أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الاعلام والإرهاب الإثنين 17 أبريل 2017, 8:41 pm | |
| الاعــــلام والإرهــاب ورقـــة مقدمـــة إلى: مؤتمر جامعة الحسين بن طلال الدولي حــول: الارهــاب فـي العصــر الرقــمي الـدكـتــور: هــايــل ودعــان الدعـجــــة ===================== يلعب الاعلام دوراً هاماً ومؤثراً في توجهات الرأي العام واتجاهاته، وصياغة مواقفه وسلوكياته من خلال الاخبار والمعلومات التي تزوده بها وسائل الاعلام المختلفة. إذ لا يستطيع الشخص تكوين موقف معين او تبني فكرة معينة الا من خلال المعلومات والبيانات التي يتم توفيرها له، ما يؤكد قدرة الاعلام بكافة صوره وأشكاله على إحداث تغييرات في المفاهيم والممارسات الفردية والمجتمعية عن طريق تعميم المعرفة والتوعية والتنوير وتكوين الرأي ونشر المعلومات والقضايا المختلفة.
وفي الوقت الذي اصبحت فيه وسائل الاعلام جزءاً اساسياً من حياة الشعوب والمجتمعات، بفعل استجابتها ومواكبتها للتطورات والمستجدات الحاصلة في شتى المجالات الحياتية، وقدرتها على الوصول الى الجماهير ومخاطبتها والتأثير فيها، فان هذا يتطلب ضرورة مراعاة ظروف كل مجتمع وبيئته الثقافية والقيمية والفكرية بشكل يضمن احترام هوية هذا المجتمع وخصوصيته.
دون ان يعني ذلك تجاهل الآخر وعدم جواز التعرف على ثقافته وحضارته، اذ لابد من التواصل والتفاعل معه والاستفادة بما لديه من علوم ومعارف بعد ان اصبح العالم بفضل الثورة العلمية والتقنية والاتصالاتية اشبه ما يكون بقرية كونية صغيرة تتداخل فيها المصالح والاعتبارات بين دول العالم وشعوبه.
لقد اصبح الاعلام لغة عصرية وحضارية لا يمكن الاستغناء عنها او تجاهلها، ما يتطلب فهمها واستيعابها من خلال امتلاك مقوماتها وعناصرها ومواكبة التطورات التي تشهدها وسائله المختلفة، حيث تعددت ادوات الاعلام وتنوعت، واصبحت اكثر قدرة على الاستجابة مع الظروف والتحديات التي يفرضها الواقع الاعلامي الذي بات مفتوحا على كل الاحتمالات في ظل ما تشهده ادواته ووسائله المختلفة من تطورات وابتكارات نوعية، بررت تناوله وطرحه العديد من القضايا التي احدثت اهتماما واسعا ولافتا في مختلف الميادين وعلى كافة الصعد.
واذا كان من حق الرأي العام ان يعرف الحقيقة ويتابع ما يجري من احداث على الساحة المحلية والاقليمية والدولية، فان التعاطي مع هذه الاحداث ونشرها ومتابعة ما يجري منها، يجب ان يتم وفقا لضوابط مهنية ومعايير اخلاقية وانسانية وموضوعية تراعي ظروف المجتمع ومزاج الرأي العام، ما يعني ضرورة التوازن بين حق الجمهور بالمعرفة، وبين مرجعيته الثقافية والاخلاقية والدينية على اعتبار ان المعايير الفاصلة بين اعلام وآخر هي في النهاية معايير مهنية واخلاقية، تجسد آطرا مرجعية يمكن الاستناد اليها في التمييز بين السلوك الايجابي والسلوك السلبي، وبالتالي التفريق ما بين ظواهر سلوكية مقبولة وآخرى مرفوضة.
ان اهمية الاعلام لا تكمن في اقتنائه ومجاراة الآخرين في استخدامه وتوجيهه، وانما في كيفية استعماله وتوظيفه بشكل هادف وعلى نحو يجعله قادرا على التعبير الموضوعي عند تناول القضايا المختلفة، بحيث نضمن وسائل اعلام باطار مرجعي كفيل بتوفير تغطية منهجية تتماهى مع قواعد (علم) الاعلام ونظرياته بعيدا عن العفوية والارتجال.
وربما هذا ما تفتقد له الكثير من وسائل الاعلام في وقتنا الراهن مع كل آسف، بعد ان رهنت سياساتها وتطلعاتها بالتعايش مع متطلبات السوق (الاعلامي) بما يضمن لها ترويج سلعتها الاعلامية في اكبر عدد ممكن من الاسواق لضمان وصولها بالتالي الى اكبر عدد ممكن من جمهور المتابعين.
وهذا هو الشيء الذي ربما اعطى المجال لحدوث ممارسات اعلامية خاطئة وضبابية افرزت حالة من التيه والارباك اثارت الشكوك حول حقيقة دور وسائل الاعلام في الحياة العامة، وما اذا كانت تقوم بالفعل بتأدية رسالتها المفترضة بما هي توعية وتثقيف ام لا.
الامر الذي وفر اجواء عامة بررت الوقوف عند الكثير من المحطات الخلافية والاشكاليات التي فرضت نفسها على ساحة الاحداث المحلية والخارجية، ومنها بطبيعة الحال الموضوع الذي نحن بصدده في هذه الورقة التي نتناول فيها العلاقة بين الاعلام وبين الارهاب، وهي علاقة اشكالية تحتاج الى التأمل واستخلاص الدروس والنتائج ، حيث يحاول كل منهما السعي وراء الآخر.
وهناك من اعتبر ان العلاقة بينهما اشبه ما تكون بعلاقة بين طرفين ، احدهما يصنع الحدث والاخر يقوم بتسويقه، ما برر طرح اسئلة عديدة احسب ان الاجابة عليها يفيد في تشخيص هذه العلاقة، ومعرفة الظروف والاجواء العامة المسؤولة عن انتشار ظاهرة الارهاب على آمل محاصرتها والقضاء عليها.
وعليه.. - فهل يمكن ان يعيش الارهاب بدون اعلام..؟ - وهل تغذي التغطية الاعلامية الاعمال الارهابية وتشجع بالتالي الاشخاص الذين يقفون وراءها على ارتكاب المزيد من هذه الاعمال الاجرامية..؟ - وهل يساعد الاعلام على نشر الثقافة الارهابية، ومن ثم الاسهام في زيادة معدل ظواهر العنف والارهاب..؟.
لا شك بان ظاهرة الارهاب تحظى باهتمام الشعوب والحكومات في شتى انحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على آمن الدول واستقرارها، بعد ان اتضح اننا امام ظاهرة اجرامية منظمة تهدف الى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الافراد والممتلكات؛ ما يعني ان هذه الظاهرة الخطيرة تهدف الى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير في اوضاعها السياسية وضرب اقتصادياتها الوطنية عن طريق قتل الابرياء وخلق حالة من الفوضى العامة، بهدف تضخيم الاعمال الارهابية وآثارها التدميرية في المجتمع، بما يتناسب مع القاسم المشترك الذي امكن التوافق عليه بين تعريفات الارهاب المختلفة، والذي يرى في الارهاب استخدام غير مشروع للعنف يهدف الى الترويع العام وتحقيق اهداف سياسية.
ما جعل البعض ينظر الى الارهاب باعتباره عنف منظم موجه نحو مجتمع ما او حتى التهديد بهذا العنف ــسواءا أكان هذا المجتمع دولة او مجموعة من الدول او جماعة سياسية او عقائديةــ على يد جماعات لها طابع تنظيمي تهدف الى احداث حالة من الفوضى وتهديد استقرار المجتمع من اجل السيطرة عليه او تقويض سيطرة آخرى مهيمنة عليه لصالح القائم بعمل العنف.. في اشارة الى اعتماد الارهاب المفرط على العنف المتعمد وعدم التمييز بين المدنيين وغير المدنيين كاهداف شرعية من اجل تحقيق اغراض سياسية.
وامعانا في خلق اجواء الفوضى والترويع، واتاحة المجال امام انتشار الشائعات المغرضة، التي تثير خوف الرأي العام وتؤلبه ضد السلطات المحلية بحجة عجزها عن حماية آمنه، يعمد الارهابيون الى التسلح بوسائل الاعلام المختلفة لتسويق اغراضهم وغاياتهم وتوظيفها في تضليل الاجهزة الآمنية واكتساب السيطرة على الرأي العام عن طريق نشر اخبار العمليات الارهابية التي يقومون بتنفيذها على اعتبار ان الحملات الاعلامية التي تغطي هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال اهداف الارهابيين، الذين يرون في التغطية الاعلامية لجرائمهم معيارا هاما لقياس مدى نجاح فعلهم الارهابي، لدرجة ان البعض اعتبر العمل الارهابي الذي لا ترافقه تغطية اعلامية عملا فاشلا.
من هنا يأتي استغلال الارهاب للاعلام لترويج فكره الارهابي ودعمه من خلال محاولاته المستمرة في البحث عن الدعاية الاعلامية لتسليط الضوء على وجوده واغراضه.
فبحسب باحثين نفسيين.. فان الارهابيين قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقا انها لن تترافق مع الدعاية الاعلامية، التي من شأنها كشف حجم الخسائر التي الحقوها باعدائهم.. على اعتبار ان الحرب النفسية تعمل عملها فقط في حال ابدى البعض اهتماما بالامر.
فقد وصفت مارجريت تاتشر رئيس الوزراء البريطانية السابقة هذه الدعاية (المجانية) بالاكسجين اللازم للارهاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، لان تغطية الحدث الارهابي اعلاميا يحقق مكاسب تكتيكية واستراتيجية للقائمين عليه.
ان وسائل الاعلام تقوم احيانا، وبدون قصد، بالترويج لغايات الارهاب واعطائه هالة اعلامية لا يستحقها في ظل الاهداف التي يراد تحقيقها من وراء العمل الاعلامي او العمل الارهابي بما هي شهرة وسلطة ومال وتأثير فكري.
فقد اوضح كل من الاستاذ برونو فري والاستاذ دومينيك رونر من جامعة زيورخ في سويسرا عام 2006 في بحثهما المعنون (الدم والحبر! لعبة المصلحة المشتركة بين الارهابيين والاعلام) ان الطرفين الاعلام والارهابيين يستفيدان من الاعمال الارهابية.
فالارهابيون يحصلون على دعاية مجانية لاعمالهم، والاعلام يستفيد ماليا لان التقارير التي تنشر في هذا المجال تزيد من عدد قراء الجريدة وعدد مشاهدي التلفزيون، وبالتالي تزداد مبيعات الجريدة وقيمة الدعاية المنشورة عليها وزيادة قيمة الدعاية التي يبثها التلفزيون.
ما دفع ديفيد برودر المراسل الصحفي في الواشنطن بوست الى المطالبة بحرمان الارهابي من حرية الوصول الى منافذ الوسائل الاعلامية، لان تغطية العمليات الارهابية اعلاميا، واجراء مقابلات اعلامية مع الارهابيين تعتبر جائزة او مكافأة لهم على افعالهم الاجرامية، اذ تتيح لهم المجال ان يخاطبوا الجمهور ويتحدثوا اليه عن الاسباب والدوافع التي دفعتهم لهذا الفعل، ما يتسبب ربما بانشاء نوع من التفهم لهذه الاسباب، وذلك على حساب الفعل الاجرامي نفسه.
فقد ذكر الكثير من الاشخاص المنخرطين في العمل الارهابي الذين القي القبض عليهم في العراق، انهم تأثروا بما كانت تعرضه قناة الجزيرة او غيرها في هذا المجال، فقرروا الالتحاق بالمنظمات التي تحرض على القيام بالتفجيرات والعمليات الانتحارية.
ان عرض المناظر والمشاهد المأساوية وتصويرالاضرار بشكل متكرر ومبالغ فيه، اضافة الى بث وجهات نظر الارهابيين التي يقصد منها اثارة الخوف، تشكل خطورة وتنطوي على ردود فعل سلبية من شأنها خدمة العمل الارهابي، خاصة في ظل تنافس وسائل الاعلام المختلفة على النقل الفوري للاحداث المتعلقة بالارهاب من اجل تحقيق سبق صحفي، لاستقطاب اعداد متزايدة من جمهور القراء والمشاهدين، والذي قد يكون على حساب القيم الاخلاقية والانسانية التي ترفض المساعدة في نشر العنف والتطرف.
في اشارة واضحة الى قدرة المنظمات الارهابية على تطويع الاعلام والاستفادة من ثورة الاتصالات المتقدمة في تنفيذ عملياتها واجندتها ومخططاتها الاجرامية، اضافة الى حضورها الفاعل على الانترنت وغيره من وسائط المعلوماتية للترويج لافكارها الهدامة وتجنيد الشباب في صفوفها.
الامر الذي يؤكد بان الاعلام اصبح يمثل سلاحا خطيرا في يد الارهابيين، الذين بات بمقدورهم توجيه رسائل لها تأثير سلبي مباشر على الافراد والمجتمعات.
ففي احد الاستطلاعات التي اجريت لمعرفة ما اذا كان هناك دورا للاعلام في تأجيج الارهاب، اجاب 80% من مجموع المستجوبين اجابة مطلقة تفيد بان الاعلام يلعب هذا الدور.
كذلك هناك ثمة سلبيات ينطوي عليها توظيف الجماعات الارهابية للاعلام للترويج لخطابها الارهابي على نحو يؤدي الى تحفيز فئات اجتماعية مسحوقة الى تبني الخيار الارهابي.
كما يؤدي تضارب المعلومات الاعلامية عن العمليات الارهابية الى بث البلبلة، واحيانا الى وجود من (يتعاطف مع الارهابي)، وربما يلعب الاعلام دورا في نقل التعليمات الارهابية الى الخلايا النائمة او النشطة او اقامة اتصالات جديدة مع جماعات حليفة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 01 مايو 2021, 6:04 pm عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الاعلام والإرهاب الإثنين 17 أبريل 2017, 8:42 pm | |
| ان عدم التخصص وضعف الخلفية المعرفية للقائمين على التغطية الاعلامية التي تتعامل مع ظاهرة العنف والارهاب اثر سلبا في ايجاد الحلول المناسبة لها، وحولها الى مجرد تغطية سطحية واحيانا تحريضية واتهامية تنطوي على اتهامات واحكام مسبقة وربما مبيتة، جعلها عاجزة عن فهم خطاب الجماعات المتطرفة الاعلامي ومنظوماتها ومرجعياتها الفكرية والتنظيمية.
وفي حالات كثيرة تميل المعالجة الاعلامية لظاهرة الارهاب اما الى التهوين واما الى التهويل، ما يؤثر في صدقية هذه التغطية ويحد من قدرتها على التأثير بسبب طغيان البعد الدعائي على البعد الاعلامي الموضوعي.
لقد ذهبت اغلب التغطيات والتحليلات والتعليقات الاعلامية تحت هول صدمة احداث 11 ايلول ( سبتمبر ) في الولايات المتحدة الاميركية، الى تحميل منظومة قيمية وفكرية بعينها مسؤولية هذه الاحداث عندما اتهمت الاسلام بقمع الحريات وممارسة العنف والتسلط.
وقد ساهم في هذا الترويج والتعميم الذي انجرت اليه معظم وسائل الاعلام الغربية في التعامل مع هذه الاحداث ومع تداعياتها، من اسماهم الباحث الفرنسي فإنسان جيشير بالمثقفين الاعلاميين الذين انزلقوا من الدرس الاكاديمي الرصين الى الكتابات التبسيطية التضليلية عن الاسلام، مستفيدين في ذلك من سياقات التوتر والقلق والخوف التي تعيشه المجتمعات الغربية، لتتحول بذلك احداث 11 ايلول الى مناسبة تم توظيفها من قبل الاعلام الغربي في تشويه صورة الاسلام، وتمرير صورة مضللة عنه تقرنه بالعنف والارهاب، وذلك في سياق حملة ثقافية مدبرة ضد العرب والاسلام تبدأ من الكتب المدرسية لتمضي عبر معظم الوسائط المعلوماتية والاتصالاتية.
وما يلفت الانتباه في التعاطي الاميركي مع هذه الاحداث ، الطريقة الاعلامية التي اعتمدت في تغطيتها من خلال نشر وترسيخ ثقافة ( اعلامية ) اساسها ايضاح آثار العمليات الارهابية واخطارها وتعبئة الرأي العام ضدها بهدف تحصينه ضد الخطر الارهابي.
الامر الذي استغلته الادارة الاميركية في تبرير غزو واحتلال بلدان اخرى بحجة الحروب الاستباقية او الوقائية، كما هي الحجة او الذريعة التي ساقتها الادارة الاميركية الحالية في حربها على العراق وافغانستان لتحقيق رغبة المحافظين الجدد.
حيث بدأت الماكنة الاعلامية الاميركية حملتها التحريضية لتبرير حربها هذه بترويع الشعب الاميركي وبث الرعب والخوف في نفسيته، بتصويرها الاخطار الارهابية بالقادمة والمتوقعة الحدوث في اي لحظة اذا لم تكن هناك مبادرة عسكرية هجومية للقضاء على الارهاب في معقله قبل ان يزحف ويستهدف الولايات المتحدة، كما روجت لذلك الادارة الاميركية، التي استندت في ترويج حملتها بافتراض ان السيطرة على عقول الناس وافكارهم تكون عن طريق اخبارهم انهم معرضون للخطر، وتحذيرهم من ان آمنهم تحت التهديد.. ما يمكن ان يطلق عليه باستراتيجية الخداع الاعلامي، التي نجح من خلالها الرئيس الاميركي جورج بوش في شن حملة اعلامية واسعة لاقناع الشعب الاميركي بضرورة خوض الحرب على العراق، اتساقا مع ما قاله دينيس جيت عميد مركز العلاقات الدولية في جامعة فلوريدا..
عندما يشعر الناس بالخطر يعجزون عن التفكير، ويمنحون السلطة للشخص المستعد لتوفير الآمان لهم، ولذلك استخدمت الادارة الاميركية الحالة الاعلامية ببراعة في التحذير من مخاطر الارهاب، وان بوش ومسؤولوا ادارته رددوا اكاذيب عديدة حول امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل وعلاقة نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة.. واوهموا الجميع بان الحرب ستكون عملية سهلة وسريعة للقوات الاميركية.
ويرى جيت ان الادارة الاميركية استخدمت الوسائل الاعلامية للفت الانتباه من خلال بث بيانات صحفية واعلامية تحوي معلومات ترسخ استراتيجيتها، ونشر صور بالاحداث التي تريد واشنطن الترويج لها، وتوفير اكبر قدر من المعلومات لوسائل الاعلام "الصديقة" التي تؤيدها ، اضافة الى اعتمادها على الدعايات الموجهة عن طريق قيام الحكومة الفدرالية بانتاج تقارير اخبارية تلفزيونية مجهزة مسبقا، بغرض الدعاية لاهدافها التي من بينها غزو افغانستان والعراق، ثم تقوم الجهات الحكومية (وزارتا الخارجية والدفاع) بارسال هذه التقارير الجاهزة الى شبكات الاخبار الكبرى التي تقوم بدورها ببيعها الى قنوات التلفزة المحلية التي يعتمد عليها المشاهد الاميركي العادي، والتي تبث هذه التقارير دون الاشارة الى مصدرها.
ما يؤكد توجه الادارة الاميركية الى تبني سياسات ثقافية واعلامية للتصدي للارهاب من خلال الاستثمار في مجال الاعلام.
كذلك فقد تحدث دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الاميركي السابق عن ضرورة خوض حرب الافكار لتقويض اركان الارهاب من خلال بعث فضائيات تلفزيونية واذاعية موجهة للعرب، فضلا عن دعوة الحكومات العربية والاسلامية الى ضرورة اصلاح منظوماتها التربوية والتعليمية في اتجاه القطع مع الانساق الفكرية والقيمية التي تساهم في تفريخ المجموعات الارهابية على حد قوله.
تأتي هذه المغالطات رغم ان المقاربة الثقافية للارهاب هي اصلا من مسؤولية الفكر العربي والاسلامي، ومن ثم مسؤولية وسائل الاعلام العربية والاسلامية قبل ان تكون مسؤولية الفكر الغربي او السياسات الاميركية، فالعرب والمسلمون هم اول ضحايا الارهاب الذي عطل مسيرتهم التنموية وساهم في زعزعة آمن واستقرار بلدانهم وتشويه منظومتهم الفكرية والقيمية والاعلامية القائمة على التسامح والوسطية والاعتدال والاعتراف بالاخر.
الامر الذي يجعلنا نسلط الضوء على ابرز سمات المعالجة الاعلامية العربية للظاهرة الاعلامية من حيث تركيزها على الحدث اكثر من التركيز على الارهاب كظاهرة لها اسبابها وعواملها، حيث تتوارى في الغالب معالجة جذور هذه الظاهرة واسبابها العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ما يجعلها تبدو وكأنها مجردة ومطلقة، حيث تسود في الغالب معالجة العملية الارهابية كحدث منعزل وليس كعملية تجري في سياق معين وتحدث في بيئة معينة.
اضافة الى هيمنة الطابع الاخباري على التغطية الاعلامية العربية وتغييب التغطية ذات الطابع التحليلي والتفسيري، الامر الذي يؤدي الى بقاء المعالجة الاعلامية على سطح الحدث او الظاهرة ما يضعف قدرتها على الاقناع ويفقدها التأثير الفاعل والملموس.
كذلك تفتقر وسائل الاعلام العربية الى كادر اعلامي مؤهل ومختص، قادر على تقديم معالجة مناسبة لهذه الظاهرة.
الى جانب افتقارها الى الخبراء والمختصين في المجالات الامنية والاجتماعية والنفسية والتربوية وعدم تعاونها مع المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية المعنية بمواجهة الظاهرة الارهابية.
وبعد ان اصبح الارهاب يمثل تحديا اقليميا ودوليا في ظل القناعات التي ترسخت حول فشل المقاربة الآمنية والعسكرية في محاصرته وتطويقه والقضاء عليه، بدت الامور منصبة على اهمية البعد الاعلامي وضرورة تفعيل الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام في مواجهة هذا الخطر بسبب قدرتها على الوصول الى الناس والتأثير في عقولهم وافكارهم وقناعاتهم بأساليبها المتعددة والمتنوعة.
لذلك فقد انصب الاهتمام في المواجهة الاعلامية للارهاب على مقاومة الفكر المتطرف والحيلولة دون تمكينه من التأثير في الرأي العام وتحديدا في شريحة الشباب ، لضمان عدم تدفق أي دماء جديدة في شريان الارهاب بحيث يسهل محاصرته ومن ثم تصفيته.
وهو ما اكد عليه جلالة الملك عبد الله الثاني عندما ذكر بان "محاربة الارهاب لا تكون باتخاذ الاجراءات الآمنية المباشرة فقط، وانما من خلال استراتيجية شاملة لتعزيز ثقافة الحوار ونبذ ثقافة العنف"، ما يتطلب التركيز على طريقة صياغة الخبر بشكل يضمن ايصال الحقيقة ومراعاة عدم تأثيرها في نفسية المواطنين.
كذلك فقد ظهرت اصوات تطالب بضرورة اعادة النظر في مضامين العمل الصحفي والاعلامي، واستبدالها بمضامين جديدة تركز على معالجة انتشار ظاهرة الارهاب والعنف، والتصدي لوسائل الاعلام التي تمارس ادوارا تحريضية مدمرة تهدف الى التأثير في عقول الشباب وتهديد آمن الشعوب والمجتمعات.
الى جانب التصدي للمعلومات الهدامة التي تبرز على شبكة الانترنت ومعالجتها من خلال التشريعات الكفيلة باغلاق مثل هذه المواقع التي تروج للعنف وللافكار المتطرفة، لاسيما المواقع التي تنسب نفسها الى الاسلام وتقدم صورة مشوهة عن الدين الحنيف.
وهناك من يتحدث عن وجود بعض مواقع الانترنت التي اصبحت بمثابة مراكز لتعليم صناعة المتفجرات وكيفية القيام بعمليات ارهابية ، واصدار فتاوى ايضا لا تمت للاسلام بصلة وهي دخيلة عليه.
ما يقتضي التفكير بفتح الفضاءات الاعلامية امام الفقهاء وقادة الفكر والرأي لابراز صورة الاسلام السمحة الداعية الى التسامح والوسطية والاعتدال والعدل والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن بعيدا عن الغلو والعنف، واعداد مخطط شامل للاتصال لمواجهة الحرب النفسية التي تشنها الجماعات الارهابية.
الى جانب التفكير باهمية اقامة مركز او جهة حكومية رسمية مركزية لتوحيد الخطاب الاعلامي لرفع مستوى نوعية التوعية والتوجيه الاعلامي الممنهج للمعلومات عن الارهاب، تكون على اتصال دائم بوسائل الاعلام للتحكم باي مادة اعلامية سلبية او مبادرة دعائية للارهاب قد تقدمها وسائل الاعلام في غفلة منها تحت وطأة المنافسة وتحقيق السبق الصحفي او الاعلامي.
اضافة الى اقامة اتصالات ودورات وتدريبات مشتركة بين ممثلي الجهات الرسمية وبين ممثلي الاعلام على كيفية التعامل مع الحوارات الارهابية اعلاميا بما يضمن الصالح العام..
كأن يتم افتعال حدث ارهابي للوقوف على كيفية التعامل معه اعلاميا لسد الثغرات الاعلامية التي يمكن ان يستفيد منها الارهابيين.
الامر الذي يتطلب الابتعاد قدر الامكان عن الاثارة في طريقة نشر الاخبار المتعلقة بالاحداث الارهابية، وضرورة اتخاذ الحيطة والحذر في ما يتعلق بنشر معلومات تتناول الاحداث الارهابية، والامتناع عن عرض او وصف الجرائم الارهابية بكافة اشكالها وصورها بطريقة تغري بارتكابها او تنطوي على اضفاء البطولة على مرتكيبيها او تبرير دوافعهم او منح مرتكيبيها والمحفزين عليها او المبررين لها فرصة استخدام البرامج والمواد الاعلامية منبرا لهم.
وبهذا الصدد فقد ذكر جلالة الملك عبد الله الثاني بان "هناك بعض الكتاب في الصحافة وبعض المحطات الفضائية وبعض الذين يخطبون في المساجد، يمارسون الترويج لثقافة العنف وايجاد المبررات للارهابيين او تصوير جرائمهم على انها بطولات او نوع من الجهاد".
في المقابل لا بد من توسيع مساحة التغطية الاعلامية التي تشجع المشاركة الشعبية والاسهامات الطوعية من الافراد ومنظمات المجتمع المدني في التصدي لظاهرة الارهاب والتطرف وتوعية الناس باخطارها.
والتأكيد على اهمية توعية المواطنين بمخاطر الارهاب واثاره السلبية على الامن والاستقرار، بما يضمن تفعيل دور وسائل الاعلام في رفع مستوى الوعي بمخاطر الارهاب.
فعلى سبيل المثال، فقد اثبتت التفجيرات الارهابية التي شهدتها فنادق عمان عام 2006 اهمية ادماج المواطن الاردني في المنظومه الامنيه وتنمية حسه الامني وثقافته الامنية، بحيث يعي اهمية دوره في الحفاظ على امن الوطن واستقراره، خاصة بعد ان تبين ان كافة العاملين في الفنادق راودتهم الشكوك حول "الارهابيين" الا ان احداً منهم لم يبلغ الاجهزة الامنية عن شكوكه).
وهنا تبرز اهمية توظيف الاعلام من قبل الجهات الآمنية المعنية في بث رسائل اعلامية ارشادية وتثقيفية وتوعوية تنطوي على تطمينات وضمانات من شأنها تشجيع المواطن وحفزه وحثه على المشاركة في المنظومة الآمنية من خلال قيامه بتمرير أي معلومات من شأنها الاسهام في كشف خيوط جريمة وقعت هنا او هناك او الحؤول دون وقوعها اصلاً.
بحيث نضمن التخلص من بعض الأنماط والمفاهيم والتفسيرات الخاطئه والسلبيه التي تسيطر على ذهنية بعض المواطنين بصورة افرزت عندهم عقدة الخوف والرهبة والتردد عند التعاطي مع القضايا والمسائل ذات الابعاد الامنية.
ما يجعلنا نثمن عالياً قيام مديرية الامن العام بتكريس مفهوم الشرطة المجتمعية، الذي يستهدف كسب ثقة المواطن وتعاونه واشراكه في الشأن الامني, بما يعزز من وعيه الامني وثقافتة الامنية. كذلك لا بد من التقليل من جرعات المشاهد الدموية ومشاهد العنف والدمار والقتل ، وذلك للحؤول دون اعتياد المشاهد على مثل هذه المناظر.
دون ان نغفل اهمية التنسيق مع الاجهزة الامنية في ما يتعلق بنشر وقائع الاحداث الارهابية ، مع الاخذ بعين الاعتبار الدراسة المسبقة لتأثير نشرها على الرأي العام ، وذلك من اجل تفويت الفرصة على الارهابيين للاستئثار بالاضاءة الاعلامية التي يسعون اليها.
اضافة الى ذلك يجب التركيز على المسألة العلاجية للظاهرة الارهابية ، لا على تغطية الحدث الارهابي ، وضرورة الانتقال من التركيز على تفاصيل العمليات الارهابية وردود الافعال الرسمية والشعبية الى تقديم رؤى تساعد القارىء او المشاهد على تكوين راي وطني بحيث يتحول الى موقف ومن ثم الى سلوك ايجابي من خلال اعلام مهني فاعل يتحلى بالجماهيرية والصدقية .
وفي المحصلة لا بد من طرح فكرة تشكيل فريق من الخبراء الدوليين في مجال الاعلام ، لبحث سبل التوعية الاعلامية المشتركة ضد مخاطر الارهاب ، تمكينا للاعلام الدولي من بناء قاعدة عريضة من الرأي العام الدولي تحاصر الارهاب فكرا او جريمة وتعزز الجهود الرامية الى القضاء عليه . |
|