| الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 7:43 am | |
| الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام تأليف: يحيى بن علي الحجوري غفر الله له ولـوالديه وللمسلمين ================= تقديم: الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فقد قرأت مواضيع مما كتبه الشيخ الفاضل، المحدث الفقيه يحيى بن علي الحجوري في الأربعين الحديث مما تتعلق بالاجتماع على الطعام، فوجدته حفظه الله قد أجاد وأفاد، بل أتى بفوائد تُشَدُّ لها الرّحَال، فجزاه الله خيراً، وعسى الله أن يُيسر طبع الكتاب حتى يعمَّ النفع وحتى يحقق للشيخ الفاضل ما دفعه على تأليف الكتاب. وفق اللهُ الجميع لما يحب ويرضى. أبو عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي ===================== المقدمة: الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أما بعد: فإن الله عز وجل قد حذر من التشبه بالكافرين أعظم تحذير، وأنذر من ذلك أبلغ نذير، فقال جل ذكره: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (1)}.
وقال عز وجل لنبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (2)}، وقال سبحانه: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك (3)}.
وقال: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير (4)}، وقال سبحانه: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم (5)}، وقال سبحانه: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً (6)}.
ولأهمية ذلك وخطر تلك المسالك أمر الله عز وجل وألزم وأوجب على كل مسلم وحتم أن يقول في كل ركعة: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7)}.
وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل)). أخرجه مسلم (ج1 ص296) من حديث أبي هريرة.
وثبت في ((مسند أحمد)) و((مصنف ابن أبي شيبة)) وغيرهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((بُعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعِلَ رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِلَتْ الذّلة والصَّغار على مَنْ خالف أمري، ومَنْ تشبَّه بقوم فهو منهم)). __________ (1) ... سورة آل عمران، الآية: 105. (2) ... سورة الجاثية، الآية: 18. (3) ... سورة المائدة، الآية: 49. (4) ... سورة البقرة، الآية: 120. (5) ... سورة الشورى، الآية: 15. (6) ... سورة الإسراء، الآية: 74 - 75. __________ فالأمر والله خطير وضرره على المسلمين كبير ومع هذا فإن أقواماً في عصرنا يرون الاهتمام بهذا قشولا، وليس من أهم الأمور، ولقد التقيت في رحلة إلى بريطانيا للدعوة إلى الله التقيت ببعض الدُّعاة الذين نحسبهم أهل سُنَّةٍ واتباع، واجتمعنا على طعام العشاء، فجعل المضيف يعطي كل واحد طعامه في إناء بمفرده على عادة الكفار هناك.
الرجل وأهل بيته أو أضيافه يأكلون متفرقين، ويجلسون على الطعام عزين، كل واحد منهم في جانب لا يدعو الآخر، وهذه عادات مذمومة وتقاليد غربية مشئومة درجت على المسلمين هنا وهناك، وبدأت بينهم تسري، وفي بلادهم تهرول وتجري، ولَمَّا أنكرنا ذلك بذكر أدلة الترغيب في الاجتماع على الطعام حاول بعض الدُّعاة هداه الله دفع مدلولها زاعماً أن ذلك تشدد في الدين، وتضييق على المسلمين.
فحداني ذلك أن أكتب في هذه المسألة، ووقع اختياري بعد استعانتي بالباري أن أجمع في الموضوع أربعين حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- متحرياً ثُبوت ما احتج به، مع بيان المهم من ألفاظها، وذكر بعض فوائدها.
ولست معتمداً على حديث: ((مَنْ حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً)) فإن القول بضعفه شبه اتفاق عند المُحدّثين.
لكن رأينا كثيراً من أهل الحديث يولون الأربعينات (1)... __________ (1) ... ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون)) (ج1 ص52-61) أكثر من ثمانين مصنفاً في الأربعينات. __________ اهتمامهم في شتى الفنون إما طمعاً في الدخول تحت هذا الحديث الضعيف صنيع بعضهم، وإما طلباً للاختصار عند الآخرين كما هو المقصد، فأحببت أن أكون لهم مشاركاً، وفي طريقهم على الحق سالكاً.
هذا وإني لأشكر الله عز وجل على جميع نعمه التي من أجلها نعمة طلب العلم الشرعي، ومعرفة السنة المطهرة على يدي الوالد الصالح، والمعلم الناصح مقبل بن هادي الوادعي أجزل الله أجره وثوابه، وجازاه بالحسنى وزيادة.
كما أشكر الأخ الفاضل أبا سلمة حلمي بن حميد البغدادي على تعاونه معي بكتابة هذه الرسالة وسابقتها في ((أحكام التيمم)) مع حسن الكتابة والترتيب جزاه الله خيراً. والحمد لله أولاً وأخيراً.
1- عن عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاماً في حجر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يا غلام سَمِّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مِمَّا يليك)) فما زالت تلك طعمتي بعد. أخرجه البخاري (ج9 ص521) رقم (5376).
وفي رواية له برقم (5377) قال: أكلت مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فجعلت آكل من نواحي الصحفة فقال لي: ((كُلْ مِمَّا يليك)).
وفي رواية له برقم (5378) وفيه: أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أتي بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال: ((سَمِّ اللهَ وكُلْ مِمَّا يليك)). وأخرجه مسلم (ج3 ص1599) طبعة محمد فؤاد عبدالباقي.
غريب الحديث: ======== قوله: (كنت غلاماً عند رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-): قد بينته الرواية الثانية أنه كان ربيبه، ومعناه أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تزوج أمَّهُ أم سلمة هنداً بنت أبي أمية المخزومية بعد موت أبيه أبي سلمة عبدالله بن عبد الأسد، فكان عمر هذا عند أمه في تربية رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وتحت نظره.
قوله: (كانت يدي تطيش في الصحفة): بينته الرواية الأخرى أنه أكل مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فكانت يده تطيش.
قال النووي في ((شرح مسلم)) (ج13 ص193): تطيش بكسر الطاء وبعدها مثناة تحت ساكنة، أي: تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة ولا تقتصر على موضع واحد.اهـ
والصحفة كالقصعة وجمعها صحاف، والصحفة والقصعة ما يأكل فيها العشرة من الناس، وقيل: الصحفة ما تشبع خمسة، والقصعة ما تشبع عشرة، والأول أصح كما في ((النهاية)) لابن الأثير، و((الصحاح)) للجوهري قالا: والصحفة كالقصعة سواء.
قوله: ((يا غلام سم الله)) قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، وتعقبه الحافظ في ((فتح الباري)) (ج9 ص522) فقال: وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظر، إلا إن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل، وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحد.اهـ
قلت: الراجح وجوب التسمة في أول الطعام، ووجوب الأكل باليمين للأمر بذلك في هذا الحديث وغيره، من ذلك حديث عائشة: ((إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله في أوله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره)).
أخرجه أحمد (6/208،207،265،246،143)، والدارمي (2/94) من طريقين، والترمذي رقم (1858)، وأبوداود (3767)، والنسائي في ((عمل اليوم والليلة)) (281)، والطيالسي رقم (1566)، والطحاوي في ((مشكل الآثار)) (2/21)، والبيهقي في ((الكبرى)) (7/275)، والحاكم (4/108) من عدة طرق عن هشام الدستوائي، عن بديل بن ميسرة، عن عبدالله بن عبيد بن عمير الليثي، عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم، عن عائشة.
وعند ابن حبان وابن ماجه والدارمي في إحدى الطرق، وأحمد في إحدى الطرق عن عبدالله بن عبيد بن عمير، عن عائشة بدون ذكر أم كلثوم وهو منقطع، ومن زادها أكثر وأرجح وأم كلثوم هذه مجهولة روى عنها عبدالله بن عبيد بن عمير ولم يوثقها أحد، وذكرها الذهبي في المجهولات من ((الميزان)) وقال: تفرد عنها عبدالله بن عبيد بن عمير في التسمية على الأكل فهي علة هذا الحديث، لكن له شاهد عن ابن مسعود صحيح أخرجه أبويعلى وابن حبان (12/12) وابن السني في ((اليوم والليلة)) (459)، والطبراني في ((الكبير)) (10/170).
كلهم من طريق خليفة بن خياط، قال: حدثنا عمر بن علي المقدمي، قال: سمعت موسى الجهني يقول: أخبرني القاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((مَنْ نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليقل حين يذكر: بسم الله أوله وآخره، فإنه يستقبل طعامه جديداً ويمنع الخبيث مِمَّا كان يصيب منه)).
وسنده حسن، خليفة صدوق حسن الحديث، والمقدمي ثقة، وقد صرح بالسماع فأمنا من تدليسه، وموسى بن عبدالله الجهني ثقة عابد، والقاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله ابن مسعود ثقة عابد، وأبوه ثقة وجده صحابي جليل.
فالحديث حسن كل رجاله ثقات إلا خليفة فهو صدوق يحسن الحديث من أجله.
ومنها حديث جابر عند مسلم رقم (2018): أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم العشاء)).
وحديث حذيفة في مسلم رقم (2017): أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن الشيطان يستحل الطعام أن ألا يذكر اسم الله تعالى عليه)).
فهذه الأدلة منها ما هو من أمره، ومنها ما هو من تحذيره لنا أن ألا يأكل الشيطان معنا، وهو إن لم يُسَمِّ الإنسانُ على طعامه أكل معه الشيطان.
وقد جاء من فعله في حديث أبي هريرة الطويل عند البخاري (ج11 ص240): أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سَمَّى وشرب الفضلة من اللبن.
أما الأكل باليمين: فقد أمر به رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حديث عمر بن أبي سلمة، ونهى عن الأكل بالشمال كما في حديث مسلم برقم (2020) من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها)).اهـ
قوله: (فما زالت تلك طعمتي)، بكسر الطاء أي: صفة أكلي.اهـ من ((الفتح)) (9/523).
من فوائد هذا الحديث: =========== فيه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أكل هو وعمر بن أبي سلمة من صحفة واحدة. وفيه تربية الأولاد على الآداب الشرعية. وفيه الأمر بالتسمية وبالأكل باليمين والأكل مما يليه. وفيه تواضع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وفيه الرفق بتعليم الجاهل. وفيه سرعة استجابة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قاله الحافظ في ((الفتح)) (ج9 ص523): وفيه اجتناب الأعمال التي تشبه أعمال الشياطين والكفار، وأن للشيطان يدين، وأنه يأكل ويشرب ويأخذ ويعطي بشماله. وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في حال الأكل. وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله للأمر ومواظبته على مقتضاه.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:15 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 7:49 am | |
| 2- قال حدثنا البخاري رحمه الله (ج5 ص131): حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا جبلة بن سحيم، قال: أصابنا عام سنة مع ابن الزبير فَرُزِقْنَا تمراً، فكان عبدالله بن عمر يمر بنا ونحن نأكل ويقول: لا تُقَارنُوا فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى عن القِران، ثم يقول: إلا أن يستأذن الرجل أخاه. وأخرجه مسلم رقم (2045).
غريب الحديث: ======== قوله: (لا تقارنوا): القران بكسر القاف وتخفيف الراء أي: ضم تمرة إلى تمرة.
قوله: (عام سنة): أي عام قحط، ووقع في رواية أبي داود الطيالسي في ((مسنده)) رقم (1906) (أصابتنا مخمصة).
قوله: (مع ابن الزبير): يعني عبدالله لما كان خليفة وكانوا بالمدينة.
قوله: (فرزقنا تمرا): أي أعطانا في أرزاقنا تمراً وهو القدر الذي يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره بدل النقد.اهـ من ((الفتح)) (9/570).
حكم القِران: قال النووي رحمه الله تعالى في ((شرح مسلم)) (ج13 ص228): هذا النَّهي متفق عليه حتى يستأذنهم فإذا أذنوا فلا بأس.
واختلفوا في أن هذا النَّهي على التحريم أم على الكراهة والادب، فنقل القاضي عياض عن اهل الظاهر أنه للتحريم وعن غيرهم أنه للكراهة.
والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقِران حرام، إلا برضاهم ويحصل الرضا بتصريحهم أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال بحيث يعلم يقينا أو ظناً قوياً أنهم يرضون به ومتى شَكَّ في رضاهم فهو حرام.
فإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده، فان قرن بغير رضاه فحرام، ويُستحب أن يستاذن الآكلين معه ولا يجب.
وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيَّفهم فلا يحرُم عليه القِران، والأدب عدم القِران في الأكل مطلقاً وترك الشره إلا أن يكون مستعجلاً ويريد الإسراع لشغل اخر. أ.هـ المراد من ((شرح النووي)) (13/229).
قال الحافظ في ((الفتح)) (ج9 ص572): تنبيه: في معنى التمر الرطب وكذا الزبيب والعنب ونحوهما لوضوح العلة الجامعة.
قال القرطبي: حمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم وهو سهو منهم وجهل بمساق الحديث وبالمعنى، وحمله الجمهور على حال المشاركة في الأكل والاجتماع عليه بدليل فهم ابن عمر راويه وهو فهم للمقال وأقعد بالحال.
قال الحافظ مرتضياً تفصيل النووي: والتفصيل الذي تقدم هو الذي تقتضيه القواعد الفقهية. ا.هـ.
قلت: وتفصيل النووي أدق وبالأدلة ألحق فأنا به أرضى لكونه بالصواب أحظى.
فوائد الحديث: ========= فيه الاجتماع على الطعام والأكل من مائدة واحدة. وفيه كراهة الجشع في الأكل وغيره. وفيه تعليم أدب الطعام. وفيه الحرص على سلامة الأخوة والنهي عما يسبب ضدها. وفيه أن الفقر والجوع ليس نقيصة في المسلم لأن أكرم الخلق على الله بعد الأنبياء (1) وهم اصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- اختار الله لهم الجوع والفقر في أكثر أوقاتهم. وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن خيَّاطاً دعى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرأيته يتتبع الدِّبَاء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحبُّ الدِّبَاء من يومئذ. أخرجه البخاري رقم (2092)، ومسلم رقم (2041). __________ (1) ... على خلاف بين الاعماء في أيهما أفضل الملائكة أم صالحوا البشر؟. __________ غريب الحديث: ========= قوله: (إن خياطاً) قال الحافظ في ((الفتح)) (ج9 ص525): لم أقف على اسمه.
قوله: (فجعل يتتبع الدباء): الدباء هو اليقطين القرع، وهذا الحديث فيه إشكال مع حديث عمر بن أبي سلمة ذكر الحافظ توجيهه ذلك في الفتح بعدة أقوال، وبوب البخاري في الباب الرابع من كتاب الأطعمة باب من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية وهذا أحد الوجوه التي ذكرها الحافظ أن الإنسان إذا علم أن الذي يأكل معه لا يكره فله أن يتتبع حوالي الصحفة، والذي يظهر أن حديث عمر بن أبي سلمة في النهي عن تتبع حوالي الصحفة يقتضي التحريم لكن هذا الحديث يصرفه إلى الكراهة فيصير تتبع حوالي الصحفة مكروهاً إذا أكل معه غيره كراهة تنزيه وانظر بقية الأوجه في ((فتح الباري)) (9/525).
أما حديث عكراش الذي فيه أن عكراشاً أكل عند رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فجعل يخبط من نواحي الجفنة فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد)) ثم أتي بطبق فيه ألوان من رطب وتمر فقال له: ((يا عكراش كل من حيث شئت فإنه من غير لون واحد)) فضعيف.. فيه العلاء ابن الفضل واتهمه عباس بن عبدالعظيم العنبري بوضع هذا الحديث والراوي عن عكراش ولده عبيدالله بن عكراش، قال الساجي: كان يكذب في روايته، وقال ابن حزم: ضعيف جدا كما في ((التهذيب)) وهو من هذه الطريق عند الترمذي (ج4 ص283) وابن ماجه وغيرهما.
فوائد الحديث: ======== فيه مؤاكلة الخادم. وفيه جواز أكل الشريف طعام من دونه. وفيه تواضع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وفيه زيارة الفاضل للمفضول إلى بيته. وفيه إجابة الدعوة ولو لم تكن وليمة. وفيه مناولة الضيوف بعضهم بعضا مما وضع بين أيديهم. وفيه جواز ترك المضيف الأكل مع الضيف. وفيه الحرص على التأسي بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وفيه منقبة لأنس بن مالك. أ.هـ من ((الفتح)) (9/526) بتصرف يسير.
4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبوطلحة لأم سليم: قد سمعت صوت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: فذهبت به فوجدت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أرسلك أبو طلحة))؟ قال: فقلت: نعم، فقال: ((ألطعام))؟ فقلت: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمن معه: ((قوموا)) قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبوطلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبوطلحة حتى لقي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- معه حتى دخلا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هلمي ما عندك يا أم سليم)) فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ففت وعصرت عليه أم سليم عكة (1) لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلا أو ثمانون. أخرجه البخاري في المناقب باب علامات النبوة رقم (3578)، ومسلم (2040).
غريب الحديث: ======== أبوطلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس بن مالك رضي الله عنه. __________ (1) ... وهي وعاء من جلد خاص بالسمن، كما في النهاية)) لابن الأثير ومختار الصحاح)). __________ فوائد الحديث: ======== فيه اجتماع الناس على الطعام عشرة عشرة إذا كانوا كثيرين. وفيه دليل من دلائل النبوة حيث بارك الله له في ذلك الطعام القليل. وفيه العمل بالقرينة حيث عرف من ذلك جوع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بضعف صوته. وفيه الحالة التي كان عليها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه من الجوع والفقر. وفيه منقبة لأم سليم ولأبي طلحة ولأنس رضي ألا عنهم. وفيه أن الذي يأذن بالدخول هو صاحب البيت وأن لا يدخل أحد البيت إلا بإذن صاحبه. وفيه شرعية التنظيم إلا ما خالف الكتاب والسنة أو أحدهما. وفيه إكرام الضيف على قدر المستطاع. وفيه أن الرزق من عند الله وحده. وفيه الفرج بعد الشدة. وفيه الفقر والغنى ليس ميزانا للعزة بل العزة في طاعة الله ورسوله. وفيه التعاون على البر والتقوى حيث كانوا يجتمعون في حفر الخندق وغيره من الطاعات. وفيه مواساة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأصحابه.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:16 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 7:55 am | |
| 5- عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثلاثين ومائة فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هل مع أحد منكم طعام)) فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أبيع أم عطية أو قال هبة))؟ قال: لا بل بيع، قال: فاشترى منه شاة، فصنعت فأمر نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بسواد البطن يشوى، وايم الله ما من الثلاثين ومائة إلا قد حز له حزة من سواد بطنها، إن كان شاهداً اعطاها إياه، وإن كان غائباً خبأها له، ثم جعل فيها قصعتين فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملته على البعير. أخرجه البخاري (ج9 ص527) رقم (5383)، ومسلم (3/ رقم 2056).
غريب الحديث: ======== قوله: (فإذا رجل معه صاع): الصاع هو الذي يكال به وهو أربعة أمداد، والمد حفنة واحدة بحفنة الرجل المعتدل، اما مقدار المد بالأرطال فمختلف فيه انظر ((النهاية)) لابن الأثير (3/60)، و((مختار الصحاح)). قوله: (مشعان): بضم الميم وإسكان الشين المعجمة وتشديد النون أي: منتفش الشعر وتفرقه قاله النووي في ((شرح مسلم)) (13/16)، وقال الحافظ في ((الفتح)) (5/532) في كتاب الهدية مشعان فسره المصنف بأنه الطويل ومع الطول شعث الرأس.
قوله: (ابيع أم هبة): أي: هذه بيع أم عطية لنا أي تبيعها منا أم ستعطينا وهذا سؤال لا مسألة.
قوله: (فصنعت): أي ذبحت وجهزت.
قوله: (فأمر بسواد البطن): قال النووي (13/16): يعني الكبد.
قوله: (وايم الله): بكسر الهمزة وفتحها والميم مضمومة، وحكى الأخفش كسرها مع كسر الهمزة وهو النيل: إسم عند الجمهور وهمزته همزة وصل عند الأكثر وأجعله أيمين الله ويجمع على ايمن فيقال: وأيمن الله ثم كثر استعماله فحذف النون كما حذفوها من لم يكن.اهـ بإختصار من ((نيل الأوطار)) (8/260).
قوله: (إلا حز له حزة): أي قطع له قطعة منها، والحز هو القطع كما في ((مختار الصحاح)).
قوله: (إن كان شاهداً):
أي حاضراً.
من فوائد الحديث: =========== قال الحافظ في ((الفتح)) (ج5 ص222): فيه ظهور البركة في الاجتماع على الطعام ومعجزة ظاهرة وآية باهرة في تكثير القدر اليسير من الصاع ومن اللحم حتى وسع الجميع، وقبوله هدية المشرك لأنه سأله هل يبيع أو يهدي، وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي لأن هذا الأعرابي كان وثنياً. وفيه المواساة عند الضرورة. وفيه جواز القسم للتأكيد. وفيه جواز الشبع.
وقد بوب البخاري في ((صحيحه)) (ج9 ص526) (باب مَنْ أكل حتى شبع) وذكر جملة من الأحاديث التي فيها أنهم أكلوا حتى شبعوا، وقد جاء في حديث سلمان وأبي جحيفة وابن عباس وغيرهم أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة))، وللحديث طرق ذكرها الحافظ المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3 /143 . 135) وحكم على حديث ابن عباس منها بالحسن وليس كما قال، فانه عند الطبراني في ((الكبير)) (11/267) وأبي نعيم في ((الحلية)) (3/345-346) وفيه يحيى بن سليمان القرشي ضعيف، ومن أجله ضعفه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/71) وهذا أمثلها، وذكر بقية الطرق العلامة الألباني في ((صحيحته)) (1/610.606) وحكم على الحديث بمجموع طرقه بالحسن.
قلت: وعساها تبلغه.
قال الحافظ ابن حجر: في الحديث جواز الشبع وما جاء من النهي عنه محمول على ما يُثقل المعدة ويُثبط صاحبه عن القيام للعبادة، ويُفضي إلى البَطَر والأشر والنوم والكسل، وقد تنتهي كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة.
وقال ابن بطال كما في ((الفتح)): بعد ذكر أحاديث البخاري أنهم أكلوا حتى شبعوا، قال: فيها جواز الشبع وأن تركه أحياناً أفضل.اهـ
وقال الطبري: غير أن الشبع وإن كان مباحاً فإن له حداً ينتهي إليه، وما زاد على ذلك فهو ترف، والمطلق منه ما أعان الآكل على طاعة ربه ولم يثقله عن أداء ما أوجب عليه.اهـ من ((الفتح)) (9/528) وتفصيل الطبري والحافظ هو الصواب إن شاء الله.
6- عن ابن عباس أن أم حفيد بنت الحارث بن حزن خالة ابن عباس أهدت إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سمناً وأقطاً وأضباً، فدعى بهن فَأُكِلْنَ على مائدته وتَرَكَهُنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كالمستقذر لهن، ولو كن حراماً ما أكِلْنَ على مائدة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا أمر بأكلهن. أخرجه البخاري في الاعتصام برقم (7358)، ومسلم رقم (1946-1947).
وأخرجه البخاري في الاطعمة (9/534) وفيه أن خالداً بن الوليد قال: يا رسول الله أحرامٌ هو؟ قال: ((لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافُه))، قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ينظر إلي.
غريب الحديث: ======== قوله: (أم حفيد بنت الحارث): إسمها هزيلة بتصغير الزاي وهي أخت ميمونة بنت الحارث وخالة ابن عباس وخالد بن الوليد واسم أم كل منهما لبابة يعني أم خالد بن الوليد وأم عبدالله بن عباس اسم الاثنتين لبابة فهؤلاء أربع أخوات: لبابة أم عبدالله بن عباس، ولبابة أم خالد بن الوليد، وأم حفيد هزيلة، وميمونة بنات الحارث كلهن صحابيات.
قوله: (وأضُبَّا) بضم الضاد المعجمة وتشديد الموحدة جمع ضب.اهـ
قوله: (كالمتقذر لهن): وجاء بلفظ: (أجد نفسي تعافه).
قوله: (قال خالد بن الوليد: فاجتررته): أي: سحبته من أمامه وأكلته وهو ينظر.
فوائد الحديث: ======= قال الحافظ في ((الفتح)) (9/667) في كتاب الصيد باب الضَّبْ: فيه أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يؤاكل أصحابه ويأكل حيث تيسر. وفيه جواز الأكل من بيت القريب والصهر والصديق. وفيه وفور عقل ميمونة أم المؤمنين وعظم نصحها للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأنها فهمت مظنة نفوره عن أكله. وفيه أن لحم الضب حلال. وفيه أن من تقذر من شيء ينبغي أن يبين له حتى لا يتضرر به. وفيه جواز الهدية للهاشمي. وفيه أن ما اطلع عليه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأقره كان حلالاً. وفيه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بشر لا يعلم الغيب لأنه كاد أن يأكل من الضَّبِّ حتى أخبر بذلك.
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة)).
أخرجه البخاري (ج9 ص535) رقم (5392) ((فتح)) ومسلم (3/رقم 2058) وفي مسلم رقم (2059) (14/23) نووي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية))، والجمع بين هذا الحديث والذي قبله أنه إذا كان طعام الاثنين يكفي الأربعة فهو يكفي الثلاثة من باب أولى وانظر ((فتح الباري)) (9/535).
قال الحافظ في ((الفتح)) في الموضع السابق الذكر: فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كَثُرَ ازدادت البركة، وقال ابن المنذر: يؤخذ من حديث أبي هريرة استحباب الاجتماع على الطعام وأن لا يأكل المرء وحده.اهـ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:18 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 8:01 am | |
| 8- حدثنا أبوالنعمان، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، قال: حدثنا أبي، حدثنا أبوعثمان عن عبدالرحمن بن أبي بكر، أن أصحاب الصُّفَّةَ كانوا أناساً فقراء وأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال مرَّةً: ((مَنْ كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربع فخامس أو سادس)) وأن أبا بكر جاء بثلاثة فانطلق النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعشرة قال: فهو أنا وأبي وأمي فلا أدري قال: وامرأتي وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر وإن أبا بكر تعشَّى عند النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم لبث حيث صلّيت العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشَّى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: وما حبسك عن أضيافك أو قالت ضيفك؟ قال: أوما عشيتيهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء قد عرضوا فأبوا، قال: فذهبت أنا فاختبأت فقال: يا غنثر فجدع وسَبَّ وقال: كلوا لا هنيئاً، فقال: والله لا أطعمه أبداً، وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، قال: يعني حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبوبكر فإذا هي كما هي أو أكثر منها، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل منها أبوبكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه، ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل ففرقنا اثنا عشر رجلاً مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال.
وفي رواية: فحلف أبوبكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الأضياف أن لا يطعموا حتى يطعمه، فقال أبوبكر: هذا من الشيطان، فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا رَبَتْ من أصلها أكثر منها.
وفي رواية: فجاء به فوضع يده فقال: بسم الله فأكل وأكلوا. أخرجه البخاري برقم (6141.3581.602)، ومسلم رقم (2057) في الأشربة باب إكرام الضيف.
قال الحافظ (6/595): قوله: (إن أصحاب الصُّفة كانوا فقراء): الصُّفة هي مكان في مؤخر المسجد النبوي مظل أعد لنزول الغرباء فيه مِمَّنْ لا مأوى له ولا أهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب مَنْ يتزوج منهم أو يموت أو يسافر.
قوله: (كانوا فقراء): نعم قد ثبت في ((سنن الترمذي)) (7/28) رقم (2473) ((تحفة الأحوذي)) من حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصُّفَّةِ حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- انصرف إليهم فقال: ((لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة)).
وأخرجه البخاري في صحيحه (1/ رقم 442): من حديث أبي هريرة قال: رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزارء وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته.
وقوله: (ما منهم واحد عليه رداء): الرداء هو ما يستر أعالي البدن فقط وحاصل ذلك أنه لم يكن لأحد منهم ثوبان.اهـ من ((الفتح)) (1/536).
قوله: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث): أي من أهل الصَّفَّةِ المذكورين ووقع عند مسلم (13/17) نووي (فليذهب بثلاثة)، وهذا المعنى غير مستقيم، وما عند البخاري هو الصحيح، صوب ذلك القاضي عياض.
قوله: (فليذهب بخامس بسادس) أي: أن عنده ما يقتضي طعام أربعة ذهب معه بواحد أو باثنين والحكمة في كون الواحد يزيد معه واحداً أو اثنين أن عيشهم في ذلك الوقت لم يكن متسعاً.
قوله: (وإن أبا بكر جاء بثلاثة): قال الحافظ: الحكمة في أن أبا بكر أخذ ثلاثة وزاد على ما قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فليذهب بخامس بسادس أنه آثر سابعاً بنصيبه فأخذ اثنين فكانوا ستة وأخذ سابعاً ليأكل نصيبه لعدم احتياجه للطعام عند أهله أو أنه تطوَّع بسابع لعلمه أن عنده طعاماً لهم في بيته، وقيل: تعشى أي صلى العشاء، والصحيح أنه تعشى عند النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولبث عنده حتى صلى العشاء كما في الحديث عندنا فكأن أبا بكر أراد السَّمَرَ مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم تعشَّى عنده وتأخر عن الذهاب إلى بيته، وقد بوَّب عليه البخاري في آخر كتاب مواقيت الصلاة رقم (602) باب السمر مع الضيف والأهل.
قوله: (عرضوا عليهم فأبَوْا حتى يجيء)، أي: قدموا لهم الطعام فامتنعوا من الأكل حتى يجيء أبوبكر رضي الله عنه.
قوله: (فذهبت فاختبأت)، أي: خوفا من خصامه إذا جاء وأضيافه لم يتعشوا بعد، ولهذا غضب أبوبكر وجدع وسب أي: دعا عليه بالجدع وهو قطع الأنف أو الأذن، وسبَّه فقال: يا غنثر، قال النووي في ((شرح مسلم)) (13/19) و((رياض الصالحين)) ص (564) هو الغبي الجاهل.
قال القرطبي: ظن أبوبكر أن عبدالرحمن فَرَّطَ في حق الأضياف أي: لم يقدم لهم قراهم فلما علم أنه قدم لهم وأبوا أدبهم بقوله: كلوا لا هنيئاً.
قال الحافظ (1/598): ويُستفاد من ذلك جواز الدُّعاء على مَنْ لم يحصل منه الإنصاف لاسيما عند الحرج والتغيُّظ وذلك أنهم تحكَّموا على رَبِّ البيت بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك، وكأن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في مؤاكلته وقيل: إنه خاطب بقوله: (كلوا لا هنيئاً)، أهله وليس الأضياف، وقيل: لم يرد به الدعاء إنما أراد أنكم لم تتهنؤوا به في وقته، والظاهر أنه قال ذلك لهم من باب الدُّعاء عليهم في وقت غضب.
وقد بَوَّبَ عليه البخاري رحمه الله في كتاب الأدب (ج10 ص534) رقم (6140) فقال:
(باب ما يكره من الغضب والجزع عن الضيف).
قوله: (والله لا أطعمه أبداً، وقال الأضياف:
والله لا نطعمه، وقال أهل أبي بكر: والله لا نطعمه).
قوله: (فأكل منها، وقال: إنما ذلك من الشيطان) أي: غضبه ويمينه، قال النووي (13/19): فيه أن مَنْ حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.اهـ
قلت: لم يُذكر في الحديث أنه كَفَّرَ عن يمينه، فإمَّا أن يُقال: إن هذا اليمين كان على مُبَاح فلم ير أبوبكر انعقاده، وإمَّا أنه قبل علمه بحكم كفارة اليمين، وإما أنه كَفَّرَ عن يمينه فيما بينه وبين ربه ولم يذكر ذلك حتى يعلمه الناس فينقلوه عنه. وانظر ((الفتح)) (6/600).
قوله: (إلا ربا من أسفلها) أي: زاد من أصلها.
قوله: (يا أخت بني فراس) التقدير: يا أخت القوم الذين من بني فراس.
قوله: (لا وقرة عيني): قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه، يقال ذلك لأن عينه قرَّت أي سكنت حركتها من التلفت فلا تستشرف لحصول شيء آخر من ذلك وإنما حلفت أم رومان لما وقع عندها من السرور بالكرامة التي حصلت لهم ببركة الصِّدِّيق.
قوله: (لهي الآن أكثر مما قبل): يعني الجفنة أو القبة من الطعام أكثر مما كان قبل بثلاث مرات. قوله: (فأكل منها) أي: أبوبكر وقال: إنما كان من الشيطان أي يمينه فأرغم الشيطان وأكل وسبب أكل أبي بكر من الطعام حين رأى ثبوت الخير الإلهي فيه من حصول البركة ولأجل إبرار قسم ضيوفه وأهله.
والحاصل أن الله أكرم أبا بكر فأنزل ما حصل له من الحرج فعاد مسرورا.
قوله: (فحملها إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأصبحت الجفنة عنده): ولم يأكلوا منها بالليل، لأن ذلك بعد أن مضى من الليل مدة طويلة.
قوله: (ففرقنا اثنا عشر رجلاً): وفي مسلم: (اثني عشر رجلاً).
قوله: (الله أعلم كم مع كل رجل): غير أنه تحقق أنه جعل عليهم اثني عشر عريفاً لكنه لا يدري كم كان تحت يد كل عريف.
وقوله: (أكلوا منها أجمعون): الحاصل أن جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبوبكر إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قال الحافظ في هذا الحديث من الفوائد: الاجتماع على الطعام. التجاء الفقراء إلى المساجد عند الاحتياج إلى المواساة إذا لم يكن في ذلك إلحاح وإلحاف ولا تشويش على المصلين (1). وفيه استحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط. وفيه تصرف المرأة فيما تقدم للضيف بغير إذن خاص من زوجها. جواز سَبِّ الوالد لولده على وجه التأديب. وفيه جواز الحلف على ترك المباح. وفيه توكيد الرجل الصادق لخبره بالقسم. وفيه جواز الحنث بعد عقد اليمين. وعرض الطعام الذي تظهر فيه البركة على الكبار. والعمل بالظن الغالب لأن أبا بكر ظن أن عبدالرحمن فرط في حق الضيف فبادر إلى سَبّه. وفيه ابتلاء الصالحين كما أن أبا بكر تشوش خاطره. وفيه كرامات الأولياء. وفيه الاجتماع على الطعام أخذاً من قوله: ما كنا نأخذ من اللقمة إلا رَبَا من أسفلها، وأنهم كانوا يأكلون في إناء واحد ومن أجل هذه الفائدة ذكرنا الحديث هنا. __________ (1) ... قلت: وهذه الفائدة الثانية لابد لها من قيود شرعية، وقد ثبت في السنة ما يقيدها من ذلك حديث قبيصة بن المخارق عند مسلم في صحيحه)) رقم (1044) أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "يا قبيصة أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا". __________ ... وحديث سهل بن الحنظلية عند أبي داود برقم (1629) وأحمد (ج4 ص180_181) أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: مَنْ سأل وعنده ما يُغنيه فإنما يستكثر من النار، قالوا: يارسول الله وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه. وقد ثبت الحديث بطرقه وللمزيد على مثل هذه الأحاديث انظر كتاب شيخنا مقبل حفظه الله "ذم المسألة")).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:20 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 8:06 am | |
| 9- عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة))؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: ((وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا)) فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أين فلان))؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني، قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كُلُوا من هذه وأخذ المِدْيَةَ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إيَّاك والحَلُوب)) فذبح لهم، فأكلوا من الشَّاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأبي بكر وعمر: ((والذي نفسي بيده لتُسْأَلُنَّ عن هذا النَّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجُوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النَّعيم)). اهـ
أخرجه مسلم رقم (2038) في كتاب الأشربة (13/210) النووي، والترمذي في الزهد من ((جامعه)) رقم (2369-7/29) ((تحفة الأحوذي)) طبعة دار الكتب العليمة ومالك في ((الموطأ)) (2/932)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) رقم (256).
مفردات الحديث: ========= قوله: (يستعذب) أي: يطلب الماء العذب وهو الطيب، العذق هو الغصن من النخل والعذق من التمر بمنزلة العنقود من العنب، وإنما أتى بهذا العذق المتنوع ليكون أطرف، وليجمعوا بين أكل الأنواع فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا.
قوله: (من بيوتكما). وقوله: (قوموا): إطلاق فيه لفظ الجمع على الاثنين، قال النووي: هو جائز بلا خلاف.
قوله: (لأخرجني الذي أخرجكما)، أي: وأنا أخرجني الجوع.
قوله (المِدية): بضم الميم وكسرها هو السكين والشفرة كما في ((النهاية)) للمبارك ابن محمد بن الأثير رحمه الله.
قوله: (الحلوب): هي ذات اللبن.
قوله: (لتُسْألُنَّ عن هذا النَّعيم): سؤال تقرير النعم وامتنان بها لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة.
فوائد هذا الحديث: ========== قال النووي رحمه الله تعالى في ((شرح مسلم)) (13/210): وهذا الأنصاري هو أبوالهيثم بن التيهان واسم أبي الهيثم مالك، قلت: نعم في ((موطأ مالك)) (2/932) قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((وأنا أخرجني الجوع))، قال فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري لكن الحديث عنده بلاغ قال مالك رحمه الله: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فذكر الحديث وفي بعض ألفاظه مخالفة لما في الصحيح.
وقال الإمام الترمذي رحمه الله (4/584): حدثنا محمد بن إسماعيل وهو البخاري، قال: حدثنا آدم بن أبي أياس، قال: حدثنا شيبان أبومعاوية، قال: حدثنا عبدالملك بن عمير، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه أحد فأتاه أبوبكر فقال: ((ما جاء بك يا أبا بكر))؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأنظر في وجهه والتسليم عليه فلم يلبث أن جاء عمر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما جاء بك يا عمر)) قال: الجوع يا رسول الله، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((وأنا قد وجدت بعض ذلك)) فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري، وكان رجلاً كثير النَّخل والشَّاء، ولم يكن له خَدَمٌ فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: اين صاحبك؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا ماء، ولم يلبثوا أن جاء أبوالهيثم بقربة يزعبها (1) __________ (1) ... يتدافع بها ويحلمها لثقلها كما في "النهاية")) لابن الأثير.. __________ فوضعها، ثم جاء يلتزم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويفديه بأبيه وأمه، ثم انطلق بهم إلى حديقة فبسط لهم بساطاً ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أفلا تنقيت لنا من رطبه)) قال: يا رسول الله إني أردت أن تختاروا أو تخيَّروا من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هذا والذي نفسي بيده من النَّعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة، ظل بارد، ورطب طيب، وماء بارد، فانطلق أبوالهيثم ليصنع لهم طعاماً فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تذبحن ذات در)) فذبح لهم عناقاً أو جدياً فأتاهم بها فأكلوا، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هل لك خادم))؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سبيٌ فأتنا، فأتي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبوالهيثم، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اختر منهما)) فقال: يا نبي الله اختر لي، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إن المُستشار مُؤتمن خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفاً)) فانطلق أبوالهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلا أن تعتقه، قال: هو عتيق، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً ومَنْ يوق بطانة السُّوء فقد وقي)).اهـ
لفظ الترمذي في ((جامعه)) ومن طريق آدم بن أبي أياس أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) رقم (256)، والحاكم في ((المستدرك)) (4/131)، وأخرجه البخاري في ((صحيحه)) (13/189)، وأحمد في ((المسند)) (2/237، 289)، والنسائي في ((المجتبى)) (7/158).
والطرف الأخير منه قوله: (ما بعث الله من نبي).. الخ عدا لفظة: (من وقي بطانة السوء فقد وقي)، لم يخرجها البخاري، والحاصل أن الحديث سنده عند الترمذي والبخاري في ((الأدب المفرد)) والحاكم صحيح كل رجاله ثقات وانظر ((الصحيحة)) للعلامة الألباني حفظه الله (4/ رقم 1641).
قال النووي (13/210): هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد، قلت: فيه الاجتماع على الطعام. وفيه ما كان عليه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هو وكبار أصحابه رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش. وأن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يزل يتقلب في اليسر والقلة حتى توفي وغالب أوقاته القلة وهكذا كان أكثر أصحابه. فيه أن الموسرين من المهاجرين والأنصار كانوا في أكثر أوقاتهم لا يعلمون ما النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه من الجوع وضيق الحال، ولو علموا لبادروا بالإيثار وبذل ما عندهم من الخير لأنهم رحماء بينهم، ولأنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة كما وصفهم بذلك الله تعالى. لو كانت الدنيا مكرمة لأعطاها الله لنبيه وخير الناس بعد نبيه وهم أصحابه. وفيه إثبات صفة اليد لله سبحانه كما يليق بجلاله. فيه جواز الشكوى بالمرض والجوع ونحوهما ما لم يكن في ذلك تسخط على الله وجزع، فإن أبا بكر وعمر بل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كل منهم شكا حاله وأنه ما أخرجه من بيته إلا الجوع. وفيه العمل بالأسباب فخرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصاحبيه من هذا الباب. وفيه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بَشَرٌ يجري عليه من الجوع ونحوه ما يجري على غيره من البشر. وفيه الفرج بعد الشدة وأن مع العسر يسراً. وفيه جواز الحلف بغير استحلاف. قوله: ((قوموا)) فيه خطاب المثنى بلفظ الجمع، وهو جائز بلا خلاف. فيه جواز الإدلال على الصاحب الموثوق به. وفيه جواز استتباع جماعة إلى بيت من يوثق به. فيه منقبة لأبي الهيثم الأنصاري مالك بن التيهان بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية مع كسرها.
قوله: (مرحباً وأهلاً): معناه صادفت رحباً وسعة وأهلا تأنس بهم. فيه استحباب إكرام الضيف بهذا اللفظ وشبهه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لوفد عبد القيس: ((مرحبا بالقوم غير خزايا ولا ندامى)) كما في حديث ابن عباس عند البخاري في الإيمان باب أداء الخمس من الإيمان (1/ رقم 53)، ومسلم رقم (17) في الإيمان باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وشرائع الدين. وفيه إظهار السرور بقدوم الضيف، وأن ذلك من إكرامه (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) متفق عليه عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وفيه جواز استماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة ما لم يكن فيه خضوع في اللفظ والصوت، لقول الله عز وجل لنساء نبيه: {فلا تخضعن بالقول (1)}. وفيه جواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت يقينا أن زوجها يحب دخوله ومع عدم الخلوة. فيه التماس الطعام والشراب الطيب، وقال عز وجل عن أهل الكهف: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه (2)}.
قوله: (الحمد لله ما أحد أكرم أضيافاً مني): فيه استحباب حمد الله عند حصول نعمة ظاهرة. جواز الثناء على الضيف وهو يسمع إذا لم يخف عليه الفتنة والغرور. فيه استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرها. فيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسر قبل تصنيع الطعام له إن غلب على ظنه أنه جائع. لا بأس بالتكلف للضيف في غير مشقة، أما إن حصلت على صاحب البيت مشقة فيُكره التكلف في حقه لأنه قد يتأذى الضيف من ذلك ويكون إساءة في حقه. __________ (1) ... سورة الأحزاب، الآية: 32. (2) ... سورة الكهف، الآية: 19. __________ فيه أن الحلوب غير مرغوبة الأكل لقلة دسمها، وأن اللبن الخارج منها يسبب لها تعباً فغير الحلوب أفضل منها، وإذا كانت كذلك فالأفضل ألا يضحَّى بها، وقد ضحَّى النبيُ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بكبشين أملحين أقرنين. لا كراهة في إظهار المِدية أمام ما سيذبح من الحيوان المأكول ولم يصح حديث في النهي عن ذلك والله أعلم. فيه جواز الشبع وأنه على الاستمرار خلاف الأفضل. فيه أن العبد يُسأل يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة. فيه أن السؤال قسمان: (أ): سؤال تقرير نعمة الله على عبده وعرض. (ب): سؤال توبيخ وتقريع ومناقشة قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يا عائشة ذلك العرض من نوقش الحساب هلك)). أخرجه البخاري رقم (4939) ومسلم رقم (2876). أن الضيف إذا وضع الطعام بين يديه يُستحسن ألا يأكل حتى يُقال له: كُلْ، من قوله: (كُلُوا، فأكَلُوا). وفيه التفكير بنعمة الله والتحذير من الغفلة عن ذلك. أن الضيف والمسافر قد يأكل طعاماً لا يطعمه أهله ونساؤه، وأما حديث معاوية بن حيدة لما سأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت)). قال الطيبي كما في ((عون المعبود)) (6/127) رقم (2142): المراد بالخطاب عام لكل زوج، أي: يجب عليك إطعام الزوجة وكسوتها، قلت: ليس من كل ما طعم ومن كل ما لبس، إنما إطعامها وكسوتها. فيه أن المرأة الصَّالحة تُعين زوجها على الخير من هذا اللفظ وعند الترمذي أنها أرشدت زوجها إلى عِتْق خادمه، فأعتقه كما تقدم. فيه التعاون على الخير حيث أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استدعى أبا بكر وعمر إلى الأنصاري. فيه أن الضيف إذا لم يرد طعاماً ينبغي أن يشعر صاحب البيت أنه لا يريد، من قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إيَّاك والحَلُوب)). إذا بقي شيء من الطعام زائداً على حاجتهم وأكله غيرهم فليس من الإسراف، أخذاً من قوله: (فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق)، و(من) هنا للتبعيض. فيه إشارة إلى الحَثّ على العمل واكتساب المال الحلال، في الترمذي أن هذا الرجل كان ذا نخل وغنم، وبسبب حصول المال عنده استطاع أن يُكرم ضيوفه الكِرَام بالرُّطَب والتَّمر والبسر واللحم.اهـ وفيه التزام غير المسافر، وأن المعانقة لغير القادم من سفر جائزة حيث لم ينكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على أبي الهيثم معانقته له وليس هو بمسافر.
قال في لسان العرب: والالتزام: الاعتناق.
وقد أخذت أكثر هذه الفوائد من شرح النووي على صحيح مسلم (3/210) فما بعدها.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:20 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 8:11 am | |
| 10- عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: إني مجهود (1) فأرْسَلَ إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال: النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ((مَنْ يُضِيفُ هذا الليلةَ رحمه الله)) فقام رَجُلٌ من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندكِ شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السّراج وأريه أنَّا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السّراج حتى تُطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضَّيْفُ، فلما أصبح غدا على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة.
زاد مسلم: فقام رجل من الأنصار يقال له: أبوطلحة فانطلق به إلى رحله. __________ (1) ... أي أصابني الجهد وهو المشقة، كما في: النهاية)) لابن الأثير. __________ غريب الحديث: ========= قال الحافظ رحمه الله في ((فتح الباري)) (7/199): قوله: أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وقال عند رقم (4889): هو أبوهريرة، وقع مفسراً في رواية الطبراني وقد نسبته في ((المناقب)) إلى تخريج أبي البحتري الطائي وأبوالبحتري لا يوثق به.اهـ
قوله: (فبعث إلى نسائه)، أي: يطلب منهن ما يضيفه به.
قوله: (فقلن كلهن: ما عندنا إلا الماء): قال الحافظ: فيه ما يُشعر بأن ذلك كان في أول الحال قبل أن يفتح الله لهم خيبر وغيرها.
قوله: ((مَنْ يضيف هذا))؟ أي: مَنْ يؤويه، وفي رواية ((ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله)). أخرجها البخاري رقم (4889) ومسلم (13/13) نووي.
قوله: (فقال رجل من الأنصار): تقدم في رواية مسلم أنه رجل من الأنصار يُقال له: أبوطلحة، وقد قيل إنه غير أبي طلحة زيد بن سهل، لأن زيد بن سهل كان أكثر الأنصار مالاً من نخل كما في حديث أنس في ((الصحيحين)) فيبعد أن يكون ما عنده إلا قوت صبيانه.
الثاني: أن أبا طلحة زيد بن سهل معروف ولو كان هو لجزم باسمه ولما قيل: إنه رجل من الأنصار يُقال.. قال الحافظ: وهذا يمكن الجواب عنه.اهـ
قلت: نعم يُحمل أن هذه الحالة كانت قبل أن يكون لزيد بن سهل ذلك المال، ويُحمل أن صادف حالة لم يكن عنده فيها إلا ما يكفي صبيانه، أما الجواب عن الإشكال الثاني هو أن الراوي قال: رجل من الأنصار يقال له: أبوطلحة، فلا غرابة أن أبا هريرة أبهم اسمه ووضحه في الحال والله أعلم.
وقوله: (فانطلق به إلى رحله)، أي: بيته قال في ((مختار الصحاح)): الرحل: مسكن الرجل يصتحبه من الأثاث والرحل، أيضاً رحل البعير وهو أصغر من القتب والجمع الرحال.
قوله: (إلا قوت صبياني)، أي: عَشَاؤهُم.
قوله: (فعلليهم بشيء)، هذه رواية مسلم، وقال في ((مختار الصحاح)): علله بالشيء تعليلا أي: لهاه به كما يعلل الصبي بشيء من الطعام يتجزأ به عن اللبن، يقال: فلان يعلل نفسه، أي: يلهيها. اهـ
قوله: (فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين): في ((صحيح البخاري)) قال: نومي أطفالك وتعالي فأطفئي السّراج ونطوي بطوننا الليلة، أي: لا نأكل شيئاً وهو معنى طاويين.
فوائد الحديث: ======== فيه الاجتماع على الطعام، من قوله: (فقعدوا وأكل الضيف)، وقوله: (أريه أنا نأكل)، وأن ذلك قد أعجب رب العالمين سبحانه. فيه جواز سؤال إمام المسلمين لحاجة. فيه ضيق الحال على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وأن نساء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان لكل واحدة منهن بيت مستقل. وفيه إكرام الضيف. وفيه الإيثار والمواساة لأن هذا الصحابي الجليل آثر ذلك المسكين المجهود على نفسه وأهله وأولاده. وفيه إثبات صفة العجب لله سبحانه. وفيه أن ما يجري في عصر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الأمور الهامة في الدين يطلع الله نبيه عليها.
11- عن سمرة بن جندب قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نتداول في قصعة من غدوة حتى الليل، يقوم عشرة ويقعد عشرة، قلنا: فما كانت تمد؟ قال: من أي شيء تعجب ما؟! كانت تمد إلا من ههنا، وأشار بيده إلى السماء. الحديث أخرجه الترمذي رحمه الله (ج10 ص98) ((تحفة الأحوذي)) وسنده عنده صحيح جميع رجاله ثقات.
12- قال الإمام أبوداود رحمه الله (ج10 ص248) ((عون المعبود)) رقم (3767): حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبدالرحمن بن عرق، حدثنا عبدالله بن بسر قال: كان للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قصعة يقال لها: الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة يعني وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً)) ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كُلُوا من حَوَالَيْهَا ودَعُوا ذروتها يُبَارَك فيها)).
وهذا حديث حسن، عمرو بن عثمان الحمصي أبوحفص ثقة، وثقه النسائي وأبوداود ومسلمة وغيرهم.
أبوه عثمان بن سعيد بن دينار القرشي ثقة، وثقه جماعة منهم أحمد وابن معين.
محمد بن عبدالرحمن بن عرق أبوالوليد اليحصبي الحمصي.
قال دحيم: ما أعلمه إلا ثقة لا يعتد بحديثه ما كان من حديث بقية، ويحيى بن سعيد العطار ودونه، بل يعتبر بحديثه من رواية الثقات عنه.اهـ
قلت: الحق فيه ما قاله الحافظ ابن حجر في ((التقريب)) أنه صدوق فالحديث حسن من أجله، وباقي رجال إسناده ثقات.
فوائد الحديث: ======= فيه الاجتماع على الطعام وإعداد إناء للطعام يأكل منه الجماعة، والإفطار على الثريد وهو الخبز المفتوت باللحم. قال الشاعر: إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمـــانة الله الثــريد
13- قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى رقم (1859): حدثنا أبوبكر محمد بن أبان، حدثنا وكيع، حدثنا هشام الدستوائي، عن بديل ابن ميسرة العقيلي، عن عبدالله بن عبيد بن عمير، عن أم كلثوم، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره)) وبهذا الإسناد عن عائشة قالت: كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأكل طعاماً في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أما إنه لو سَمَّىَ لكفاكم)).
سند الحديث عند الترمذي: أبوبكر محمد بن أبان مستملي وكيع يعرف بحمدويه وثقه النسائي والخليلي وغيرهما، وكيع هو ابن الجراح الإمام ثقة حافظ عابد، هشام بن أبي عبدالله الدستوائي ثقة ثبت، بديل بن ميسرة العقيلي البصري وثقه ابن معين والنسائي وآخرون، عبدالله بن عبيد بن عمير بن قتادة أبوهاشم الليثي المكي ثقة، أم كلثوم قال الذهبي في ((الميزان)): تفرد عنها عبدالله ابن عبيد بن عمير في التسمية على الكل، فعلى هذا هي مجهولة، لكن للحديث شاهد عند أبي يعلى في ((مسنده)) ص (1706) بسند صحيح رجاله ثقات من حديث امرأة صحابيه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أتى بوطبة (1) فأخذها أعرابي بثلاث لقم، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أما أنه لو قال: بسم الله لوسعكم))، وقال: ((إذا نسي أحدكم اسم الله على طعامه فليقل: إذا ذكر بسم الله أوله وآخره)).
والحديث صريح في أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أكل طعاماً مع جماعة في إناء واحد فتأمَّل، وتقدم في شرح الحديث الأول ذكر الحديث وبيان صحته بشاهد آخر عن ابن مسعود وسنده حسن. __________ (1) ... وطبة بالواو هي الحيس يجمع بين التمر والأقط والسمن وجاء الربطة بالراء المهملة وهو تصحيف كما في: النهاية)) لابن الأثير. __________
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:21 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 8:15 am | |
| 14- قال الإمام أبويعلى رحمه الله تعالى في ((مسنده)) (ج7 ص449): حدثنا إبراهيم، قال: حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب أن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بخزيرة (1) قد طبختها له فقلت لسودة والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بيني وبينها: كُلِي، فأبت فقلت: لتأكلن أو لأ لطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة فطليت وجهها فضحك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ووضع بيده لسودة وقال: ((الطخي وجهها)) فضحك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لها، فمر عمر فقال: يا عبدالله يا عبدالله فظن أنه سيدخل فقال: ((قوما فاغسلا وجوهكما)) قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. هذا حديث حسن. فإبراهيم هو ابن الحجاج السامي أبوإسحاق البصري ثقة، وثقه الدارقطني، وحماد هو ابن سلمة بن دينار أبوسلمة ثقة عابد، ومحمد ابن عمرو هو ابن علقمة حسن الحديث، ويحيى بن عبدالرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة أبو بكر المدني ثقة، وثقه ابن سعد والنسائي والدارقطني وغيرهم.
فوائد الحديث: ======= فيه أكل الرجل مع نسائه من إناء واحد. مزاح الرجل مع أهله. العدل بين الزوجات وإنصاف المظلومة ولو حالة المزاح. جبر خاطر الضعيف. فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. __________ (1) ... الخزيرة: لحم يُقَطَّع صِغَارَاً ويُصَبُّ عليه ماء كثير، إذا نضج ذُرَّ عليه الدقيق، فإن لم يكن فيه لحم فهي عصيدة. النهاية)). __________ 15- قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى (ج3 ص1607) رقم (2034): وحدثني محمد بن حاتم وأبوبكر بن نافع العبدي، قالا: حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه (1) الثلاث، قال: وقال: ((إذا سقطت لقمة أحدكم فليُمِطْ عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان)) وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: ((فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)).اهـ
فوائد الحديث: ======== فيه أكل الجماعة من صحفة واحدة ولعقها قبل أن تغسل. وفيه شرعية لعق الأصابع وذلك بعد الفراغ من الطعام وذلك لحديث أبي ابن كعب في مسلم رقم (2032) أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها. وفيه أن الأكل بثلاث أصابع سُنَّةٌ إذا قدر الإنسان على ذلك. وفيه أن اللقمة إذا سقطت ينبغي أن يُمَاطَ عنها الأذى وتُؤكل ولا تُترك للشيطان. وفيه أن الشيطان يأكل ومن أكله ما تساقط من الطعام. وفيه أن الطعام إذا اجتمع عليه كانت فيه بركة. وفيه تواضع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه حيث يأكلون الطعام المتساقط ويلعقون الصُّحون قبل غلسها. وفيه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه لا يعلمون الغيب لأنهم لا يدرون في أي طعامهم البركة. وفيه أن من الأدب عدم الشَّره في الأكل، فقد كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأكل بثلاث أصابع. وفيه أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بَشَرٌ يأكل كما يأكلون. __________ (1) ... لعق الأصابع يكون بعد الفراغ من ذلك الأكل وليس عند كل لقمة فهذا الفعل خِلَافَ السُّنَّةِ فعن كعب بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها. رواه مسلم رقم (2032). __________ 16- قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في ((المسند)) (ج5 ص278): حدثنا أبوالنضر، حدثنا المبارك بن فضالة، حدثنا مرزوق أبوعبدالله الحمصي، حدثنا أبوأسماء الرحبي، عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها)) قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: ((أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن ((قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: ((حب الحياة، وكراهية الموت)).
سند الحديث: أبوالنضر هاشم بن القاسم الملقب بقيصر ثقة ثبت، روى عن المبارك بن فضالة ولم يرو عن ابن المبارك وفي ((المسند)) ابن المبارك والصواب مبارك بن فضالة كما في ترجمته، روى عن أبي أسماء الرحبي، وروى عنه أبوالنضر، ومبارك هذا إذا صرح بالتحديث يحسن حديثه وقد قال هنا: حدثنا كما ترى، وانظر ترجمته من ((ميزان الاعتدال)).
مرزوق الحمصي أبوعبدالله حسن الحديث، قال ابن معين: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) أبوأسماء الرحبي عمرو بن مرثد الدمشقي شامي ثقة، فالحديث حسن.
وموضع الشاهد منه قوله: ============== (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)، وهو أن الأكلة من العرب يأكلون على قصعة واحدة، وهذا من الهدي النبوي كما أنه من فعل العرب، وأن الكثرة التي على غير استقامة لا عبرة بها لأنها من الغثاء وأنهم إذا كانوا كذلك تُنتزع مهابتهم من قلوب أعدائهم ويُصابون بالجُبن والخَوَرْ.
17- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: الله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبوبكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ فلم يفعل ثم مرَّ بي أبوالقاسم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فتبسَّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: ((يا أبا هر)) قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((الحق)) ومضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبناً في قدح فقال: ((من أين هذا اللبن؟)) قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: ((أبا هر))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((الحق إلى أهل الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ لِي)) قال: وأهل الصُّفَّةِ أضيافُ الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها (1). __________ (1) ... وفي رواية عند البخاري برقم (2576) ومسلم برقم (1077) عن أبي هريرة كان إذا أتي بطعام سأل عنه "أهدية أم صدقة" فإن قيل صدقة قال لأصحابه: "كلوا ولم يأكل" وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم. __________ فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصُّفَّةِ، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: ((يا أبا هر)) قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((خذ فأعطهم)) قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح، فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليَّ فتبسَّم، فقال: ((أبا هر)) قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((بقيت أنا وأنت)) قلت: صدقت يا رسول الله، قال: ((اقعد فاشرب)) فقعدت فشربت، فقال: ((اشرب)) فشربت فما زال يقول: ((اشرب)) حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً، قال: فأرني فأعطيته القدح، فحمد الله وسَمَّى وشرب الفضلة. أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه وتخليهم عن الدنيا رقم (6452).
وهذا الحديث فيه عدة فوائد: =============== طعام الجماعة من إناء واحد حيث شربوا كلهم من قدح يحمله أبوهريرة ويديره عليهم. دليل من دلائل النبوة حيث بارك الله لهم في اللبن القليل. جواز الحلف بغير استحلاف. الحلف لا يكون إلا بالله. ضيق العيش على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم. زهده -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في الدنيا. إن البطن إذا شد عليه شيء كالحزام ونحوه خفف ألم الجوع وقد كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبعض أصحابه يفعلون ذلك عند الاحتياج. بعد الصحابة عن المسألة حتى عند الاضطرار. لا بأس بالتعريض عند الحاجة الماسة حيث إن أبا هريرة عرض بحاله ولم ينكر عليه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فراسة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث عرف من أبي هريرة ما لا يعرفه غيره وقد يكون وحياً. لا بأس بمداعبة الأخ في الله إذا علم أنه يحب ذلك من قوله ((أبا هر)). أدب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الخطاب مع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. تفقد المسئول لرعيته. الاستئذان عند الدخول. قبول الهدية وأنها تحل للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. تحريم الصدقة عليه. الإنسان مجبول على محبة الخير، حيث إن أبا هريرة أحب أن يصيب من ذلك اللبن قبل إخوانه. وجوب طاعة الله ورسوله وأنه ما منها بد. فضل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأنهم كانوا في غاية الطاعة لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. شرعية التبسم عند دواعيه. قول الرجل لضيفه كل وتكرير ذلك عليه وهذه عادة معروفة عند العرب. الحمد لله سبحانه عند حدوث نعمة. التسمية على الطعام والشراب. الجلوس عند الشرب.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:23 am عدل 2 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 8:19 am | |
| قصة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سُمَّ في شاة وأكل معه بشر بن البراء ومات من السُّم. 18- قال الإمام أبوداود رحمه الله تعالى رقم (4510): حدثنا سليمان بن داود المهري، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: كان جابر بن عبدالله يُحدّث أن يهوديةً من أهل خيبر سَمَّتْ شاةً مصلية ثم أهدتها لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذراع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ارفعوا أيديكم)) وأرسل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى اليهودية فدعاها، فقال لها: ((أسَمَمْتِ هذه الشَّاة))؟ قالت اليهودية: مَنْ أخبركَ؟ قال: ((أخبرتني هذه في يدي)) للذراع، قالت: نعم، قال: ((فما أردت إلى ذلك)) قالت: قلت: إن كان نبياً فلن يضرُّه، وإن لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولم يعاقبها، وتُوُّفِّيَ بعض أصحابه الذين أكلوا من الشَّاة، واحتجم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة.
وأخرجه الدارمي في ((سننه)) (1/46) فقال: ثنا الحكم بن نافع، قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن جابر فذكر الحديث. وأخرجه البيهقي في ((الدلائل)) (4/263) من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن الزهري، عن جابر، ورجال السند عند الدارمي كلهم ثقات، إلا أنه مرسل. قال الحافظ المزي والحافظ العلائي: عن جابر مرسل، وذكره الحافظ ابن حجر في ((التهذيب)) ضمن من أرسل عنهم جابر بن عبدالله، وذكره البيهقي في ((الدلائل)) من طريق خلف بن عبدالعزيز قال أخبرني أبي عبدالعزيز ابن عثمان، عن جدي عثمان بن جبلة، كما أخبرني عبدالملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن جابر فذكر الحديث بنحوه، وفي السند بعض المجاهيل منهم عبدالعزيز بن عثمان مجهول كما في ((التهذيب)).
وله شاهد من حديث كعب بن مالك أخرجه أبوداود رقم (4513) فقال: حدثنا مخلد بن خالد، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أن أم مبشر قالت للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في مرضه الذي مات فيه: ما يتهم بك يا رسول الله؟! فإني لا أتهم يابني شيئا إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر، وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ((وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك، فهذا أوان قطعت ابهري)).اهـ
وسنده منقطع، الزهري لم يسمع من عبدالرحمن بن كعب بن مالك كما في جامع ((التحصيل))، ورواية معمر عن الزهري فيها كلام يسير، قال أبوداود: وربما حدث عبدالزراق بهذا الحديث مرسلا، عن معمر، عن الزهري، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وذكر عبدالرزاق أن معمرا كان يحدثهم بالحديث مرة مرسلا، ومرة به مسندا فيكتبونه وكل صحيح.
وله شاهد آخر عند أبي داود رقم (4511): قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: حدثنا خالد الطحان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية، وذكر نحو حديث جابر قال: فمات بشر بن البراء بن معرور فأرسل إلى اليهودية فقال: ((ما حملك على الذي صنعت))؟ فذكر نحو حديث جابر قال: فأمر بها رسول الله فقتلت. ورواه برقم (4512) من هذه الطريق نفسها عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- به.
وأخرجه الدارمي (1/47) فقال: حدثنا عبدالله بن صالح، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بنحوه، وأخرجه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (2/200)، والطبراني في ((الكبير)) (2/34)، والبيهقي في ((الدلائل)) (4/262) وله طريق أخرى عند البيهقي (4/260) من طريق عباد بن العوام، عن سفيان ابن حسين، عن الزهري، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة به.
ورجال السند كلهم ثقات إلا أن رواية سفيان بن حسين، عن الزهري فيها ضعف، وأصل الحديث في ((الصحيحين)) بغير ذكر أن بشر بن البراء أكل معه ومات من أثر السم، وبغير ذكر أن بعض أصحابه أكلوا معه، وإنما ذكرناه من غير ((الصحيحين)) لهذا المطلب، وقد علمت ثبوت الحديث بمجموع هذه الطرق أن النبي وأصحابه أكلوا جميعا من شاة واحدة سواء. وانظر ((البداية والنهاية)) لابن كثير (4/209-211) طبعة دار الكتب.
19- عن أنس رضي الله عنه قال: قام النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يبني بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته، أمر بالأنطاع فبُسطت، فألقي عليها التمر والأقط والسمن، وفي رواية: ثم حيساً في نطع. أخرجه البخاري في الأطعمه من صحيحه رقم (5387) مختصراً، وفي الصلاة رقم (371) ومطولا، وأخرجه مسلم رقم (1365)، وفي الحديث الأكل جميعاً على النطع، وفيه بسط النطع للطعام.
20- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قَلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسَّويَّة، فهم منّي وأنا منهم)). أخرجه البخاري في الشركة رقم (2486)، ومسلم رقم (2500).
وبوَّب عليه البخاري باب الشركة في الطعام والنهد والعروض وكيف قسمة ما يكال أو يوزن مجازفة أو قبضة قبضة لما لم ير المسلمون في النهد بأساً أن يأكل هذا بعضاً وهذا بعضاً.اهـ.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (16/62): وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين وفضيلة الإيثار والمواساة، وفضلية خلط الأزواد في السفر، وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر، ثم يقسم وليس المراد بهذه القسمة المعروفة في كتب الفقه بشروطها، وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضا ومواساتهم بالموجود. أ.هـ المراد من ((شرح النووي)).
وهو كما ذكر البخاري في التبويب أن معناه اقتسموا بينهم، أي: كل يأكل من ذلك الطعام في آن واحد، فيكونون أكلوا بالسوية، وفيه فضيلة الاجتماع على الطعام والأكل من الإناء الواحد سواء، فإن هذا يسبب الأخوة والألفة والتعاون وهو هدي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((فهم مني وأنا منهم))، قال النووي في ((شرح مسلم)) (16/26): معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى، أي: أنا والأشعريون في هذا الفعل سواء ومتفقون على أنه طاعة لله سبحانه.
21- عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد رضي الله عنهما قالا: لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا(1)فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:((افعلوا)) قال: فجاء عمر، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر(2)ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((نعم)) قال: فدعا بنطع(3)فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم، قال: ((فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، قال: ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه بالبركة ثم قال: ((خذوا في أوعيتكم)) قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة)). رواه مسلم (1/56) طبعة محمد فوائد عبدالباقي.
فوائد الحديث: ======= فيه أنهم أكلوا جميعا على نطع واحد حتى شبعوا. __________ (1) ... جمع ناضح وهو البعير. (2) ... أي تقل الرواحل التي عليها يسافرون. __________ وفيه ضيق العيش على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وفيه توفيق عمر رضي الله عنه في المشورة، وهذا من فضائله الكثيرة رضي الله عنه. وفيه تواضع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث قبل قول عمر رضي الله عنه. وفيه دليل من دلائل نبوة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث بارك الله في الطعام القليل حتى زاد على كفايتهم في ذلك الوقت. وفيه أن من لقي الله بالتوحيد الخالص دخل الجنة. وفيه بسط النطع تحت الطعام أو ما ينوب عنه من السفر البلاستيكية أو غيرها لحفظ ما سقط منه عن الوقوع في الأرض وليستطاع مسحه وأكله، عملا بالسنة في قوله: ((إذا سقطت لقمة أحدكم فليمسح ما بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان)).
22- عن نافع، قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا، فقال: يا نافع لا تدخل هذا علي، سمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء)). أخرجه البخاري في الأطعمة رقم (5393)، ومسلم رقم (2060).
والشاهد فيه: أن ابن عمر كان لا يأكل إلا مع مسكين مع العلم بحرصه على السنة والعمل بها.
23- عن أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها(1)في البيوت، فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأنزل الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} إلى آخر الآية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)). أخرجه مسلم. __________ (1) ... قال المباركفوري: أي لم يساكنوهن في البيوت. __________
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:24 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 8:25 am | |
| 24- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه. أخرجه مسلم رقم (300).
25- حدثنا عباس العنبري ومحمد بن عبدالأعلى، قالا: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، حدثنا معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية بن حكيم، عن عمه عبدالله بن سعد، قال: سألت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن مواكلة الحائض؟ فقال: ((واكلها)). سند الحديث عند الترمذي حسن، وأخرجه أبوداود (1/361) ((عون المعبود)) وابن ماجه (1/213)، والترمذي (1/351-352)، قال صاحب ((عون المعبود)) (1/301): مؤاكلة الحائض، أي: الأكل معها، وقال المباركفوري: واكلها، أي: كل معها.
وفي هذه الثلاثة الأحاديث: ============== مخالفة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للكفار. أن عدم مواكلة الحائض من تنطع اليهود وتشددهم. أن هذا الدين يسر. أن الحائض جسدها وريقها طاهر. أن العشرة الحسنة بين الزوج وزوجته أن يأكلا سواء من إناء واحد وهذا من الهدي النبوي. فيه تواضع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأخلاقه الفاضلة مع أهله. أنه يجب على المسلم مخالفة اليهود المشركين فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل الله سبحانه أمر بمخالفتهم كما في هذه الثلاثة الأحاديث وغيرها، وانظر كتاب ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنه كتاب فريد نوعه في بابه، فننصح بقراءته مراراً وتدريسه لهذا المجتمع المنهمر في تقليد أعداء الإسلام الذين حذرنا الله ورسوله من تقليدهم، نسأل الله أن يفقه جميع المسلمين في دينه.
26- عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة، واتخذت لهم طعاما، فلما رجع قالت: يا رسول الله إنا اتخذنا لكم طعاما فادخلوا فكلوا، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه وكانوا لا يبدءون حتى يبتدئ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأخذ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لقمة فلم يستطع أن يسيغها، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلها)) فقالت المرأة: يا نبي الله إنا لا نحتشم من آل سعد بن معاذ، ولا يحتشمون منا، نأخذ منهم ويأخذون منا. الحديث أخرجه أحمد في ((مسنده)) (3/351)،
وأخرجه أبوداود (9/180) من حديث رجل من الأنصار وفيه زيادة : أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال للمرأة: أطعميه الأسارى، وفيه زيادة أيضاً أن المرأة أرسلت إليه فأخبرته بأن الشاة أعطتها بعض جاراتها بغير إذن زوجها، وسنده صحيح وهو في ((جامع)) شيخنا عمره الله على طاعته (4/190).
فوائد الحديث: ======= فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه كانوا يأكلوا من طعام واحد وإناء واحد. وفيه دليل من دلائل نبوته -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث أطلعه الله على أمر غيبي. وفيه أدب أصحابه عليه الصلاة والسلام حيث لا يبدأ منهم أحد قبله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فيه زيادة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال للمرأة: ((أطعميه الأسارى)).
وفيه زيادة أيضا: أن المرأة أرسلت إليه فأخبرته بأن الشاة أعطتها بعض جاراتها بغير أذن زوجها.
27- عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: آخى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبوالدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبوالدرداء فصنع له طعاماً فقال: كُلْ فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل، فلما كان الليل ذهب أبوالدرداء يقوم، فقال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم فلما كان آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، قال: فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:((صدق سلمان)). أخرجه البخاري رقم (6139.1968).
فوائد الحديث: ======= فيه أكل المضيف مع ضيفه. وفيه المؤاخاة في الله. وفيه زيارة الإخوان والمبيت عندهم. وفيه جواز مخاطبة الأجنبية للحاجة، مع الضابط المذكور في
فوائد حديث رقم (9). =========== وفيه النصح للمسلم. وتنبيه الشخص عن أمور قد يغفل عنها ولو كان ذا علم. وفيه فضل قيام آخر الليل. وفيه مشروعية تزين المرأة لزوجها. وفيه ثبوت حق المرأة على زوجها في حسن العشرة والوطء. وفيه جواز الفطر للمتنفل. وفيه كراهة الحمل على النفس في العبادة. وفيه منقبة لسلمان رضي الله عنه، حيث صدقه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نصائحه لأخيه أبي الدرداء. وأن الإنسان عليه حقوق لغيره ينبغي عليه أداؤها. وفيه تنظيم الوقت وأن التنظيم الشرعي الذي لا يتنافر مع الشرع مطلوب. وفيه قبول النصيحة من الناصح ولو كانت متعارضة مع رغبة المنصوح. وفيه منقبة لأبي الدرداء في إقباله على طاعة الله. وفيه الصائم المتنفل لا بأس ولا حرج أن يقول: إني صائم. لا بأس بتكلف شيء للضيف ليس فيه مشقة.
28- حدثنا علي، حدثنا سفيان، سمعت يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سويد بن النعمان، قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى خيبر فلما كنا بالصهباء دعا بطعام فما أتي إلا بسويق، فلكناه فأكلنا معه، ثم دعا بماء فمضمض ومضمضنا معه، ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ.
بوَّب البخاري رحمه الله على هذا الحديث في كتاب الأطعمة باب {ليس على الأعمى حرج.. إلى قوله : ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا(1)}، وقال في الباب نفسه: والاجتماع على الطعام، ثم ذكر الحديث.
قال القرطبي رحمه الله: في تفسير آية: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} قال: قيل: إنها نزلت في بني ليث بن بكر وهم حي من بني كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده، ويمكث أياما جائعا حتى يجد من يؤاكله،
قال القرطبي ومنه قول الشاعر: إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي
قال ابن عطية في ((المحرر الوجيز)) (11/328): وكانت هذه السيرة موروثه عندهم عن إبراهيم فإنه كان لا يأكل وحده، وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه فنزلت الآية مبينة سنة الأكل ومذهبة كل ما خالفها من سير العرب ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرماً: نحت به نحو كرم الخلق فأفرطرت في إلزامه، وإن إحضار الأكيل لحسن ولكن لا يحرم الإنفراد.اهـ
وقال ابن كثير رحمه الله عند الآية: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} قال: فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل.اهـ __________ (1) ... سورة النور، الآية: 61. __________ قلت: هذا ما نحن في تقريره أن الأكل جماعة هو الأفضل وهو من سجايا العرب ومكارم الأخلاق، لاسيما عند الاجتماع في مكان ما ولسنا نرى تحريم أكل المرء وحده ولم يقل بالتحريم أحد من علماء المسلمين فيما أعلم إلا إذا حفت به قرينة التشبه بالكفار فالتشبه بهم محرم وهذا معلوم بقطعيات الأدلة وانظر ((إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)) لشيخ الإسلام ابن تيمية فننصحك بقراءته.
29- قال الإمام أبوداود رحمه الله تعالى رقم (3764): حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني وحشي ابن حرب، عن أبيه، عن جده أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: ((فلعلكم تفترقون))؟ قالوا: نعم، قال: ((فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه)).
وأخرجه أحمد في ((المسند)) (3/501) فقال: حدثنا يزيد بن عبد ربه، قال: حدثنا الوليد بن مسلم به، وأخرجه ابن ماجة رقم (3286) فقال: حدثنا هشام بن عمار وداود بن رشيد ومحمد بن الصباح قالوا: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده وحشي فذكر الحديث، وهو ضعيف وحشي بن حرب وثقه ابن حبان، وقال العجلي: لا بأس به، وقال الحافظ في ((التقريب)): مستور، وأبوه حرب روى عنه ابنه، وروى عن أبيه، وقال الحافظ ابن حجر في ((التقريب)): مقبول، وجده وحشي ابن حرب أبو دسمة قاتل حمزة أسلم، وروى عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وخرج مع خالد بن الوليد إلى اليمامة وشارك في قتل مسيلمة الكذاب.
وهذا الحديث والذي قبله برقم (30) يشهد بعضهما لبعض ويشهد له حديث آخر من طريق عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير وهو ضعيف، وانظر ((السلسلة الصحيحة)) رقم (895) و((مجمع الزوائد)) (5/24) باب الاجتماع على الطعام.
30- قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى (ج4 ص260): حدثنا أبورجاء، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه)).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، إنما يعرف من حديث عطاء بن السائب، وقد روى شعبة والثوري عن عطاء بن السائب.اهـ
قلت: نعم أخرجه أحمد في ((المسند)) (1/270) بلفظ ((في القصعة من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تتنزل في وسطها)) من طريق الثوري عن عطاء به، وأخرجه (1/300) من طريق شعبة عن عطاء به بلفظ أتي النبي بقصعة من ثريد فقال: ((كلوا من حواليها ولا تأكلوا من وسطها))، وأخرجه (1/345.343.364)، وأخرجه أبوداود رقم (3772)، وابن ماجه رقم (3277)، وابن حبان (1346)، والحاكم (4/116) من عدة طرق عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، وهذا السند حسن، وعطاء بن السائب وإن كان قد اختلط لكن من رواة هذا الحديث عنه سفيان الثوري وشعبة، قال يحيى بن سعيد والعجلي وغيرهما: ما حدَّث سفيان الثوري وشعبة عنه صحيح وانظر ترجمته من ((تهذيب التهذيب)).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 09 يوليو 2021, 5:26 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام الإثنين 16 يناير 2017, 8:52 am | |
| 31- قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاث مائة، وأنا فيهم فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبوعبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة، فقلت: وما تغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت، قال: ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبوعبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما. حديث جابر في صحيح البخاري باب الشركة في الطعام والنهد رقم (2483)، ومسلم رقم (1935).
32- قال البخاري رحمه الله تعالى رقم (5495): حدثنا أبوالوليد، حدثنا شعبة، عن أبي يعفور، قال: سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: غزونا مع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سبع غزوات أو ستا كنا نأكل معه الجراد. أخرجه مسلم رقم (1952)، قال الحافظ رحمه الله تعالى: قوله: وكنا نأكل معه الجراد، يحتمل أن يريد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد، ويحتمل أن يريد من أكله، ويدل على الثاني أنه وقع في رواية أبي نعيم في الطب (ويأكل معنا).اهـ
33- قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى (ج3 ص1663): حدثنا القعنبي، حدثنا داود بن قيس، عن موسى بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إذا صنع لأحدكم خادمه طعاماً ثم جاءه به، وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه ليأكل، فإن كان الطعام مشفوها (1) فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين)). أخرجه البخاري في الأطعمة (9/581) بلفظ: ((فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين)). __________ (1) ... لأن الشفاه كثرت عليه حتى صار قليلاً. __________ من فوائد الحديث: =========== فيه الإحسان إلى الخادم والمملوك. وفيه الأكل جماعة وفيه أن السيد يجلس خادمه معه وذلك أفضل.
34- قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا أبومعمر، حدثنا عبدالوارث، حدثنا أيوب بن أبي تميمة، عن القاسم، عن زهدم، قال: كنا عند أبي موسى الأشعري وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء فأتي بطعام فيه لحم دجاج، وفي القوم رجل جالس أحمر فلم يدن من طعامه، قال: ادن فقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأكل منه، قال: إني رأيته أكل شيئا فقذرته فحلفت أن لا آكله، فقال: ادن أخبرك أو أحدثك، إني أتيت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان، وهو يقسم نعما من نعم الصدقة فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا، قال: ((ما عندي ما أحملكم عليه)) ثم أتي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بنهب من إبل فقال: أين الأشعريون، أين الأشعريون))؟ قال: فأعطانا خمس ذود غر الذرى، فلبثنا غير بعيد فقلت لأصحابي: نسي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يمينه، فوالله لئن تغفلنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يمينه لا نفلح أبدا، فرجعنا إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقلنا: يا رسول الله إنا استحملناك فحلفت أن لا تحملنا فظننا أنك نسيت يمينك، فقال: ((إن الله هو حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها)). وكذا أخرجه مسلم في ((صحيحه)) برقم (1946).
فوائد الحديث: ======== فيه الاجتماع على الطعام. فيه سجية من سجايا العرب والتي أثبتها الإسلام بل وحث عليها وهي إكرام الضيف بتقديم الطعام إليه. وفيه استشهاد الصحابة بفعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والاقتداء به. وفيه أن المعلم قد تمر به أمور فتغضبه ولا بد له من الصبر. وفيه أن من حلف على شيء ثم بان له أن تركه أولى كفر عن يمينه وفعل الأولى.
35- عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف. أخرجه أحمد (3/270)، وأبويعلى (5/420) وابن حبان كما في الموارد رقم (2533) كلهم من طريق عفان، عن أبان بن يزيد، قال: حدثنا قتادة، عن أنس به، فذكر الحديث، وهذا سند صحيح كل رجاله ثقات.
و(الضفف) قال ابن الأثير: قيل الضفف اجتماع الناس يقال: ضف القوم على الماء يضفون ضفاً وضفيفاً، أي: لم يأكل خبزاً ولحماً وحده، لكن يأكل مع الناس. ا.هـ من ((النهاية)) في غريب الحديث.
36- عن أبي هريرة قال: كنت ألزم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لشبع بطني حين لا آكل الخمير ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وألصق بطني بالحصباء وأستقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب بنا، فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليُخرج إلينا العكَّةَ ليس فيها شيء فنشتقها فنلعق ما فيها. أخرجه البخاري رقم: (5432 . 3708).
37- عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان من الأنصار رجل يقال له: أبوشعيب وكان له غلام لحَّام فقال: اصنع لي طعاماً أدعو رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خامس خمسة، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خامس خمسة، فتبعهم رجل فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنك دعوتنا خامس خمسة، وهذا رجل قد تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته)) قال: بل أذنت له.
قال محمد بن يوسف: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إذا كان القوم على المائدة ليس لهم أن يناولوا من مائدة إلى مائدة أخرى ولكن يناول بعضهم بعضا في تلك المائدة أو يدع. أخرجه البخاري (5434)، ومسلم (2036).
38- عن أنس رضي الله عنه قال: أنا أعلم الناس بالحجاب كان أبَيُّ بن كعب يسألني عنه أصبح رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عروساً بزينب بنت جحش وكان تزوجها بالمدينة، فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وجلس معه رجال بعد ما قام القوم، حتى قام رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فمشى ومشيت معه حتى بلغ باب حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجعت معه فإذا هم جلوس مكانهم فرجع ورجعت معه الثانية حتى بلغ باب حجرة عائشة فرجع ورجعت معه، فإذا هم قد قاموا فضرب بيني وبينه ستراً وأنزل الحجاب. أخرجه البخاري رقم (5466)، ومسلم (1428).
39- حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا عبدالواحد بن أيمن، عن أبيه، قال: أتيت جابراً رضي الله عنه فقال: إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة، فجاءوا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: ((أنا نازل)) ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم، فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شيئا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال: ((كم هو))؟ فذكرت له، قال: ((كثير طيب قال : قل لها: لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال : قوموا)) فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته، قال: ويحك جاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: ((ادخلوا ولا تضاغطوا)) فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور، إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة.اهـ أخرجه البخاري برقم (4101)، ومسلم برقم (2039).
من فوائد الحديث: ========= فيه الاجتماع على الطعام حيث أدخلهم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وجعل يناولهم الطعام حتى شبعوا. وفيه همة الصحابة رضي الله عنهم في الجهاد وأعمال الطاعة على ما بهم من شدة الجوع والنصب. وفيه منقبة لجابر رضي الله عنه حيث أهمه حال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وفيه بيان فضل الصحابيات رضي الله عنهن وتسليم الأمر لله ورسوله. وفيه مواساة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأصحابه ومقاسمتهم الحال في الرخاء والشدة. وفية علامة من علامات النبوة. وفيه أن من الأدب أن يأكل الضيوف قبل أهل البيت. وفيه أمره عليه الصلاة والسلام بإهداء الطعام في أوقات الفاقة والمجاعة، وعدم إلقائه في المزابل. وفيه أدب نبوي وهو عدم التزاحم والتضاغط عند الدخول إلى الطعام أو إلى أي متاع.
40- قال الإمام مسلم رحمه الله رقم (2017): حدثنا أبوبكر ابن أبي شيبة وأبوكريب، قالا: حدثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، عن أبي حذيفة(1)، عن حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تُدفع، فَذَهَبَتْ لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بيدها ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع، فأخذ بيده، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إن الشيطان يستحلَّ الطعام أن لا يُذكر اسمُ اللهِ عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحلَّ بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحلَّ به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها)).
قال النووي رحمه الله في شرح هذ الحديث فيه فوائد منها: جواز اللحق بغير استحلاف. والتسمية في ابتداء الطعام ويستحب الجهر بها ليسمع غيره. وتحصل التسمية بقول: بسم الله فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
والصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظاهرها وأن الشيطان يأكل حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لا ينكره بل أثبته فوجب قبوله واعتقاده. __________ (1) ... أبوحذيفة هذا هو سلمة بن صهيب الأرحبي، قال يعقوب بن سفيان: ثقة. __________ قلت: والجارية المذكورة في الحديث محمولة على البنت الصغيرة فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم تمس يده يد امرأة قط كما ثبت ذلك عنه في صحيح البخاري رقم (2713) وصحيح مسلم رقم (1866)من حديث عائشة رضي الله عنها.
41- قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى في ((عمل اليوم والليلة)) ص (269): أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا عبدالأعلى، قال: حدثنا بشر بن منصور، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبيَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فانطلقنا معه فلما طَعِمَ وغسل يده أو يديه قال: ((الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم مَنَّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاءٍ حسنٍ أبلانا، الحمد لله غير مُودع ولا مُكافأ ولا مَكفور ولا مُستغن عنه، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسى من العُري، وهدى من الضَّلالة، وبصَّر من العَمى، وفضَّل على كثير من خلقه تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين)).
الحديث أخرجه البخاري برقم (5458) من حديث أبي أمامة بلفظ: كان إذا رفع مائدته قال: ((الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مكفور ولا مودوع ولا مستغن عنه ربنا)). والشاهد فيه قوله: فانطلقنا معه.
وقوله: كان إذا رفع مائدته، والمائدة تُطلق على الخوان الذي يأكل فيه الواحد والجماعة.
وقد ذكر ابن كثير في ((تفسيره)) عند قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة}، عن جمع من السلف أن المائدة طعام يأكله جماعة وذكر نحو هذا ابن منظور في ((اللسان)).
وفيه من الفوائد: ======== غسل اليدين بعد الفراغ من الطعام. إضافة النعمة لله سبحانه، فقال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}. وفيه أدب لفظي وتوقير أهل الفضل.اهـ هذا ما تيسَّر جمعه والحمد لله. والحمد لله أولاً وأخيراً. |
|
| |
| الأربعون الحسان في الاجتماع على الطعام | |
|