أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الإسلام وغزو الفضاء الأربعاء 12 ديسمبر 2012, 12:47 am | |
| الإسلام وغزو الفضاء: يرى بعض الجهلة أن محاولات الإنسان لغزو الفضاء فيه زعزعة للدين، وتمرد على الخالق الذي أوجد الإنسان.
كما يرون أن هذه المحاولة لم تكن في حساب الدين ولم يشر إليها مطلقاً، الأمر الذي يوجد الحيرة في نفوس المتذبذبين القاصري الفهم؛ فلا يدرون كيف يحددون موقفهم أمام هذه المحاولة!!
والواقع أن تطلع الإنسان إلى استكشاف هذا الكون ليس فيه ما يزعزع العقيدة الصحيحة في نفس الإنسان، وليس تمرداً على دين الإسلام بل إن فيها في الحقيقة معجزة لنبيه عليه الصلاة والسلام وتصديقاً لما جاء في كتابه العزيز عن إحاطة الله سبحانه بكل ما كان وسيكون من أمر الإنسان قال تعالى: "يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)" سورة الرحمن: 33.
وقال تعالى: "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِين (5)" سورة الملك من 5.
فإذا عرفنا أن النجوم لا تزال في مجال السماء الدنيا أي السماء القريبة من الأرض، وإذا عرفنا أيضاً أن علم الإنسان لا يزال محصوراً في نطاق النجوم التي هي زينة السماء الدنيا، وأن المحاولات مستمرة في اكتشاف نجوم جديدة مهما كبر الإنسان أجهزة الرصد لديه مع العلم أن بيننا وبين بعض هذه النجوم مسافة لا يقطعها الضوء إلا في ستة بلايين سنة ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلثمائة ألف كيلو متر فإذا عرفنا هذا وتأملنا القرآن الكريم وجدناه يخبر قبل أربعة عشر قرناً بأن الإنسان سيحاول النفاذ والخروج من أقطار السموات والأرض، كما حاول الجن من قبلهم ولم يستطيعوا تجاوز المنطقة الحرام التي يسترقون فيها السمع من الملأ الأعلى، وأشار القرآن إلى أن المحاولة لن تكون إلا عندما يكون لدى الإنسان سبب يمكنه من النفاذ، ووسيلة بها يصعد في السماء، وليس ذلك السبب أو الوسيلة إلا نعمة من نعم الله.
قال تعالى: "يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)" سورة الرحمن: 33.
"فَبِأَيِّ آلِاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" كما أخبر القرآن أن المحاولة ليست فرضاً وإنما ستكون فعلاً ولكنها لن تنجح حتى يتمكن الإنسان من الخروج من نواحي وجهات السموات السبع، بل إن المحاولة ستمنع عند مكان معين وستفشل بفعل شروط النار والنحاس اللذين يرسلهما الله سبحانه قال تعالى بعد الآيتين السابقتين: "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ".
غير أن الآية لم تحدد المكان الذي ستنطلق منه هذه الرجوم السماوية بمهاجمة الإنسان منه عند محاولته اختراق أقطار السموات السبع.
علماً بأن الآيات في سورة الجن قد بينت الحدود المحرمة التي وصل إليها الجن من قبلنا.
وهم الذين أشركوا مع الإنسان في الخطاب الذي حكته الآيات السابقة.
فآيات سورة الجن بينت أن الجن من قبلنا قد قعدوا مقاعد في السماء لاستراق السمع من الملأ الأعلى قال تعالى حاكياً عن الجن: "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)" سورة الجن: 8، 9.
وإذن فالمجال أمام الإنسان مفتوح لغزو الفضاء، وله أن يتخذ من القمر أو المريخ أو غيرهما من الكواكب مقاعد.
حتى إذا بلغ به الأمر أن يصل إلى منطقة يتمكن فيها من استراق السمع من الملأ الأعلى فلا شك أنه عندئذ سيجد ما وجد سلفه الجن شهاباً رصداً: "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ" وبهذه الآيات يكون القرآن أول من أخبر عن احتمال أو إمكان غزو الإنسان للفضاء في وقت كان فيه الغزو أمراً مستعجلاً، مما يشهد شهادة قاطعة بأن هذا القرآن وحي الله الذي يعلم السر في السموات والأرض.
كروية الأرض ودورانها: هناك من يقول: إن القرآن قد وصف الأرض بأنها مسطحة. بينما أثبت العلم أنها كروية، فقد جاء في القرآن قوله تعالى: "وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ" كما أن القرآن لم يخبر بدوران الأرض، ومثل هذا القول لا يدل على عمق في تدبر آيات القرآن الكريم، ولهذا فلا بد من نظرة تأمل عميقة لقول الله عز وجل: "أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأرضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)" سورة الغاشية: 17 - 20. فهذه الآيات تحث الإنسان على التفكر والتدبر في الكيفية التي تخلق بها الإبل، والكيفية التي رفعت بها السماء، والكيفية التي نصبت بها الجبال، والكيفية التي سطحت بها الأرض.
والآية صريحة في حض الإنسان على التأمل والتفكر في مواضيع هامة تعرف اليوم بعلوم الحيوان، والفلك، والجيولوجيا، والجغرافيا، والإشارة إلى سطح الأرض في الآية حث على التفكر في الكيفية التي نسق بها كل ما على سطح الأرض: من بحار، ويابس، وجبال، ووديان وعيون وأنهار، وصحاري، وجليد، ومناطق حارة ومناطق باردة، وغير ذلك من خصائص سطح الأرض، فالحث على التفكر في سطح الأرض ليس فيه معنى يدل على عدم كروية الأرض، بل إن أكثر من آية قرآنية تدل بوضوح على أن الأرض ذات سطح كروي، قال تعالى: "يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا (54)" سورة الأعراف: 54.
وقال سبحانه: "وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)" يس: 40.
ومن هاتين الآيتين يعرف أن الليل والنهار يجريان في تتابع بحيث لا يسبق أحدهما الآخر، وأن كلاً منهما يحل محل الآخر، ومن المعلوم أن هذا التتابع على الأرض، وعليه فإما يكون هذا التتابع في خط مستقيم أو في خط دائري، فإذا كان تتابع الليل والنهار في خط مستقيم، فإنه لن يحدث على وجه الأرض إلا ليل واحد، ونهار واحد مما يجعل التتابع على وجه الأرض المشار إليه مستحيلاً، وإذاً: لا يمكن إلا أن يكون تتابع الليل والنهار على الأرض في شكل دائري كما يشير إليه بدقة قوله تعالى: "يُقَلِّبُ اللُّه اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"، والتقليب يعني الدورة بشكل دائري لا السير في خط مستقيم ويزيد الأمور وضوحاً قوله تعالى: "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (5)" سورة الزمر: 5.
ولا يكون تكوير إلا على سطح كروي دائري، ومن المعلوم أن الليل والنهار يكوران على الأرض.
ومن هذه الآيات تتضح لنا الصورة الكروية للأرض والتي لم تعرف إلا في هذا الزمان، وصدق الله العظيم القائل: "وَقُلْ الْحَمْدُ لله سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا"، وقال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" أما دورة الأرض فيوضحها قوله تعالى: "وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا"، والدحو لغة: الدحرجة.
والدحرجة تعني الدوران. وقد رأى بعض المفسرين أن قوله تعالى: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَر َّالسَّحَابِ صُنْعَ اللِّه الَّذِي أَتْقَنَ كُل شَيْءٍ (88)" سورة النمل: 88.
إشارة صريحة إلى أنه دوران الأرض، وأنكروا أن يكون ذلك يوم القيامة، لأنه لا يبعث الإنسان إلا بعد أن تكون الأرض قاعاً صفصفاً فلا يتمكن من الرؤية فيها.
قال تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا (107)" سورة طه: 105 - 107.
الشمس تجري: ظن علماء القرن الثامن عشر والتاسع عشر أن الشمس ثابتة لا تتحرك وتبعهم بعض المرتابين في دينهم وتشككوا في قوله تعالى: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)" سورة يس: 38.
حتى جاء التقدم العلمي فكشف خطأ ما ذهب إليه علماء القرنين الماضيين، وأثبت أن الشمس تجري حول مركز المجرة التي تعتبر أرضنا جزءاً منها، والتي تدور كما يدور الرحى.
فعرفنا بذلك شيئاً من معنى قوله تعالى: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا" كما ثبت أخيراً أن للشمس حركة حول نفسها فهي تجري ولكن حول نفسها.
وقد يكون للآية معان كثيرة غير ما اتضح حتى الآن.
أرنا الله جهرة: وهذا مرتاب آخر يؤمن بعقله وبالجاذبية، وأمواج الراديو، وبوجود من صنعوا الآلات المختلفة وهو لم ير شيئاً مما سبق، وحين نوقش في قضية الإيمان بالله اشترط أن يرى الله لكي يؤمن به لا يؤمن -حسب زعمه- إلا بما يرى.
فإذا سألته، وكيف آمنت بما سبق الإشارة إليه؟ أجابك: لأني لمست آثارها أو سمعت عنها من مصادر موثوقة.
فلو سألته: ولماذا آمنت بها دون أن تراها؟ لأجابك بأن بصره محدود في مجال عمله وقدرته، ولا يستطيع الإحاطة برؤية كل شيء.
ولو أن مثل هذا الإنسان فكر بعقل ووعي لأدرك أن لله علامات وآثاراً في مخلوقاته تدلنا عليه، كما دلنا تحرك الأجسام إلى أسفل نحو الأرض على جاذبيتها، ودلتنا عليه، تصرفات الإنسان العاقلة على عقله، بالإضافة إلى أن لله رسلاً أظهروا بينات صدقهم فصدقناهم وآمنا بربنا.
فمن اغتر ببصره وأصر على أنه يريد أن يرى الله فيجرب النظر مدة دقيقة إلى الشمس وهي في كبد السماء وسيجد أنه لا يتحمل ذلك، فإذا كان بصره لا يحتمل نور الشمس فكيف يحتمل رؤية من هو نور السموات والأرض؟!
عذاب القبر بعد احتراق الجثة: وقد تساءل بعض الناس قديماً عن عذاب القبر الذي يكون على الميت الذي أكلته السباع أو أحرقته النار أو غرق في البحر، وقد أجاب علماء المسلمين على ذلك:
بأن ذلك أمر لا يعجز القدرة الإلهية؛ فإن الروح بعد أن تفارق الجسد تعود لتتصل به أحياناً فيكون النعيم أو العذاب وقد يكون بكل الأجزاء أو ببعض الأجزاء ولو كانت تلك الأجرام قد فتتت على وجه الأرض أو أحرقت وسحقت ونسفت في الهواء، فليس على الله ببعيد أن يصل الروح مرة ثانية في كل جزء من الأجزاء، وإذا كنا نشاهد اليوم من أنه قد أصبح في مقدور الإنسان أن ينقل نبرات صوته إلى كل مذياع (راديو) يوجد على مسافات بعيدة على وجه الأرض وأين ما كان ذلك المذياع في داخل البيوت أو الطائرات أو الغواصات تهتز كلها في لحظات وجيزة بنبرات واحدة.
كما أن بعض العلماء كابن حزم وابن هبيرة قد قالا: العذاب يكون على الروح التي تفارق الجسد فقط، وإذن فلا محل للسؤال وفقاً لهذا المذهب إلا أن جمهور العلماء قد اتفقوا على أن العذاب بعد الموت يكون على الجسد والروح معاً.
وإن كنا لا ندرك أثر العذاب فليس ذلك إلا كاختفاء آلام النائم وعذابه أو فرحه وسروره وبالرغم من أنا لا نشاهد عليه أثراً مشاهداً.
قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وهذا سؤال يردده المتشككون من قديم وهو: كيف يبعث الله رجلين أكل أحدهما الآخر، كيف يكون الحساب لكل منهما؟
والجواب: أن قدرة الله لا يعجزها شيء، ذلك إيمان المسلم بربه، غير أن الله قد بين للذين يتشككون فقال سبحانه: "بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)" سورة ق: 2- 4.
وهذه الآية تنطق بأن الأرض تأكل من الأجسام، ومعنى ذلك أنه ربما تحول بعض تلك الأجسام إلى نبات ثم إلى غذاء ثم إلى جسم شخص آخر، لكن القرآن يوضح أن هناك كتاباً (55) يعلمه الله يحفظ كيان إنسان مستقلاً غير متداخل بغيره.
كما أن الرسول قد أخبر بأن عجب الذنب لا يبلى؛ أي لا تأكله الأرض ولا الدود، وقد يكون الذي لا يبلى من عجب الذنب جزءاً صغيراً جداً يحتوي على كل خصائص الإنسان فيكون ذلك الجزء الصغير هو لما أشارت إليه الآية، ويكون هذا الجزء في الإنسان بمثابة تلك البذرة الصغيرة للشجرة الكبيرة، فقد تنتهي الشجرة الضخمة بفروعها وأوراقها وجذورها وتبقى تلك البذرة الصغيرة سليمة حتى إذا نزل المطر أنبتت وأعادت تلك الشجرة الضخمة وكذلك الإنسان قال تعالى: "يُخْرِجُ الْحَي َّمِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ".
فينزل الله مطراً يوم القيامة كما جاء في أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فتنبت هذه الأصول الإنسانية التي لم تبل بريح أو مطر أو نار أو غير ذلك وينبت منها الإنسان كما تنبت الأشجار.
ولا عجب أن يكون الإنسان مخزوناً بكل صفاته في حجم صغير جداً كالبذرة أو الخلية أو ما هو أصغر؛ فإننا قبل أن نولد قد كنا مخزنين في تلك الحاملات الوراثية الصغيرة التي يقول عنها العلم اليوم: وتبلغ (الجينات وحدات الوراثة) من الدقة أنها وهي المسئولة عن المخلوقات البشرية جميعها التي على سطح الأرض من حيث خصائصها الفردية وأحوالها النفسية وأجناسها لو جمعت ووضعت في مكان واحد لكان حجمها أقل من حجم الكستبان (الكستبان: هو ذلك الغطاء المعدني الذي يضعه الخياط على إصبعه).
وخلاصة القول: أن الله قادر على كل شيء، كما لا يعجزه الإبقاء على شخصية كل إنسان مستقلة من كتاب حفيظ قد يكون في عجب الذنب وحده، وقد يكون شيئاً آخر بجانب عجب الذنب لا تؤثر فيه عوامل الإفساد والتحلل، ومنه يعود تكوين الإنسان مرة ثانية: "والله على كل شيء قدير".
ظنون دارون وأسباب انتشارها الدين الباطل: عندما حرَّف النصارى دينهم، وبدلوا ما أنزل الله إليهم أرسل الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لهداية الناس، وتصحيح ما حرَّف النصارى، وبيان ما بدلوا فآمنت طائفة منهم، وكفرت طائفة ولم يزل النصارى على باطلهم حتى أذن الله أن يكشف ذلك الباطل من الدين الذين هم عليه على يد جماعة منهم، وكان ما شاء الله، فخرجت طائفة من علماء الطبيعة على قومهم تنادي فيهم أن علومهم الطبيعية قد كشفت زيف ذلك الدين وباطله لكن هذه الطائفة لم تنج من بطش القسيسين، ولا من إيذاء الكنيسة التي حكمت عليهم إما بالحرق أو إهدار الدم أو السجن.
وهكذا نشبت معركة حامية قاسية بين رجال الدين الباطل، وعلماء الطبيعة استخدم كل فريق منهم كل حيلة، وشهر كل سلاحه في وجه خصمه، وفي خضم هذه المعركة القاسية ظهر (دارون) بنظرية التطور.
نظرية التطور: تزعم هذه النظرية أن أصل المخلوقات حيوان صغير نشأ من الماء ثم أخذت البيئة تفرض عليه من التغيرات في تكوينه مما أدى إلى نشوء صفات جديدة في هذا الكائن، أخذت هذه الصفات المكتسبة تورث في الأبناء حتى تحولت مجموعة هذه الصفات الصغيرة الناشئة من البيئة عبر ملايين السنين إلى نشوء صفات كبيرة راقية جعلت ذلك المخلوق البدائي مخلوقاً أرقى، واستمر ذلك النشوء للصفات بفعل البيئة والارتقاء في المخلوقات حتى وصل إلى هذه المخلوقات التي انتهت بالإنسان.
أساس النظرية: 1- تعتمد النظرية على أساس ما شوهد في زمن (دارون) من الحفريات الأرضية فقد وجدوا أن الطرقات القديمة تحتوي على كائنات أولية وأن الطبقات التي تليها تحتوي على كائنات أرقى فأرقى.
فقال (دارون) إن تلك الحيوانات الراقية قد جاءت نتيجة للنشوء والارتقاء من الحيوانات والكائنات الأولى.
2- وتعتمد أيضاً على ما كان معروفاً في زمن (دارون) من تشابه جميع أجنة الحيوانات في أدوارها الأولى، مما يوحي بأن أصل الكائنات واحد كما أن الجنين واحد وحدث التطور على الأرض كما يحدث في أرحام الكائنات الحية.
3- كما تعتمد النظرية على وجود الزائدة الدودية في الإنسان التي هي المساعد في هضم النباتات وليس لها الآن عمل في الإنسان مما يوحي بأنها أثر بقي من القرود لأنها بدورها في حياة القرود الآن.
شرح (دارون) لعملية التطور وكيف تمت 1- الانتخاب الطبيعي: تقوم عوامل الفناء بإهلاك الكائنات الضعيفة الهزيلة، والإبقاء على الكائنات القوية، وذلك ما يسمى بزعمهم بقانون (البقاء للأصلح) فيبقى الكائن القوي السليم الذي يورث صفاته جديدة في الكائن وذلك هو (النشوء) الذي يجعل الكائن يرتقي بتلك الصفات الناشئة إلى كائن أعلى وهكذا يستمر التطور، وذلك هو الارتقاء.
2- الانتخاب الجنسي: وذلك بواسطة ميل الذكر والأنثى إلى التزاوج بالأقوى والأصلح، فنورث بهذا صفات الأصلح، وتنعدم صفات الحيوان الضعيف لعدم الميل إلى التزاوج بينه وبين غيره.
3- كلما تكونت صفة جديدة، ورثت في النسل تفنيد الأساس الذي قامت عليه النظرية: 1- علم الحفريات لا يزال ناقصاً فلا يدعي أحد أنه قد أكمل التنقيب في جميع طبقات الأرض وتحت الجبال والبحار، فلم يجد شيئاً جديداً ينقض المقررات السابقة. وعلى فرض ثبات مقررات هذا العلم فإن وجود الكائنات الأولى البدائية أولاً، ثم الأرقى ليس دليلاً على تطور الكائنات الراقية من الكائنات الأدنى، بما هو دليل على ترتيب وجود هذه الكائنات فقط عند ملاءمة البيئة لوجودها على أي صورة كان هذا الوجود، وإذا كانت الحفريات في زمن (دارون) تقول: إن أقدم عمر للإنسان هو ستمائة ألف سنة فإن الاكتشافات الجديدة في علم الحفريات قد قدرت أن عمر الإنسان يصل إلى عشرة ملايين من السنين.
أليس هذا أكبر دليل على أن علم الحفريات متغير لا يبنى عليه دليل قطعي، وأنه قد يكشف في الغد من الحقائق عكس ما كنا نؤمل؟ وليس هناك دليل على أن الظروف الطبيعية تنشيء صفات جديدة متسقة محكمة كما أن علم الحفريات (على افتراض صحة وثبات الترتيب الذي فيه) فإنه يعطي نتيجة واحدة هي: أن الحيوان الأرقى جاء في الحيوان الأدنى.
فمثلاً لو أن باحثين في طبقات الأرض جاءوا بعدنا بعد مليون عام، فعثروا في الطبقات الأولى على بقايا عربة يد، وفي الثانية بقايا عربة خيل، وفي الثالثة بقايا سيارة حديثة، وفي الخامسة بقايا طائرة حديثة، وفي السابعة بقايا صاروخ، وفي الثامنة بقايا سفينة فضائية، فهل يدل هذا الترتيب الزمني في الظهور على أن عربة اليد قد تطورت بفعل الظروف الطبيعية إلى سفينة فضاء؟
أم أن هذا الترتيب الزمني يدل فقط على أن عربة الخيل جاءت بعد عربة اليد، وليس منها.
وكذلك الترتيب الزمني لوجود الكائنات الأرقى بعد الأدنى لا يدل على أن الأرقى جاء بعد الأدنى ولا يدل على أنه تطور منه كما زعم دارون.
يقول (البروفيسور كيث): إننا لا نستطيع أن ننسب الإنسان إلى أي من هذه الأنواع.
أما البروفيسور (و. برانكو) فيقول: إن علم (الباليونتولوجيا) لا يعرف للإنسان أسلافاً، إن ما يسمى بإنسان جاوه الذي اكتشفه (دبوا سنة 1891م) ليس الذي يدندن حوله النشوئيون وليس كما يصفه النشوئيون فلقد أثبت (البروفيسور فيرشو) في المؤتمر الثالث الذي انعقد في (ليد) بأن عظمة الجمجمة التي تنسب إلى إنسان جاوه ما هي إلا قطعة من جمجمة شمبانزي وأن عظمة الفخذ هي الرجل.
أما إنسان (بيلتدون) فقد جمع من شظايا جمجمة إنسان، وفك من بقايا شمبانزي كما أثبت ذلك التقرير الذي وضعه البروفيسور (هردليكا) أما (أرثر كيث) فقد أكد أن ضم هذه الشظايا يفترض أنها لمخلوق لا يستطيع أن يتنفس أو يأكل، ويؤكد البروفيسور فيرشو أن فكرة القرد -الإنسان- هي محض خرافة.
يقول الدكتور (سوريال) في كتابه (تصدع مذهب دارون): 1 - إن الحلقات المفقودة ناقصة بين طبقات الأحياء، وليست بالناقصة بين الإنسان وما دونه فحسب، فلا توجد حلقات بين الحيوانات الأولية ذات الخلية الوحيدة والحيوانات ذوات الخلايا المتعددة، ولا بين الحيوانات الرخوة ولا بين المفصلية، ولا بين الحيوانات اللافقرية والفقرية، ولا بين الأسماك والحيوانات البرمائية، ولا بين الأخيرة والزواحف، والطيور، ولا بين الزحافات والحيوانات الأديمية وقد ذكرتها على ترتيب ظهورها في العصور الجيولوجية.
ويقول الكونت دي نوي: (كل مجموعة، كل فصيلة تبدو وكأنها جاءت إلى الوجود فجأة إننا لم نعثر على أي شكل انتقالي، ومن المستحيل أن نسبب أي مجموعة حديثة إلى أخرى أقدم).
يقول الدكتور (جمال الدين الفندي) أستاذ الفلك في كلية العلوم بجامعة القاهرة: (إن من الأدلة التي تنفي نظرية دارون أن عمر الأرض كما قدره الفلكيون والطبيعيون لا يربو على ثلاثة بلايين سنة بينما يقدر علماء الحياة أن المدة اللازمة لتطور الأحياء على الأرض إلى حين عصور الحياة القديمة تزيد على سبعة بلايين سنة بمعنى أن عمر الأرض لا بد أن يكون عشرة بلايين سنة أي ضعف عمر الشمس.
2 – تشابه أجنة الحيوانات: ذلك خطأ كبير وقع فيه نتيجة لعدم تقدم الآلات المكبرة التي تبين التفاصيل الدقيقة التي تختلف بها أجنة الحيوانات بعضها عن بعض في التكوين والتركيب والترتيب، إلى جانب التزييف الذي قام به واضع صور الأجنة المتشابهة العالم الألماني (أرنست هيكل) فإنه أعلن بعد انتقاد علماء الأجنة له أنه اضطر إلى تكملة الشبه في نحو ثمانية في المائة من صور الأجنة لنقص الرسم المنقول.
وقال: (عدداً من رسومي كانت تزويراً محضاً.. وإن مئات من علماء الحيوان قد ارتكبوا نفس الخطيئة) جاء هذا في مجلة (الجماين زيتونج ميونخ).
3 – أما وجود الزائدة الدودية في الإنسان كعضو أثري للتطور القردي فليس دليلاً قاطعاً على تطور الإنسان من القرد، بل يكون سبب وجودها هو وراثتها من الإنسان الجد الذي كان اعتماده على النباتات، فخلقت لمساعدته في هضم تلك النباتات. ولقد عرف أخيراً أن الزائدة تقوم بوظيفة صمام أمن ضد العفونات في الأمعاء.
كما أن العلم قد يكشف أن لها حكمة أخرى لا تزال غائبة عنا حتى اليوم.
فالعلم كل يوم إلى ازدياد، وإذا كانت الخنوثة صفة من صفات الكائنات الأولية الدنيا، والزوجية من خصائص الكائنات الراقية، فإن الثدي من أمارات الأنوثة، ونجد الفيل الذكر له ثدي كما للإنسان، في حين ذكور وذوات الحافر كالحصان والحمار لا ثدي لها إلا ما يشبه أمهاتها.
فكيف بقي أثر الخنوثة في الإنسان، ولم يبق فيما هو أدنى منه؟ مع أن (دارون) يزعم أن الإنسان تطور مما هو أدنى منه.
ويقول البروفيسور (أ.س . جودريتش) من جامعة أوكسفورد: (من الحماقة القول بأن أي جزء من جسم الإنسان لا فائدة له).
تنفيذ شرح دارون لعملية التطور: 1 – يقول (دارون): إن هناك ناموساً أو قانوناً يعمل على إفناء الكائنات الحية فلا يبقى إلا الأصلح الذي يورث صفاته لأبنائه فتتراكم الصفات القوية حتى تكون حيواناً جديداً.
وحقاً هناك نظام وناموس وقانون يعمل على إهلاك الكائنات الحية جميعها قويها وضعيفها، لأن الله قدر الموت على كل حي، إلا أن نظاماً وناموساً يعمل بمقابلة هذا النظام، ذلك هو قانون التكافل على الحياة بين البيئة والكائن؛ لأن الله قدر الحياة فهيأ أسبابها، فنجد الشمس والبحار والرياح والأمطار والنبات والجاذبية كل هذه وغيرها تتعاون للإبقاء على حياة الإنسان وغيره من الحيوانات، فالنظر إلى عوامل الفناء وغض النظر عن عوامل البقاء يحدث خللاً في التفكير، فإذا كان هناك سنة للهلاك فهناك سنة للحياة ولكل دور في هذه الحياة، وإذا كانت الظروف الطبيعية: من رياح ورعد وحرارة وماء وعواصف وغيرها قادرة على تشويه الخلق أو تدمير صنعه، كطمس عين أو تهديم بناء فإنه من غير المعقول أن تقدر هذه الظروف الطبيعية الميتة الجامدة البليدة أن تنشئ عيناً لمن لا يملك عيناً، أو تصلح بناء فيه نقص.
إن العقل يقبل أن تكون الظروف الطبيعية صالحة لإحداث الخراب والهلاك، لكنه من غير المعقول أن تكون هذه الظروف صالحة لتفسير الخلق البديع والتصوير والتكوين المنظم المتقن.
إن أي عضو من أعضاء الكائنات الحية قد رسم بإتقان، وكون بنظام، ورتبت أجزاؤه بحكمة بالغة محيرة، ونسق عمله مع غيره في غاية الإبداع.
ومن المحال أن ينسب ذلك الإتقان والنظام البديع إلى خبط الظروف الطبيعية العشواء.
ويقول البروفيسور لوك من جامعة (كمبردج): (إن الاختيار سواء كان طبيعياً أو صناعياً لا يمكن أن يخلق شيئاً جديداً).
قال (جمال الدين الأفغاني) في كتابه (الرد على الدهريين) بعد نقاش لهذه النظرية: (وبعد ذلك فإني سائلهم كيف اطلع على جزء من أجزاء المادة مع انفصالها على مقاصد سائر الأجزاء وبأية آلة أفهم كل منها باقيها بما ينويه من مطلبه؟ وأي برلمان أو سينات -مجلس الشيوخ- عقدت لإبداع هذه المكونات العالمية التركيب البديعة التأليف؟
وأنى لهذه الأجزاء أن تعلم وهي في بيض العصفور ضرورة ظهورها في هيأة الطير يأكل الحبوب، فمن الواجب أن يكون له منقار وحوصلة لحاجته في حياته؟!
إن هذا المبدأ الذي أطلقه (دارون): (البقاء للأصلح) قد دمر الحياة البشرية، لأنه أعطى المبرر لكل ظالم فرداً كان أو حكومات، لأن الظالم وهو يمارس غضبه وظلمه وحربه ومكره لا يمارس رذائل خلقية إنما هو يمارس قانوناً من قوانين الفطرة كما زعم (دارون) إنه يمارس قانون البقاء للأصلح وذلك الزعم هو الذي أعطى حركة (الاستعمار كل بشاعته).
2 – أما الانتخاب الطبيعي الذي يكون به الميل في التناسل بين الأفراد القوية مما سبب اندثار الأفراد الضعاف، وبقاء الأقوى فليس ذلك دليلاً على حدوث تطور في النوع، بل يفهم منه بقاء النوع من نفس النوع اندثار النوع الضعيف.
أما إذا قيل: بأن تطوراً يحدث على كائن ما فإنه يحدث فيه فتوراً جنسياً لأن الألفة بين الذكور والإناث تنقص بقدر التباعد والاختلاف بينهما في الشكل.
ذلك ما يقوله (دويرزانسكي) أشهرا المختصين بالجيولوجية النوعية عام 1958م بعد قرن من (دارون): المخالفة في الشكل تضعف الميل التناسلي منه، فالميل إلى التناسل يضعف بين الأشكال والأنواع المختلفة بقدر ذلك الاختلاف.
وليس صحيحاً أن الصفات الحسنة في فرد من الأفراد تنقل بواسطة الوراثة، فمثلاً هذا الحداد قوي العضلات لا تنتقل قوة عضلاته إلى ذريته، كما أن العالم الغزير العلم لا ينتقل علمه بالوراثة إلى أبنائه.
3 – أما القول بحدوث نشوء لبعض الخصائص والصفات العارضة ثم توريثها في النسل فذلك ما يرفضه علم الوراثة الحديث. فكل صفة لا تكمن في الناسلة ولا تحتويها صبغة من صبغاتها فهي صفة عارضة لا تنتقل إلى الذرية بالوراثة.
يقول الأستاذ (نبيل جورج) أحد ثقات هذا العلم: إن الانتخاب الطبيعي لأجل هذا لا يصلح لتعليل مذهب النشوء أو مذهب التطور لأنه يعلل زوال غير الصالح ولا يعلل نشأة المزايا الموروثة بين الأفراد، والقائلون بالطفرة يقصدون أن الحيوان الذي لم يكن له عين، فجأة بواسطة بعض الأشعة تكون له تلك العين!
فقد ثبت لدى المختصين أن الأشعة السينية تغير العدد في الناسلات لكن أثر الأشعة تغيير لما هو موجود لا لإنشاء ما ليس له وجود، فعدد ناسلات القرد غير عدد ناسلات الإنسان، والأشعة لا تؤثر إلا في الناسلات الموجودة فضلاً عن أن تحدث هذه الأشعة التي لا عقل لها ولا إدراك عقلاً للإنسان يمتاز به عن القرد وغيره من سائر الحيوانات.
إن الأشعة تؤثر على الناسلات تأثيراً أقرب إلى التشويه منه إلى الإصلاح كما يحدث من الأشعة الذرية تقول مجلة (لايف): (إن الإشعاع الذري هو كابوس علم الأجنة المزعج) ولقد اتفقت أبحاث (موللر) ودراسات (دونالدسون) على أن: (التحولات الصغيرة تضعف والتحولات الكبيرة تقتل) وتقول مجلة (ساينس ليتر) في عددها الصادر في نوفمبر 1950م: (ليس من قبيل المبالغة أن تقول أن 99 % من الجينات الناتجة عن التحولات جينات ضارة).
وإلى جانب مخالفة علم الوراثة (لنظرية دارون) فإن التجربة تنقصه فهاهم اليهود والمسلمون من بعدهم يختنون أبناءهم ولكن ذلك كله لم يسبب أن ولد أطفالهم بعد مرور السنين مختونين.
وهكذا الفرق أن كلما تقدم العلم أثبت بطلان نظرية (دارون) وفي هذا يقول (كريس موريسون) رئيس أكاديمية العلوم (بنيويورك) وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي بالولايات المتحدة سابقاً في هذا الموضوع في كتابه المترجم (العلم يدعو للإيمان) يقول: (فعلم الوراثة الحديث يقيم أسئلة تصعب الإجابة عنها والاكتشافات الأخرى تجعل من عمل (دارون) مجرد خطوة عظيمة في سير الفكرة الفلسفية إلى الأمام).
النظرية لا يؤيدها الواقع المشاهد: 1 – لو كانت النظرية حقاً لشاهدنا كثيراً من الحيوانات والإنسان تأتي إلى الوجود عن طريق التطور، لا عن طريق التناسل فقط.
وإذا كان التطور يحتاج إلى زمن طويل فذلك لا يمنع من مشاهدة قرود تتحول إلى آدميين في صورة دفعات متوالية كل سنة، أو كل عشر سنوات، أو كل مائة سنة!!
2 – لو سلمنا أن الظروف الطبيعية والانتخاب الطبيعي، قد طورت قرداً إلى رجل - مثلاً- فإنا لن نسلم أبداً بأن هذه الظروف قد قررت أيضاً أن تكون امرأة لذلك الرجل ليستمرا في التناسل ولبقاء مع الموازنة بينهما (57).
3 – إن القدرة على التكيف التي نشاهدها في المخلوقات -كالحرباء- مثلاً التي تتلون بحسب المكان هي مقدرة كامنة (58) في تكوين المخلوقات تولد معها، وهي عند بعضها وافرة وعند البعض الآخر تكاد تكون معدومة، وهي عند جميع المخلوقات محدودة لا تتجاوز حدودها فالقدرة على التكيف صفة متطورة تكونها البيئة كما يزعم أصحاب النظرية، وإلا كانت البيئة فرضت التكيف على الأحجار والأتربة وغيرها من الجمادات.
4 – تمتاز الضفادع على الإنسان بمقدرة على الحياة في البر والماء، كما تمتاز الطيور عليه بمقدرة على الطيران المباشر والانتقال السريع وذلك بدون آلة، كما أن أنف الكلب أشد حساسية من أنف الإنسان، فهل أنف الكلب أكثر رقياً من أنف الإنسان؟ وهل الضفادع والطيور أرقى من الإنسان في بعض الجوانب؟
كما أن عين الجمل أو الخيل أو الحمار ترى أن النهار وفي المساء على السواء في حين تعجز عين الإنسان عن الرؤية في الظلام كما أن عين الصقر أشد من عين الإنسان.
فهل الصقر أو الحمار أرقى من الإنسان؟ وإذا أخذنا الاكتفاء الذاتي أساساً للرقي كما هو بالنسبة لحال الدول فإن النبات عندئذ يفوق الإنسان وجميع الحيوانات.
لأنه يضع طعامه وطعام غيره دون أن يحتاج لغذاء من غيره.
وإذا أخذنا الضخامة أساساً للرقي، عندئذ يجب أن يكون الجمل والفيل وحيوانات ما قبل التاريخ الضخمة أرقى من الإنسان!!
موقف العلماء الطبيعيين من النظرية: 1 – المؤيدون للنظرية وتأييدهم كأن أكثره انتصاراً لحرية الفكر الذي كانت الكنيسة تحاربه وتقاومه، وحرباً مضادة يشنها علماء الطبيعة ضد قسس الكنيسة وأفكارهم بعد أن نشبت الحرب طاحنة بين الفريقين.
2 – معارضون، وهم المطالبون بدليل محسوس على فعل (الانتخاب الطبيعي) في تحويل الأنواع ولا سيما نوع الإنسان فالمعترضون عليه طلباً للأدلة الطبيعية لا يقلون عدداً أو اعتراضاً عن المعترضين اللاهوتيين في أوروبا.
وهذه بعض آراء العلماء المعارضين كما نقل الأستاذ إبراهيم حوراني: (إن العلماء لم يثبتوا مذهب «دارون» وكذلك نفوه وطعنوا فيه مع علمهم أنه بحث فيه عشرين سنة.
ومنهم العلامة «دنشل» ومنهم العلامة «دالاس» الذي قال قال ما خلاصته: «إن الارتقاء بالانتخاب الطبيعي لا يصدق على الإنسان ولابد من القول بخلقه رأسا» ومنهم الأستاذ «فرخو» الذي قال: أنه يتبين لنا من الواقع أن بين الإنسان والقرد فرقاً بعيداً فلا يمكننا أن نحكم بأن الإنسان سلالة قرد أو غيره من البهائم ولا يحسن أن نتفوه بذلك».
ومن «ميفرت» القائل بعد أن نظر في حقائق كثير من الأحياء: «إن مذهب «دارون » لا يمكن تأييده وإنه رأي من آراء الصبيان» ويقول أحد المتعصبين لنظرية دارون هو: (سير أرثر كيث) «إن نظرية النشوء لا زالت حتى الآن بدون براهين.
وستظل كذلك والسبب الوحيد في أننا نؤمن بها هو أن الدليل الوحيد الممكن لها هو الإيمان بالخلق المباشر وهذا أمر غير وارد على الإطلاق».
وهذا بروفيسور آخر من جامعة لندن هو البروفيسور (واطسون) يقول: «إن علماء الحيوان يؤمنون بالنشوء لا كنتيجة للملاحظة أو الاختيار أو الاستدلال المنطقي ولكن لأن فكرة الخلق المباشر فكرة بعيدة عن التصور» نعم هي بعيدة عن أذهان النصارى الذين يزعمون أن الله مكون من ثلاثة وهو واحد. وأن 1= 3.
ومن المعارضين العلامة «فون بسكون» الذي قال بعد أن درس هو و «فرخو» تشريح المقابلة بين الإنسان والقرد: إن الفرق بين الاثنين أصلي وبعيد جداً..
ومنهم العلامة «أغاسير» الذي قال في رسالة في أصل الإنسان تليت في ندوة العلم الفيتكورية ما خلاصته: إن مذهب (دارون) خطأ علمي باطل في الواقع، وأسلوبه ليس من العلم في شيء، ولا طائل تحته.
ومنهم العلامة (هكسلي) وهو من اللاإدارية وصديق (لدارون) قال: إنه بموجب ما لنا من البينات لم يتبرهن قط أن نوعاً من النبات أو الحيوان نشأ بالانتخاب الطبيعي أو الانتخاب الصناعي.
ومنهم العلامة «تندل» وهو مثل «هيكل» قال: إنه لا ريب في أن الذين يعتقدون بالارتقاء يجهلون أنه نتيجة مقدمات لم يعلم بها، ومن المحقق عندي أنه لا بد من تغيير مذهب (دارون).
ويرفض هذه النظرية كثير من العلماء أمثال الأستاذ «فيالتون» عميد كلية الطب بجامعة «مونتبلييه» وأستاذ علم الأجنة فيها، وكالأستاذ «كاترفاج» مدير متحف التاريخ الطبيعي بباريس، وهو القائل: «إننا لا نعلم كيف تكونت الأنواع الحية.
إننا نعلم فقط أنها غير قابلة للتحول وأننا على يقين بأن (دارون) و(لامارك) لم يكتشفا الناموس الحقيقي لطريقة تكوينها.
نظرية لا حقيقة: لذلك كله فقد أطلق على ما قاله (دارون) بشأن التطور (نظرية التطور) وهناك فرق كبير لدى العلماء بين النظرية والحقيقة أو القانون.
فالنظرية في اصطلاحهم هي ما تحتمل التصديق والتكذيب، أما الحقيقة أو القانون فلا يحتمل وجهاً من أوجه الباطل.
لماذا انتشرت إذن؟ سبب انتشار هذه النظرية هو مجيئها في وقت أذن الله فيه أن يظهر باطل ذلك الدين المحرف الباطل (النصرانية) على أيدي جماعة من أبنائه، فكان لتقدم العلوم أثر كبير في كشف باطل ذلك الدين الزائف، مما أدى إلى نشوب معركة ضارية ذهب ضحيتها آلاف من علماء الطبيعة.
وفي المعترك الحامي أخذ كل فريق في استخدام كل سلاح ضد خصمه.
فانتشرت هذه النظرية كسلاح شهره علماء الطبيعة في وجه دينهم، ثم في وجه كل دين وطئت أقدامهم المستعمرة أرضه، لاعتقادهم بصدق هذه النظرية، وانتقاماً من ذلك الدين الباطل الذي وقف حجر عثرة أمام البحث في ميادين العلوم الطبيعية، ثم وسيلة لتحطيم أديان الأمم المستعمرة، حتى يسهل على المستعمرين السيطرة على هذه الشعوب بعد أن تحطم دينها، وهكذا فرض التعليم الاستعماري هذه النظرية في مناهج الدراسة وقدمها في ثوب (علمي) حتى يستطيع أن يقنع الطلاب بصدق هذه النظرة ليحدث ما رسم له في أذهان الطلاب من خلاف بين العلم الذي زيفوه والدين، فيكفر الناس بدينهم؛ ويكفي أن يعرف الطالب أنه بواسطة هذه النظرية انحرف كثير من أبناء الإسلام عن دينهم في شتى الأقطار الإسلامية.
ولذلك فقد حرص الاستعمار على تعليم هذه النظرية في عدن لأبناء المدارس الابتدائية في الوقت الذي يحرم فيه القانون الأمريكي تعليم هذه النظرية في المدارس منذ سنة 1935م.
ولكن أوروبا بعد أن قضت على خصمها (الدين الباطل) عادت لتعلن أن نظرية (دارون) التي استخدمها في المعركة لدعم موقفها ليست حقيقة علمية، وإنما هي مجرد نظرية تكشف العلوم كل يوم باطلها.
موقف العلماء المسلمين من النظرية: 1 – قال فريق من العلماء: إن النظرية تتعرض لبيان الكيفية التي وجدت بها المخلوقات وترتيب وجودها، وهذا ميدان حث الإسلام عليه بقوله: "قُلْ سِيرُوا فِي الأرضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ (26)" سورة العنكبوت: 26.
وليس هناك نص قطعي في القرآن يحدد الكيفية التي جاء بها آدم إلى الأرض أو التي جاءت بها هذه المخلوقات.
فلنا أن نبحث ونرى ونقرر بعلم قطعي ما وصل إليه بحثنا.
فعلى فرض صدق نظرية «دارون» فهي لا تصادم نصاً قطعياً، لا يحتمل التأويل.
وأشهر القائلين بهذا الشيخ حسن الجسر صاحب الرسالة الحميدية.
2 – وقال فريق آخر: إن قصة آدم قد بينها الله، وكيف عاش في الجنة ثم هبط إلى الأرض فلا مجال للتأويل، والنصوص ظاهرها أن آدم مخلوق مستقل خلقه الله لإرادة محددة، ولا داعي لتأويل القرآن وفقاً لنظرية مشكوك فيها كلما تقدم العلم كشف باطلها.
ومن الحق أن نقول هنا: إذا كانت هذه النظرية صادقة فقد تكون صادقة في مجال خلق الكائنات الحية ما عدا الإنسان.
دعاء الله وآدابه مجيب الدعاء: إن بين المؤمن وربه علاقة وثيقة، يرى المؤمن ويرى معه الناس آثار هذه العلاقة جلية واضحة، تشهد بوجود الله سبحانه وبقربه من عباده وأن رحمته قريب من المحسنين تلك العلاقة هي: الدعاء من المخلوقات والإجابة من الخالق سبحانه.
أدلة مشاهدة: 1- من أبرز الأدلة في هذا هو ما يعرفه المسلمون من إجابة ربهم عندما يحبس عنهم المطر في موعده، ويتخلف عنهم أشهراً كثيرة أو عدداً من السنين حتى يضيق بهم الحال فيخرج المسلمون إلى ربهم تائبين من المعاصي وبقدر صدق التوبة، وصدق النوايا تكون الإجابة.
وكم شاهد اليمنيون في بلادهم كيف يحول ربهم تلك السماء الصافية إلى سماء ملبدة بالغيوم، وذلك الجو الجاف إلى جو مطير بتلك السحب التي ينشئها ويسوقها سميع الدعاء، وذلك عقب الدعاء.
ولم يحدث هذا مرة أو عشر مرات ولكنه حدث عشرات الآلاف من المرات، وأمره مشهور بين الناس لا ينكره إلا جاحد، هذا في بلاد اليمن ناهيك عما يعرفه المسلمون في باقي بلدانهم.
2- ويعرف كثير من المرضى إجابة ربهم للدعاء، بعد أن يعجز الطب عن شفائهم، فيلجأون إلى الله بالدعاء فلا يلبث ذلك المرض أن يزول بقدرة الله الخفية. ونحن مأمورون بالتداوي، فإذا عجز الناس فإن الله لا يعجزه شيء، ويمكنك أن تسأل أيها القارئ المطلعين على مثل هذه الأمور فستجد كثيراً من الشواهد، ويبرر الملحدون هذا بقولهم: هذا من تأثير العقائد، وعجباً هل إذا اعتقدت الآن أنك قادر على الطيران بدون آلة سوف يؤثر فيك هذا الاعتقاد فتطير؟!
ويمكنك أن تعرف إجابة ربك للدعاء بأن تدعو أنت ربك وستجد الجواب على أن تكون متحلياً بآداب الدعاء.
3- ما حدثنا عنه تاريخنا الإسلامي بتواتر عن انتصار جيوش المسلمين القليلة في العدد والعُدد على أعدائهم الذين يفوقونهم بالعدد والعُدد. يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحــمــد لــبــن AhmadLbn في الجمعة 21 أكتوبر 2016, 6:31 pm عدل 1 مرات |
|