منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم: Empty
مُساهمةموضوع: ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم:   ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم: Emptyالسبت 09 أكتوبر 2010, 8:14 am


بِسْمِ الْلَّهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ

ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم:

الْجُزْءُ الْأَوَّلُ

نُبْذَةً:

هُوَ خَلِيْلُ الْلَّهِ، اصْطَفَاهُ الْلَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَفَضَّلَهُ عَلَىَ كَثِيْرٍ مِنْ خَلْقِهِ، كَانَ إِبْرَاهِيْمُ يَعِيْشُ فِيْ قَوْمٍ يَعْبُدُوْنَ الْكَوَاكِبَ، فَلَمْ يَكُنْ يُرْضِيْهِ ذَلِكَ، وَأحَسَّ بِفِطْرَتِهِ أَنَّ هُنَاكَ إِلَهاً أَعْظَمَ حَتَّىَ هَدَاهُ الْلَّهُ وَاصْطَفَاهُ بِرِسَالَتِهِ، وَأَخَذَ إِبْرَاهِيْمُ يَدْعُوَ قَوْمَهَ لِوَحْدَانِيَّةِ الْلَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَلَكِنَّهُمْ كَذَّبُوْهُ وَحَاوَلُوْا إِحْرَاقَهُ فَأَنْجَاهُ الْلَّهُ مِنَ بَيْنَ أَيْدِيَهِمْ، جَعَلَ الْلَّهُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيْمَ فَوُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيْلُ وَإِسْحَاقُ، قَامَ إِبْرَاهِيْمُ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ مَعَ إِسْمَاعِيْلَ.

سِيْرَتِهِ:

مَنْزِلَةِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ:

هُوَ أَحَدُ أُوْلِيْ الْعَزْمِ الْخَمْسَةُ الْكِبَارِ الَّذِيْنَ اخَذَ الْلَّهُ مِنْهُمْ مِّيْثَاقا غَلِيْظا، وَهُمْ: نُوَحُ وَإِبْرَاهِيْمَ وَمُوَسَى وَعِيْسَىْ وَمُحَمَّدٌ.. بِتَرْتِيْبِ بَعَثَهُمْ.

وَهُوَ الْنَّبِيُّ الَّذِيْ ابْتَلَاهُ الْلَّهُ بِبَلَاءٍ مُّبِيْنٌ. بَلَاءً فَوْقَ قُدْرَةِ الْبَشَرِ وَطَاقَةِ الْأَعْصَابِ. وَرَغْمَ حِدَةٍ الْشِّدَّةِ، وَعَنَتِ الْبَلَاءِ.. كَانَ إِبْرَاهِيْمُ هُوَ الْعَبْدُ الَّذِيْ وَفَّىَ. وَزَادَ عَلَىَ الْوَفَاءِ بِالْإِحْسَانِ.

وَقَدْ كُرِّمَ الْلَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ إِبْرَاهِيْمَ تَكْرِيمَا خَاصَّا، فَجَعَلَ مِلَّتِهِ هِيَ الْتَّوْحِيْدُ الْخَالِصُ النَّقِيُّ مِنْ الْشَّوَائِبِ. وَجَعَلَ الْعَقَلْ فِيْ جَانِبِ الَّذِيْنَ يَتَّبِعُوْنَ دِيْنِهِ.

وَكَانَ مِنْ فَضْلِ الْلَّهِ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ أَنْ جَعَلَهُ الْلَّهُ إِمَاما لِلْنَّاسِ. وَجَعَلَ فِيْ ذُرِّيَّتِهِ الْنُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ. فَكُلُّ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِ إِبْرَاهِيْمَ هُمْ مِنْ نَسْلِهِ فَهُمْ أَوْلَادِهِ وَأَحْفَادِهِ.

حَتَّىَ إِذَا جَاءَ آَخَرُ الْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ تَحْقِيْقا وَاسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيْمَ الَّتِيْ دَعَا الْلَّهَ فِيْهَا أَنْ يَبْعَثَ فِيْ الْأُمِّيِّينَ رَسُوْلا مِّنْهُمْ.

وَلَوْ مَضَيْنَا نَبْحَثُ فِيْ فَضْلِ إِبْرَاهِيْمَ وَتَكْرِيمٌ الْلَّهُ لَهُ فَسَوْفَ نَمْتَلِئ بِالْدَّهْشَةِ. نَحْنُ أَمَامَ بَشِّرِ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ. إِنْسَانٍ لَمْ يَكَدْ الْلَّهِ يَقُوْلُ لَهُ أَسْلِمْ حَتَّىَ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِيْنَ.

نَبِيٍّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّانَا الْمُسْلِمِيْنَ. نَبِيَّ كَانَ جَدّا وَأَبَا لِكُلِّ أَنْبِيَاءَ الْلَّهِ الَّذِيْنَ جَاءُوَا بَعْدَهُ. نَبِيٍّ هَادِئٌ مُتَسَامِحٌ حَلِيْمٌ أَوَّاهٌ مُنِيْبٌ.

يُذْكَرُ لَنَا رَبَّنَا ذُوْ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَمْرا آَخَرَ أَفْضَلَ مِنْ كُلِّ مَا سَبَقَ. فَيَقُوْلُ الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيْ مُحْكَمِ آَيَاتِهِ: (وَاتَّخَذَ الْلَّهُ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلَا) لَمْ يُرِدِ فِيْ كِتَابِ الْلَّهِ ذَكَرَ لِنَبِيٍّ، اتَّخَذَهُ الْلَّهُ خَلِيْلا غَيْرَ إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْخُلَّةُ هِيَ شِدَّةُ الْمَحَبَّةِ. وَبِذَلِكَ تَعْنِيْ الْآَيَةَ: وَاتَّخَذَ الْلَّهُ إِبْرَاهِيْمَ حَبِيْبَا. فَوْقَ هَذِهِ الْقِمَّةِ الْشَّامِخَةِ يَجْلِسُ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ.

إِنَّ مُنْتَهَىَ أَمَلِ الْسَّالِكِيْنَ، وَغَايَةُ هَدَفٍ الْمُحَقِّقِيْنَ وَالْعَارِفِيْنَ بِالْلَّهِ.. أَنَّ يُحِبُّوْا الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. أَمَّا أَنَّ يَحْلُمُ أَحَدُهُمَ أَنْ يُحِبَّهُ الْلَّهُ، أَنَّ يُفْرِدْهُ بِالْحُبِّ، أَنْ يَخْتَصَّهُ بِالْخُلَّةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْمَحَبَّةِ.. فَذَلِكَ شَيْءٌ وَرَاءَ آَفَاقِ الْتَّصَوُّرِ. كَانَ إِبْرَاهِيْمُ هُوَ هَذَا الْعَبْدُ الْرَّبَّانِيُّ الَّذِيْ اسْتَحَقَّ أَنْ يَتّخِذَهُ الْلَّهِ خَلِيْلَا.

حَالٍ الْمُشْرِكِيْنَ قَبْلَ بَعْثَةِ إِبْرَاهِيْمَ:

لَا يَتَحَدَّثُ الْقُرْآنُ عَنْ مِيْلَادُهُ أَوْ طُفُوْلَتِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ عَصْرِهِ صَرَاحَةً، وَلَكِنَّهُ يَرْسُمُ صُوْرَةٌ لِجَوِّ الْحَيَاةِ فِيْ أَيَّامِهِ، فَتَدُبُّ الْحَيَاةِ فِيْ عَصْرِهِ، وَتَرَىَ الْنَّاسَ قَدِ انْقَسَمُوا ثَلَاثَ فِئَاتُ:

فِئَةٍ تَعْبُدِ الْأَصْنَامَ وَالْتَّمَاثِيْلِ الْخَشَبِيَّةِ وَالْحَجَرِيَّةِ.
وَفِئَةٌ تَعْبُدُ الْكَوْاكِبَ وَالْنُّجُوْمُ وَالْشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.
وَفِئَةٌ تَعْبُدُ الْمُلُوْكِ وَالْحُكَّامِ.

نَشْأَةً إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ:

وَفِيْ هَذَا الْجَوِّ وَلَدٍ إِبْرَاهِيْمَ. وُلِدَ فِيْ أُسْرَةٍ مِنْ أَسْرِ ذَلِكَ الْزَّمَانِ الْبَعِيدْ. لَمْ يَكُنْ رَبٌّ الْأَسِرَّةِ كَافِرْا عَادِيَّا مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، كَانَ كَافِرْا مُتَمَيِّزَا يَصْنَعُ بِيَدَيْهِ تَمَاثِيْلَ الْآَلِهَةَ. وَقِيْلَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَرَبَّاهُ عَمُّهُ، وَكَانَ لَهُ بِمَثَابَةِ الْأَبِ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ يَدْعُوَهُ بِلَفْظِ الْأُبُوَّةِ، وَقِيْلَ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَمُتْ وَكَانَ آَزَرُ هُوَ وَالِدُهْ حَقّا، وَقِيْلَ أَنْ آَزَرَ اسْمُ صَنَمٌ اشْتُهِرَ أَبُوْهُ بِصِنَاعَتِهِ.. وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ فَقَدْ وُلِدَ إِبْرَاهِيْمُ فِيْ هَذِهِ الْأُسْرَةِ.

رَبُّ الْأَسِرَّةِ أَعْظَمُ نَحَّاتٍ يَصْنَعُ تَمَاثِيْلَ الْآَلِهَةَ. وَمِهْنَةً الْأَبِ تُضْفِيْ عَلَيْهِ قَدْاسةُ خَاصَّةً فِيْ قَوْمِهِ، وَتَجْعَلُ لِأُسْرَتِهِ كُلَّهَا مَكَانْا مُمْتَازَا فِيْ الْمُجْتَمَعِ.
هِيَ أَسِرَّةِ مَرْمُوْقَةٍ، أَسِرَّةِ مِنَ الْصَّفْوَةِ الْحَاكِمَةِ.

مِنْ هَذِهِ الْأُسْرَةِ الْمُقَدَّسَةَ، وُلِدَ طِفْلٌ قِدِّرَ لَهُ أَنْ يَقِفَ ضِدَّ أُسْرَتِهِ وَضِدُّ نِظَامَ مُجْتَمَعِهِ وَضِدُّ أَوْهَامُ قَوْمِهِ وَضِدُّ ظُنُوْنُ الْكَهَنَةِ وَضِدُّ الْعُرُوشِ الْقَائِمَةِ وَضِدُّ عَبْدَةُ الْنُّجُوْمِ وَالْكَوْاكِبِ وَضِدُّ كُلِّ أَنْوَاعِ الْشِّرْكِ بِاخْتِصَارٍ.

مَرَّتْ الْأَيَّامِ.. وَكَبَّرَ إِبْرَاهِيْمُ.. وَكَانَ قَلْبَهُ يَمْتَلأ مِنْ طُفُوْلَتِهِ بِكَرَاهيَّةٍ صَادِقَةٍ لِهَذِهِ الْتَّمَاثِيْلُ الَّتِيْ يَصْنَعُهَا وَالِدِهِ. لَمْ يَكُنْ يَفْهَمُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِإِنْسَانٍ عَاقِلٍ أَنْ يَصْنَعَ بِيَدَيْهِ تِمْثَالَا، ثُمَّ يَسْجُدُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا صَنَعَ بِيَدَيْهِ.

لَاحَظَ إِبْرَاهِيْمُ أَنَّ هَذِهِ الْتَّمَاثِيْلُ لَا تَشْرَبُ وَلَا تَأْكُلُ وَلَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَعْتَدِلَ لَوْ قَلْبِهَا أَحَدٌ عَلَىَ جَنْبِهَا. كَيْفَ يَتَصَوَّرُ الْنَّاسُ أَنَّ هَذِهِ الْتَّمَاثِيْلُ تَضُرُّ وَتَنْفَعُ؟!

مُوَاجَهَةِ عَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْنُّجُوْمُ:

قَرَّرَ إِبْرَاهِيِمُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ مُوَاجَهَةِ عَبْدَةُ الْنُّجُوْمْ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَعْلَنَ عِنْدَمَا رَأَىَ أَحَدٌ الْكَوَاكِبُ فِيْ الْلَّيْلِ، أَنِ هَذَا الْكَوْكَبْ رَبِّهِ. وَيَبْدُوَ أَنَّ قَوْمِهِ اطْمَأَنُّوْا لَهُ، وَحَسِبُوَا أَنَّهُ يَرْفُضُ عُبَادَةَ الْتَّمَاثِيْلُ وَيَهْوَى عُبَادَةَ الْكَوْاكِبَ.

وَكَانَتْ الْمِلَاحَةِ حُرَّةٌ بَيْنَ الْوَثَنِيَّاتِ الثَّلَاثِ: عُبَادَةَ الْتَّمَاثِيْلُ وَالْنُّجُوْمُ وَالْمُلُوْكِ. غَيْرَ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ يَدَّخِرُ لِقَوْمِهِ مُفَاجَأَةٌ مُذْهِلَةٍ فِيْ الْصَّبَاحِ. لَقَدْ أَفَلَ الْكَوْكَبُ الَّذِيْ الْتَحَقَ بِدِيَانَتِهِ بِالْأَمْسِ. وَإِبْرَاهِيْمَ لَا يُحِبُّ الْآَفِلِينَ. فَعَادَ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْلَّيْلَةِ الْثَّانِيَةِ يُعْلِنُ لِقَوْمِهِ أَنَّ الْقَمَرَ رَبِّهِ. لَمْ يَكُنْ قَوْمِهِ عَلَىَ دَرَجَةً كَافِيَةً مِنَ الْذَّكَاءِ لِيُدْرِكُوْا أَنّهُ يَسْخَرْ مِنْهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفِ وَحُبَّ. كَيْفَ يَعْبُدُوْنَ رَبا يَخْتَفِيَ ثُمَّ يَظْهَرُ. يَأْفِلُ ثُمَّ يُشْرِقُ.

لَمْ يَفْهَمْ قَوْمِهِ هَذَا فِيْ الْمَرَّةِ الْأُوْلَىْ فَكَرَّرَهُ مَعَ الْقَمَرُ. لَكِنَّ الْقَمَرَ كَالْزَّهْرَةِ كَأَيِّ كَوْكَبٌ آَخَرَ.. يُظْهِرُ وَيَخْتَفِيَ. فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ عَدَمَا أَفَلَ الْقَمَرَ (لَئِنْ لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّيَ لِأَكُوْنَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الْضَّالِّيْنَ) نُلَاحِظُ هُنَا أَنَّهُ عِنْدَمَا يَحْدُثُ قَوْمِهِ عَنْ رَفْضِهِ لِأُلْوَهِيَّةِ الْقَمَرَ.. فَإِنَّهُ يُمَزِّقُ الْعَقِيْدَةِ الْقَمَرِيَّةُ بِهُدُوْءٍ وَلُطْفٍ. كَيْفَ يَعْبُدُ الْنَّاسُ رَبّا يَخْتَفِيَ وَيَأْفُل. (لَئِنْ لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّيَ) يُفَهِّمَهُمْ أَنِ لَهُ رَبا غَيْرِ كَلِّ مَا يَعْبُدُوْنَ.

غَيْرِ أَنْ اللَّفْتَةَ لَا تَصِلُ إِلَيْهِمْ. وَيُعَاوِدُ إِبْرَاهِيْمَ مُحَاوَلَتُهُ فِيْ إِقَامَةً الْحُجَّةِ عَلَىَ الْفِئَةُ الْأُوْلَىْ مِنْ قَوْمِهِ.. عَبَدَةِ الْكَوَاكِبُ وَالْنُّجُوْمُ. فَيُعْلِنُ أَنَّ الْشَّمْسَ رَبِّهِ، لِأَنَّهَا أَكْبَرُ مِنَ الْقَمَرُ. وَمَا أَنْ غَابَتْ الْشَّمْسُ، حَتَّىَ أُعْلِنَ بَرَاءَتَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْنُّجُوْمِ وَالْكَوْاكِبِ. فَكُلُّهُا مَغُلُوْقَاتِ تَأْفُلُ. وَأَنْهَى جَوْلَتِهِ الْأُوْلَىْ بِتَوْجِيْهِهِ وَجْهَهُ لِلَّذِيْ فَطَرَ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيْفا.. لَيْسَ مُشْرِكا مَثَلُهُمْ.

اسْتَطَاعَتْ حُجَّةٌ إِبْرَاهِيْمَ أَنْ تَظْهَرَ الْحَقِّ. وَبَدَأَ صِرَاعٌ قَوْمُهُ مَعَهُ. لَمْ يَسْكُتْ عَنْهُ عَبْدَةُ الْنُّجُوْمِ وَالْكَوْاكِبِ. بَدَءُوْا جِدَالهِمْ وَتَخْوَيُفَهُمْ لَهُ وَتَهْدِيْدِهِ. وَرَدَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِمْ قَالَ:
أَتُحَاجُّوْنِّيْ فِيْ الْلَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُوْنَ بِهِ إِلَا أَنْ يَشَاءَ رَبِّيَ شَيْئا وَسِعَ رَبِّيَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْما أَفَلَا تَتَذَكَّرُوْنَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُوْنَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانا فَأَيُّ الْفَرِيْقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنَّ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ (81) (الْأَنْعَامِ)

لَا نَعْرِفُ رَهْبَةً الْهُجُومُ عَلَيْهِ. وَلَا حِدَةٍ الْصِّرَاعِ ضِدَّهُ، وَلَا أُسْلُوْبِ قَوْمِهِ الَّذِيْ اتَّبَعَهُ مَعَهُ لِّتَخْوِيْفِهِ. تَجَاوَزَ الْقُرْآَنَ هَذَا كُلُّهُ إِلَىَ رَدِّهِ هُوَ. كَانَ جِدَالهِمْ بَاطِلَا فَأَسْقَطَهُ الْقُرْآَنَ مَنْ الْقِصَّةِ، وَذَكَرَ رَدَّ إِبْرَاهِيْمَ الْمِنْطَقِيّ الْعَاقِلِ. كَيْفَ يُخَوِّفُوْنَهُ وَلَا يَخَافُوْنَ هُمْ؟ أُيِّ الْفَرِيْقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ؟

بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ حُجَّتُهُ لِفِئَةٍ عَبْدَةُ الْنُّجُوْمِ وَالْكَوْاكِبِ، اسْتَعَدَّ لِتَبْيِيْنِ حُجَّتُهُ لِعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ. آَتَاهُ الْلَّهُ الْحِجَّةِ فِيْ الْمَرَّةِ الْأُوْلَىْ كَمَا سَيُؤْتِيْهِ الْحِجَّةِ فِيْ كُلِّ مَرَّةٍ.
سُبْحَانَهُ.. كَانَ يُؤَيِّدُ إِبْرَاهِيْمَ وَيُرِيْهِ مَلَكُوْتْ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرَ إِسْلَامِهِ حِيْنَ بَدَأَ صِرَاعَهُ مَعَ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ. هَذِهِ الْمَرَّةَ يَأْخُذُ الْصِّرَاعِ شَكْلِا أَعْظَمُ حِدَةٍ. أَبُوْهُ فِيْ الْمَوْضُوْعِ.. هَذِهِ مِهْنَةٌ الْأَبِ وَسُرَّ مَكَانَتِهِ وَمَوْضِعِ تَصْدِيْقَ الْقَوْمِ.. وَهِيَ الْعِبَادَةُ الَّتِيْ تَتْبَعُهَا الْأَغْلَبِيَّةَ


الْجُزْءُ الْثَّانِيْ

مُوَاجَهَةِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ:

خَرَجَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَىَ قَوْمِهِ بِدَعْوَتِهِ. قَالَ بِحَسْمَ غَاضِبٌ وَغَيْرَةُ عَلَىَ الْحَقِّ:
إِذْ قَالَ لِأَبِيْهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ الْتَّمَاثِيْلُ الَّتِيْ أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُوْنَ (52) قَالُوْا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِيْ ضَلَالٍ مُّبِيْنٍ (54) قَالُوْا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ الْلَّاعِبِيْنَ (55) قَالَ بَلْ رَّبُّكُمْ رَبُّ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِيْ فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىَ ذَلِكُمْ مِّنَ الْشَّاهِدِيْنَ (56) (الْأَنْبِيَاءِ)

انْتَهَىَ الْأَمْرُ وَبَدَأَ الْصِرَاعِ بَيْنَ إِبْرَاهِيْمَ وَقَوْمِهِ.. كَانَ أَشَدُّهُمْ ذُّهُوْلا وَغَضَبَا هُوَ أَبَاهُ أَوْ عَمَّهُ الَّذِيْ رَبَّاهُ كَأَبٍ.. وَاشْتَبَكَ الْأَبُ وَالابْنُ فِيْ الْصِّرَاعِ. فُصِّلَتْ بَيْنَهُمَا الْمَبَادِئِ فَاخْتَلَفَا.. الْابْنُ يَقِفُ مَعَ الْلَّهِ، وَالْأَبُ يَقِفُ مَعَ الْبَاطِلِ.
قَالَ الْأَبُ لِابْنِهِ: مُصِيْبَتِيْ فِيْكَ كَبِيْرَةً يَا إِبْرَاهِيْمُ.. لَقَدْ خَذَلَتْنِي وَأَسَأْتُ إِلَيَّ.

قَالَ إِبْرَاهِيْمُ:
يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِيَ عَنْكَ شَيْئا (42) يَا أَبَتِ إِنِّيَ قَدْ جَاءَنِيْ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِيْ أَهْدِكَ صِرَاطا سَوِيا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الْشَّيْطَانَ إِنَّ الْشَّيْطَانَ كَانَ لِلْرَّحْمَنِ عَصِيا (44) يَا أَبَتِ إِنِّيَ أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الْرَّحْمَنِ فَتَكُوْنَ لِلْشَّيْطَانِ وَلِيا (45) (مَرْيَمَ)
انْتَفَضَ الْأَبِ وَاقِفَا وَهُوَ يَرْتَعِشُ مِنْ الْغَضَبِ. قَالَ لِّإِبْرَاهِيْمَ وَهُوَ ثَائِرَ إِذَا لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ دَعْوَتَكَ هَذِهِ فَسَوْفَ أَرْجُمُكَ، سَأَقُتلُكَ ضَرْبَا بِالْحِجَارَةِ.
هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَقِفُ ضِدَّ الْآَلِهَةَ.. اخْرُجْ مِنْ بَيْتِيَ.. لَا أُرِيْدُ أَنْ أَرَاكَ.. اخْرُجْ.

انْتَهَىَ الْأَمْرُ وَأَسْفَرَ الْصِّرَاعِ عَنْ طَرْدْ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ بَيْتِهِ. كَمَا أَسْفَرَ عَنْ تَهْدِيْدِهِ بِالْقَتْلِ رَمْيَا بِالْحِجَارَةِ. رَغِمَ ذَلِكَ تَصَرُّفَ إِبْرَاهِيْمَ كَابْنِ بَارٌّ وَنَبِيُّ كَرِيْمٌ. خَاطَبَ أَبَاهُ بِأَدَبِ الْأَنْبِيَاءِ.

قَالَ لِأَبِيْهِ رَدّا عَلَىَ الْإِهَانَاتِ وَالتَّجْرِيْحِ وَالطَّرْدُ وَالْتَّهْدِيْدِ بِالْقَتْلِ:
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيَ إِنَّهُ كَانَ بِيَ حَفِيا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُوَنَّ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ وَأَدْعُوَ رَبِّيَ عَسَىَ أَلَّا أَكُوْنَ بِدُعَاءِ رَبِّيَ شَقِيا (48) (مَرْيَمَ)

وَخَرَجَ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ بَيْتِ أَبِيْهِ. هَجَرَ قَوْمَهُ وَمَا يَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ. وَقَرَّرَ فِيْ نَفْسِهِ أَمْرا. كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ هُنَاكَ احْتِفَالِا عَظِيْما يُقَامُ عَلَىَ الْضَّفَّةِ الْأُخْرَى مِنَ الْنَّهْرِ، وَيَنْصَرِفُ الْنَّاسَ جَمِيْعا إِلَيْهِ. وَانْتَظِرْ حَتَّىَ جَاءَ الاحْتِفَالِ وَخِلْتُ الْمَدِيْنَةِ الَّتِيْ يَعِيْشُ فِيْهَا مِنْ الْنَّاسِ.

وَخَرَجَ إِبْرَاهِيْمَ حَذِرَا وَهُوَ يَقْصِدُ بِخُطَاهُ الْمُعَبَّدِ. كَانَتْ الْشَّوَارِعِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَىَ الْمَعْبَدِ خَالِيَةً. وَكَانَ الْمَعْبَدُ نَفْسِهِ مَهْجُوْرا. انْتَقَلَ كُلِّ الْنَّاسِ إِلَىَ الاحْتِفَالِ. دَخَلَ إِبْرَاهِيْمُ الْمُعَبَّدِ وَمَعَهُ فَأْسٌ حَادَّةً.

نَظَرَ إِلَىَ تَمَاثِيْلِ الْآَلِهَةَ الْمَنْحُوتَةِ مِنَ الْصَّخْرِ وَالْخَشَبِ. نَظَرَ إِلَىَ الْطَّعَامِ الَّذِيْ وَضَعَهُ الْنَّاسِ أَمَامَهَا كُنذُوّرِ وَهَدَايَا. اقْتَرَبَ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ الْتَّمَاثِيْلُ وَسَأَلَهُمْ: (أَلَا تَأْكُلُوْنَ) كَانَ يَسْخَرُ مِنْهُمُ وَيَعْرِفُ أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُوْنَ. وَعَادٍ يُسْأَلُ الْتَّمَاثِيْلُ: (مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُوْنَ) ثُمَّ هَوَىً بِفَأْسِهِ عَلَىَ الْآَلِهَةَ.

وَتَحَوَّلَتْ الْآَلِهَةِ الْمَعْبُوْدَةِ إِلَىَ قَطْعُ صَغِيْرَةَ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَخْشَابِ الْمُهَشَّمَةِ.. إِلَا كَبِيْرُ الْأَصْنَامَ فَقَدْ تَرَكَهُ إِبْرَاهِيْمَ (لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُوْنَ) فَيَسْأَلُوْنَهُ كَيْفَ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ وَهُوَ حَاضِرٌ فَلَمْ يَدْفَعِ عَنْ صِغَارٌ الْآَلِهَةَ! وَلَعَلَّهُمْ حِيْنَئِذٍ يُرَاجِعُوْنَ الْقَضِيَّةِ كُلَّهَا، فَيَرْجِعُوْنَ إِلَىَ صَوَابُهُمْ.

إِلَا أَنْ قَوْمٍ إِبْرَاهِيْمَ الَّذِيْنَ عُطِّلَتْ الْخُرَافَةِ عُقُوْلُهُمْ عَنْ الْتَّفْكِيْرِ، وَغُلَّ الْتَّقْلِيدِ أَفْكَارِهِمْ عَنْ الْتَّأَمُّلِ وَالْتَّدَبُّرِ. لَمْ يَسْأَلُوْا أَنْفُسِهِمْ: إِنَّ كَانَتْ هَذِهِ آَلِهَةً فَكَيْفَ وَقَعَ لَهَا مَا وَقَعَ دُوْنَ أَنْ تَدْفَعَ عَنْ أَنْفُسِهَا شَيْئا؟! وَهَذَا كَبِيْرُهَا كَيْفَ لَمْ يَدْفَعْ عَنْهَا؟! وَبَدَلَا مِنْ ذَلِكَ (قَالُوْا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الْظَّالِمِيْنَ).

عِنْدَئِذٍ تُذَكِّرُ الَّذِيْنَ سَمِعُوْا إِبْرَاهِيْمَ يُنْكِرُ عَلَىَ أَبِيْهِ وَمِنْ مَعَهْ عُبَادَةَ الْتَّمَاثِيْلُ، وَيَتَوَعَّدُهُمْ أَنْ يَكِيْدَ لَآَلِهَتِهِمْ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ عَنْهَا!
فَأَحْضَرُوا إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، وَتَجَمَّعَ الْنَّاسُ، وَسَأَلُوْهُ (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيْمُ)؟

فَأَجَابَهُمْ إِبْرَاهِيْمَ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوْهُمْ إِنَّ كَانُوْا يَنْطِقُوْنَ) وَالْتَّهَكُّمِ وَاضِحٌ فِيْ هَذَا الْجَوَابِ الْسَّاخِرُ. فَلَا دَاعِيَ لِتَسْمِيَةَ هَذِهِ كَذْبَةٍ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ الْسَّلَامُ- وَالْبَحْثَ عَنْ تَعْلِيْلِهَا بِشَتَّى الْعِلَلُ الَّتِيْ اخْتَلَفَ عَلَيْهَا الْمُفَسِّرُوْنَ. فَالأَمْرُ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا بِكَثِيْرٍ! إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقُوْلَ لَهُمْ: إِنَّ هَذِهِ الْتَّمَاثِيْلُ لَا تَدْرِيْ مَنْ حَطْمُهَا إِنَّ كُنْتُ أَنَا أُمُّ هَذَا الصَّنَمَ الْكَبِيْرُ الَّذِيْ لَا يَمْلِكُ مِثْلُهَا حِرَاكَا. فَهِيَ جَمَادُ لَا إِدْرَاكِ لَهُ أَصْلَا. وَأَنْتُمْ كَذَلِكَ مِثْلَهَا مَسْلُوْبُوْ الْإِدْرَاكِ لَا تُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْمُسْتَحِيْلِ. فَلَا تَعْرِفُوْنَ إِنَّ كُنْتُ أَنَا الَّذِيْ حَطَّمْتُهُا أَمْ أَنَّ هَذَا الْتِّمْثَالُ هُوَ الَّذِيْ حَطْمُهَا!

وَيَبْدُوَ أَنَّ هَذَا الْتَّهَكُّمِ الْسَّاخِرُ قَدْ هُزَّهُمُ هَزّا، وَرُدَّهُمْ إِلَىَ شَيْءٍ مِنْ الْتَّدَبُّرِ الْتَّفَكُّرِ:
فَرَجَعُوَا إِلَىَ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوَا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الْظَّالِمُوْنَ (64) (الْأَنْبِيَاءِ)

وَكَانَتْ بِادِرَةٌ خَيْرٌ أَنْ يَسْتَشْعُرُوْا مَا فِيْ مَوْقِفِهِمْ مِنَ سُخْفَ، وَمَا فِيْ عِبَادَتِهِمْ لِهَذِهِ الْتَّمَاثِيْلُ مَنْ ظَلَمَ. وَأَنْ تَتَفَتَّحُ بَصِيْرَتِهِمْ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فَيَتَدَبَّرُوْا ذَلِكَ الْسُّخْفِ الَّذِيْ يَأْخُذُوْنَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَذَلِكَ الْظُّلَمِ الَّذِيْ هُمْ فِيْهِ سَادِرُوُنَ. وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَمْضَةُ وَاحِدَةً أَعْقَبَهَا الْظَّلامِ، وَإِلَا خَفْقَةُ وَاحِدَةً عَادَتْ بَعْدَهَا قُلُوْبِهِمْ إِلَىَ الْخُمُودِ:
ثُمَّ نُكِسُوْا عَلَىَ رُؤُوْسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُوْنَ (65) (الْأَنْبِيَاءِ)

وَحَقّا كَانَتْ الْأُوْلَىْ رَجْعَةَ إِلَىَ الْنُّفُوْسِ، وَكَانَتِ الْثَّانِيَةُ نَكْسَةٌ عَلَىَ الْرُّؤُوْسِ؛ كَمَا يَقُوْلُ الْتَّعْبِيْرُ الْقُرْآنِيُّ الْمُصَوِّرُ الْعَجِيْبِ.. كَانَتْ الْأُوْلَىْ حَرَكَةُ فِيْ الْنَّفْسِ لِلْنَّظَرِ وَالْتَّدَبُّرِ. أَمَّا الْثَّانِيَّةِ فَكَانَتْ انْقِلَابا عَلَىَ الْرَّأْسِ فَلَا عَقَلَ وَلَا تَفْكِيْرِ. وَإِلَا فَإِنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا الْأَخِيرَ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ. وَأَيَّةُ حُجَّةٌ لِّإِبْرَاهِيْمَ أَقْوَىْ مِنْ أَنْ هَؤُلَاءِ لَا يَنْطِقُوْنَ؟

وَمَنْ ثُمَّ يُجِيْبُهُمْ بِعُنْفٍ وَضُيِّقَ عَلَىَ غَيْرِ عَادَتِهِ وَهُوَ الْصَّبُوْرُ الْحَلِيْمُ. لِأَنَّ الْسُّخْفِ هُنَا يُجَاوِزُ صَبَرَ الْحَلِيْمُ:
قَالَ أَفَتَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُوْنَ (67) (الْأَنْبِيَاءِ)
وَهِيَ قَوْلَةً يُظْهِرُ فِيْهَا ضَيْقٍ الَصْدِرْنَ وَغَيْظُ الْنَّفْسَ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْسَّخَفِ الَّذِيْ يَتَجَاوَزَ كُلِّ مَأْلُوفٌ.

عِنْدَ ذَلِكَ أَخَذْتُهُمْ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ كَمَا تَأْخُذُ الْطُّغَاةِ دَائِمَا حَيْنَ يَفْقِدُونَ الْحُجَّةِ وَيُعْوَزِهُمْ الْدَّلِيلِ، فَيَلْجَأُونَ إِلَىَ الْقُوَّةِ الْغَاشِمَةِ وَالْعَذَابَ الْغَلِيظُ:
قَالُوْا حَرِّقُوْهُ وَانْصُرُوَا آَلِهَتَكُمْ إِنَّ كُنْتُمْ فَاعِلِيْنَ (68) (الْأَنْبِيَاءِ)

نَجَاةَ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ مَنْ الْنَّارِ:

وَفِعْلَا.. بَدَأَ الاسْتِعْدَادِ لِإِحْرَاقِ إِبْرَاهِيْمَ. انْتَشَرَ الْنَّبَأِ فِيْ الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. وَجَاءَ الْنَّاسُ مَنْ الْقُرَىَ وَالْجِبَالِ وَالْمُدُنِ لِيَشْهَدُوَا عِقَابِ الَّذِيْ تَجَرَّأَ عَلَىَ الْآَلِهَةَ وَحَطَّمَهَا وَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَسَخَّرَ مِنَ الْكَهَنَةِ.

وَحَفَرُوا حُفْرَةً عَظِيْمَةً مَلَئُوْهَا بِالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ وَالْأَشْجَارِ. وَأَشْعَلُوا فِيْهَا الْنَّارَ. وَأَحْضِرُوا الْمَنْجَنِيْقٌ وَهُوَ آَلَةٍ جَبَّارةٌ لَيُقْذِفُوا إِبْرَاهِيْمَ فِيْهَا فَيَسْقُطُ فِيْ حُفْرَةِ الْنَّارِ.. وَوَضَعُوَا إِبْرَاهِيْمَ بَعْدَ أَنْ قِيَدُوْا يَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِيْ الْمَنْجَنِيقِ. وَاشْتَعَلَتْ الْنَّارِ فِيْ الْحُفْرَةِ وَتَصَاعَدُ الْلَّهَبِ إِلَىَ الْسَّمَاءِ. وَكَانَ الْنَّاسُ يَقِفُوْنَ بَعِيْدَا عَنْ الْحُفْرَةُ مِنْ فَرْطِ الْحَرَارَةِ اللّاهِبَةِ. وَأَصْدَرَ كَبِيْرٌ الْكَهَنَةِ أَمْرِهِ بِإِطْلَاقِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْنَّارِ.

جَاءَ جِبْرِيْلُ عَلَيْهِ الْسَّلامُ وَوَقَفَ عِنْدَ رَأْسِ إِبْرَاهِيْمَ وَسَأَلَهُ: يَا إِبْرَاهِيْمُ.. أَلَكَ حَاجَةٌ؟
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا.
انْطَلِقْ الْمَنْجَنِيْقٌ مُلْقِيا إِبْرَاهِيْمَ فِيْ حُفْرَةٍ الْنَّارِ. كَانَتْ الْنَّارُ مَوْجُوْدَةٌ فِيْ مَكَانِهَا، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُمَارَسُ وَظِيْفَتُهَا فِيْ الْإِحْرَاقِ. فَقَدْ أَصْدَرَ الْلَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ إِلَىَ الْنَّارِ أَمَرَهُ بِأَنْ تَكُوْنَ (بَرْدا وَسَلَاما عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ). أَحْرَقَتِ الْنَّارُ قُيُوْدَهُ فَقَطْ. وَجَلَسَ إِبْرَاهِيْمَ وَسَطِهَا كَأَنَّهُ يَجْلِسُ وَسَطَ حَدِيْقَةُ. كَانَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَّبِّهِ وَيُمَجِّدُهُ. لَمْ يَكُنْ فِيْ قَلْبِهِ مَكَانٍ خَالٍ يُمْكِنُ أَنْ يَمْتَلِئَ بِالْخَوْفِ أَوْ الرَّهْبَةِ أَوْ الْجَزَعِ.

كَانَ الْقَلْبُ مَلِيْئا بِالْحُبِّ وَحْدَهُ. وَمَاتَ الْخَوْفِ. وَتَلَاشَتْ الرَّهْبَةِ. وَاسْتَحَالَتْ الْنَّارِ إِلَىَ سَلَامٌ بَارِدٌ يُلَطِّفُ عَنْهُ حَرَارَةَ الْجَوُّ.

جَلَسَ الْكَهَنَةِ وَالْنَّاسِ يَرْقُبُوْنَ الْنَّارِ مِنْ بَعِيْدٍ. كَانَتْ حَرَارَتِهَا تُصَلِّ إِلَيْهِمْ عَلَىَ الْرَّغْمِ مِنْ بَعْدِهِمْ عَنْهَا. وَظَلَّتْ الْنَّارِ تَشْتَعِلُ فَتْرَةٍ طَوِيْلَةٍ حَتَّىَ ظَنَّ الْكَافِرُوْنَ أَنَّهَا لَنْ تَنْطَفِئُ أَبَدا.

فَلَمَّا انْطَفَأْتْ فُوْجِئُوْا بِّإِبْرَاهِيْمَ يَخْرُجُ مِنْ الْحُفْرَةُ سَلِيْمَا كَمَا دَخَلَ. وَوَجْهُهُ يَتَلَأْلَأُ بِالْنُوْرْ وَالْجَلَالُ. وَثِيَابِهِ كَمَا هِيَ لَمْ تَحْتَرِقْ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْ أَثَرٌ لِلْدُّخَانِ أَوْ الْحَرِيْقِ.
خَرَجَ إِبْرَاهِيْمُ مِنَ الْنَّارِ كَمَا لَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ حَدِيْقَةِ. وَتَصَاعَدَتْ صَيْحَاتَ الدَّهْشَةَ الْكَافِرَةِ. خَسِرُوَا جولْتِهُمْ خَسَارَةً مَرِيْرَةٌ وَسَاخِرَةِ.
وَأَرَادُوَا بِهِ كَيْدا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) (الْأَنْبِيَاءِ)

لَا يُحَدِّثُنَا الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمِ عَنْ عُمَرَ إِبْرَاهِيْمَ حِيْنَ حَطَّمَ أَصْنَامٍ قَوْمِهِ، لَا يُحَدِّثُنَا عَنْ الْسِّنِّ الَّتِيْ كَلَّفَ فِيْهَا بَالدَّعْوَةِ إِلَىَ الْلَّهِ. وَيَبْدُوَ مِنْ اسْتِقْرَاءِ الْنُصُوصِ الْقَدِيِمَةِ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ شَابا صَغِيْرا حِيْنَ فَعَلَ ذَلِكَ، بِدَلِيْلِ قَوْلِ قَوْمِهِ عَنْهُ: (سَمِعْنَا فَتَّىْ يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ). وَكَلِمَةُ الْفَتَى تُطْلَقُ عَلَىَ الْسِّنِّ الَّتِيْ تَسْبِقُ الْعِشْرِيْنَ.

مُوَاجَهَةِ عَبْدَةُ الْمُلُوْكِ:

إِنَّ زَمَنَ اصْطِفَاءَ الْلَّهِ تَعَالَىْ لِّإِبْرَاهِيْمَ غَيْرَ مُحَدَّدٌ فِيْ الْقُرْآَنِ. وَبِالتَّالِيَ فَنَحْنُ لَا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقْطَعَ فِيْهِ بِجَوَابٍ نِهَائِيٌّ. كُلِّ مَا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقْطَعَ فِيْهِ بِرَأْيِ، أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَىَ عَبَدَةِ الْتَّمَاثِيْلُ بِشَكْلٍ قَاطِعٍ، كَمَا أَقَامَهَا عَلَىَ عَبَدَةِ الْنُّجُوْمِ وَالْكَوْاكِبِ مِنْ قَبْلُ بِشَكْلٍ حَاسِمٌ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تُقَامَ الْحِجَّةِ عَلَىَ الْمُلُوْكِ الْمُتَأَلِّهِينَ وَعُبَّادِهِمْ.. وَبِذَلِكَ تَقُوْمُ الْحُجَّةُ عَلَىَ جَمِيْعِ الْكَافِرِيْنَ.

فَذَهَبَ إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لْمَلِكِ مُتَأَلِّهٍ كَانَ فِيْ زَمَانِهِ. وَتَجَاوَزْ الْقُرْآَنِ اسْمُ الْمَلَكِ لِانْعِدَامِ أَهَمِّيَّتِهِ، لَكِنْ رُوِيَ أَنَّ الْمَلِكَ الْمُعَاصِرِ لِّإِبْرَاهِيْمَ كَانَ يُلَقَّبُ (بِالنِمْرُوّدّ) وَهُوَ مَلِكٌ الْآَرَامِيِّينَ بِالْعِرَاقِ. كَمَا تَجَاوَزَ حَقِيْقَةِ مَشَاعِرَهُ، كَمَا تَجَاوَزَ الْحِوَارْ الْطَّوِيْلُ الَّذِيْ دَارَ بَيْنَ إِبْرَاهِيْمَ وَبَيْنَهُ.

لَكِنْ الْلَّهُ تَعَالَىْ فِيْ كِتَابِهِ الْحَكِيْمِ أَخْبَرَنَا الْحُجَّةِ الْأُوْلَىْ الَّتِيْ أَقَامَهَا إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ عَلَىَ الْمُلْكِ الْطَّاغِيَةِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بِهُدُوْءٍ: (رَبِّيَ الَّذِيْ يُحْيِـيُ وَيُمِيْتُ)
قَالَ الْمَلَكُ: (أَنَا أُحْيِـيُ وَأُمِّيْتُ) أَسْتَطِيْعُ أَنْ أُحْضِرَ رَجُلا يُسَيِّرُ فِيْ الْشَّارِعِ وَأَقْتُلَهُ، وَأَسْتَطِيْعُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْ مَحْكُوْمٌ عَلَيْهِ بِالْإِعْدَامِ وَأُنجِيْهُ مِنَ الْمَوْتِ.. وَبِذَلِكَ أَكُوْنُ قَادِرا عَلَىَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.

لَمْ يُجَادِلُ إِبْرَاهِيْمَ الْمَلِكُ لِسَذَاجَةِ مَا يَقُوْلُ. غَيْرَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ لِلْمَلِكِ أَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ وَهُوَ فِيْ الْحَقَّيْقَةِ لَيْسَ قَادِرا. فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: (فَإِنَّ الْلَّهَ يَأْتِيَ بِالْشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)

اسْتَمَعَ الْمُلْكُ إِلَىَ تَحَدِّيَ إِبْرَاهِيْمَ صَامِتْا.. فَلَمَّا انْتَهَىَ كَلَامُ الْنَّبِيِّ بُهِتَ الْمَلِكُ. أَحَسَّ بِالْعَجْزِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُجِيْبَ. لَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ.. قَالَ لَهُ إِنَّ الْلَّهَ يَأْتِيَ بِالْشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَهَلْ يَسْتَطِيْعُ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ.. إِنَّ لِلْكَوْنِ نُظُمَا وَقَوَانِيْنْ يَمْشِيَ طِبْقَا لَهَا.. قَوَانِيْنَ خَلَقَهَا الْلَّهُ وَلَا يَسْتَطِيْعُ أَيُّ مَخْلُوْقٍ أَنْ يَتَحَكَّمُ فِيْهَا.

وَلَوْ كَانَ الْمَلِكُ صَادِقا فِيْ ادِّعَائِهِ الْأُلُوهِيَّةِ فَلَيُغَيِّرُ نِظَامِ الْكَوْنِ وَقَوَانِيْنِهِ.. سَاعَتَهَا أَحَسَّ الْمَلِكُ بِالْعَجْزِ.. وَأَخْرَسَهُ الْتَّحَدِّيَ. وَلَمْ يَعْرِفْ مَاذَا يَقُوْلُ، وَلَا كَيْفَ يَتَصَرَّفُ. انْصَرَفَ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ قَصْرِ الْمَلِكِ، بَعْدَ أَنْ بُهِتَ الَّذِيْ كَفَرَ.

الْجُزْءُ الْثَّالِثُ

هِجْرَةَ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ:
[color=green]

انْطَلَقْتُ شُهْرَةٍ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. تُحَدِّثُ الْنَّاسِ عَنْ مُعْجِزَتِهِ وَنَجَاتُهُ مَنْ الْنَّارِ، وَتُحَدِّثُ الْنَّاسِ عَنْ مَوْقِفِهِ مَعَ الْمَلِكِ وَكَيْفَ أَخْرَسَ الْمُلْكُ فَلَمْ يُعْرَفْ مَاذَا يَقُوْلُ. وَاسْتَمَرَّ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ دَعْوَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَىْ.

بَذَلَ جَهْدَهُ لِيَهْدِيَ قَوْمَهُ، حَاوَلَ إِقْنَاعَهُمْ بِكُلِّ الْوَسَائِلِ، وَرَغْمَ حُبِّهِ لَهُمْ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِمْ فَقَدْ غَضِبَ قَوْمِهِ وَهَجَرُوهُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ سِوَىْ امْرَأَةُ وَرَجُلٌ وَاحِدٌ. امْرَأَةُ تُسَمَّىَ سَارَةُ، وَقَدْ صَارَتْ فِيْمَا بَعْدُ زَوْجَتِهِ، وَرَجُلٌ هُوَ لُوْطٍ، وَقَدْ صَارَ نَبِيا فِيْمَا بَعْدُ. وَحِيْنَ أَدْرَكَ إِبْرَاهِيْمَ أَنَّ أُحُدا لَنْ يُؤْمِنَ بِدَعْوَتِهِ. قَرَّرَ الْهِجْرَةَ.

قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، دَعَا وَالِدِهِ لِلْإِيْمَانِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لِّإِبْرَاهِيْمَ أَنَّ وَالْدَهُ عَدُوٌّ لِلّهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْوِيَ الْإِيْمَانِ، فَتَبْرَأُ مِنْهُ وَقَطَعْ عَلَاقَتَهُ بِهِ.

لِلْمَرَّةِ الْثَّانِيَةِ فِيْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ نُصَادِفُ هَذِهِ الْمُفَاجَأَةِ. فِيْ قِصَّةِ نُوْحٍ كَانَ الْأَبُ نَبِيّا وَالْابْنِ كَافِرا، وَفِيْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ الْأَبُ كَافِرا وَالابْنُ نَبِيّا، وَفِيْ الْقِصَّتَيْنِ نَرَىْ الْمُؤْمِنِ يُعْلِنُ بَرَاءَتَهُ مِنْ عَدُوٍّ الْلَّهُ رُغْمَ كَوْنِهِ ابْنِهِ أَوْ وَالِدِهِ، وَكَأَنَّ الْلَّهَ يُفْهِمُنا مِنْ خِلَالِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْعُلَاقَةَ الْوَحِيدَةْ الَّتِيْ يَنْبَغِيْ أَنْ تَقُوْمَ عَلَيْهَا الْرَّوَابِطِ بَيْنَ الْنَّاسِ، هِيَ عِلَاقِة الْإِيْمَانِ لَا عَلَاقَةَ الْمِيْلَادِ وَالْدَّمَ.

خَرَجَ إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ مِنْ بَلَدِهِ وَبَدَأَ هِجْرَتُهُ. سَافَرَ إِلَىَ مَدِيْنَةٍ تُدْعَىَ أُوْرِ. وَمَدِيْنَةٍ تُسَمَّىَ حَارَانَ. ثُمَّ رَحَلَ إِلَىَ فِلَسْطِيْنَ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ، الْمَرْأَةُ الْوَحِيدَةْ الَّتِيْ آَمَنَتْ بِهِ. وَصَحْبِ مَعَهُ لُوْطا.. الْرَّجُلُ الْوَحِيْدُ الَّذِيْ آَمَنَ بِهِ.

بَعْدَ فِلَسْطِيْنُ ذَهَبَ إِبْرَاهِيْمَ إِلَىَ مِصْرَ. وَطَوَالَ هَذَا الْوَقْتِ وَخِلَالَ هَذِهِ الْرِحْلَاتِ كُلَّهَا، كَانَ يَدْعُوَ الْنَّاسَ إِلَىَ عِبَادَةِ الْلَّهِ، وَيُحَارِبُ فِيْ سَبِيِلِهِ، وَيَخْدِمُ الضُّعَفَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَيُعَدِّلُ بَيْنَ الْنَّاسِ، وَيَهْدِيْهِمْ إِلَىَ الْحَقِيقَةِ وَالْحَقُّ.

وَتَأْتِيَ بَعْضٍ الرِّوَايَاتِ لِتُبَيِّنَ قِصَّةِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ وَمَوْقِفَهُما مَعَ مَلَكِ مِصْرَ. فَتَقُوْلُ:
وَصَلَتْ الْأَخْبَارِ لِمَلِكِ مِصْرَ بِوُصُولِ رَجُلٌ لِمِصْرَ مَعَهُ أَمْرَأَةً هِيَ أَجْمَلَ نِسَاءِ الْأَرْضِ. فَطَمِعَ بِهَا. وَأَرْسَلَ جُنُوْدَهُ لْيَأْتُونَهُ بِهَذِهِ الْمَرْأَةُ. وَأَمْرُهُمْ بِأَنْ يَسْأَلُوْا عَنْ الْرِّجْلِ الَّذِيْ مَعَهَا، فَإِنِ كَانَ زَوْجَهَا فَلِيَقْتَلُوهُ. فَجَاءَ الْوَحْيُ لِّإِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ الْسَّلامُ بِذَلِكَ.

فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ الْسَّلَامُ- لِسَارَةَ إِنَّ سَأَلُوْكَ عَنِيْ فَأَنْتَ أُخْتِيْ -أَيُّ أُخْتِهِ فِيْ الْلَّهِ-، وَقَالَ لَهَا مَا عَلَىَ هَذِهِ الْأَرْضْ مُؤْمِنٌ غَيْرِيّ وَغَيْرُكِ -فَكُلّ أَهْلِ مِصْرَ كَفَرَةَ، لَيْسَ فِيْهَا مُوَحِدٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَجَاءَ الْجُنُوْدُ وَسَأَلُوْا إِبْرَاهِيْمَ: مَا تَكُوْنُ هَذِهِ مِنْكَ؟ قَالَ: أُخْتِيْ.
لِنَقِفَ هُنَا قَلِيْلا.. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ حِيْنَمَا قَالَ لِقَوْمِهِ (إِنِّيَ سَقِيْمٌ) وَ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوْهُ) وَ (هِيَ أُخْتِيْ).

كُلَّهَا كَلِمَاتِ تُحْتَمَلُ الْتَّاوِيلِ. لَكِنْ مَعَ هَذَا كَانَ إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ خَائِفا جَدَّا مِنْ حِسَابِهِ عَلَىَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ يَوْمَ الَقَايْمّةً. فَعِنْدَمَا يَذْهَبُ الْبَشَرِ لَهُ يَوْقَمُ الْقِيَامَةِ لِيَدْعُوَا الْلَّهُ أَنْ يَبْدَأَ الْحِسَابِ يَقُوْلُ لَهُمْ لَا إِنِّيَ كَذَبَ عَلَىَ رَبِّيَ ثَلَاثٌ مَرَّاتٍ.

وَنَجِدَ أَنَّ الْبَشَّرْ الْآَنَ يَكْذِبُوْنَ أَمَامَ الْنَّاسِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْيَاءٍ وَلَا خَوْفٌ مِنْ خَالِقِهِمْ.
لِمَا عَرَفْتُ سَارَةُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ فَاجِرٌ وَيُرِيْدُهَا لَهُ أَخَذْتُ تَدْعُوَا الْلَّهَ قَائِلَةً: الْلَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّيْ آَمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُوْلِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِيَ إِلَّا عَلَىَ زَوْجِيٌّ فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ.

فَلَمَّا أُدْخُلُوهَا عَلَيْهِ. مُدّ يَدَهُ إِلَيْهَا لِيَلمِسِهَا فَشُلَّ وَتَجَمَّدَتْ يَدَهُ فِيْ مَكَانِهَا، فَبَدَأَ بِالْصُّرَاخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ يَسْتَطِيْعُ تَحْرِيْكِهَا، وَجَاءَ أَعْوَانِهِ لَمُسَاعَدَتِهِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيْعُوْا فَعَلَ شَيْءٍ. فَخَافَتْ سَارَةُ عَلَىَ نَفْسِهَا أَنَّ يَقْتُلُوْهَا بِسَبَبِ مَا فَعَلْتُهُ بِالْمُلْكِ. فَقَالَتْ: يَا رَبِّ اتْرُكْهُ لَا يَقْتُلُوْنِي بِهِ. فَاسْتَجَابَ الْلَّهُ لِدُعَائِهَا.

لَكِنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَتُبْ وَظَنَّ أَنَّ مَا حَدَثَ كَانَ أَمْرَا عَابِرْا وَذَهَبَ. فَهَجَمَ عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَىَ. فَشُلَّ مَرَّةً ثَانِيَةً. فَقَالَ: فَكِيْنِيّ. فَدَعَتْ الْلَّهَ تَعَالَىْ فَفَكَّهُ. فَمَدَّ يَدَهُ ثَالِثَةً فَشُلَّ. فَقَالَ: فَكِيْنِيّ وَأُطْلِقُكَ وَأَكْرَمَكَ.

فَدَعَتْ الْلَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىْ فَفُكَّ. فَصَرَخَ الْمَلِكُ بِأَعْوَانِهِ: أَبْعَدُوْهَا عَنِّيْ فَإِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُوْنِيْ بِإِنْسَانٍ بَلْ أَتَيْتُمُوْنِيْ بِشَيْطَانٍ.
فَأَطْلِقْهَا وَأَعْطَاهَا شَيْئا مِنْ الْذَّهَبِ، كَمَا أَعْطَاهَا أَمَةً اسْمُهَا "هَاجَرَ".
هَذِهِ الْرِّوَايَةِ مَشْهُوْرَةً عَنْ دُخُوْلِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ الْسَّلَامُ- لِمِصْرَ.

وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ سَارَةُ لَا تَلِدُ. وَكَانَ مِلْكُ مِصْرَ قَدْ أَهْدَاهَا سَيِّدَةُ مِصْرِيَّةٌ لِتَكُوْنَ فِيْ خِدْمَتِهَا، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ قَدْ صَارَ شَيْخا، وَابْيَضَّ شَعْرُهُ مِنَ خِلَالِ عُمَرَ أَبْيَضُ أَنْفَقَهُ فِيْ الْدَّعْوَةِ إِلَىَ الْلَّهِ، وَفَكَّرْتُ سَارَةُ إِنَّهَا وَإِبْرَاهِيْمَ وَحَيَدَانٌ، وَهِيَ لَا تُنْجِبُ أَوْلَادَا، مَاذَا لَوْ قَدَّمَتْ لَهُ الْسَّيِّدَةُ الْمِصْرِيَّةِ لِتَكُوْنَ زَوْجَةً لِزَوْجِهَا؟ وَكَانَ اسْمُ الْمِصْرِيَّةِ "هَاجَرَ".

وَهَكَذَا زُوِّجَتْ سَارَةُ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيْمَ مَنْ هَاجَرَ، وَوَلَدَتْ هَاجَرَ ابْنَهَا الْأَوَّلِ فَأَطْلِقْ وَالِدِهِ عَلَيْهِ اسْمُ "إِسْمَاعِيْلَ". كَانَ إِبْرَاهِيْمُ شَيْخا حِيْنَ وَلَدَتْ لَهُ هَاجَرُ أَوَّلَ أَبْنَائِهِ إِسْمَاعِيْلَ.

وَلَسْنَا نَعْرِفُ أَبْعَادِ الْمَسَافَاتْ الَّتِيْ قَطَعَهَا إِبْرَاهِيْمَ فِيْ رِحْلَتِهِ إِلَىَ الْلَّهِ. كَانَ دَائِمَا هُوَ الْمُسَافِرُ إِلَىَ الْلَّهِ. سَوَاءُ اسْتَقَرَّ بِهِ الْمَقَامُ فِيْ بَيْتِهِ أَوْ حَمَلْتُهُ خُطُوَاتِهِ سَائِحا فِيْ الْأَرْضِ.

مُسَافِرٌ إِلَىَ الْلَّهِ يَعْلَمُ إِنَّهَا أَيَّامُ عَلَىَ الْأَرْضِ وَبُعْدِهَا يَجِيْءُ الْمَوْتِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيْ الْصُّوَرِ وَتَقُوْمُ قِيَامَةِ الْأَمْوَاتِ وَيَقَعُ الْبَعْثِ.

إِحْيَاءِ الْمَوْتَىَ:

مَلَأَ الْيَوْمَ الْآَخِرَ قَلْبٌ إِبْرَاهِيْمَ بِالْسَّلامِ وَالْحُبُّ وَالْيَقِينْ. وَأَرَادَ أَنْ يَرَىَ يَوْمَا كَيْفَ يُحْيِيَ الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَوْتَىَ. حَكَىَ الْلَّهُ هَذَا الْمَوْقِفَ فِيْ سُوْرَةِ (الْبَقَرَةِ).. قَالَ تَعَالَىْ:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ رَبِّ أَرِنِي? كَيْفَ تُحْيِـيُ الْمَوْتَىَ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنُ قَالَ بَلَىَ وَلَـكِنَ لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِيْ
لَا تَكُوْنَ هَذِهِ الرَّغْبَةِ فِيْ طُمَأْنِيْنَةٍ الْقَلْبُ مَعَ الْإِيْمَانِ إِلَّا دَرَجَةً مِّنَ دَرَجَاتٍ الْحُبِّ لِلَّهِ.

قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الْطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىَ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِيَنَّكَ سَعْيا وَاعْلَمْ أَنَّ الْلَّهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ..
فَعَلَ إِبْرَاهِيْمَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْلَّهُ.

ذُبِحَ أَرْبَعَةَ مَنْ الْطَّيْرِ وَفَرَّقَ أَجْزَاءَهَا عَلَىَ الْجِبَالِ. وَدَعَاهَا بِاسْمِ الْلَّهِ فَنَهَضَ الْرِّيشِ يَلْحَقُ بِجَنَاحِهِ، وَبَحَثْتُ الْصُّدُوْرِ عَنْ رُؤُوْسِهَا، وَتَطَايَرَتْ أَجْزَاءِ الْطَّيْرِ مُنْدَفِعَةٍ نَحْوَ الالْتِحَامِ، وَالْتَقَتْ الْضُّلُوْعِ بِالْقُلُوْبِ، وَسَارَعْتَ الْأَجْزَاءِ الْذَّبِيْحَةِ لِلالْتئَامِ، وَدَبَّتْ الْحَيَاةِ فِيْ الْطَّيْرِ، وَجَاءَتْ طَائِرَةٌ مُسْرِعَةً تَرْمِيْ بِنَفْسِهَا فِيْ أَحْضَانِ إِبْرَاهِيْمَ.

اعْتَقَدَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِيْنَ إِنَّ هَذِهِ الْتَّجْرُبَةِ كَانَتْ حَبَّ اسْتِطْلَاعٍ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ. وَاعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَرَىَ يَدَ ذِيْ الْجَلَالِ الْخَالِقُ وَهِيَ تَعْمَلُ، فَلَمْ يَرَ الْأُسْلُوبِ وَإِنْ رَأَىَ الْنَّتِيجَةُ. وَاعْتَقَدَ بَعْضٌ الْمُفَسِّرِيْنَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِمَا قَالَهُ لَهُ الْلَّهُ وَلَمْ يُذْبَحْ الْطَّيْرِ. وَنَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الْتَّجْرُبَةِ كَانَتْ دَرَجَةً مِّنَ دَرَجَاتٍ الْحُبِّ قَطَعَهَا الْمُسَافِرِ إِلَىَ الْلَّهِ. إِبْرَاهِيْمَ.



ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم: 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم: Empty
مُساهمةموضوع: رد: ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم:   ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم: Emptyالسبت 09 أكتوبر 2010, 1:32 pm


رِحْلَةَ إِبْرَاهِيْمَ مَعَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيْلَ لْوَادِيَ مَكَّةَ:

اسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيْمَ يَوْما فَأَمَرَ زَوْجَتِهِ هَاجَرَ أَنْ تُحَمِّلَ ابْنَهَا وَتَسْتَعِدُّ لِرِحْلَةٍ طَوِيْلَةً. وَبَعْدَ أَيَّامٍ بَدَأَتْ رِحْلَةَ إِبْرَاهِيْمَ مَعَ زَوْجَتِهِ هَاجَرَ وَمَعَهُمَا ابْنِهِمَا إِسْمَاعِيْلَ.

وَكَانَ الْطِّفْلُ رَضِيَعا لَمْ يَفْطِمُ بَعْدَ. وَظِلٍّ إِبْرَاهِيْمَ يَسِيْرٌ وَسَطِ أَرْضِ مَزْرُوَعَةٌ تَأْتِيَ بَعْدَهَا صَحْرَاءِ تَجِيْءُ بَعْدَهَا جِبَالٍ. حَتَّىَ دَخَلَ إِلَىَ صَحْرَاءِ الْجَزِيْرَةَ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَصَدَ إِبْرَاهِيْمَ وَادِيا لَيْسَ فِيْهِ زَرَعَ وَلَا ثَمَرٍ وَلَا شَجَرَ وَلَا طَعَامٌ وَلَا مِيَاهِ وَلَا شَرَابٌ.

كَانَ الْوَادِيْ يَخْلُوَ تَمَامَا مِنْ عَلَامَاتِ الْحَيَاةِ. وَصَلَ إِبْرَاهِيْمَ إِلَىَ الْوَادِيْ، وَهَبَطَ مِنْ فَوْقِ ظَهْرِ دَابَّتِهِ. وَأَنْزَلَ زَوْجَتِهِ وَابْنِهِ وَتَرَكَهُمَا هُنَاكَ، تَرَكَ مَعَهُمَا جِرَابا فِيْهِ بَعْضُ الْطَّعَامِ، وَقَلِيْلا مِنَ الْمَاءِ. ثُمَّ اسْتَدَارَ وَتَرَكَهُمَا وَسَارَ.

أَسْرَعَتْ خَلْفَهُ زَوْجَتِهُ وَهِيَ تَقُوْلُ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيْمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِيْ الَّذِيْ لَيْسَ فِيْهِ شَيْءٌ؟ لَمْ يُرِدِ عَلَيْهَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيْمَ. ظَلَّ يَسِيْرٌ. عَادَتْ تَقُوْلُ لَهُ مَا قَالَتْهُ وَهُوَ صَامِتٌ. أَخِيِرَا فَهِمْتَ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ هَكَذَا مِنْ نَفْسِهِ. أَدْرَكْتُ أَنَّ الْلَّهَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَسَأَلْتُهُ: هَلْ الْلَّهَ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ إِبَرَاهِيمُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ: نَعَمْ.

قَالَتْ زَوْجَتُهُ الْمُؤْمِنَةِ الْعَظِيْمَةِ: لَنْ نُضَيِّعَ مَا دَامَ الْلَّهَ مَعَنَا وَهُوَ الَّذِيْ أَمَرَكَ بِهَذَا. وَسَارَ إِبْرَاهِيْمَ حَتَّىَ إِذَا أَخْفَاهُ جَبَلٍ عَنْهُمَا وَقَفَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ الْكَرِيْمَتَيْنِ إِلَىَ الْسَّمَاءِ وَرَاحَ يَدْعُوَ الْلَّهَ: (رَّبَّنَا إِنِّيَ أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِيْ بِوَادٍ غَيْرِ ذِيْ زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).

لَمْ يَكُنْ بَيْتٌ الْلَّهَ قَدْ أُعِيْدَ بِنَاؤُهُ بَعْدَ، لَمْ تَكُنْ الْكَعْبَةِ قَدْ بُنِيَتْ، وَكَانَتْ هُنَاكَ حِكْمَةِ عَلِيا فِيْ هَذِهِ الْتَّصَرُّفَاتِ الْغَامِضَةِ، فَقَدْ كَانَ إِسْمَاعِيْلُ الْطِفْلِ الَّذِيْ تَرَكَ مَعَ أُمِّهِ فِيْ هَذَا الْمَكَانِ، كَانَ هَذَا الْطِّفْلُ هُوَ الَّذِيْ سَيَصِيْرُ مَسْؤُوْلا مَعَ وَالِدِهِ عَنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ فِيْمَا بَعْدُ.

وَكَانَتْ حِكْمَةِ الْلَّهِ تَقْضِيَ أَنْ يَمْتَدَّ الْعُمْرَانَ إِلَىَ هَذَا الْوَادِيْ، وَأَنْ يُقَامُ فِيْهِ بَيْتُ الَّلَهِ الَّذِيْ نَتَّجِهُ جَمِيْعا إِلَيْهِ أَثْنَاءَ الْصَّلاةِ بِوُجُوْهِنَا.

تَرَكَ إِبْرَاهِيْمُ زَوْجَتَهُ وَابْنُهُ الْرَّضِيِّعِ فِيْ الْصَّحْرَاءِ وَعَادٍ رَاجِعِا إِلَىَ كَفَاحِهِ فِيْ دَعْوَةِ الْلَّهِ. أَرْضَعَتْ أُمٌّ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَهَا وَأَحَسَّتْ بِالْعَطَشِ. كَانَتْ الْشَّمْسُ مُلْتَهِبَةً وساخِنّةً وَتُثِيرُ الْإِحْسَاسْ بِالْعَطَشِ.

بَعْدَ يَوْمَيْنِ انْتَهَىَ الْمَاءِ تَمَامَا، وَجَفَّ لَبَنُ الْأُمِّ. وَأَحَسَّتْ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيْلَ بِالْعَطَشِ.. كَانَ الْطَّعَامُ قَدْ انْتَهَىَ هُوَ الْآَخَرُ. وَبَدَا الْمَوْقِفِ صَعْبَا وَحَرَجا لِلْغَايَةِ.

مَاءً زَمْزَمَ:

بَدَأَ إِسْمَاعِيْلَ يَبْكِيَ مِنَ الْعَطَشِ. وَتَرَكْتُهُ أُمُّهُ وَانْطَلَقْتُ تَبْحَثُ عَنْ مَاءِ. رَاحَتْ تَمْشِيَ مُسْرِعَةً حَتَّىَ وَصَلَتْ إِلَىَ جَبَلٍ اسْمُهُ "الْصَّفَا". فَصَعِدْتُ إِلَيْهِ وَرَاحَتْ تَبْحَثُ بِهِمَا عَنْ بِئْرِ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ قَافِلَةِ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ.

وَنَزَلَتْ مُسْرِعَةٌ مَنْ الْصَّفَا حَتَّىَ إِذَا وَصَلَتْ إِلَىَ الْوَادِيْ رَاحَتْ تَسْعَىَ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمُجْهَدِ حَتَّىَ جَاوَزْتُ الْوَادِيْ وَوَصَلَتْ إِلَىَ جَبَلٍ "الْمَرْوَةِ"، فَصَعِدْتُ إِلَيْهِ وَنَظَرْتُ لِتَرَىَ أَحَدا لَكِنَّهَا لَمْ تَرَ أَحَدا.

وَعَادَتْ الْأُمَّ إِلَىَ طِفْلَهَا فَوَجَدْتُهُ يَبْكِيَ وَقَدْ اشْتَدَّ عَطَشَهُ. وَأَسْرَعَتْ إِلَىَ الْصَّفَا فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ، وَهَرْوَلْتُ إِلَىَ الْمَرْوَةِ فَنَظَرْتُ مِنْ فَوْقِهِ. وَرَاحَتْ تَذْهَبُ وَتَجِيْءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الْصَّغِيْرَيْنِ. سَبْعَ مَرَّاتٍ وَهِيَ تَذْهَبُ وَتَعُوْدُ.

وَلِهَذَا يَذْهَبُ الْحَجَّاجِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَعُوْدُوْنَ بَيْنَ الْصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِحْيَاءِ لِذِكْرَيَاتٍ أُمُّهُمْ الْأُوْلَىْ وَنَبِيُّهُمْ الْعَظِيْمُ إِسْمَاعِيْلَ. عَادَتْ هَاجَرَ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْسَّابِعَةِ وَهِيَ مُجْهِدَةٍ مُتْعَبَةٌ تَلْهَثُ. وَجَلَسْتُ بِجِوَارِ ابْنُهَا الَّذِيْ كَانَ صَوْتُهُ قَدْ بُحَّ مِنْ الْبُكَاءِ وَالْعَطَشِ.

وَفِيْ هَذِهِ الْلَّحْظَةِ الْيَائِسَةِ أَدْرَكْتُهَا رَحْمَةِ الْلَّهِ، وَضَرَبَ إِسْمَاعِيْلَ بِقَدَمِهِ الْأَرْضَ وَهُوَ يَبْكِيَ فَانْفَجَرَتْ تَحْتَ قَدَمِهِ بِئْرِ زَمْزَمَ. وَفَارَ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ. أَنْقَذَتْ حَيَاتَا الْطِّفْلِ وَالْأُمُّ. رَاحَتْ الْأُمُّ تَغْرِفُ بِيَدِهَا وَهِيَ تَشْكُرُ الْلَّهَ.

وَشَرِبْتُ وَسَقَتْ طِفْلَهَا وَبَدَأَتْ الْحَيَاةَ تَدُبُّ فِيْ الْمِنْطَقَةِ. صَدَقَ ظَنُّهَا حِيْنَ قَالَتْ: لَنْ نُضَيِّعَ مَا دَامَ الْلَّهَ مَعَنَا.
وَبَدَأَتْ بَعْضٍ الْقَوَافِلِ تَسْتَقِرَّ فِيْ الْمِنْطَقَةِ. وَجَذَبَ الْمَاءْ الَّذِيْ انْفَجَرَ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ عَدِيْدَا مِنَ الْنَّاسِ. وَبَدَأَ الْعُمْرَانَ يَبْسُطُ أَجْنِحَتِهِ عَلَىَ الْمَكَانِ.

الْأَمْرِ بِذِبْحٍ إِسْمَاعِيْلُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ:

كَبُرَ إِسْمَاعِيْلَ.. وَتُعَلِّقُ بِهِ قَلْبٌ إِبْرَاهِيْمَ.. جَاءَهُ الْعَقِبِ عَلَىَ كِبَرِ فَأَحِبَّهُ.. وَابْتَلَى الَلّهَ تَعَالَىْ إِبْرَاهِيْمَ بَلَاءٌ عَظِيْما بِسَبَبِ هَذَا الْحُبَّ. فَقَدْ رَأَىَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ فِيْ الْمَنَامِ أَنَّهُ يَذْبَحُ ابْنِهِ الْوَحِيْدَ إِسْمَاعِيْلَ. وَإِبْرَاهِيْمَ يَعْمَلَ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ.

انْظُرْ كَيْفَ يَخْتَبِرُ الْلَّهُ عِبَادَهُ. تَأَمَّلْ أَيٍّ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِبَارِ. نَحْنُ أَمَامَ نَبِيٍّ قَلْبِهِ أَرْحَمُ قَلْبَ فِيْ الْأَرْضِ. اتَّسَعَ قَلْبُهُ لِحُبِّ الْلَّهِ وَحُبُّ مِنَ خَلَقَ. جَاءَهُ ابْنٌ عَلَىَ كِبَرِ.. وَقَدْ طَعَنَ هُوَ فِيْ الْسِّنِّ وَلَا أَمَلْ هُنَاكَ فِيْ أَنْ يُنْجِبَ. ثُمَّ هَا هُوَ ذَا يَسْتَسْلِمُ لِلْنَّوْمِ فَيَرَىْ فِيْ الْمَنَامِ أَنَّهُ يَذْبَحُ ابْنِهِ وَبِكُرْهِ وَوْحُيَدِهُ الَّذِيْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ.

أَيُّ نَوْعٌ مِنَ الْصِرَاعِ نَشَبٍ فِيْ نَفْسِهِ. يُخْطِئُ مِنَ يَظُنُّ أَنْ صِرَاعَا لَمْ يَنْشَأْ قَطُّ. لَا يَكُوْنَ بَلَاءٌ مُّبِيْنا هَذَا الْمَوْقِفِ الَّذِيْ يَخْلُوَ مِنْ الْصِّرَاعِ. نَشِبَ الْصِّرَاعِ فِيْ نَفْسِ إِبْرَاهِيْمَ.. صِرَاعٌ أَثَارَتْهُ عَاطِفَة الْأُبُوَّةِ الْحَانِيَةُ. لَكِنْ إِبْرَاهِيْمَ لَمْ يَسْأَلِ عَنْ الْسَّبَبِ وَرَاءَ ذَبْحِ ابْنِهِ. فَلَيْسَ إِبْرَاهِيْمَ مَنْ يَسْأَلُ رَبَهُ عَنْ أَوَامِرَهُ.

فَكَّرَ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ وَلَدِهِ.. مَاذَا يَقُوْلُ عَنْهُ إِذَا أَرْقَدَهْ عَلَىَ الْأَرْضِ لِيَذْبَحَهُ.. الْأَفْضَلِ أَنْ يَقُوْلَ لِوَلَدِهِ لِيَكُوْنَ ذَلِكَ أَطْيَبُ لِقَلْبِهِ وَأَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرَا وَيَذْبَحُهُ قَهْرَا. هَذَا أَفْضَلُ.. انْتَهَىَ الْأَمْرُ وَذَهَبَ إِلَىَ وَلَدِهِ (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّيَ أَرَىَ فِيْ الْمَنَامِ أَنِّيْ أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىَ).

انْظُرُ إِلَىَ تُلَطِّفُهُ فِيْ إِبْلَاغِ وَلَدِهِ، وَتَرْكُ الْأَمْرِ لِيَنْظُرَ فِيْهِ الِابْنَ بِالْطَّاعَةِ.. إِنَّ الْأَمْرَ مَقْضِيّ فِيْ نَظَرِ إِبْرَاهِيْمَ لِأَنَّهُ وَحْيٌ مِنْ رَبِّهِ.. فَمَاذَا يَرَىَ الْابْنَ الْكَرِيمٌ فِيْ ذَلِكَ؟ أَجَابَ إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا أَمْرٌ يَا أَبِيْ فَبَادَرَ بِتَنْفِيذُهُ (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِيَ إِنْ شَاءَ الْلَّهُ مِنَ الصَّابِرِيْنَ).

تَأَمَّلْ رَدُّ الْابْنُ.. إِنْسَانٍ يُعَرِّفُ أَنَّهُ سَيَذْبَحُ فَيَمْتَثِلُ لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ وَيُقَدِّمُ الْمَشِيْئَةِ وَيَطْمَئِنُّ وَالِدِهِ أَنَّهُ سَيَجِدُهُ (إِنِ شَاءَ الْلَّهُ مِنَ الصَّابِرِيْنَ). هُوَ الْصَّبْرُ عَلَىَ أَيِّ حَالٍ وَعَلَىَ كُلِّ حَالٍ.. وَرُبَّمَا اسْتَعْذَبَ الْابْنُ أَنْ يَمُوْتَ ذَبْحَا بِأَمْرٍ مِنَ الْلَّهِ.. هَا هُوَ ذَا إِبْرَاهِيْمُ يُكْتَشَفَ أَنَّ ابْنَهُ يُنَافِسُهُ فِيْ حُبّ الْلَّهِ. لَا نَعْرِفُ أَيْ مَشَاعِرَ جَاشَتْ فِيْ نَفْسِ إِبْرَاهِيْمَ بَعْدَ اسْتِسْلَامٌ ابْنَهُ الْصَّابِرِ.

يَنْقُلَنَا الْحَقِّ نَقَلَةِ خَاطِفَةٌ فَإِذَا إِسْمَاعِيْلَ رَاقِدٌ عَلَىَ الْأَرْضِ، وَجْهَهُ فِيْ الْأَرْضِ رَحْمَةً بِهِ كَيْلَا يَرَىَ نَفْسَهُ وَهُوَ يَذْبَحُ. وَإِذَا إِبْرَاهِيْمُ يَرْفَعُ يَدَهُ بِالْسِّكِّيْنِ.. وَإِذَا أَمَرَ الْلَّهُ مُطَاعٍ. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) اسْتُخْدِمَ الْقُرْآَنَ هَذَا الْتَّعْبِيْرُ.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الْحَقِيقِيَّ.. تُعْطِيَ كَلٌّ شَيْءٍ، فَلَا يَتَبَقَىْ مِنْكَ شَيْءٌ.

عِنْدَئِذٍ فَقَطْ.. وَفِيْ الْلَّحْظَةِ الَّتِيْ كَانَ الْسِّكِّيْنِ فِيْهَا يَتَهَيَّأُ لِإِمْضَاءِ أَمْرِهِ.. نَادَى الْلَّهُ إِبْرَاهِيْمَ.. انْتَهَىَ اخْتِبَارُهُ، وَفَدَى الْلَّهِ إِسْمَاعِيْلَ بِذِبْحٍ عَظِيْمَ - وَصَارَ الْيَوْمُ عِيْدَا لِقَوْمٍ لَمْ يُوْلَدُوْا بَعْدُ، هُمْ الْمُسْلِمُوْنَ.

صَارَتْ هَذِهِ اللَّحَظَاتْ عْيْدَا لِلْمُسْلِمِيْنَ. عِيْدَا يَذْكُرُهُمْ بِمَعْنَىً الْإِسْلَامِ الْحَقِيقَيَّ الَّذِيْ كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيْمُ وَّإِسْمَاعِيْلُ.
وَمَضَتْ قُصَّةً إِبْرَاهِيْمَ. تَرَكَ وُلْدَهُ إِسْمَاعِيْلَ وَعَادٍ يُضْرِبُ فِيْ أَرْضِ الْلَّهِ دَاعِيا إِلَيْهِ، خَلِيْلَا لَهُ وَحْدَهُ.

وَمَرّتِ الْأَيَّامِ. كَانَ إِبْرَاهِيْمُ قَدْ هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّيْنَ مُسْقِطٌ رَأْسَهُ فِيْ الْعِرَاقِ وَعِبَرْ الْأُرْدُنِّ وَسَكَنَ فِيْ أَرْضِ كَنْعَانَ فِيْ الْبَادِيَةِ. وَلَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيْمُ يَنْسَىْ خِلَالَ دَعْوَتُهُ إِلَىَ الْلَّهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ أَخَبَارَ لُوْطٍ مَعَ قَوْمِهِ، وَكَانَ لُوْطٌ أَوَّلَ مَنِ آَمَنَ بِهِ، وَقَدْ أَثَابَهُ الْلَّهُ بِأَنْ بَعَثَهُ نَّبِيا إِلَىَ قَوْمٍ مِنْ الْفَاجِرِينَ الْعُصَاةُ.

الْبُشْرَىَ بِإِسْحَاقَ:

كَانَ إِبْرَاهِيْمُ جَالِسٌ لِوَحْدِهِ. فِيْ هَذِهِ الْلَّحْظَةِ، هَبَطَتْ عَلَىَ الْأَرْضِ أَقْدَامَ ثَلَاثَةٌ مِنَ المَلَائِكَةِ: جِبْرِيْلُ وَإِسْرَافِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ. يَتَشَكَّلُونَ فِيْ صُوْرَ بَشَرِيَّةٍ مِنْ الْجَمَالِ الْخَارِقِ. سَارُوْا صَامِتِيْنَ. مُهِمَّتُهُمْ مُزوَدْجَّةً. الْمُرُوْرِ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَتَبْشِيرُهُ.

ثُمَّ زِيَارَةِ قَوْمٍ لُوْطٍ وَوَضَعَ حَدَّ لْجَرَائِمِهُمْ.
سَارَ الْمَلَائِكَةُ الْثَّلاثَةِ قَلِيْلا. أَلْقَىَ أَحَدُهُمْ حَصَاةٌ أَمَامَ إِبْرَاهِيْمَ. رَفَعَ إِبْرَاهِيْمُ رَأْسِهِ.. تَأَمَّلْ وُجُوْهِهِمْ.. لَا يُعْرَفُ أَحَدا فِيْهِمْ. بَادَرُوهُ بِالْتَّحِيَّةِ. قَالُوْا: سَلَاما. قَالَ: سَلَامٌ.

نَهَضَ إِبْرَاهِيْمَ وَرَحْبٌ بِهِمْ. أَدْخَلَهُمْ بَيْتِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ ضُيُوْفِ وَغُرَبَاءَ. أُجْلِسَهُمْ وَاطْمَأَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ اطْمَأَنُّوْا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ وَخَرَجَ. رَاغَ إِلَىَ أَهْلِهِ.
نَهَضَتْ زَوْجَتِهِ سَارَةَ حِيْنَ دَخَلَ عَلَيْهَا. كَانَتْ عَجُوْزا قَدْ ابْيَضَ شَعْرَهَا وَلَمْ يَعُدْ يَتَوَهَّجُ بِالْشَّبَابِ فِيْهَا غَيْرَ وَمِيَضَ الإِيْمَانِ الَّذِيْ يُطِلُّ مِنْ عَيْنَيْهَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ لِزَوْجَتِهِ: زَارَنَا ثَلَاثَةِ غُرَبَاءَ.
سَأَلْتُهُ: مِنْ يَكُوْنُوْنَ؟

قَالَ: لَا أَعْرِفُ أَحَدا فِيْهِمْ. وُجُوْهٌ غَرِيْبَةٌ عَلَىَ الْمَكَانِ. لَا رَيْبَ أَنَّهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيْدٍ، غَيْرِ أَنْ مَلَابِسُهُمْ لَا تَشِيْ بِالْسَّفَرِ الْطَّوِيْلِ. أَيُّ طَعَامُ جَاهِزٌ لَدَيْنَا؟
قَالَتْ: نِصْفُ شَاةٍ.

قَالَ وَهُوَ يَهُمُّ بِالِانْصِرَافِ: نِصْفُ شَاةٍ.. اذْبَحِيْ لَهُمْ عِجْلا سَمِيْنَا. هُمْ ضُيُوْفِ وَغُرَبَاءَ. لَيْسَتْ مَعَهُمْ دَوَابَّ أَوْ أَحْمَالِ أَوْ طَعَامٌ. رُبَّمَا كَانُوْا جَوْعَى وَرُبَّمَا كَانُوْا فُقَرَاءِ.

اخْتَارَ إِبْرَاهِيْمَ عِجْلا سَمِيْنَا وَأَمَرَ بِذَبْحِهِ، فَذَكَرُوا عَلَيْهِ اسْمُ الْلَّهِ وْذَبْحُوهْ. وَبَدَأَ شِوَاءٍ الْعِجْلَ عَلَىَ الْحِجَارَةِ الْسَّاخِنَةُ. وَأُعِدَّتْ الْمَائِدَةِ. وَدَعَا إِبْرَاهِيْمُ ضَيْوَفُهُ إِلَىَ الْطَّعَامِ. أَشَارَ إِبْرَاهِيْمَ بِيَدِهِ أَنْ يَتَفَضَّلُوا بِاسْمِ الْلَّهِ، وَبَدَأَ هُوَ يَأْكُلُ لِيُشَجِّعَهُمْ.

كَانَ إِبْرَاهِيْمُ كَرِيْما يَعْرِفُ أَنَّ الْلَّهَ لَا يَتَخَلَّىْ عَنْ الْكُرَمَاءِ وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيْ بَيْتِهِ غَيْرَ هَذَا الْعِجْلُ، وَضُيُوْفُهُ ثَلَاثَةِ وَنِصْفِ شَاةً يَكْفِيْهِمْ وَيَزِيْدُ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ سَيِّدَا عَظِيْمَ الْكَرَمِ. رَاحَ إِبْرَاهِيْمَ يَأْكُلُ ثُمَّ اسْتُرِقَّ الْنَّظَرِ إِلَىَ ضَيْوَفُهُ لِّيَطْمَئِنَّ أَنَّهُمْ يَأْكُلُوْنَ. لَاحِظْ أَنَّ أَحَدا لَا يَمُدَّ يَدَهُ إِلَىَ الْطَّعَامِ.

قُرْبَ إِلَيْهِمْ الْطَّعَامَ وَقَالَ: أَلَا تَأْكُلُوْنَ؟ عَادَ إِلَىَ طَعَامِهِ ثُمَّ اخْتَلَسَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةً فَوَجَدَهُمْ لَا يَأْكُلُوْنَ.. رَأَىَ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَىَ الْطَّعَامِ. عِنْدَئِذٍ (أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيْفَةً). فِيْ تَقَالِيْدُ الْبَادِيَةِ الَّتِيْ عَاشَ فِيْهَا إِبْرَاهِيْمَ، كَانَ مَعْنَىً امْتِنَاعِ الْضُّيُوْفِ عَنْ الْأَكْلِ أَنَّهُمْ يَقْصِدُوْنَ شَرّا بِصَاحِبِ الْبَيْتِ.

وَلَاحَظَ إِبْرَاهِيْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ مُلَاحَظَةِ تُؤَيِّدَ غَرَابَةِ ضَيْوَفُهُ. لَاحَظَ أَنَّهُمْ دَخَلُوْا عَلَيْهِ فَجْأَةً. لَمْ يُرِهِمْ إِلَا وَهُمْ عِنْدَ رَأْسِهِ. لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ دَوَابَّ تَحْمِلُهُمْ، لَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ أَحْمَالِ.

وُجُوْهِهِمْ غَرِيْبَةٌ تَمَامَا عَلَيْهِ. كَانُوْا مُسَافِرِيْنَ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَثَرِ لِتْرَابْ الْسَّفَرِ. ثُمَّ هَا هُوَ ذَا يَدْعُوَهُمْ إِلَىَ طَعَامِهِ فَيَجْلِسُوْنَ إِلَىَ الْمَائِدَةُ وَلَا يَأْكُلُوْنَ. ازْدَادَ خَوْفٌ إِبْرَاهِيْمَ.

كَانَ الْمَلَائِكَةُ يَقْرَءُوْنَ أَفْكَارَهُ الَّتِيْ تَدُوْرُ فِيْ نَفْسِهِ، دُوْنَ أَنْ يَشِيْ بِهَا وَجْهَهُ. قَالَ لَهُ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ: (لَا تَخَفْ). رَفَعَ إِبْرَاهِيْمُ رَأْسُهُ وَقَالَ بِصِدْقِ عَظِيْمٌ وَبَرَاءَةٌ: اعْتَرَفَ إِنَّنِيْ خَائِفٌ. لَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَىَ الْطَّعَامِ وَرَحَّبَتْ بِكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ لَا تَمُدُّوْنَ أَيْدِيَكُمْ إِلَيْهِ.. هَلْ تَنْوُونَ بِيَ شَرّا؟

ابْتَسَمَ أَحَدٌ الْمَلَائِكَةُ وَقَالَ: نَحْنُ لَا نَأْكُلُ يَا إِبْرَاهِيْمُ.. نَحْنُ مَلَائِكَةً الْلَّهِ.. وَقَدْ (أَرْسَلْنا إِلَىَ قَوْمِ لُوْطٍ)
ضَحِكَتْ زَوْجَةً إِبْرَاهِيْمَ.. كَانَتْ قَائِمَةً تَتَابَعَ الْحِوَارْ بَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَهُمْ، فَضَحِكَتْ.

الْتَفَتَ إِلَيْهَا أَحَدٌ الْمَلَائِكَةُ وَبَشِّرْهَا بِإِسْحَاقَ.
صَكَّتْ الْعَجُوزِ وَجْهِهَا تَعَجُّبا:
قَالَتْ يَا وَيْلَتَىَ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوَزٌ وَهَـذَا بَعْلِيّ شَيْخا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيْبٌ (72) (هُوْدٍ)

عَادَ أَحَدٌ الْمَلَائِكَةُ يَقُوْلُ لَهَا:
وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوْبَ
جَاشَتْ الْمَشَاعِرِ فِيْ قَلْبِ إِبْرَاهِيْمَ وَزَوْجَتَهُ. شَفَّ جَوِّ الْحُجْرَةِ وَانْسَحَبَ خَوْفٌ إِبْرَاهِيْمَ وَاحْتَلَّ قَلْبِهِ نَوْعَ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَرَحِ الْغَرْيِبَّ الْمُخْتَلِطُ.

كَانَتْ زَوْجَتَهُ الْعَاقِرُ تَقْفُ هِيَ الْأُخْرَى وَهِيَ تَرْتَجِفُ. إِنَّ بِشَارَةَ الْمَلَائِكَةِ تَهُزُّ رُوْحُهَا هَزّا عَمِيْقَا. إِنَّهَا عَجُوَزٌ عَقِيْمٌ وَزَوْجُهَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ. كَيْفَ؟! كَيْفَ يُمْكِنُ؟!

وَسَطِ هَذَا الْجَوِّ الْنَّدِيِّ الْمُضْطَرِبُ تَسَاءَلَ إِبْرَاهِيْمَ:
أَبَشَّرْتُمُونِيَ عَلَىَ أَنْ مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُوْنَ (54) (الْحَجَرَ)
أَكَانَ يُرِيْدُ أَنْ يَسْمَعْ الْبِشَارَةِ مَرَّةً أُخْرَىَ؟ أَكَانَ يُرِيْدُ أَنْ يَطْمَئِنّ قَلْبِهِ وَيَسْمَعُ لِلْمَرَّةِ الْثَّانِيَةِ مِنَةً الْلَّهُ عَلَيْهِ؟ أَكَانَ مَا بِنَفْسِهِ شُعُورَا بَشِّرِيّا يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَوْثِقُ؟ وَيَهْتَزُّ بِالْفَرَحِ مَرَّتَيْنِ بَدَلَا مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةِ؟ أَكَّدَ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهُمْ بَشَّرُوْهُ بِالْحَقِّ.
قَالُوَا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِّنَ الْقَانِطِيْنَ (55) (الْحَجَرَ)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَا الْضَّآلُّونَ (56) (الْحَجَرَ)

لَمْ يَفْهَمْ الْمَلَائِكَةُ إِحْسَاسَهُ الْبَشَرِيَّ، فَنَّوَّهَ عَنْ أَنْ يَكُوْنَ مِنَ الْقَانِطِيْنَ، وَأَفْهِمْهُمُ أَنَّهُ لَيْسَ قَانِطَا.. إِنَّمَا هُوَ الْفَرَحُ.
لَمْ تَكُنْ الْبُشْرَىَ شَيْئا بَسِيْطَا فِيْ حَيَاةِ إِبْرَاهِيْمَ وَزَوْجَتَهُ. لَمْ يَكُنْ لِّإِبْرَاهِيْمَ غَيْرِ وَلَدٍ وَاحِدٍ هُوَ إِسْمَاعِيْلُ، تَرْكُهُ هُنَاكَ بَعِيْدا فِيْ الْجَزِيْرَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَلَمْ تَكُنْ زَوْجَتُهُ سَارَةُ قَدْ أَنْجَبَتِ خِلَالَ عِشْرَتِهَا الْطَّوِيْلَةِ لِّإِبْرَاهِيْمَ، وَهِيَ الَّتِيْ زَوْجَتَهُ مِنْ جَارِيَتَهَا هَاجَرَ. وَمَنْ هَاجَرَ جَاءَ إِسْمَاعِيْلُ. أَمَّا سَارَةُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ. وَكَانَ حَنِيْنِهَا إِلَىَ الْوَلَدِ عَظِيْما، لَمْ يُطْفِئِ مُرُوْرِ الْأَيَّامِ مِنْ تَوَهُّجُهُ. ثُمَّ دَخَلْتُ شَيْخُوْخَتِهَا وَاحْتُضِرَ حُلْمَهَا وَمَاتَ.

َانَتْ تَقُوْلُ: إِنَّهَا مَشِيْئَةِ الْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
هَكَذَا أَرَادَ الْلَّهُ لَهَا. وَهَكَذَا أَرَادَ لِزَوْجِهَا. ثُمَّ هَا هِيَ ذِيْ فِيْ مَغِيْبٍ الْعُمْرَ تُتَلَقَّى الْبِشَارَةِ. سَتَلِدُ غُلَامُا. لَيْسَ هَذَا فَحَسْبْ، بَشَرَتَهَا الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ ابْنَهَا سَيَكُوْنُ لَهُ وَلَدٌ تَشْهَدُ مَوْلِدُهُ وَتَشْهَدُ حَيَاتِهِ.

لَقَدْ صَبَرْتُ طَوَيْلَا ثُمَّ يَئِسَتْ ثُمَّ نَسِيْتُ. ثُمَّ يَجِيْءُ جَزَاءُ الْلَّهِ مُفَاجَأَةٌ تَمْحُوَ هَذَا كُلُّهُ فِيْ لَحْظَةٍ.
فَاضَتْ دُمُوْعِهَا وَهِيَ تَقِفُ. وَأُحِسُّ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ بِإِحْسَاسْ مُحَيِّرٌ. جَاشَتْ نَفْسُهُ بِمَشَاعِرَ الْرَّحْمَةِ وَالْقُرْبُ، وَعَادٍ يُحِسُّ بِأَنَّهُ إِزَاءَ نِعْمَةٍ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ يُوَفِّيَهَا حَقّهَا مِنْ الْشُكْرْ. وَخَرَّ إِبْرَاهِيْمَ سَاجِدَا عَلَىَ وَجْهِهِ.

انْتَهَىَ الْأَمْرُ وَاسْتَقَرَّتْ الْبُشْرَىَ فِيْ ذهِنِيْهُما مَعَا. نَهَضَ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ سُجُوْدِهِ وَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ خَوْفِهِ، وَاطْمَأَنَّتْ حَيْرَتَهُ، وَغَادَرَهُ الْرَّوْعُ، وَسَكَنَتْ قَلْبِهِ الْبُشْرَىَ الَّتِيْ حَمَلُوْهَا إِلَيْهِ. وَتَذَكَّرْ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوْا إِلَىَ قَوْمٍ لُوْطٍ.

وَلُوْطٌ ابْنِ أَخِيْهِ الْنَّازِحُ مَعَهُ مِنْ مُسْقِطٌ رَأْسِهِ، وَالْسَّاكِنُ عَلَىَ مَقْرُبَةٍ مِنْهُ. وَإِبْرَاهِيْمَ يُعْرَفْ مَعْنَىً إِرْسَالَ المَلَائِكَةِ إِلَىَ لُوْطٍ وَقَوْمِهِ. هَذَا مَعْنَاهُ وُقُوْعِ عَذَابٌ مُرَوِّعٌ. وَطَبِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ الْرَّحِيْمَةُ الْوَدُوْدَة لَا تَجْعَلْهُ يُطِيْقُ هَلَاكُ قَوْمٌ فِيْ تَسْلِيْمِ. رُبَّمَا رَجَعَ قَوْمٌ لُوْطٍ وَأَقْلِعُوا وَأَسْلِمُوا أَجَابُوْا رَسُوْلُهُمْ.

وَبَدَأَ إِبْرَاهِيْمَ يُجَادِلُ الْمَلَائِكَةُ فِيْ قَوْمِ لُوْطٍ. حَدَّثَهُمْ عَنْ احْتِمَالِ إِيْمَانِهِمْ وَرُجُوْعِهِمْ عَنْ طَرِيْقِ الْفُجُوْرِ، وَأَفْهَمْهُ الْمَلَائِكَةُ أَنِ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُوْنَ. وَأَنْ مُهِمَّتُهُمْ هِيَ إِرْسَالُ حِجَارَةً مِّنَ طِيْنٍ مُسَوَّمَةً مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِيْنَ.

وَعَادَ إِبْرَاهِيْمُ، بَعُدَ أَنَّ سَدَّ الْمَلَائِكَةُ بَابُ هَذَا الْحِوَارَ، عَادَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ الْمُؤْمِنِيْنَ مِنْ قَوْمٍ لُوْطٍ. فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةِ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيْهَا. ثُمَّ أَفْهِمُوهُ أَنَّ الْأَمَرُّ قَدْ قُضِيَ. وَإِنْ مَشِيْئَةَ الْلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ قَدْ اقْتَضَتْ نَفَاذِ الْأَمْرِ وَهَلَاكِ قَوْمٍ لُوْطٍ.

أَفْهَمُوا إِبْرَاهِيْمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْرَضَ عَنِ هَذَا الْحِوَارَ. لِيُوَفِّرَ حِلْمِهِ وَرَحْمَتُهُ. لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ رَبِّهِ. وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِمْ (عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُوْدٍ) عَذَابٌ لَنْ يَرُدُّهُ جِدَالَ إِبْرَاهِيْمَ. كَانَتْ كَلِمَةُ الْمَلَائِكَةُ إِيْذَانا بِنِهَايَةِ الْجِدَالُ.. سَكَتَ إِبْرَاهِيْمَ. وَتَوَجَّهْتُ الْمَلَائِكَةُ لِقَوْمٍ لُوْطٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ

وَكَانَتْ نِهَايَتُهُمْ.



ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم: 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
ابْرَاهِيْمُ الخليلُ عَليْهِ السَّلاَم:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: قـصــص الأنـبـيـــــاء-
انتقل الى: