ضيف الحلقة :
الشيخ: د.ناصر بن عبد الكريم العقل
موضوع المحاضرة
حقيقة التدين
التدين مأخوذ من الدين والدين هو التسليم والطاعة والتذلل والخضوع والعبودية وعلى هذا فإن التدين بمعناه الاصطلاحي تدين المسلم يتمثل:
أولا: بالتسليم لله عز وجل والتذلل له سبحانه والخضوع والطاعة والامتثال وإجماع ذلك كله للعبودية لله سبحانه وتعالى ولذلك سمى الإسلام من هذا المعنى الإسلام معناه التسليم وهو الاستسلام لله عز وجل للعبودية والطاعة الاستسلام المطلق.
والاستسلام أي استسلام التدين لا بد أن يشمل استسلام القلب واستسلام الجوارح خضوع القلب وخضوع الجوارح ولو تأملنا حال المسلمين اليوم ثم قارناه بحال المسلمين في القرون الثلاثة الفاضلة لانكشفت لنا الكثير من الحقائق المتعلقة بدعوى التدين أثر عن الحسن البصري رحمه الله حكمة صائبة قال فيها ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال وعلى هذا فلا بد في استجلاء حقيقة التدين من إظهار أو من ظهور علامات التدين على القلب أولا أي العلامات القلبية التي سيأتي الإشارة إلي شيء منها ثم على الجوارح التي هي الأعمال الظاهرة والتي تتمثل بأعمال المسلم الظاهرة أولا تجاه أركان الدين وواجباته والأخلاق ونحو ذلك ثم ما يستلزم ذلك أيضا منهج التعامل، التعامل تعامل الإنسان أولا مع ربه عز وجل تعامله مع الحقائق الشرعية تعامله مع أصول الإسلام مدى امتثاله إلي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحقيقه لمعنى الإسلام ومدى تعلقه بالإسلام في هـذا الدين.
أوجز النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة التدين في صدد وصيته إلي أحد الصحابة لما سأله قال قل أمنت بالله ثم أستقم كلمات جامعات جمعت الدين كله في كلمتين قل أمنت بالله يعنى حقق الإيمان في قلبك ثم استقم في أعمالك في عبادتك في أخلاقك في تعاملك مع الحياة مع الناس والإيمان بالله لا يكون إلا بمقتضى العقيدة الصحيحة و لا شك وإلا كل يدعى الإيمان بالله والاستقامة على دين الله لا تكون إلا بمقتضى العمل بشرع الله وبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لان حتى الإيمان بالله والاستقامة هي دعوة ولها شروط وضوابط وحقيقة وعلى هذا فإن التدين أمر لا بد أن يحكم حياة المسلم كلها في قلبه وروحه ونفسه وعواطفه ومشاعره وأعماله ومواقفه كل هذه الأمور لا بد أن يتحقق فيها معنى التدين وأول حقائق التدين في بلوغ المراد الشرعي للتدين أول حقيقة في ذلك هي صلاح القلب وصلاح القلب يكون أولا بتعظيم الله عز وجل بأسمائه وصفاته وأفعاله فإذا أراد المسلم أن يختبر نفسه أو يستجلي حقيقة تعلق قلبه بالله عز وجل فلينظر في حاله إذا قرا آيات الله إذا قرا القرآن أو سمعه ثم مرت عليه أسماء الله عز وجل هل يجد في نفسه تأثر في معاني أسماء الله هل يجد في استعراضه إلي أسماء الله عز وجل والتفكر فيها والتمعن في معانيها هل يجد فيها لها اثر في قلبه بزيادة تعظيم الله ومحبته ورجائه وخوفه وتقواه وكل أسماء الله عز وجل لا بد أن تغرز هذه المعاني فان وجد اثر طيبا في ذلك فليحمد الله وليعرف انه بدأ طريق الاستقامة وان أحس بالغفلة وعدم التأثر بمعاني أسماء الله عز وجل فليفتش عن حاله ثم أيضا ليستعرض المسلم يختبر قلبه مدى تحقق أركان العبادة في قلبه العبادة في القلب لا بد أن تقوم على ثلاثة أركان.
الركن الأول محبة الله عز وجل محبة التعظيم محبة الله عز وجل بان يمتلئ قلب المسلم بمحبة الله.
ثم ثانيا الخشية خشية الله وخوفه
ثم ثالثا الرجاء تعلق القلب برجاء رحمة الله وعفوه في الدنيا والآخرة إذا امتلئ القلب بهذه المعاني أو شعر بها فلا بد أن تثمر أمورا كثيرة من تقوى الله ورقابه الله والإنابة إليه والتوكل عليه والتعلق به سبحانه في كل الأمور بحيث يحب المسلم إذا امتلأ قلبه بهذه المعاني يحب المسلم ما يحبه الله ويحب من يحبهم الله ويبغض ما يبغضه الله ويبغض من يبغضهم الله ثم لا بد أن يتحقق معنى التدين في صلاح القلب بالتذلل لله سبحانه وتعالى تذلل للقدر والشرع بأن يخضع إلي قدر الله عز وجل ويؤمن بقدر الله ويصبر على قضاء الله وكذلك التذلل بالاستعداد والتسليم للعمل بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وكذلك لا بد أن يشعر المسلم إذا حقق التدين في قلبه بالإذعان بشرع الله ثم يستلزم ذلك ما أمر الله به كما قال الله عز وجل " قل إن كنتم تحبون الله اتبعوني يحببكم الله " يستلزم صلاح القلب ما أمر الله به من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والاتباع يبدأ بالمحبة بأن يحب المسلم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون احب إليه من نفسه وماله وولده ومن الناس أجمعين وان تثمر هذه المحبة عن الاستعداد لقبول ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير فيستعد المسلم أولا لتوقير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحواله ثم اتباع سنته والاهتداء بهديه احب ما يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم احب من يحبهم وبغض من يبغضه الرسول صلى الله عليه وسلم وبغض من يبغضهم كذلك تتجلى حقيقة التدين من حيث صلاح القلب تتجلى في الرقابة لله عز وجل والتي ينتج عنها تقوى الله من راقب الله اتقاه وهذا هو من معاني الإحسان التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حينما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه تصوروا هذا المعنى العظيم تعبد الله كأنك تراه ثم قال فإن لم تكن تراه فإنه يراك بهذا الاستشعار تتحقق الرقابة في قلب المؤمن وعقله ومشاعره وروحه وعواطفه الرقابة لله عز وجل فإذا تحققت الرقابة لله عز وجل فإن المسلم لا بد أن يتقى الله وهذه نتيجة طبيعية بل نتيجة حتمية كل من راقب الله واتقاه فلا بد أن يقوم بما أوجب الله عليه وان ينتهي بما أنهى الله عنه.
المسلم إذا استشعر بأن الله يراه ويراقبه على معنى حقيقي وصحيح على المعنى السليم إذا استخشع رقابه الله فانه لا يمكن أن يقع فيما يخل حقيقة التدين ولله المثل الأعلى الإنسان إذا شعر برقابة غيره له من البشر ماذا تتصورون مما يفعله من التصنع والتكلف والمجاملة والمدارة إلى آخرة وهو يشعر برقابة بشر برقابة إنسان لا يملك نفعه ولا ضره إلا بإذن الله ولله المثل العلي فكيف إذا استشعر مراقبة الله ولله المثل الأعلى ولذلك فإن حقيقة صلاح القلب إنما تتمثل في هذا المعنى في الرقابة لله عز وجل لأنه إذا امتلأ قلب المسلم برقابة الله ورجائه ورحمته والإنابة إليه إذا استشعر معاني صفات الله وأسمائه وأفعاله إذا رأى ما يجب لله عز وجل من التعظيم فإنه لا بد أن يجد ذلك اثر ذلك في قلبه وسلوكه وتتحقق التقوى لكن ابرز معانيها أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية اتباع ما أمر الله به واجتناب ما نه الله عنه.
كما تتجلى حقيقة التدين بعد إقامة الفرائض وأداء الواجبات بعمل السنن والنوافل.
الأعمال الصالحة يجر بعضها إلي بعض الحسنة تتبع الحسنة ولا بد بإذن الله إذا وفق الإنسان وقبلت منه الحسنة فلابد بإذن الله أن يهتدي بها إلي الحسنة الأخرى فمن أقام الفرائض على وجهها وأدى الواجبات على وجهها فلابد في أن يثمر ذلك في ظهور مظهر أخر من التدين لا يتذوقه إلا من كان على هذا الطريق ويتقرب اللي الله عز وجل بالنوافل كما جاء في الحديث القدسي( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى احبه فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به وسمعه الذي يسمع به ويده الذي يبطش بها ورجله الذي يمشى بها ولئن سألني لأعطينه ولأن أعاذني لأعيذنه) تصوروا هذه المعاني العظيمة متى تتحقق إذا تدين المسلم لله عز وجل بالنوافل ثم هل يعقل أن يتدين بالنوافل ويقبل منه ذلك إلا وقد قام بالفرائض والواجبات وهذا من جوامع الكلم للنبي صلى الله عليه وسلم أختصر الأمر بدل ما يقول تقرب بالواجبات والفرائض قال بالنوافل لأنه لا يعقل أن الإنسان يتقرب بالنوافل على وجه شرعي صحيح يعنى على وجه شرعي صحيح مقبول عند الله إلا وقد وفى بالأركان والواجبات ولو عمل بالنوافل دون الفرائض ما نفعه ذلك إذا تتجلى حقيقة التدين كذلك بالتعبد لله عز وجل والتعبد لا بد أن يكون على ما شرع الله كثير من عباد الأمم بل كثير من أصحاب الديانات قديما وحديثا الديانات الباطلة يتعبون وينصبون في التعبد لكنهم على غير شرع صحيح هؤلاء من الاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا نسأل الله العافية تعبدوا لله على غير ما شرع إذا لا بد من توفر عنصرين التعبد خضوع القلب والجوارح سلوك طريق العبادة الله عز وجل الظاهرة والباطنة ثم أن يكون ذلك على ما شرع الله وسن رسوله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وبذلك تتمثل وبذلك تتمثل علامات التعبد اللي هي من علامات التدين الحقيقي.
من حقيقة التدين أن يظهر اثر التدين على أعمال الإنسان الظاهرة كما يظهر على أعماله القلبية، أعماله القلبية قد لا يتجلى حقيقتها بأنها أمور غيبية لا يعلمها إلا الله عز وجل فأمور القلب وما فيه أمور بين العبد وبين ربه عز وجل لا يعلمها إلا هو ولكن ثمارها في أعمال الإنسان اللسانية والقولية والفعلية في عباداته ومعاملاته وتعامله مع الأخريين هي المحك والاختبار وأول كما قلت أول مظاهر التدين في الحقيقة الخشوع وما معنى الخشوع هو استكانة القلب والجوارح لله عز وجل استكانة تظهر أثارها على حركات الإنسان وتصرفاته وأفعاله ويتجلى هذا بأمور ظاهرة أولها بالقرآن الكريم إذا أردت أن تختبر قلبك ومدى خشوعك فانظر مدى تأثر قلبك بآيات الله المقروءة هذا القرآن كلام الله الذي لو أنزل على جبل لتصدع من خشية الله هذا القرآن كلام الله الذي فيه الأوامر والنواهي و الوعظ والعبر والقصص فيه الوعد والوعيد فإذا شعر المسلم عندما يسمع آيات القرآن بالخشوع والتأثر فليبشر بالخير وليعلم انه تحقق فيه معنى من معاني التدين ثم الخشوع في الصلاة وهو اختبار حقيقي جلي من ابرز أثار الأعمال القلبية الخشوع ومن ابرز مظاهر الخشوع بعد التأثر بكلام الله الخشوع في الصلاة ولذلك نجد في النصوص في القرآن والسنة انه وصف عمل الصلاة بالإقامة وان تقيم الصلاة والذين يقيمون الصلاة لا إلى الأداء لأن الأداء يستوي فيه المؤمن والمنافق كل يؤدى الصلاة لكن لا يقيم الصلاة إلا من تدين حقا تحقق فيه معنى التدين وأول مظاهر إقامة الصلاة الخشوع فيها والصلاة الخاشعة أيضا لا بد أن تثمر لأنها لابد أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ونجد معاني هذا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيمه لقدر الصلاة وفى اثر الصلاة في نفسه وروحه وقلبه ومشاعره وعواطفه فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة قرة عينه ما معنى قرة العين كما جاء في الحديث الصحيح (حبب إلينا من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة) قرة العين هي منتهى السعادة الأم إذا أرادت أن تصف حبها إلي ابنها لا تجد كلمة افضل من كلمة يا قرة عيني لأنها بمنى السعادة والحبور والمحبة في هذا الأمر كذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما استشعر معنى الصلاة وخشع في الصلاة قرت عينه شعر بأمن القلب وسعادة النفس وطمأنينة الروح وهدوء الجوارح وزوال التعب الجسدي والقلبي ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أرحنا بالصلاة يابلال محطة راحة لا كما يقول من كثير من حالنا نسأل الله أن يعفو عنا وكثير من حال الذين يقصرون في الصلاة تجدهم يتململ ويتذمر من أداء الصلاة حتى يعطيها أقصى وقت ممكن يتحرى وقت الإقامة ثم يأتي ساعيا إلي المسجد فإذا سلم عن يمينه ربما يسبح أو لا يسبح ثم يمشى هذا لو شعر ببعض قرة العين في الصلاة في بعض السعادة والأمن والطمأنينة التي تكون للمصلى حينما يقيم الصلاة على وجهها لبكر وربما جاء إلي المسجد قبل الآذان إذا من علامات التدين ومظاهرها وعلامتها هو الخشوع في الصلاة ومعنى الخشوع أن المسلم أولا يقدم مقدمات للخشوع وذلك بالاستعداد للصلاة استعداد يحتسبه عند الله عز وجل ويأتي بنية جازمة صادقة إلي المسجد مبكرا على الأقل إذا سمع الآذان سمع حي على الصلاة حي على الفلاح انشرحت نفسه واستعد للإقبال على بيت الله أو على المسجد أو على الصلاة ثم سعى وتوضئ الوضوء الذي يكون على السنة ومشى للمسجد محتسبا خطواته ثم دخل المسجد وسلم ثم كبر وأستشعر أثناء تكبيرة الإحرام بأنه رفع الحجاب بينه وبين ربه ثم حقق المعنى الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الإحسان بأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه إذا استشعر هذا المعنى في صلاته ارتفع الحجاب بينه وبين ربه فأستشعر انه يرى ربه ثم بدأ في صلاته على هذا النحو إذا قال الله أكبر استشعر عظمة الله عز وجل وان الله أكبر من كل شيء وانه جاء ليقدم عبادة إلي الله يحتسبها أمام الله عز وجل ثم شرع بالتسمية وشعر بقراءة الفاتحة ثم استشعر معانيها استشعر معنى الحمد لله ومعنى رب العالمين استشعر معنى الاستعانة بالله ومعنى عبادة الله استشعر الدعاء الذي يدعوه في الفاتحة وما بعد الفاتحة إذا استشعر هذه المعاني في الصلاة خشعت جوارحه ولذلك لا يتصور الإنسان وهو على هذا الوضع في الصلاة أن يأتي بحركات أخرى لا بد أن تسكن جوارحه كما قال أحد الصحابة عندما شاهد إنسان يعبث بيده وبثيابه قال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه إذا بهذا المعنى وبهذه الصورة تتجلى حقيقة من حقائق التدين الخشوع.
كذلك من مظاهر التدين الورع والورع ثمرة طبيعة لتحقيق العبودية لله عز وجل لتحقيق صلاح القلب والتعبد لله والخشوع فالمسلم إذا عبد الله على ما شرع الله إذا عظم الله عز وجل في قلبه وفى جوارحه إذا تعبد لله إذا ظهر أثار ذلك في خشوعه لا بد أن ينتج عن ذلك الورع.. الورع معنى عظيم يجهله كثير من الناس أول التورع التورع عما حرم الله ليس أما الخلق فقط بل أولا أمام الخالق عز وجل أن يتورع المسلم من أن يقع في ما ينهى الله عنه أن يجد في قلبه واعظ ورادع يردعه عن ما يغضب الله ثم لا بد لهذا الورع أن ينتج عنه ورع أخر وهو الورع في حقوق الخلق الورع في سائر ما يتناول المسلم في حياته يتورع في مأكله في مشربه يتورع في دخله يتورع في حقوق الخلق يتورع في أعراض الناس يتورع عن الدماء والأموال والأعراض وسائر الحقوق وكثير من الناس يفقد حقيقة الورع وان تدين ظاهرا لان الفارق بين التدين الحقيقي والتدين العاطفي أو ربما أقول من أكبر الفوارق بين التدين العاطفي الذي لا يوزن بميزان الشرع وبين التدين الحقيقي هو الورع ولهذا أمثلة من مسالك الذين سلكوا التدين بغير ورع فيه العبرة ولنأخذ ابرز مثال تدين الخوارج الذين اخبر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وانهم يخرجون في اكثر من زمان اخبر عن الخوارج الأولين وأخبر عن خوارج يخرجون في أخر الزمان كما جاء في حديث البخاري انه سيخرج في أخر الزمان أناس حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يعنى ظاهرهم قول الدين والغيرة على الدين يقولون من خير قول البرية الخوارج لا يتورعون عن ما حرم الله بل لا يتورعون عن اعظم المحرمات في حقوق الخلق وهى الدماء ومع ذلك هم متدينون بل وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم وقد وصفهم بعض الصحابة الذين جاءوهم في معسكراتهم بان لهم دوى كدوي النحل مصفرة وجوههم ناحلة أجسامهم من السهر بالليل يقومون الليل أسود في القتال لكن تدينهم غير حقيقي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لماذا لأن تدينهم عواطف جياشة تفجر الطاقات الواحد منهم لو لم يؤدى هذه العاطفة في مقايضة الخصوم لربما فجر نفسه كما حدث من بعض المتأخرين عواطف جياشة ولكنها على غير هدى ليست هي التدين الذي أمر الله به ومن هنا احب أن أنوه على ظاهرة ظهرت في الآونة الأخيرة عند بعض الشباب وان كان قليل والحمد لله وان كان معظم النار من مستصغر الشرر وهي تتعلق بحقيقة التدين وهى أنهم تدينوا تدين عاطفي غير منضبط بالضوابط الشرعية ولا بمنهج الرشد و أهل الرشد غير منضبط بمناهج العلماء الذين هم ورثة الأنبياء غير منضبط بمناهج العقلاء فأدى بهم هذا التدين الغير منضبط إلى سلوك مسالك الغلو فوقعوا في مصادمة المخالفين ثم اتهام المخالفين من العلماء ومن أهل الخير والفلاح والاستقامة فضلا عن غيرهم اتهامهم بتهم تصل إلي حد التكفير ثم أدى ذلك نتيجة التدين العاطفي غير الراشد أدى ذلك إلي سلوك مسالك استحلت فيها الدماء والفساد في الأرض بدعوة الغيرة على الدين وبدعوة الجهاد وهذا يتنافى مع الورع الدين جاء لحفظ الضروريات الخمس.
أولا حفظ الدين وهذا حقيقة التدين أن يحرص المسلم في حفظ الدين في أمته وفى نفسه وفى مجتمعة وفى البشرية جميعا.
ثم حفظ النفس حفظ الأنفس احفظ نفسك ونفس غيرك وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال الأعراض والأموال هذه ضرورات تسمى ضرورات عند جميع العقلاء وهي أي حفظها هو حقيقة التدين حقيقة التدين تتجلى في هذا الأمر ولا مانع أن نطيل في هذه الظاهرة لأنها ظاهرة مع الأسف ظهرت آثارها فينا وسببت شق الصفوف وسببت التغرير ببعض شبابنا المتدين وظهرت لها أثار في أمننا وفى جميع أمورنا فلا بد من الوقوف عندها قليلا.فأقول أن حقيقة التدين تتجلى أولا بالاستقامة على العقيدة ثم ثانيا في سلوك سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه كما قال عز وجل " من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا "
سبيل المؤمنين هو سبيل السلف الصالح ومن سار على نهجهم إلي قيام الساعة وسبيل المؤمنين إنما يمثله العلماء أهل الحل والعقد في الأمة وإذا لم نقل بهذه الحقيقة ضاعت الأمور وإلا لماذا أرشده الله عز وجل إلي أهل الذكر ولماذا أوصانا الني صلى الله عليه وسلم في الأخذ بالعلماء وقال العلماء هم ورثة الأنبياء إذا فحقيقة التدين تتمثل في سلوك سبيل المؤمنين والذي يمثله العلماء العلماء قد يشك فيهم بعض من عنده شبهات لكن مع ذلك يبقى من الثوابت الشرعية والعقلية أن العلماء هم راس الأمة دائما وهم حال الحق فيها وهم الذين حفظ الله بهم الدين وهم راس الطائفة المنصورة وهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم )إذا لم يكونوا ظاهرين إذا بالعلماء فهل يعقل أن يكون ظهورهم بأن يقودهم سفهائهم وقليلوا العلم هذا لا يمكن هذا لا يستقيم مع حفظ الدين والتكفل مع بقاءه إلي قيام الساعة العلماء هم قادة الأمة هم مرشدوها إذا من حقيقة التدين سلوك سبيل المؤمنين ومن حقيقة التدين الحفاظ على مصالح الأمة ودرء المفاسد عنها فالبلد الذي يعيش أمن لا يجوز الإخلال بأمنه بدعوى التغيير وبدعوى التدين هذه عواطف لا تستقيم بموازين الشرع أيضا البلد مثل هذه البلد التي بحمد الله لا تزال من افضل بلاد المسلمين في استقامتها على السنة وفى ظهور العلم وفى ظهور شعائر الإسلام وبلد يقوم مجتمعه ودولته على الإسلام في الجملة وان كان عندنا كثير من التقصير والتجاوزات نسأل الله أن يعفوا عنا هذا أمر لا شك أمر يقلق ولكن مع ذلك لابد أن نتحدث بنعمة الله فمثل هذا البلد فيه مسلمات قد لا توجد في بلاد المسلمين الأخرى من هذه المسلمات وجود سلطة حفظ بها أمن الوطن وجود علماء هم مرجع الأمة وجود بيعة وعهد يجب أن يراعاه كل مسلم وجود ثوابت يجب أن نحافظ عليها رغم ضعفها ورغم تقصيرنا فيها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجود الحكم بالقضاء الحدود نشر العلم الشرعي الدعوة إلي الله ظهور شعائر الإسلام الأمر بالصلاة ثوابت من حقيقة التدين الحفاظ على هذه الثوابت مع بقاء النصح وعلاج المشاكل والأمراض ومع بقاء التكاتف بين الأمة التفافها على علمائها وولاتها مع ضرورة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والوصول إلي الحق ودفع الباطل بالطرق المشروعة أما أن ينصب التدين إلي أعمال هي من الفساد ثم يسمى هذا جهاد وتغير فهذا من قلب الحقائق ومن قلب المفاهيم ومن استعمال النصوص على غير وجهها لأنهم الذين يعملون هذه الأعمال قد يستدلون بنصوص لكن أهل العلم الرسوخ يعلمون انهم تخدموهما على غير منهج صحيح للاستدلال.
إذا من حقيقة التدين التورع الورع في تعامل المسلم أولا فيما بينه وبين ربه في تعامله مع الأشياء والورع في داخله من الأمور المحزنة أن كثيرين من المسلمين اليوم بل والكثيرين من المتدينين من المسلمين يضعف عندهم جانب الورع في المأكل والمشرب وفيما يتناولونه من الأشياء والأدوات والوسائل وقل أن تجد المسلم يفكر في حل الشيء وحرمته قبل الأقدام عليه وكثير من الأسئلة التي ترد على العلماء الآن كثير منها يتعلق بأشياء وقعت لأفراد من المسلمين أو ما يتعلق بالمسلمين أو مجتمعاتهم أو مؤسساتهم بالحرام أو المشتبهات لأنهم فرطوا في السؤال عنها قبل الوقوع واحد تعامل مع بنك ثم بعد شهر شهرين سنة سنتين اكتشف أن معاملته ربوية راح يسال كيف يتخلص من هذا التعامل يقال له يا آخي لماذا ما تثبت من معاملتك هذه شرعية المعاملة قبل أن تقدم عليها والمسألة سهلة لاسيما وان اكثر البنوك لأن سارت تراعى هذا الجانب فتضع لجان شرعية و تستفتى علماء في كثير من معاملتها ثم تقدمها إلي الزبائن هذا أنموذج وإلا إذا نظرنا فيما نأكله وما نلبسه وما نشربه من مشتريات والمشتهيات وجدنا أشياء كثيرة نقع فيها من المحرمات والمشتبهات في التفريط والتساهل هذا ضعف في التدين نتج عنه ضعف الورع الورع كما أشرت أيضا عن حقوق الناس خاصة عن الأعراض التورع عن النميمة والغيبة والبهتان وما أكثر الذين يقعون الآن في النميمة والغيبة أحيانا بدعوى الإصلاح أو بدعوى النصح أو بدعاوى كثيرة و اغلب هذه الصور هي النميمة الخالصة والبهتان وهذه الظاهرة اشتهرت وانتشرت حتى تكاد تفسد ذات البين بيننا في كثير من المواقف والمناطق استحلال الكلام في الآخرين حتى أن اكثر المجالس لا تلذ وتطيب إلي أهلها إلا عندما يشهروا سكاكينهم في أعراض الخلق في أجساد الخلق في الكلام في الناس بل الأمر تعدى هو فتنه وهو الكلام في العلماء و أهل الخير كثير من الناس اليوم يستبيحون الكلام في العلماء في أعراض العلماء يحاكمونهم غيابيا وقلما أن تجد مجلس يتعرض في إلي العلماء إلا وتجد الأغلب يحبهم ويمدح فيهم أترون هذا من علامات الرشد لا والله هل هذا فيه شيء من الورع لا والله هذا ضد الورع ثم بقية الصالحين و أهل الحسبة والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر لأن صار عرضهم مباح من اكثر الناس وهم خلاصة من خلاصة المجتمع الذين يدافعون عن أعراض المسلمين وعن دينهم وعن أخلاقهم الذين والله اعلم يعنى يرى كثير من أهل الخير والاستقامة أن عملهم سبب من أسباب دفع النقمة عنا في تفريطنا وتقصيرنا من اعظم أسباب دفع النقمة والعقوبة إلي اليوم هو وجود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ظاهر وظهور شعائر الإسلام وتطبيق شعائر الدين ومازلت تجد اغلب الناس جراءة على أهل الحسيبة وعلى الدعاة وعلى الصالحين فضلا عن بقية المسلمين كل المسلمين أعراضهم محرمة حتى المقصر حتى العاصي حتى الفاسق لا يجوز نميمته لا يجوز غيبته و بهتانه حرام.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الغيبة قال (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته )