"العالم الفرنسي"
(موريس بوكاي)
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}
(اللَّهُ جَلَّ جَلَالُه).
في مساء يومٍ من أيام عام 1871م، جلس الأخوان محمد وأحمد عبد الرسول ليشربا الشاي بالقرب من قطيع الماشية الذي كان يرعي أمامهما، ولكن أحد الأخوين لاحظ أن خروفاً من بين القطيع قد توارى بين التلال ليختفى أثره بعد ذلك!
فَصُعِقَ الأخَوَانِ الفقيران من غياب ذلك الخروف الذي كان يُمَثِّلُ لهما ثروةً ضخمةً، فهلعا يتتبَّعان أثر الخروف الضَّائع، حتى وجدا بِئْرًا مهجورةً بين الصُّخور، فاقتربا من تلك البئر لينزل أحدهما فيه ليسأله أخوه إن قد وجد الخروف، ليجيبه أخوه وهو يصيح ضاحكًا: "أي خروفٍ تتحدث عنه؟! لقد وجدت كنزًا يا أخي!".
بعد ذلك بعشرة سنوات وفي عام 1881م لاحظ أحد مُهَرِّبِي الآثار المصريين أن هناك رجلان ثريَّان في إحدى القُرى النَّائية يُقال لهما الأخوان عبد الرسول قد أشيعت حولهما الأساطير، فقام بمراقبتهما وتتبع مكان البئر، ليخبر بعدها مدير الآثار المصرية الفرنسي (جاستون ماسبيرو) بأمر ذلك البئر المهجور، لينزل هذا العالم إلى ذلك البئر ليُعلن بعدها لِلْعَالَمْ أنه قد عثر على مجموعة من المومياءات.
كان من بينها مُومياءَ عجيبة لم تتغير كثيرًا على الرغم من بقائها لأكثر من 3500 عام، فلقد كانت هذه الجثة لأحد ملوك الدولة الحديثة وهو الملك (رمسيس الثاني)، هذا الملك هو نفسه فرعون موسى!
وفي عام 1981م تسلم الرئيس الفرنسي الراحل (فرانسوا ميتران) زمام الحُكم في فرنسا ليطلب من الحكومة المصرية في نهاية الثمانينات استضافة مومياء الفرعون لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية عليه، وفعلًا تم نقل جثمان أشهر طاغوت عرفته الأرض "فرعون" إلى باريس.
فحُمِلَتْ على إثرها مومياء الطاغوت بموكبٍ لا يقل حفاوةً عن استقباله، وليتم نقله بعدها إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي ليستدعى لها أكبر عالمٍ في فرنسا، ألا وهو البروفيسور (موريس بوكاي)، وذلك لدراسة تلك المومياء واكتشاف أسرارها.
وبينما كان المُعالجون مهتمّين بترميم المومياء، كان اهتمام موريس مُنْصَبًّا على محاولة اكتشاف كيفية مَوْت هذا الفرعون، فجثة رمسيس الثاني لم تكن كباقي جُثث الفراعين التي تم تحنيطها من قبل.
فوضعية المَوت عنده غريبة جداً، فلقد فوجيء المكتشفون عندما قاموا بفك أربطة التحنيط بيده اليسرى تقفز فجأة للأمام!
أي أن مَنْ قاموا بتحنيطه أجبروا يديه على الانضمام لصدره كباقي الفراعين الذين ماتوا من قبل!!
فأخذ البروفوسور بوكاي يُحَلَّلْ الجثة لعلّه يجد حلًا لذلك اللغز، وفي ساعة متأخرة من الليل ظهرت النتائج النهائية للبروفيسور موريس: لقد كانت هناك بقايا للملح معلقةً في جسد الفرعون، وتبيَّن أيضاً مع صورة بأشعة إكس أن عظام فرعون قد انكسرت من دون أن يتمزَّق الجلد المُحيط بها!
فاستنتج البروفسور الفرنسي من ذلك أن الفرعون قد مات غرقًا، وأن سبب انكسار عظامه دون تمزُّق اللحم كان بسبب الضغط الرهيب الذي سَبَّبَتْهُ المياه في أعماق البحر السَّاحقة، ولكن الغريب أن جثة فرعون رغم سقوطها في قاع البحر العميق يبدو عليها أنها طفت بشكل غريب على سطح البحر بسرعة ليتم تحنيطها فورًا قبل تَحَلّلْ الجُثَّة!
واستطاع بوكاي أيضًا تفسير الوضعيَّة الغريبة ليد رمسيس اليسرى، فلقد وضَّح بوكاي أن فرعون كان يمسك لجام فرسه أو السَّيف بيده اليُمنى، ودِرْعَهُ باليد اليسرى، وأنه في وقت الغرق رأى شيئًا غريبًا أدى لتشنج أعصابه بشكل فظيع ساعة الموت، ونتيجة لشدة المفاجأة وبلوغ حالاته العصبية لذروتها ودفعه الماء بدرعه فقد تشنجت يده اليسرى وتيبست على هذا الوضع، فاستحالت عودتها بعد ذلك لمكانها!
وهذه الحالة تشبه تمامًا حالة تيبس يد الضحية وإمساكها بشيء من القاتل كملابسه مثلًا، ولكن سؤالًا أخيرًا بقي يحير البروفسور موريس بوكاي، وهو: كيف بقيت هذه الجثة أكثر سلامةً من غيرها رغم أنها استُخرجت من البحر الذي من المفروض أن يعمل أكثر على سرعة تحلل الجثة؟!!
فأعد البروفيسور الفرنسي موريس بوكاي تقريرًا نهائيا لكي يعلن للعالم عن اكتشافه الجديد، أو لنقل ما كان يعتقد أنه اكتشاف جديد، فَقَرَّرَ أن يعقد مؤتمرًا صحفيًا لكي يعلن ذلك، قبل أن يهمس أحد معاونيه في أذنه: "لا تتعجل يا مسيو بوكاي، فإن المسلمين يعرفون هذا الشيء بالفعل!"
فتعجَّب البروفيسور من هذا الكلام، واستنكر بشدة هذا الخبر واستغربه، فمثل هذا الإكتشاف لا يمكن معرفته إلا من خلال أجهزة حاسوبية حديثة بالغة الدقة، ثم (وهو الأهم) أن مومياء رمسيس تم اكتشافها أصلاً عام 1898م!
فازداد البروفيسور ذهولاً وأخذ يتساءل:
كيف يستقيم في العقل هذا الكلام؟ والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئاً عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جُثث الفراعنة أصلاً إلا قبل عقودٍ قليلة!
فجلس موريس بوكاي ليلته بالمختبر محدقاً بجُثمان فرعون، وهو يسترجع في ذهنه ما قاله له زميله أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجُثَّة بعد الغرق!
في الوقت الذي لا يوجد أي ذكر في الكتاب المقدس عندهم لمصير الجثة بعد غرقها، وانهالت التساؤلات على ذهن موريس، ثم قَرَّرَ أن يطلب نسخةً من الكتاب المقدس، فأخذ يقرأ: "فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر، ولم يبق منهم أحد!".
وبقي موريس بوكاي حائرًا، فحتى الكتاب المقدس الذي يزعم علماء النصارى أن محمدًا قد سرق منه قصص الأنبياء السابقين لم يتحدث من قريب أو بعيد عن نجاة هذه الجُثَّة وبقائها سليمة!
فمن أين أتى هذا البدوي بهذه الحقيقة العلمية وهو في أعماق الصحراء؟!
عند ذلك الوقت حَزَمَ البروفسور الفرنسي موريس بوكاي أمتعته واتجه إلى بلاد المسلمين يريد مقابلة عدد من علماء التشريح المسلمين، وهناك كان أول حديث تحدثه معهم فيه عما اكتشفه من نجاة جثة فرعون، فابتسم له عالم مسلم وأعطاه كتاب الترجمة الانجليزية للقرآن وقال له اقرأ هذا يا بروفسور: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} [يونس: 92].
فما إن قرأ بوكاي هذه الكلمات القليلة حتى كاد أن يسقط من على قدميه، فصرخ بالحاضرين: "لقد آمنت برب هذا الكتاب، لقد آمنت بالرسول الذي جاء به! لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن"
ثم رجع موريس بوكاي إلى فرنسا بغير الوجه الذي ذهب به، وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شُغْلٍ يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمُكتشفة حديثاً مع القرآن الكريم.
فكانت ثمرة هذه السنوات التي قضاها الأخ الفرنسي المسلم موريس: أن خرج بتأليف كتاب من أعظم كُتُبِ القَرن العشرين.
هذا الكتاب وقع كالزلزال في أوساط الكنيسة في روما، فلقد كان عنوان الكتاب (القرآن والكتاب المقدس والعلم) ومن أول طبعة له نفد من جميع المكتبات في أوروبا!
ثم أعيدت طباعته بمئات الآلاف بعد أن ترجم من لغته الأصلية (الفرنسية) إلى العربية والإنكليزية والإندونيسية والتركية والألمانية، لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب، وليدخل من خلاله آلاف الناس في الإسلام.
فكما أن فرعون المُجرم رَبَّى موسى بيديه ليصبح له حَزَنًا في حياته، فها هو الآن بعد مَمَاتِهِ يُصبح سببًا في إسلام الآلاف، لتبقى جثته دليلًا على هزيمة كل مَنْ يحارب الإسلام والمسلمين في جميع العصور والأزمنة!
ومن نفس الأرض التي خرج منها فرعون، خرج عظيم إسلامي من صعيد مصر، لا ليقول للناس أنا ربكم الأعلى، بل ليسافر إلى أقصى بقعة في مشارق الأرض ليقول للناس هناك: اللهُ هو رَبُّكُمْ الأعلى!
الشيخ الأزهري (علي الجرجاوي)
الصعيدي الذي كاد أن يتسبب في إسلام إمبراطور اليابان.
فَمَنْ هو إذًا ذلك الصعيدي البطل الذي فتح إمبراطورية اليابان بمفرده؟
يتبع...
يتبع إن شاء الله...