"أمير العبيد"
(عبد الرحمن إبراهيم بن سوري)
الشيء الذي لا يعرفه الكثيرون منّا -أو الذي لا يريد لنا الكثيرون أن نعرفه- أن حكاية العبيد في أمريكا ما هي إلا فصلٌ من فصول الصراع الإسلامي الصليبي الطويل الأمد.
فَجُلُّ العبيد الذين استقدمتهم إنجلترا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال ما هم إلا إخوان لنا على مِلّةِ الإسلام.
قامت تلك الدول باستعبادهم من دول الغرب الأفريقي التي دخلها الإسلام طواعيةً بفضل الدُّعَاةُ من العرب والبربر.
ولعل الشيخ البطل أبو بكر اللنتوني كان مثالًا حيًا من هؤلاء المسلمين، وشتان ما بين الإسلام وبين أولئك المجرمين.
فالإسلام العظيم دخل قلوب الأفارقة بعد أن رأوا ما فيه من العدل والسواسية بين البشر، أما أولئك القتلة فكانوا يُغِيرُونَ على القرى الآمنة للأفارقة في عتمة الليل، ليحرقوا أكواخهم بالنيران، ومن ثَمَّ يُلْقُونَ شباكهم على المستضعفين من السُّود الذين هربوا من ألسنة اللهب، ليجدوا أنفسهم في شباك البيض الأوروبيين.
لينقلهم هؤلاء القتلة في سجونٍ في قيعان السفن، ليموت أكثر من نصفهم في رحلة العذاب عبر الأطلسي، قبل أن يتخلّص البيض من جثثهم برميها في أعماق بحر الظلمات، لتكون طعامًا لوحوش البحر، بعد أن كانت ضحية لوحوش البشر!
أما مَنْ بقي حيًا من أولئك الأفارقة المساكين، فقد كانت حياتهم أصعب من الموت نفسه، فالميّت يموت ميتة واحدة، أمَّا هؤلاء فكانوا يموتون في اليوم ألف مرة.
فيوم العبد عند سيده الأبيض كان يبدأ من شروق الشمس، وينتهي مع غروبها، يتخلل ذلك العمل الشاق... ثم العمل الشاق... ثم العمل الشاق!
فيظل العبد الأفريقي المسلم يعمل عند أولئك السفلة حتى يموت من العذاب أو قلة الغذاء.
إنسانٌ واحدٌ فقط استطاع النجاة ليروي للإنسانية قصة العبودية بكتاباته التي كان يكتبها بالعربية التي تعلمها في صغره عندما كان يدرس في مسجد مدينة "تمبو" في دولة "غينيا" الإفريقية.
هذا البطل الإسلامي الذي لا يعرفه أحَدٌ مِنَّا، قام بتسجيل حكايات العبيد المؤلمة في أوراقٍ كان يخبؤها عن سيده الأبيض النصراني، لتكون هذه الكتابات المرجع الرئيسي الأول لقصة العبودية التي أقدم عليها النصارى الأوروبيون بحق الأفارقة المسلمين.
وحسبُك أن تعلم أن جميع المباني المهمة في أوروبا وأمريكا ما هي إلا أبنية اختلطت مادة بنائها بعرق العبيد السود ودمائهم.
ولك أن تعلم أن "البنك المركزي البريطاني" أقدم بناءٍ في وسط العاصمة الإنجليزية "لندن"، والذي لا يزال في موقعه إلى الآن، هو أول بناءٍ على وجه الأرض اختلطت أحجاره بدماء الأفارقة السود المسلمين الذين استقدمتهم إنجلترا من سواحل السنغال المسلمة.
و"سكة الحديد الأمريكية" الأكبر في العالم، والتي تربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي، بُنيت على جثث عشرات الآلاف من الأفارقة المسلمين الذين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يمتلكون لون بشرة يختلف عن لون بشرة أولئك المرضى العنصريين، ولا ذنب لهم إلا أنهم اختاروا أن يعبدوا اللَّه على عبادة الصليب!
وبطلنا العظيم عبد الرحمن إبراهيم بن سوري لم يُخلق عبدًا مسلوب الإرادة، بل وُلد هذا البطل المسلم أميرًا على مملكة غينيا الإسلامية، قبل أن يستيقظ في ليلة من الليالي الآمنة لصلاة الفجر، ليجد أن الإنجليز أحرقوا مدينته بالكامل، ليتفاجأ هذا الأمير الأفريقي النبيل بأنه قد أصبح عبدًا بين ليلة وضحاها، قبل أن يقتاده تُجَّارُ البشر الإنجليز بسفنهم عام 1788م إلى ولاية "أوهايو" الأمريكية.
ليعمل عبدًا بالسُّخْرَةِ عند مزارع تبغ أبيض نصراني يُدعى (توماس فوستر)، ليعمل عنده عبدًا ليس لسنة أو سنتين بل لـ 40 سنة ماتت فيها زهرة شبابه، ولم يذق فيها طعمًا للراحة.
وعلى الرغم من حياة العبودية القاسية التي عاشها هذا البطل الإسلامي العظيم، فإنه كعادة عظماء أمة الإسلام لم يرضخ للواقع، بل اتجه إلى العبيد من أبناء جلدته ليُعلمهم قراءة القرآن بالعربية، وليصبح إمامًا للمسلمين في ولاية اوهايو الأمريكية، حتى ذاع صيته بين صفوف العبيد في الولايات المتحدة الأمريكية بأسرها، قبل أن يطلب الرئيس الأمريكي (جون كوينسي آدمز) مقابلته شخصيًا سنة 1828م، ليستمع منه إلى قصته العجيبة التي ذاعت في أرجاء الولايات المتحدة، فيصدر أمرًا رئاسيًا هو الأول من نوعه في تاريخ أمريكا بتحرير عبد الرحمن إبراهيم بن سوري.
فهل عاد هذا البطل إلى بلاده ليتسلم عرش المُلك بعد موت أبيه؟!
أبداً... لقد آثر هذا البطل الإسلامي الشَّهم البقاء بين إخوانه السُّود الأفارقة، ليتنقل من ولايةٍ أمريكية إلى أخرى يُعَلِّمَ الأفارقة دينهم الذي أنْسَوْهُ بالقوة!
وليقيم لهم المحاضرات التعليمية عن معنى الحرية، ومعنى السواسية في الإسلام، وليعيد هذا البطل الإسلامي لوحده إحياء دين الإسلام من جديد بين صفوف الأفارقة الذين أجْبِرُوا من قِبَلِ أسيادهم على التنصر.
وعندما أحس هذا البطل الشَّهم بدنو أجله، ركب سفينة قاصدًا وطنه غينيا، فكان أول شيءٌ يصنعه عند نزوله من السفينة هو صلاته للَّه صلاة الشكر، قبل أن يبحث عن أمه، ليرتمي في أحضانها كالطفل وهو شيخُ ناهز السابعة والستين من عمره.
ولتنزل دموعه على وجنتيه كشلالات متدفقة من الذكريات، ولتختلط تلك الدموع بدموع أمه التي فقدت بصرها حزنًا عليه.
وما هي إلا أيام حتى تُوفي البطل الحر عبد الرحمن إبراهيم بن سوري وهو يتنقل في الحدائق الخضراء التي كان يلعب بها صغيرًا مع الأطفال قبل أن يأتيه أولئك السَّفلة المجرمون ليدمّروا حياته.
وللأسف... استمرت هذه الأوضاع المأساوية للعبيد في أمريكا لعشرات السنوات...
حتى خرج للعالم عظيم آخر من عظماء أمة الإسلام...
ليُعلن ثورة تحرير العبيد، بعد مئات السنين من الظلم والاستعباد!
يتبع...
يتبع إن شاء الله...