المبحث السادس
تخريج وتنزيل الممارسات الطبية المعاصرة على المدارك الشرعية:
وبعد هذا التطواف المبين لمدارك ومآخذ الأحكام التي فيها ممارسات على بدن الإنسان وتنزيل الفروع الفقهية المعاصرة لمتقدمي الفقهاء عليها.
وبعد أن أحاط الناظر خبراً بأنواع الممارسات الطبية الفاعلة على بدن الإنسان في أوعيتها الثلاثة العامة وهي:
1- إجراء العمليات.
2- التشريح.
3- النقل والتعويض الإنساني.
وعلم أقسام كل على سبيل التتبع والاستقراء، مما به يعلم " التصور الطبي للنازلة الطبية " حتى يمكن معرفة تقبل القواعد الشرعية لها جوازاً أو منعاً.
بعد هذا كله نأخذ بها واحدة إثر الأخرى في أوعيتها العامة على ما يلي:
أولاً:
إجراء العمليات طرداً لمشروعية التداوي في الشرع، فإن إجراء الممارسة الطبية الفاعلة على بدن الإنسان في عملية شق البطن لرتق فتق، أو قطع زائدة دودية ونحو ذلك، مما فيه دفع مرض، والعادة جارية بنجاحه في عرف الطب الذي يعايشه الإنسان...
فهذا مما لا خلاف في جوازه إلحاقاً له بحكم الأصل.
نعم الخلاف في بعض متعلقات العملية من التخدير بالبنج ، والمشارطة على البرء....
وهذه ونحوها محررة أحكامها في المدونات الفقهية، والله أعلم.
ثانياً: التشريح
علم التشريح مرتكز أساسي لحذق الطبيب، وطريق اكتسابه إما عملياً أو نظرياً، ولا غنى للطبيب عن ممارسته عملياً.
والتشريح أيضاً هو الأساس في تشخيص الأمراض.
والتشريح مفيد إلى حد ما في تحديد سبب الوفاة هل هو باعتداء أم بدون اعتداء، وفي كشف الجريمة هل هي بمثقل أو محدد، وهل الوفاة بسبب الجناية أو ليست بسببها، والتشريح أساس للطب في إطار " النقل والتعويض الإنساني ".
والتشريح يفيد تأييد الحكم الفقهي في مسائل شرعية يقررها الفقهاء منها:
1- أن بعض أهل العلم قرروا في:
عين الأعور الدية كاملة ، والعلة أن العين العوراء يرجع نورها للصحيحة.
والتشريح يكشف عن تحديد هذا حتى يصحح القول بوجوب الدية كاملة، أو نصف الدية كالشأن فيمن له عينان سليمتان فجني على إحداهما ففيها نصف الدية (30).
2- ومنه البحث في طهارة المني ونجاسته (31).
فقد علل القائلون بنجاسته وهم: المالكية، والحنفية، بأنه من مجرى البول.
والشافعية قالوا بأن لكل منهما مجرى فهو طاهر، قال القاضي أبو الطيب : " وقد شق ذكر رجل فوجد كذلك ".
فالحكم في قيام هذا التعليل أو إلغائه للتشريح.
وبعد: فيرد السؤال المعاصر هل يخرج التشريح في صوره الثلاث أو في إحداها على الجواز أم المنع؟
فيقال:
أما تشريح الميت لكشف الجريمة، فإنه متى استدعى الحال لخفاء في الجريمة، وسبب الوفاة باعتداء، وهل هذه الآلة المعتدى به قاتلة منها، فمات بسببها أو لا؟ فإنه يتخرج القول بالجواز، صيانة للحكم عن الخطأ، وصيانة لحق الميت الآيل إلى وارثه، وصيانة لحق الجماعة من داء الاعتداء والاغتيال، وحقناً لدم المتهم من وجه، فتحقيق هذه المصالح غالبت ما يحيط بالتشريح من هتك لحرمة الميت، وقاعدة الشريعة ارتكاب أخف الضررين ، والضرورات تبيح المحظورات ، والله أعلم.
وهذا الجواز عند من قال به في ضوء الشروط الآتية:
1- أن يكون في الجناية متهم.
2- أن يكون علم التشريح لكشف الجريمة بلغ إلى درجة تفيد نتيجة الدليل، كالشأن في اكتشاف تزوير التوقيعات والخطوط.
3- قيام الضرورة للتشريح بأن تكون أدلة الجناية ضعيفة لا تقوى على الحكم بتقدير القاضي.
4- أن يكون حق الوارث قائماً لم يسقطه.
5- أن يكون التشريح بواسطة طبيب ماهر.
6- إذن القاضي الشرعي.
7- التأكد من موت من يراد تشريحه لكشف الجريمة:
الموت المعتبر شرعاً.
إما التشريح لكشف المرض.
وإما التشريح للتعلم والتعليم.
فحيث إن جثث الموتى من الوثنيين وغيرهم من الكفار ميسورة الشراء لهذين الغرضين بأرخص الأسعار، وأموال المسلمين نهاباً يبذل قسط منها في غير مصارفه الشرعية فهي غير منتظمة المصارف على رسم الشرع.
ثالثاً:
النقل والتعويض الإنساني
في أقسامه الأربعة
يقصد بالنقل والتعويض الإنساني: نقل قطعة من جلد إلى مكان آخر من بدنه، أو نقل عضو، أو دم، من بدن إنسان متبرع به غالباً إلى بدن إنسان آخر، ليقوم مقام ما هو تالف فيه أو مقام ما لا يقوم بكفايته، ولا يؤدي وظيفته بكفاءة.
وقد اشتهر بلقب:
زراعة الأعضاء الإنسانية.
غرس الأعضاء.
انتفاع الإنسان بأعضاء الإنسان.
ترقيع الأعضاء.
والدم بخصوصه اشتهر بلقب.
" نقل الدم " و " التلقيح بالدم ".
لكن هنا من النقولات ما لم يشمله هذان اللقبان وهو:
النقل لغير دم أو عضو كنقل قطعة من جلد، إذ لا يطلق عليها " عضو " وأن يكون النقل إليه أو إلى إنسان آخر.
ويمكن تقسيمه باعتبارين:
أولاً: أقسامه باعتبار المنقول وهي ثلاثة:
1- نقل الدم.
2- نقل عضو.
3- نقل ما دون العضو كقطعة جلد، أو بعض شريان.
ثانياً: أقسامه باعتبار طرفي النقل.
1- النقل الذاتي أي من بدن الإنسان إليه ذاته من مكان إلى آخر مثل ترقيع الشفة بقطعة من الفخذ، وترقيع الجفن بقطعة من الشفة.
2- النقل من حي إلى حي.
3- النقل من ميت إلى حي.
وللترابط بين هذين التقسيمين بهذين الاعتبارين في ترتيب الحكم ، فإنه يمكن لنا حصر النقولات في أقسامها الأربعة الآتية:
القسم الأول:
نقل الدم من إنسان حي إلى آخر
ويقال: التبرع بالدم.
وهذا أوسعها انتشاراً.
القسم الثاني:
النقل الذاتي، من الإنسان إليه ذاته.
وهذا يليه في الانتشار، خاصة في عمليات التجميل.
القسم الثالث:
النقل لعضو ونحوه من حي إلى حي، للعلاج.
القسم الرابع:
النقل لعضو ونحوه من إنسان ميت إلى حي للعلاج.
وقد وصل الطب إلى عدد من مفردات النقل منها:
1- نقل القرنية: وقد أقيم لها مراكز عالمية.
والقرنية، الجزء الأمامي من جدار المقلة، وهي قرص صلب شفاف يغطي سواد العين وتمتاز عن معظم أنسجة العين، وأنسجة الجسم كلها بأنها شفافة للضوء.
2- نقل الكلى وزرعها. وقد أقيم مراكز عالمية لها.
3- العظام.
4- نقل شريان من الساق مثلاً للقلب.
5- توصيل الأمعاء المستأصلة. استئصال الأمعاء وتوصيلها.
6- المفاصل.
7- البنكرياس، وخلاياه.
8- نقل القلب وزرعه.
9- الكبد.
10- الرئتان.
11- العضو التناسلي، والغدد التناسلية.
النقل والتعويض بين رتب المصالح
الضرورة والحاجة والتحسين:
يمكن تصنيف دواعي النقل والتعويض إلى ثلاث مراتب:
1- ما يقع في مرتبة الضرورة، والضرورة فيما يتوقف حياة الإنسان عليه.
2- ما يقع في مرتبة الحاجة، كالقرنية.
3- ما يقع في مرتبة التحسينات، كسن وتسوية شفة ونحوها.
تقسيمها باختلاف الدين
والنقل والتعويض ينقسم باعتبار اختلاف الملة إلى قسمين:
النقل من مسلم إلى كافر وعكسه، لاسيما إذا كان بين ولد مسلم ووالدته الكتابية.
وللأطباء تقسيمات أخر باعتبار (32):
الذاتية: أي كونها من الجسم ذاته وإليه من منطقة إلى أخرى.
والتماثل: كالنقل بين التوأمين.
والتباين: كالنقل بين آدميين.
والدخيلة: كالنقل من حيوان، أو مصنعة إلى آدمي.
لكن هذه التقسيمات الطبية لا يترتب عليها اختلاف في الحكم الشرعي ، سوى في " الدخيلة " وستعلم ما فيها بعد، إن شاء الله تعالى.
وباعتبار عملية التعويض يقسمها الأطباء إلى تقسيم آخر إلى قسمين (2):
1- الموضع السوي: بمعنى غرس أو زرع العضو في مكان التالف ذاتاً أو منفعة. وهذا في: القلب والرئتين أو الكبد أو القرنية.
2- الموضع المختلف: بمعنى زرع العضو في غير محل التالف، مثاله: زرع الكلى في: الحفرة الحرقفية بدلاً من موضعها في الخاصرة.
النقل من ميت لحي
يتصور من حيث الإذن وعدمه إلى الصور الآتية:
1- ميت أذن قبل وفاته.
2- ميت لم يعقب وارثاً.
3- ميت عقب وارثاً ولم يأذن الوارث.
4- ميت عقب ورثة فأذن بعضهم.
5- ميت عقب ورثة فأذنوا جميعهم.
التخريج الشرعي للنقولات
أولاً: التخريج للتغذية بالدم
في أعقاب الإنجاز الطبي الحديث بنقل الدم من إنسان إلى آخر تعويضاً له عن نقص في مادة أو عن نزيف حصل له كالحال في بعض الحوادث، وحالات الولادة ولقاء إجراء العمليات وهكذا ـ حصل تغليب العلماء لها وتخريجها على ما يمكن تخريجها عليه، والتنظير لها بفروع من بابها، وكيف الاعتذار في نظر المبيح عن حديث النهي عن التداوي بالحرمات ، وكتبت في هذا أبحاث، ورسائل.
وبعد تطواف كبير استقرت كلمة أهل العلم على الجواز في محيط الشروط والضوابط الآتية وهي:
1- قيام الضرورة وتحققها.
2- عدم وجود بديل له مباح .
3- غلبة الظن على نفع التغذية به.
4- تحقيق عدم الخطر على المأخوذ منه.
5- توفر رضا المأخوذ منه وطواعيته.
6- أن يكون النقل والتعويض يجريه طبيب ماهر.
7- أن تكون التغذية به بقدر ما ينقذه فالضرورة تقدر بقدرها.
والمدرك الفقهي لهذه المسألة، الذي ينفي الاضطراب ويقطع القيل والقال هو أن نقل الدم من إنسان إلى آخر في إطار الشروط المذكورة ومن أهمها " الاضطراب " هو: " من باب الغذاء لا الدواء " فكمية الدم نقصت مادتها فيحتاج إلى تغذيتها (33).
ولهذا فهو داخل في حكم المنصوص عليه بإباحة تناول المضطر في مخمصة من المحرمات لإنقاذ نفسه من الهلكة، كما في آيات الاضطرار ومنها قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} إلى قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} المائدة: 3.
ولو قيل: هو من باب الدواء فيقال (34): "إذا اضطررنا إليه فلم يحرم علينا حينئذ، بل هو حلال فهو لنا حينئذ شفاء ".
هذا وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع:
أن الدم الآدمي طاهر ما دام في جسده ، فإذا ظهر وبرز كان نجساً، ورد على من قال بنجاسته ما دام في جسد الآدمي بوجوه متعددة من أهمها (35):
عدم الدليل على تنجيسها والأصل الطهارة، وإن خاصية النجس وجوب مجانبته في الصلاة، وهذا مفقود فيها في البدن من الدماء وغيرها ومنها: " إن الدماء المستخبثة في الأبدان وغيرها هي أحد أركان الحيوان التي لا تقوم حياته إلا بها حتى سميت نفساً، فالحكم بأن الله يجعل أحد أركان عباده من الناس والدواب نوعاً نجساً في غاية البعد".
لكن بقي هنا أبحاث:
الأول:
أن الأصل هو التبرع به، وبيعه فيه إهدار لكرامة الدم الإنساني وقيمته. وفي هذا بحث سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر أبحاث هذه النازلة.
الثاني:
النقل والتعويض للدم بين مختلفي الديانة كمسلم وكافر، كحال من كانت أمه كتابية ووالده مسلم.
الثالث:
جمع الدم في " بنوك الدم " تحسباً لوجود المضطر ، ومفاجأة أحوال الاضطرار وتكاثرها، تقتضي ذلك. فهو تبرع من مالكه بشرطه من عدم التأثير على صحته... لمضطر يحتاج إليه.
وقد نص بعض أهل العلم على ما هو أقل من هذا في تزود المضطر مما أبيح له أكله ضرورة .
قال البهوتي في " كشاف القناع ":
" وللمضطر أن يتزود من المحرم إن خاف الحاجة إن لم يتزود " اهـ.
ثانياً: التخريج الشرعي للنقل الذاتي
النقل الذاتي من مكان من بدن الإنسان إلى مكان آخر منه ذاته هو في الحكم كإجراء عملية له كالفتق، والزائدة الدودية، وقطع العضو المتآكل، وهكذا طرداً لقاعدة التداوي: "الجواز" في إطار شروط التداوي العامة. والله أعلم.
ثالثاً: النقل من حي إلى حي
النقل من حي إلى حي، لا يخلو من حيث التأثير على حياة المنقول منه وصحته من واحد من الأحوال الآتية:
1- لا تأثير له بأي ضرر مطلقاً كنقل قطعة من جلد ونحوه مما لا تتوقف حياته ولا صحته عليه. وهذا أمر افتراضي ولم نعلم في أبحاث الطب نقلاً من هذا النوع.
2- نقل يؤدي إلى ضرر جزئي محتمل لا خطر معه على صحته ولا حياته، مثل: نقل سن، أو نقل دم.
فهذا افتراض لا نعلمه في أبحاث الطب سوى نقل الدم للتغذية به، وقد تقدم بيانه.
3- نقل يؤدي إلى ضرر بالغ بتفويت أصل الانتفاع أو جله كقطع كلية، أو يد، أو رجل...
والذي يظهر والله أعلم تحريمه وعدم جوازه، لأنه تهديد لحياة متيقنة بعملية ظنية موهومة من إمداد بمصلحة مفوتة لمثلها ، بل أعظم منها.
ولأن حق الله تعالى متعلق ببدن الإنسان قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فمن يفتقد عضواً عاملاً في بدنه يرتفع عنه بمقدار عجزه عدد من تكاليف الشريعة {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61].
فكيف يفعل الإنسان هذا بنفسه وإرادته ويفوت تكاليف مما خلق ليوفرها لغيره بسبيل مظنون ، فالضرر لا يزال بمثله، فهذه المصلحة المظنونة بتفويت المتيقنة مما يشهد الشرع بإلغائها وعدم اعتبارها.
4- نقل يؤدي إلى: الخطر على الحياة أو الصحة ، أو يؤدي إلى الموت، كنزع القلب والرئة... فهذا قتل للنفس، وانتحار بطيء والله تعالى يقول : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } [ النساء: 29] وهو من أشد المحرمات في الشرع والفطرة.
الرابع: النقل من ميت إلى حي
اعلم أن المراد بالميت هنا هو من فارقت روحه بدنه بانقطاعها عن بدنه انقطاعاً تاماً من توقف دقات قلبه المنزلة طبيعياً أو صناعياً واستكمال أماراته، فهذه هي الوفاة التي تترتب عليها أحكام مفارقة الإنسان للدنيا من انقطاع أحكام التكليف، وخروج زوجته من عهدته، وماله لوارثه، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه...
أما نصب " موت الدماغ " أو " جذع الدماغ " تحقيقاً لموته مع نبض قلبه ولو آلياً فهذا في الحقيقة ليس موتاً لكنه نذير وسير إلى الموت، فما زال له حكم الأحياء حتى يتم انفصال الروح عن البدن.
ولذا:
لابد لنا من تصور الأحوال حتى يكون بإذن الله تعالى تنزيل الحقيقة الشرعية على الحقيقة الواقعية الطبيعية لكل مسألة بخصوصها، وهنا طرفان: ميت، وحي.
أما الميت المأخوذ منه:
فنتصور الحال من حيث الإذن وعدمه إلى ما يلي:
1- ميت أذن قبل وفاته بانتزاع عضو منه لمعين أو غير معين.
2- ميت لم يعقب وارثاً.
3- ميت عقب وارثاً ولم يأذن الوارث.
4- ميت عقب ورثة فأذن البعض.
5- ميت عقب ورثة فإذن جميعهم.
أما الحي فلا تخلو مصلحته من مراتب المصالح الثلاث:
1- إما أن تكون ضرورية تتوقف حياته إلى ذلك العضو.
2- وإما أن تكون حاجية لا تتوقف حياته عليها كالحاجة إلى قرنية ونحوها.
3- وإما أن تكون تحسينية كترقيع شفة ونحوها.
وعليه:
فإذا كانت المصلحة تحسينية فلا ينبغي الخلاف بعدم الجواز، سواء أذن الميت قبل وفاته أو لا ؟ لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فلا يجوز انتهاك حرمته المحرمة لتوفير مصلحة تحسينية تجميلية، وفي هذا تعريض لجثة الميت للامتهان، وتسويغ العبث بها.
وأما إن كانت مصلحة الحي حاجية، فإن حرمة الميت واجبة كحرمة الحي، وهتكها وقوع في محرم، فلا ينبغي خرق الحرمة والوقوع في الحرام لمصلحة مكملة للانتفاع.
وأما إن كانت ضرورية، والضرورية هنا مفسرة بما تتوقف حياته عليه كالقلب والكلى، والرئتين ونحوها من أصول الانتفاع الضرورية.
فيها يتخرج الجواز عند من قال به، لأمور.
1- بالموازنة بين المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، فإن مصلحة الحي برعاية إنقاذ حياته أعظم من مصلحة الميت بانتهاك حرمة بدنه وقد فارقته الروح، وأذن به، ولهذا نظائر في الفروع المتقدمة عند عدد من أهل العلم من التناول في حال الاضطرار من: لبن المرأة الميتة، ولحم الآدمي، وشق بطن المرأة الميتة الحامل إذا كان حملها يضطرب وقد علمت ما فيه، ونبش القبر لمصلحة حي، وبقر بطن ميت ابتلع مال حي وقد علمت ما فيه أيضاً...إلخ. إلى آخر ما تقدم من فروع على قواعد الضرر من أنه يزال، وإن الضرورات تبيح المحظورات. والله أعلم.
2- وشرط إذنه وإذن ورثته، لأن رعاية كرامته حق مقرر له في الشرع فلا ينتهك إلا بإذنه، فهو محق موروث كالحال في المطالبة من الوارث في حد قاذفه ـ ولذا فإن الإذن هو إيثار منه أو من مالكه الوارث ـ لرعاية حرمة الحي على رعاية حرمته بعد موته في حدود ما أذن به.
ولذا صح ولزم شرط الإذن منه قبل موته، أو من ورثته جميعهم.
أما إن فات هذا الشرط ولم يتحقق بإذنه، أو إذن جميع ورثته بأن أذن بعض دون بعض فلا يجوز انتزاع عضو منه بل المراغمة في هذا: هتك تعسفي للحق وحرمة الرعاية له.
أما من لا وارث له إذا مات ببلد إسلام تحت ولاية سلطان مسلم بحكم الشرع ويقيم الحدود وينفذ أحكام الإسلام فالسلطان ولي من لا ولي له فهو يقوم مقام الوارث له.