أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: انْبِيَاء اهْل الْقَرْيَة السبت 09 أكتوبر 2010, 3:11 pm | |
| انْبِيَاء اهْل الْقَرْيَة
نُبْذَة:
أَرْسَل الْلَّه رَسُوْلَيْن لَّإِحْدَى الْقُرَى لَكِن أَهْلَا كَذَّبُوهُما، فَأَرْسَل الْلَّه تَعَالَى رَسُوْلَا ثَالِثا يُصَدِّقَهُمَا. وَلَا يَذْكُر وَيُذَكِّر لَنَا الْقُرْآَن الْكَرِيْم قِصَّة رَجُل آَمَن بِهِم وَدَعَى قَوْمِه لِلْإِيْمَان بِمَا جَاؤُوْا بِهِن لَكِنَّهُم قَتَلُوْه، فَأَدْخَلَه الْلَّه الْجَنَّة.
سِيْرَتِهِم:
يَحْكِي الْحَق تَبَارَك وَتَعَالَى قِصَّة أَنْبِيَاء ثَلَاثَة بِغَيْر أَن يُذْكَر أَسْمَائِهِم. كُل مَا يَذْكُرُه السِّيَاق أَن الْقَوْم كَذَّبُوُا رَسُوْلَيْن فَأَرْسَل الْلَّه ثَالِثا يُعَزْرْهُما. وَلَم يَذْكُر الْقُرْآَن مِن هَم أَصْحَاب الْقَرْيَة وَلَا مَا هِي الْقَرْيَة.
وَقَد اخْتَلَفَت فِيْهَا الرِّوَايَات. وَعَدَم إِفْصَاح الْقُرْآَن عَنْهَا دَلِيْل عَلَى أَن تَحْدِيْد اسْمُهَا أَو مَوْضِعُهَا لَا يَزِيْد شَيْئا فِي دَلَالَة الْقِصَّة وَإِيحَائِهَا. لَكِن الْنَّاس ظَلُّوْا عَلَى إِنْكَارُهُم لِلْرُّسُل وَتَكْذِيْبِهِم، وَقَالُوْا (قَالُوْا مَا أَنْتُم إِلَا بَشَر مِّثْلُنَا وَمَا أَنْزَل الْرَّحْمَن مِن شَيْء إِن أَنْتُم إِلَا تَكْذِبُوْن).
وَهَذَا الِاعْتِرَاض الْمُتَكَرِّر عَلَى بَشَرِيَّة الْرُّسُل تَبْدُو فِيْه سَذَاجَة الْتَّصَوُّر وَالْإِدْرَاك, كَمَا يَبْدُو فِيْه الْجَهْل بِوَظِيفَة الْرَّسُوْل. قَد كَانُوْا يَتَوَقَّعُون دَائِمَا أَن يَكُوْن هُنَاك سَر غَامِض فِي شَخْصِيَّة الْرَّسُوْل وَحَيَاتِه تَكْمُن وَرَاءَه الْأَوْهَام وَالْأَسَاطِيْر..
أَلَيْس رَسُوْل الْسَّمَاء إِلَى الْأَرْض فَكَيْف يَكُوْن شَخْصِيَّة مَكْشُوْفَة بَسِيْطَة لَا أَسْرَار فِيْهَا وَلَا أَلْغَاز حَوْلَهَا ?! شَخْصِيَّة بَشَرِيَّة عَادِيّة مِن الْشَّخْصِيَّات الَّتِي تَمْتَلِىء بِهَا الْأَسْوَاق وَالْبُيُوْت ?!
وَهَذِه هِي سَذَاجَة الْتَّصَوُّر وَالْتَّفْكِيْر. فَالأَسْرَار وَالْأَلْغَاز لَيْسَت صِفَة مُلَازِمَة لِلْنُّبُوَّة وَالْرِّسَالَة. فَالَرِّسَالَة مَنْهَج إِلَهِي تَعِيْشُه الْبَشَرِيَّة. وَحَيَاة الْرَّسُوْل هِي الْنَّمُوْذَج الْوَاقِعِي لِلْحَيَاة وُفِّق ذَلِك الْمَنْهَج الْإِلَهِي.
الْنَّمُوْذَج الَّذِي يَدْعُو قَوْمَه إِلَى الاقْتِدَاء بِه. وَهُم بِشَر. فَلَا بُد أَن يَكُوْن رَسُوْلُهُم مِن الْبَشَر لِيُحَقِّق نَمُوْذَجَا مَن الْحَيَاة يَمْلِكُوْن هُم أَن يُقَلِّدُوه.
وَفِي ثِقَة الْمُطْمَئِن إِلَى صِدْقُه, الْعَارِف بِحُدُود وَظِيْفَتَه أَجَابَهُم الْرُّسُل: إِن الْلَّه يَعْلَم، وَهَذَا يَكْفِي. وَإِن وَظِيْفَة الْرُّسُل الْبَلَاغ. وَقَد أَدَّوْه. وَالْنَّاس بَعْد ذَلِك أَحْرَار فِيْمَا يَتَّخِذُوْن لِأَنْفُسِهِم مِن تَصَرُّف.
وَفِيْمَا يَحْمِلُوْن فِي تَصَرُّفِهِم مِن أَوْزَار. وَالْأَمْر بَيْن الْرُّسُل وَبَيْن الْنَّاس هُو أَمْر ذَلِك الْتَّبْلِيْغ عَن الْلَّه; فَمَتَى تَحَقَّق ذَلِك فَالأَمْر كُلُّه بَعْد ذَلِك إِلَى الْلَّه.
وَلَكِن الْمُكَذِّبِيْن الْضَّالِّيْن لَا يَأْخُذُوْن الْأُمُور هَذَا الْمَأْخَذ الْوَاضِح الْسَّهْل الْيَسِيْر; وَلَا يُطِيْقُوْن وُجُوْد الْدُّعَاة إِلَى الْهُدَى وَيَعْمِدُون إِلَى الْأُسْلُوب الْغَلِيظ الْعَنِيْف فِي مُقَاوَمَة الْحُجَّة لِأَن الْبَاطِل ضَيْق الْصَّدْر.
قَالُوْا: إِنَّنَا نْتَشاءَم مِنْكُم; وَنَتَوَقَّع الْشَّر فِي دَعَوْتُكُم; فَإِن لَم تَنْتَهُوْا عَنْهَا فَإِنَّنَا لَن نَسْكُت عَلَيْكُم, وَلَن نَدَعُكُم فِي دَعَوْتُكُم: (لَنَرْجُمَنَّكُم وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَاب أَلِيْم). هَكَذَا أَسْفَر الْبَاطِل عَن غَشْمُه; وَأَطْلِق عَلَى الْهُدَاة تَهْدِيْدِه; وَبَغَى فِي وَجْه كَلِمَة الْحَق الْهَادِئَة!
وَلَكِن الْوَاجِب الْمُلْقَى عَلَى عَاتِق الْرُّسُل يَقْضِي عَلَيْهِم بِالْمُضِي فِي الْطَّرِيْق: (قَالُوْا طَائِرُكُم مَعَكُم). فَالْقَوْل بِالتَشَاؤُم مِن دَعْوَة أَو مِن وَجَه هُو خُرَافَة مِن خُرَافَات الْجَاهِلِيَّة.
وَالْرُّسُل يُبَيِّنُون لِقَوْمِهِم أَنَّهَا خِرَافَة; وَأَن حَظُّهُم وَنَصِيْبُهُم مِن خَيْر وَمِن شَر لَا يَأْتِيَهِم مِّن خَارِج نُفُوْسِهِم. إِنَّمَا هُو مَعَهُم. مُرْتَبِط بِنَوَايَاهُم وَأَعْمَالَهُم, مُتَوَقِّف عَلَى كَسْبِهِم وَعَمَلِهِم.
وَفِي وَسِعَهُم أَن يَجْعَلُوْا حَظُّهُم وَنَصِيْبُهُم خَيِّرَا أَو أَن يَجْعَلُوْه شَرّا. فَإِن إِرَادَة الْلَّه بِالْعَبْد تَنْفَذ مِن خِلَال نَفْسِه, وَمِن خِلَال اتِّجَاهِه, وَمِن خِلَال عَمَلِه. وَهُو يَحْمِل طَائِرَه مَعَه. هَذِه هِي الْحَقِيقَة الثَّابِتَة الْقَائِمَة عَلَى أَسَاس صَحِيْح. أَمَّا الْتَّشَاؤُم بِالْأَمْكِنَة أَو الْتَّشَاؤُم بِالْوُجُوْه أَو الْتَّشَاؤُم بِالْكَلِمَات، فَهُو خِرَافَة لَا تَسْتَقِيْم عَلَى أَصْل!
وَقَالُوْا لَهُم: (أَئِن ذُكِّرْتُم) أُتَرْجُمُونَنا وَتُعَذِّبُونَنا لِأَنَّنَا نُذَكّرَكُم! أَفَهَذَا جَزَاء التَّذْكِيْر? (بَل أَنْتُم قَوْم مُّسْرِفُوْن) تَتَجَاوَزُوْن الْحُدُوْد فِي الْتَّفْكِيْر وَالْتَّقْدِيْر; وَتُجَازَوْن عَلَى الْمَوْعِظَة بِالْتَّهْدِيْد وَالْوَعِيْد; وَتَرُدُّون عَلَى الْدَّعْوَة بِالْرَّجْم وَالتَّعْذِيْب!
مَا كَان مِن الْرَّجُل الْمُؤْمِن:
لَا يَقُوْل لَنَا السِّيَاق مَاذَا كَان مِن أَمْر هَؤُلَاء الْأَنْبِيَاء، إِنَّمَا يُذَكَّر مَا كَان مِن أَمْر إِنْسَان آَمَن بِهِم. آَمَن بِهِم وَحْدَه.. وَوَقَف بِإِيْمَانِه أَقَلِّيَّة ضَعِيْفَة ضِد أَغْلَبِيَّة كَافِرَة.
إِنْسَان جَاء مِن أَقْصَى الْمَدِيْنَة يَسْعَى. جَاء وَقَد تُفْتَح قَلْبِه لِدَعْوَة الْحَق.. فَهَذَا رَجُل سَمِع الْدَّعْوَة فَاسْتَجَاب لَهَا بَعْد مَا رَأَى فِيْهَا مِن دَلَائِل الْحَق وَالْمَنْطِق.
وَحِيْنَمَا اسْتَشْعَر قَلْبِه حَقِيْقَة الْإِيْمَان تَحَرَّكَت هَذِه الْحَقِيْقَة فِي ضَمِيْرِه فَلَم يُطِق عَلَيْهَا سُكُوْتِا; وَلَم يَقْبَع فِي دَارِه بِعَقِيْدَتِه وَهُو يَرَى الْضَّلال مِن حَوْلَه وَالْجُحُوْد وَالْفُجُور; وَلَكِنَّه سَعَى بِالْحَق الَّذِي آَمَن بِه.
سَعَى بِه إِلَى قَوْمِه وَهُم يُكَذِّبُوْن وَيَجْحَدُوْن وَيَتَوَعَّدُون وَيُهَدَّدُون. وَجَاء مِن أَقْصَى الْمَدِيْنَة يَسْعَى لِيَقُوْم بِوَاجِبِه فِي دَعْوَة قَوْمِه إِلَى الْحَق, وَفِي كَفَهِم عَن الْبَغْي, وَفِي مُقَاوِمَة اعْتِدَائِهُم الْأَثِيم الَّذِي يُوْشِكُوْن أَن يَصَبُوه عَلَى الْمُرْسَلِيْن.
وَيَبْدُو أَن الْرَّجُل لَم يَكُن ذَا جَاه وَلَا سُلْطَان. وَلَم تَكُن لَه عَشِيْرَة تُدَافِع عَنْه إِن وَقَع لَه أَذَى. وَلَكِنَّهَا الْعَقِيْدَة الْحَيَّة فِي ضَمِيْرِه تَدْفَعُه وَتَجِيْء بِه مِن أَقْصَى الْمَدِيْنَة إِلَى أَقْصَاهَا.
فَقَال لَهُم: اتَّبِعُوْا هَؤُلَاء الْرُسُل، فَإِن الَّذِي يَدْعُو مِثْل هَذِه الْدَّعْوَة, وَهُو لَا يَطْلُب أَجْرَا, وَلَا يَبْتَغِي مَغْنَمَا. إِنَّه لَصَادِق. وَإِلّا فَمَا الَّذِي يَحْمِلُه عَلَى هَذَا الْعَنَاء إِن لَم يَكُن يُلَبِّي تَكْلِيْفَا مِن الْلَّه? مَا الَّذِي يَدْفَعُه إِلَى حَمْل هُم الْدَّعْوَة? وَمُجَابَهَة الْنَّاس بِغَيْر مَا أَلِفُوْا مِن الْعَقِيدَة?
وَالْتَّعَرُّض لِأَذَاهُم وَشَرَّهُم وَاسْتِهْزَائِهِم وَتَنَكَيلَهُم, وَهُو لَا يَجْنِي مِن ذَلِك كَسْبَا, وَلَا يَطْلُب مِنْهُم أَجْرَا? وَهَدَاهُم وَاضِح فِي طَبِيْعَة دَعَوْتُهُم. فَهُم يَدَعُوْن إِلَى إِلَه وَاحِد. وَيُدْعَوْن إِلَى نَهْج وَاضِح. وَيُدْعَوْن إِلَى عَقِيْدَة لَا خِرَافَة فِيْهَا وَلَا غُمُوْض.
فَهُم مُهْتَدُوْن إِلَى نَهْج سَلِيْم, وَإِلَى طَرِيْق مُّسْتَقِيْم. ثُم عَاد يَتَحْدُث إِلَيْهِم عَن نَّفْسِه هُو وَعَن أَسْبَاب إِيْمَانِه, وَيُنَاشِد فِيْهِم الْفِطْرَة الَّتِي اسْتَيْقَظْت فِيْه فَاقْتَنَعْت بِالْبُرْهَان الْفُطْرِي السَّلِيْم.
فَلَقَد تُسَائِل مَع نَفْسِه قَبْل إِئْمَانَه، لِمَاذَا لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي؟ وَالَّذِي إِلَيْه الْمَرْجِع وَالْمَصِيْر? وَمَا الَّذِي يَحِيْد بِي عَن هَذَا الْنَّهْج الْطَّبِيْعِي الَّذِي يَخْطِر عَلَى الْنَّفْس أُوُل مَا يَخْطُر? إِن الْفِطْر مَجْذُوْبَة إِلَى الَّذِي فَطَرَهَا, تَتَّجِه إِلَيْه أَوَّل مَا تَتَّجِه, فَلَا تَنْحَرِف عَنْه إِلَّا بِدَافِع آَخَر خَارِج عَلَى فِطْرَتِهَا.
وَالتَّوَجُّه إِلَى الْخَالِق هُو الْأَوْلَى. ثُم يُبَيِّن ضَلَال الْمَنْهَج الْمُعَاكِس. مُهَج مَن يَعْبُد آَلِهَة غَيْر الْرَّحْمَن لَا تَضُر وَلَا تَنْفَع. وَهَل أَضَل مِمَّن يَدَع مَنْطِق الْفِطْرَة الَّذِي يَدْعُو الْمَخْلُوْق إِلَى عِبَادَة خَالِقِه, وَيَنْحَرِف إِلَى عِبَادَة غَيْر الْخَالِق بِدُوْن ضَرُوْرَة وَلَا دَافِع?
وَهَل أَضَل مِمَّن يَنْحَرِف عَن الْخَالِق إِلَى آَلِهَة ضِعَاف لَا يَحْمُوْنَه وَلَا يَدْفَعُوْن عَنْه الْضُّر حِيْن يُرِيْد بِه خَالِقُه الْضُّر بِسَبَب انْحِرَافِه وَضَلَالِه? وَالْآن وَقَد تُحُدِّث الْرَّجُل بِلِسَان الْفِطْرَة الْصَّادِقَة الْعَارِفَة الْوَاضِحَة يُقَرِّر قَرَارُه الْأَخِير فِي وَجْه قَوْمِه الْمُكَذِّبِيْن الْمُهَدَّدِين الْمُتَوَعِّدِين.
لِأَن صَوْت الْفِطْرَة فِي قَلْبِه أَقْوَى مِن كُل تَهْدِيْد وَمِن كُل تَكْذِيْب: (إِنِّي آَمَنْت بِرَبِّكُم فَاسْمَعُوْن) هَكَذَا أَلْقَى بِكَلِمَة الْإِيْمَان الْوَاثِقَة الْمُطْمَئِنَّة. وَأَشْهَدَهُم عَلَيْهَا. وَهُو يُوْحِي إِلَيْهِم أَن يَقُوْلُوْهَا كَمَا قَالَهَا. أَو أَنَّه لَا يُبَالِي بِهِم مَاذَا يَقُوْلُوْن!
اسْتِشْهَاد الْرَّجُل وَدُخُوْلِه الْجَنَّة:
وَيُوَحِّي سِيَاق الْقِصَّة بَعْد ذَلِك الْقَوْم الْكَافِرِيْن قَتَلُوَا الْرَّجُل الْمُؤْمِن. وَإِن كَان لَا يَذْكُر شَيْئا مِن هَذَا صَرَاحَة. إِنَّمَا يُسْدِل الْسِّتَار عَلَى الْدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا, وَعَلَى الْقَوْم وَمَا هُم فِيْه; وَيَرْفَعُه لِنَرَى هَذَا الْشَّهِيْد الَّذِي جَهَر بِكَلِمَة الْحَق, مُتَّبِعا صَوْت الْفِطْرَة, وَقَذَف بِهَا فِي وُجُوْه مَن يَمْلِكُوْن الْتَّهْدِيْد وَالْتَّنْكِيْل.
نَرَاه فِي الْعَالَم الْآَخِر. وَنَطَّلِع عَلَى مَا ادَّخَر الْلَّه لَه مِن كَرَامَة. تَلِيْق بِمَقَام الْمُؤْمِن الْشُّجَاع الْمُخَلِّص الْشَّهِيْد: (قِيَل ادْخُل الْجَنَّة قَال يَا لَيْت قَوْمِي يَعْلَمُوْن .. بِمَا غَفَر لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِن الْمُكْرَمِيْن).
وَتَتَّصِل الْحَيَاة الْدُّنْيَا بِالْحَيَاة الْآَخِرَة. وَنَرَى الْمَوْت نَقْلَة مِن عَالَم الْفَنَاء إِلَى عَالِم الْبَقَاء. وَخَطْوَة يُخَلِّص بِهَا الْمُؤْمِن مِن ضِيْق الْأَرْض إِلَى سَعَة الْجَنَّة. وَمَن تَطَاوَل الْبَاطِل إِلَى طُمَأْنِيْنَة الْحَق. وَمَن تَهْدِيْد الْبَغْي إِلَى سَلَام الْنَّعِيم. وَمِن ظُلُمَات الْجَاهِلِيَّة إِلَى نُوْر الْيَقِيْن.
وَنَرَى الْرَّجُل الْمُؤْمِن. وَقَد اطَّلَع عَلَى مَا آَتَاه الْلَّه فِي الْجَنَّة مِن الْمَغْفِرَة وَالْكَرَامَة, يُذْكَر قَوْمِه طَيِّب الْقَلْب رَضِي الْنَّفْس, يَتَمَنَّى لَو يَرَاه قَوْمِه وَيَرَوْن مَا آَتَاه رَبَّه مَن الْرِّضَى وَالْكَرَامَة, لِيَعْرِفُوْا الْحَق, مَعْرِفَة الْيَقِيْن.
إِهْلَاك أَصْحَاب الْقَرْيَة بِالْصَّيْحَة:
هَذَا كَان جَزَاء الْإِيْمَان. فَأَمَّا الطُّغْيَان فَكَان أَهْوَن عَلَى الْلَّه مِن أَن يُرْسَل عَلَيْه الْمَلَائِكَة لتُدَمْرِه. فَهُو ضَعِيْف ضَعِيْف: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِه مِن بَعْدِه مِن جُنْد مِّن الْسَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنْزِلِيْن .. إِن كَانَت إِلَا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذَا هُم خَامِدُون).
لَا يُطِيْل هُنَا فِي وَصْف مَصْرَع الْقَوْم, تَهْوِيَنَّا لِشَأْنِهِم, وَتَصْغِيرَا لِقَدْرِهِم. فَمَا كَانَت إِلَا صَيْحَة وَاحِدَة أُخْمِدَت أَنْفَاسِهِم. وَيُسْدَل السِّتَار عَلَى مَشْهَدَهُم الْبَائِس الْمُهِيْن الْذَّلِيْل!
تَجَاوَز السِّيَاق أَسْمَاء الْأَنْبِيَاء وَقَصَصَهُم لِيُبْرِز قِصَّة رَجُل آَمَن.. لَم يُذْكَر لَنَا السِّيَاق اسْمُه. اسْمُه لَا يُهِم.. الْمُهِم مَا وَقَع لَه.. لَقَد آَمَن بِأَنْبِيَاء الْلَّه.. قِيَل لَه ادْخُل الْجَنَّة. لِيَكُن مَا كَان مِن أَمْر تَعْذِيْبُه وَقَتَلَه. لَيْس هَذَا فِي الْحِسَاب الْنِّهَائِي شَيْئا لَه قِيْمَتَه. تَكْمُن الْقَيِّمَة فِي دُخُوْلِه فَوْر إِعْلانُه أَنَّه آَمَن. فَوْر قَتَلَه.
|
|