أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: إرهاب الضعفاء وإرهاب الأقوياء الأحد 15 يناير 2017, 6:55 am | |
| إرهاب الضعفاء وإرهاب الأقوياء ================= على الرغم من الديمقراطية التي تزعمها كثير من دول العالم المتقدم اليوم، وحرية الرأي والفكر التي تدعيها، إلا أن كل ذلك يختفي ويزول تماماً حين يتعلق الأمر بغير مصالحها، أو بما لا يتفق مع أهدافها وأطماعها، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب وتعريفه وكيفية التعامل مع أهله.
و بما أنّ بعض النظرات الغربية إلى الفعل وتقييمه تعتمد في المقام الأول على من صدرت منه، لا على طبيعة الفعل ذاته، وحين أقول الفعل وأجرده من أي وصف إيجابي أو سلبي فلكوني أطرح موضوعاً من، موقع محايد، ولأن كل فعل يصحبه صدى إعلامي وردود أفعال متباينة أو متوافقة لابد أن يكون فعلاً ذا سمةٍ فاضلةٍ أو فاسدة، يحددها عادةً مَنْ عايش ذلك الفعل ودرسه من جميع جوانبه، وعرف تفاصيل وأحداثه، لأنه ليس كل فعل ظاهره السلبية تكون ردة الفعل تجاهه سلبية، والعكس صحيح أيضا، فليس كل فعل ظاهره إيجابي تكون ردة الفعل تجاههُ إيجابية، لأن ردة الفعل كما أسلفت تعتمد على دراسة الحدث وما يفضي إليه.
وعلى سبيل المثال: حين نقول إنّ فلاناً من الناس شق بطن فلان فهذا فعل سلبي، ولكن حين ندرس ذلك الحدث ومَنْ قام به وأسبابه والمراد منه، تتكشف لنا أمور تغير نظرتنا السلبية إلى نظرة إيجابية، خاصةً حين نعلم أن مَنْ قام بعملية فتح البطن هو طبيب جرَّاح، قام بفعله ذاك من أجل سلامة ذلك المريض وحمايته من أمراض أخرى قد تودي بحياته.
حينها تتغير النظرة تماماً، فالعدوانية تنقلب إلى صداقة والكراهية إلى محبة، هذا التغير ناتج للمعرفة وتقصي الحقائق.
ولكي أزيد الأمر وضوحاً أورد بعض الأفعال، وأبيّن كيف كانت ردة الفعل تجاه كل منها كما يلي:- حين تتم مهاجمة بلد، واحتلال أرضه، وتشريد شعبه، وقتل رجاله وإذلالهم، واغتصاب نسائه وإهانتهن، وتجويع أطفاله واستغلالهم، فإنّ المعتدي وأنصاره يعدون كل ذلك من باب الدفاع عن النفس، والعمل الحتمي أو الوقائي الذي لابد منه لبقاء الطرف الأضعف المسالم الباحث عن العيش مع الآخرين بكل مودة واحترام، وهو حين يقتل فكل ذلك من أجل السلام وإحلاله، وعندما يهدم المنازل على من فيها فإنما يفعل ذلك في سبيل مكافحة الإرهاب، وتسويغ قتل الرضيع والطفل الصغير هو تخليص البشرية منهم، لأنهم مشاريع إرهابية مستقبلية وقنابل موقوتة في طور التحضير.
وحينما تبدأ مقاومة المغتصب، لا ينظر إليها على أنها مقاومة محتل تجيزها الأنظمة والقوانين الدولية، وتقرها الشرائع السماوية، وتباركها الأعراف البشرية بمختلف أجناسها وأديانها، ولكن... ولكون تلك المقاومة صدرت من الطرف الأضعف المغضوب عليه، فإن تلك المقاومة توصف بالإرهاب وسفك الدماء؛ محاباة للمغتصب، وعلاوة على ذلك فإن حمل الحجر من قبل الطفل يعد تخويفاً للجندي المسكين في دبابته، وإقلاقاً لراحته، وتنغيصاً عليه، فيتسبب في فقدانه التركيز حين يصوب بندقيته تجاه ذلك الطفل المعتدي فيخطئه ولا يصيبه في مقتل مباشرة، مما يستدعي إعادة التصويب ثانية ولما فيه من هدر للموارد المالية لذلك الجيش المحتل، مما يتوجب معه إيقاع عقوبات إضافية على ذلك الشعب، فكل ما يقومون به مؤذٍ لضيوفهم، ومهدر لأموالهم، ومزعج لنفسياتهم، وهذا ما لا ترضى عنه الدول المتقدمة التي نصّـبت نفسها قاضياً ومحامياً وطرفاً في خندق واحد مع المعتدي.
دائماً ما تحاول الدول العظمى غَضَّ الطَّرف عن بعض المنظمات المصنفة فعلاً على أنها إرهابية، منها ما هو أمريكي ومنها ما هو أوروبي ومنها ما تدَّعي أنها إسلامية -والإسلام منها براء- ومنظمات أخرى لا حصر لها كالجيش الأحمر الياباني، والألوية الحمراء الإيطالية، ومقاتلو التستر من أجل الحرية الأيرلندية، ومقاتلي التحرير الكولومبيين، وتنظيم 17 نوفمبر اليوناني، وحزب العمال الكردستاني، وغيرها الكثير من التنظيمات الإرهابية.
فحين لا تتعارض المصالح يتم التغاضي، وحين تختلف التوجهات يبدأ التنديد، بغض النظر عن حقيقة الأفعال الصادرة عن تلك المنظمات، وما يحدث من تشهير، ومحاولة تضييق على تنظيمات كثيرة تصنّـف ويعاد تصنيفها بين الحين والآخر، فيضاف تنظيمات وتستبعد أخرى، حسبما يتوافق مع مصالح الدول العظمى، وإن كان أغلبها في الوقت الراهن تلك المنتسبة أو المنسوبة للعالم الإسلامي في بقاع شتّى من العالم، حسبما تقتضيه المرحلة الحالية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تضم أكثر من 30% من المنظمات التي تزيد عن خمسةٍ وسبعين منظمة إرهابية أجنبية حسب التصنيف الأمريكي.
وبالطبع فجميع الأحزاب المناهضة لإسرائيل ضمن تلك القائمة كحزب الله اللبناني، والجهاد الإسلامي في فلسطين، وجبهة التحرير الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكتائب شهداء الأقصى.
بالإضافة لما لا يرضى عنه الأصدقاء مثل كتائب شهداء ريادوس الشيشانية، وجماعة أبو سياف في الفلبين.
فكل ما يصدر عن تلك المنظمات من أفعال وإن كانت لمقاومة محتل مغتصب لأرض وعرض فهي أعمال إرهابية.
في حين لا يتم التطرُّق إلى أي أعمال لا تمس المصالح المتعلقة بالدول العظمى، أو تلك التي تتوافق مع مصالحها، حتى لو كانت في حقيقتها إرهابية غير مبررة.
فهم كما يقول الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكنّ عين السخط تبدي المساويا.
بل زادوا على قول الشاعر حين جعلوا كل الأعمال الصادرة عن تلك التنظيمات مساوئ.
إرهاب الدولة الذي تمارسه الولايات المتحدة مع حليفتها في العراق لا يدعى إرهاباً أو اعتداءً أو احتلالاً، بل هو تحرير وتطوير وبناء وإنقاذ شعب ومنحه الحرية التي يحلم بها، وتعليمه مبادئ الديمقراطية، أمّا من يُقاوم فهو إرهابي يجب القضاء عليه، ومعتدٍ على جنود التحرير الأبرياء الذين حضروا من أقاصي بقاع الأرض من أجل العراقيين البؤساء، ليخرجوهم من ظلام العبودية والقهر إلى نور الحرية والديمقراطية.
ومن أجل هذا يجب على العالم أن يتفهَّم أهمية كل جندي أمريكي موجود على تلك الأراضي، فهو غالي الثمن، ولابد من حمايته والمحافظة عليه، وتهيئة جميع الظروف، وجعلها ملائمة له؛ كي لا ينزعج، فيصل خبر انزعاجه وتذمره لآذان الناخب الأمريكي هناك في البلد الأم، فيؤثر على شعبية فخامة الرئيس التي باتت تتأرجح يوماً بين انخفاض وارتفاع، وكل ذلك يعود لوضعية الجنود في أرض العراق وحالتهم النفسية.
ومن هذا المنطلق فلا بأس حين يجوع أبناء البلد، وتهدّم البيوت فوق رؤوس قاطنيها، من أجل إفزاع وبث الرعب في نفوس جميع من يقطن المنطقة التي خرج منها من حاول المساس بأحد الجنود، فتلك الهجمات الموجهة ضد ذلك الجندي البريء تعد أعمالاً إرهابية يجب القضاء على من يقوم بها.
الظلم والفقر الذي تعيشه معظم بلدان العالم الثالث وتقف منه البلدان الغنية موقف المتفرج، هو السبب الرئيسي للعنف والإرهاب، وحين تحاول تلك البلدان الفقيرة الخروج من الأزمات الاقتصادية التي تمر بها، وتعمل ما بوسعها لاستغلال ثرواتها، تتم محاصرتها، والتضييق عليها؛ بدواعي مكافحة الإرهاب، وغسيل الأموال، ومنع تهريب المخدرات، ومن ثم يتم تعويضها عن ذلك بتقديم قروض مالية طويلة الأجل، ظاهرها مساعدتها وإنقاذها من براثن الفقر، وباطنها زيادة تجويعها وإذلالها، لتبقى مدينة منهوبة الثروات من قبل تلك البلدان المسعورة.
تقول الولايات المتحدة بلسان رئيسها جورج بوش: (مَنْ ليس معنا فهو ضدنا) وهذا نوع من أنواع إهانة وترهيب الشعوب، والإشكال أن لا ينظر إليه من هذا المنظار، بل تكون النظرة أحادية وكما رأتها أمريكا التعاون في مكافحة الإرهاب.
وحين يُطرح السُّؤال: مَنْ هو الإرهابي؟... وما هو الإرهاب؟...
لا تسمع أي إجابة علن ذلك السؤال، سِـوى: كن في صفوفنا الخلفية، واستمع للأوامر، ونفذها فقط، دون إثارة أي بلبلة قد تتسبب في تشتيت أذهان القائمين على تلك الحملات، وتمنعهم من انتقاء أعدائهم بعناية، ومن ثم وصمهم بالإرهاب قبل أن يتم الانتقام منهم وإبادتهم.
من المفاهيم المتعلقة بالإرهابي أنه ذلك الشخص الذي يقتل لمجرد القتل. ولكن حين يقوم أحد الأشخاص مضحياً بنفسه في سبيل قضية يرى أنها تهمّه وتتعلق بمجتمعه ودينه، وأن حياته لا معنى لها دون توفير ذلك المطلب الخاص الذي يسعى من أجله، يوصف مباشرة بالإرهاب. وعلى النقيض تماماً حين يقوم جندي مدجج بالسلاح بقتل طفل بريء، فذلك الفعل الشنيع المنافي للأخلاق والشرائع والقوانين الدولية يسمى دفاعاً عن النفس وليس إرهاباً.
من خلال ذلك يتضح لنا أن من أهم الأسباب المشجعة على تفشي ظاهرة الإرهاب في شتى بقاع الأرض هي تلك الاستراتيجيات التي يدار بها العالم، والازدواجية في الرؤى والمعيار التي تنتهجها الدول العظمى في مسلكها الأحادي الجانبي، وفي طريقتها الاستبدادية في فرض الآراء وتعميمها على الجميع، ومعاقبة المخالف اقتصادياً أو عسكرياً، وإثارة القلاقل التي ينتج عنها فتن وخصومات سياسية ونزاعات مذهبية وعقائدية تكون نواةً لحروب أهلية لا تنتهي. |
|