْل الْثَّانِي مِن حَيَاتِه.

ثُم يُكْشَف الْلَّه تَعَالَى مَضْمُوْن الْقِصَّة الْبَعِيْد فِي بِدَايَتِهَا (وَالْلَّه غَالِب عَلَى أَمْرِه وَلـكِن أَكْثَر الْنَّاس لَا يَعْلَمُوْن). لَقَد انْطَبَقَت جُدْرَان الْعُبُوْدِيَّة عَلَى يُوَسُف. أُلْقِي فِي الْبِئْر، أُهِيْن، حَرَّم مِن أَبِيْه، الْتَقِط مِن الْبِئْر، صَار عَبْدِا يُبَاع فِي الْأَسْوَاق، اشْتَرَاه رَجُل مِن مِصْر، صَار مَمْلُوْكا لِهَذَا الْرَّجُل.. انْطَبَقَت الْمَأْسَاة، وَصَار يُوَسُف بِلَا حَوْل وَلَا قُوَّة.. هَكَذَا يَظُن أَي إِنْسَان.. غَيْر أَن الْحَقِيقَة شَيْء يُخْتَلَف عَن الْظَّن تَمَامَا.

مَا نَتَصَوَّر نَحْن أَنَّه مَأْسَاة وَمِحْنَة وَفِتْنَة.. كَان هُو أَوَّل سَلِم يُصْعِدُه يُوْسُف فِي طَرِيْقِه إِلَى مَجْدِه.. (وَالْلَّه غَالِب عَلَى أَمْرِه) .. يُنَفِّذ تَدْبِيْرِه رَغْم تَدْبِيْر الْآَخِرِين. يَنْفُذ مِن خِلَالِه تَدْبِيْر الْآَخِرِين فَيُفْسِدُه وَيَتَحَقَّق وَعَد الْلَّه، وَقَد وَعَد الْلَّه يُوَسُف بِالْنُّبُوَّة.

وَهَا هُو ذَا يُلْقِي مَحَبَّتُه عَلَى صَاحِبِه الَّذِي اشْتَرَاه.. وَهَا هُو ذَا الْسَّيِّد يَقُوْل لِزَوْجَتِه أَكْرِمِي مَثْوَاه عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَو نَتَّخِذَه وَلَدا. وَلَيْس هَذَا الْسَّيِّد رَجُلا هَيِّن الشَّأْن.. إِنَّمَا هُو رَجُل مُهِم.. رَجُل مِن الْطَبَقَة الْحَاكِمَة فِي مِصْر.. سَنُعَلِّم بَعْد قَلِيْل أَنَّه وَزَيْر مِن وُزَرَاء الْمَلِك. وَزَيْر خَطِيْر سَمَّاه الْقُرْآَن "الْعَزِيْز"، وَكَان قُدَمَاء الْمِصْرِيِّيْن يُطْلِقُون الْصِّفَات كَأَسْمَاء عَلَى الْوُزَرَاء.

فَهَذَا الْعَزِيْز.. وَهَذَا الْعَادِل.. وَهَذَا الْقَوِي.. إِلَى آَخِرِه.. وَأَرْجِح الْآَرَاء أَن الْعَزِيْز هُو رَئِيْس وُزَرَاء مِصْر. وَهَكَذَا مَكَّن الْلَّه لِيُوَسُف فِي الْأَرْض.. سَيَتَرَبَّى كَصَبِي فِي بَيْت رَجُل يَحْكُم. وَسَيُعْلِمُه الْلَّه مِن تَأْوِيْل الْأَحَادِيْث وَالْرُّؤَى.. وَسَيَحْتَاج إِلَيْه الْمَلَك فِي مِصْر يَوْمَا. (وَالْلَّه غَالِب عَلَى أَمْرِه وَلـكِن أَكْثَر الْنَّاس لَا يَعْلَمُوْن).

تَم هَذَا كُلُّه مِن خِلَال فِتْنَة قَاسِيَة تُعْرَض لَهَا يُوَسُف. ثُم يُبَيَّن لَنَا الْمَوْلَى عَز وَجَل كَرَمِه عَلَى يُوَسُف فَيَقُوْل: وَلَمَّا بَلَغ أَشُدَّه آَتَيْنَاه حُكْما وَعِلْما وَكَذَلِك نَجْزِي الْمُحْسِنِيْن (22) (يُوَسُف) وكَان يُوْسُف أَجْمَل رَجُل فِي عَصْرِه.. وَكَان نَقَاء أَعْمَاقِه وَصَفَاء سَرِيْرَتَه يُضْفِيان عَلَى وَجْهِه مَزِيْدَا مِن الْجَمَال.

وَأُوْتِي صِحَّة الْحِكَم عَلَى الْأُمُور.. وَأُوْتِي عِلْما بِالْحَيَاة وَأَحْوَالِهَا. وَأُوْتِي أُسْلُوبَا فِي الْحِوَار يُخْضِع قَلْب مَن يَسْتَمِع إِلَيْه.. وَأُوْتِي نُبْلَا وَعِفَّة، جَعَلَاه شَخْصِيَّة إِنْسَانِيَّة لَا تُقَاوَم.
وَأَدْرَك سَيِّدُه أَن الْلَّه قَد أَكْرَمَه بِإِرْسَال يُوَسُف إِلَيْه.. اكْتَشِف أَن يُوَسُف أَكْثَر مِن رَأَى فِي حَيَاتِه أَمَانَة وَاسْتِقَامَة وَشَهَامَة وَكَرَمَا.. وَجَعَلَه سَيِّدِه مَسْئُوْلَا عَن بَيْتِه وَأَكْرَمَه وَعَامِلْه كَابْنِه.

وَيَبْدَأ الْمَشْهَد الْأَوَّل مِن الْفَصْل الْثَّانِي فِي حَيَاتِه:

فِي هَذَا الْمَشْهَد تَبْدَأ مِحْنَة يُوَسُف الْثَّانِيَة

وَهِي أَشَد وَأَعْمَق مِن الْمِحْنَة الْأُوْلَى. جَاءَتْه وَقَد أُوْتِي صِحَّة الْحُكْم وَأُوْتِي الْعِلْم -رَحْمَة مِن الْلَّه- لِيُوَاجْهِهَا وَيَنْجُو مِنْهَا جَزَاء إِحْسَانِه الَّذِي سَجَّلَه الَلّه لَه فِي قُرْآنِه.

يَذَّكَّر الْلَّه تَعَالَى هَذِه الْمِحْنَة فِي كِتَابِه الْكَرِيْم:
وَرَاوَدَتْه الَّتِي هُو فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِه وَغَلَّقَت الْأَبْوَاب وَقَالَت هَيْت لَك قَال مَعَاذ الْلَّه إِنَّه رَبِّي أَحْسَن مَثْوَاي إِنَّه لَا يُفْلِح الْظَّالِمُوْن (23) وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَم بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَان رَبِّه كَذَلِك لِنَصْرِف عَنْه الْسُّوْء وَالْفَحْشَاء إِنَّه مِن عِبَادِنَا الْمُخْلَصِيْن (24) (يُوَسُف)

لَا يَذْكُر السِّيَاق الَقُرْآني شَيْئا عَن سِنِّهَا وَسِنُّه، فَلْنَنْظُر فِي ذَلِك مِن بَاب الْتَّقْدِيْر. لَقَد أَحْضَر يُوْسُف صَبِيا مِن الْبِئْر، كَانَت هِي زَوْجَة فِي الثَّلَاثَة وَالْعِشْرِيْن مَثَلا، وَكَان هُو فِي الْثَّانِيَة عَشْرا. بَعْد ثَلَاثَة عَشَر عَاما صَارَت هِي فِي الْسَّادِسَة وَالثَّلَاثِين وَوَصَل عُمْرِه إِلَى الْخَامِسَة وَالْعِشْرِيْن. أَغْلَب الْظَّن أَن الْأَمْر كَذَلِك.

إِن تَصَرُّف الْمَرْأَة فِي الْحَادِثَة وَمَا بَعْدَهَا يُشِيْر إِلَى أَنَّهَا مُكْتَمِلَة جَرِيْئَة.
وَالْآن، لْنَتدْبّر مَعَنَا فِي كَلِمَات هَذِه الْآَيَات.
(وَرَاوَدَتْه) صَرَاحَة (عَن نَّفْسِه )، وَأُغْلِقَت (الْأَبْوَاب وَقَالَت هَيْت لَك). لَن تَفِر مِنِّي هَذِه الْمَرَّة. هَذَا يَعْنِي أَنَّه كَانَت هُنَاك مَرَّات سَابِقَة فَر فِيْهَا مِنْهَا. مَرَّات سَابِقَة لَم تَكُن الْدَّعْوَة فِيْهَا بِهَذِه الْصَّرَاحَة وَهَذَا الْتَّعَرِّي.

فَيَبُدُوا أَن امْرَأَة الْعَزِيْز سَئِمْت تَجَاهُل يُوَسُف لتَّلْمَيْحَاتِهَا الْمُسْتَمِرَّة وَإِبَاءَه.. فَقَرَّرْت أَن تُغَيِّر خَطَّتْهَا. خَرَجَت مِن الْتَّلْمِيح إِلَى الْتَّصْرِيح.. أُغْلِقَت الْأَبْوَاب وَمَزَّقَت أَقْنِعَة الْحَيَاء وَصَرَّحَت بِحُبِّهَا وَطَالَبْتُه بِنَفْسِه.

ثُم يَتَجَاوْزّز السِّيَاق الَقُرْآني الْحِوَار الَّذِي دَار بَيْن امْرَأَة الْعَزِيْز وَيُوْسُف عَلَيْه الْسَّلَام، وَلَنَا أَن نَتَصَوَّر كَيْف حَاوَلْت إغْرَاءَه إِمَّا بِلِبَاسِهَا أَو كَلِمَاتِهَا أَو حَرَكَاتِهَا. لَكِن مَا يَهُمُّنَا هُنَا هُو مَوْقِف يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- مِن هَذَا الْإِغْوَاء.

يَقِف هَذَا الْنَّبِي الْكَرِيْم فِي وَجْه سَيِّدَتِه قَائِلا (قَال مَعَاذ الْلَّه إِنَّه رَبِّي أَحْسَن مَثْوَاي إِنَّه لَا يُفْلِح الْظَّالِمُوْن) أُعِيْذ نَفْسِي بِالْلَّه أَن أَفْعَل هَذَا مَع زَوْجَة مِن أَكْرَمَنِي بِأَن نَجَّانِي مِن الْجُب وَجَعَل فِي هَذِه الْدَّار مَثْوَاي الْطَّيِّب الْآَمِن. وَلَا يُفْلِح الْظَّالِمُوْن الَّذِيْن يَتَجَاوَزُوْن حُدُوْد الْلَّه، فَيَرْتَكِبُوْن مَا تَدْعِيْنَنِي الْلَّحْظَة إِلَيْه.

ثُم (وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَم بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَان رَبِّه) اتَّفَق الْمُفَسِّرُوْن حَوْل هَمُّهُا بِالْمَعْصِيَة، وَاخْتَلَفُوَا حَوْل هَمُّه. فَمِنْهُم مَن أَخَذ بِالْإِسْرَائِيْلِيَّات وَذَكَر أَن يَعْقُوْب ظَهَر لَه، أَو جِبْرِيْل نَزَل إِلَيْه، لَكِن الْتَّلْفِيْق وَالِاخْتِلَاق ظَاهِر فِي هَذِه الزَوَايَات الْإِسْرَائِيْلِيَّة.

وَمِن قَائِل: إِنَّهَا هَمَّت بِه تَقْصِد الْمَعْصِيَة وَهْم بِهَا يُقْصَد الْمَعْصِيَة وَلَم يَفْعَل، وَمِن قَائِل: إِنَّهَا هَمَّت بِه لِتَقَبِّلَه وَهْم بِهَا لِيَضْرِبَهَا، وَمِن قَائِل: إِن هَذَا الْهَم كَان بَيْنَهُمَا قَبْل الْحَادِث. كَان حَرَكَة نَفْسِيَّة دَاخِل نَفْس يُوْسُف فِي الْسِّن الَّتِي اجْتَاز فِيْهَا فَتْرَة الْمُرَاهَقَة. ثُم صَرَف الْلَّه عَنْه.

وَأَفْضَل تَفْسِيْر تَطْمَئِن إِلَيْه نَفْسِي أَن هُنَاك تَقْدِيْما وَتَأْخِيْرا فِي الْآَيَة.
قَال أَبُو حَاتِم: كُنْت أَقْرَأ غَرِيْب الْقُرْآَن عَلَى أَبِي عُبَيْدَة، فَلَمَّا أَتَيْت عَلَى قَوْلِه تَعَالَى: (وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَم بِهَا). قَال أَبُو عُبَيْدَة: هَذَا عَلَى الْتَّقْدِيْم وَالْتَّأْخِيْر. بِمَعْنَى وَلَقَد هَمَّت بِه.. وَلَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَان رَبِّه لَهَم بِهَا. يَسْتَقِيْم هَذَا الْتَّفْسِيْر مَع عِصْمَة الْأَنْبِيَاء.. كَمَا يَسْتَقِيْم مَع رُوْح الْآَيَات الَّتِي تَلْحَقُه مُبَاشَرَة (كَذَلِك لِنَصْرِف عَنْه الْسُّوْء وَالْفَحْشَاء إِنَّه مِن عِبَادِنَا الْمُخْلَصِيْن) وَهَذِه الْآَيَة الَّتِي تَثْبُت أَن يُوْسُف مِن عِبَاد الْلَّه الْمُخْلَصِيْن، تُقَطَّع فِي نَفْس الْوَقْت بِنَجَاتِه مِن سُلْطَان الْشَّيْطَان. قَال تَعَالَى لِإِبْلِيس يَوْم الْخَلْق (إِن عِبَادِي لَيْس لَك عَلَيْهِم سُلْطَان)

وَمَا دَام يُوْسُف مِن عِبَادِه الْمُخْلِصِيْن، فَقَد وَضَح الْأَمْر بِالْنِّسْبَة إِلَيْه. لَا يَعْنِي هَذَا أَن يُوَسُف كَان يَخْلُو مِن مَشَاعِر الْرُجُولَة، وَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّه كَان فِي نَقَاء الْمَلَائِكَة وَعَدَم احْتِفَالَهُم بِالْحِس.

إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّه تَعَرَّض لِإِغْرَاء طَوِيْل قَاوَمَه فَلَم تَمَل نَفْسَه يَوْمَا، ثُم أَسْكَنَهَا تَقْوَاهَا كَوْنِه مُطْلِعَا عَلَى بُرْهَان رَبِّه، عَارِفَا أَنَّه يُوْسُف بْن يَعْقُوْب الْنَّبِي، ابْن إِسْحَق الْنَّبِي، ابْن إِبْرَاهِيْم جَد الْأَنْبِيَاء وَخَلِيْل الْرَّحْمَن.

يَبْدُو أَن يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- آَثَر الِانْصِرَاف مُتَّجِهَا إِلَى الْبَاب حَتَّى لَا يَتَطَوَّر الْأَمْر أَكْثَر. لَكِن امْرَأَة الْعَزِيْز لَحِقَت بِه لَّتَمْسِكَه، تَدَفهَعا الْشَّهْوَة لِذَلِك. فَأَمْسَكْت قَمِيْصَه مِن الْخَلَف، فَتَمَزَّق فِي يَدِهَا. وَهْنَا تُقَطَّع الْمُفَاجَأَة.

فَتَح الْبَاب زَوْجَهَا -الْعَزِيْز. وَهْنَا تَتَبَدَّى الْمَرْأَة الْمُكْتَمِلَة، فَتَجِد الْجَوَاب حَاضِرا عَلَى الْسُّؤَال الْبَدِيْهِي الَّذِي يَطْرَح الْمَوْقِف. فَتَقُوْل مُتَّهَمة الْفَتَى: قَالَت مَا جَزَاء مَن أَرَاد بِأَهْلِك سُوَءا إِلَا أَن يُسْجَن أَو عَذَاب أَلِيْم

وَاقْتَرَحَت هَذِه الْمَرْاة -الْعَاشِقَة- سَرِيْعَا الْعِقَاب -الْمَأْمُوْن- الْوَاجِب تَنْفِيْذُه عَلَى يُوَسُف، خَشْيَة أَن يَفْتِك بِه الْعَزِيْز مَن شِدَّة غَضَبِه. بَيَّنْت لِلْعَزِيْز أَن أُفَضِّل عِقَاب لَه هُو الْسِّجْن. بَعْد هَذَا الاتِّهَام الْبَاطِل وَالْحُكْم الْسَّرِيْع جَهَر يُوَسُف بِالْحَقِيقَة لِيُدَافِع عَن نَفْسِه: قَال هِي رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي

تَجَاوَز السِّيَاق الَقُرْآني رَد الْزَّوْج
لَكِنَّه بَيْن كَيْفِيَّة تَبَرِأَة يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- مِن هَذِه الْتُّهْمَة الْبَاطِلَة:

وَشَهِد شَاهِد مِّن أَهْلِهَا إِن كَان قَمِيْصُه قُد مِن قُبُل فَصَدَقَت وَهُو مِن الْكَاذِبِيْن (26) وَإِن كَان قَمِيْصُه قُد مِن دُبُر فَكَذَبَت وَهُو مِن الْصَّادِقِيْن (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيْصَه قُد مِن دُبُر قَال إِنَّه مِن كَيْدِكُن إِن كَيْدَكُن عَظِيْم (28) (يُوَسُف)

لَا نَعْلَم إِن كَان الْشَّاهِد مُرَافِقَا لِلْزَّوْج مُنْذ الْبَدَايَة، أَم أَن الْعَزِيْز اسْتَدْعَاه بَعْد الْحَادِثَة لِيَأْخُذ بِرَأْيِه.. كَمَا أَشَارَت بَعْض الرِّوَايَات أَن هَذَا الْشَّاهِد رَجُل كَبِيْر، بَيْنَمَا أُخْبِرْت رِوَايَات أُخْرَى أَنَّه طِفِل رَضِيْع. كُل هَذَا جَائِز. وَهُو لَا يُغَيِّر مِن الْأَمْر شَيْئا.

مَا يَذْكُرُه الْقُرْآَن أَن الْشَّاهِد أَمْرِهِم بِالْنَّظَر لِّلْقَمِيْص، فَإِن كَان مُمَزَّقا مِن الْأَمَام فَذَلِك مِن أَثَر مُدَافَعَتِهَا لَه وَهُو يُرِيْد الِاعْتِدَاء عَلَيْهَا فَهِي صَادِقَة وَهُو كَاذِب. وَإِن كَان قَمِيْصُه مُمَزَّقا مِن الْخَلَف فَهُو إِذَن مِن أَثَر تَمَلُّصِه مِنْهَا وَتَعَقَّبَهَا هِي لَه حَتَّى الْبَاب، فَهِي كَاذِبَة وَهُو صَادِق.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيْصَه قُد مِن دُبُر قَال إِنَّه مِن كَيْدِكُن إِن كَيْدَكُن عَظِيْم (28) (يُوَسُف)
فَتَأَكَّد الْزَّوْج مِن خِيَانَة زَوْجَتِه عِنْدَمَا رَأَى قَمِيْص يُوَسُف مُمَزَّق مِن الْخَلَف. لَكِن الْدَّم لَم يَثُر فِي عُرُوْقِه وَلَم يَصْرُخ وَلَم يَغْضَب. فُرِضَت عَلَيْه قِيَم الْطَّبَقَة الْرَّاقِيَة الَّتِي وَقَع فِيْهَا الْحَادِث أَن يُوَاجِه الْمَوْقِف بِلَبَاقَة وَتَلَطَّف..

نُسِب مَا فَعَلْتُه إِلَى كَيْد الْنِّسَاء عُمُوْما. وَصَرَّح بِأَن كَيْد الْنِّسَاء عُمُوْم عَظِيْم. وَهَكَذَا سِيْق الْأَمْر كَمَا لَو كَان ثَنَاء يُسَاق. وَلَا نَحْسُب أَنَّه يَسُوْء الْمَرْأَة أَن يُقَال لَهَا: (إِن كَيْدَكُن عَظِيْم). فَهُو دَلَالَة عَلَى أَنَّهَا أُنْثَى كَامِلَة مُسْتَوْفِيَة لِمَقْدَرَة الْأُنْثَى عَلَى الْكَيْد. بَعْدَهَا الْتَفَت الْزَّوْج إِلَى يُوَسُف قَائِلا لَه: (يُوْسُف أَعْرِض عَن هـذَا) أُهْمِل هَذَا الْمَوْضُوْع وَلَا تُعِرْه اهْتِمَاما وَلَا تَتَحَدَّث بِه. هَذَا هُو الْمُهِم.. الْمُحَافَظَة عَلَى الْظَّوَاهِر.. ثُم يُوَجِّه عِظَة -مُخْتَصَرَة- لِلْمَرْأَة الَّتِي ضُبِطَت مُتَلَبِّسَة بُمُرَاوَدَة فَتَاهَا عَن نَّفْسِهَا وَتَمْزِيْق قَمِيْصَه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِك إِنَّك كُنْت مِن الْخَاطِئِيْن).

انْتَهَى الْحَادِث الْأَوَّل.. لَكِن الْفِتْنَة لَم تَنْتَه..

فَلَم يُفَصِّل سَيِّد الْبَيْت بَيْن الْمَرْأَة وَفَتَاهَا.. كُل مَا طَلَبَه هُو إِغْلَاق الْحَدِيْث فِي هَذَا الْمَوْضُوْع. غَيْر أَن هَذَا الْمَوْضُوْع بِالذَّات. وَهَذَا الْأَمْر يَصْعُب تَحْقِيْقَه فِي قَصْر يَمْتَلِئ بِالْخَدَم وَالْخَادِمَات وَالْمُسْتَشَارِين وَالْوَصِيفَات.




يُوَسُف عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

يُوَسُف عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: يُوَسُف عليه السلام   يُوَسُف عليه السلام Emptyالثلاثاء 12 أكتوبر 2010, 1:05 pm



الْجُزْء الْثَّانِي

الْمَشْهَد الْثَّانِي:


بَدَأ الْمَوْضُوْع يَنْتَشِر.. خَرَج مِن الْقَصْر إِلَى قُصُوْر الْطَّبَقَة الْرَّاقِيَة يَوْمَهَا.. وَوَجَدْت فِيْه نِسَاء هَذِه الْطَّبَقَة مَادَّة شَهِيَّة لِلْحَدِيْث. إِن خُلُو حَيَاة هَذِه الْطَّبَقَات مِن الْمَعْنَى، وَانْصِرَافِهَا إِلَى الْلَّهْو، يُخْلَعَان أَهَمِّيَّة قُصْوَى عَلَى الْفَضَائِح الَّتِي تَرْتَبِط بِشَخْصِيَّات شَهِيْرَة..

وَزَاد حَدِيْث الْمَدِينَة (وَقَال نِسْوَة فِي الْمَدِيْنَة امْرَأَة الْعَزِيْز تُرَاوِد فَتَاهَا عَن نَّفْسِه قَد شَغَفَهَا حُبا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَال مُّبِيْن) وَانْتَقَل الْخَبَر مِن فَم إِلَى فَم.. وَمِن بَيْت إِلَى بَيْت.. حَتَّى وَصَل لِامْرَأَة الْعَزِيْز.

الْمَشْهَد الثَّالِث:

فَلَمَّا سَمِعَت بِمَكْرِهِن أَرْسَلَت إِلَيْهِن وَأَعْتَدَت لَهُن مُتَّكَأ وَآَتَت كُل وَاحِدَة مِّنْهُن سِكِّيْنا وَقَالَت اخْرُج عَلَيْهِن فَلَمَّا رَأَيْنَه أَكْبَرْنَه وَقَطَّعْن أَيْدِيَهُن وَقُلْن حَاش لِلّه مَا هـذَا بَشَرا إِن هـذَا إِلَا مَلَك كَرِيْم (31) قَالَت فَذَلِكُن الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيْه وَلَقَد رَاوَدَتُّه عَن نَّفْسِه فَاسَتَعْصَم وَلَئِن لَّم يَفْعَل مَا آَمُرُه لَيُسْجَنَن وَلَيَكُوْنا مِّن الْصَّاغِرِيْن (32) (يُوَسُف)

عِنَدَمّا سُمِعَت امْرَأَة الْعَزِيْز بِمَا تَتَنَاقَلُه نِسَاء الْطَّبَقَة الْعُلْيَا عَنْهَا، قَرَّرْت أَن تُعَد مَأْدُبَة كَبِيْرَة فِي الْقَصْر. وَأُعِدَّت الْوَسَائِد حَتَّى يَتَّكِئ عَلَيْهَا الْمَدَعَوَات. وَاخْتَارَت أَلْوَان الْطَّعَام وَالْشَّرَاب وَأُمِرْت أَن تُوْضَع الْسَّكَاكِيْن الْحَادَّة إِلَى جُوَار الْطَّعَام الْمُقَدَّم. وَوَجَّهْت الْدَّعْوَة لِكُل مَن تَحَدَّثْت عَنْهَا.

وَبَيْنَمَا هُن مُنْشغَلَات بِتَقْطِيْع الْلَّحْم أَو تَقْشِيْر الْفَاكِهَة، فاجَأْتِهُن بِيُوْسُف: وَقَالَت اخْرُج عَلَيْهِن فَلَمَّا (فَلَمَّا رَأَيْنَه أَكْبَرْنَه) بُهِتَن لِطَلْعَتِه، وَدَهِشن. (وَقَطَّعْن أَيْدِيَهُن) وجَرُحْن أَيْدِيَهُن بِالسَّكَاكِيْن لِلْدَّهْشَة الْمُفَاجِئَة. (وَقُلْن حَاش لِلّه) وَهِي كَلِمَة تَنْزِيْه تُقَال فِي هَذَا الْمَوْضِع تَعْبِيْرا عَن الْدَّهْشَة بِصُنْع الْلَّه.. (مَا هـذَا بَشَرا إِن هـذَا إِلَا مَلَك كَرِيْم) يَتَّضِح مِن هَذِه الْتَّعْبِيْرَات أَن شَيْئا مِن دِيَانَات الْتَّوْحِيْد تَسَرَّبَت لِأَهْل ذَلِك الْزَّمَان.

وَرَأَت الْمَرْأَة أَنَّهَا انْتَصَرَت عَلَى نِسَاء طَبَقَتِهِا، وَأَنَّهُن لَقِيْن مِن طَلْعَة يُوَسُف الْدَّهَش وَالْإِعْجَاب وَالَذُّهُوْل. فَقَالَت قَوْلَة الْمَرْأَة الْمُنْتَصِرَة، الَّتِي لَا تَسْتَحْي أَمَام الْنِّسَاء مِن بَنَات جِنْسِهَا وَطَبَّقْتَهَا، وَالَّتِي تَفْتَخِر عَلَيْهِن بِأَن هَذَا مُتَنَاوَل يَدَهَا؛ وَإِن كَان قَد اسْتَعْصَم فِي الْمَرَّة الْأُوْلَى فَهِي سَتُحَاوِل الْمُرَّة تِلْو الْأُخْرَى إِلَى أَن يَلِيْن: انْظُرْن مَاذَا لَقَيْتُن مِنْه مِن الْبَهْر وَالْدَّهَش وَالْإِعْجَاب!

لَقَد بَهَرَنِي مِثْلَكُّن فَرَاوَدَتْه عَن نَفْسِه لَكِنَّه اسْتَعْصَم، وَإِن لَم يُطْعَنّي سَآَمُر بِسَجْنِه لأَذُلَّه.
إِنَّهَا لَم تَرَى بَأْسا مَن الْجَهْر بِنَزَوَاتِهَا الْأُنْثَوِيَّة أَمَّا نِسَاء طَبَقَتِهِا. فَقَالْتِهَا بِكُل إِصْرَار وَتَبَجَّح، قَالَتْهَا مُّبَيِّنَة أَن الْإِغْرَاء الْجَدِيْد تَحْت الْتَّهْدِيْد.

وَانْدَفَع الْنِّسْوَة كُلُّهُم إِلَيْه يُرَاودِنّه عَن نَّفْسِه.. كُل مِنْهُن أَرَادَتْه لِنَفْسِهَا.. وَيَدُلُّنَا عَلَى ذَلِك أَمْرَان. الْدَّلِيل الْأَوَّل هُو قَوْل يُوَسُف عَلَيْه الْسَّلَام (رَب الْسِّجْن أَحَب إِلَي مِمَّا يَدْعُوْنَنِي إِلَيْه) فَلَم يَقُل (مَا تَدْعُوَنِي إِلَيْه).. وَالْأَمْر الْآَخَر هُو سُؤَال الْمَلِك لَهُم فِيْمَا بَعْد (قَال مَا خَطْبُكُن إِذ رَاوَدَتُّن يُوَسُف عَن نَّفْسِه).

أَمَام هَذِه الْدَّعَوَات -سَوَاء كَانَت بِالْقَوْل أَم بِالْحَرَكَات وَالِلْفُتَات- اسْتَنْجَد يُوَسُف بِرَبِّه لِيَصْرِف عَنْه مُحَاوَلاتِهُن لِإِيْقَاعِه فِي حَبَائِلَهُن، خِيْفَة أَن يَضْعُف فِي لَحْظَة أَمَام الْإِغْرَاء الْدَّائِم، فَيَقَع فِيْمَا يَخْشَاه عَلَى نَفْسِه.

دُعِى يُوَسُف الْلَّه دُعَاء الْإِنْسَان الْعَارِف بِبَشَرِّيْتِه، الَّذِي لَا يَغْتَر بِعِصْمَتِه؛ فَيُرِيد مَزِيْدَا مِن عِنَايَة الْلَّه وَحِيَاطَتِه، وَيُعَاوِنُه عَلَى مَا يَعْتَرِضُه مِن فِتْة وَكَيْد وَإِغْرَاء. (قَال رَب الْسِّجْن أَحَب إِلَي مِمَّا يَدْعُوْنَنِي إِلَيْه وَإِلَا تَصْرِف عَنِّي كَيْدَهُن أَصْب إِلَيْهِن وَأَكُن مِّن الْجَاهِلِيَن) وَاسْتَجَاب لَه الْلَّه.. وَصَرَف عَنْه كَيْد الْنِّسْوَة.

وَهَذَا الْصَّرْف قَد يَكُوْن بِإِدْخَال الْيَأْس فِي نُفُوْسِهِن مِن اسْتِجَابَتَه لَهُن، بَعْد هَذِه الْتَّجْرُبَة؛ أَو بِزِيَادَة انْصِرَافِه عَن الْإِغْرَاء حَتَّى مَا يُحِس فِي نَفْسِه أَثَرَا مِنْه. أَو بِهِمَا جَمِيْعا. وَهَكَذَا اجْتَاز يُوَسُف الْمِحْنَة الْثَّانِيَة بِلُطْف الْلَّه وَرِعَايَتِه، فَهُو الَّذِي سَمِع الْكَيْد وَيَسْمَع الْدُّعَاء، وَيَعْلَم مَا وَرَاء الْكَيْد وَمَا وَرَاء الْدُّعَاء.

مَا انْتَهَت الْمِحْنَة الْثَّانِيَة إِلَا لِتَبْدَأ الثَّالِثَة..

لَ
كِن هَذِه الْثَّالِثَة هِي آَخِر مِحَن الْشِّدَّة.

يُسْجَن يَوْسُف عَلَيْه الْسَّلَام وَالْفَصْل الْثَّالِث مِن حَيَاتِه:
رُّبَمَا كَان دُخُوْلُه لِلْسِّجْن بِسَبَب انْتِشَار قَصَّتْه مَع امْرَأَة الْعَزِيْز وَنِسَاء طَبَقَتِهِا، فَلَم يَجِد أَصْحَاب هَذِه الْبُيُوْت طَرِيْقَة لِإِسْكَات هَذِه الْأَلْسِنَة سِوَى سِجْن هَذَا الْفَتَى الَّذِي دَلَّت كُل الْآَيَات عَلَى بَرائْتِه، لِتَنْسَى الْقِصَّة.

قَال تَعَالَى فِي سُوْرَة (يُوَسُف):

ثُم بَدَا لَهُم مِّن بَعْد مَا رَأَوُا الْآَيَات لَيَسْجُنُنَّه حَتَّى حِيْن (35) (يُوَسُف)
وَهَكَذَا تَرْسُم الْآَيَة الْمُوجَزَة جَو هَذَا الْعَصْر بِأَكْمَلِه.. جَو الْفَسَاد الْدَّاخِلِي فِي الْقُصُوْر، جَو الْأَوْسَاط الْأَرْسْتُقْرَاطِيَّة.. وَجَو الْحُكْم الْمُطْلَق.
إِن حُلُوْل الْمُشْكِلَات فِي الْحُكْم الْمُطْلَق هِي الْسِّجْن.. وَلَيْس هَذَا بِغَرِيْب عَلَى مَن يَعْبُد آَلِهَة مُتَعَدِّدَة. كَانُوْا عَلَى عِبَادَة غَيْر الْلَّه.. وَلَقَد رَأَيْنَا مِن قَبْل كَيْف تَضِيْع حُرِّيّات الْنَّاس حِيْن يَنْصَرِفُون عَن عِبَادَة الْلَّه إِلَى عِبَادَة غَيْرِه.

وَهَا نَحْن أُوْلَاء نَرَى فِي قِصَّة يُوَسُف شَاهِدَا حَيّا يُصِيْب حَتَّى الْأَنْبِيَاء. صَدَر قَرَارا بِاعْتِقَالِه وَأُدْخِل الْسِّجْن. بِلَا قَضِيَّة وَلَا مُحَاكَمَة، بِبَسَاطَة وَيَسِّر.. لَا يَصْعُب فِي مُجْتَمَع تَحْكُمُه آَلِهَة مُتَعَدِّدَة أَن يُسْجَن بَرِيْء. بَل لَعَل الصُّعُوْبَة تَكْمُن فِي مُحَاوَلَة شَيْء غُيِّر ذَلِك.
دَخَل يُوْسُف الْسِّجْن ثَابِت الْقَلْب هَادِئ الْأَعْصَاب أَقْرَب إِلَى الْفَرَح لِأَنَّه نَجَا مِن إِلْحَاح زَوْجَة الْعَزِيْز وَرَفَيقَاتِهَا، وَثَرْثَرَة وتَطِفِلَات الْخَدَّم.

كَان الْسِّجْن بِالْنِّسْبَة إِلَيْه مَكَانَا هَادِئِا يَخْلُو فِيْه وَيُفَكِّر فِي رَبِّه.
وَيُبَيِّن لَنَا الْقُرْآَن الْكَرِيْم الْمَشْهَد الْأَوَّل مِن هَذَا الْفَصْل:

يُخْتَصَر السِّيَاق الَقُرْآني مَا كَان مِن أَمْر يُوْسُف فِي الْسِّجْن.. لَكِن الْوَاضِح أَن يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- انْتَهَز فُرْصَة وَجُوْدُه فِي الْسِّجْن، لِيَقُوْم بَالدَّعْوَة إِلَى الْلَّه. مِمَّا جَعَل الْسُّجَنَاء يَتَوسِمُون فِيْه الْطَّيِّبَة وَالْصَّلَاح وَإِحْسَان الْعِبَادَة وَالْذِّكْر وَالْسُّلُوك.

انْتَهَز يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- هَذِه الْفُرْصَة لِيَحْدُث الْنَّاس عَن رَحْمَة الْخَالِق وَعَظَمَتِه وَحُبَّه لِمَخْلُوْقَاتِه، كَان يَسْأَل الْنَّاس: أَيُّهُمَا أَفْضَل.. أَن يَنْهَزِم الْعَقْل وَيَعْبُد أَرْبَابا مُتَفَرِّقِيْن.. أَم يَنْتَصِر الْعَقْل وَيَعْبُد رَب الْكَوْن الْعَظِيْم؟ وَكَان يُقِيْم عَلَيْهِم الْحُجَّة بِتَسَاؤُلاتِه الْهَادِئَة وَحِوارِه الْذَّكِي وَصَفَاء ذِهْنِه، وَنَقَاء دَعْوَتِه.

وَفِي أَحَد الْأَيَّام، قَدِم لَه سَجَّيْنَان يَسْأَلَانِه تَفْسِيْر أَحْلَامِهِمَا، بَعْد أَن تَوَسَّمَا فِي وَجْهِه الْخَيْر. إِن أَوَّل مَا قَام بِه يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- هُو طْمْأَنْتِهُما أَنَّه سَيَؤُول لَهُم الْرُّؤَى، لِأَن رَبَّه عِلْمِه عِلْما خَاصَّا، جَزَاء عَلَى تَجَرُّدُه هُو وَآَبَاؤُه مِن قَبْلِه لِعِبَادَتِه وَحْدَه، وَتَخَلُّصِه مِن عِبَادَة الْشُّرَكَاء.. وَبِذَلِك يَكْسِب ثِقَتُهُما مُنْذ الْلَّحْظَة الْأُوْلَى بِقُدْرَتِه عَلَى تَأْوِيْل رُؤْيَاهُمَا، كَمَا يَكْسِب ثِقَتُهُما كَذَلِك لِدِيْنِه.

ثُم بَدَأ بِدَعْوَتِهِما إِلَى الْتَّوْحِيْد، وَتِبْيَان مَا هُم عَلَيْه مِن الْظِّلَال. قَام بِكُل هَذَا بِرِفْق وَلُطْف لِيُدْخِل إِلَى الْنُّفُوْس بِلَا مُقَاوِمَة.
بَعْد ذَلِك فَسَّر لَهُمَا الْرُّؤَى. بَيَّن لَهُمَا أَن أَحَدُهَا سَيُصْلَب، وَالْآخَر سَيَنْجُو، وَسَيَعْمَل فِي قَصْر الْمَلِك. لَكِنَّه لَم يُحَدِّد مَن هُو صَاحِب الْبُشْرَى وَمَن هُو صَاحِب الْمَصِيْر الْسَّيِّئ تَلَطُّفا وَتَحَرُّجا مِن الْمُوَاجَهَة بِالْشَّر وَالْسُّوْء.

وَتَرْوِي بَعْض الْتَّفَاسِيْر أَن هَؤُلَاء الْرَّجُلَيْن كَانَا يَعْمَلَان فِي الْقَصْر، أَحَدُهُمَا طَبَّاخَا، وَالْآخَر يَسْقِي الْنَّاس، وَقَد اتُّهِمَا بِمُحَاوَلَة تَسْمِيَم الْمَلِك.
أَوْصَى يُوْسُف مِن سَيَنْجُو مِنْهُمَا أَن يُذَكِّر حَالِه عَن الْمِلْك. لَكِن الْرَّجُل لَم يَنْفُذ الْوَصِيَّة. فَرُبَّمَا أَلْهَتْه حَيَاة الْقُصَّر الْمُزْدَحِمَة يُوَسُف وَأَمْرُه.

فَلَبِث فِي الْسِّجْن بِضْع سِنِيْن. أَرَاد الْلَّه بِهَذَا أَن يَعْلَم يُوَسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- دَرْسَا.
فَقَد وَرَد فِي إِحْدَى الْرَّوِيَّات أَنَّه جَاءَه جِبْرِيْل قَال: يَا يُوْسُف مِن نَجَّاك مِن إِخْوَتِك؟ قَال: الْلَّه. قَال: مِن أُنْقِذْك مِن الْجُب؟ قَال: الْلَّه. قَال: مِن حَرَّرَك بَعْد أَن صِرْت عَبْدا؟ قَال: الْلَّه. قَال: مِن عَصَمَك مِن الْنِّسَاء؟ قَال: الْلَّه. قَال: فَعَلَام تَطْلُب الْنَّجَاة مِن غَيْرِه؟
وَقَد يَكُوْن هَذَا الْأَمْر زِيَادَة فِي كَرْم الْلَّه عَلَيْه وَاصْطْفَاءَه لَه، فَلَم يَجْعَل قَضَاء حَاجَتِه عَلَى يَد عَبْد وَلَا سَبَب يَرْتَبِط بِعَبْد.

الْمَشْهَد الْثَّانِي:


فِي هَذَا الْمَشْهَد تَبْدَأ نُقْطَة الْتَّحَوُّل.. الْتَّحَوُّل مِن مِحَن الْشِّدَّة إِلَى مِحَن الْرَّخَاء.. مِن مِحْنَة الْعُبُوْدِيَّة وَالْرَّق لَمُحْنِة الْسَّلَطَة وَالْمَلَك.
فِي قَصْر الْحُكْم.. وَفِي مَجْلِس الْمُلْك: يَحْكِي الْمَلِك لِحَاشِيَتِه رُؤْيَاه طَالِبا مِنْهُم تَفْسِيْرا لَهَا.

(وَقَال الْمَلِك إِنِّي أَرَى سَبْع بَقَرَات سِمَان يَأْكُلُهُن سَبْع عِجَاف وَسَبْع سُنْبُلَات خُضْر وَأُخَر يَابِسَات يَا أَيُّهَا الْمَلَأ أَّفْتُوْنِي فِي رُؤْيَاي إِن كُنْتُم لِلْرُّؤْيَا تَعْبُرُوْن) لَكِن المُسْتَشَّارِين وَالْكَهَنَة لَم يَقُوْمُوْا بِالتَّفْسِيْر. رُبَّمَا لِأَنَّهُم لَم يَعْرِفُوْا تَفْسِيْرَهَا، أَو أَنَّهُم أَحَسُّوا أَنَّهَا رُؤْيَا سُوَء فَخَشُوا أَن يُفَسِّرُوهَا لِلْمَلِك، وَأَرَادُوَا أَن يَأْتِي الْتَّفْسِيْر مِن خَارِج الْحَاشِيَة -الَّتِي تَعَوَّدْت عَلَى قَوْل كُل مَا يُسَر الْمَلِك فَقَط. وَعَلَّلُوْا عَدَم الْتَّفْسِيْر بِأَن قَالُوْا لِلْمَلِك أَنَّهَا أَجْزَاء مِن أَحْلَام مُخْتَلَطَة بِبَعْضَهَا الْبَعْض، لَيْسَت رُؤْيَا كَامِلَة يُمْكِن تَأْوِيْلُهَا.

الْمَشْهَد الثَّالِث:

وَصَل الْخَبَر إِلَى الَسَاقِي -الَّذِي نَجَا مِن الْسِّجْن.. تَدَاعَت أَفْكَارَه وَذَكَرَه حُلُم الْمَلِك بِحِلْمِه الَّذِي رَآَه فِي الْسِّجْن، وَذَكَرَه الْسِّجْن بِتَأْوِيْل يُوَسُف لِحِلْمِه. وَأَسْرَع إِلَى الْمَلِك وَحَدَّثَه عَن يُوَسُف. قَال لَه: إِن يُوَسُف هُو الْوَحِيد الَّذِي يَسْتَطِيْع تَفْسِيْر رُؤْيَاك.
وَأَرْسَل الْمَلِك سَاقَيْه إِلَى الْسِّجْن لِيَسْأَل يُوَسُف.

وَيُبَيِّن لَنَا الْحَق سُبْحَانَه كَيْف نُقِل الَسَاقِي رُؤْيَا الْمَلِك لِيُوَسُف بِتَعَبِيْرَات الْمَلِك نَفْسَهَا، لِأَنَّه هُنَا بِصَدَد تَفْسِيْر حُلُم، وَهُو يُرِيْد أَن يَكُوْن الْتَّفْسِيْر مُطَابِقا تَمَاما لِمَا رَءَاه الْمَلِك. وَكَان الَسَاقِي يُسَمِّي يُوَسُف بِالْصِّدِّيق، أَي الْصَّادِق الْكَثِيْر الْصِّدْق.. وَهَذَا مَا جَرَّبَه مِن شَأْنِه مِن قَبْل.

جَاء الْوَقْت وَاحْتَاج الْمُلْك إِلَى رَأْي يُوَسُف.. (وَالْلَّه غَالِب عَلَى أَمْرِه وَلـكِن أَكْثَر الْنَّاس لَا يَعْلَمُوْن). سُئِل يُوَسُف عَن تَفْسِيْر حُلُم الْمَلِك.. فَلَم يَشْتَرِط خُرُوْجِه مِن الْسِّجْن مُقَابِل تَفْسِيْرِه. لَم يُسَاوِم وَلَم يَتَرَدَّد وَلَم يَقُل شَيْئا غَيْر تَفْسِيْر الْرُّؤْيَا.. هَكَذَا بِبَرَاءَة الْنَّبِي حِيْن يَلْجَأ إِلَيْه الْنَّاس فيُغِيثِهُم.. وَإِن كَان هَؤُلَاء أَنْفُسَهُم سَجَّانِيْه وَجَلادِيْه.

لَم يَقُم يُسَوِّف -عَلَيْه الْسَّلَام- بِالتَّفْسِيْر الْمُبَاشِر الْمُجَرَّد لِلْرُّؤْيَا. وَإِنَّمَا قَدَّم مَع الْتَّفْسِيْر الْنُّصْح وَطَرِيْقَة مُوَاجَهَة الْمَصَاعِب الَّتِي سَتَمُر بِهَا مِصْر. أُفُّهُم يُوَسُف رَسُوْل الْمَلِك أَن مِصْر سَتَمُر عَلَيْهَا سَبْع سَنَوَات مُخْصِبَة تَجُوْد فِيْهَا الْأَرْض بِالْغَلَّات.

وَعَلَى الْمِصْرِيِّيْن أَلَا يُسْرِفُوا فِي هَذِه الْسَّنَوَات الْسَّبْع. لِأَن وَرَاءَهَا سَبْع سَنَوَات مُجْدِبَة سَتَأْكُل مَا يَخْزُنُه الْمِصْرِيُّوْن، وَأَفْضَل خَزَن لِلْغِلال أَن تَتْرُك فِي سَنَابِلِهَا كَي لَا تَفْسُد أَو يُصِيْبُهَا الْسُّوْس أَو يُؤْثِر عَلَيْهَا الْجَو.

بِهَذَا انْتَهَى حُلُم الْمَلِك.. وَزَاد يُوَسُف تَأْوِيْلَه لِحُلْم الْمَلِك بِالْحَدِيْث عَن عَام لَم يَحْلُم بِه الْمَلِك، عَام مِن الْرَّخَاء. عَام يُغَاث فِيْه الْنُّاس بِالزَّرْع وَالْمَاء، وَتَنْمُو كُرُوْمَهُم فَيَعْصِرُون خَمْرَا، وَيَنْمُو سَمُسْمِهُم وَزَيْتُوْنَهُم فَيَعْصِرُون زَيْتا. كَان هَذَا الْعَام الَّذِي لَا يُقَابِلُه رَمْز فِي حُلْم الْمَلِك. عِلْما خَاصَّا أُوْتِيْه يُوَسُف. فَبَشِّر بِه الَسَاقِي لِيُبَشِّر بِه الْمَلِك وَالْنَّاس.

الْمَشْهَد الْرَّابِع:

عَاد الَسَاقِي إِلَى الْمَلِك. أَخْبَرَه بِمَا قَال يُوْسُف، دُهِش الْمَلِك دَهْشَة شَدِيْدَة. مَا هَذَا الْسَّجِيْن..؟ إِنَّه يَتَنَبَّأ لَهُم بِمَا سَيَقَع، وَيُوَجِّهُهُم لِعِلَاجِه.. دُوْن أَن يَنْتَظِر أَجْرا أَو جَزَاء. أَو يَشْتَرِط خُرُوْجا أَو مُكَافَأَة. فَأَصْدَر الْمَلِك أَمْرَه بِإِخْرَاج يُوَسُف مِن الْسِّجْن وَإِحْضَارُه فَوْرَا إِلَيْه.

ذَهَب رَسُوْل الْمَلِك إِلَى الْسِّجْن. وَلَا نَعْرِف إِن كَان هُو الَسَاقِي الَّذِي جَاءَه أَوَّل مَرَّة. أَم أَنَّه شَخْصِيَّة رَفِيْعَة مُكَلَّفَة بِهَذِه الْشُّؤُوْن. ذَهَب إِلَيْه فِي سِجْنِه. رَجا مِنْه أَن يُخَرِّج لِلِقَاء الْمَلِك.. فَهُو يَطْلُبُه عَلَى عَجَل. رَفَض يُوَسُف أَن يَخْرُج مِن الْسِّجْن إِلَّا إِذَا ثَبَتَت بَرَاءَتَه. لَقَد رَبّاه رَبِّه وَأَدَّبَه.

وَلَقَد سَكَبْت هَذِه الْتَرْبِيَة وَهَذَا الْأَدَب فِي قَلْبِه الْسَّكِينَة وَالثِّقَة وَالْطُّمَأْنِيْنَة. وَيَظْهَر أَثَر الْتَّرْبِيَة وَاضِحا فِي الْفَارِق بَيْن الْمَوْقِفَيْن: الْمَوْقِف الَّذِي يَقُوْل يُوْسُف فِيْه لِلْفَتَى: اذْكُرْنِي عِنْد رَبِّك، وَالْمَوْقِف الَّذِي يَقُوْل فِيْه: ارْجِع إِلَى رَبِّك فَاسْأَلْه مَا بَال الْنِّسْوَة الَّاتِي قَطَّعْن أَيْدِهِن، الْفَارِق بَيْن الْمَوْقِفَيْن كَبِيْر.

الْمَشْهَد الْخَامِس:

تَجَاوَز السِّيَاق الَقُرْآني عَمَّا حَدَث بَيْن الْمِلْك وَرَسُوْلَه، وَرْدَة فَعَل الْمَلِك. لِيَقِف بِنَا أَمَام الْمَحَاكَة. وَسُؤَال الْمَلِك لِنِّسَاء الْطَّبَقَة الْعُلْيَا عَمَّا فَعَلْنَه مَع يُوَسُف. يَبْدُوَا أَن الْمَلِك سَأَل عَن الْقِصَّة لِيَكُوْن عَلَى بَيِّنَة مِن الْظُّرُوْف قَبْل أَن يَبْدَأ الْتَّحْقِيْق، لِذَلِك جَاء سُؤَالِه دَقِيْقَا لِلْنِّسَاء. فَاعْتَرَف الْنِّسَاء بِالْحَقِيقَة الَّتِي يَصْعُب إِنْكَارُهَا (قُلْن حَاش لِلّه مَا عَلِمْنَا عَلَيْه مِن سُوَء).

وَهْنَا تَتَقَدَّم الْمَرْأَة الْمَحَبَّة لِيُوَسُف، الَّتِي يَئِسَت مِنْه، وَلَكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيْع أَن تَخْلُص مِن تَعَلُّقُهَا بِه.. تَتَقَدَّم لَتَقُوْل كُل شَيْء بِصَرَاحَة. يُصَوِّر السِّيَاق الَقُرْآني لَنَا اعْتِرَاف امْرَأَة الْعَزِيْز، بِأَلْفَاظ مَوْحِيَّة، تَشِي بِمَا وَرَاءَهَا مِن انْفِعَالَات وّمَشّاعِر عَمِيْقَة (أَنَا رَاوَدَتُّه عَن نَّفْسِه وَإِنَّه لَمِن الْصَّادِقِيْن) شَهَادَة كَامِلَة بِإِثْمِهَا هِي، وَبَرَاءَتِه وَنَظَافَتِه وَصَدَّقَه هُو.

شَهَادَة لَا يُدْفَع إِلَيْهَا خَوْف أَو خَشْيَة أَو أَي اعْتِبَار آَخَر.. يَشِي السِّيَاق الَقُرْآني بِحافِز أَعْمَق مِن هَذَا كُلِّه. حِرْصِهَا عَلَى أَن يَحْتَرِمُهَا الْرَّجُل الَّذِي أَهَان كِبْرِيَاءَهَا الْأُنْثَوِيَّة، وَلَم يَعْبَأ بِفِتْنَتِهَا الْجَسَدَيَّة. وُمُحَاوَلَة يَائِسَة لِتَصْحِيْح صَوَّرْتَهَا فِي ذِهْنِه. لَا تُرِيْدُه أَن يَسْتَمِر عَلَى تَعَالِيَّه وَاحْتِقَارِه لَهَا كَخَاطِئَة.

تُرِيْد أَن تُصَحِّح فِكْرَتِه عَنْهَا: (ذَلِك لِيَعْلَم أَنِّي لَم أَخُنْه بِالْغَيْب). لَسْت بِهَذَا الْسُّوْء الَّذِي يَتَصَوَّرُه فِيْنِي. ثُم تَمْضِي فِي هَذِه الْمُحَاوَلَة وَالْعَوْدَة إِلَى الْفَضِيلَة الَّتِي يُحِبُّهَا يُوَسُف وَيُقَدِّرُهَا (وَأَن الْلَّه لَا يَهْدِي كَيْد الْخَائِنِيْن).

وَتَمْضِي خَطْوَة أُخْرَى فِي هَذِه الْمَشَاعِر الْطَّيِّبَة (وَمَا أُبَرِّىء نَفْسِي إِن الْنَّفْس لِّأَمَّارَة بِالْسُّوْء إِلَا مَا رَحِم رَبِّي إِن رَبِّي غَفُوْر رَّحِيْم).
إِن تَأَمُّل الْآَيَات يُوْحِي بِأَن امْرَأَة الْعَزِيْز قَد تَحَوَّلَت إِلَى دِيَن يُوَسُف. تَحَوَّلْت إِلَى الْتَّوْحِيْد. إِن سِجْن يُوَسُف كَان نَقَلَة هَائِلَة فِي حَيَاتِهَا. آَمَنْت بِرَبِّه وَاعْتَنَقَت دِيَانَتُه.

وَيُصَدِّر الْأَمْر الْمَلَكِي بِالْإِفْرَاج عَنْه وَإِحْضَارُه.

يُهْمِل السِّيَاق الَقُرْآني بَعْد ذَلِك قِصَّة امْرَأَة الْعَزِيْز تَمَامَا، يُسْقِطُهَا مِن الْمَشَاهِد، فَلَا نَعْرِف مَاذَا كَان مِن أَمْرِهَا بَعْد شَهَادَتُهَا الْجَرِيئَة الَّتِي أُعْلِنَت فِيْهَا ضِمْنَا إِيْمَانُهَا بِدَيْن يُوَسُف.
وَقَد لَعِبَت الْأَسَاطِيْر دَوْرَهَا فِي قِصَّة الْمَرْأَة.. قِيَل: إِن زَوْجَهَا مَات وَتَزَوَّجَت مِن يُوَسُف، فَاكْتَشَف أَنَّهَا عَذْرَاء، وَاعْتَرَفْت لَه أَن زَوْجَهَا كَان شَيْخا لَا يَقْرَب الْنِّسَاء.. وَقِيْل: إِن بَصَرَهَا ضَاع بِسَبَب اسْتِمْرَارِهَا فِي الْبُكَاء عَلَى يُوَسُف، خَرَجَت مِن قِصَرِهَا وَتَاهَت فِي طُرُقَات الْمَدِيْنَة، فَلَمَّا صَار يُوَسُف كَبِيْرا لِلْوُزَرَاء، وَمَضَى مَوْكِبِه يَوْمَا هَتَفَت بِه امْرَأَة ضَرَيْرَة تَتَكَفَّف الْنَّاس: سُبْحَان مَن جَعَل الْمُلُوْك عَبِيْدا بِالْمَعْصِيَة، وَجَعَل الْعَبِيْد مُّلُوْكا بِالْطَّاعَة. سَأَل يُوْسُف: صُوْت مِن هَذَا؟ قِيَل لَه: امْرَأَة الْعَزِيْز. انْحَدَر حَالُهَا بَعْد عِز. وَاسْتَدْعَاهَا يُوَسُف وَسَأَلَهَا: هَل تَجِدِيْن فِي نَفْسِك مِن حُبَّك لِي شَيْئا؟
قَالَت: نَظْرَة إِلَى وَجْهِك أَحَب إِلَي مِن الْدُّنْيَا يَا يُوْسُف.. نَاوِلْنِي نِهَايَة سَوْطَك. فَنَاوَلَهَا. فَوَضَعْتُه عَلَى صَدْرِهَا، فَوَجَد الْسَّوْط يَهْتَز فِي يَدِه اضْطِرَابَا وَارْتِعَاشا مِن خَفَقَان قَلْبِهَا.

وَقُيِّلَت أَسَاطِيْر أُخْرَى، يَبْدُو فِيْهَا أَثَر الْمُخَيَّلَة الْشَّعْبِيَّة وَهِي تَنَسُّج قِمّة الَدِرَامَا بِانْهِيَار الْعَاشِقَة إِلَى الْحَضِيْض.. غَيْر أَن السِّيَاق الَقُرْآني تَجَاوَز تَمَامَا نِهَايَة الْمَرْأَة.

أَغْفَلَهَا مِن سِيَاق الْقِصَّة، بَعْد أَن شَهِدْت لِيُوَسُف.. وَهَذَا يَخْدِم الْغَرَض الْدِّيْنِي فِي الْقِصَّة، فَالَقِصَّة أَسَاسُا قُصَّة يُوَسُف وَلَيْسَت قِصَّة الْمَرْأَة.. وَهَذَا أَيْضا يَخْدِم الْغَرَض الْفَنِّي.. لَقَد ظَهَرَت الْمَرْأَة ثُم اخْتَفَت فِي الْوَقْت الْمُنَاسِب.. اخْتَفَت فِي قِمَة مَأْسَاتُهَا.. وَشَاب اخْتِفَاءِهَا غُمُوْض فَنِي مُعْجِز.. وَلَرُبَّمَا بَقِيَت فِي الْذَاكِرَة بِاخْتِفَائِهَا هَذَا زَمَنَا أَطْوَل مِمَّا كَانَت تَقْضِيَه لَو عَرَفْنَا بَقِيَّة قِصَّتُهَا.




يُوَسُف عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

يُوَسُف عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: يُوَسُف عليه السلام   يُوَسُف عليه السلام Emptyالثلاثاء 12 أكتوبر 2010, 1:10 pm


الْجُزْء الْثَّالِث

وَيَبْدَأ فَصَل جَدِيْد مِن فُصُوْل حَيَاة يَوْسُف عَلَيْه الْسَّلَام:

الْمَشْهَد الْاوَّل:

بَعْد مَا رَأَى الْمَلِك مِن أَمْر يُوَسُف. بَرَاءَتَه، وَعَلَّمَه، وَعَدَم تَهافَتِه عَلَى الْمُلْك. عُرِّف أَنَّه أَمَام رَجُل كَرِيْم، فَلَم يَطْلُبْه لِيَشْكُرْه أَو يَثُنِّي عَلَيْه، وَإِنَّمَا طَلَبِه لِيَكُوْن مُسْتَشَارُه. وَعِنْدَمَا جَلَس مَعَه وَكَلَّمَه، تَحَقَّق لَه صَدَق مَا تَوَسُّمُه فِيْه. فَطْمَئِنّه عَلَى أَنَّه ذُو مَكَانَه وَفِي أَمَان عِنْدَه. فَمَاذَا قَال يُوْسُف؟

لَم يُغَرِّق الْمَلِك شُكْرَا، وَلَم يَقُل لَه: عِشْت يَا مَوْلَاي وَأَنَا عَبْدُك الْخَاضِع أَو خَادِمِك الْأَمِيْن، كَمَا يَفْعَل الْمُتَمَلِّقُون لِلْطَّوَاغِيْت؛ كَلَّا إِنَّمَا طَالِب بِمَا يَعْتَقِد أَنَّه قَادِر عَلَى أَن يَنْهَض بِه مِن الْأَعْبَاء فِي الْازِمَة الْقَادِمَة.

كَمَا وَأَوْرَد الْقُرْطُبِي فِي تَفْسِيْرِه. أَن الْمَلَك قَال فِيْمَا قَالَه: لَو جَمَعْت أَهْل مِصْر مَا أَطَاقُوْا هَذَا الْأَمْر.. وَلَم يَكُوْنُوْا فِيْه أُمَنَاء.
كَان الْمَلِك يَقْصِد الْطَّبَقَة الْحَاكِمَة وَمَا حَوْلَهَا مِن طَبَقَات.. إِن الْعُثُور عَلَى الْأَمَانَة فِي الْطَّبَقَة الْمُتْرَفَة شَدِيْد الصُّعُوْبَة.

اعْتِرَاف الْمَلِك لِيُوَسُف بِهَذِه الْحَقِيقَة زَاد مِن عَزْمِه عَلَى تَوَلَّي هَذَا الامْر، لأَنْقَاذ مِصْر وَمَا حَوْلَهَا مِن الْبِلَاد مِن هَذِه الْمَجَاعَة.. قَال يُوْسُف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِن الْأَرْض إِنِّي حَفِيْظ عَلِيِّم).

لَم يَكُن يُوْسُف فِي كَلِمَتِه يَقْصِد الْنَّفْع أَو الْاسْتِفَادَة. عَلَى الْعَكْس مِن ذَلِك. كَان يَحْتَمِل أَمَانَة إِطْعَام شُعُوْب جَائِعَة لِمُدَّة سَبْع سَنَوَات.. شُعُوْب يُمْكِن أَن تُمَزِّق حُكَّامِهَا لَو جَاعَت.. كَان الْمَوْضُوْع فِي حَقِيْقَتِه تَضْحِيَة مِن يُوَسُف.

لَا يَثْبُت السِّيَاق الَقُرْآني أَن الْمَلِك وَافَق.. فَكَأَنَّمَا يَقُوْل الْقُرْآَن الْكَرِيْم إِن الْطَّلَب تَضَمَّن الْمُوَافَقَة.. زِيَادَة فِي تَكْرِيْم يُوَسُف، وَإِظْهَار مَكَانَتُه عِنْد الْمَلِك.. يَكْفِي أَن يَقُوْل لِيُجَاب.. بَل لِيَكُوْن قَوْلُه هُو الْجَوَاب، وَمَن ثُم يُحْذَف رَد الْمَلَك.. وَيُفْهِمُنا شَرِيْط الْصُّوَر الْمَعْرُوْضَة أَن يُوَسُف قَد صَار فِي الْمَكَان الَّذِي اقْتَرَحَه.

وَهَكَذَا مَكَّن الْلَّه لِيُوَسُف فِي الْأَرْض.. صَار مَسْؤُوْلا عَن خَزَائِن مِصْر وَاقْتِصَادِهَا.. صَار كَبِيْرا لِلْوُزَرَاء.. وَجَاء فِي رِوَايَة أَن الْمُلْك قَال لِيُوَسُف: يَا يُوْسُف لَيْس لِي مِن الْحُكْم إِلَا الْكُرْسِي.. وَلَا يُنْبِئُنَا السِّيَاق الَقُرْآني كَيْف تَصَرَّف يُوْسُف فِي مِصْر.. نَعْرِف أَنَّه حَكِيْم عَلِيِّم.. نَعْرِف أَنَّه أَمِيْن وَصَادِق.. لَا خَوْف إِذَا عَلَى اقْتِصَاد مِصْر.

الْمَشْهَد الْثَّانِي :

دَارَت عَجَلَة الْزَّمَن.. طَوَى السِّيَاق دَوْرَتَهَا، وَمَر مُرْوَرَا سَرِيْعَا عَلَى سَنَوَات الْرَّخَاء، وَجَاءَت سَنَوَات الْمَجَاعَة.. وَهْنَا يَغْفُل السِّيَاق الَقُرْآني بَعْد ذَلِك ذَكَر الْمَلِك وَالْوُزَرَاء فِي الْسُّوْرَة كُلِّهَا.. كَأَن الْأَمْر كُلَّه قَد صَار لِيُوَسُف.

الَّذِي اضْطَلَع بِالْعِبْء فِي الْأَزِمَّة الْخَانِقَة الْرَّهِيْبَة. وَأَبْرَز يُوَسُف وَحْدَه عَلَى مَسْرَح الْحَوَادِث, وَسَلَط عَلَيْه كُل الْأَضْوَاء.
أَمَّا فِعْل الْجَدْب وَالْمَجَاعَة فَقَد أَبْرَزَه السِّيَاق فِي مَشْهَد إِخْوَة يُوَسُف, يَجِيْئُوْن مِن الْبَدْو مِن أَرْض كَنْعَان الْبَعِيْدَة يَبْحَثُوْن عَن الْطَّعَام فِي مِصْر.

وَمِن ذَلِك نُدْرِك اتِّسَاع دَائِرَة الْمَجَاعَة, كَمَا كَيْف صَارَت مِصْر - بِتَدْبِيْر يُوَسُف - مَحَط أَنْظَار جِيْرَانَهَا وَمَخْزَن الْطَّعَام فِي الْمِنْطَقَة كُلِّهَا.
لَقَد اجْتَاح الْجَدْب وَالْمَجَاعَة أَرْض كَنْعَان وَمَا حَوْلَهَا. فَاتَّجَه إِخْوَة يُوَسُف - فِيْمَن يَتَّجِهُون - إِلَى مِصْر. وَقَد تَسَامَع الْنَّاس بِمَا فِيْهَا مِن فَائِض الْغَلَّة مُنْذ الْسَّنَوَات السَّمَّان. فَدَخَلُوْا عَلَى عَزِيْز مِصْر, وَهُم لَا يَعْلَمُوْن أَن أَخَاهُم هُو الْعَزِيْز.

إِنَّه يَعْرِفُهُم فَهُم لَم يَتَغَيَّرُوْا كَثِيْرا. أَمَّا يُوْسُف فَإِن خَيَالَهُم لَا يُتَصَوَّر قَط أَنَّه الْعَزِيْز! وَأَيْن الْغُلَام الْعِبْرَانِي الْصَغِيْر الَّذِي أَلْقَوْه فِي الْجُب مُنْذ عِشْرِيْن عَاما أَو تَزِيْد مِن عَزِيْز مِصْر شِبْه الْمُتَوَّج فِي سِنِّه وَزِيَّه وَحَرَسَه وَمَهَابَتَه وَخَدَمِه وَحَشَمِه وَهَيَّلَه وَهَيْلَمَانِه?

وَلَم يُكْشَف لَهُم يُوَسُف عَن نَّفْسِه. فَلَا بُد مِن دُرُوْس يَتَلَقَّوْنَهَا: (فَدْخُلُوا عَلَيْه فَعَرَفَهُم وَهُم لَه مُنْكِرُوْن ). وَلَكِنَّا نُدْرِك مِن السِّيَاق أَنَّه أَنْزِلْهُم مُنْزَلِا طَيِّبَا, ثُم أَخَذ فِي إِعْدَاد الْدَّرْس الْأَوَّل: ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِم قَال ائْتُوْنِي بِأَخ لَّكُم مِّن أَبِيْكُم). فَنَفْهَم مِن هَذَا أَنَّه تَرَكَهُم يَأْنَسُون إِلَيْه, وَاسْتَدْرَجَهُم حَتَّى ذَكَرُوْا لَه مِن هَم عَلَى وَجْه الْتَّفْصِيْل, وَأَن لَهُم أَخَا صَغِيْرا مِن أَبِيْهِم لَم يَحْضُر مَعَهُم لِأَن أَبَاه يُحِبُّه وَلَا يُطِيْق فِرَاقُه. فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِحَاجَات الرِّحْلَة قَال لَهُم: إِنَّه يُرِيْد أَن يَرَى أَخَاهُم هَذَا. (قَال ائْتُوْنِي بِأَخ لَّكُم مِّن أَبِيْكُم).

وَقَد رَأَيْتُم أَنَّنِي أُوَفِّي الْكَيْل لِلْمُشْتَرِيْن. فَسأُوَفِيْكُم نَصِيْبِكُم حِيْن يَجِيْء مَعَكُم; وَرَأَيْتُم أَنَّنِي أَكْرَم الْنُّزَلاء فَلَا خَوْف عَلَيْه بَل سَيَلْقَى مِنِّي الْإِكْرَام الْمَعْهُوْد: (أَلّا تَرَوْن أَنِّي أُوَفِّي الْكَيْل وَأَنَا خَيْر الْمُنْزِلِيْن ).

وَلَمَّا كَانُوْا يَعْلَمُوْن كَيْف يَضِن أَبُوَهُم بِأَخِيْهِم الْأَصْغَر - وَبِخَاصَّة بَعْد ذَهَاب يُوَسُف - فَقَد أَظْهَرُوْا أَن الْأَمَر لَيْس مَّيْسُورا, وَإِنَّمَا فِي طَرِيْقِه عَقَبَات مِن مُمَانَعَة أَبِيْهِم, وَأَنَّهُم سَيُحَاوِلُون إِقْنَاعِه, مَع تَوْكِيْد عَزْمُهُم - عَلَى الْرَّغْم مِن هَذِه الْعَقَبَات - عَلَى إِحْضَارِه مَعَهُم حِيْن يَعُوْدُوْن: (قَالُوَا سَنُرَاوِد عَنْه أَبَاه وَإِنَّا لَفَاعِلُوْن).

وَلَفْظ (نُرَاوِد) يُصَوِّر الْجَهْد الَّذِي يَعْلَمُوْن أَنَّهُم بَاذَلُوه.
أَمَّا يُوْسُف فَقَد أَمَر غِلْمَانَه أَن يَدْسّوا الْبِضَاعَة الَّتِي حَضَر بِهَا إِخْوَتِه ليَسْتَبَدِلُوا بِهَا الْقَمْح وَالْعَلَف. وَقَد تَكُوْن خَلِيْطَا مِن نَقْد وَمَن غَلِات صَحْرَاوِيَّة أُخْرَى مِن غَلِات الْشَّجَر الْصَّحْرَاوِي, وَمَن الْجُلُوْد وَسِوَاهَا مِمَّا كَان يُسْتَخْدَم فِي الْتَّبَادُل فِي الْأَسْوَاق. أَمَر غِلْمَانَه بدَسِهَا فِي رِحَالِهِم - وَالْرَّحْل مَتَاع الْمُسَافِر - لَعَلَّهُم يَعْرِفُوْن حِيْن يَرْجِعُوْن أَنَّهَا بِضَاعَتَهُم الَّتِي جَاءُوْا بِهَا.

الْمَشْهَد الثَّالِث:

نَدْع يُوْسُف فِي مِصْر . لِنَشْهَد يَعْقُوْب وَبَنِيْه فِي أَرْض كَنْعَان. رَجَع الْأُخُوَّة إِلَى أَبِيْهِم.. وَقَبْل أَن يَنْزِلُوْا أَحْمَال الْجَمَال وَيَفْكّوا مَتَاعَهُم، دَخَلُوْا عَلَى أَبِيْهِم. قَائِلِيْن لَه بِعِتَاب: إِن لَم تُرْسِل مَعَنَا أَخَانَا الْصَّغِيْر فِي الْمَرَّة الْقَادِمَة فَلَن يُعْطِيَنَا عَزِيْز مِصْر الْطَّعَام. وَخَتَمُوا كَلَامِهِم بِوَعْد جَدِيْد لِيَعْقُوْب عَلَيْه الْسَّلام (وَإِنَّا لَه لَحَافِظُوْن).

وَيَبْدُوَا أَن هَذَا الْوَعْد قَد أَثَار كَوَامِن يَعْقُوْب. فَهُو ذَاتِه وَعِدْهُم لَه فِي يُوَسُف! فَإِذَا هُو يُجَهِّز بِمَا أَثَارَه الْوَعْد مِن شُجُوْنَه:
قَال هَل آَمَنُكُم عَلَيْه إِلَا كَمَا أَمِنْتُكُم عَلَى أَخِيْه مِن قَبْل فَاللَّه خَيْر حَافِظا وَهُو أَرْحَم الْرَّاحِمِيْن (64) (يُوَسُف)

وَفَتْح الْأَبْنَاء أَوْعِيَتِهِم لِيَخْرُجُوْا مَا فِيْهَا مِن غِلَال.. فَإِذَا هُم يَجِدُوْن فِيْهَا بِضَاعَتَهُم الَّتِي ذَهَبُوْا يَشْتَرُوْن بِهَا.. مَرْدُوْدَة إِلَيْهِم مَع الْغِلَّال وَالْطَّعَام.. وَرَد الثَّمَن يُشِيْر إِلَى عَدَم الرَّغْبَة فِي الْبَيْع، أَو هُو إِنْذَار بِذَلِك.. وَرُبَّمَا كَان إِحْرَاجَا لَهُم لِيَعُوْدُوْا لِسَدَاد الثَّمَن مَرَّة أُخْرَى.

وَأَسْرَع الْأَبْنَاء إِلَى أَبِيْهِم (قَالُوَا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي) ..لَم نَكْذِب عَلَيْك.. لَقَد رَد إِلَيْنَا الثُّمُن الَّذِي ذَهَبْنَا نَشْتَرِي بِه. هَذَا مَعْنَاه أَنَّهُم لَن يَبِيْعُوْا لَنَا إِلَا إِذَا ذَهَب أَخُوْنَا مَعَنَا.

وَاسْتَمَر حِوَارِهِم مَع الْأَب.. أَفْهِمُوه أَن حُبَّه لِابْنِه وَالْتِصَاقِه بِه يَفْسُدَان مَصَالِحِهِم، وَيُؤَثِّرَان عَلَى اقْتِصَادَهُم، وَهُم يُرِيْدُوْن أَن يَتَزَوَّدُوْا أَكْثَر، وَسَوْف يَحْفَظُوْن أَخَاهُم أَشَد الْحِفْظ وَأَعْظَمَه.. وَانْتَهَى الْحِوَار بِاسْتِسْلام الْأَب لَهُم.. بِشَرْط أَن يُعَاهِدُوْه عَلَى الْعَوْدَة بِابْنِه، إِلَا إِذَا خَرَج الْأَمْر مِن أَيْدِيَهِم وَأُحِيط بِهِم..

نُصْحَهُم الْأَب أَلَا يَدْخُلُوَا -وَهُم أَحَد عَشَر رَجُلا- مِن بَاب وَاحِد مِن أَبْوَاب بِمِصْر.. كَي لَا يَسَتَلْفْتُوا انْتِبَاه أَحَد.. وَرُبَّمَا خَشِي عَلَيْهِم أَبُوَهُم شَيْئا كَالْسَّرِقَة أَو الْحَسَد.. لَا يَقُوْل لَنَا السِّيَاق الَقُرْآني مَاذَا كَان الْأَب يَخْشَى، وَلَو كَان الْكَشِف عَن الْسَّبَب مُهِمَّا لَقِيْل.

الْمَشْهَد الْرَّابِع:

عَاد إِخْوَة يُوَسُف الْأَحَد عَشَر هَذِه الْمَرَّة.
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوَسُف آَوَى إِلَيْه أَخَاه قَال إِنِّي أَنَا أَخُوْك فَلَا تَبْتَئِس بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْن (69) (يُوَسُف)

يَقْفِز السِّيَاق قَفْزَا إِلَى مَشْهَد يُوَسُف وَهُو يَحْتَضِن أَخَاه وَيَكْشِف لَه وَحْدَه سَر قَرَابَتِه، وَلَا رَيْب أَن هَذَا لَم يُحْدِث فَوْر دُخُوْل الْإِخْوَة عَلَى يُوَسُف، وَإِلَا لَانْكَشَفَت لَهُم قَرَابَة يُوَسُف، إِنَّمَا وَقَع هَذَا فِي خَفَاء وَتَلَطَّف، فَلَم يَشْعُر إِخْوَتِه، غَيْر أَن السِّيَاق الْمُعْجِز يَقْفِز إِلَى أَوَّل خَاطِر سَاوَر يُوَسُف عِنْد دُخُوْلِهِم عَلَيْه وَرُؤْيَتُه لِأَخِيْه..

وَهَكَذَا يَجْعَلُه الْقُرْآَن أَوَّل عَمَل، لِأَنَّه أَوَّل خَاطِر، وَهَذِه مِن دَقَائِق الْتَعِبِيَر فِي هَذَا الْكِتَاب الْعَظِيْم. يَطْوِي السِّيَاق كَذَلِك فَتْرَة الْضِّيَافَة، وَمَا دَار فِيْهَا بَيْن يُوَسُف وَإِخْوَتِه، وَيَعْرِض مَشْهَد الْرَّحِيْل الْأَخِير.. هَا هُو ذَا يُوَسُف يُدَبِّر شَيْئا لِإِخْوَتِه.. يُرِيْد أَن يَحْتَفِظ بِأَخِيْه الْصَّغِيْر مَعَه. يَعْلَم أَن احْتِفَاظُه بِأَخِيْه سَيُثِير أَحْزَان أَبِيْه، وَرُبَّمَا حَرَّكَت الْأَحْزَان الْجَدِيْدَة أَحْزَانَه الْقَدِيْمَة، وَرُبَّمَا ذَكَرَه هَذَا الْحَادِث بِفَقْد يُوَسُف.. يَعْلَم يُوْسُف هَذَا كُلِّه.. وَهَا هُو ذَا يَرَى أَخَاه.. وَلَيْس هُنَاك دَافِع قَاهِر لاحْتِفَاظِه بِه، لِمَاذَا يَفْعَل مَا فَعَل وَيُحْتَفَظ بِأَخِيْه هَكَذَا!؟

يُكْشَف السِّيَاق عَن الْسِر فِي ذَلِك.. إِن يُوَسُف يَتَصَرَّف بِوَحْي مِن الْلَّه.. يُرِيْد الْلَّه تَعَالَى أَن يَصِل بِابْتِلَائِه لِيَعْقُوْب إِلَى الْذُّرْوَة.. حَتَّى إِذَا جَاوَز بِه مِنْطَقَة الْأَلَم الْبَشَرِي الْمُحْتَمَل وَغَيْر الْمُحْتَمَل، وَرَآَه صَابِرا رَد عَلَيْه ابْنَيْه مَعَا، وَرْد إِلَيْه بَصَرُه.

أَمَر يُوْسُف -عَلَيْه الْسَّلَام- رِجَالُه أَن يُخْفُوْا كَأْس الْمَلِك الْذَّهَبِيَّة فِي مَتَاع أَخِيْه خِلْسَة.. وَكَانَت الْكَأْس تُسْتَخْدَم كُمِكْيَال لِلْغِلال.. وَكَانَت لَهَا قَيَّمْتُهَا كِمِعْيَار فِي الْوَزْن إِلَى جُوَار قِيْمَتِهَا كَذَهَب خَالِص. أَخْفَى الْكَأْس فِي مَتَاع أَخِيْه.. وَتَهَيَّأ إِخْوَة يُوَسُف لِلْرَّحِيل، وَمَعَهُم أَخُوَهُم.. ثُم أُغْلِقَت أَبْوَاب الْعَاصِمَة.. (ثُم أَذَّن مُؤَذِّن أَيَّتُهَا الْعِيْر إِنَّكُم لَسَارِقُوْن)..!!

كَانَت صَرْخَة الْجُنْد تَعْنِي وُقُوْف الْقَوَافِل جَمِيْعا.. وَانْطَلَق الاتِّهَام فَوْق رُؤُوْس الْجَمِيْع كَقَضَاء خَفِي غَامِض.. أَقْبَل الْنَّاس، وَأَقْبَل مَعَهُم إِخْوَة يُوْسُف..( مَّاذَا تَفْقِدُوْن)؟
هَكَذَا تُسَائِل إِخْوَة يُوَسُف.. قَال الْجُنُوْد: (نَفْقِد صُوَاع الْمَلِك).. ضَاعَت كَأْسَه الْذَّهَبِيَّة.. وَلِمَن يَجِيْء بِهَا مُكَافَأَة.. سَنُعْطِيْه حِمْل بَعِيْر مِن الْغِلَّال.
قَال إِخْوَة يُوْسُف بِبَرَاءَة: لَم نَأْت لِنُفْسِد فِي الْأَرْض وَنَسْرِق! قَال الْحُرَّاس (وَكَان يُوْسُف قَد وَجْهِهِم لِمَا يَقُوْلُوْنَه): أَي جَزَاء تُحِبُّوْن تَوْقِيْعِه عَلَى الْسَّارِق؟

قَال إِخْوَة يُوْسُف: فِي شَرِيْعَتِنَا نَعْتَبِر مَن سَرَق عَبْدا لِمَن سَرَقَه.
قَال الْحَارِس: سَنُطَبِّق عَلَيْكُم قَانُوْنُكُم الْخَاص.. لَن نُطَبِّق عَلَيْكُم الْقَانُوْن الْمِصْرِي الَّذِي يَقْضِي بِسِجْن الْسَّارِق.
كَانَت هَذِه الْإِجَابَة كَيْدا وَتَدْبِيْرَا مِن الْلَّه تَعَالَى، أَلَهُم يُوَسُف أَن يَحْدُث بِهَا ضُبَّاطِه.. وَلَوْلَا هَذَا الْتَّدْبِير الْإِلَهِي لَامْتَنَع عَلَى يُوَسُف أَن يَأْخُذ أَخَاه.. فَقَد كَان دَيْن الْمُلْك أَو قَانُوْنِه لَا يَقْضِي بِاسْتِرْقَاق مَن سَرَق. وَبَدَأ الْتَّفْتِيْش.

كَان هَذَا الْحِوَار عَلَى مَنْظَر وَمَسْمَع مِن يُوَسُف، فَأَمَر جُنُوْدُه بِالْبَدْء بَتَفتِيش رَحَّال أُخُوَّتُه أَوَّلَا قَبْل تَفْتِيش رَحَل أَخِيْه الْصَّغِيْر. كَي لَا يُثِيْر شُبْهَة فِي نَتِيْجَة الْتَّفْتِيْش.
اطْمَأَن إِخْوَة يُوْسِف إِلَى بَرْاءَتْهُم مَن الْسَّرِقَة وَتَنَفَّسُوا الْصُّعَدَاء، فَلَم يَبْقَى إِلَّا أَخُوَهُم الْصَّغِيْر. وَتَم اسْتِخْرَاج الْكَأْس مِن رَحْلِه. فَأَمَر يُوَسُف بِأَخْذ أَخِيْه عَبْدِا، قَانُوْنَهُم الَّذِي طَبَقَه الْقَضَاء عَلَى الْحَادِث.

أَعْقَب ذَلِك مَشْهَد عَنِيْف الْمَشَاعِر.. إِن إِحَسَّاس الْإِخْوَة بِرَاحَة الْإِنْقَاذ وَالْنَّجَاة مِن الْتُّهْمَة، جَعَلَهُم يَسْتَدِيْرُوْن بِالْلَّوْم عَلَى شَقِيْق يُوَسُف (قَالُوْا إِن يَسْرِق فَقَد سَرَق أَخ لَّه مِن قَبْل) إِنَّهُم يَتَنَصَّلُون مِن تُهْمَة الْسَّرِقَة.. وَيُلْقَوْنَهَا عَلَى هَذَا الْفَرْع مِن أَبْنَاء يَعْقُوْب.

سَمِع يُوْسُف بِأُذُنَيْه اتِّهَامَهُم لَه، وَأُحِس بِحُزْن عَمِيْق.. كَتَم يُوَسُف أَحْزَانَه فِي نَفْسِه وَلَم يَظْهَر مَشَاعِرَه.. قَال بَيِّنْه وَبَيْن نَفْسِه(أَنْتُم شَر مَّكَانا وَاللَّه أَعْلَم بِمَا تَصِفُوْن). لَم يَكُن هَذَا سَبَّابَا لَهُم، بِقَدْر مَا كَان تَقْرِيْرا حَكِيْما لِقَاعِدَة مِن قَوَاعِد الْأَمَانَة. أَرَاد أَن يَقُوْل بَيْنَه وَبَيْن نَفْسِه: إِنَّكُم بِهَذَا الْقَذْف شَر مَكَانا عِنْد الْلَّه مِن الْمَقْذُوف، لِأَنَّكُم تَقْذِفُوْن بَرِيْئَيْن بِتُهْمَة الْسَّرِقَة.. وَاللَّه أَعْلَم بِحَقِيْقَة مَا تَقُوْلُوْن.

سَقَط الْصَّمْت بَعْد تَعْلِيْق الْإِخْوَة الْأَخِير.. ثُم انْمَحَى إِحْسَاسَهُم بِالْنَّجَاة، وَتَذَكَّرُوْا يَعْقُوْب.. لَقَد أَخَذ عَلَيْهِم عَهْدَا غَلِيْظا، أَلَا يُفَرِّطُوا فِي ابْنِه. وَبَدَءُوا اسْتِرْحَام يُوَسُف: يُوَسُف أَيُّهَا الْعَزِيْز.. يُوَسُف أَيُّهَا الْمَلِك.. إِن لَه أَبا شَيْخا كَبِيْرا فَخُذ أَحَدَنَا مَكَانَه إِنَّا نَرَاك مِن الْمُحْسِنِيْن
قَال يُوْسُف بِهُدُوْء: كَيْف تُرِيْدُوْن أَن نَّتْرُك مِن وَجَدْنَا كَأْس الْمَلِك عِنْدَه.. وَنَأْخُذ بَدَلَا مِنْه أَنْسَانَا آَخَر..؟ هَذَا ظُلْم.. وَنَحْن لَا نَظَّلُم.
كَانَت هِي الْكَلِمَة الْأَخِيْرَة فِي الْمَوْقِف. وَعَرَفُوا أَن لَا جَدْوَى بَعْدَهَا مِن الْرَّجَاء، فَانْسَحَبُوْا يُفَكِّرُوْن فِي مَوْقِفِهِم الْمُحْرَج أَمَام أَبِيْهِم حِيْن يَرْجِعُوْن.

الْمَشْهَد الْخَامِس:

عَقَدُوْا مَجْلِسَا يَتَشَاوَرُوْن فِيْه. لَكِن السِّيَاق الَقُرْآني لَا يَذْكُر أَقْوَالِهِم جَمِيْعا. إِنَّمَا يَثْبُت آَخِرِهَا الَّذِي يَكْشِف عَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْه. ذِكْر الْقُرْآَن قَوْل كَبِيْرُهُم إِذ ذَكِّرْهُم بِالمُوثَق الْمَأْخُوْذ عَلَيْهِم، كَمَا ذَكَرَهُم بِتَفْرِيطَهُم فِي يُوَسُف مِن قَبْل.

ثُم يُبَيِّن قَرَارُه الْجَازِم: أَلَا يَبْرَح مِصْر، وَأَلَا يُوَاجِه أَبَاه، إِلَا أَن يَأْذَن أَبُوْه، أَو يَقْضِي الْلَّه لَه بِحُكْم، فَيَخْض لَه وَيَنْصَاع. وَطَلَب مِنْهُم أَن يَرْجِعُوَا إِلَى أَبِيْهِم فَيُخْبَرُوه صَرَاحَة بِأَن ابْنَه سَرَق، فَاخِذ بِمَا سَرَق. ذَلِك مَا عَلِمُوْه شَهِدُوْا بِه.

أَمَّا إِن كَان بَرِيْئا، وَكَا هُنَاك أَمْر وَرَاء هَذَا الْظَّاهِر لَا يَعْلَمُوْنَه، فَهُم غَيْر مُوَكَّلِين بِالْغَيْب. وَإِن كَان فِي شَك مِن قَوْلِهِم فَلْيَسْأَل أَهْل الْقَرْيَة الَّتِي كَانُوْا فِيْهَا -أَي أَهْل مِصْر- وَلْيَسْأَل الْقَافِلَة الَّتِي كَانُوْا فِيْهَا، فَهُم لَم يَكُوْنُوْا وَحْدَهُم، فَالقَوافِل الْكَثِيْرَة كَانَت تَرِد مِصْر لِتَأْخُذ الْطَّعَام.

الْمَشْهَد الْسَّادِس:

لِيَعْقُوْب -عَلَيْه الْسَّلَام- مَا حَدَث. اسْتَمَع يَعْقُوْب إِلَيْهِم وَقَال بِحُزْن صَابِر، وَعَيْن دَامِعَة: (بَل سَوَّلَت لَكُم أَنْفُسُكُم أَمْرا فَصَبْر جَمِيْل عَسَى الْلَّه أَن يَأْتِيَنِي بِهِم جَمِيْعا إِنَّه هُو الْعَلِيْم الْحَكِيْم).

(بَل سَوَّلَت لَكُم أَنْفُسُكُم أَمْرا فَصَبْر جَمِيْل) كَلِمَتَه ذَاتِهَا يَوْم فَقَد يُوَسُف.. لَكِنَّه فِي هَذِه الْمَرَّة يُضَيِّف إِلَيْهَا الْأَمَل أَن يَرُد الْلَّه عَلَيْه يُوَسُف وَأَخَاه فَيَرُد ابْنَه الْآَخِر الْمُتَخَلِّف هُنَاك.

هَذَا الْشُّعَاع مِن أَيْن جَاء إِلَى قَلْب هَذَا الْرَّجُل الْشَّيْخ؟ إِنَّه الْرَّجَاء فِي الْلَّه، وَالِاتِّصَال الْوَثِيق بِه، وَالْشُّعُوْر بِوُجُوْدِه وَرَحْمَتُه. وَهُو مُؤْمِن بِأَن الْلَّه يَعْلَم حَالَه، وَيَعْلَم مَا وَرَاء هَذِه الْأَحْدَاث وَالامْتِحَانَات.

وَيَأْتِي بِكُل أَمْر فِي وَقْتِه الْمُنَاسِب، عِنَدَمّا تَتَحّق حِكْمَتِه فِي تَرْتِيْب الْأَسْبَاب وَالْنَّتَائِج.
(وَتَوَلَّى عَنْهُم وَقَال يَا أَسَفَى عَلَى يُوَسُف وَابْيَضَّت عَيْنَاه مِن الْحُزْن فَهُو كَظِيْم) وَهِي صُوْرَة مُؤْثَرَة لِلْوَالِد الْمَفْجُوع. يُحِس أَنَّه مُنَفِرْد بِهَمِّه، وَحِيْد بِمُصَابِه، لَا تُشَارِكُه هَذِه الْقُلُوُب الَّتِي حَوْلَه وَلَا تُجَاوِبُه، فَيَنْفَرِد فِي مَعْزِل، يُنْدَب فَجِيْعَتُه فِي وَلَدِه الْحَبِيْب يُوَسُف.

الَّذِي لَم يَنْسَه، وَلَم تُهَوِّن مِن مُصِيْبَتِه الْسِّنُوْن، وَالَّذِي تَذْكُرُه بِه نَكْبَتُه الْجَدِيدَة فِي أَخِيْه الْأَصْغَر فَتَغْلِبْه عَلَى صَبْرِه الْجَمِيْل. أَسْلَمَه الْبُكَاء الْطَّوِيِل إِلَى فَقَد بَصَرَه.. أَو مَا يُشْبِه فَقَد بَصَرَه. فَصَارَت أَمَام عَيْنَيْه غِشَاوَة بِسَبَب الْبُكَاء لَا يُمْكِن أَن يُرَى بِسَبَبِهَا. وَالكَظِيم هُو الْحَزِيِن الَّذِي لَا يَظْهَر حُزْنِه.

وَلَم يَكُن يَعْقُوْب -عَلَيْه الْسَّلَام- يَبْكِي أَمَام أَحَد.. كَان بُكَاؤُه شَكْوَى إِلَى الْلَّه لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا الْلَّه. ثُم لَاحِظ أَبْنَاؤُه أَنَّه لَم يُعِد يُبْصِر وَرَجَّحُوْا أَنَّه يَبْكِي عَلَى يُوَسُف، وَهَاجُمُوه فِي مَشَاعِرَه الْإِنْسَانِيَّة كَأَب.. حَذَّرُوْه بِأَنَّه سَيُهْلِك نَفْسِه:
قَالُوَا تَالْلَّه تَفْتَأ تَذْكُر يُوَسُف حَتَّى تَكُوْن حَرَضا أَو تَكُوْن مِن الْهَالِكِيْن (85) قَال إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الْلَّه وَأَعْلَم مِن الْلَّه مَا لَا تَعْلَمُوْن (86) (يُوَسُف)

رَدَّهُم جَوَاب يَعْقُوْب إِلَى حَقِيْقَة بُكَائِه.. إِنَّه يَشْكُو هَمُّه إِلَى الْلَّه.. وَيَعْلَم مَن الَلّه مَا لَا يَعْلَمُوْن.. فلْيُتَرَكُوه فِي بُكَائِه وَلِيُصَرَفُوا هَمُّهُم لِشَيْء أَجْدَى عَلَيْهِم (يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوَسُف وَأَخِيْه وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْح الْلَّه إِنَّه لَا يَيْأَس مِن رَّوْح الْلَّه إِلَا الْقَوْم الْكَافِرُوْن) إِنَّه يُكْشَف لَهُم فِي عُمْق أَحْزَانَه عَن أَمَلِه فِي رُوْح الْلَّه.. إِنَّه يُشْعِر بِأَن يُوَسُف لَم يَمُت كَمَا أَنَبئُوه.. لَم يَزَل حَيا، فَلْيَذْهَب الْإِخْوَة بَحْثَا عَنْه.. وَلْيَكُن دَلِيْلُهُم فِي الْبَحْث، هَذَا الْأَمَل الْعَمِيق فِي الْلَّه.

الْمَشْهَد الْسَّابِع:

تَحَرَّكَت الْقَافِلَة فِي طَرِيْقِهَا إِلَى مِصْر.. إِخْوَة يُوَسُف فِي طَرِيْقِهِم إِلَى الْعَزِيْز.. تَدَهْوُر حَالِهِم الاقْتِصَادِي وَحَالُهُم الْنَّفْسِي.. إِن فَقْرُهُم وَحُزْن أَبِيْهِم وَمُحَاصَرَة الْمَتَاعِب لَهُم، قَد هَدَّت قُوَاهُم تَمَامَا.. هَا هُم أُوْلَاء يَدْخُلُوْن عَلَى يُوَسُف..

مَعَهُم بِضَاعَة رَدِيْئَة.. جَاءُوَا بِثَمَن لَا يُتِيْح لَهُم شِرَاء شَيْء ذِي بَال.. وَعِنْدَمَا دَّخَلُوا عَلَى يُوَسُف - عَلَيْه الْسَّلَام- رَجَوْه أَن يَتَصَدَّق عَلَيْهِم (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْه قَالُوْا يَا أَيُّهَا الْعَزِيْز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الْضُّر وَجِئْنَا بِبِضَاعَة مُّزْجَاة فَأَوْف لَنَا الْكَيْل وَتَصَدَّق عَلَيْنَآ إِن الْلَّه يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِيْن)

انْتَهَى الْأَمْر بِهِم إِلَى الْتَّسَوُّل.. إِنَّهُم يَسْأَلُوْنَه أَن يَتَصَدَّق عَلَيْهِم.. وَيَسْتَمِيْلُوْن قَلْبِه، بِتَذْكِيْرِه أَن الْلَّه يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِيْن.
عِنْدَئِذ.. وَسَط هَوَانِهِم وَانْحِدَار حَالِهِم.. حَدَّثَهُم يُوَسُف بِلُغَتِهِم، بِغَيْر وَاسِطَة وَلَا مُتَرْجِم:
قَال هَل عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوْسُف وَأَخِيْه إِذ أَنْتُم جَاهِلُوْن (89) قَالُوْا أَإِنَّك لَأَنْت يُوْسُف قَال أَنَا يُوْسُف وَهـذَا أَخِي قَد مَن الْلَّه عَلَيْنَا إِنَّه مَن يَتَّق وَيِصْبِر فَإِن الْلَّه لَا يُضِيْع أَجْر الْمُحْسِنِيْن (90) قَالُوْا تَالِلَّه لَقَد آَثَرَك الْلَّه عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِيْن (91) (يُوَسُف)

يَكَاد الْحِوَار يَتَحَرَّك بِأَدَق تَعْبِيْر عَن مَشَاعِرُهُم الْدَّاخِلِيَّة.. فَاجَأَهُم عَزِيْز مِصْر بِسُؤَالِهِم عَمَّا فَعَلُوْه بِيُوْسُف.. كَان يَتَحَدَّث بِلُغَتِهِم فَأَدْرَكُوَا أَنَّه يُوْسُف.. وَرَاح الْحِوَار يَمْضِي فَيَكْشِف لَهُم خَطِيْئَتِهِم مَعَه.. لَقَد كَادُوْا لَه وَالْلَّه غَالِب عَلَى أَمْرِه

مَرَّت الْسَّنَوَات، وَذَهَب كَيْدُهُم لَه.. وَنُفِّذ تَدْبِيْر الْلَّه الْمُحْكَم الَّذِي يَقَع بِأَعْجَب الْأَسْبَاب.. كَان إِلْقَاؤُه فِي الْبِئْر هُو بِدَايَة صُعُوْدِه إِلَى الْسُّلْطَة وَالْحُكْم.. وَكَان إِبْعَادُهُم لَه عَن أَبِيْه سَبَبا فِي زِيَادَة حَب يَعْقُوْب لَه. وَهَا هُو ذَا يَمْلِك رِقَابِهِم وَحَيَاتُهُم، وَهُم يَقِفُوْن فِي مَوْقِف اسْتِجْدَاء عِطْفِه.. إِنَّهُم يَخْتِمُون حِوَارِهِم مَعَه بِقَوْلِهِم (قَالُوْا تَالِلَّه لَقَد آَثَرَك الْلَّه عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِيْن)

إِن رُوْح الْكَلِمَات وَاعْتِرَافِهُم بِالْخَطَأ يْشْيان بِخَوْف مُبْهَم غَامِض يَجْتَاح نُفُوْسِهِم.. وَلَعَلَّهُم فَكِّرُوا فِي انْتِقَامَه مِنْهُم وَارْتَعَدَت فَرَائِصُهُم.. وَلَعَل يُوَسُف أَحَس ذَلِك مِنْهُم فَطَمْأَنَهُم بِقَوْلِه (قَال لَا تَثْرَيب عَلَيْكُم الْيَوْم يَغْفِر الْلَّه لَكُم وَهُو أَرْحَم الْرَّاحِمِيْن) لَا مُؤَاخَذَة، وَلَا لَوْم، انْتَهَى الْأَمْر مِن نَفْسِي وَذَابَت جُذُوْرَه.. لَم يَقُل لَهُم إِنَّنِي أَسَامُحُكُم أَو أَغْفِر لَكُم، إِنَّمَا دَعَا الْلَّه أَن يَغْفِر لَهُم، وَهَذَا يَتَضَمَّن أَنَّه عَفَا عَنْهُم وَتَجَاوَز عَفْوِه، وَمَضَى بَعْد ذَلِك خُطُوَات.. دَعَا الْلَّه أَن يَغْفِر لَهُم.. وَهُو نَبِي وَدَعَوْتُه مُسْتَجَابَة.. وَذَلِك تُسَامِح نَرَاه آَيَة الْآَيَات فِي الْتَسَامُح.

هَا هُو ذَا يُوَسُف يُنْهِي حُوّارَه مَعَهُم بِنَقَلَة مُفَاجِئَة لِأَبِيْه.. يَعْلَم أَن أَبَاه قَد ابْيَضَّت عَيْنَاه مِن الْحُزْن عَلَيْه.. يَعْلَم أَنَّه لَم يُعِد يُبْصِر.. لَم يَدْر الْحِوَار حَوْل أَبِيْه لَكِنَّه يَعْلَم.. يُحِس قَلْبِه.. خَلَع يُوَسُف قَمِيْصَه وَأَعْطَاه لَهُم (اذْهَبُوا بِقَمِيْصِي هـذَا فَأَلْقُوه عَلَى وَجْه أَبِي يَأْت بَصِيْرا وَأْتُوْنِي بِأَهْلِكُم أَجْمَعِيْن). وَعَادَت الْقَافِلَة إِلَى فِلَسْطِيْن.

الْمَشْهَد الْثَّامِن:

مَا أَنْت خَرَجْت الْقَافِلَة مِن مِصْر، حَتَّى قَال يَعْقُوْب -عَلَيْه الْسَّلَام- لِمَن حَوْلَه فِي فِلِسْطِيْن: إِنِّي أَشَم رَائِحَة يُوَسُف، لَّوْلَا أَنَّكُم تَقُوْلُوْن فِي أَنْفُسِكُم أَنَّنِي شَيْخ خَرِف لَصَدَّقْتُم مَا أَقُوْل. فَرْد عَلَيْه مِن حَوْلِه.

لَكِن الْمُفَاجَأَة الْبَعِيْدَة تَقَع. وَصَلَت الْقَافِلَة، وَأَلْقَى الْبَشِيْر قَمِيْض يُوَسُف عَلَى وَجْه يَعْقُوب -عَلَيْهِمَا الْسَّلام- فَارْتَد بَصَرِه. هُنَا يُذْكَر يَعْقُوْب حَقِيْقَة مَا يَعْلَمُه مَن رَبِّه (قَال أَلَم أَقُل لَّكُم إِنِّي أَعْلَم مِن الْلَّه مَا لَا تَعْلَمُوْن).

فْاعَعْتَرّف الْأُخُوَّة بِخَطَئِهِم، وَطَلَبُوا مِن أَبَاهُم الاسْتِغْفَار لَهُم، فَهُو نَبِي وَدُعَاءَه مُسْتَجَاب. إِلَا أَن يَعْقُوْب عَلَيْه الْسَّلَام (قَال سَوْف أَسْتَغْفِر لَكُم رَبِّي إِنَّه هُو الْغَفُوْر الْرَّحِيْم) وَنُلَمِح هُنَا أَن فِي قَلْب يَعْقُوْب شَيْئا مِن بَنِيْه، وَأَنَّه لَم يَصْف لَهُم بَعْد، وَإِن كَان يَعِدُهُم بِاسْتِغْفَار الْلَّه لَهُم بَعْد أَن يَصْفُو وَيَسْكُن وَيَسْتَرِيْح.

هَا هُو الْمَشْهَد الْأَخِير فِي قِصَّة يُوَسُف:

بَدَأَت قِصَّتِه بِرُؤْيَا.. وَهَا هُو ذَا الْخِتَام، تَأْوِيْل رُؤْيَاه: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوَسُف آَوَى إِلَيْه أَبَوَيْه وَقَال ادْخُلُوَا مِصْر إِن شَاء الْلَّه آمِنِيْن (99) وَرَفَع أَبَوَيْه عَلَى الْعَرْش وَخَرُّوا لَه سُجَّدا وَقَال يَا أَبَت هـذَا تَأْوِيْل رُؤْيَاي مِن قَبْل قَد جَعَلَهَا رَبِّي حَقا وَقَد أَحْسَن بَي إِذ أَخْرَجَنِي مِن الْسِّجْن وَجَاء بِكُم مِّن الْبَدْو مِن بَعْد أَن نَّزَغ الْشَّيْطَان بَيْنِي وَبَيْن إِخْوَتِي إِن رَبِّي لَطِيْف لِّمَا يَشَاء إِنَّه هُو الْعَلِيْم الْحَكِيْم (100) (يُوَسُف)

تَأَمَّل الْآَن مَشَاعِرَه وَرُؤْيَاه تَتَحَقَّق..

إِنَّه يَدْعُو رَبَّه (رَب قَد آَتَيْتَنِي مِن الْمُلْك وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيْل الْأَحَادِيْث فَاطِر الْسَّمَاوَات وَالْأَرْض أَنْت وَلِيِّي فِي الْدُّنُيَا وَالآَخِرَة تَوَفَّنِي مُسْلِما وَأَلْحِقْنِي بِالْصَّالِحِيْن).



يُوَسُف عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
يُوَسُف عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: قـصــص الأنـبـيـــــاء-
انتقل الى: