أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المحرَّمات من النسـاء الخميس 23 مارس 2017, 5:51 pm | |
| المحرَّمات من النسـاء ============ السؤال: مَن النسوة اللاتي يحرُم على المسلم الزواج بإحداهنَّ؟
الجواب: قال الله سبحانه وتعالى: (ولا تَنكِحوا ما نكَح آباؤُكم من النساءِ إلا ما قد سلَف إنه كان فاحشةً ومقتًا وساء سبيلًا. حُرِّمَت عليكم أمهاتُكم وبناتُكم وأخواتُكم وعماتُكم وخالاتُكم وبناتُ الأخ وبناتُ الأخت وأمهاتُكم التي أرضَعنَكم وأخواتُكم من الرَّضاعةِ وأمهاتُ نسائكم ورَبَائبُكم اللاتي في حُجُورِكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنَّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنَّ فلا جُناحَ عليكم وحَلائلُ أبنائكم الذين من أصلابِكم وأن تَجمعوا بين الأختَين إلا ما قد سلَف إن اللهَ كان غفورًا رحيمًا * والمُحصَنات من النساءِ إلا ما ملَكت أيمانُكم كتابَ اللهِ عليكم وأُحِلَّ لكم ما وراءَ ذلكم أن تَبتغوا بأموالِكم مُحصِنِين غيرَ مُسافِحِين فما استمتعتم به منهنَّ فآتوهنَّ أجورَهنَّ فريضةً ولا جُناحَ عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن اللهَ كان عليمًا حكيمًا) [النساء: 22 ـ 24].
(روى الطبريّ في التفسير 4/ 318 عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال: كان أهل الجاهلية يحرِّمون ما يَحرُم إلا امرأةَ الأب والجمعَ بين الأختَين.
قال: فأنزل الله عز وجل "ولا تَنكِحوا ما نكَح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلَف" ، "وأن تَجمَعوا بين الأختَين".
وقال العلامة ابن كثير: قوله تعالى "ولا تَنكِحوا ما نكَح آباؤكم من النساء..." الآيةِ، يحرِّم الله تعالى زوجات الآباء تكرمةً لهم وإعظامًا واحترامًا أن تُوطَأ من بعده، حتى إنها لَتَحرُم على الابن بمجرد العقد عليها، وهذا أمر مجمع عليه تفسير الطبريّ 4/318.
عقوبة مَنْ نكح امرأة أبيه: عن البراء قال: لقيت عمي ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى رجل نكَح امرأةَ أبيه، فأمَرَني أن أضرب عنقه وآخُذَ ماله. تفسير ابن كثير 1/443 والحديث صحيح لشواهده، رواه الدارميّ 2236 والحاكم في المستدرك 4/357 والبيهقيّ في السنن الكبرى 12459 وعبد الرزاق في المصنف 10804 والنسائيّ في الكبرى 5489/2).
عندما يأتي في القرآن مبنيّ للمجهول فيُصرف الفاعل إلى الفاعل الحقيقيّ وهو الله، فالله سبحانه هو الذي يحرّم، إذ يقول: (حُرِّمَت عليكم أمهاتُكم) ولكن حين توجد غفلة عن الدين فإننا نجد أن التحريم موجود بالفطرة التي فطر الله الناس عليها.
والمنهج جاء لإعلاء فطرة الله الذي جعل التحريم والتحليل لطهارة المجتمع من الدنس.
ومنهج السماء من قديم أنزله الله يوم أنزَل آدمَ للحياة على هذه الأرض، قال تعالى: (قال اهبِطَا منها جميعًا بعضُكم لبعضٍ عدوٌّ فإما يأتينَّكم منّي هدًى فمن اتَّبَعَ هُدَايَ فلا يَضلُّ ولا يَشقَى) (طه: 123) وهو منهج مستوفٍ لمطالب الواقع والأعراف والقوانين.
والعلوم الحديثة أعانتنا في فهم كثير من أحكام الله؛ لأنهم وجدوا أن كل تكاثُر سواء أكان في النبات أو في الحيوان بالاستقراء نجده في الإنسان أيضًا، هذا التكاثر كلما ابتعد النوعان الذكر والأنثى يجيء النسل وهو ثمرةُ التكاثر قويًّا في صفاته.
العلم الحديث وجد أن الذكورة والأنوثة من أيّ كائن نبات أو حيوان أو إنسان إن وُجدَت بينهما قرابة فإن النسل يكون ضعيفًا، ولذلك نجد في الزراعة وعلوم الحيوان اصطلاحًا اسمه "التهجين" أي يأتون للأنوثة بذكورة بعيدة عنها، وكان الشاعر العربيّ يعرف ذلك قبل مجيء الإسلام فقال:
أنصَحُ من كان بعيدَ الهَمّ تزويجَ أبناء بناتِ العم فليس ينجُو من ضَوًى وسَقَم
لأن الزواج من الأقارب يعني الهُزال وضعف بنية الأبناء وانتشار الأمراض الوراثية. وبالاستقراء في العائلات التي جعَلَت من سنتها في الحياة ألّا تُنكح أبناؤُها إلا منها نجد هذه العائلات تأتى عليهم فترة ينشأ فيهم ضعف عقليّ وجسمانيّ وانفعاليّ، ولذلك يُروَى عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "أغرِبوا لا تَضْوَوا" أي: فإن أردتم ألّا تَضْوَوا فابتعدوا عن القرابات (قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 3/146 : حديث "لا تَنكِحوا القرابة القريبة؛ فإن الولد يُخلَق ضاويًا" هذا الحديث تبع في إيراده إمام الحرمين هو والقاضي حسين، وقال ابن الصلاح: لم أجد له أصلًا معتمَدًا. انتهى.
وقد وقع في "غريب الحديث" لابن قتيبة قال: جاء في الحديث "أَغرِبوا لا تَضوَوا" وفسَّر فقال: هو من الضاوي وهو النحيف الجسم، يقال: أضْوَت المرأة إذا أتت بولد ضاوٍ.
والمراد: أَنكِحوا في الغرباء ولا تَنكِحوا في القريبة.
وروَى ابن يونس في "تاريخ الغرباء" في ترجمة الشافعيّ عن شيخ له عن المزنيّ عن الشافعيّ قال: أيُّما أهل بيت لم تخرُج نساؤهم إلى رجال غيرهم كان في أولادهم حُمْق.
وروَى إبراهيم الحربيّ في "غريب الحديث" عن عبد الله بن المؤمِّل عن ابن أبي مليكة قال: قال عمر لآل السائب: قد أضوأتم فأَنكِحوا في النوابغ.
قال الحربيّ: يعني تزوجوا الغرائب) هذا القول يحث المسلمين على ألّا يتزوج الرجل من قريبته لأن كثيرًا من زيجات الأقارب تأتي بنسل ضعيف.
"وضَوِيَ" بمعنى هزَل، ولذلك عندما يأتي قوم لمدح رجل يقولون: فتًى لم تَلِدْه بنتُ عمٍّ قريبةٍ فيَضوَى وقــد يَضــــوَى سَليــل الأقــــــارب
إذًا فالمسألة معروفة، ففي النبات نجد هذا الأمر واضحًا، فالذي يزرع ذُرة في محافظة الغريبة يحاول أن يأتيَ بالتقاوي من الشرقية، وفي البطيخ نجد البطيخ الذي تُستورَد بذوره من بلاد بعيدة يأتي بمحصول وفير حلو المذاق، وبعض الناس من الزراع قد يَكسَل فيأخذ من البذور القديمة أو ناتجها فتكون الثمارُ قليلةَ الحلاوة والإنتاجُ شديدَ الضعف، لكن لو ظل الزراع يأتون بالتقاوي لمحصول من أرض بعيدة مهما غلا الثمن فإنهم ينالون ثمارًا طيبة، وكذلك في الحيوانات، وكذلك الإنسان كلما ابتعد عن العصب قَوِيَ الأبناء.
إن قول الحق سبحانه وتعالى بالتحريم له جانب أدبيّ وجانب عضويّ (حُرِّمَت عليكم أمهاتُكم وبناتُكم) لماذا؟
لأن هذه الصلة بالأم صلة بالأصل، والصلة بالبنت صلة فرع، ويقول الحق: (وأخَواتُكم) إنها صلة الأُخُوّة (وعماتُكم وخالاتُكم وبناتُ الأخِ وبناتُ الأختِ وأمهاتُكم التي أرْضَعْنَكم وأخواتُكم من الرَّضاعة) (سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن المحرَّمات في النكاح نسبًا فأجاب بقوله: الحمد لله رب العالمين، أما المحرَّمات بالنسب فالضابط فيه أن جميع أقارب الرجل من النسب حرام عليه إلا بناتِ أعمامه وأخواله وعماته وخالاته.
وهذه الأصناف الأربعة هنَّ اللاتي أحلَّهنَّ الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: "يا أيها النبيّ إنا أحْلَلْنَا لك أزواجَك اللاتي آتيتَ أجورَهنَّ وما ملَكَت يمينُك مما أفاء اللهُ عليك وبناتِ عمِّك وبناتِ عماتِك وبناتِ خالِك وبناتِ خالاتِك اللاتي هاجَرنَ معك وامرأةً مؤمنةً إن وَهَبَت نفسَها للنبيّ إن أراد النبيّ أن يَستَنكحَها خالصةً لك من دون المؤمنين" [الأحزاب: 50].
فأحلَّ سبحانه لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من النساء أجناسًا أربعة، ولم يجعل خالصًا له من دون المؤمنين إلا الموهوبةَ التي تَهَبُ نفسَها للنبيّ، فجعل هذه من خصائصهّ، له أن يتزوج الموهوبة بلا مهر وليس هذا لغيره باتفاق المسلمين، بل ليس لغيره أن يَستحلَّ بُضْعَ امرأة إلا مع وجوب مهر، كما قال تعالى: "وأُحِلَّ لكم ما وراءَ ذلكم أن تَبتَغوا بأموالِكم مُحصِنِين غيرَ مُسافِحِين" [النساء: 24].
واتفق العلماء على أن من تزوج امرأة ولم يَقدُرْ لها مهرًا صحَّ النكاح ووجب لها المهرُ إذا دخل بها، وإن طلَّقها قبل الدخول فليس لها مهر بل لها المتعة بنص القرآن، وإن مات عنها ففيها قولان، وهي مسألة بَرْوَعَ بنتِ واشِق التي استُفتِيَ عنها ابنُ مسعود شهرًا ثم قال: أقول فيها برأيي فإن يَكُنْ صوابًا فمن الله، وإن يَكُنْ خطأً فمنّي ومن الشيطان، واللهُ ورسولُه بريئان منه، لها مهرُ نسائها لا وَكْسَ ولا شَطَطَ وعليها العدةُ ولها الميراثُ، فقام رجال من أشجع فقالوا: نشهد أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَضَى في بَروَعَ بنتِ واشِق بمثل ما قضَيتَ به في هذه.
قال علقمة: فما رأيت عبد الله فرح بشيء كفرحه بذلك. وهذا الذي أجاب به ابن مسعود هو قول فقهاء الكوفة كأبي حنيفة وغيره، وفقهاء الحديث كأحمد وغيره، وهو أحد قولَي الشافعيّ.
والقول الآخر له، وهو مذهب مالك، أنه لا مهر لها، وهو مَرْوِيّ عن عليّ وزيد وغيرهما من الصحابة.
ثم قال رحمه الله: والمقصود هنا أن الله تعالى لم يخصّ رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بنكاح الموهوبة بقوله: "وامرأةً مؤمنةً إن وَهَبَت نفسَها للنبيّ إن أراد النبيّ أن يَستَنكحَها خالصةً لك من دون المؤمنين" فدل ذلك على أن سائر ما أحلَّه لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حلالٌ لأمته، وقد دل على ذلك قوله: "فلما قَضَى زيد منها وَطَرًا زوَّجنَاكها لكي لا يكونَ على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قَضَوا منهنَّ وَطَرًا" [الأحزاب: 37].
فلما أحَلَّ امرأةَ المتبَنَّى ـ لا سيما للنبيّ صلى الله عليه وسلم ليكون ذلك إحلالًا للمؤمنين ـ دل ذلك على أن الإحلال له إحلالٌ لأمته.
وقد أباح له من أقاربه بناتِ العم والعمات وبناتِ الخال والخالات، وتخصيصُهنَّ بالذكر يدل على تحريم ما سواهنَّ، لا سيما وقد قال بعد ذلك: "لا يَحلُّ لك النساءُ من بعدُ ولا أن تَبدَّلَ بهنَّ من أزواج" [الأحزاب: 52].
أي: من بعد هؤلاء اللاتي أحلَلْنَاهنَّ لك، وهنَّ المذكورات في قوله تعالى: "حُرِّمَت عليكم أمهاتُكم وبناتُكم وأخواتُكم وعماتُكم وخالاتُكم وبناتُ الأخ وبناتُ الأخت" فدخل في الأمهاتِ أمُّ أبيه وأمُّ أمه وإن عَلَت، بلا نزاع أعلمه بين العلماء.
وكذلك دخل في البناتِ بنتُ ابنه وبنتُ ابن ابنته وإن سَفَلَت، بلا نزاع أعلمه.
وكذلك دخل في الأخواتِ الأختُ من الأبوَين والأبِ والأمِّ.
ودخل في العمَّات والخالاتِ عمَّاتُ الأبوَين وخالاتُ الأبوَين.
وفي بنات الأخ والأختِ ولدُ الإخوة وإن سَفَلنَ. فإذًا حرُم عليه أصولُه وفروعُه وفروعُ أصوله البعيدة، دون بنات العم والعمات وبنات الخال والخالات (مجموع الفتاوى 32/62-65)
وسُئِلَ رحمه الله عن المحرَّمات بالصِّهر فقال: كل نساء الصِّهر حلال له إلا أربعة أصناف، بخلاف الأقارب، فأقارب الإنسان كلهنَّ حرام إلا أربعة أصناف، وأقارب الزوجين كلهنَّ حلال إلا أربعة أصناف، وهنَّ حلائلُ الآباءِ والأبناءِ وأمهاتُ النساءِ وبناتُهنَّ، فيحرُم على كل من الزوجين أصولُ الآخر وفروعُه.
يحرُم على الرجل أمُّ امرأته وأمُّ أمها وأبيها وإن عَلَت.
وتحرُم عليه بنتُ امرأته، وهي الرَّبيبة، وبنتُ بنتها وإن سَفَلَت، وبنتُ الرَّبيب أيضًا حرام كما نصَّ عليه الأئمة المشهورون، الشافعيّ وأحمد وغيرهما، ولا أعلم فيه نزاعًا.
ويحرُم عليه أن يتزوج بامرأةِ أبيه وإن عَلَا، وامرأةِ ابنه وإن سَفَل.
فهؤلاء الأربعة هنَّ المحرَّمات بالمصاهرة في كتاب الله.
وكل من الزوجين يكون أقاربُ الآخر أصهارًا له، وأقاربُ الرجل أحماءُ المرأة، وأقاربُ المرأة أختانُ الرجل.
وهؤلاء الأصناف الأربعة يَحرُمنَ بالعقد إلا الربيبةَ فإنها لا تَحرُم حتى يدخل بأمها، فإن الله لم يجعل هذا الشرط إلا في الربيبة، والبواقي أطلَقَ فيهنَّ التحريم، فلهذا قال الصحابة: أَبهِمُوا ما أبهَمَ اللهُ.
وعلى هذا الأئمة الأربعة وجماهير العلماء.
وأما بناتُ هاتَين وأمهاتُهما فلا يَحرُمنَ، فيجوز له أن يتزوج بنتَ امرأةِ أبيه وابنِه باتفاق العلماء؛ فإن هذه ليست من حلائل الآباء والأبناء، فإن الحليلة هي الزوجة، وبنتُ الزوجة وأمُّها ليست زوجة، بخلاف الربيبة؛ فإن ولد الرَّبيب رَبِيب كما أن وَلَدَ الوَلَدِ وَلَدٌ.
وكذلك أمُّ أمِّ الزوجة أمٌّ للزوجة.
وبنتُ أمِّ الزوجة لم تحرُم؛ فإنها ليست أمًّا، فلهذا قال من قال من الفقهاء: بناتُ المحرَّماتِ محرَّماتٌ إلا بناتِ العمات والخالات وأمهاتِ النساء وحلائلَ الآباء والأبناء.
فجعَل بنتَ الربيبة محرَّمة دون بنات الثلاث، وهذا مما لا أعلم فيه نزاعًا مجموع الفتاوى 32/62ـ 65).
إذًا فالتحريم في القرابة القريبة من حكمته أن الله تعالى يحب لعباده أن تكون ذريتهم أقوياء في البنية كما يحب أن يكونوا أقوياء في الإيمان، والمؤمن القويّ أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وإن كان في كل خير.
وشيء آخر، هو أن العلاقة الزوجية دائمًا عُرضة للأغيار النفسية، فالرجل يتزوج المرأة وبعد ذلك قد تتغير نفسية الرجل تجاه المرأة، مثلما قلنا عندما يريد الرجل استبدال زوجة مكان زوجة أو أن يكره الرجل الزوجة أو العكس، فكيف تكون العلاقة بين الابن والأم إذا حدث شيء من هذا!
والمفروض أن تكون للابن صلة بالأم تحتم عليه احترامها، ما الذي يحدث لو حدث مثل ذلك الأمر مع الابنة أو الأخت أو العمة أو الخالة!
لقد أبعد الحقُّ هذه المسألةَ عن مجال الشقاق، لذلك نجد أن الإسلام يقول لنا إياكم أن تُدخلوا المسائلَ في مقابَلات بحيث إذا حدث الخلاف في شيء حدث ضرورة في مقابِلِه وإن كان الوفاق سائدًا.
كما أن الإسلام نهى عن الجمع بين الأختين حتى لا تكون الأخت ضَرَّةً للأخت الأخرى؛ لأن الأختين صلتهما معا صلة رحم ومودة وتعاطف، فلو جمَع واحدٌ بين الأختين لنشأ بينهما صراع وكراهية، وهذا تفكيك لأواصر الأسرة وتفتيت لها.
إن من لطف الله تعالى بعباده أن حرَّم عليهم ذلك حتى لا تفسد العلاقات الاجتماعية.
وقال تعالى: (حُرِّمَت عليكم أمهاتُكم وبناتُكم) ومن المسلَّم به أن تحريم الأمهات إلى العلوّ، بمعنى أن الجَدّة أيضًا محرَّمة، سواء كانت جدّةً لأب أو جدّةً لأم.
وتحريمُ الزواج بالابنة أيضًا يَشمل تحريمَ الزواج بابنة الابن أو ابنة الابنة.
فكلُّ من بين الرجل وبينها بُنُوُّةٌ حتى لو كانت من زنًا تكون محرَّمة عليه (سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل تزوج ابنته من الزنا فأجاب: الحمد لله، مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزوج بها، وهو الصواب المقطوع به، حتى تنازع الجمهور: هل يُقتل مَن فعَل ذلك؟
على قولين، والمنقول عن أحمد أنه يُقتل مَن فعَل ذلك.
فقد يقال هذا إذا لم يكن متأوِّلًا وأما المتأوِّل فلا يُقتل وإن كان مخطئًا.
وقد يقال هذا مطلقًا كما قال الجمهور إنه يُجلد من شرب النبيذ المختلَف فيه متأوِّلًا، وإن كان مع ذلك لا يفسُق عند الشافعيّ وأحمد في إحدى الروايتين، وفسَّقه مالك وأحمد في الرواية الأخرى.
والصحيح أن المتأوِّل المعذور لا يفسَّق، بل ولا يأثم، وأحمد لم يبلغه أن في هذه المسألة خلافًا، فإن الخلاف فيها إنما ظهر في زمنه ولم يظهر في زمن السلف فلهذا لم يعرفه.
والذين سوَّغوا نكاح البنت من الزنا حجتُهم في ذلك أن قالوا: ليست هذه بنتًا في الشرع بدليل أنهما لا يتوارثان ولا تجب نفقتها ولا يَلي نكاحَها ولا تَعتق عليه بالمِلك ونحو ذلك من أحكام النسب، وإذا لم تكن بنتًا في الشرع لم تدخل في آية التحريم فتبقى داخلةً في قوله: "وأُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم".
وأما حجة الجمهور فهو أن يقال: قول الله تعالى "حُرِّمَت عليكم أمهاتُكم وبناتُكم..." الآيةِ، هو متناوِل لكل من شمله هذا اللفظُ، سواء كان حقيقةً أو مجازًا، وسواء ثبت في حقه التوارث وغيره من الأحكام أم لم يثبت إلا بالتحريم خاصة ليس العموم في آية التحريم كالعموم في آية الفرائض ونحوها كقوله تعالى: "يوصيكم اللهُ في أولادِكم للذكرِ مثلُ حظِّ الأنثَيَين" [النساء: 11].
وبيان ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها: أن آية التحريم تتناول البنتَ وبنتَ الابن وبنتَ البنت، كما يتناول لفظُ العمّةِ عمّةَ الأب والأم والجدّ، وكذلك بنتُ الأخت وبنتُ ابن الأخت وبنتُ بنت الأخت، ومثل هذا العموم لا يثبت لا في آية الفرائض ولا نحوها من الآيات والنصوص التي عُلّق فيها الأحكام بالأنساب.
الثاني: أن تحريم النكاح يثبت بمجرد الرضاعة، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يحرُم من الرضاعة ما يحرُم من الولادة" وفي لفظ: "ما يحرُم من النسب" وهذا حديث متفق على صحته وعمل الأئمة به، فقد حرَّم الله على المرأة أن تتزوج بطفل غَذَتْهُ من لبنها أو أن تَنكِحَ أولادَه، وحرَّم على أمهاتها وعماتها وخالاتها بل حرَّم على الطفلة المُرتَضِعة من امرأة أن تتزوج بالفحل صاحب اللبن وهو الذي وَطِئَ المرأةَ حتى دَرَّ اللبنُ بوَطئه، فإذا كان يحرُم على الرجل أن يَنكِح بنتَه من الرضاع، ولا يثبُت في حقها شيء من أحكام النسب سوى التحريم وما يَتبعها من الحرمة، فكيف يباح له نكاحُ بنتٍ خُلقَت من مائه!
وأين المخلوقة من مائه من المتغذية بلبنٍ دَرَّ بوَطئه!
فهذا يبين التحريم من جهة عموم الخطاب ومن جهة التنبيه والفحوى وقياس الأَوْلَى.
الثالث: أن الله تعالى قال: "وحلائلُ أبنائكم الذين من أصلابكم" قال العلماء: احترازٌ عن ابنه الذي تبنَّاه، كما قال: "لكي لا يكونَ على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قَضَوا منهنَّ وَطَرًا" ومعلوم أنهم في الجاهلية كانوا يَستلحِقون ولد الزنا أعظمَ مما يَستلحِقون وَلَدَ المتبنَّى، فإذا كان الله تعالى قيَّد ذلك بقوله: "من أصلابكم" عُلم أن لفظ البنات ونحوها يشمل كل من كان في لغتهم داخلًا في الاسم.
وأما قول القائل: إنه لا يثبُت في حقها الميراثُ ونحوُه.
فجوابه أن النسب تتبعَّض أحكامه، فقد ثبت بعض أحكام النسب دون بعض، كما وافق أكثر المنازِعين في ولد الملاعَنة على أنه يحرُم على المُلاعِن ولا يَرِثُه.
واختلف العلماء في استلحاق ولد الزنا إذا لم يكن فراشًا على قولين.
كما ثبت عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه ألحَقَ ابنَ وليدة زَمعة بن الأسود، وكان قد أحبَلَها عتبةُ بن أبي وقاص فاختَصَم فيه سعد وعبدُ بن زَمعة، فقال سعد: ابنُ أخي عَهد إليَّ أن ابنَ وليدة زَمعة هذا ابني. فقال عبد: أخي وابنُ وليدة أبي وُلد على فراش أبي.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحَجَر، احتجِبِي منه يا سودة" لمّا رأى من شَبَهِه البيِّن بعتبة، فجعله أخاها في الميراث دون الحرمة.
وقد تنازع العلماء في ولد الزنا: هل يَعتِق بالمِلك؟ على قولين في مذهب أبي حنيفة وأحمد، وهذه المسألة لها بسط لا تسعه هذه الورقة، ومثل هذه المسألة الضعيفة ليس لأحد أن يَحكيَها عن إمام من أئمة المسلمين، لا على وجه القدح فيه ولا على وجه المتابعة له فيها، فإن في ذلك ضربًا من الطعن في الأئمة واتباعَ الأقوال الضعيفة، وبمثل ذلك صار وزير التَّتَر يُلقي الفتنة بين مذاهب أهل السنة حتى يَدْعُوهم إلى الخروج عن السنة والجماعة ويوقِعَهم في مذاهب الرافضة وأهل الإلحاد. والله أعلم مجموع الفتاوى 32/134 ـ 137).
وقوله تعالى: (وأخواتُكم وعماتُكم وخالاتُكم وبناتُ الأخ وبناتُ الأخت وأمهاتُكم اللاتي أرضَعنَكم) قد يقول قائل: لماذا جاء الحق بتحريم زواج الابن من الأم؟
لأن الأم بالإرضاع كوَّنَت خلايَا فيمَن أرضعته، وما دام قد كوَّنَت فيما أرضَعَته خلايَا ففيه بِضعٌ منها، وما دام قد وُجد في الابن بِضعٌ من الأم التي أرضَعَته فلهذا البِضعِ حرمةُ الأمومة، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إنه يحرُم من الرضاعة ما يحرُم من النسب" (جزء من حديث رواه أحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما 1/290 وصححه الشيخ شاكر 2633 وأصله في البخاريّ 5099 ومسلم 1444، 1445.
وقال ابن قدامة: كل امرأة حَرُمَت من النسب حَرُم مثلها من الرَّضاع، وهنَّ الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، على الوجه الذي شرحناه في النسب، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الرضاعة تحرِّم ما تحرِّم الولادة" وقال النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دُرّة بنت أبي سلمة: "إنها لو لم تكن رَبِيبَتي في حَجْري ما حلَّت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضَعَتْني وأباها ثُوَيبةُ" متفق عليه.
لأن الأمهات والأخوات منصوص عليهنَّ، والباقيات يدخُلن في عموم سائر المحرَّمات، ولا نعلم في هذا خلافًا. جامع أحكام النساء 3/49.
عدد الرضعات المحرِّمات ذهب جمهور العلماء إلى أن الرضعة الواحدة تحرِّم ويثبُت بها حكم الرضاعة، مستدِلِّين بالعمومات الواردة في الباب، كقوله تعالى: "وأمهاتُكم اللاتي أرضَعنَكم وأخواتُكم من الرضاعة" فلم يُذكر عدد، وكذلك عموم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة" فلم يُذكر عدد.
وذهب فريق من أهل العلم إلى أن الذي يحرِّم هو ثلاث رضعات فما فوقها، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تحرِّم المَصَّة والمَصَّتان" فقالوا: ما زاد على ذلك فهو يحرِّم.
وذهب فريق من أهل العلم إلى أن الذي يحرِّم خمسُ رضعات، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: كان فيما أُنزل من القرآن: "عشرُ رضعات معلومات يُحرِّمن" ثم نُسخ بخمس معلومات، فتُوُفِّيَ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهنَّ فيما يُقرأ من القرآن. جامع أحكام النساء 3/57ـ 58. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المحرَّمات من النسـاء الخميس 23 مارس 2017, 5:56 pm | |
| زمن الرَّضاعة: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الرَّضاع الذي يحرِّم هو ما كان في الصغر قبل الحولين، لقول الله تبارك وتعالى: "والوالداتُ يُرضِعنَ أولادَهنَّ حولَين كاملَين لمن أراد أن يُتمَّ الرَّضاعة" [البقرة: 233] ولقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة" ولقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا يحرِّم من الرضاعة إلا ما فَتَقَ الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام".
بينما ذهب بعض أهل العلم ـ منهم عائشة رضي الله تعالى عنها وأبو محمد ابن حزم رحمه الله ـ إلى أن الرضاع كله يحرِّم، سواء كان في الصغر أو كان في الكبر، وذلك لحديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ في قصة سهلة مع سالم مولى أبي حذيفة وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه" قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "قد علمت أنه رجل كبير".
واستدلوا أيضًا بعموم قول الله تبارك وتعالى: "وأمهاتُكم اللاتي أرضَعنَكم".
أما جمهور العلماء فأجابوا على قصة سهلة مع سالم بأنها خاصة بسهلة مع سالم، ومنهم من قال إنها منسوخة.
ويتأيد لديّ رأيُ الجمهور بقول النبيّ: "وكان قبل الفطام". والله أعلم. جامع أحكام النساء 3/68-69.
صفة الرِّضَاع المُحَرَّمْ: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن لبن المرضع يحرِّم، سواء تناوله الطفل من ثديها أو حُلب له في إناء وشربه من الإناء.
بينما ذهب أبو محمد ابن حزم ومعه بعض العلماء إلى أن الذي يحرِّم هو ما ارتُضع من الثدي فقط، متمسِّكين بالمعنى اللغويِّ للإرضاع. ولا شك أن رأي الجمهور أرجح؛ لأنه لبن امرأة سُدَّت به المجاعة وفُتِقَت به الأمعاء. والله تعالى أعلم.
قال الحافظ ابن حجر: واستُدل به على أن التغذية بلبن المرضِعة يحرِّم، سواء كان بشربٍ أم أكلٍ بأيّة صفة كان، حتى الوَجُور والسَّعُوط والثَّرد والطبخ وغير ذلك، إذا وقع بالشرط المذكور من العدد؛ لأن ذلك يطرد الجوع وهو موجود في جميع ما ذكر، فيوافق الخبر والمعنى، وبهذا قال الجمهور، لكن استثنَى الحنفيةُ الحقنةَ، وخالَف في ذلك الليثُ وأهلُ الظاهر فقالوا: إن الرضاعة المحرِّمة إنما تكون بالتقام الثدي ومَصِّ اللبن منه.
وقال الشافعيّ: والوَجُور كالرضاع، وكذلك السَّعُوط؛ لأن الرأس جوف.
وقال الكاسانيّ: ويستوي في تحريم الرَّضاعِ الارتضاعُ من الثدي والإسعاطُ والإيجارُ، لأن المؤثِّر في التحريم هو حصولُ الغذاء باللبن وإنباتُ اللحم وإنشارُ العظم وسدُّ المجاعة، وذلك يحصل بالإسعاط والإيجار، لأن السَّعُوط يصل إلى الدماغ وإلى الحلق فيغذّي ويسدّ الجوع، والوَجُور يصل إلى الجوف فيغذّي. جامع أحكام النساء 3/80ـ 81).
وبعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: (وربائبُكم اللاتي في حُجُورِكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنَّ) والرَّبيبة هي بنت المرأة من غير زوجها الجديد.
بمعنى أن تكون المرأة قد تزوجت وأنجبت بنتًا ثم طلقها زوجها أو مات عنها وبعد ذلك تزوجت المرأة رجلًا آخر، ومعها ابنتها، فتكون ربيبة؛ لأن الزوج الجديد يأخذها في حمايته ورعايته ويكون في مقام الأب، حيث إنه الذي يقوم بتربيتها، فتأخذ حكم البنوّة.
والشرط الذي يحرّمها عليه هنا أن يكون الرجل قد دخل بالمرأة الأم، فإن انتفى هذا الشرط كانت البنت حِلًّا للرجل ما دام لم يدخل بأمها؛ لأنه لم توجد بينهما معيشة ولا صلة بالبنوّة (الربيبة محرَّمة بشرطين ذُكِرَا في الآية: 1 ـ أن تكون في الحِجْر. 2 ـ أن يكون الرجل دخل بأمها.
وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، ودليلهم أن مالك بن أوس بن الحَدَثان النصريّ قال: كانت عندي امرأة قد ولَدَت لي، فتُوفِّيَت، فوجدت عليها، فلقيت عليَّ بن أبي طالب فقال: ما لك؟ فقلت: تُوفِّيَت المرأة. فقال: ألَهَا ابنة؟ قلت: نعم. قال: كانت في حِجْرك؟ قلت: لا، هي في الطائف. قال: فانكِحْها. قال: قلت: فأين قوله (وربائبُكم اللاتي في حُجُورِكم)؟ قال: إنها لم تكن في حِجْرك، وإنما ذلك إذا كانت في حِجْرك.
وما رُوي عن ابن عباس: الدخولُ والتغشِّي والإفضاءُ والمباشرةُ والرفَثُ واللمسُ، هذا الجماع، غير أن الله حَييّ كريم يَكنِي بما شاء عما شاء.
وما رواه ابن طاووس عن أبيه أنه كان يقول: الدخول واللمس والمسيس، الجماع، والرفث في الصيام الجماع، والرفث في الحج الإغراء به.
قال ابن جُريج: وقال عمرو بن دينار: الدخول الجماع.
وما رُوي عن عطاء "وربائبُكم اللاتي في حُجُورِكم" ما الدخول بهنَّ؟
قال: أن تُهدَى إليه فيَكشف ويَجلس بين رجلَيها.
قلت: إن فعل ذلك بها في بيت أهلها؟
قال: حسبُه، قد حرَّم ذلك عليه بناتِها.
قلت له: نعم، ولم يكشف؟
قال: لا تحرَّم عليه الربيبة إن فعل ذلك بأمها.
وقال القرطبيّ: في تأويل قوله تعالى: "وربائبُكم اللاتي في حُجُورِكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنَّ": هذا مستقلّ بنفسه، ولا يرجع قوله "من نسائكم اللاتي دخلتم بهنَّ" إلى الفريق الأول بل هو راجع إلى الربائب إذ هو أقرب مذكور كما تقدم.
والربيبة بنت امرأة الرجل من غيره، سُمِّيَت بذلك لأنه يربِّيها في حِجره، فهي مربوبة، فَعيلة بمعنى مفعولة. واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرُم على زوج أمها إذا دخل بالأم وإن لم تكن الربيبة في حِجره.
وشذ بعض المتقدمين وأهل الظاهر فقالوا: لا تحرُم عليه الربيبة إلا أن تكون في حجر المتزوج بأمها، فلو كانت في بلد آخر وفارَقَ الأمَّ بعد الدخول فله أن يتزوج بها.
واحتجوا بالآية فقالوا: حرم الله تعالى الربيبة بشرطين: أحدهما: أن تكون في حجر المتزوج بأمها. والثاني: الدخول بالأم.
فإذا عُدم أحد الشرطين لم يوجد التحريم.
واحتجوا بقوله عليه السلام: "لو لم تكن رَبيبتي في حَجري ما حَلَّت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة" فشَرَطَ الحِجْرَ.
ورَوَوا عن عليّ بن أبي طالب إجازة ذلك، قال ابن المنذر والطحاويّ: أما الحديث عن عليّ فلا يثبت؛ لأنه من رواية إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس عن عليّ، وإبراهيم هذا لا يُعرف، وأكثر أهل العلم قد تلقَّوه بالدفع والخلاف.
قال أبو عبيد: ويدفعه قوله: "فلا تَعرِضنَ عليَّ بناتكنَّ ولا أخواتكنَّ" فعَمَّ ولم يقل: اللائي في حجري.
ولكنه سوَّى بينهنَّ في التحريم.
قال الطحاويّ: وإضافتهنَّ إلى الحجور إنما ذلك على الأغلب مما يكون عليه الربائب لا أنهنَّ لا يَحرُمنَ إذا لم يَكُنَّ كذلك.
وقال العلامة ابن كثير: وأما قوله تعالى: "وربائبُكم اللاتي في حُجُورِكم" فالجمهور على أن الربيبة حرام، سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره، قالوا: وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، كقوله تعالى: "ولا تُكرِهوا فتياتِكم على البِغَاءِ إن أرَدنَ تَحَصُّنًا" وفي الصحيحَين أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله، انكِحْ أختي بنت أبي سفيان.
وفي لفظ لمسلم: عزة بنت أبي سفيان. قال: "أو تُحبّين ذلك؟" قالت: نعم، لست بك بمُخْليَةٍ، وأحبُّ مَن شَرَكني في خيرٍ أختي. قال: "فإن ذلك لا يحلُّ لي" قالت: فإنا نتحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: "بنت أبي سلمة؟" قالت: نعم. قال: "إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضَعَتْني وأبا سلمة ثُوَيبةُ، فلا تَعرِضنَ عليَّ بناتكنَّ ولا أخواتكنَّ" وفي رواية للبخاريّ: "إني لو لم أتزوَّج أم سلمة ما حلَّت لي" فجعل المناط في التحريم مجرَّد تزوُّجِه أمَّ سلمة وحكَم بالتحريم بذلك، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف.
وقال ابن حزم: أما من تزوَّج امرأةً ولها ابنةٌ أو ملَكها وله ابنةٌ، فإن كانت الابنة في حجره ودخل بالأم مع ذلك، وَطِئَ أو لم يَطَأ لكن خَلَا بها بالتلذذ، لم تَحلَّ له ابنتُها أبدًا، فإن دخل بالأم ولم تكن الابنةُ في حجره أو كانت الابنةُ في حجره ولم يدخل بالأم فزواجُ الابنة له حلال.
ثم قال رحمه الله: برهان ذلك قول الله تعالى: "وربائبُكم اللاتي في حُجُورِكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنَّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنَّ فلا جناح عليكم" فلم يحرِّم الله عز وجل الربيبةَ بنتَ الزوجة أو الأمة إلا بالدخول بها وأن تكون هي في حجره، فلا تحرم إلا بالأمرين معًا لقوله تعالى بعد أن ذكر ما حُرِّم من النساء: "وأُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم" وما كان ربُّك نسيًّا.
وكونها في حجره ينقسم قسمين: أحدهما: سكناها معه في منزله وكونه كافلًا لها. والثاني: نظره إلى أمورها نحو الولاية لا بمعنى الوكالة.
فكل واحد من هذين الوجهين يقع بها عليها كونها في حجره.
وأما أمُّها فيحرِّمها عليه بالعقد جملةً قولُ الله تعالى: "وأمهاتُ نسائكم" فأجمَلَها عز وجل فلا يجوز تخصيصها. جامع أحكام النساء 3/92-99 بتصرف).
ومن بعد ذلك يحرِّم الحق سبحانه الزواج بزوجة الابن (وحلائلُ أبنائكم الذين من أصلابِكم) أي أن زوجة الابن محرَّمة.
وقوله: (الذين من أصلابِكم) دليل على أن كلمة الأبناء كانت تطلق على أناس لم يكونوا من الأصلاب، فلو أن كلمة الأبناء اقتصرت في الاستعمال على أولاد الرجل من صلبه لما قال الله (وحلائلُ أبنائكم الذين من أصلابِكم) إذًا قول الله سبحانه وتعالى (وحلائلُ أبنائكم الذين من أصلابِكم) يدل على أن حلائل الأبناء المُتَبَنَّينَ حلٌّ للمؤمنين، ونفهم من ذلك أن العرب كانوا يحرمون حلائل الأبناء بالتبنِّي، ولذلك نص الله تعالى على تحريم حلائل الأبناء الذين من الأصلاب (رُويَ عن ابن جُريج قال: قلت لعطاء: "وحلائلُ أبنائكم" الرجل يَنكِح المرأةَ لا يراها حتى يطلقَها، أتَحِلّ لأبيه؟
قال: هي مرسَلة يعني أن الآية لم تقيِّد حليلة الابن بقيد من القيود، فعلى ذلك حليلةُ الابن محرَّمة، سواء دخل بها الابن أو لم يدخل.
وقال ابن جرير الطبريّ: وأما قوله "وحلائلُ أبنائكم الذين من أصلابِكم" فإنه يعني: وأزواج أبنائكم الذين من أصلابِكم.
وقال العلامة ابن كثير: وقوله تعالى "وحلائلُ أبنائكم الذين من أصلابِكم" أي: وحرِّمت عليكم زوجاتُ أبنائكم الذين وَلَدتُموهم من أصلابكم. يَحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يَتَبَنَّونَهم في الجاهلية، كما قال تعالى: "فلما قَضَى زيدٌ منها وَطَرًا زوَّجنَاكها لكي لا يكونَ على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم".
ونقل الاتفاق على أن حليلة الابن تحرُم على الأب بمجرد العقد عليها، سواء دخل بها الابن أو لم يدخل.
وقال ابن قدامة: وجملة ذلك أن المرأة إذا عقد الرجل عقد النكاح عليها حرِّمت على أبيه بمجرد العقد عليها لقول الله تعالى: "وحلائل أبنائكم" وهذه من حلائل أبنائه.
وقال أبو محمد بن حزم: وكذلك لا يحلّ للرجل زواجُ امرأة ولا وطؤُها بملك اليمين إذا كانت المرأة ممَّن حلَّ لولده وطؤُها أو التلذذُ منها بزواج أو بملك يمين أصلًا، والجدُّ في كل ما ذكرنا وإن علَا من قِبَلِ الأب أو الأم كالابن ولا فرق، وابنُ الابن وابنُ الابنة وإن سَفَلَا كالابن في كل ما ذكرنا ولا فرق.
وقال: أما من عقد فيها الرجل زواجًا فلا خلاف في تحريمها في الأبد على أبيه وأجداده وعلى بنيه وعلى مَن تناسَلَ من بنيه وبناته أبدًا.
وكذلك حلائل الأبناء من الرَّضاع يَحرُمنَ، قال ابن جرير الطبريّ: فإن قال قائل: فما أنت قائل في حلائل الأبناء من الرضاع؟ فإن الله تعالى إنما حرَّم حلائل أبنائنا من أصلابنا.
قيل: إن حلائل الأبناء من الرضاع وحلائل الأبناء من الأصلاب سواء في التحريم، وإنما قال: "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم" لأن معناه: وحلائل أبنائكم الذين وَلَدتُموهم دون حلائل أبنائكم الذين تَبَنَّيتموهم.
وقال الحافظ ابن كثير: فإن قيل: فمن أين تحرُم امرأةُ ابنه من الرضاعة ـ كما هو قول الجمهور، ومن الناس مَنْ يحكيه إجماعًا ـ وليس من صلبه؟
فالجواب: من قوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". جامع أحكام النساء 3/100ـ 102 بتصرف).
وتأتي بقية المحرمات في قوله: (وأن تَجمعوا بين الأختَين) ذلك أن الأختَين رَحِمٌ يجب أن تظل معه المودة والرحمة والصفاء، لكن إذا كانت الأختان تحت رجل واحد فالشقاق هو الذي يحدث، لذلك حرم الله الجمع بين الأختين (إلا ما قد سلَف إن اللهَ كان غفورًا رحيمًا).
وقد اجتهد العلماء حول الجمع بين الأختين فقال البعض: إن الله قد استثنَى دائمًا ما مَلَكَت الأيمان، فَهَبْ أن الأختَين مملوكتان مِلْكَ يمين!
ومعلوم أن ملك اليمين ليس بينها وبين الرجل عقد، كما أن ملك اليمين لا يوجب على السيد أن يجعلها أم الأولاد.
فقال قوم: ما دامت الأختان ملك اليمين فلا مانع أن يجمع بينهما في العشرة.
وآخرون أخذوا بالتحريم لقول الحق سبحانه: (وأن تَجمعوا بين الأختين) (عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: يا رسول الله، انكِحْ أختي بنت أبي سفيان. قال: "أو تُحبّين ذلك؟" قالت: نعم، لست بك بمُخْليَةٍ، وأحبُّ مَن شَرَكني في خيرٍ أختي. قال: "فإن ذلك لا يحلُّ لي" قالت: فإنا نتحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: "بنت أبي سلمة؟" قالت: نعم. قال: "إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي، إنها لَابنةُ أخي من الرضاعة، أرضَعَتْني وأبا سلمة ثُوَيبةُ، فلا تَعرِضنَ عليَّ بناتكنَّ ولا أخواتكنَّ" قال عروة: وثُوَيبةُ مولاةٌ لأبي لهب، وكان أبو لهب أعتَقَها فأرضَعَت النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما مات أبو لهب أُرِيهِ بعضُ أهله بشرِّ حِيبةٍ، قال له: ماذا لَقيتَ؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم، غير أني سُقيتُ في هذه بعَتَاقتي ثُوَيبةَ أخرجه البخاريّ [5101].
أقوال أهل العلم في الباب: قال الحافظ ابن حجر: والجمع بين الأختين في التزويج حرام بالإجماع، سواء كانتَا شقيقتَين أم من أب أو من أم، وسواء النسب أو الرضاع، واختُلف فيما إذا كانتَا بملك اليمين فأجازه بعض السلف، وهو رواية عن أحمد، والجمهورُ وفقهاءُ الأمصار على المنع.
قال الشافعيّ: ولا يُجمع بين أختَين أبدًا بنكاح ولا وطء ملك، وكل ما حرُم من الحرائر بالنسب والرضاع حرُم من الإماء مثلُه إلا العدد، والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل، فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها فنكاح الآخرة باطل ونكاح الأولى ثابت، وسواء دخل بها أو لم يدخل بها، ويفرّق بينه وبين الآخرة.
وإذا كانت عنده أمة يطؤها لم يكن له وطء الأخت إلا بأن يحرُم عليه فرجُ التي كان يطأها بأن يبيعها أو يزوجها أو يكاتبها أو يعتقها.
وقال ابن جرير الطبريّ: وأما قوله (وأن تجمعوا بين الأختين) فإن معناه: وحرِّم عليكم أن تجمعوا بين الأختين عندكم بنكاح، فـ "أن" في موضع رفع، كأنه قيل: والجمعُ بين الأختين (إلا ما قد سلَف) لكن ما قد مضَى منكم (إن اللهَ كان غفورًا) لذنوب عباده إذا تابوا إليه منها (رحيمًا) بهم فيما كلَّفهم من الفرائض وخفَّف عنهم فلم يحمِّلهم فوق طاقتهم.
يخبر بذلك جل ثناؤه أنه غفور لِمَنْ كان جمَع بين الأختين بنكاح في جاهليته وقبل تحريمه ذلك إذا اتقى الله تبارك وتعالى بعد تحريمه ذلك عليه فأطاعه باجتنابه، رحيم به وبغيره من أهل طاعته من خلقه.
وقال العلامة ابن كثير: وقوله تعالى "وأن تَجمعوا بين الأختَين إلا ما قد سلَف..." الآيةِ، أي: وحرِّم عليكم الجمع بين الأختين معًا في التزويج وكذا في ملك اليمين، إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه، فدل على أنه لا مَثنويَّة فيما يَستقبل لأنه استثنى ما سلف، كما قال تعالى: "لا يَذوقون فيها الموتَ إلا الموتةَ الأُولَى" [الدخان: 56] فدل على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا.
وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديمًا وحديثًا على أنه يحرُم الجمعُ بين الأختَين في النكاح.
وقال أيضًا: وأما الجمع بين الأختَين في ملك اليمين فحرام أيضًا لعموم الآية.
ثم قال: وهذا هو المشهور عن الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم، وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك.
وقال ابن قدامة: والمذكور في الكتاب الجمعُ بين الأختَين، سواء كانتَا من نسب أو رضاع، حرتَين كانتَا أو أَمَتَين، أو حرة وأَمَة، من أبوَين كانتَا أو من أب أو أم، وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده لعموم الآية.
فإن تزوَّجهما في عقد واحد فسَد؛ لأنه لا مَزِيَّة لإحداهما على الآخرة، وسواء علم بذلك حال العقد أو بعده.
فإن تزوج إحداهما بعد الأخرى فنكاح الأولى صحيح لأنه لم يحصل فيه جمع، ونكاح الثانية باطل لأنه به يحصل الجمع.
وليس في هذا بحمد الله اختلاف، وليس عليه تفريع.
والجمع بين الأختين في التزويج إذا كانتَا بملك اليمين حرام أيضًا، لعموم قوله تعالى: "وأن تجمعوا بين الأختين".
قال العلامة ابن القيم: وحرَّم سبحانه الجمع بين الأختين، وهذا يتناول الجمعَ بينهما في عقد النكاح وملك اليمين كسائر محرمات الآية، وهذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو الصواب.
وتوقفت طائفة في تحريمه بملك اليمين لمعارضة هذا العموم بعموم قوله سبحانه: "والذين هم لفروجِهم حافظون * إلا على أزواجِهم أو ما ملَكَت أيمانُهم فإنهم غيرُ مَلُومِين" [المؤمنون: 5 ـ 6] ولهذا قال أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنه: أحلَّتهما آية وحرَّمتهما آية.
وقال الإمام أحمد في رواية عنه: لا أقول هو حرام ولكن ننهى عنه، فمِن أصحابه من جعل القول بإباحته روايةً عنه، والصحيح أنه لم يُبِحْهُ لكن تأدَّب مع الصحابة أن يُطلق لفظ الحرام على أمر توقَّف فيه عثمان، بل قال: نَنهَى عنه.
والذين جزموا بتحريمه رجَّحوا آية التحريم من وجوه: أحدها: أن سائر ما ذُكر فيها من المحرَّمات عامّ في النكاح وملك اليمين، فما بال هذا وحده حتى يخرج منها! فإن كانت آية الإباحة مقتضيةً لِحِلِّ الجمع بالملك فلتكنْ مقتضيةً لِحِلِّ أُمِّ مَوطوءته بالمِلك ولِمَوطوءة أبيه وابنِه بالمِلك؛ إذ لا فرق بينهما ألبتة، ولا يُعلم بهذا قائل.
الثاني: أن آية الإباحة بمِلك اليمين مخصوصة قطعًا بصور عديدة لا يختلف فيها اثنان، كأمه وابنته وأخته وعمته وخالته من الرضاعة، بل كأخته وعمته وخالته من النسب عند من لا يرى عِتقَهنَّ بالمِلك كمالك والشافعيّ، ولم يكن عموم قوله "إلا ما مَلَكَت أيمانُكم" معارضًا لعموم تحريمهنَّ بالعقد والمِلك.
فهذا حكم الأختين سواء.
الثالث: أن حِلَّ المِلك ليس فيه أكثرُ من بيان جهة الحِلِّ وسببِه ولا تعرُّض فيه لشروط الحِلِّ ولا لموانعه، وآية التحريم فيها بيان موانع الحِلِّ من النسب والرضاع والصِّهر وغيره، فلا تعارض بينهما ألبتة، وإلا كان كل موضع ذُكر فيه شرطُ الحِلِّ وموانعُه معارِضًا لمقتضَى الحِلِّ، وهذا باطل قطعًا، بل هو بيان لما سكَت عنه دليلُ الحِلِّ من الشروط والموانع.
الرابع: أنه لو جاز الجمع بين الأختَين المملوكتَين في الوطء جاز الجمع بين الأم وابنتها المملوكتَين؛ فإن نَصَّ التحريم شامل للصورتَين شمولًا واحدًا، وإن إباحة المملوكات إن عمَّت الأختَين عمَّت الأمَّ وابنتَها.
الخامس: أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين".
ولا ريب أن جمع الماء كما يكون بعقد النكاح يكون بملك اليمين، والإيمان يمنع منه. جامع أحكام النساء 3/102ـ 107).
ومن بعد ذلك قال الحق: (إلا ما قد سلَف إن اللهَ كان غفورًا رحيمًا) إن من غفران الله ورحمته أنه لم يأخذ المؤمنين بالأثر الرجعيّ، لأن من عظمة الإسلام أنه لا تحريم إلا بنَصّ ولا عقوبة إلا بتحريم (ومن المحرَّمات حرمة مؤقتة، كالجمعِ بين الأختَين، الجمعُ بين المرأة وعمتها والجمعُ بين المرأة وخالتها، روَى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا يُجمَعُ بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وخالتها" أخرجه البخاريّ [5109] ومسلم [1408] وأحمد في المسند [2/462، 465، 516] والنسائيّ [3288].
وفي رواية أخرى: نهى أن يُجمَعَ بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها رواه النسائيّ في المجتبَى [3289] وأحمد في المسند [2/ 401، 518] وأبو داود [2066] وصححه الألبانيّ في صحيح النسائيّ [3082] والحكمة الشرعية في ذلك عدمُ القطيعة بين الأرحام، فتقطع البنتُ عمتَها وتَقطع العمةُ أولادَ أخيها.
قال ابن المنذر: لست أعلم في منع ذلك اختلافًا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج، وإذا ثبت الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضرَّه خلاف من خالفه. ونقل الإجماعَ ابنُ عبد البر وابنُ حزم والقرطبيّ والنوويّ [فتح الباريّ 10/202].
وقال الإمام النوويّ: احتج الجمهور بهذه الأحاديث وخصّوا بها عموم القرآن في قوله تعالى: "وأُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم" وقد ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبيِّن للناس ما أُنزل إليهم من كتاب الله [شرح النوويّ على صحيح مسلم 5/207 بتصرف].
وجملة القول: المحرَّماتُ في كتاب الله عز وجل أربعَ عشرةَ، سوى من يَحرُم الجمعُ بينهنَّ، سبع بالنسب وسبع بالسبب، منهنَّ اثنتان بالرضاع وأربع بالمصاهرة، والسابعةُ المُحصَنةُ، وهي ذاتُ الزوج). |
|