الأدلة على وجود الله:
الأدلة على وجود الله لا تحصى، وعددها كعدد مخلوقات الله، فكل مخلوق يحمل أدلة تدلنا على خالقنا وتعرفنا بموجده العليم الحكيم.

قال تعالى: "إِن َّفِي السَّمَاوَاتِ والأرضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِين" الجاثية: 3.

وقال الشاعر: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.

ونعرف وجود الله بطريقين:
أولاً: عن طريق الأدلة المشاهدة في المخلوقات:
وتقوم هذه الأدلة على أسس عقلية لا يخالفنا فيها أحد مهما كان دينه أو جنسه أو علمه أو مكانته وهذه هي الأسس:

العدم لا يفعل شيئاً:
فمن المستحيل أن يوجد فعل بدون فاعل، ومن المستحيل أن يفعل العدم شيئاً لأنه لا وجود للعدم.

الفعل مرآة لبعض قدرة فاعله وبعض صفاته:
إن بين الفعل والفاعل علاقة قوية، فالفاعل هو المقدمة، والفعل هو النتيجة ولا يكون شيء في الفعل ليس للفاعل قدرة على فعله.

فمثلاً: إذا نظرنا إلى مصباح كهربي عرفنا:
*أن لدى صانع ذلك المصباح زجاجاً.

*وأن الصانع يقدر على تشكيل ذلك المصباح في الشكل الذي تراه (شكل كرة).

*وأن لدى الصانع أسلاكاً من (التنجستن) ذلك لأنه من المستحيل وجود المصباح بزجاجة وأسلاك (التنجستن) التي فيه دون أن يكون له قدرة على تشكيل الزجاج والتنجستن في الشكل الذي تراه في المصباح.

وإذا تأملت جيداً إلى المصباح وتفكرت:

*ستجد الإحكام في الصنع يحدث عقلك أن صانع المصباح حكيم.

*وسترى التصميم الكهربائي يشهد لك أن الصانع خبير بالكهرباء.

وإذا شاهدنا سيارة متحركة، تسير في الطرقات المعبدة، وتتحرك عند اللزوم، وتتوقف في المكان المعلوم، وتدور في المكان المعد للدوران عرفنا:

*أن سائق السيارة عاقل مفكر.

*وأن له إرادة حكيمة أحكمت توجيه السيارة.

*وأنه على علم بطريقة قيادة السيارة.

* وأنه موجود.

فلولا وجوده ما تحركت السيارة تلك الحركات المنظمة الدقيقة.

*هناك علاقة محكمة بين المصنوع والصانع، والفعل والفاعل.

*لا يكون شيء في المصنوع أو الفعل إذا كان الصانع أو الفاعل لا يملك قدرة أو صفة تمكنه من فعل ذلك الشيء في مصنوعه أو فعله.

*كل شيء في المصنوع أو الفعل يدل على قدرة أو صفة الصانع أو الفاعل.

*المصنوع أو الفعل مرآة لبعض قدرة الفاعل وبعض صفاته.

إذن:
*إذا تفكرنا في أي مصنوع أو فعل عرفنا منه بعض صفات صانعه أو فاعله
وبعض قدرته.

وكذلك:
*إذا تفكرنا في المخلوقات عرفنا منها بعض صفات الخالق وبعض قدرته سبحانه.

وهكذا عرفنا بعضاً من قدرة الصانع والسائق وصفاتهما من الآثار المشاهدة لأفعالهما أمامنا، وبهذا كان الفعل مرآة لقدرة فاعله وبعض صفاته.

فاقد الشيء لا يعطيه:
فنحن إذا شاهدنا مقتولاً في الشارع فإن أحداً منا لا يدعو إلى إلقاء القبض على حجرة بجوار القتيل بتهمة القتل، لأنها لا تملك القدرة على الفعل، كما أن الواحد منا لا يزعم بأن حيواناً لا يعقل قد أطلق قمراً صناعياً يدور حول الأرض؛ لأن الحيوان لا يملك القدرة على إطلاق ذلك القمر.

وهكذا يحكم العقل حكماً جازماً بأن ليس الفاعل من لا يملك القدرة على الفعل.

وفاقد الشيء لا يعطيه.

تطبيق الأسس العقلية:
1  فإذا طبقنا الأساس الأول:
(العدم لا يخلق شيئاً) وشاهدنا ملايين الملايين من الأحداث تحدث كل يوم في هذا الكون الفسيح جزمت عقولنا بأن لكل فعل منها فاعلاً لأن العدم لا يخلق شيئاً.

"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْْضَ بَل لا يُوقِنُونَ" الطور: 35 ، 36.

2  وإذا طبقنا الأساس الثاني:
الفعل مرآة لبعض قدرة فاعلة وبعض صفاته وجدنا أن هذه الأفعال والأحداث:

*محكمة في نظامها تشهد أنها من صنع حكيم.

*موجهة في سيرها تشهد أنها من صنع مريد.

*عظيمة في تكوينها تشهد أنها من صنع عظيم.

*متناسقة في أعمالها مترابطة في خلقها تشهد أنها من صنع الواحد الأحد.

*خاضعة لنظام موحد تشهد أنها من صنع حاكم مهيمن.

فتجزم كل العقول بأن خالق هذه المخلوقات: حكيم، عليم، خبير.. الخ.

الوجود:
أ- وإذا شاهدنا هذا الملكوت البديع وجدناه دائماً في سيره، مستمراً في نظامه، فيشهد ذلك كل صاحب عقل، أن حاكمه المهيمن على سيره، المسيطر على نظامه الثابت المتنوع لا شك موجود دائم.

"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ" الزخرف: 87.

"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ" العنكبوت: 61.

"قُلْ لِمَنْ َالأرضَ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" المؤمنون: 84.

"قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ" المؤمنون: 88.

"قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأرضَ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَي َّمِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَُّه فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ" يونس: 31.

ب- إن الصفات السابقة، التي عرفنا أنها صفات لخالق الكون (حكيم، عليم، خبير، مريد، عظيم، واحد، أحد، حاكم، مهيمن)، إن هذه الصفات لا تكون صفات لمعدوم إنما هي صفات لا شك للخالق الموجود الدائم.

3  وإذا طبقنا الأساس الثالث:
فاقد الشيء لا يعطيه نجد أنه:

لا يوجد بين هذه المخلوقات من يتصف بأنه: الحكيم، العليم، الخبير، المريد، العظيم، الواحد، الأحد، الحاكم، المهيمن، الموجود، الدائم.

إذن:
خالق الكون هو غير الكون المخلوق.
هو: الحكيم، الخبير، المريد، العظيم، الواحد، الأحد، الحاكم، المهيمن، الخالق، الموجود، الدائم.

قال تعالى: "هُوَ اللَُّه الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" الحشر: 24.

وهكذا نجد أن الطريق الأول لمعرفة الله هو التفكر في مخلوقاته.

فكلما ازداد الإنسان علماً بمخلوقات الله وأسرار خلقها ازداد إيماناً.

لذلك حث الإسلام إلى التفكر وحض على العلم المفيد وأشار خاصة إلى العلوم الكونية التي تبحث في أسرار خلق الله.

"أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ وَمَا خَلَقَ اللَُّه مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" الأعراف: 185.

قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَن َّاللََّه أَنْزَلَ مِنْ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللََّه مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِن َّاللََّه عَزِيزٌ غَفُورٌ" فاطر: 27 ، 28.

ثانياً: معرفة الله بواسطة رسله:
أنك حقاً قد عرفت بعض صفات صانع المصباح الكهربائي وسائق السيارة، ولكن هل تستطيع أن تعرف أخلاق صانع المصباح الكهربائي من مشاهداتك لما صنع؟ أهو كريم أو بخيل؟ أهو رحيم أم قاس؟ وهل سيبيع لك المصباح أم لا، وهل هو متواضع أم متكبر؟ وما هي الأشياء التي يحبها والأشياء التي يؤكد لك أن لهذا المصباح الكهربائي صانعاً ولديه الزجاج ولديه أسلاك التنجستن وأنه خبير في الكهرباء وأنه قادر على صناعة هذه المصابيح كما يعرفك بما يعرف هو من أخلاق الصانع السالفة الذكر.

ولكنك لا تطمئن إلى شيء مما يقوله مندوب الصانع إلا بعد أن تتاكد أنه حقاً مندوب الصانع، وأنه صادق فيما يقول..

"وَلله الْمَثَلُ الأعْْلَى" النحل: 60.

وهكذا بالنسبة لكمال معرفتنا بخالقنا، فنحن نجهل كثيراً من صفات الله التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالاتصال برسل الله الذين يحملون الأدلة التي تثبت حقاً أنهم مرسلون صادقون قد أرسلهم الله.

وإن الدنيا لتمتلئ بأخبارهم وقصصهم حتى كاد أن يكون تاريخ البشر هو تاريخهم مع رسل الله.

فالطريق الثاني لمعرفة وجود الله وتأكيد ما عرفناه من مشاهدة مخلوقاته ومعرفة ما غاب عنا من صفاته هو طريق معرفة رسله الذين أيدهم بالمعجزات والأدلة، والبينات، الشاهدة لهم، أنهم رسل رب العالمين حقاً.

قال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" الحديد: 25.

جهالة:
وإن تعجب فمن تلك الجهالة المضحكة التي تزعم: أن إيمان المسلم يقوم على مقدمات لم يسلم بها.

فهل المقدمات السابقة لا تسلم بها العقول؟!!

إن كل عقل سليم من عصبيات الجاهلية لا شك يسلم ويذعن للمقدمات السابقة التي يقوم عليها إيمان المسلم.

أما أدلة وبينات رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فستأتي في مكانها.

الخلاصة:
*الإيمان بوجود الله شعور فطري ينبع من النفس, وعلى المسلم أن يؤيد إيمانه الفطري بالأدلة العقلية القاطعة، والبينات الساطعة، فلا خير في إيمان المقلد الأعمى.

*عدد الأدلة على وجود الله كعدد مخلوقاته، وتنقسم إلى قسمين:
أ- أدلة مشاهدة في المخلوقات.

ب- أدلة جاء بها المرسلون.

*القواعد العقلية التي لا يعارضها إنسان هي:
-1 العدم لا يخلق شيئاً.

-2 الفعل مرآة لبعض قدرة فاعله وبعض صفاته.

-3 فاقد الشيء لا يعطيه.

* وبتطبيق هذه القواعد نجد:
أن هذه المخلوقات التي تملأ صفحة الكون تشهد بأن لها خالقاً حكيماً، عليماً، خبيراً، مريداً، عظيماً، حاكماً، مهيمناً، موجوداً.

*استمرار النظام، ودوام السير المحكم يشهد أن خالقه المهيمن على السير والنظام موجود، كما تشهد الصفات المشاهدة آثارها في الكون أنها صفات لخالق موجود، لأن المعدوم ليس له صفات أو آثار.

*لا يوجد مخلوق يتصف بصفات: الحكمة، والعلم الشامل، والإرادة المطلقة، والمهيمنة على ما في الكون، فيشهد ذلك بأن خالق الكون غير هذه المخلوقات المشاهدة.

*آمنا بصدق الرسل لأنهم قدموا لنا الأدلة القاطعة، والبينات الواضحة على صدق رسالتهم.

*يقوم الإسلام على مقدمات عقلية تسلم بها العقول، ولا يجحدها إلا من أصيب بعصبية وجاهلية.

الله هو المقيت الرزاق:
قال تعالى: "فَلْيَنْظُرْ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُم َّشَقَقْنَا الأرضَ شَقًّا
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنعَامِكُمْ" عبس: 24 - 32.

نحن والطعام:
هذا الرجل كان بالأمس طفلاً صغيراً فمن أين جاء نمو جسمه؟

هذا الإنسان الذي يتحرك أمامك من أين جاءت له القوة المحركة لأجزائه الساكنة؟!!

من أين جاءت هذه الصحة المشاهدة في الناس؟!!

إن النظرة القاصرة السريعة تجيب فتقول:
الطعام هو الذي نمى الأطفال ومد الأجسام بالطاقة المحركة، وعمل على وقايتها من الأمراض.

فهل يقوم الطعام بذلك حقاً من ذات نفسه بتدبير منه وتقدير، أم أنه يقوم بما سبق بتدبير وتقدير من خالق الطعام؟

وهيا لننظر:
"فَلْيَنْظُرْ الإنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ"
إننا قد وجدنا أنه لكي ينمو الجسم ويتحرك ويكتسب وقاية من الأمراض فهو بحاجة إلى توفير كميات مستمرة إلى داخل كل خلية في الجسد من المواد الآتية: الزلاليات (البروتينات)، والأملاح، والمواد النشوية، والدهنية، والفيتامينات والماء[ 2] كما أن كل خلية بحاجة إلى إخراج دائم لبقايا التفاعلات الكيماوية وفضلاتها وإلا أهلكتها تلك البقايا والفضلات.
يتبع إن شاء الله...